أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة الرابعة والأربعون بعد المائة في موضوع الشكور

نبذة عن الفيديو

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والأربعون بعد المئة في موضوع الشكور والتي هي بعنوان : * نشكر الله على إكرامنا بالطعام قال الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل : نشكر الله على إكرامنا بالطعام حاجة الإنسان إلى الطعام دليل على ضعفه وأسره، وحاجته إلى غيره، ونعمة الطعام من أعظم النعم التي تحفظ الجنس البشري من الانقراض، فلا حياة للإنسان بلا طعام. ومن نظر في القرآن وجد أن الطعام ذكر أكثر ما ذكر في سورتي الأنعام والنحل، والأنعام منها الألبان واللحوم وهي أفخر الطعام، والنحل ينتج العسل وهو أطيب الطعام، وسورة النحل تسمى سورة النعم لكثرة ما فيها من ذكر النعم. وفي هاتين السورتين ذكر الله تعالى ما يكون سببا لبقاء الطعام، والتمتع به، وازدياده، وما يكون سببا لقلته وذهابه، ووقوع الجوع والهلاك به؛ فبقاء النعم ونماؤها وزيادتها مرتهن بالشكر، وفي سورة النحل ذكر الله تعالى الخليل عليه السلام ووصفه بأنه كان ﴿ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ ﴾ [النحل:121] فوصفه سبحانه بالشكر، والخليل كان يكرم الضيفان بالعجول السمان حتى كني من كرمه أبا الضيفان، ولم يجد قلة رغم كرمه؛ لأنه قيد نعم الله تعالى عليه بالشكر. وزوال النعم مرتهن بالكفر، وقد عالجت سورة الأنعام هذه القضية مع ذكر الطعام، ففيها ﴿ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [الأنعام:142] فالنهي عن اتباع خطوات الشيطان بعد ذكر الأكل مشعر بأن اتباع خطواته كفر لنعمة الأكل، والشيطان يدعو لكل سوء، ويزين للعبد كل معصية. فيزين الكفر والجحود والنفاق والعصيان، ويزين الإسراف في المآكل والمشارب والحفلات والولائم. وهو ما جاء النهي عنه في موضع آخر من سورة الأنعام مقرونا بالأكل أيضا وبذكر الثمار والحبوب التي هي من ضرورات الأكل؛ فأغلب ما يأكل الناس الحبوب: ﴿ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141]. إن حفظ النعم من الزوال مرتهن بطاعة الله تعالى فيها كسبا وإنفاقا، وشكره سبحانه عليها. إن بقاء النعم مرتهن بإكرامها، وعدم الاستهانة بقليلها ولو كان حبات أَرُزٍّ، أو كسرة خبز، أو قليل حساء، أو حبة تمر.. فمن استهان بقليل النعمة استهان بكثيرها، ومن ألقى كسرة خبز، وأهان حبيبات أَرُزٍّ، هانت النعمة في نفسه فألقى الكثيرمن الطعام. إن من نظر في أطعمتنا اليومية، وولائمنا الموسمية، واحتفالاتنا العرضية ثم قارن ذلك بمفهوم السلف للنعمة وإكرامها علم أننا نهين النعم ولا نكرمها، ونكفرها ولا نشكرها،ونتسبب في زوالها لا استدامتها. إننا نجازى بمثاقيل الذر ﴿ إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾ [النساء:40] وكم في حبة الأَرُزِّ من ذرة، وكم في بقايا الخبز من ذرة، ونستهين بما هو أكبر منها كالتمرة واللقمة، ولننظرْ في موائدنا اليومية كم يسقط من الطعام على السفرة، وكم فيه من ذرة، ولو جُمع لأشبع إنسانا أو أكثر، بينما يأنف أحدنا أن يجمع ما سقط منه ليأكله فلا يُبقي حبة بعده، وذلك لأن الصحن أمامه مملوء بالطعام تحيط به أوان أخرى مملوءة بأطعمة منوعة، فلا حاجة لأن يلتقط ما يتساقط منه، وهذا من الاستهانة بالنعمة. وأما إذا صنع وليمة لضيفه فما يبقى أكثر مما يأكلون، وأكبر همٍّ يحمله أهل البيت بعد الوليمة هو تصريف ما بقي من الطعام، ولو حفظوه لأكلوا منه أسبوعا، ولكن أنفسهم المترفة تأنف من طعام بائت! فإما بعثوا به إلى فقراء أو جمعيات تطعمهم، وهذا في أحسن الأحوال. وإما ألقي للحيوانات وهو من أفخر الطعام، وفي الناس جياع، وإما رمي في الزبالة، وهذا كفر للنعمة شنيع، وأشنع منه من يتخلصون من بقايا الطعام بإلقائها في المجاري، نعوذ بالله تعالى من كفر المنعم، وإهانة النعم. وأما في الولائم الكبرى من أعراس واحتفالات ونحوها، فأمر لا يكاد يصدق من الإسراف في كثرة الطعام وأنواعه، ولولا أن الواحد منا يحضرها ويراها لما كان يصدق كثرتها وتنوعها لو وصفت له، وفي بعض الاحتفالات يجمع فائض الأطعمة بالجرافات التي صنعت لجرف التراب لا لجرف الطعام، وذلك من كثرتها حتى عجز الناس عن حملها، وفي منظر مؤذ من مناظر كفر النعمة تقف سيارة النفايات عند بوابة مخيم، وعمال النظافة يفرغون الصحون المملوءة باللحم والأرز فيها؛ للتخلص منها، وفي أحد الاحتفالات أحصي ما استغني عنه من طعام بعد الحفل فبلغ خمسين طنا من الطعام، تشبع مئة ألف إنسان، وهذا في احتفال واحد، وكم في السنة من احتفالات؟! إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم