أسماء الله الحسنى وصفاته الحلقة السابعة بعد المائة في موضوع البديع
نبذة عن الفيديو
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة بعد المائة في موضوع(البديع ) والتي هي بعنوان: *تنمية الاستنباط: النبط في أصل لفظه هو الماء الذي يستخرج من البئر، قال ابن فارس: «النون والباء والطاء: كلمة تدل على استخراج شيء. واستنبطت الماء: استخرجته، والماء نفسه إذا استخرج نبط»[معجم مقاييس اللغة 5/381.] فالاستنباط استخراج شيء من شيء آخر قد لا يشبهه. ولذا فإن الاستنباط جزء من الإبداع، والعرب تطلق ذلك عليه، قال ابن فارس: «قولهم أبدعت الشيء قولاً أو فعلاً إذا ابتدأته لا عن سابق مثال. والله بديع السماوات والأرض، والعرب تقول: ابتدع فلان الركيَّ إذا استنبطه. وفلان بِدعٌ في هذا الأمر، قال الله تعالى: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ}[الأحقاف: ٩] أي: ما كنت أول»[ معجم مقاييس اللغة 1/210.] فتأمل العلاقة بين الاستنباط والإبداع، والتي تمثل علاقة الجزء بالكل. إنَّ أخبار ابن عباس تحمل شواهد على تشجيع الخليفة الفاروق له على الاستنباط، كما سبق ذكر ذلك في تأويل سورة النصر، حين رأى ابن عباس فيها نعيَ النبي صلى الله عليه وسلم، وعن إبراهيم التيمي قال: «خلا عمر بن الخطاب ذات يوم يحدث نفسه، فأرسل إلى ابن عباس، فقال: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد، وكتابها واحد وقبلتها واحدة؟ فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين، إنا أنزل علينا القرآن، فقرأناه وعلمنا فيم أنزل، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن، ولا يعرفون فيم نزل، فيكون لكل قوم فيه رأي، فإذا كان لكل قوم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا، فزبره عمر وانتهره، فانصرف ابن عباس، ثم دعاه بعد فعرف الذي قال، ثم قال: إيه أعدْ علي»[سنن سعيد بن منصور1/176، كتاب فضائل القرآن، ح42 ] وفي رواية أخرى لهذه القصة قال ابن عباس رضي الله عنه: «قدم على عمرَ رجلٌ، فجعل عمر يسأله عن الناس، فقال: يا أمير المؤمنين، قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا. فقلت: والله ما أحب أن يسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة. قال: فزبرني عمر، ثم قال: مه! فانطلقتُ إلى منزلي مكتئباً حزيناً، فقلت: قد كنتُ نزلتُ من هذا بمنزلة، ولا أراني إلا قد سقطتُ من نفسه، فاضطجعت على فراشي، حتى عادني نسوة أهلي وما بي وجع، فبينا أنا على ذلك، قيل لي: أجب أمير المؤمنين. فخرجتُ، فإذا هو قائم على الباب ينتظرني، فأخذ بيدي، ثم خلا بي، فقال: ما الذي كرهت مما قال الرجل آنفاً؟ قلت: يا أمير المؤمنين، إنْ كنت أسأتُ، فإني أستغفر الله وأتوب إليه، وأنزلُ حيث أحببت. قال: لتخبرني. قلت: متى ما يسارعوا هذه المسارعة يحتقُّوا، ومتى ما يحتقُّوا يختصموا، ومتى ما اختصموا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا. قال: لله أبوك! لقد كنتُ أكتمها الناس حتى جئتَ بها»[ سير أعلام النبلاء 3/348.] وعن يعقوب بن زيد، قال: «كان عمر يستشير ابنَ عباس في الأمر إذا أهمه، ويقول: غص غواص» [ سير أعلام النبلاء 3/346.] إننا أحوج ما نكون إلى تنمية الاستنباط وتربيته والتشجيع عليه وتهذيبه؛ إذ نحن نهدف إلى تربية العقل الإبداعي، فإن العقل الإبداعي لا يمل من الاستنباط واستخراج الأحكام وإعمال الدلائل والغوص في المسائل، وهذا ما نريده بالتحديد في تربيتنا للناشئة في حلقات القرآن ومجالس العلم والذكر وصفوف الدراسة: أن يتعودوا هذه المهارات، وكما قال ابن القيم رحمه الله: «كثرة المزاولات تعطي الملكات، فتبقى للنفس هيئة راسخة وملكة ثابتة» [ مفتاح دار السعادة 2/251.] أيْ إنَّ ممارسة هذه المهارات ستؤدي إلى تحويلها إلى ملكة ثابتة في النفس وعادة لا تنفك عنها. وهذا ما نعنيه بقولنا عقل إبداعي، والذي يختلف عن مجرد التفكير الإبداعي، إذ تهدف التربية الإسلامية إلى أنْ يصبح العقل قادراً على استيعاب المستجدات، واحتواء الآفاق، ورؤية المستقبل، وتقليب المضامين، وإثارة الأسئلة. إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم