أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة الخامسة والعشرون بعد المئتين في موضوع البديع
نبذة عن الفيديو
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والعشرون بعد المئتين في موضوع (البديع) والتي هي إستكمالا للماضية وهي بعنوان: * مَشْهَدُ الأسْماءِ والصِّفاتِ وَهُوَ مِن أجَلِّ المَشاهِدِ، وهو أعْلى مِمّا قَبْلَهُ وأوْسَعُ. والمَطْلَعُ عَلى هَذا المَشْهَدِ: مَعْرِفَةُ تَعَلُّقِ الوُجُودِ خَلْقًا وأمْرًا بِالأسْماءِ الحُسْنى،والصِّفاتِ العُلا، وارْتِباطِهِ بِها، وإنْ كانَ العالَمُ بِما فِيهِ مِن بَعْضِ آثارِها ومُقْتَضَياتِها. وَهَذا مِن أجَلِّ المَعارِفِ وأشْرَفِها، وكُلُّ اسْمٍ مِن أسْمائِهِ سُبْحانَهُ لَهُ صِفَةٌ خاصَّةٌ، فَإنَّ أسْماءَهُ أوْصافُ مَدْحٍ وكَمالٍ، وكُلُّ صِفَةٍ لَها مُقْتَضًى وفِعْلٌ إمّا لازِمٌ، وإمّا مُتَعَدٍّ، ولِذَلِكَ الفِعْلِ تَعَلُّقٌ بِمَفْعُولٍ هو مِن لَوازِمِهِ، وهَذا في خَلْقِهِ وأمْرِهِ، وثَوابِهِ وعِقابِهِ، كُلُّ ذَلِكَ آثارُ الأسْماءِ الحُسْنى ومُوجِباتُها. وَمِنَ المُحالِ تَعْطِيلُ أسْمائِهِ عَنْ أوْصافِها ومَعانِيها، وتَعْطِيلُ الأوْصافِ عَمّا تَقْتَضِيهِ وتَسْتَدْعِيهِ مِنَ الأفْعالِ، وتَعْطِيلُ الأفْعالِ عَنِ المَفْعُولاتِ، كَما أنَّهُ يَسْتَحِيلُ تَعْطِيلُ مَفْعُولِهِ عَنْ أفْعالِهِ وأفْعالِهِ عَنْ صِفاتِهِ، وصِفاتِهِ عَنْ أسْمائِهِ، وتَعْطِيلُ أسْمائِهِ وأوْصافِهِ عَنْ ذاتِهِ. وَإذا كانَتْ أوْصافُهُ صِفاتِ كَمالٍ، وأفْعالُهُ حِكَمًا ومَصالِحَ، وأسْماؤُهُ حُسْنًى فَفَرْضُ تَعْطِيلِها عَنْ مُوجَباتِها مُسْتَحِيلٌ في حَقِّهِ، ولِهَذا يُنْكِرُ سُبْحانَهُ عَلى مَن عَطَّلَهُ عَنْ أمْرِهِ ونَهْيِهِ، وثَوابِهِ وعِقابِهِ، وأنَّهُ بِذَلِكَ نَسَبَهُ إلى ما لا يَلِيقُ بِهِ وإلى ما يَتَنَزَّهُ عَنْهُ، وأنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ سَيِّئٌ مِمَّنْ حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ، وأنَّ مَن نَسَبَهُ إلى ذَلِكَ فَما قَدَرَهُ حَقَّ قَدْرِهِ، ولا عَظَّمَهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ، كَما قالَ تَعالى في حَقِّ مُنْكِرِي النُّبُوَّةِ وإرْسالِ الرُّسُلِ، وإنْزالِ الكُتُبِ ﴿وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إذْ قالُوا ما أنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِن شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٩١] وقالَ تَعالى في حَقِّ مُنْكِرِي المَعادِ والثَّوابِ والعِقابِ ﴿وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ والأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيامَةِ والسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر: ٦٧] وقالَ في حَقِّ مَن جَوَّزَ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ المُخْتَلِفَيْنِ، كالأبْرارِ والفُجّارِ، والمُؤْمِنِينَ والكُفّارِ ﴿أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أنْ نَجْعَلَهم كالَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحْياهم ومَماتُهم ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾ [الجاثية: ٢١] فَأخْبَرَ أنَّ هَذا حُكْمٌ سَيِّئٌ لا يَلِيقُ بِهِ، تَأْباهُ أسْماؤُهُ وصِفاتُهُ، وقالَ سُبْحانَهُ ﴿أفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْناكم عَبَثًا وأنَّكم إلَيْنا لا تُرْجَعُونَ فَتَعالى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إلَهَ إلّا هو رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: ١١٥] عَنْ هَذا الظَّنِّ والحُسْبانِ، الَّذِي تَأْباهُ أسْماؤُهُ وصِفاتُهُ. وَنَظائِرُ هَذا في القُرْآنِ كَثِيرَةٌ، يَنْفِي فِيها عَنْ نَفْسِهِ خِلافَ مُوجَبِ أسْمائِهِ وصِفاتِهِ إذْ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ تَعْطِيلَها عَنْ كَمالِها ومُقْتَضَياتِها. فاسْمُهُ الحَمِيدُ، المَجِيدُ يَمْنَعُ تَرْكَ الإنْسانِ سُدًى مُهْمَلًا مُعَطَّلًا، لا يُؤْمَرُ ولا يُنْهى، ولا يُثابُ ولا يُعاقَبُ، وكَذَلِكَ اسْمُهُ الحَكِيمُ يَأْبى ذَلِكَ، وكَذَلِكَ اسْمُهُ المَلِكُ واسْمُهُ الحَيُّ يَمْنَعُ أنْ يَكُونَ مُعَطَّلًا مِنَ الفِعْلِ، بَلْ حَقِيقَةُ الحَياةِ الفِعْلُ، فَكُلُّ حَيٍّ فَعّالٌ، وكَوْنُهُ سُبْحانَهُ خالِقًا قَيُّومًا مِن مُوجَباتِ حَياتِهِ ومُقْتَضَياتِها، واسْمُهُ السَّمِيعُ البَصِيرُ يُوجِبُ مَسْمُوعًا ومَرْئِيًا، واسْمُهُ الخالِقُ يَقْتَضِي مَخْلُوقًا، وكَذَلِكَ الرّازِقُ، واسْمُهُ المَلِكُ يَقْتَضِي مَمْلَكَةً وتَصَرُّفًا وتَدْبِيرًا، وإعْطاءً ومَنعًا، وإحْسانًا وعَدْلًا، وثَوابًا وعِقابًا، واسْمُ البَرِّ والمُحْسِنِ، المُعْطِي المَنّانِ ونَحْوِها تَقْتَضِي آثارَها ومُوجَباتِها. إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليك