أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة الخامسة والخمسون بعد المائة في موضوع الشكور

نبذة عن الفيديو

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والخمسون بعد المئة في موضوع الشكور والتي هي بعنوان : *شكر السَّمع أيها الناس، تتعدد نِعم الله على العباد، وتكثر مِنُنه عليهم، ولا عادّ لما أعطى، ولا محصيَ لما أولى، ألا وإن من تلك النعم الجليلة والمنن الجزيلة: نعمة السمع التي بها إدراك المسموعات، وتمييز الأصوات ، فيا لها من منَّة عظيمة، ونعمة جسيمة! فمع مجيء الإنسان إلى الدنيا رافقته حاسةُ السمع إلى هذه الحياة؛ لكونها طريقًا إلى معرفة الخالق ومعرفة خلقه، ومفتاحًا له إلى إدراك علومه وأحواله، قال تعالى:﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]. وقال: ﴿ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [السجدة: 9]. كم في هذه النعمة على الإنسان من تحصيل منافع له ودفع مضار عنه؛ فبها تصل إليه أصوات الهداية التي تصلح قلبه وروحه، وبها يصل إلى مصالح عيشه وتنظيم أحوال حياته، وبها يريح نفسه ويشرح صدره بالأصوات الجميلة؛ كخرير الماء، ودوي المطر، وهدير الأمواج، وهبوب الرياح، وحفيف الأشجار، ورفيف الأغصان، وتغريد البلابل، وزقزقة العصافير. وبها نستطيع أن نعيش مع الآخرين فنفهمهم ويفهموننا من خلال الكلام ونستفيد منهم ويستفيدون منا، وبها يتلقى الأطفال اللغة ليتكلموا بها، فلولاها لما عرفوا الكلام. وبهذه النعمة يميز الإنسان بأن هذا صوت قرآن وهذا صوت ألحان، وهذا صوت إنسان وهذا صوت حيوان، وهذا صوت والد، أو صوت ولد، وهذا صوت عليه أن يقبل عليه، وهذا صوت عليه أن يحذر منه. عباد الله، من أراد معرفة عظمة هذه النعمة من حيث الخَلق، ومن حيث الأثر، فليعلم أن الله القائل: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4] قد أحسن خِلقة الجهاز السمعي فركبه أحسن تركيب من داخله ومن خارجه، فكم فيه من آيات تدل على قدرة الله وإحكام خلقه، ورحمته بعبده، وكيف جعل له أذنين جميلتين وسيلة لجمع الأصوات، وكيف ركَّب كلاً من الأذن الخارجية والأذن الوسطى والأذن الداخلية من أجزاء دقيقة تعمل لصالح السمع. وكيف جعلت الشريعة الإسلامية الاعتداء على الأذن فيه القصاص، وفي الديات جعلت في كل أذن نصف الدية، وفي إذهاب حاسة السمع كله الديةَ كاملة. وأما من حيث الأثر فانظر أيها الإنسان السليم في سمعك إلى ذوي العيوب في السمع، انظر إلى ضعيف السمع كم يلاقي من العناء حتى يفهم مراد الأصوات، وانظر إلى فاقد السمع كم يتعرض لبعض الأضرار وفوات بعض المصالح ويجد من المشقات بسبب صممه، واسأل بالكتابة -إن وجدت- من كان سميعًا ثم أصيب في سمعه: كم الفرق في حاله قبل صممه وبعده؟ لتدرك عظمة نعمة الله تعالى عليك. ألا فاشكرِ الله على نعمته الجزيلة عليك بسلامة سمعك، ولكن تذكر أن هذه النعمة ستسأل عنها يوم القيامة: هل استعملتَها في سمع ما يرضي الله أو استعملتها في سمع ما يسخطه؟ قال تعالى: ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾الإسراء: 36]. أيها المسلمون، إن السمع بوابة لكسب الحسنات، أولاكتساب السيئات،وقناة للخيرأوللشر، والحريص على دينه وصلاح عيشه ينتقي ما يسمع فلا يصغي أذنيه لكل صوت، بل يفتحها لاستماع ما يجلب له الخير العاجل والآجل. فمما ينبغي الاستماع إليه: صوت الحق الذي يهدي مستمعه إلى الصراط المستقيم، ويرشده إلى الحق، ويبين له الصواب. فأشرف المسموعات: القرآن الكريم، فالقرآن كتاب هداية وإرشاد، ودلالة إلى سبل الخير، وتحذير من سبل الشر، وحروفه وجملُه ذات وقع معجز، وتأثير عجيب، فمن أصغى إليه سمعَه، وأحضر عند ذلك قلبَه انتفع بسماعه هدايةً واسترشاداً، وتلذذاً وعملاً، قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، قال بعض أهل العلم: " إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألقِ سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه؛ فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله،قال تعالى:﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفاً على مؤثر مقتض، ومحل قابل، وشرط لحصول الأثر وانتفاء المانع الذي يمنع منه؛ تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المراد..."[ الفوائد (ص: 3)، ثم شرح ابن القيم ذلك شرحًا نافعًا.] إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم