أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة الواحدة والسبعون بعد المائة في موضوع الشكور

نبذة عن الفيديو

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والسبعون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *شُكرُ الله على نعمة اللسان ألاوإن من شكر الله على نعمة اللسان: استعمال نطقه وصمته فيما يرضي الله تعالى، فاللسان عضو صغير لكن خطره كبير، فـ" اللّسان من نعم اللّه العظيمة، ولطائف صنعه الغريبة. فإنّه صغير جِرْمه، عظيم طاعته وجُرْمه، إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلّا بشهادة اللّسان، وهما غاية الطّاعة والعصيان. وأعصى الأعضاء على الإنسان اللّسان؛ فإنّه لا تعب في إطلاقه ولا مؤنة في تحريكه. وقد تساهل الخلق في الاحتراز عن آفاته وغوائله، والحذر من مصائده وحبائله. وإنّه أعظم آلة للشّيطان في استغواء الإنسان. واللّسان رحْب الميدان، ليس له مردّ، ولا لمجاله منتهى وحدّ. له في الخير مجال رحب، وله في الشّرّ ذيلٌ سحب، فمن أطلق عَذَبة اللّسان، وأهمله مرخيّ العنان سلك به الشّيطان في كلّ ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار، إلى أن يضطرّه إلى البوار، ولا يكبّ النّاسَ في النّار على مناخرهم إلّا حصائدُ ألسنتهم، ولا ينجو من شرّ اللّسان إلّا من قيّده بلجام الشّرع، فلا يطلقه إلّا فيما ينفعه في الدّنيا والآخرة، ويكفّه عن كلّ ما يخشى غائلته في عاجله وآجله؛ ذلك أنّ خطر اللّسان عظيم، ولا نجاة من خطره إلّا بالصّمت؛ فلذلك مدح الشّرع الصّمت وحثّ عليه"[ إحياء علوم الدين (3/ 108).] "إن الكلام ترجمان يعبّر عن مستودعات الضّمائر، ويخبر بمكنونات السّرائر، لا يمكن استرجاع بوادره، ولا يقدر على ردّ شوارده، فحقّ على العاقل أن يحترز من زللّه، بالإمساك عنه، أو بالإقلال منه"[ أدب الدنيا والدين (ص: 340).] لقد جعل "سبحانه على اللسان غَلْقين: أحدهما: الأسنان، والثاني: الفم، وجعل حركته اختيارية، وجعل على العين غطاء واحداً، ولم يجعل على الأذن غطاء، وذلك لخطر اللسان وشرفه، وخطر حركاته، وكونه في الفم بمنزلة القلب في الصدر وذلك من اللطائف، فإن آفة الكلام أكثر من آفة النظر، وآفة النظر أكثر من آفة السمع، فجعل للأكثر آفاتٍ طبقين، والمتوسط طبقًا، وجعل الأقل آفة بلا طبق"[ أدب الدنيا والدين (ص: 340).] فسبحان الخالق العليم الحكيم! أيها الفضلاء، إن مما يدل على خطر اللسان: أن نطقه مسجل في صحيفة عمل العبد خيراً أو شراً، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ﴾ [الانفطار: 10] ﴿ كِرَامًا كَاتِبِينَ ﴾ [الانفطار: 11] ﴿ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 12]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال معاذ: بلى، يا رسول الله، قال: كف عليك هذا- وأشار إلى لسانه- قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! قال: ثكلتك أمك، وهل يَكب الناسَ في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم؟!)[ رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وهو صحيح.] وأن الكلمة التي يفوه بها قد تسوقه إلى الجنة أو تهوي به في نار جهنم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفع الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم) [ رواه البخاري.] ومن ذلك أيضًا: أن أكثر ما يقع زلل الإنسان من قبل لسانه، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه ارتقى الصفا فأخذ بلسانه فقال: يا لسان، قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثر خطايا ابن آدم في لسانه)[ التبيان في أقسام القرآن (2/ 312).] ولما كان الأمر كذلك كانت اللسان إذا لم تستقم شاهدة على صاحبها يوم القيامة، سائقة له إلى النار، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النور: 24]، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: (الفم والفرج)، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: (تقوى الله وحسن الخلق)[ رواه الترمذي، وهو حسن.] فلهذا كله خاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمة ذرابة الألسنة واعوجاجها، وحث على كفها وإمساكها، فعن سفيان بن عبد اللّه الثّقفيّ رضي اللّه عنه قال: قلت: يا رسول اللّه، حدّثني بأمر أعتصم به. قال: قل: (ربّي اللّه ثمّ استقم). قلت: يا رسول اللّه، ما أكثر ما تخاف عليّ؟. فأخذ بلسان نفسه ثمّ قال: (هذا)[ رواه الترمذي وابن ماجه، وهو صحيح.] إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم