أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة الثانية والتسعون بعد المائة في موضوع البديع

نبذة عن الفيديو

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والتسعون بعد المائة في موضوع (البديع) والتي هي إستكمالا للماضية وهي بعنوان: وتنقسم البدعة إلى عبادية وعادية : الثاني: إن عدّ هذه بدعاً يؤدي إلى نسبة الحرج والتضييق إلى الشريعة، فإن في التزام الزي الواحد, والحالة الواحدة، والعادة الواحدة تعباً ومشقة قضت به الشريعة، وإنما كان الالتزام كذلك لاختلاف الأخلاق والأزمنة والبقاع والأحوال . فإن قال قائل إنه قد جدت بدع في العاديات، نحو المكوس والمظالم المحدثة، وتقديم الجهال على العلماء في الولايات العلمية، وتولية المناصب الشريفة من ليس لها بأهل بطريق الوراثة، واتخاذ المناخل, وغسل الأيدي بالصابون, ولبس الطيالس, وتوسيع الأكمام وأشباه ذلك من الأمور التي لم تكن في الزمن الفاضل, ولم يفعلها السلف الصالح فإنها أمور جرت في الناس وكثر العمل بها وشاعت وذاعت, فلحقت بالبدع, وصارت كالعبادات المخترعة الجارية في الأمة فقد رده أرباب الطريقة الأولى. قالوا لا نسلم أن هذه المذكورات مما وقع فيه الابتداع لأنها مخالفات للشرع, ومعاصي في الجملة, وليس كل معصية بدعة، سلمنا وقوع الابتداع فيها، لكن لا من حيث كونها عادية، بل من حيث كونها تعبدية. قال في الاعتصام ما محصله: ثبت في الأصول الشرعية أنه لابد في كل عادي من شائبة التعبد، لأن ما لا يعقل معناه على التفصيل من المأمور به أو المنهي عنه فهو المراد بالتعبدي، وما عقل معناه وعرفت مصلحته أو مفسدته فهو المراد بالعادي، فالطهارات، والصلوات، والصيام والحج كلها تعبديات، والبيع, والنكاح, والشراء, والطلاق, والإجارات, والجنايات كلها عاديات لأن أحكامها معقولة المعنى، ولابد فيها من التعبد، إذ هي مقيدة بأمور شرعية لا خيرة للمكلف فيها. فالقسمان مشتركان في معنى التعبد, والابتداع إنما يتصور دخوله في القسم الثاني من جهة التعبد فيه لا من جهة كونه عادة. فمثل المكوس إذا نظر إليها من جهة كونها عادة، أي أنها ظلم كسائر المظالم. مثل الغصب والسرقة، وقطع الطريق, فلا يدخلها الابتداع إذ هي من هذه الجهة مما يتناولها نهي الشارع عن أكل أموال الناس بالباطل، وليس فيها جهة تشريع، وإنما يتصور دخول الابتداع في المكوس إذا لوحظت من جهة أنها وضعت على الناس كالدين الموضوع, والأمر المحتوم عليهم دائماً، أو في أوقات محدودة, على كيفيات مضروبة بحيث تضاهي المشروع الدائم الذي تحمل عليه العامة, ويؤخذون به, وتوجب على الممتنع منه العقوبة، كما في أخذ زكاة المواشي والحرث وما أشبه ذلك. فإنها من هذه الجهة تكون شرعاً مستدركاً, إذ هي حينئذ تشريع زائد, وإلزام للمكلفين يضاهي إلزامهم الزكاة المفروضة، والديات المضروبة, والغرامات المحكوم بها في الأموال. ففي المكوس على هذا الفرض جهتان: كونها محرمة كسائر أنواع الظلم, وجهة كونها اختراعاً لتشريع يؤخذ به الناس إلى الموت, كما يؤخذون بسائر التكاليف، فاجتمع فيها نهيان: نهي عن المعصية، ونهي عن البدعة، وليس ذلك موجوداً في البدع العبادية. وإنما يوجد فيها النهي من جهة كونها تشريعاً موضوعاً على الناس، أمر وجوب أو ندب. إذ ليس فيها جهة أخرى تكون بها معصية, بل التشريع نفسه هو الممنوع نفسه، فالعاديات من حيث هي عاديات لا بدعة فيها، ومن حيث يتعبد بها, أو توضع وضع التعبد تدخلها البدعة, وكذا تقديم الجهال على العلماء، وتولية المناصب الشريفة من لا يصلح لها بطريق التوارث هو من هذا القبيل. فإن جعل الجاهل في موضع العالم حتى يصير مفتياً في الدين, أو حاكماً في الدماء, والأبضاع, والأموال مثلاً محرم في الدين، وكون ذلك يتخذ ديدناً حتى يصير الابن مستحقاً لرتبة الأب بطريق الوراثة وإن لم يبلغ رتبة الأب في ذلك المنصب بحيث يشيع ذلك العمل ويطرد ويعده الناس كالشرع الذي لا يخالف فهو بدعة بلا إشكال. وأما اتخاذ المناخل. فإن فرض كونه مباحاً كما قالوا فإنما إباحته بدليل شرعي فلا ابتداع، وإن فرض كونه مكروهاً كما أشار إليه محمد بن أسلم فوجه الكراهة عنده كونها عدت في الأثر الآتي من المحدثات. والظاهر أن الكراهة من ناحية السرف والتنعم الذي أشار إلى كراهته قوله تعالى: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا... [الأحقاف: 20]. لا من جهة أنه بدعة محدثة، وكذا يقال في باقي الأمثلة. إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليك