أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة الثانية والسبعون بعد المئتين في موضوع الشكور
نبذة عن الفيديو
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والسبعون بعد المئتين في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: * الله - عز وجل - هو المحمود المحبوب المعظم ذو الجلال والإكرام على كل ما قدره وخلقه، وعلى كل ما أمر به وشرعه. فليتأمل اللبيب مواقع هذا الخطاب وشدة لصوقه بالقلوب والتباسه بالأرواح وأكثر القرآن جاء على هذا النمط من خطابه لعباده بالتودد والتحنن واللطف والنصيحة البالغة، وأعلم سبحانه عباده أنه لا يرضى لهم إلا أكرم الوسائل وأفضل المنازل وأجل العلوم والمعارف. قال تعالى: ﴿إن تَكْفُرُواْ فَإنّ اللهَ غَنِيّ عَنكم ولاَ يَرْضىَ لِعِبادِهِ الكُفْرَ وإن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر: ٧]، وقال تعالى: ﴿اليَومَ أكْمَلْتُ لَكم دِيْنَكم وأتْمَمْتُ عَلَيْكم نِعْمَتِى ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣]، وقال: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وقال: ﴿يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيّنَ لَكم ويَهْدِيَكم سُنَنَ الّذِينَ مِن قَبْلِكم ويَتُوبَ عَلَيْكم واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ واللهُ يُرِيدُ أن يَتُوبَ عَلَيْكم ويُرِيدُ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الشّهَواتِ أن تَمِيلُواْ مَيْلًا عَظِيمًا يُرِيدُ اللهُ أن يُخَفّفَ عَنْكم وخُلِقَ الإنسانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٢٦-٢٨]. ويتنصل سبحانه إلى عباده من مواضع الظنة والتهمة التي نسبها إليه من يعرفه حق معرفته ولا قدره حق قدره : من تكليف عباده ما لا يقدرون عليه ولا طاقة لهم بفعله ألبتة، وتعذيبهم إن شكروه وآمنوا به، وخلق السماوات والأرض وما بينهما لا لحكمة ولا لغاية، وأنه لم يخلق خلقه لحاجة منه إليهم، ولا ليتكثر بهم من قلة ولا ليتعزز بهم كما قال: ﴿وَما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنهم مِن رِزقٍ وما أُرِيدُ أنْ يُطْعِمُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦-٥٧]، فأخبر أنه لم يخلق الجن والإنس لحاجة منه إليهم، ولا ليربح عليهم، لكن خلقهم جودًا وإحسانًا ليعبدوه فيربحوا هم عليه كل الأرباح كقوله: ﴿إنْ أحْسَنْتُمْ أحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ﴾ [الإسراء: ٧]، ﴿وَمَن عَمِلَ صالِحًا فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ [الروم: ٤٤]، ولما أمرهم بالوضوءِ وبالغسل من الجنابة الذي يحط عنهم أوزارهم ويدخلون به عليه ويرفع به درجاتهم، قال تعالى: ﴿ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكم مِن حَرَجٍ ولَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكم ولِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكم لَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: ٦]، وقال في الأضاحى والهدايا: ﴿لَنْ يَنالَ الله لُحُومُها ولا دِماؤُها ولَكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنكُمْ﴾ [الحج: ٣٧]، وقال عقيب أمرهم بالصدقة ونهيهم عن إخراج الرديء من المال: ﴿وَلاَ تَيَمّمُواْ الخَبِيثَ مِنهُ تُنْفِقُونَ ولَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلاّ أن تُغْمِضُواْ فِيهِ واعْلَمُواْ أنّ اللهَ غَنِيّ حَمِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٦٧]. يقول سبحانه: إني غنى عما تنفقون أن ينالني منه شيء، حميد مستحق المحامد كلها، فإنفاقكم لا يسد منه حاجة ولا يوجب له حمدًا، بل هو الغني بنفسه الحميد بنفسه وأسمائه وصفاته وإنفاقكم إنما نفعه لكم وعائدته عليكم. ومن المتعين على من لم يباشر قلبه حلاوة هذا الخطاب وجلالته ولطف موقعه، وجذبه للقلوب والأرواح ومخالطته لها أن يعالج قلبه بالتقوى، وأن يستفرغ منه المواد الفاسدة التي حالت بينه وبين حظه من ذلك، ويتعرض إلى الأسباب التي يناله بها، من صدق الرغبة واللجإ إلى الله أن يحيى قلبه ويزكيه ويجعل فيه الإيمان والحكمة، فالقلب الميت لا يذوق طعم الإيمان ولا يجد حلاوته ولا يتمتع بالحياة الطيبة لا في الدنيا ولا في الآخرة ومن أراد مطالعة أُصول النعم فليسم سرح الذكر في رياض القرآن، وليتأمل ما عدد الله فيه من نعمه وتعرف بها إلى عباده من أول القرآن إلى آخره حين خلق أهل النار وابتلاهم بإبليس وحزبه وتسليط أعدائهم عليهم وامتحانهم بالشهوات والإرادات والهوى لتعظم النعمة عليهم بمخالفتها ومحاربتها، أعداء الله على أوليائه وعباده أتم نعمة وأكملها في كل ما خلقه من محبوب ومكروه، ونعمة ومحنة وفي كل ما أحدثه في الأرض من وقائعه بأعدائه وإكرامه لأوليائه، وفي كل ما قضاه وقدره، وتفصيل ذلك لا تفى به أقلام الدنيا وأوراقها ولا قوى العباد، وإنما هو التنبيه والإشارة. إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم