أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة الخامسة والأربعون بعد المائة في موضوع الشكور

نبذة عن الفيديو

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والأربعون بعد المئة في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : * نشكر الله على إكرامنا بالطعام ففي السنة النبوية اعتبار للتمرة الواحدة، واللقمة الواحدة، ولذا استخدمها النبي عليه الصلاة والسلام مرات عدة في حديثه؛ فأخبر أن الرجل حين يطعم زوجته لقمة فهي له صدقة، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ... الحديث» فاعتبر عليه الصلاة والسلام التمرة واللقمة، ولم يحتقرها. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ" رواه أحمد، والظلف: خف الشاة، وفي كونه محرقا مبالغة في غاية ما يعطى من القلة. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَلْيُنَاوِلْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ، أَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ، فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلاَجَهُ» متفق عليه. بل اعتبر بعض التمرة ولم يحقرها لقلتها، فقال عليه الصلاة والسلام «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ...» فمن يطرأ عليه أن يكرم بعض تمرة فيرفعها إن كانت ساقطة، ويأكلها أو يتصدق بها؛ فإنَّ شق التمرة قد يقيك من النار، وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ، الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ» رواه مسلم. وقد يدخل النار عبد في تمرة أو خبزة ألقاها ولم يأبه بها، أو يسلب ما بين يديه من النعم بسببها. وتأملوا إكرام النعمة في الحديث الآتي، وعدم الاستهانة بقليل الطعام ولو كان لقمة واحدة أو أقل منها، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ...» رواه مسلم. وبقايا الطعام في الصحاف والقدور والأواني لا تحتقر ولا يستهان بها، بل تكرم وتصان وتسلت فتؤكل، قال أنس رضي الله عنه: «وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ» رواه مسلم. والصحابة رضي الله عنهم أخذوا إكرام النعمة واحترامها، وعدم الاستهانة بقليلها من النبي عليه الصلاة والسلام؛ عن ميمونة أنها أبصرت حبة رمان في الأرض فأخذتها وقالت: «إن الله لا يحب الفساد». وتصدق عمر وعائشة بحبة عنب، وقالا: «فيها مثاقيل كثيرة». وروي عن سعد بن أبي وقاص: «أنه تصدق بتمرتين، فقبض السائل يده، فقال للسائل: ويقبل الله منا مثاقيل الذر، وفي التمرتين مثاقيل ذر كثيرة». فما كان الصحابة رضي الله عنهم يحتقرون قليل الطعام أن يرفعوه أو يقدموه صدقة، لا يحتقرون تمرة ولا عنبة ولا حبة رمان؛ لعلمهم أن الله تعالى يعاملهم بمثاقيل الذر؛ ولعلمهم أن إهانة الطعام كفر للنعمة، وأن كفر النعمة يزيلها ولا يبقيها. ﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى * وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 81، 82] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم... فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واشكروه على نعمه، واحذروا الكفر والفسوق والعصيان ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم:7]. أيها المسلمون: لنحذر من كفران نعمة الطعام، ولنقتصد في أفراحنا وولائمنا واحتفالاتنا؛ فإن هذه المباهاة التي نعيشها تنذر بخطر عظيم، وهي إثم كبير، حين نتلف الكثير من الطعام وفي الأرض جياع، والله تعالى يبدل من حال إلى حال، فلا نغتر بما نرى من كثرة الأطعمة في أسواقنا وبيوتنا؛ فإن الله تعالى إن قدَّر عقوبتنا سلبها منا في لمح البصر، فصرنا بعد الشبع جياعا. وإخواننا المحاصرون في الشام الذين ضربهم الجوع حتى هلكوا لا أقول إنهم يتمنون فائض أطعمتنا، ولا باردها وبائتها، ولا ما يسقط على سفرنا أثناء أكلنا... بل يتمنون ما نقدمه نحن للبهائم من خبز مكث شهرا وشهرين حتى يبس واشتد، وما نقدمه للطيور من حب بارد بائت قد تراكم مع الأيام، وخلط بعضه ببعض حتى عافت النفس رؤيته وريحه ومنظره... إن إخوانكم في الشام ليتمنونه، ويبذلون فيه أنفس ما يملكون، فالجوع لا يرحم، وألمه لا يسكن، والبطن يطلب المزيد، حتى أكلوا القطط والكلاب والأعشاب، وحتى بكت عجائزهم من ألم الجوع. إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم