أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة الثامنة والثمانون في موضوع الشكور
نبذة عن الفيديو
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثمانون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *نعمة نكاح الصالحات ثماره وآثاره (والشكرلله) وقد ذكر ابن أبي الدنيا في كتابه [الورع]؛ قال العباس بن سهم: إن امرأة من الصالحات أتاها نعي زوجها وهي تعجن، فرفعت يديها من العجين، وقالت: هذا طعام قد صار لنا فيه شريك [أي الورثة]. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كنت مع أبي يومًا من الأيام في المنزل، فدق الباب، وقال لي: اخرج انظر من بالباب، قال: فخرجت فإذا امرأة، قالت لي: أستأذن على أبي عبد الله تعني أباه، قال: فاستأذنت، فقال: ادخلها، فدخلت فجلست، فسلمت عليه، وقالت له: يا أبا عبد الله أنا امرأة أغزل بالليل في السراج فربما طفئ السراج فأغزل في القمر، فعلي أن أبين غزل القمر من غزل السراج؟ قال: فقال لها: إن كان عندك بينهما فرق فعليك أن تبيني ذلك، قال: قالت له: يا أبا عبد الله، أنين المرض شكوى؟ قال: أرجو أن لا يكون شكوى، ولكنه اشتكاه إلى الله، قال: فودعته وخرجت، قال: فقال لي: يا بني، ما سمعت قط إنسانًا يسأل عن مثل هذا، اتبع هذه المرأة فانظر أين تدخل؟ قال: فتبعتها، فإذا هي قد دخلت إلى بيت بشر بن الحارث، وإذا هي أخته، قال: فرجعت فقلت له، فقال: محال أن تكون مثل هذه إلا أخت بشر[ طبقات الحنابلة: (ص427).] من ثمار وآثار زواج الصالحات حفظ ورعاية الأبناء في حياة الأب وبعد مماته، وإليك نماذج تبين دور المرأة المسلمة في تربية قادة الأمة وعلمائها وعظمائها: - الإمام الثقة الثبت، أمام أهل الشام وفقيههم: أبو عمرو الأوزاعي -رحمه الله- قال عنه النووي: وقد أجمع العلماء على إمامة الأوزاعي، وجلالته وعلو مرتبته، وكمال فضله، وأقاويل السلف -رحمهم الله- كثيرة مشهورة، مصرحة بورعه وزهده وعبادته وقيامه بالحق وكثرة حديثه وغزارة فقهه، وشدة تمسكه بالسنة، وبراعته في الفصاحة، وإجلال أعيان أئمة عصره من الأقطار له واعترافهم بمرتبته اهـ. ذلك الحبر البحر كان أيضًا ثمرة أم عظيمة!! هي التي رعته وربته بعد وفاة والده. وهذا ربيعة الرأي -رحمه الله- شيخ الإمام مالك بن أنس -رحمه الله- سافر أبوه للغزو والجهاد في سبيل الله، وهو جنين في بطن أمه، ثم غاب ولم يعد، وترك عند زوجته ثلاثين ألف دينار، فأنفقتها تلك الأم الفاضلة في تعليم ولدها وتفقيهه في دينه، حتى صار ذلك الابن ربيعة الرأي شيخ أهل المدينة، وعالمها المقدم ومفتيها وفقيهها!! وهذا الإمام مالك بن أنس -رحمه الله- إمام دار الهجرة، وصاحب الكتاب العظيم [الموطأ] وهو الذي كانت تشد له المطايا من أقطار الدنيا، طلبًا لعلمه وفتواه، وهو كانت تهابه الملوك والسلاطين!! هذا الإمام الجليل، كان ثمرة أم فاضلة، يسرت له سبل طلب العلم، وحثته عليه، وربته على تحصيله، واسمع إلى الإمام مالك وهو يحكي ذلك فيقول: قلت لأمي: أذهب فأكتب العلم؟ فقالت لي: تعال فالبس ثياب العلم!! قال: فألبستني مسمرة! ووضعت الطويلة على رأسي، وعممتني فوقها، ثم قالت لي: اذهب فاكتب العلم الآن!! وكانت تقول لي: اذهب إلى ربيعة الرأي، فتعلم من أدبه قبل علمه!! وهذا الإمام الشافعي محمد بن إدريس -رحمه الله- كان ثمرة مباركة لأم صالحة عظيمة، فقد مات أبوه، وهو جنين أو رضيع فتولته أمه بعنايتها، وأشرفت عليه بحكمتها، وكانت امرأة عاقلة فاضلة، من فضليات عقائل الأزد، وكانت -رحمها الله-، باتفاق النقلة من العابدات القانتات، ومن أزكى الخلق فطرة [كتاب (عودة الحجاب) لمحمد بن إسماعيل، (2/204) بتصرف.] قال عبد الوهاب بن عطاء الخفاف: حدثني مشايخ أهل المدينة أن فروخًا أبا عبد الرحمن بن ربيعة رحمه الله، خرج في البعوث الغازية إلى خراسان أيام بني أمية، وكان ولده ربيعة يومئذ جنينًا في بطن أمه!! وخلف عند زوجته أم ربيعة ثلاثين ألف دينار!! فغاب عن المدينة فترة طويلة من السنين، ثم قدمها بعد سبع وعشرين سنة!! وهو راكب فرسًا وفي يده رمح، فلما وصل المدينة توجه إلى منزله، ودفع الباب برمحه، دخل الدار!! فخرج إليه ربيعة وهو لا يدري أنه أبوه، وقال له: يا عدو الله، أتهجم على منزلي؟ فقال فروخ: يا عدو الله، بل أنت الذي دخلت على زوجتي في بيتي! فتواثبا وأمسك كل منهما برقبة الآخر، يريد أن يضربه، وارتفعت أصواتهما، حتى اجتمع الجيران، فبلغ الخبر مالك بن أنس -رحمه الله- والمشيخة، فأتوا يعينون شيخهم ربيعة على هذا المعتدي على بيته!! وجعل ربيعة يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان. وجعل فروخ يقول: والله لا فارقتك إلا بالسلطان، وأنت مع امرأتي!! وكثر الضجيج!! فلما أبصروا الإمام مالك سكتوا، فقال مالك لفروخ: أيها الشيخ: لك سمعة في غير هذه الدار!! فقال فروخ: هي داري، وأنا فروخ. فسمعت امرأته كلامه!! فخرجت وقالت: هذا زوجي وهذا ابني الذي خلفه وأنا حامل به، فاعتنقا جميعًا فروخ وولده ربيعة وجعلا يبكيان!! فدخل فروخ المنزل وقال لزوجته: هذا ابني الذي تركته في بطنك جنينًا؟ فقالت: نعم!! فقال لها: أخرجي المال الذي تركته عندك!! وهذه معي أربعة آلاف دينار فقالت: لقد دفنته وأنا أخرجه لك بعد أيام. ثم خرج ربيعة إلى المسجد وجلس في حلقته، فأتاه مالك والحسن بن زيد وابن أبي علي وأشراف أهل المدينة يطلبون العلم على يديه، وأحدق الناس به!! فقالت أم ربيعة لزوجها فروخ: اخرج فصل في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فخرج إلى المسجد، فنظر إلى حلقة وافرة ممتلئة بالطلاب!! فأتاها فوقف عليها، فأفسحوا له قليلاً، فجلس ليسمع العلم، فنكس ربيعة رأسه يوهمه أنه لم يره. ولكن الأب حين سمع صوت الشيخ المتكلم، فقالوا له: هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن!! فقال: قد رفع الله ابني! ورجع إلى منزله وقال لزوجته: والله لقد رأيت ولدك على حالة ما رأيت أحدًا من أهل العلم والفقه عليها!! فقالت له زوجته: فأيهما أحب إليك ثلاثون ألف دينار، أو هذا الذي هو فيه؟! فقال: لا والله، بل هذا الذي هو فيه (أي من العلم والمكانة). فقالت: فإني قد أنفقت كل المال الذي تركته عندي عليه!! فقال: فوالله ما ضيعته [وفيات الأعيان: (2/290).] إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم