أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة الثالثة بعد الثلاثمئة في موضوع الشكور
نبذة عن الفيديو
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان: * فكل من الصبر والشكر داخل في حقيقة الآخر لا يمكن وجوده إلا به وإنما يعبر عن أحدهما باسمه الخاص به باعتبار الاغلب عليه والأظهر منه وإلا فحقيقة الشكر إنما يلتئم من الصبر والإرادة والفعل فإن الشكر هو العمل بطاعة الله وترك معصيته والصبر أصل ذلك فالصبر على الطاعة وعن المعصية هو عين الشكر وإذا كان الصبر مأمورا به فأداؤه هو الشكر ، فإن قيل فهذا يفهم منه اتحاد الصبر والشكر وإنهما اسمان لمسمى واحد وهذا محال عقلا ولغة وعرفا وقد فرق الله سبحانه بينهما؟ ، قيل بل هما معنيان متغايران وإنما بينا تلازمهما وافتقار كل واحد منهما في وجود ماهيته إلى الآخر ومتى تجرد الشكر عن الصبر بطل كونه شكرا وإذا تجرد الشكر عن الصبر بطل كونه صبرا أما الأول فظاهر وأما الثاني إذا تجرد عن الشكر كان كافورا ومنافاة الكفور للصبر أعظم من منافاة السخوط . فإن قيل بل ها هنا قسم آخر وهو أن لا يكون كفورا ولا شكورا بل صابرا على مضض وكراهة شديدة فلم يأت بحقيقة الشكر ولم يخرج عن ماهية الصبر قيل: كلامنا في الصبر المأمور به الذي هو طاعة لا في الصبر الذي هو تجلد كصبر البهائم وصبر الطاعة لا يأتي به إلا شاكر ولكن اندرج شكره في صبره فكان الحكم للصبر كما اندرج صبر الشكور في شكره فكان الحكم للشكر فمقامات الإيمان لا تعدم بالتنقل فيها بل تندرج وينطوى الادنى في الاعلى كما يندرج الإيمان في الإحسان وكما يندرج الصبر في مقامات الرضا لا أن الصبر يزول ويندرج الرضا في التفويض ويندرج الخوف والرجاء في الحب لا أنهما يزولان فالمقدور الواحد يتعلق به الشكر والصبر سواء كان محبوبا أو مكروها فالفقر مثلا يتعلق به الصبر وهو أخص به لما فيه من الكراهة ويتعلق به الشكر لما فيه من النعمة فمن غلب شهود نعمته وتلذذ به واستراح واطمأن إليه عده نعمة يشكر عليها ومن غلب شهود ما فيه من الابتلاء والضيق والحاجة عده بلية يصبر عليها وعكسه الغنى على أن الله سبحانه ابتلى العباد بالنعم كما ابتلاهم بالمصائب وعد ذلك كله ابتلاء فقال ﴿وَنَبْلُوكم بِالشَّرِّ والخَيْرِ فِتْنَةً﴾ وقال ﴿فَأمّا الإنْسانُ إذا ما ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأكْرَمَهُ ونَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أكْرَمَنِ وأمّا إذا ما ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أهانَنِ﴾ وقال { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا } وقال ﴿الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ والحَياةَ لِيَبْلُوَكم أيُّكم أحْسَنُ عَمَلًا﴾ وقال وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة ايام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا فأخبر سبحانه أنه خلق العالم العلوي والسفلى وقدر أجل الخلق وخلق ما على الأرض للابتلاء والاختبار وهذا الابتلاء إنما هو ابتلاء صبر العباد وشكرهم في الخير والشر والسراء والضراء فالابتلاء من النعم من الغنى والعافية والجاه والقدرة وتأتي الأسباب أعظم الابتلائين والصبر على طاعة الله أشق الصبرين كما قال الصحابة رضي الله عنهم ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر والنعمة بالفقر والمرض وقبض الدنيا وأسبابها وأذى الخلق قد يكون أعظم النعمتين وفرض الشكر عليها أوجب من الشكر على أضدادها فالرب تعالى يبتلي بنعمه وينعم بابتلائه غير أن الصبر والشكر حالتان لازمتان للعبد في أمر الرب ونهيه وقضائه وقدره لا يستغنى عنهما طرفة عين والسؤال عن أيهما أفضل كالسؤال عن الحس والحركة أيهما أفضل وعن الطعام والشراب أيهما أفضل وعن خوف العبد ورجائه أيهما أفضل فالمأمور لا يؤدى إلا بصبر وشكر والمحظور لا يترك إلا بصبر وشكر وأما المقدور الذي يقدر على العبد من المصائب فمتى صبر عليه اندرج شكره في صبره كما يندرج صبر الشاكر في شكره إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم