أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة الثامنة بعد المائة في موضوع البديع

نبذة عن الفيديو

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة بعد المائة في موضوع(البديع ) والتي هي بعنوان: الأسئلة مفاتيح الإبداع: نحن أمام صنفين من التلاميذ: تلميذ يستوعب ما نعلِّمه ويمضي، فإن لم يستوعبه فإننا سنعيد تعليمه بشكلٍ أو بآخر. وتلميذ يستوعب ما نعلِّمه ثم لا يمضي، بل يستوقفنا كأنه شخصٌ أُغلِق عليه فهمه، فهو يسألُ ثم يسألُ ثم يسأل! إنه تلميذ تتفجر لديه الأسئلة تباعاً، وتتولد عنده الإيرادات والاعتراضات، ويسلك بنا دروباً وعرة ومتشعبة، وتشعر بأنه في حيرة وقلق حتى تُشبع لديه تلك الأسئلة بالإجابات المناسبة. ولكنه في نهاية المطاف لم يستوعب ما نعلمه فحسب، بل هو قد استوعب مفاهيم كل شيء له علاقة بالمسألة التي علمناه إياها. إننا أمام مشروع «تلميذ سؤول» يذكرنا بحبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه صاحب اللسان السؤول والقلب العقول، إذ قال: «إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي»[ سير أعلام النبلاء 3/344.] وقال رضي الله عنه: «لما توفي رسول الله قلت لرجل من الأنصار: هلمَّ نسأل أصحاب رسول الله فإنهم اليوم كثير. فقال: واعجباً لك يا ابن عباس! أترى الناس يحتاجون إليك؛ وفي الناس من أصحاب النبي من ترى؟ فتركَ ذلك، وأقبلتُ على المسألة، فإنْ كان ليبلغني الحديث عن الرجل، فآتيه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه، فتسفي الريح عليَّ التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله! ألا أرسلتَ إلي فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك فأسألك. قال: فبقي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس علي، فقال: هذا الفتى أعقل مني»[ سير أعلام النبلاء 3/342.] إن قيمة المعارف ليست بفهمها وحفظها فقط، بل بما تثيره في الوجدان والعقل من أسئلة تثوّر المفاهيم وتلتقط خيوط الإبداع، قال الزهري: «العلم خزائن ومفاتيحها السؤال»[جامع بيان العلم وفضله 1/379.] ولذا فإن من واجبات المحاضن التربوية أنْ تعتني بتربية الناشئة على مفاتيح الإبداع الحقيقية، من خلال تشجيعها وتنميتها والترحيب بها. لقد كان الفاروق رضي الله عنه هكذا مع النبي صلى الله عليه وسلم، كما دلت على ذلك العديد من أخباره، كقصته في الحديبية، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤنب على شيء مما يورده عمر رضي الله عنه، وكان بابه مشرعاً لكل الأسئلة والإيرادات، ويجيب عنها جميعاً بما يناسب الحال. لقد كانت التربية القرآنية تحث على هذا اللون من التربية أيضاً، كما أخبرنا الله عن سؤال إبراهيم الكبير، إذ قال: ربِ أرني كيف تحيي الموتى! ينبغي أنْ يسود في المحاضن التربوية اعتقادٌ بأنَّ الأسئلة ليست مشكلة، وإنما هي مظهر صحي، يؤشر على النباهة، وينبئ عن عقل إبداعي قادم. الإبداع والمحاضن التربوية: لعلي لا أكون مبالغاً إذا قلت إنَّ اهتمام المحاضن التربوية اليوم بتربية العقل الإبداعي ضرورة، فنحن في زمن المتغيرات المتسارعة والانفجار المعرفي والتقني الذي يصنع واقعاً جديداً بكافة مكوناته، من معارف وعلاقات وبيئات ومسالك. إننا إذ نهتم بتربية العقل الإبداعي فإننا نعدُّ الناشئة ليكونوا أقوياء في عالمهم الجديد، قادرين على قيادته، مؤثرين فيه، متخطين لعقباته، صانعي الحلول لكل مشكلاته، إننا بذلك ننتشلهم أن يكونوا غداً أسارى تحت سيطرة المبدعين في شتى أصقاع الأرض ومن مختلف الديانات والتوجهات، يرسفون في أغلال التأخر والتقليد. ثم إنَّ تربية العقل الإبداعي ستواجه مشكلة الجمود التربوي والدعوي، بسيل من الحلول المشروعة والجذابة، والتي ستحدث تغييراً إيجابياً في واقع العمل التربوي والدعوي، حيث سيتحول الإبداع من مبادرات متناثرة إلى ثقافة سائدة. وأول خطوة في تربية العقل الإبداعي أنْ يرى التلميذ فنون الإبداع تتجلى في شخصية معلمه، فهو يتعلمها بالممارسة والمعايشة أولاً وآخراً. كما أنَّ على الإدارة التربوية أنْ تضع المضمون المناسب لتربية الإبداع في نفوس التلاميذ على اختلاف أعمارهم، إذ لا يكفي في ذلك أنْ تقام بضع دورات في مهارات التفكير الإبداعي، برغم أهميتها، وإنما تصمم لها البرامج المناسبة وترسم لأجلها السياسات الملائمة القادرة على تحقيق هذا الهدف التربوي. إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم