أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة الثالثة والتسعون بعد الثلاثمئة في موضوع الشكور

نبذة عن الفيديو

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان : * العبيد بين الشكران والجحود فإنَّ الله تعالى أكْرَمَنَا - نحن معاشر بني آدم - وفضَّلنا على سائر المخلوقات؛ قال - جل في علاه -: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70]. وسَخَّر لنا ما في السموات وما في الأرض، وأسبغ علينا نعِمَه الظاهرة والباطنة؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان: 20]. وآتانا مِنْ كل ما سألناه، ومن كل خير لَم نسأله؛ قال سبحانه:﴿ وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾ [إبراهيم: 34]. وتكرَّم علينا بالعقل الذي هو مناط التكليف، وهدانا النجدَيْن، ويسرنا لأحد السبيلَيْن، وتفضَّل علينا نحن المسلمين - بنِعمة الهداية للدين الحق من غير أن نسأله، وأعطانا النِّعم التي نرفل فيها صباح مساء، بل في كل طرفة عين وانتباهتها، وأقل من ذلك. فنعمُه علينا لا تزال تترى، وأفضاله سبحانه علينا تغمرنا، ولن نستطيع لها إحصاءً؛ قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18]، ومع ذلك لا نقدرها قدرها، ولا يشكره عليها منَّا إلا القليل، كما قال سبحانه: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]. مع أنَّه - جلَّ في عُلاه - وَعَد الشاكر بالمزيد، فلن يشكر مجانًا، بل إن مَن أحب النِّعمة وتعلَّق بها، وخاف زوالها عنه، فما عليه إلا أن يشكره سبحانه عليها ليزيده مِنْ فَضْله؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]. والمتدبر في الآيتين اللتين تُعلمانا أننا لا نستطيع إحصاء نعَم الله علينا، يجد أن الله تعالى يقول في الآية الأولى: ﴿ وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]. أما الثانية فيقول فيها الحق سبحانه: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾النحل: 18]. وفي ذلك يقول العلامة الشنقيطي - رحمه الله -: "قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن بني آدم لا يقدرون على إحصاء نعَم الله لكثْرتها عليهم، وأتْبع ذلك بقوله:﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾، فدلَّ ذلك على تقصير بني آدم في شُكر تلك النِّعم، وأن الله يغفر لمن تاب منهم، ويغفر لمن شاء أن يغفر له ذلك التقصير في شكر النِّعم، وبين هذا المفهوم المشار إليه هنا بقوله: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]"[ "أضواء البيان" 2/ 362.] ولا يظنن ظانٌّ أن شكره سبحانه عسيرٌ، ويحتاج إلى العمل الكثير والذكر الطويل، بل هو من أيسر ما يكون، ومع يُسره فرِضا الله متعلِّق به؛ قَالَ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فيحمده عليها، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَة فيحمده عليها [ أخرجه مسلم 4915 من حديث أنس - رضي الله عنه.] قال المُناوي - رحمه الله -: "عبَّر بالمرَّة إشعارًا بأنَّ الأكل والشرب يستحقُّ الحمد عليه وإنْ قلَّ، وهذا تنويهٌ عظيم بمقام الشكر[ "التيسير بشرح الجامع الصغير" 1/ 528.] إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم