بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية في موضوع (العدل)والتي هي بعنوان : المقدمة ‘العدل والقسط والفرق بينهما: وأما قوله تعالى:( إلى كلمة سواء بيننا ) آل عمران: 64 فالمعنى هلموا إلى كلمة فيها إنصاف من بعضنا لبعض لا ميل فيه لأحد على صاحبه والسواء هو العدل والإنصاف وذلك لأن حقيقة الإنصاف إعطاء النصف فإن الواجب في العقول ترك الظلم على النفس وعلى الغير وذلك لا يحصل إلا بإعطاء النصف فإذا أنصف وترك ظلمه أعطاه النصف فقد سوى بين نفسه وبين غيره وحصل الاعتدال وإذا ظلم وأخذ أكثر مما أعطى زال الاعتدال فلما كان من لوازم العدل والإنصاف التسوية جعل لفظ التسوية عبارة عن العدل . وقال ابن العربي: العدل بين العبد وبين ربه إيثار حقه تعالى على حظ نفسه وتقديم رضاه على هواه والاجتناب والامتثال للأوامر، وأما العدل بينه وبين نفسه فمنعها مما فيه هلاكها قال الله تعالى: ( ونهى النفس عن الهوى ) النازعات: 40 والمعنى: عزوب الأطماع عن الإتباع ولزوم القناعة في كل حال. وأما العدل بينه وبين الخلق، فبذل النصيحة وترك الخيانة فيما قل وكثر والإنصاف من نفسك لهم بكل وجه ولا يكون منك إساءة إلى أحد بقول ولا فعل لا في سر ولا في علن والصبر على ما يصيبك منهم من البلوى وأقل ذلك الإنصاف وترك الأذى . وأخرج البخاري بسنده من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يجيء نوح وأمته فيقول الله تعالى: [ هل بلغت؟ ] فيقول: نعم أي رب، فيقول لأمته: [ هل بَلَّغَكُم؟ ] فيقولون: لا ما جاءنا من نبي، فيقول لنوح: [ من يشهد لك؟ ] فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم وأمته فنشهد أنه قد بلّغ وهو قوله جل ذكره: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) البقرة: 143 والوسط العدل . وقال ابن حزم: ومن وجه آخر حد العدل أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه وحد الجور أن تأخذه ولا تعطيه . *العدل والقسط والفرق بينهما: ورود اللفظين في القرآن في آية واحدة من سورة الحجرات قال تعالى: ( فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ) ?الحجرات: 9 يفيد المعنى أن هناك فروقا في المعنى، وإلا لما جعلهما المولى في آية واحدة وفرّق بينهما بحرف الواو الذي يفيد المغايرة. إذا كانت المعاجم لم تفرق كثيرا بين العدل والقسط، فإن التدبر المتأني لآيات العدل والقسط في القرآن ربما يرشدنا إلى معنيين: الأول: أن العدل كقيمة أساسية وخلق عام هو أشمل وأعم من القسط، فالقسط هو لون من العدل. والثاني: أن العدل هو في الحقوق المعنوية، أما القسط فهو في الحقوق المادية، ولعل ارتباط لفظ القسط في كثير من الآيات بالميزان ربما يرجح هذا المعنى، وكذلك تكرار لفظ إن الله يحب المقسطين ربما على اعتبار أن العدل في الحقوق المادية أصعب وأشق على النفس من العدل في الحقوق المعنوية. والنظر في الآيات المتضمنة لمشتقات الفعل الرباعي "أقسط" مما يرجح ذلك المعنى . - الإقساط في اليتامى: قال تعالى: ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء )النساء: 3 قال تعالى: ( والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط ) النساء: 127 - في الميزان والمكيال: قال تعالى: ( وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ) الأنعام:152 قال تعالى: ( ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ) هود: 85 قال تعالى: ( وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ) الرحمن: 9 قال تعالى: ( وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ) الإسراء: 35 قال تعالى: ( أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ) الشعراء: 181-182 - في الإصلاح بين الناس: قال تعالى: ( فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ) الحجرات: 9 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم