أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة الثامنة عشرة بعد المئتين في موضوع الشكور
نبذة عن الفيديو
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة عشرة بعد المئتين في موضوع الشكور والتي هي بعنوان : *الحفاظ على نعمة العقل إن العقل أساس الأعمال وينبوعها، والمميز بين الأشياء ومرجعها؛ ولذلك كان مناط التكليف الإلهي في الإنسان، فإذا وجد وجد التكليف وإذا انعدم انعدم به التكليف، فلا تكليف على قاصر حتى يبلغ، ولا على مجنون حتى يعقل. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الغلام حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق) وإذا أردت أن تعرف -أيها الإنسان- فضل الله عليك بهذه النعمة فانظر إلى من فقدها كالمجنون أو أصحاب الأمراض العقلية، فالحمد لله على نعمته ونسأله المزيد من فضله، وأن تكون هبته سائقة لنا إلى شكره وحسن عبادته. ومما يبين لنا عظم هذه النعمة وأهميتها في الشريعة الإسلامية: أن الجناية على العقل حتى يخرج عن حد التكليف توجب الدية كاملة كدية النفس؛ لأن العقل أشرف المعاني والأعضاء، وهو من أعظم آلات السعادة وصلاح الحياة. إن العقل عند العقلاء ينقسم إلى قسمين: الأول: العقل الغريزي، وهو العقل المشترك بين العقلاء. والثاني: العقل الاكتسابي، وهو ما يكتسب من تجارب الزمان ووقائعه. والعقل الغريزي لا يبلغ غاية الكمال إلا بمعاونة العقل المكتسب كالنار والحطب، وذلك أن العقل الغريزي آلة، والمكتسب مادة، وإنما الأدب عقل غيرك تزيده إلى عقلك. وأما العقل المكتسب فإنه لا ينفك عن العقل الغريزي، وقد ينفك العقل الغريزي عن المكتسب فيكون صاحبه مسلوب الفضائل موفور الرذائل، وبهذا يتمايز العقلاء، ويعرف الألباء من الجهلاء. أيها العقلاء، إن العقل نور يهدي صاحبه إلى محاسن الأقوال والأفعال، وكم من إنسان يتصرف تصرف المجانين والبهائم، بحيث يعيش لشهواته ونزواته وأهوائه واعتداءاته. قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف179]. ولقد خلق الله الإنسان وخلق له العقل ليتدبر الأمور ويحسن التصرفات، ويعرف قيمة الحياة الفانية وقيمة الحياة الباقية. قال تعالى: ﴿ وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل78]. وقد أدرك العقلاء فضل العقل وأهميته، فقال بعض السلف: " ما أوتي رجل بعد الإيمان بالله عز وجل خيراً من العقل.وقال بعضهم: مروءة الإنسان عقله" وقال آخر : يُعدُّ رفيعَ القوم من كان عاقلاً *** وإن لم يكن في قومه بحسيب وإن حلّ أرضاً عاش فيها بعقله *** وما عاقل في بلدة بغريب وقال بعضهم: وأفضل قَسْم الله للمرء عقلُه *** وليس من الخيرات شيء يقاربه ويزري به في الناس قلةُ عقله *** وإن كرمت أعراقه ومناسبه إن العقل الصحيح النافع يقود صاحبه إلى معرفة خالقه والعمل بشرائعه، والسير على الطريق التي جعلها سبيلاً موصلة إليه، يعرف من أين جاء ولماذا جاء وإلى أين المصير. والعقل الصحيح هو المستفيد من آيات الله تعالى المسطورة، وآياته المنشورة على هذا الكون؛ لتهديه -حينما يشاهدها ويتفكر فيها- إلى الصراط المستقيم. وهذا العقل هو اللب والنُّهى الذي أثنى الله على أصحابه في كتابه العزيز، وبين أنهم هم المستفيدون من آيات الله ومن العظات والعبر في هذه الحياة. قال تعالى: ﴿ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269]. وقال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164]. وقال: ﴿ كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى ﴾ [طه: 54]. إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم