أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة التاسعة والأربعون بعد المائة في موضوع الشكور

نبذة عن الفيديو

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والأربعون بعد المئة في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :* بين شكر النعم وكفرها والشكر كما يكون باللسان يكون بالقلب والأركان كذلك، فهو كما قال ابن القيم: "يكون بالقلب خضوعًا واستكانة، وباللسان ثناءً واعترافًا، وبالجوارح طاعة وانقيادًا" (مدارج السالكين: [2/246]). فمن أتى بهذه الثلاثة كان شاكرًا ظاهرًا وباطنًا، فله بإذن الله دوام النعم وزيادتها، ومن أخل بواحد منها كان أمره يدور بين النفاق وبين عدم القيام بواجب الشكر على وجهه، فلا يؤمن على مثله استلاب النعم. وإذا كان شكر الله سبحانه وتعالى على ما أنعم فرض لازم، فإن نفع هذا الشكر لا يعود إلا على الشاكرين، إذ الله عز وجل غني عن الخلق وعن شكرهم وعبادتهم، قال تعالى: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان:12]، ثم إنه سبحانه وتعالى يجازي على الشكر بالمزيد، قال عز وجل: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]، وهذا أيضًا من النعم! فلهذا قيل: كيف نشكره وشكره يستوجب منا الشكر؟ أي أننا مهما قمنا بواجب الشكر فلن نشكره سبحانه حق شكره. وكونه سبحانه يزيد الشاكرين، فهذا يعني أن الشكر يحفظ أصل النعم ويبقيها، ولهذا قيل: الشكر قيد النعم الموجودة، وصيد النعم المفقودة. وهنا لا بد أن نسأل أنفسنا، هل أدينا شكر هذه النعم وغيرها، أم كفرناها وقابلناها بالأشر والبطر والمعاصي والذنوب؟ إن كفران النعم قد يكون بعدم مشاهدة المنعِم كما كانت حال صاحب الجنتين في سورة الكهف، وحال غيره من الكفار، وقد يكون بعدم مشاهدتها ابتداءً، فلا يرى العبد ما أنعم الله عليه من نعمة الإيجاد، ومن نعمة الإمداد؛ بالصحة والعافية، والمال والولد، والمنزل والمركب، وغير ذلك، وقد يكون بالتكبُّر والاستعلاء على خلق الله بهذه النعم، وقد يكون في استخدامها في معصية الله بدل استخدامها في طاعته. فأين نحن من كل ذلك؟ ألا نرى بين أظهرنا من لا يشهد بفضل الله عليه ولسان حاله أو مقاله: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص من الآية:78]! ألا نرى من بيننا من يسخط ما هو فيه من نعم ويتطلع دومًا لمن هو فوقه في الدنيا! ألا نرى من يستطيل بنعم الله على عباده ويزدريهم ويحتقرهم، ولسان حاله أو مقاله ناطق بما قاله الأول لصاحبه:{أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}الكهف من الآية:34! ألا نرى آلات اللهو التي انتشرت في البيوت، وما يحصل في الأسواق والمهرجانات الثقافية والإعلامية وغيرها مما يغضب الله؟! إن كل هذا مؤذن بزوال النعم -والعياذ بالله- ما لم يتدارك الأمر، فلا بد من تقوى الله عز وجل حتى لا يصيبنا ما أصاب سبأ، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ . فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ . ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:15-17]، أو ما أصاب القرى التي أخبر عنها ربنا بقوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص:58]. إن من تأمَّل في الأحوال ليُقارِن بين ما كانت عليه قبل ثلاثين أو عشرين سنة وبين ما هي عليه اليوم! هاله ما يجد من تحولات وتغيرات، وما فقدناه من بعض النعم، فما كان بالأمس من أشد الممنوعات والمحظورات، وما كان خطوطًا حمراء لا يمكن الاقتراب منها فضلًا عن تجاوزها، صار اليوم كلأً مباحًا للعلمانيين وأشباههم ليطعنوا فيه ويشككوا، وما كنا نشتكي منه في تلك الأيام ونحاربه من صور المنكرات، أصبح شيئًا يسيرًا وهينًا بالنظر لما يتفشى يومًا بعد يوم! فينبغي علينا جميعًا أن نراجع أنفسنا لنعرف لم سلبنا بعض تلك النعم، ولا نحمل غيرنا مسؤولية ذلك، قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165].[ الأنترنت – موقع طريق الإسلام - بين شكر النعم وكفرها – د ناصر العمر] إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم