العلي
ببسم الله الرحمن الرحيم
العلي - الأعلى – المتعال( المختصر )
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}آل عمران/ 120وبعـــــد :
فهذه الحلقة الأولى في موضوع(العلي الأعلى المتعال)
وستكون بعنوان (المقدمة )
إن من أعظم الأسباب المعينة على صلاح قلب العبد وسعادته : تعظيمه لخالقه سبحانه وتعالى، يقول الإمام ابن القيم :" لا سعادة للعباد،ولا فلاح ولا صلاح لهم و لا نعيم إلا بأن يعرفوا ربهم ، ويعبدوه ويكون وحده غاية مطلوبهم ، ونهاية مرادهم ، و ذكره و التقرب إليه قرة عيونهم وحياة قلوبهم فمتى فقدوا ذلك كانوا أسوأ حالا من الأنعام بكثير ، وكانت الأنعام أطيب عيش منهم في العاجل ، و أسلم عاقبة في الآجل(الصواعق المرسلة ( 1/366)
فما أحوجنا أن نتعرف على الله بأسمائه وصفاته ، فإنه على قدر المعرفة يكون التعظيم في القلب.
ويقول الإمام ابن القيم أيضاً:"على قدر المعرفة يكوة والستون ن تعظيم الرب تعالى في القلب، وأعرف الناس به: أشدهم له تعظيما وإجلالا". مدارج السالكين(2/495)
ويقول الشيخ ابن سعدي:"وبحسب معرفته العبد لربه يكون إيمانه،فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه،وكلما نقص نقص، وأقرب طريق يوصله إلى ذلك:تدبر صفاته و أسمائه من القرآن".تفسير السعدي (1/24)
وقد نتساءل عن طرق تحصيل هذه المعرفة ، وكيف السبيل للوصول إليها ؟
فيجيبنا عن ذلك الإمام ابن القيم فيقول :
" المعرفة بابان واسعان : باب التفكر والتأمل في آيات القرآن كلها،والفهم الخاص عن الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
و الباب الثاني: التفكر في آياته المشهودة ،وتأمل حكمته فيها وقدرته و لطفه و إحسانه و عدله وقيامه بالقسط على خلقه.
وجماع ذلك :الفقه في معاني أسمائه الحسنى و جلالها وكمالها و تفرُّده بذلك،وتعلُقها بالخلق و الأمر .
فيكون فقيها في أوامره ونواهيه،فقيها في قضائه و قدره، فقيها في أسمائه و صفاته فقيها في الحكم الديني الشرعي
و الحكم الكوني القدري وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)[الحديد:21".الفوائد
(ص170) .[ ملتقى أهل الحديث > المنتدى الشرعي العام – بوحمدان – بتصرف ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على ؤسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية في موضوع العلي وستكون بعنوان
سبب أختيار هذا الموضوع :
لما قرأت ما سطره الألوسي عن (العلي الأعلى المتعال ) تشوقت وتشوفت الى المزيد من هذه الدرر وهذا المعنى الرائع فكان هذا البحث( العلي الأعلى المتعال )
ومما قال الألوسي رحمه الله في (روح المعاني) : "{وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ} أي: وله الصفة العجيبة الشأن التي هي مَثْلٌ في العُلّو مطلقًا، وهو الوجوب الذاتي والغنى المطلق والجود الواسع والنزاهة عن صفات المخلوقين ويدخل فيه علوه تعالى عما يقولون علوًا كبيرًا". فإن كان الله سبحانه وتعالى وحده هو المتصف بذلك فله المثل الأعلى والغنى المطلق، فكل ما سواه فقير وكل ما سواه يحتاج أما هو سبحانه فغني غنى مطلق، لا تنفعه عبادات أحد ولا تضره معاصيهم، لا تنفعه قرباتهم ولا يضره ابتعادهم، لا يحتاج إلى شيء ولم يتخذ صاحبةً ولا ولدًا. يقول ابن القيم رحمه الله: "من أعظم الأدلة على وجود الله الغنى المطلق لله والفقر الذاتي لكل أحد". الفرق بين اسمه تعالى العلي والأعلى: العلي: تعطي صفة العلو بكل المعاني، أما الأعلى: ففيه معنى المفاضلة، بمعنى أن له العلو ولا أحد يعلوه، هو الأعلى من كل أحد ومن كل شيء وينبغي أن يكون في قلبك هكذا. فاسم الله تعالى الأعلى دل على علو الشأن عن جميع النقائص والعيوب المنافية للألوهية والربوبية. تعالى الله في الوحدانية عن الشريك وعن النظير والظهير والولي والنصير. تعالى سبحانه وتعالى عن كل ذلك فلا شريك له ولا نصير له ولا ولي له ولا ظهير له. تعالى سبحانه في عظمته وشأنه وقدره، فتعالى أن يشفع أحد عنده دون إذنه، له صفة القهر والغلبة والكبرياء. وتعالى في صمديته عن الصاحبة والولد وأن يكون له كفوًا أحد، تعالى في كمال حياته وقيوميته عن السِنة والنوم. تعالى في قدرته وحكمته عن العبث والظلم: «يا عبادي إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسيِ وجعلتُهُ بينَكُمُ محرمًا»(صحيح؛ بن تيمية، مجموع الفتاوى: [11/261])
تعالى في صفات كماله ونعوت جلاله عن التعطيل والتمثيل سبحانه وتعالى. هذا كله داخل في علو شأن ربنا سبحانه وتعالى ولذا قال الله: {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام /91] أي: ما عظّموه وما أعلوه وما أعطوه أقل حقه سبحانه، بل عظموا ما حقر وحقروا ما عظم.[الأنترنت – موقع شرح وأسرار الأسماء الحسنى –اسم الله الأعلى - بتصرف]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على ؤسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة في موضوع العلي وستكون بعنوان
*علو الله : صفة العلو العام لله عز وجل:
1- مقدمة في صفة العلو:
وهذا العلو من صفاته الذاتية أي: الملازمة لذاته، ونحن أهل السنة والجماعة نؤمن بأن الله عز وجل عليٌّ أي: متصف بالعلو على جميع خلقه، وما من شيء إلا والله فوقه، فهو عليٌ على كل شيء، ولا شيء فوقه كما قال تعالى: (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الحديث: "(أنت الظاهر فليس فوقك شيء).
قال ابن خزيمة في "كتاب التوحيد":(فالأعلى: مفهوم في اللغة: أنه أعلى شيء، وفوق كل شيء).
وقال شيخ الاسلام: (والأعلى: أبلغ من العلي).
"الفتاوى"(5/237).
وقال الطحاوي في "عقيدته": ( محيط بكل شيء وفوقه) أي: محيط بكل شيء وفوق كل شيء.
وعلوه سبحانه نوعان: الأول: علوه على خلقه بذاته: فليس فوقه شيء، كما قال: (سبح اسم ربك الأعلى).
والثاني: علوه على خلقه بـ صفاته: فليس مثله شيء كما قال: (ليس كمثله شيء).
2- الأدلة على علو الله بذاته: أما العلو الأول - وهو العلو بذاته سبحانه -فهو ثابت بعدة أدلة: من الكتاب، والسنة، والإجماع، والفطرة، والعقل :
أولاً: أدلة الكتاب:
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين"(2/281-284): (رد الجهمية النصوص المتنوعة المحكمة على علو الله على خلقه، وكونه فوق عباده من ثمانية عشر نوعاً:
أحدها: التصريح بالفوقية مقرونة بأداة "من" المعيّنة لفوقية الذات، نحو: "يخافون ربهم من فوقهم".
الثاني: ذكرها مجردة عن الأداة، كقوله: "وهو القاهر فوق عباده".
الثالث: "التصريح بالعروج إليه، نحو: "تعرج الملائكة والروح إليه" وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فيعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم".
الرابع: التصريح بالصعود إليه، كقوله: "إليه يصعد الكلم الطيب".
الخامس: التصريح برفعه بعض المخلوقات إليه، كقوله: "بل رفعه الله إليه" وقوله: "إني متوفيك ورافعك إلي".
السادس: التصريح بالعلو المطلق الدال على جميع
مراتب العلو ذاتاً وقدراً وشرفاً، كقوله: "وهو العلي العظيم" وقوله: "وهو العلي الكبير" وقوله:"إنه علي كبير".
السابع: التصريح بتـنزيل الكتاب منه، كقوله: "تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم" وقوله: "تنزيل من حكيم حميد" وقوله: "قل نزله روح القدس من ربك بالحق" وهذا يدل على شيئين:
1- على أن القرآن ظهر منه لا من غيره، وأنه الذي تكلم به لا غيره.
2- الثاني على علوه على خلقه، وأن كلامه نزل به الروح الأمين من عنده، من أعلى مكان إلى رسوله.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على ؤسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
الأدلة على علو الله بذاته
الثامن: التصريح باختصاص بعض المخلوقات بأنها عنده، وأن بعضها أقرب إليه من بعض، كقوله: "إن الذين عند ربك" وقوله: "وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون".
ففرق بين من له عموماً، ومن عنده من مماليكه وعبيده خصوصاً.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي كتبه الرب تعالى على نفسه: "إنه عنده على العرش".
التاسع: التصريح بأنه سبحانه في السماء، وهذا عند أهل السنة على أحد وجهين:
1- إما أن تكون "في" بمعنى "على".
2-وإما أن يراد بالسماء العلو، لا يختلفون في ذلك ولا يجوز حمل النص على غيره.
العاشر: التصريح بالاستواء مقروناً بأداة "على" مختصاً بالعرش الذي هو أعلى المخلوقات، مصاحباً في الأكثر
لأداة "ثم" الدالة على الترتيب والمهلة، وهو بهذا السياق صريح في معناه الذي لا يفهم المخاطبون غيره من العلو والارتفاع ولا يحتمل غيره البتة.
الحادي عشر: التصريح برفع الأيدي إلى الله سبحانه كقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً".
الثاني عشر: التصريح بنـزوله كل ليلة إلى السماء الدنيا، والنـزول المعقول عند جميع الأمم إنما يكون من علو إلى أسفل.
الثالث عشر: الإشارة إليه حساً إلى العلو، كما أشار إليه من هو أعلم به وما يجب له ويمتنع عليه من أفراخ الجهمية والمعتزلة والفلاسفة، في أعظم مجمع على وجه الأرض يرفع أصبعه إلى السماء ويقول: "اللهم اشهد" ليشهد الجميع أن الرب الذي أرسله ودعا إليه واستشهده هو الذي فوق سماواته على عرشه.
الرابع عشر: التصريح بلفظ "الأين" الذي هو عند الجهمية بمنزلة "متى" في الاستحالة، ولا فرق بين اللفظين عندهم البتة، فالقائل أين الله ؟ ومتى كان الله ؟ عندهم سواء، كقول أعلم الخلق به وأنصحهم لأمته وأعظمهم بياناً عن المعنى الصحيح بلفظ لا يوهم باطلاً بوجه "أين الله" في غير موضع.
الخامس عشر: شهادته التي هي أصدق شهادة عند الله وملائكته وجميع المؤمنين لمن قال: "إن ربه في السماء" بالإيمان، وشهد عليه أفراخ جهم بالكفر وصرح الشافعي بأن هذا الذي وصفته من أن ربها في السماء إيمان، فقال في كتابه في "باب عتق الرقبة المؤمنة": "وذكر حديث الأمة السوداء التي سودت وجوه الجهمية وبيضت وجوه المحمدية فلما وصفت الإيمان قال: "أعتقها فإنها مؤمنة وهي إنما وصفت كون ربها في السماء وأن محمداً عبده ورسوله" فقرنت بينهما في الذكر فجعل الصادق المصدوق مجموعهما هو الإيمان.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على ؤسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان:
الأدلة على علو الله بذاته
السادس عشر: إخباره سبحانه عن فرعون أنه رام
الصعود إلى السماء ليطلع إلى إله موسى فيكذبه فيما أخبر به من أنه سبحانه فوق السموات فقال: "يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذباً" فكذب فرعون موسى في إخباره إياه بأن ربه فوق السماء، وعند الجهمية لا فرق بين الإخبار بذلك وبين الإخبار بأنه يأكل ويشرب، وعلى زعمهم يكون فرعون قد نزه الرب عما لا يليق به، وكذب موسى في إخباره بذلك، إذ من قال عندهم: "إن ربه فوق السموات" فهو كاذب، فهم في هذا التكذيب موافقون لفرعون مخالفون لموسى ولجميع الأنبياء، ولذلك سماهم أئمة السنة فرعونية، قالوا: وهم شر من الجهمية، فإن الجهمية يقولون: إن الله في كل مكان بذاته، وهؤلاء عطلوه بالكلية وأوقعوا عليه الوصف المطابق للعدم المحض، فأي طائفة من طوائف بني آدم أثبتت الصانع على أي وجه كان قولهم خيراً من قولهم.
السابع عشر: إخباره صلى الله عليه وسلم أنه تردد بين موسى وبين الله، ويقول له موسى: ارجع إلى ربك فسله التخفيف فيرجع إليه ثم ينـزل إلى موسى فيأمره بالرجوع إليه سبحانه فيصعد إليه سبحانه ثم ينـزل من عنده إلى موسى عدة مرات.
الثامن عشر: إخباره تعالى عن نفسه وإخبار رسوله عنه أن المؤمنين يرونه عياناً جهرة كرؤية الشمس في الظهيرة والقمر ليلة البدر، والذي تفهمه الأمم على اختلاف لغاتها وأوهامها من هذه الرؤية رؤية المقابلة والمواجهة التي تكون بين الرائي والمرئي، فيها مسافة محدودة، غير مفرطة في البعد فتمتنع الرؤية، ولا في القرب فلا تمكن الرؤية، لا تعقل الأمم غير هذا، فإما أن يروه سبحانه من تحتهم تعالى الله، أو من خلفهم، أو من أمامهم، أو عن أيمانهم، أو عن شمائلهم، أو من فوقهم، ولابد من قسم من هذه الأقسام إن كانت الرؤية حقاً وكلها باطل سوى رؤيتهم له من فوقهم كما في حديث جابر الذي في "المسند" وغيره: "بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رءوسهم فإذا الجبار قد أشرف عليهم من فوقهم وقال: "يا أهل الجنة سلام عليكم" ثم قرأ قوله: "سلام قولاً من رب رحيم" ثم يتوارى عنهم وتبقى رحمته وبركته عليهم في ديارهم.
ولا يتم إنكار الفوقية إلا بإنكار الرؤية، ولهذا طرد الجهمية أصلهم وصرحوا بذلك وركبوا النفيين معاً وصدّق أهل السنة بالأمرين معاً، وأقروا بهما وصار من أثبت الرؤية ونفى علو الرب على خلقه واستواءه على عرشه مذبذباً بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
فهذه أنواع من الأدلة السمعية المحكمة إذا بسطت أفرادها كانت ألف دليل على علو الرب على خلقه واستوائه على عرشه، فترك الجهمية ذلك كله، وردوه بالمتشابه من قوله: "وهو معكم أينما كنتم") أ.هـ
ولشيخ الاسلام نحو ذلك كما في "مجموع الفتاوى" (5/164-166)، وإنما اخترت كلام ابن القيم لأنه أوسع وأوضح.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على ؤسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة في موضوع العلي وستكون بعنوان: ثانياً: أدلـة السـنةعلى علو ذات الله:
والسنة تدل على أنواع العلو كلها، ودلالتها على العلو فيها ظاهرة، وأحاديثها في ذلك متواترة، وقد نص على التواتر جماعة من أهل العلم، كما قال الذهبي في "العلو"(ص80/ مختصره)، وهي تتنوع إلى ثلاث أنواع:1- السنة القولية.2- السنة الفعلية.3- السنة الإقرارية.
وأدلة السنة القولية كثيرة، نذكر منها:
1- قوله صلى الله عليه وسلم:(ألا تأمنوني وأناأمين من في السماء)رواه مسلم.
2- قصة معراج الرسول إلى ربه، وهذا أمر معروف ومشهور حتى عند عوام الناس، فأحاديث الإسراء والمعراج متواتـرة كما قال غير واحد منهم: شيخ الاسلام: فقد قال كما في "مجموع الفتاوى"(13/173-174): (ومحمد صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى ربه وفرض عليه الصلوات الخمس ذكر أنه رجع إلى موسى، وأن موسى قال له: ارجع إلى ربك فسله التخفيف إلى أمتك كما تواتر هذا في أحاديث المعراج) أ.هـ
ومنهم العلامة ابن القيم: فإنه بعد أن ساق الآيات الدالة على العلو في "اجتماع الجيوش الإسلامية" قال رحمه الله (ص47):
(وأما الأحاديث فمنها قصة المعراج وهي متواترة، وتجاوز النبي السموات سماء سماء، حتى انتهى إلى ربه تعالى، فقربه وأدناه وفرض عليه الصلوات خمسين صلاة، فلم يزل بين موسى عليه السلام وبين ربه تبارك وتعالى وينـزل من عند ربه تعالى إلى عند[كذا] موسى، فيسأله كم فرض عليك فيخبره، فيقول: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فيصعد إلى ربه فيسأله التخفيف).
ومنهم السيوطي: حيث ذكر تواتر قصة الإسراء في "الأزهار المتناثرة" (ص263).
قلت: وحادثة "المعراج" من أظهر الأدلة على علو الله سبحانه بالنسبة لعوام الناس كما قال شيخنا مقبل رحمه الله، وإنما ذكرناه في السنة القولية لأنه قص ذلك صلى الله عليه وسلم عن نفسه.
3- ونزول الملائكة من عند الله وصعودها إليه، ففي الحديث أن الملائكة يتعاقبون فيكم بالليل والنهار، فيعرج الذين باتوا فيكم إلى ربهم فيسألهم وهو أعلم بهم.. إلى آخره، وهو متفق عليه.
3- وقوله في الحديث الصحيح: (إن الله لما خلق الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش، إن رحمتي سبقت غضبي) رواه مسلم.
4- قوله في حديث قبض الروح: (حتى يعرج بها إلى السماء التي فيها الله تعالى ..) وهو في "المسند" عن البراء بن عازب، وسيأتي إن شاء الله.
5- قال عليه الصلاة والسلام: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء). رواه أبو داود والترمذي وأحمد والحاكم وغيرهم، وصححه الألباني في "الصحيحة" برقم (920).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على ؤسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
أدلة السنة على علو الله بذاته:
ب- السنة الفعلية:
ونريد بالسنة الفعلية إشارته صلى الله عليه وسلم إلى السماء ليشير إلى ربه، وقد وقع ذلك في "حجة الوداع" وقد جاء من حديث جابر في حجة النبي صلى الله عليه وسلم وهو في "صحيح مسلم" وفيه: (وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون" ؟ قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس
"اللهم اشهد، اللهم اشهد").
قال ابن القيم في "تهذيب السنن": (وثبت عنه في الصحيح " أنه جعل يشير بأصبعه إلى السماء في خطبته في حجة الوداع وينكسها إلى الناس ويقول اللهم اشهد "وكان مستشهداً بالله حينئذ لم يكن داعياً حتى يقال: السماء قبلة الدعاء).
ج- السنة الإقـرارية:
يدل على ذلك الحديث المشهور والمسمى بـ"حديث الجارية" وهو في "صحيح مسلم" من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، وهو طويل وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: ("أين الله ؟" فقالت: في السماء، فقال: "من أنا ؟" فقالت: أنت رسول الله") فأقرها ولم ينكر عليها، بل شهد لها بالإيمان فقال: "اعتقها فإنها مؤمنة".
ولشيخ الاسلام رحمه الله تعليق على قوله صلى الله عليه وسلم: "أين الله ؟ قالت: في السماء" فقد قال كما في "الفتاوى"(5/258): (لكن ليس معنى ذلك أن الله في جوف السماء، وأن السموات تحصره وتحويه، فإن هذا لم يقله أحد من سلف الأمة وأئمتها، بل هم متفقون على أن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته) أ.هـ
قلت: وقد صحح حديث الجارية جماعة من العلماء: كالإمام مسلم، فقد أورده في "صحيحه"، وأبو عوانة وابن عبد البر في "الاستيعاب" ترجمة "معاوية"،
والبيهقية في "الأسماء والصفات"، وابن الوزير في
"العواصم والقواصم" وغيرهم.
كثرة أدلة العلـو:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى"(5/226) فنقول: قد وصف الله نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله بالعلو والاستواء على العرش والفوقية في كتابه في آيات كثيرة، حتى قال بعض كبار أصحاب الشافعي: في القرآن ألف دليل أو أزيد تدل على أن الله عال على الخلق وأنه فوق عباده، وقال غيره: فيه ثلاثمائة دليل تدل على ذلك) أ.هـ
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على ؤسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:
الأدلة على علو الله بذاته
ثالثا: الإجماع: والإجماع الذي نذكره هنا ليس إجماعاً خاصاً بهذه الأمة، بل هو إجماع جميع الأمم، ثم إجماع هذه الأمة.
إجماع الأمم السابقة:
1- قال الإمام الدارمي في "الرد على الجهمية"(ص21): (إن الأمة كلها، والأمم السالفة قبلها، لم يكونوا يشكون في الله تعالى أنه فوق السماء، بائن من خلقه، غير هذه العصابة الزائغة عن الحق المخالفة للكتاب وأثارات العلم كلها).
2- وقال ابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث": (والأمم كلها عربيها وعجميها تقول إن الله تعالى في السماء ما تركت على فطرها ولم تنقل عن ذلك بالتعليم، وفي الحديث أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمة أعجمية للعتق فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الله تعالى فقالت: في السماء قال: فمن أنا قالت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام: هي مؤمنة وأمره بعتقها هذا أو نحوه).
*أهل الجاهلية:
حتى أهل الجاهلية كانوا يعرفون ذلك كما يعرف في أشعارهم:
*قال عنترة:
يا عبلُ أين من المنية مهربي ***إن كان ربي في السماء قضاها
*وقال أمية بن أبي الصلت:
مجدوا الله وهو للمجد أهل ***ربنا في السماء أمسـى كبيراً
*هــذه الأمة
ومنها هذه الأمة، فقد أجمعت هذه الأمة - سواء كانوا
من العلماء أو غيرهم - على أن الله فوق خلقه، على السماء بذاته فوق السماء السابعة، علواً يليق بجلاله.
قال الدارمي في "الرد على المريسي": (وقد اتفقت كلمة المسلمين أن الله تعالى فوق عرشه، فوق سماواته)، *وقد نقل الإجماع أيضاً: ابن بطة في "الإبانة" وغيرُه.
وقال شيخ الإسلام في "درء تعارض العقل والنقل" (1/264): (وقد اتفقت الكلمة من المسلمين والكافرين: أن الله في السماء).
فهذا إجماع نقله غير واحد، ولا يعرف من خالف في ذلك إلا عند المتأخرين من بعد القرون الثلاثة التي هي خير القرون.
*فإذا قيل: كيف عرفتم الإجماع، وهل وجدتم تصريحاً منهم؟!
قيل: لقد كان الصحابة ومن بعدهم يمرون على الآيات الواضحات في العلو، ويثبتونها كما جاءت بدون تأويل ولا تحريف، فعرفنا أنهم أجمعوا على ذلك، ومن ادعى خلاف هذا فهو الملزم بأن يأتي بدليل على دعواه.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على ؤسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان الأدلة على علو الله بذاته: رابعاً: الفطرة:
أما الفطرة فوجهها ما يجده الإنسان في نفسه من الاعتراف بعلو الله، واضطراره إلى رفع اليدين إلى السماء إذا دعا ربه، وإذا تأمل في السماء فإنه مقهور على اعتقاد أن الله فوقها.
والعجائز والصغار إذا سألتهم: "أين الله ؟" أشاروا إلى
السماء، وهذه هي أقوى أدلة هذين الصنفين من
الناس: العجائز والصغار.
قال ابن خزيمة في كتاب "التوحيد" (ص204): (باب ذكر البيان أن الله عز وجل في السماء كما أخبرنا في محكم تنـزيله وعلى لسان نبيه عليه السلام، وكما هو مفهوم في فطرة المسلمين، علمائهم وجهالهم، أحرارهم ومماليكهم، ذكرانهم وإناثهم، بالغيهم وأطفالهم، كل من دعا الله جل وعلا: فإنما يرفع رأسه إلى السماء ويمد يديه إلى الله، إلى أعلاه لا إلى أسفل).
وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(6/127): (ومن الحجة أيضاً في أنه عز وجل على العرش فوق السماوات السبع: أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر، أو نزلت بهم شدة، رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربهم تبارك وتعالى،وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته، لأنه اضطرار لم يؤنبهم عليه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم)
وهذا الفطرة تبقى نقية صافية إذا لم تتلوث بعلم الكلام ، أو البدع، أو غيرهما.
*شبهة والجواب عنها:
فإذا قيل: إن سبب التوجه إلى السماء هو أن السماء قبلة الدعاء !! فيقال: إن هذا مردود من أوجه:
أولاً: هذا قول ليس عليه دليل، ولم يقله أحد من السلف.
ثانياً: قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة، فإنه يستحب للداعي أن يستقبل القبلة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان إذا خطب بهم في الاستسقاء استدار إلى القبلة ورفع يديه بالدعاء، كما جاء من حديث عبد الله بن زيد في "صحيح البخاري"قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المصلى يستسقى، فدعا واستسقى ثم استقبل القبلة وقلب رداءه) وقد قال البخاري: "باب: الدعاء مستقبل القبلة"ولو كان الأمر كما قالوا من أن السماء قبلةالدعاءلم يحتج إلى الاستدارة
ثالثا: قد أشار بإصبعه إلى السماء في غير الدعاء، وقد تقدم كلام ابن القيم في ذلك حيث قال: (وكان مستشهداً بالله حينئذ لم يكن داعياً حتى يقال: السماء قبلة الدعاء).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على ؤسول الله وبعد:
فهذه الحلقة العاشرة في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:
الأدلة على علو الله بذاته : خامساً: العقل:
العقل يقرر: أن الله تعالى إما أن يكون متصلاً بخلقه، أو منفصلاً عنهم، والأول باطل فتعين الثاني، وإذا كان
منفصلاً عنهم وبائناً منهم،فإما أن يكون تحتهم،أو مساوٍ لهم أو فوقهم ؟ و الأول والثاني باطلان فتعين الأخير.
قال شيخ الاسلام رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى"(5/152): (قاعدة عظيمة في إثبات علوه تعالى:
وهو واجب بالعقل الصريح والفطرة الإنسانية الصحيحة، وهو أن يقال: كان الله ولا شيء معه ثم خلق العالم، فلا يخلو إما أن يكون خلقه في نفسه وانفصل عنه وهذا محال - تعالى الله عن مماسة الأقذار وغيرها - وإما أن يكون خلقه خارجاً عنه ثم دخل فيه وهذا محال أيضاً - تعالى أن يحل في خلقه، وهاتان لا نزاع فيهما بين أحد من المسلمين، وإما أن يكون خلقه خارجاً عن نفسه الكريمة ولم يحل فيه، فهذا هو الحق الذي لا يجوز غيره ولا يليق بالله إلا هو،وهذه القاعدة للإمام أحمد من حججه على الجهمية في زمن المحنة) أ.هـ
قلت: هو في "الرد على الجهمية" (ص104)،ومعنى كلامهما رحمهما الله أنه إذا تقرر أن الله خلق الخلق منفصلين عن ذاته، فهو إما فوقهم أو تحتهم أو مساو لهم، والثاني والثالث باطلان فتعين الأول. [الأنترنت – موقع منتدى التوحيد - الله فوق السماء وليـس في كـل مـكان - كتبه: أبو عمار علي الحذيفي]
*ورود الاسماء (العلي،الأعلى،المتعال) في القرآن الكريم :
الآيات الدالة علي العلو أكثر من أن تذكر وأقسامها كما يلي : أولاً : آيات دالة على أنه سبحانه خلق السموات والأرض ثم استوي على العرش: كقوله تعالى:{ ِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}الأعراف : 54، ويونس : 3"
قوله تعالى:{ اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} الرعد : 2
وقوله تعالى:{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }"طه : 5
وقوله: (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً }الفرقان : 59، والسجدة : 4
وقوله:{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}"الحديد : 4".
ثانيا ً: آيات تخبر بخروج الأشياء وصعودها وارتفاعها إليه: كقوله تعالى:{بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ}النساء : 158
قوله:{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} آل عمران : 55قوله:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}فاطر : 10
قوله:{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}المعارج : 4
ثالثا : آيات تخبر بنزولها منه سبحانه أو من عنده:
كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ) الأنعام : 114قوله:{حم{1}تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }"فصلت : 2 قوله:{حم{1} َنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }غافر : 2
رابعا: آيات تخبر على أنه العلي ،الأعلى، المتعال :
ورد اسم اللَّه ( العليُّ ) في ثمانية مواضع منها :
- قوله تعالى :{ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }
[ البقرة : 255 ] .- وقوله : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَالْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } [ الحج : 62 ]وقوله تعالى:{فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } [ غافر : 12 ]
وأما اسم ( الأعلى ) فقد جاء في موضعين : في قوله تعالى : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}[ الأعلى : 1 ]وقوله :{ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى } [ الليل : 20 ]
وأما (( المتعال )) فقد جاء مرة واحدة في قوله : { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ } [ الرعد : 9 ] .
[ الأنترنت – موقع الألوكة - اكرم غانم اسماعيل - بتصرف ]-
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على ؤسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع العلي وستكون بعنوان:*معنى العلو في اللغة :
يأتي العُلُو في اللغة على أربعة معاني :
1- علو كل شيء ارتفاعه ، ويقال : علا فلانٌ الجبل إذا رقيه ويعلو عُلُوًا .
2- القهر والغلبة : يقال : علا فلانٌ فلانًا إذا قهره ، وعلوتُ الرجل غلبتُه ، ومن قول العرب :
فلما علونا واستوينا عليهم ***** تركناهم صرعى لنسرٍ وكاسرٍ
3- رفعة الشأن وعُلُو القدر : تقول العرب : ( على كعبه أي ارتفع شأنه ، كقوله تعالى : { وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى } [ طه : 4 ] ، والمعنى : هي الأشرفُ والأفضل بالإضافة إلى هذا العالم ، وتعالى : أي ترفَّع .
4- الكبر : كما قال تعالى في فرعون : { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ } [ القصص: 4 ]. وقال أيضًا : { وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ } [ يونس : 83 ] ، وأيضًا كما قال تعالى في قوم فرعون : { فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ } [ المؤمنون : 46 ] .[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب - العلي - الأعلى – المتعال ( جل جلاله وتقدست أسماؤه )]
والعلي :صفة مشبهة، لأن علوه عزو جل لازم لذاته فوق خلقه بذاته ، والفرق بين الصفة المشبهة واسم الفاعل :أن اسم الفاعل طارئ حادث يمكن زواله ؛أما الصفة المشبهة فهي لازمة لا ينفك عنها الموصوف .
أما الأعلى : صيغة تفضيل و(الألف واللام) للكمال، فهو تعالى الأعلى من كل ما خلق.
وأما المتعال: اسم فاعل، من تعالى، تعالى يتعالى فهو متعالٍ، وهو أبلغ من الفعل علا، وفي اللغة العربية أن
كل زيادة في المبنى يقابلها زيادة في المعنى، أنا حينما أقول سأعطيك هذا المبلغ في المستقبل فاستخدمت حرف السين، هناك معنى، أما سوف أعطيك مادام في سين وواو وفاء، سوف أطول أمداً، أية زيادة في المبنى يقابلها في اللغة زيادة في المعنى.
والتعالي ؛ الارتفاع، والمتعال" سبحانه هو القاهر لخلقه بقدرته، "المتعال" هو المستعلي على كل شيء بقدرته، قال بعض العلماء: "المتعال" على كل شيء أي قد أحاط بكل شيء علماً، وقدرةً، وقهراً، وخضعت له الرقاب في كل شيء، ودان له العباد طوعاً وكرهاً.
و "المتعال" الكبير، فكل شيء تحت قهره، وسلطانه وعظمته، ولا إله إلا هو ولا رب سواه، لأنه العظيم، وليس هناك من هو أعظم منه،
أنت تعبد من ؟ تعبد خالق السماوات والأرض، تعبد من ؟تعبد من بيده الأم،من:﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾ ( سورة هود الآية: 123 ) [ الأنترنت – موقع الراشدون - شرح أسماء الله الحسنى - العلي والأعلى والمتعالي] [ [الأنترنت – موقع النابلسي: اسم الله المتعال - لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي] بتصرف
وقيل : العلو: السمو واﻻرتفاع، ويطلق على العظمة والتمجيد ، والتجبر ، ومنه قوله تعالى : { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ) [سورة القصص : 4] و في اللسان: (علو كل شيء رفعه ..وعلا الشيء علوا فهو علي..والعلي: الرفيع ،قال اﻷزهري : (العلي) الشريف، فعيل من علا يعلو ، وهو بمعنى العالي ، وهو الذي ليس فوقه شيء )
وللعلو معنيان: علو المكان، علو المكانة.
واﻷعلى : وهو على وزن أفعل التفضيل وهو الذي ارتفع عن غيره وفاقه في وصفه ، فهو يجمع معاني العلو جميعها ، فدل على التفضيل المطلق في العلو.
أما المتعال :من العلو أي المرتفع ، وهو يدل على كمال العلو ونهايته ، والتعالي : التسامي ، والترفع، والتعظم، والتقدس ، والتمجد،والمتعال:الرفيع القدر ،المستعلي على كل شيء بقدرته وقهره. [الأنترنت- موقع دروس في اسم الله الحسنى - العلي - الأعلى - المتعال]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على ؤسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية
عشرة في موضوع العلي وستكون بعنوان:*معنى العلو إصطلاحا :
علو الله تعالى: ينقسم إلي قسمين:
الأول: علو ذات، ومعناه: أن الله بذاته فوق جميع خلقه، وقد دلَّ على ذلك الكتاب، والسنة، والإجماع، والفطرة .
الثاني: علو الصفات: ومعناه أنه ما من صفة كمال إلا ولله تعالى أعلاها وأكملها.{تسهيل العقيدة الإسلامية صـ 57 - 56}
ومعنى الاستواء: الارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكّن عليه.
قال أبو عبيدة في قوله: (الرَّحْمنُ عَلى العَرْش اسْتَوَى) سورة طه : 5قال: علا، قال: وتقول العرب: استويت فوق الدابة واستويت فوق البيت.
وقال غيره: استوى أي: استقر، واحتج بقوله تعالى: (ولمّا بَلَغَ أشُدَّهُ واسْتَوَى) انتهى شبابه واستقر، فلم يكن في شبابه مزيد.
قال ابن عبد البر: الاستواء: الاستقرارِ في العلو، وبهذا خاطبنا اللّه تعالى في كتابه فقال: (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُم تَذكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُم إذا اسْتَويتُمْ عَلَيْهِ) الزخرف : 13.
وقال تعالى: (واسْتَوَتْ عَلى الجُوديّ) سورة هود : 44.
وقال تعالى: (فإذا اسْتَوَيْتَ أنْتَ ومَنْ مَعَكَ عَلَى الفُلْكِ) سورة المؤمنون : 28.
. [الأنترنت- موقع دروس في اسم الله الحسنى - العلي - الأعلى - المتعال]
وصفة العلو من الصفات الثابته لله تعالى فى القرآن والسنه المطهرة وهى من الصفات الذاتية
واذا كانت الصفة لا تنفك عن الله تعالى فهى صفة ذاتيه مثل (العلو والوجه واليد والعزة والقدرة والسمع والبصر والكلام0000 )
أما اذا كانت الصفة تنفك عن الله بمعنى أنها تتعلق بالمشيئة اذا شاء الله فعلها واذا شاء لم يفعلها تسمى صفة فعليه مثل ( الاستواء والنزول و العجب والرضى والحب )[ الأنترنت – موقع دار القرآن العظيم]
وقال الشيخ ابن باز: معنى الاستواء قوله - سبحانه وتعالى - : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }[طه:5]. فسره علماء السنة بأنه العلو والارتفاع يعني ارتفع فوق العرش وعلا فوقه - سبحانه وتعالى - بدون كيف. أهل السنة والجماعة هم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتباعهم بإحسان يقولون في صفات الرب عز جل: إن الواجب إثباتها وإمرارها كما جاءت بلا كيف، يعني نثبتها لله ونؤمن بها وأنها حق ولكن لا نكيفها، لا نقول أنها بكيفية كذا وكيفية كذا، سئل مالك بن أنس إمام دار الهجرة في زمانه، وأحد الأئمة الأربعة، سئل - رحمه الله تعالى - عن قوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كيف استوى؟فأطرق طويلاً ثم قال:الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب.
فالواجب على أهل العلم وعلى جميع المسلمين أن يؤمنوا بأسماء الله وصفاته التي جاءت في القرآن العظيم أو السنة الصحيحة وأن يمروها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأنها صفات الله وأنها أسماءه وأنها حق وأن معانيها حق تليق بالله -جلا وعلا- لا يشابه خلقه في شيء من صفاته - سبحانه وتعالى -.
فالاستواء هو العلو والارتفاع فوق العرش وهو معلوم من حيث اللغة العربية ولكن كيفيته مجهولة لا نعلم كيف استوى ولكن نقول إنه استوى على العرش وارتفع فوق العرش، ارتفاع يليق بجلال وعظمته، لا يشابه خلقه في صفاته لا في الاستواء ولا في غيره لقوله - سبحانه وتعالى - : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [(11) سورة الشورى]. ولقوله - عز وجل -: فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [(74) سورة النحل]. وقوله - سبحانه وتعالى - : وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ فهو - سبحانه - الكامل في ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله لا شبيه له ولا سمي له، ولا كفء له ولا ند له - سبحانه وتعالى - هذا هو الواجب على أهل الإسلام أن يؤمنوا بهذه الصفات الاستواء والرحمة والسمع والبصر والغضب والوجه واليد والقدم والأصابع وإلى غير هذا من صفات الله - سبحانه وتعالى - كلها يجب إثباتها لله على الوجه اللائق بالله من غير تحريف ولا تعطيل لصفات الله ولا تكييف لها ولا تمثيل لها،
بل يقال إنها حق، وإنها ثابتة لله على الوجه اللائق به - سبحانه وتعالى - لا يشابه خلقه في شيء من صفاته -جل وعلا- لأنه سبحانه وتعالى لا مثيل له لا في ذاته ولا في صفاته - سبحانه وتعالى [الأنترنت – الموقع الرسمي للإمام ابن باز]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على ؤسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع العلي وستكون بعنوان:*معنى الأسماء الثلاثة في حق اللَّه تعالى :
العَلِيّ :قال الله تعالى: (وسِع كرسِيُّه السَّمَاوات والأرض ولا يَؤُودُه حِفظُهمَا وهو العليُّ العظِيم ) [البقرة:255] .
قال الدكتور محمود الرضواني : العلي سبحانه هو الذي علا بذاته فوق جميع خلقه، فاسم الله العلي دل على علو الذات والفوقية، فهو سبحانه عال على عرشه بكيفية حقيقية معلومة لله مجهولة لنا، ودائما ما يقترن اسم الله العلي باسمه العظيم، وكذلك عند ذكر العرش والكرسي، ولما ذكر الله إعراض الخلق عن عبادته أعلم نبيه صل الله عليه وسلم في أعقاب ذلك أنه الملك الذي لا يزول عن عرشه بإعراض الرعية كشأن الملوك من خلقه، لأنه المستغني بذاته، الملك في استوائه لا يفتقر إلى أحد في قيام ملكه أو استقراره، ومَما قال لنبيه صلي الله عليه وسلم: {فإن تولوا فقل حسبي الله لا إلهَ إلا هو عليْه توكّلت وهو رَبُّ العرشِ العظِيمِ} [التوبة:129]، والآيات كثيرة وواضحة في إثبات علو الذات والفوقية،والثابت الصحيح أن معاني العلو عند السلف ثلاثة معان دلت عليها أسماء الله المشتقة من صفة العلو، فاسم الله العلي دل على علو الذات، واسمه الأعلى دل على علو الشأن، واسمه المتعال دل على علو القهر . [الأنترنت – موقع الدكتور محمود الرضواني]
وقال د /عبد الرزاق البدر: العلي ،الأعلى ،المتعال ؛ قال تعالى:{ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }،وقال تعالى :{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى }،وقال تعالى :{ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}. وهذه الأسماء تدلُّ على علوه المطلق بجميع الوجوه والاعتبارات :
فهو العليّ علو ذات، قد استوى على العرش ،وعلا على جميع الكائنات ، وباينها ، قال تعالى :{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }،وقال تعالى في ست آيات من القرآن :{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } أي :علا وارتفع عليه علوّاً يليق بجلاله وكماله وعظمته سبحانه .
وهو العلي علو قدر،وهو علو صفاته وعظمتها
،فإنّ صفاته عظيمة لا يماثلها ولا يقاربها صفة أحد ،بل لا يطيق العباد أن يحيطوا بصفة واحدة من صفاته .
وهو العلي علو قهر ،حيث قهر كل شيء ،ودانت له الكائنات بأسرها ، فجميع الخلق نواصيهم بيده ،فلا يتحرك منهم متحرك ،ولا يسكن ساكن إلا بإذنه ،وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .
والإيمان بعلو الله على خلقه يورث العبد تعظيمًا لله وذلًا بين يديه ،وانكسارًا له ،وتنزيهًا له عن النقائص والعيوب ،وإخلاصًا في عبادته ،وبعدًا عن اتخاذ الأنداد والشركاء ،قال الله تعالى :
{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }
[الأنترنت – موقع مختصر فقه الأسماء الحسنى- عبد الرزاق البدر]
وقال ابن كثير: وقوله :{ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَالْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }
كما قال : { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } ، وقال : { الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ } فكل شيءٍ تحت قهره وسلطانه وعظمته لا إله إلا هو ولا رب سواه ؛ لأنه العظيم الذي لا أعظم منه ، العلي الذي لا أعلى منه ، الكبير الذي لا أكبر منه تعالى وتقدس ، وتنزَّه عزَّ وجلَّ عما يقول الظالمون المعتدون علوًا كبيرًا[ تفسير ابن كثير (3/222، 223) ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على ؤسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:*
معنى الأسماء الثلاثة في حق اللَّه تعالى :
فتعالى اللَّهُ عما يقول الجهميةُ وأشباهُهُم أن اللَّهَ في كل
مكان ، وأنه أعلى وأسفل ووسط ومع كل شيء وفي كل موضع من أرض وسماء وفي أجواف جميع الحيوان ، تعالى اللَّه عما يقولون علوًا كبيرًا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(وهو سبحانه وصف نفسه بالعلو،وهو من صفات المدح له بذلك، والتعظيم ؛ لأنه من صفات الكمال كما مدح نفسه بأنه العظيم ، والعليم ، والقدير والعزيز والحليم ونحو ذلك وأنه الحي القيوم ، ونحو ذلك من معاني أسمائه الحسنى فلا يجوز أن يتصف بأضداد هذه الصفات ) .
فلا يجوز أن يوصف بضد الحياة والقيومية والعلم والقدرة مثل الموت والنوم والجهل والعجز واللغوب ولا بضد العِزة وهو الذُّل ولا بضد الحكمة وهو السفه ، فكذلك لا يُوصف بضد العلو وهو السفول ، ولا بضد العظيم وهو الحقير ، بل هو سبحانه مُنزَّه عن هذه النقائص المنافية لصفات الكمال الثابتة له ، فثبوت الكمال له ينفي اتصافه بأضدادها وهي النقائص( مجموع الفتاوى ) (16/97- 98) .
وقال ابن القيم رحمه اللَّه :
هذا ومن توحيدهم إثبات **** أوصاف الكمال لربنا الرحمن
كعلوِّه سبحانه فوق السمــ****ـاوات العُلى بل فوق كل مكان
فهو العليُّ بذاته سبحانه ***إذ يستحيل خلافُ ذا ببيان
وهو الذي حقًا على العرش استوى ***قد قام بالتدبير للأكوان
[الأنترنت – موقع الكلم الطيب - العلي - الأعلى – المتعال ( جل جلاله وتقدست أسماؤه )]
والعلي : هو الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه: علو الذات، وعلو القدر والصفات، وعلو القهر، فهو الذي على العرش استوى،وعلى الملك احتوى، وبجميع صفات العظمة والكبرياء والجلال والجمال وغاية الكمال اتصف، وإليه فيها المنتهى .
واسم العلي أبلغ من الأعلى والمتعالي، لأنّ الأعلى والمتعالي يقتضي بمقارنة مع غيره بخلاف العلي فهو صفة ذاتية لله تعالى .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قال أبو سفيان : اعلُ هبل.. اعلُ هبل -وذلك في يوم أحد – قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا تجيبونه؟ قالوا : وما نقول؟ قال : قولوا : الله أعلى وأجل “
والخلاصة : العلي : دال على علو الذات والصفات ، الأعلى : دال على علو الشأن ، المتعال : دال على علو القهر[الأنترنت – موقع الراشدون - شرح أسماء الله الحسنى - العلي والأعلى والمتعالي]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على ؤسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:*
معنى الأسماء الثلاثة في حق اللَّه تعالى :
والله تبارك وتعالى له جميع أنواع العلو، ومن أنكر شيئًا منها، فقد ضل ضلالاً بعيدًا،
وقد جاءَت النصوص بإثبات أنواع العلو لله، ومنها :
1- علو الذات، فالله تبارك وتعالى مستو على عرشه، وعرشه فوق مخلوقاته،كما قال تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } يونس: 3].والله مستو على عرشه فوق عباده.
2- علو القهر والغلب، قال تبارك وتعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } [الأنعام: 18]. وقال تعالى: { هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [الزمر:4]. فلا ينازعه منازع، ولا يغلبه غالب، وكل مخلوقاته تحت قهره وسلطانه، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن ، وقد وصف الحق - تبارك وتعالى - نفسه بصفات كثيرة تدل على علو القهر والغلب كالعزيز، والقوي، والقدير، والقاهر والغالب ونحو ذلك. قال سبحانه: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } [الأنعام: 18].
3- علو المكانة والقدر، وهو الذي أطلق عليه القرآن: "المثل الأعلى" كما في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى } [النحل: 60] ،،
فالمثل الأعلى: الصفات العليا التي لا يستحقها غيره، فالله هو الإله الواحد الأحد، وهو متعال عن الشريك والمثيل والند والنظير قال تعالى :{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد (4) } الإخلاص].الأنترنت – موقع حياة القلوب في معرفة علام الغيوب - تعظيم أسماء الله [العلي، الأعلى، المتعال] ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل
*كيف يتعبد المرء لربه بصفة العلو العظيمة؟
أولا : تربية النفس على التعبد لله باسماءه من خلال :
أ- التوسل إلى الله به في دعاء المسألة: كما قال سبحانه:﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾[الأعراف: 180]، وهذا يأتي على صورتين:
الأولى: أن يذكر في أول الدعاء توسلاً به، ومنه ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا آوى إلى فراشه قال: " اللهمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شيء فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شيء أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللهمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شيء، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شيء وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شيء، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شيء، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَاغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ".
والثانية: أن يذكر في آخر الدعاء كالتعليل به، ومنه ما رواه البخاري من حديث أبي بكرٍ رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: " قُلِ اللهمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ".
ولكلا الصورتين أحوال:
الحالة الأولى: أن يؤتى بالاسم المطلق، ومن ذلك استعاذة مريم ابنة عمران: ﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 18]، وقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الممتحنة: 5].
الحالة الثانية: أن يكون دعاء المسألة بالاسم المقيد، ومن ذلك قوله تعالى عن زكريا عليه السلام: ﴿ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38]، فاسم الله السميع من الأسماء الحسنى المطلقة ولكنه ورد مقيدًا في هذا الموضع، ومنه ما رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا غَزَا قَال:" اللهمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أُقَاتِلُ )
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على ؤسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:*
*كيف يتعبد المرء لربه بصفة العلو العظيمة؟
الحالة الثالثة: الدعاء بالوصف الذي دل عليه الاسم سواء كان وصف ذات أو وصف فعل، فمن الأول الدعاء بالعزة التي دل عليها اسم الله العزيز فيما رواه مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهمَّ إني أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَنْ تضلني، أَنْتَ الحي الذي لاَ يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ"، ومن الثاني: الدعاء بالفتح الذي دل عليه اسم الله الفتاح في دعاء نوح عليه السلام: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي
وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 117، 118].
الحالة الرابعة: أن يكون المدح والثناء بلسان المقال، ويكون دعاء المسألة بلسان الحال، ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو عِنْدَ الكَرْبِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله العَظِيمُ الحَلِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ".
الحالة الخامسة: الدعاء بمقتضى الاسم، كأن يأتي الاسم في سياق الخبر ويراد به الطلب، كقوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[المائدة: 74].
ب- الاستشفاء بأسماء الله، وهو نوعٌ من الذي قبله، وأفردته لأمرين: الأول: ما يحدث في قلب المبتلى غالبًا من تعلق بالله يجعله يستشعر كثيرًا من معاني أسماء الله وصفاته، والثاني: ما حدث في هذا الباب من محدثات، فمنهم من يكرر اسم من أسماء الله الحسنى بعدد معين لمرض معين، ومنهم من يكتب أسماء الله تعالى على جبين المريض في كل أيام مرضه، وهذا والذي قلبه من الإلحاد في أسماء الله والخروج بها عما يراد منها، وقد قال تعالى: ﴿ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180].
ج- تعبيد الأسماء لله تعالى بهذا الاسم: فيسمى بعبد الرحمن، وأمة الرحمن، ونحوها من الإضافات الجائزة؛ كضيف الله وجار الله وحفظ الله، وأفضلها التعبيد.
د- الإكثار من تسمية الله به في قوله أو كتابته: ويقرنه بما اقترن به من الأسماء في النصوص الشرعية، والحلف بهذا الاسم.
هـ- تحقيق ما يقتضيه من فِعْل المأمورات وترك المحظورات: فاسم الله السميع يقتضي ترك الكلام الذي يغضب الله سماعه، والسميع يقتضي كذلك الإكثار من الكلم الطيب من ذكر وقراءة قرآن ودعوة لله تعالى.
المسلك الثاني عشر: ظهور أثر الاسم في سلوك العبد وأخلاقه: فالله عز وجل يحب موجب أسمائه وصفاته، فهو عليم ويحب كل عليم، وهو كريم ويحب الكرماء من عباده، وهو سبحانه يكون مع عباده بحسب اتصافهم بما يحبه سبحانه، وهذه هي المعية الخاصة. فيتصف بالصفات التي يحبها الله تعالى: كالعلم،والعدل، والصبر، والرحمة، والرفق، والإحسان، ونحو ذلك، وينتهي عن الصفات التي يكرهها الله تعالى له مما ينافي عبوديته لله تعالى، كالصفات التي لا يصح للمخلوق أن يتصف بها كالكبر والعظمة والجبروت، يقول ابن تيمية رحمه الله: إن من أسماء الله تعالى وصفاته ما يُحمد العبد على الاتصاف به؛ كالعلم والرحمة والحكمة وغير ذلك، ومنها ما يذم العبدعلى الاتصاف به كالإلهية والتجبر والتكبر، وللعبد من الصفات التي يُحمد عليها ويؤمر بها ما يمنع اتصاف الربّ به كالعبودية والافتقار والحاجة والذل والسؤال، ونحو ذلك، وفي بيان هذا يقول ابن بطّال رحمه الله: طريق العمل بها: أن الذي يسوغ الاقتداء به فيها كالرحيم والكريم؛ فإن الله يحب أن يرى حالاها على عبده ، فليمرن العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها،وماكان يختص بالله تعالى كالجبار والعظيم ؛ فيجب على العبد الإقرار بها، والخضوع لها، وعدم التحلي بصفة منها، وما كان فيه معنى الوعد: نقف منه عند الطمع والرغبة، وما كان فيه معنى الوعيد: نقف منه عند الخشية والرهبة.][ الأنترنت – موقع الألوكة - منهج فهم معاني الأسماء الحسنى والتعبد بها - د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على ؤسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع العلي بعنوان:*
*كيف يتعبد المرء لربه بصفة العلو العظيمة؟
ثانياً: تعبد المرء لربه بصفة العلو:
إن الله عليٌ في ذاته، عليٌ في شأنه، عليٌ في قهره جل في علاه، والله جل في علاه إذ يتصف بهذه الصفة الجليلة يحب أن يرى أثر هذه الصفة خلقاً من أخلاقيات عباده، فلا بد للعبد أن يتخلق بأثر هذه الصفة، فتعلو همته لله جل في علاه، ينظر إلى فوق العرش فيعلم أن ربه فوق العرش يدبر أمر عباده، فتعلو همته فلا ينام ليله إلا وروحه تصعد عند العرش، فتطوف حوله، وتعلو همته إلى أن يجاور رب العرش سبحانه جل في علاه في الفردوس الأعلى.
*تعبد الصحابة لربهم بصفة العلو:
هذا الرجل مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وضع الوضوء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم شاكراً لفعله: (سلني، قال: أسألك مرافقتك في الجنة؟)، علو في الهمة، فهو يعلم أن ربه علي، وعلو الهمة صفة يحبها الله جل في علاه كما في الحديث الصحيح: (إن الله يحب معالي الأمور ويبغض أسافل الأمور)، فلذلك قال مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسألك مرافقتك في الجنة)، همة عالية فما رضي بالدون، وما قال: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ [آل عمران:185]، فكثير من العامة الآن تسمعهم يقولون: نحن لا نريد إلا أن نزحزح عنها فقط، فقط نمر على الصراط، هذه همة دنيا، والهمة الدنيا يمكن أن ينزل بها إلى نار جهنم، بل قال بعضهم: انظر إلى السماء حتى تصل إلى المأذنة؛ فلا بد لك من همة عالية، ولا ترضى بغير الفردوس بديلاً، وإن علمت أنك ربما تقع وتتجرأ وتتعدى وتفعل الحرام فاعلم بأن ربك سيوفقك للتوبة، واعلم أنك ما زلت على هدف غالٍ ثمين، هذا الهدف بعلو همتك ستصل إليه.كانت همة الصحابة رضوان الله عليهم في الفردوس الأعلى، عمرو بن الجموح ذلك الرجل الذي ابتلاه الله جل في علاه بعرجة في رجله وقد رفع عنه الحرج، كما قال الله تعالى:{ لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ }[الفتح:17]، عندما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بين له أن الله قد رفع عنك الحرج، لكن له همة عالية لا ترضى بالدون، لا يرضى أن يكون تحت الناس، ولا أن يكون في الخط الخلفي، قال: والذي نفسي بيده لأطأن بعرجتي هذه الجنة، نسأل الله جل في علاه أن يجعله في الفردوس الأعلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، هذه هي الهمة العالية في طلب الله جل في علاه.
*تعبد الرسل لربهم بصفة العلو:
لقد ضرب لنا موسى عليه السلام أروع الأمثلة في الهمة العالية، فبعد أن سمع صوت الله جل في علاه عندما ناداه {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143]، هذا من الهمة العالية؛ لأنه بعدما سمع هذا الصوت قال: إن كان هذا الجمال في الصوت فجمال الرؤيا أمتع وأشد وقعاً علي، فطلب بهمة عالية رؤية الله جل في علاه، لكن حال بينه وبين هذه الرؤية أن الله كتب ألا يراه أحدٌ في هذه الدنيا، ونطمع بإذن الله أن نرى ربنا في الآخرة، وكل بحسب إيمانه.همة عالية أيضاً في الدعوة إلى الله جل في علاه، أما رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكة بأسرها تتكالب عليه وتتهمه بالجنون، وتضرب عليه بيد من حديد وتريد قتله، بل بعد ذلك ساومته ليتملك مكة بأسرها من مال وجاه ونساء وهو لا يرضى بذلك، ولا يرضى بدعوة الله جل في علاه بديلاً.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على ؤسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة عشرة في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:*
*كيف يتعبد المرء لربه بصفة العلو العظيمة؟
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الهمة العالية ما مات حتى أتم الله عليه الشريعة بأكملها، وبلغ عن الله أتم البلاغ، وبين عن الله أتم البيان صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال في خطبة الوداع: (خذوا عني مناسككم، خذوا عني مناسككم، ثم قال: أترون أني قد بلغت؟ ثم جعل يرفع إصبعه يشير بها إلى السماء ثم ينكسها ويقول: اللهم فاشهد، اللهم فاشهد).همة عالية في نشر دعوة الله جل في علاه، رجل واحد غير الله به الدنيا بأسرها مشارقها ومغاربها، وأصبح هذا الدين هو الدين الحق، وأصبحت الأمة الإسلامية هي أفضل أمة عند الله وكفى بهذه الأمة فخراً وشرفاً وعلواً أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (نحن الآخرون السابقون)، أي: سابقون في القضاء، وعبور الصراط، ودخول الجنة.وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلموا الهمة العالية من رسول الله صلى الله عليه وسلم متأثرين بصفة العلو لله جل في علاه، فأنا أهيب بنفسي وبإخوتي أن يتمثلوا بذلك ويتدبروا هذه الصفة، فإن كان طالباً للعلم فعليه أن يكون من أصحاب الهمم العالية، إن كان حافظاً للقرآن فعليه أن يكون من أصحاب الهمم العالية، إن كان داعياً إلى الله فعليه أن يكون من أصحاب الهمم العالية.
*تعبد العلماء لربهم بصفة العلو:
انظروا إلى ابن حزم رحمه الله، فهو أروع الأمثلة التي
ضربت من العلماء، فقد بين لنا الهمة العالية كيف تصنع بصاحبها، دائماً كانوا يقولون: التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، يعني: الذي يتعلم في الكبر تعليمه لا ينفع، لكنه كسر كل هذه القواعد: دخل المسجد بعد العصر، فأراد أن يصلي فقام له رجل فقال: يا جاهل! تصلي بعد العصر، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر، فاستحيا ابن حزم وجلس فلم يصل، فجاء في الجمعة التي بعدها فصادف أنه دخل بعد العصر المسجد فجلس ولم يصل؛ لأن الرجل قد علمه بأن النبي نهى عن ذلك، فلما أراد أن يجلس قال له طالب علم: أيها الجاهل! تدخل المسجد وتجلس ولا تصلي؟ أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) ؟ فقام حزيناً بعدما صلى،فذهب وقال: والله لا أتركن العلم بحال. انظروا إلى الهمة العالية، وكيف يتعبد لله بصفة العلو، فعكف على الكتب ثلاث سنوات فقام يطيح بالرءوس، ويشتد على الشافعي وأبي حنيفة والترمذي ويقول: ما سمعت بهذا الرجل، وما ترك أحداً إلا وبرى قلمه عليه، والعلماء يقولون: ابن حزم فحل من فحول أهل العلم لولا لسانه؛ لأن لسانه كان سيفاً بتاراً، فـابن حزم قال فيه العز بن عبد السلام : والله ما أبحت لنفسي أن أفتي حتى اقتنيت المغني لابن قدامة ، والمحلى لابن حزم ، ومن قرأ في المحلى علم غزارة علم الرجل حديثاً وفقهاً وأصولاً ولغة، فهو بحر في كل شيء لا ساحل له، ولولا قلمه لنال القبول العام عند العلماء، لكن انظر الهمة العالية التي جعلته في ثلاث سنوات يناطح الجبال، بل قام يناطح الجوزاء نفسها.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة عشرة في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:*
*تعبد العلماء لربهم بصفة العلو:
مسدد بن مسرهد كان رجلاً محدثاً بارعاً ثقة ثبتاً، دار على محدثي الكوفة والبصرة وذهب إلى العراق فما ترك محدثاً إلا واستمع منه، يعاني كل ذلك ليسمع من ابن حنبل، ثم هو في كل طريق يسأل عن الإمام أحمد بن حنبل فدخل على يحيى بن معين فقال: أسألك، قال: سل، قال: أسألك عن فلان؟ قال: ثقة، قال: أسألك عن فلان؟ قال: ضعيف، قال: أسألك عن فلان؟ قال: ثقة، قال: أسألك عن أحمد بن حنبل توثقه؟ فتعجب يحيى بن معين وقال: وأحمد بن حنبل يسأل عنه؟
أحمد بن حنبل إمام الدنيا بأسرها، أحمد لا يسأل عنه، ويذهب مسدد يسمع الحديث من أحمد بن حنبل وكان ثقة ثبتاً، بل أحمد رئيسه وشيخه وسيده، فظهر لنا علو همته في الطلب لما ذهب من بغداد ماشياً يريد صنعاء حتى يسمع الحديث من عبد الرزاق ، وكان يستأجر نفسه، ويذهب يحمل عن الناس المتاع حتى يأخذ الأجرة فيطعم ويشرب حتى يذهب إلى عبد الرزاق ويسمع منه.
البخاري من بخارى ما ترك بلدة فيها محدث إلا وذهب إليها، فذهب إلى أحمد وجلس إليه وأخذ منه الحديث، ثم ترك بغداد، وأراد أن يرحل إلى مصر، فقال له أحمد : أين تذهب؟ أتتركنا وتترك الحديث؟ لكن البخاري قد أخذ منه ما يريد وذهب باحثاً عن علو الإسناد، فما ترك بلدة فيها محدث إلا وذهب إليها.
أبو داود جاء من سجستان في خراسان وذهب إلى
الإمام أحمد ، وله كتاب مشهور جداً يربطه بالإمام أحمد اسمه: سؤالات أبي داود ، كان يسأل الإمام دائماً ويكتب عنه، فجمع الله بينهم فأخذ منه، ثم ذهب يدور على البلاد حتى يكتب الحديث.
انظروا إلى الهمة العالية من هؤلاء الأفذاذ أساطين
أهل العلم، تأثروا بصفة العلو لله جل في علاه،
وأصبحت الهمة كالجبال عالية لا ترضى بالدون.
كما قامت هند وسط الناس وأخذت بـمعاوية وقالت: إن ابني هذا سيد وسيعانق الجوزاء، وصدقت حينما قالت ذلك؛ فإن معاوية رضي الله عنه وأرضاه صاحب همة عالية لا يرضى بالدون؛ ولذلك أصبح أميراً للمؤمنين رضي الله عنه وأرضاه، فالصحابة رضوان الله عليهم وأرضاهم كانوا يتعبدون لله جل في علاه بهذه الصفة العظيمة الجليلة، وأيضاً من التابعين وتابعي التابعين. نسأل الله جل في علاه أن يجعلنا من أصحاب الهمم العالية. لكن أنا أشتكي إلى ربي من نفسي ثم الله أعلم بإخوتي؛ لأني أعصي الله، والمعصية شوك في طريق طالب العلم، وجبل هدام على طالب العلم، فالله جل في علاه يغفر لنا زلاتنا، ويسير بنا على هذا الطريق الذي هو أشرف وأنبل الطرق، ويجعل همتنا همة عالية حتى ننظر في وجهه الكريم ونحن في الفردوس الأعلى لا ننزل عنها درجة أبداً، وإن كانت الأعمال لا تصل بنا، لكن كفانا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب)، ونحن جميعاً بفضل الله نحب الله، ونحب رسوله، ونحب أبا بكر وعمر جمع الله بيننا وبينهم في الفردوس الأعلى.
[ الأنترنت – موقع صفات الله وآثارها في إيمان العبد – للشيخ : ( محمد حسن عبد الغفار )]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة العشرون في موضوع العلي وستكون بعنوان:*علاقة المؤمن باسم الله "العلي" التواضع له :
المؤمن يتواضع ؛هو في الأصل فقير، في الأصل
جاهل، في الأصل ضعيف، فإذا ادعى ما ليس له فهو يكذب، إذا ادعى ما ليس له فهو يغش الناس، فالإنسان من شأنه مع هذا الاسم "العلي" التواضع.
لذلك لما فتح النبي الكريم مكة المكرمة دخلها مطأطئ الرأس، حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عز وجل لله العلي الأعلى .
من شأن المؤمن أن يتواضع، لا أن يتعاظم، اتضع لا ترتفع، اتبع لا تبتدع، الورع لا يتسع.
الإنسان ليس مما لا يليق به كإنسان أن يقول أنا، قوي، أنا غني، أنا أحمل الشهادة الفلانية، شأن المؤمن مع هذا المؤمن أن يتواضع، يعني بين أن تقول أنا عالم، والله كلمة قاسية جداً،قل أنا طالب علم،كلمة لطيفة، المؤمن صادق فيما يقول، الله وفقني، الله أكرمني، الله منحني، الله تفضل عليّ بهذا البيت، تفضل عليّ بهذه الزوجة، تفضل عليّ بهذه الخبرة، بهذه الشهادة.
لأن أدب المؤمن مع هذا الاسم "العلي" علاقة عكسية ، الله"العلي" وحده، أما العبد فمن شأنه التواضع، من شأنه التذلل، من شأنه أن يضع خده على الأرض تواضعاً لله عز وجل.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : من تواضع لله تخشعًا رفعه اللَّه ، ومن تكبَّر تجبرًا قسمه اللَّه .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس تواضعًا لربه ، فكان يقول : (آكل كما يأكل العبد ،وأجلس كما يجلس العبد)
وانظر إلى ذكائه صلى الله عليه وسلم وكم كان ربانيًّا ، فعندما نزل قوله تعالى :{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قال: ( اجعلوها في ركوعكم ) وعندما نزلت : {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى } قال : اجعلوها في سجودكم [ أخرجه الطيالسي (1093) ، وأحمد 4/155، وأبو داود (869) ، وابن ماجه (887) ، وابن خزيمة (600، 670) ، وابن حبان (1898) ، والحاكم 1/225 . وصححه أيضًا الحاكم ، وتعقبه الذهبي . وانظر فتح الباري لابن رجب الحنبلي 7/176، والإرواء 2/40]
فاختار للناس تعظيم اللَّه في حال الخضوع وهو الركوع ، وأمرهم في أعظم موقف تذل فيه جباهُهُم وتغبر فيه وجوههم بأن يذكروا الله ويسبحوه باسمه الأعلى ليتذكروا ذِلتهم لعزته وخضوعهم لقوته ، فيكون ذلك سبب عزهم وهو أقرب المواقف للعبد من ربه ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء )[ رواه مسلم .]
#تواضع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
يروى أن سيدنا عمر لما تولى الخلافة، قال: أيها الناس إن الناس خافوا شدتي كنت خادم رسول الله، وجلواذه، وسيفه المسلول، فكان يغمدني إذا شاء، وتوفي وهو عني راضٍ والحمد لله وأنا بهذا سعيد، ثم كنت خادم أبي بكر، وجلواذه، وسيفه المسلول، فكان يغمدني إذا شاء، وتوفي وهو عني راضٍ الحمد لله كثيراً وأنا به أسعد، ثم آلت الأمور إليّ أيها الناس اعلموا أن هذه الشدة قد أضعفت، أنا أمثل دور الشدة كنت مع رسول الله أمثل دور الشدة، هو رحيم، ومع الصديق كذلك، أما الآن الأمر بيدي.
ثم قال عمر : اعلموا أن هذه الشدة قد أضعفت، وإنما تكون على أهل الفجور والعصيان، أما أهل الإيمان والصلاح فأضع خدي لهم على الأرض ليطئوه.
أيها الناس خذوا عني خمس خصال، لكم عليّ ألا آخذ من أموالكم شيئاً إلا بحقه، ولكم عليّ ألا أنفق من هذه الأموال شيئاً إلا بحقه، ولكم عليّ أن لا أجمركم في البعوث، وإذا غبتم في البعوث (أي في الجهاد) فأنا أبو العيال حتى ترجعوا، ولكم عليّ أن أزيد عطاياكم إن شاء الله تعالى، ولست خيراً من أحدكم، لكنني أثقلكم حملاً.
أرأيت إلى التواضع ؟
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الواحدة والعشرون في موضوع العلي وستكون بعنوان : شأن العبد مع هذا الاسم التواضع
وأنت إذا تواضعت لله يرفعك الله.
من دعا إلى الله تعالى عليه أن يُنوع في خطابه الديني بين التعظيم والحب والخوف:
ما من إنسان على وجه الأرض رفعه الله كرسول
الله.﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾( سورة الشرح )
لأنه ما من إنسان على وجه الأرض خضع لله وتذلل له كرسول الله، فشأن العبد مع هذا الاسم التواضع.
*من تواضع لله رفعه
المسلم يتواضع في غير مذلة ولا مهانة، والتواضع من أخلاقه المثالية وصفاته العالية، كما أن الكبر ليس له، ولا ينبغي لمثله، إذ المسلم يتواضع ليرتفع، ولا يتكبَّر لئلا يخفض، إذ سُنَة الله جارية في رفع المتواضعين له، ووضع المتكبرين. قال رسول الله: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلاَّ عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» ، وقال: «حق على الله أن لا يرتفع شيءٌ من الدنيا إلا وضعه»وقال: «يحشر المتكبّرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون إلى سجن في جهنم يقال له (بولس) تعلوه نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال»
والمسلم عندما يصغى بأذنه وقلبه إلى مثل هذه الأخبار الصادقة من كلام الله وكلام رسوله في الثناء على المتواضعين مرة، وفي ذم المتكبرين أخرى، وطورًا في الأمر بالتواضع، وأخر في النهي عن الكبر. كيف لا يتواضع ولا يكون التواضع خلقًا له، وكيف لا يتجنب الكبر ولا يمقت المتكبرين؟.
قال الله تعالى في أمر رسوله بالتواضع: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وقال له: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا }
وقال في الثناء على أوليائه بوصف التواضع فيهم:
{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}
وقال في جزاء المتواضعين: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا}
وقال رسول الله في الأمر بالتواضع: « إن الله قد أوحى إلىَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحدوقال في الترغيب في التواضع: «ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم، فقال له أصحابه: وأنت؟ قال: نعم كنتُ أرعاها على قراريط لأهل مكة»
وقال: « لو دُعيت إلى كُراع أو ذراع لأجبت، ولو أُهدي إلىَّ ذراع أو كراع لقبلت »
وقال في التنفير من الكبر: «ألا أخبركم بأهل النار: كل عتل جواظ مستكبر». وقال «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، ومَلِكٌ كذاب، وعَائِلٌ مستكبر»وقال: «قال الله عز وجل: العزُّ إزاري، والكبرياء ردائي، فمن ينازعني في واحدة منهما فقد عذبته»وقال«بينما رجل يمشي، في حلة تعجبه نفسه، مُرَجِّلٌ رأسه، يختال في مشيته، إذ خشف الله به الأرض فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة».
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية والعشرون في موضوع العلي وستكون بعنوان :من مظاهر التواضع ما يلي:
1- إن تقدم الرجل على أمثاله فهو متكبر، وإن تأخر عنهم فهو متواضع.
2- إن قام من مجلسه لذي علم وفضل، وأجلسه فيه، وإن قام سوى له نعله، وخرج خلفه إلى باب المنزل ليشيعه فهو تواضع.
3-إن قام للرجل العادي وقابله ببشر وطلاقة، وتلطف معه في السؤال وأجاب دعوته وسعى في حاجته ولا يرى نفسه خيرًا منه فهو متواضع.
4- إن زار غيره ممن هو دونه في الفضل، أو مثله وحمل معه متاعه، أو مشى معه في حاجته فهو متواضع.
5- إن جلس إلى الفقراء والمساكين والمرضى، وأصحاب العاهات، وأجاب دعوتهم وأكل معهم وماشاهم في طريقهم فهو متواضع.
6- إن أكل أو شرب في غير إسراف، ولبس في غير
مخيلة فهو متواضع.
*وهذه أمثلة عالية للتواضع:
1- روي أن عمر بن عبدالعزيز أتاه ليلة ضيف وكان يكتب فكاد السراج يطفأ فقال الضيف: أقوم إلى المصباح فأصلحه؟ فقال: ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه. فقال الضيف: إذًا أنبّه الغلام؟. فقال عمر: إنها أول نومة نامها فلا تنبهه. وذهب إلى البطة وملأ المصباح زيتًا، ولما قال له الضيف: قمتَ أنتَ بنفسك يا أمير المؤمنين؟. أجابه قائلاً: ذهبت وأنا عمر، ورجعت وأنا عمر، ما نقص مني شيء، وخير الناس من كان عند الله متواضعًا.
2- روي أن أبا هريرة أقبل من السوق يحمل حزمة
حطب وهو يومئذ خليفة بالمدينة لمروان، ويقول:
أوسعوا للأمير ليمر، وهو يحمل حزمة الحطب.
3- رُئيِ عمر بن الخطاب مرة حاملاً لحمًا بيده اليسرى، وفي يده اليمنى الدرّة وهو أمير المسلمين وخليفتهم يومئذ.
4- روي أن عليًّا اشترى لحمًا فجعله في ملحفته فقيل له: يحمل عنك يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا، أبو العيال أحق أن يحمل.
5- قال أنس بن مالك: «إن كانت الأمَة من إِمَاء المدينة لتأخذ بيد الرسول فتنطلق به حيث شاءت
6- قال أبو سلمة، قلت لأبي سعيد الخدري:
ما ترى فيما أحدث الناس في الملبس والمشرب والمركب والمطعم؟ فقال: يا ابن أخي كلْ لله واشرب لله، والبس لله، وكل شيء دخله من ذلك زهوًا أو مباهاة أو رياء أو سمعة فهو معصية وسرف، وعالج في بيتك من الخدمة ما كان يعالج رسول الله في بيته، كان يعلف الناضج، ويعقل البعير، ويقمُّ البيت، ويحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقع الثوب، ويأكل مع خادمه، ويطحن عنه إذا أعيا ويشتري الشيء من السوق، ولا يمنعه الحياء أن يعقله بيده، أو يجعله في طرف ثوبه، وينقلب إلى أهله، يصافح الغني والفقير، والكبير والصغير، ويسلم مبتدئًا على كل من استقبله من صغير وكبير، أو أسود أو أحمر، حرًّا أو عبدًا من أهل الصلاة [الأنترنت – موقع تذكير البشر بفضل التواضع وذم الكبر - تأليف عبدالله بن جار الله بن إبراهيم آل جار الله ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع العلي وستكون بعنوان :*الهمة العالية
*مقومات الهمة العالية
مما يلاحظ في دين الإسلام أن الإيمان والعمل قرينان، فدائمًا ما يقرن بينهما في نصوص الشرع، كما في مثل قوله تعالى: {إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}. والعمل هو الظاهرة المادية لعلو الهمة في النفس؛ لأنه هو التحرك الجاد الذي تبذل فيه الطاقات لتحصيل أي غاية من الغايات *موقف الإسلام من علو الهمة: الإسلام دين العِزَّة والكرامة، ودين السمو والارتفاع، ودين الجد والاجتهاد فليس دين ذلة ومسكنة، ولا دين كسل وخمول ودعة. ولذلك فالإسلام يحض على علو الهمة، ويحث المسلمين على التحلي بهذا الخلق، ويوجههم إلى طرق اكتسابه، ويحرص على تربيتهم عليه، ويبين لهم جميع الطرق الموصلة إليه.
عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرفها، ويكره سفسافها»[- قال الحاكم: "صحيح الإسناد"، وقال الهيثمي في المجمع [8/188]: "رجاله ثقات"، وقال العراقي في حمل الأسفار [3/259]: "إسناده صحيح".
وجاء بلفظ: «إن الله جميل يحب الجمال، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفاسفها»من حديث جابر رضي الله عنه عند الطبراني في الأوسط، كما في مجمع البحرين: [5/205]، رقم: [2926]. قال الهيثمي في المجمع [8/188]: "وفيه من لم أعرفه").
ومن الملاحظ -أيضًا- أن الإسلام يحث على ترقية غايات المسلمين. وهذا إعلاء لهممهم وارتفاع بها عن الدنايا وأخذ بها إلى معالي الأمور.
ولهذا فإن جميع الأوامر في القرآن الكريم والسنة المطهرة - إنما تدعو إلى تزكية النفوس والارتفاع بها إلى أعلى الكمالات. وكذلك جميع النواهي إنما هي نهي عما يُدَسِّي النفوس وينزلها إلى حضيض الدركات. وكل ذلك من مظاهر علو الهمة. ومن تربية الإسلام للمسلمين على هذا الخلق - أن وجههم لكسب الرزق المباح عن طريق الكدح والعمل والمشي في مناكب الأرض؛ حتى يعف الإنسان نفسه ويستغني عن غيره. كما وجههم في المقابل إلى أن يترفعوا عن مسألة الناس ونفرَّهُم من ذلك الخلق الذميم ما لم تدع الضرورة إلى ذلك وعلَّمَهُم أن اليدَ العليا خيرٌ من اليدِ السفلى؛ فمنع القادر على الكسب من بسط كفه؛ للاستجداء إذا كان في استجدائه إراقة لماء وجهه بين يدي من تكون يده هي العليا. بل إن من أحكام الشريعة إباحة التيمم للمكلف وعدم إلزامه بقبول هبة الماء للوضوء؛ لما في ذلك من المنّة التي تنقص حظًا وافرًا من أطراف الهمة الشامخة. بل ومنها عدم إلزامه باستهابة ثوب يستر به عورته في الصلاة. وأبيح له أن يصلي عاريًا؛ صيانةً لضياء وجهه من الانكساف بسواد المطالب. ومن الأحكام القائمة على رعاية هذا الخلق أن التبرعات لا تتقرّر إلا بقبول المتبرع له؛ فلو وهب شخص لآخر مالًا لم تنعقد الهبة إلا أن يقبلها الموهوب له؛ إذ قد يربأ به خلق العزة عن قبولها؛ كراهة احتمال منتها والمنة تصدع قناة العزة؛ فلا يحتملها ذوو المروءات إلا حال الضرورة ولا سيما منةً تجيء من غير ذي طبعٍ كريم، أو قدر رفيع[(انظر حياة الأمة، ص: [30]، ورسائل الإصلاح: [1/126]).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضيةوالتي هي بعنوان :
*موقف الإسلام من علو الهمة
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدكم أحبُلًا فيأخذ حزمة من حطبٍ فيكف الله به وجهه خيرٌ من أن يسأل الناس أعطي أو منع»[(رواه البخاري: [3/79]، ومسلم: [1042]).
وقال: «ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك»[(رواه البخاري: [8/112]، ومسلم: [1045]).
وقال: «من يستغن يغنه الله ومن يستعفف يعفه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أُعطي أحدٌ خيرًا وأوسع من الصبر»[(رواه البخاري: [3/265]، ومسلم: [1053]).
وقال عليه الصلاة والسلام: «من سأل الناس أموالهم
تكثرًا فإنما يسأل جمرًا؛فليستقل أويستكثر»[رواه مسلم: 1041)
وعن قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه قال: "تحمَّلت حَمَالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال: «أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها». قال: ثم قال: «يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش، -أو قال: سِدادًا من عيش-، ورجل أصابته فاقةٌ حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحِجا من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقةٌ فحلَّت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش، -أو قال: سدادًا من عيش-. فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتًا يأكلها صاحبها سُحتًا»[(رواه مسلم: [1044]).
بل لقد أوصى صلى الله عليه وسلم نفرًا من أصحابه ألا يسألوا الناس شيئًا. ففي صحيح مسلم عن عوف بن مالك رضي الله عنه أنه لما بايع النبي صلى الله عليه وسلم مع طائفة من أصحابه أَسَرَّ إليهم النبي صلى الله عليه وسلم كلمة خفية: «ألا تسألوا الناس شيئًا» [(مسلم: [1043]). فكان أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدًا يناوله إياه.
ومن مظاهر تربيته لهم على خلق الهمة أن حثهم على التسابق في فعل الخيرات والتنافس في الأعمال الصالحات التي تنال بها الدرجات العالية في الدنيا وفي الآخرة والأدلة على ذلك كثيرة جدَّا.
كما عَوَّدهم على الجد في العمل والقيام إليه بهمة ونشاط. ومن تلك المظاهر أن أمر المسلمين بالجهاد ورغبهم فيه أيما ترغيب والجهاد أقصى مراتب العمل الجاد؛ إذ فيه تقديم النفس رخيصة في سبيل الله. يجود بالنفس إن ضن البخيل بها *** والجود بالنفس أقصى غاية الجود [(مدارج السالكين: [2/279]). وقال الآخر:
هل الجود إلا أن تجود بأنفس *** على كل ماضي الشفرتين صقيل وفي مقابل ذلك نهى الإسلام عن التواني والكسل، وأمر بالبعد عن اللهو واللعب والهزل، ونأى بأتباعه أن يضيعوا أوقاتهم في ما لا طائل تحته ولا فائدة ترجى من ورائه. فأمرهم بالترفع عن الدنايا ومحقرات الأمور، وأمرهم بالزهد بالدنيا طلبا لما هو أجل وأعظم و أبقى وأخلد ألا وهو النعيم المقيم في جنات الخلد. ومن مظاهر الحث على علو الهمة ما جاء في الكتاب والسنة من ذمٍّ للبخل والجبن، ومدح للشجاعة، والسماحة في سبيل الله.
والأدلة من الكتاب والسنة في هذا الشأن لا تكاد
تحصى كثرة؛ فصلاح بني آدم لا يتم في دينهم ودنياهم إلا بالشجاعة والكرم؛ فبالشجاعة والكرم في سبيل الله فضَّل الله السابقين فقال تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد من الآية:10] كما ذكر عز وجل الجهاد بالنفس والمال في سبيله ومدحه في غير ما آية [(انظر الاستقامة لابن تيمية تحقيق: د. محمد رشاد سالم: [2/ 264-271]).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة والعشرون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :
*موقف الإسلام من علو الهمة
ومن أعظم البواعث على علو الهمة في دين الإسلام
عقيدة المسلمين بالقضاء والقدر؛ فالإسلام أمر بالإيمان بالقدر وجعله أساس من أسس العقيدة وركنًا من أركان الإيمان. والإيمان بالقدر يبعث على الكرم، وعزة النفس، والشجاعة، والإقدام، والصبر، والاحتساب في مواجهة الصعاب. فتلك الخصال وغيرها هي مما يعد أصولًا في علو الهمة؛ ولذلك فالمؤمن بالقدر تجده عالي الهمة لا يرضى بالدون ولا بالواقع المُرّ الأليم ولا يستسلم له مُحْتَجَّا بالقدر؛ إذ أن هذا ليس مجال الاحتجاج بالقدر؛ لأنه من المعائب، والاحتجاج بالقدر إنما يسوغ عند المصائب دون المعائب. بل إن إيمانه بالقدر يحتم عليه أن يسعى سعيًا حثيثًا لتغيير الواقع إلى الأفضل حسب قدرته واستطاعته بالطرق المشروعة. ثم إن الإيمان بالقدر يمنع المؤمن من الاسترسال والتحسر على ما فات ويدفعه في الوقت نفسه إلى النظر في المستقبل والحرص على ما ينفع ويجدي. قال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل»[(رواه مسلم: [2664]).
ومن مظاهر تربية الإسلام لأهله على علو الهمة - أن وجههم للدعاء والدعاءُ باب عظيم من أبواب علو الهمة؛ فبالدعاء تكبر النفس وتشرف وتعلو الهمة وتتسامى؛ ذلك أن الداعي يأوي إلى ركنٍ شديدٍ ينزل به جميع حاجاته ويستعين به في كافة أموره. وبهذا يقطع الطمع عما في أيدي الخلق؛ فيتخلص بذلك من أسرهم
ويتحرّر من رقهم ويسلم من منتهم.
ومن أعظم مظاهر حث الإسلام على علو الهمة - أن وضع الأمة الإسلامية موضع قيادة البشرية؛ فأمة الإسلام هي الأمة الوسط، وهي الشاهدة على جميع الأمم. وتلك مسؤولية عظمى وأمانة كبرى تتطلب جدًا وإخلاصًا وعزمًا ومضاءً. بل إن الله عز وجل توعد هذه الأمة أن يستبدلها غيرها إن هي تولت عن القيادة وأخلت بالأمانة قال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38]. وفي ذلك غرس لخلق الهمة في نفوس المسلمين، وحفز لهم كي يتحملوا بخصال الهمة العالية من اختراق للصعاب، وتحمل للمشاق، واستهانة بما يعترضهم من آلام ومتاعب.
ولقد كانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مليئة بألوان من تربية
المسلمين على علو الهمة. ولقد كان صلى الله عليه وسلم مثالًا يحتذى، ونهجًا يقتفى في كرم نفسه، وشرف همته؛ فهو أعلى البشرية همة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
له هممٌ لا منتهى لكبارها *** وهمته الصغرى أجل من الدهر [(أحسن ما سمعت؛ للثعالبي، ص: [133]). ثم إن أصحابه الكرام الذين ورثوا عنه العلم والعمل - كان لهم القدح المعلى، والنصيب الأوفى من هذا الخلق الأسمى. فإن أتيت إلى عبادتهم وجدت رهبان الليل الذين أضناهم السهر وأنضتهم العبادة. وإن أتيت للجهاد وجدت الأسود الخادرة التي إذا غضبت لم يقم لغضبها شيء.
إن سولموا كانوا الملائك سجدًا *** أو حوربوا كانوا الليوثَ غضابًا [(ديوان خواطر الحياة، ص: [25]). وإن أتيت للحكمة وجدت ينابيعها تتفجر من على ألسنتهم. وإن أتيت للعلم وجدتهم أعمق الناس فهمًا، وأصفاهم قريحة وأقلهم تكلُّفًا. وما تحقق لهم ذلك إلا عندما زكت نفوسهم، وارتفعت هممهم، وقوي إيمانهم ويقينهم؛ فبارك الله في أعمارهم، وزكى أقوالهم وأعمالهم؛ فكانوا أئمة هدى ومصابيح دجى.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة والعشرون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :
*موقف الإسلام من علو الهمة
ومن مظاهر التوجيه الإسلامي لعلو الهمة - أن حث المسلمين على خلق الحياء؛ لأن الحياء مظهر من أعظم مظاهر علو الهمة وسبب عظيم لاكتسابها؛ ذلك أنه يدفع المرء للتحلي بكل جميل محبوب، والتخلي من كل قبيح مكروه. ومن غرائب توجيه الإسلام إلى خلق علو الهمة - ما جاء في قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم من أن الله تعالى يحب العطاس ويكره التثاؤب. فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم فحمد الله - فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته، أما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع؛ فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان»[(البخاري: [7/124]).
فالعطاس الذي لا يكون عن مرضٍ كالزكام ؛ هوهزة عصبية موقظة للنشاط والعمل، والنشاط والعمل من علو الهمة النفسية والجسدية. بخلاف التثاؤب؛ فهو ظاهرةٌ من ظواهر الفتور والكسل، وميل الأعصاب إلى الاسترخاء، والإخلاد إلى الراحة، وعزوف النفس عما يحركها إلى العمل والإنتاج، وكل ذلك من نزول الهمة. ولذلك جعل الرسول صلى الله عليه وسلم التثاؤب من الشيطان و مما يرضي الشيطان، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ تنفيرًا منه، وتحذيرًا للمسلم من الوقوع فريسة لمثبطات الشيطان. ولما كان العطاس الذي لا يكون ظاهرة مرضية دالًا على حركة عصبية باعثة على اليقظة والنشاط وكان أمرًا انفعاليًا غير إرادي - كان حقًا على العاطس أن يحمد الله؛ لأن العطاس نعمة ربانية جاءته؛ لتوقظه وتنشطه إلى العمل، وكان حقًا على من سمعه من المسلمين أن يشاركه السرور بهذه الرحمة التي جاءته فيدعوا له بأن يرحمه الله. أما التثاؤب فلما كان عنوان الكسل والخمول وتواني الهمة - فهو بهذا المعنى نقص عن الكمال ونزول في الهمة ومن أجل ذلك كان الأدب في الإسلام أن يرده المسلم عن نفسه ما استطاع ذلك، وكان من أدب جليسه أن يعرض عنه ويتجاهله وينطلق فيما هو فيه، وكأنه لم يعلمه من جليسه؛ فالمسلمون يفرح بعضهم لبعض بما يأتيهم من نعمة وكمال، ويغضي بعضهم عن بعض فيما يصيبهم من نقص[(انظر: تفصيل ذلك في كتاب الأخلاق الإسلامية، ص: [2/474/560]).
وبالجملة فالدين الإسلام دين الكمال والرفعة ودين الهداية والسمو؛ فهو يهدي العقول إلى ما تغفل أو تقصر عنه من وجوه الإصلاح. وهو الذي يقوي عزم الإنسان على القيام بالأعمال الجليلة ويحثه على أن يتحرى بأعماله غاية ما يستطيع من الإتقان. وإذا رأينا من بعض المنتمين إليه وهنا في العزم أو صغرًا في الهمة - فالدين بريء من تبعة هذه النقائص وإنما تبعتها على أصحابها[(انظر رسائل الإصلاح: [2/94]). المصدر: كتاب: الهمة العالية [الأنترنت – موقع طريق الإسلام
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة والعشرون في موضوع العلي وستكون بعنوان :
#إن الله كريم يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها:
من لوازم هذا الاسم، الله عز وجل عليّ، شأنه العلو وشأنك التواضع، لكن هناك معنى استثنائي، يحبك الله أن تحب معالي الأمور، أن تحب الله، لا أن تحب امرأة تموت في حبها، وتنسى ربك، أن تحب الآخرة لا أن تحب الدنيا، أن تحب رضوان الله لا أن تحب المال.( إن الله كريم يحب الكرم ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها )[ أخرجه الحاكم عن سهل بن سعد الساعدي ]
لذلك المؤمن يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها ودنيها، إن التفاخر بالآباء، بالأجداد، الحديث عن أمواله ، وعن بيته، وعن زوجته، وعن أولاده ، كلام فارغ، مزاح رخيص، كلام لا يُقدم ولا يُؤخر، هذا لا يعني الناس، يعنيهم أن تعرفهم بالله عز وجل .( إن الله كريم يحب الكرم ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها )
وأنت إذا تواضعت أنت الرابح الأول، سأل ملك وزيره من الملك ؟ قال له: أنت، قال له: لا، الملك رجل، لا نعرفه، ولا يعرفنا، له بيت يؤويه، وزوجة ترضيه، ورزق يكفيه، إنه إن عرفنا جهد في استرضائنا
، وإن عرفناه جهدنا في إحراجه.
قال رسول الله( مَنْ أصبَحَ منكم آمِنا في سِرْبه، مُعافى في جَسَدِهِ، عندهُ قوتُ يومِه، فكأنَّما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها )[أخرجه الترمذي عن عبيد الله بن محصن
الملخص: كن مع "العلي" ولا تكن مع الدني، كن مع السرمدي ولا تكن مع الفاني، كن مع القوي ولا تكن مع الضعيف، كن مع الرحيم ولا تكن مع القاسي، من أحبنا أحببناه، ومن طلب منا أعطيناه، ومن اكتفى بنا عما لنا كنا له وما لنا. والحمد لله رب العالمين
[الأنترنت – موقع حياة القلوب في معرفة علام الغيوب - تعظيم أسماء الله [العلي، الأعلى، المتعال] ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل] ويقصد بمعالي الأمور الأخلاق الشريفة، والخِصال النبيلة، لا حب العُلوِّ والفساد في الأرض، فمن اتَّصف بهذه الأخلاق الزكيَّة، حَظِي بمحبة الله تعالى ورضاه، أما سفساف الأخلاق فهو حقيرُها ورديئُها، ومن اتَّصف بها كرهه اللهُ وأبغضه، ولم يرضَ عنه.
وشرف النفس صونها عن الرذائل والدَّنايا والمطامع القاطعة لأعناق الرجال، فيربأ بنفسه أن يلقيها في ذلك، والعبد إنما يكون في صفات الإنسانية التي فارق بها غيره من الحيوان والنبات والجماد بارتقائه عن صفاتها إلى معالي الأمور وأشرافها، التي هي صفات الملائكة، فحينئذٍ ترفع همتُه إلى العالم الرضواني، وتنساق إلى الملأ الروحاني.
والإنسان يشابه الملَك بقوة التفكر وحسن الإدراك والتمييز، ويشابه البهيمةَ بما رُكِّب فيه من الشهوة والدناءة، فمن صرف همَّته إلى اكتساب معالي الأخلاق، أحبَّه الله، ومن صرفها إلى السفساف ورذائل الأخلاق، التحق بالبهائم؛ فيصير إما ضاريًا كالكلب، أو شَرِهًا كالخنزير، أو حقودًا كالجمل، أو متكبِّرًا كالنمر، أو رواغًا كالثعلب، أو جامعًا لذلك كله كالشيطان .
وأما أولئك الذين تتعلَّق هممهم بزينة الحياة الدنيا، ويغرقون في التمتع بلذاتها المادية، فلا عظمة لهم؛ كهؤلاء الذين يُسرفون في الملابس المنمَّقة، والمطعومات الفاخرة، والمباني الشاهقة، فإن الزينة واللذائذ المادية لا تُعدُّ فيما تتسابق فيه الهمم من معالي الأمور.
وليس من خلقٍ حسَنٍ إلا وقد أمر الله تعالى به، ولا خلق سيِّئ إلا وقد نهى الله عنه، ومن ذلك سفاسف الأخلاق ومذامها، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة والعشرون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
#إن الله كريم يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها:
وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم أتباعه على تخيُّر معالي الأمور في كل شيء، سواء كان ذلك في الأفعال أو الأقوال، وسواء كان في الدين أو الدنيا.
من ذلك: حثُّه لأصحابه أن يتقدَّموا الصفوف، فيكونوا في أوَّلِها، وكراهته التأخر، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخُّرًا، فقال لهم: (تقدَّموا فأْتَمُّوا بي، وليَأْتمَّ بكم مَن بعدكم، لا يزال قوم يتأخَّرون حتى يؤخِّرهم الله)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال قومٌ يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخِّرهم الله عز وجل في النار) .
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال قومٌ يتأخرون...)؛ أي: عن الصفوف الأُوَل؛ حتى يؤخِّرهم الله تعالى عن رحمته، أو عظيم فضله، ورفع المنزلة وعن العلم، أو يتأخرون عن اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل، ففي الحديث آكدَ وحثَ على التسابق إلى معالي الأمور والأخلاق، وأبلغ فزجرٍ عن الميل إلى الدَّعَة والرفاهية، وأبلغ تنبيه إلى أن ذلك يؤدي إلى تجرُّع غصص البعد والغضب، وفيه توهين أمر المتأخرين وتسفيهُ رأيهم، حيث وضعوا أنفسهم من أعالي الأمور إلى سفسافها، والله يحب تلك ويكره هذه.
قال الزهري: العلم ذَكَر، لا يحبُّه إلا ذكور الرجال؛ أي: الذين يحبُّون معالي الأمور، ويتنزهون عن سفسافها.
ومن ذلك: حثُّه صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بأن يصونوا ألسنتَهم عن هَذْر الكلام وفضوله؛ فإن ذلك من كمال الإيمان، وتمام المروءة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فَلْيقُلْ خيرًا، أو ليصمت)، والمروءة: صيانةُ النفس عن كل خلق رديء، والسَّمْتُ الحسن، وحفظ اللسان، وتجنُّب السخف والمجون،وقال بعضُهم:ألَّا يأتي الإنسان ما يعتذر منه مما يحط مرتبتَه عند أهل الفضل.
ومن ذلك: حثُّه صلى الله عليه وسلم لأمته أن يسألوا الله تعالى
أعاليَ الدرجات من الجنة في دعائهم، ولا يكتفوا بالدُّون من ذلك؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سألتم الله، فسَلُوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقَه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة).
وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم أمتَه من التعرُّض لما فيه إذلال للنفس وإهانة لها، مما يحط المسلم عن معالي الأمور ويوقعه في سفسافها، فعن حذيفةَ بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلَّ نفسه)، قالوا: وكيف يذلُّ نفسه؟ قال: (يتعرَّض من البلاء لما لا يطيق) فاللهم وفقنا لمحابك من معالي الأمور وكريم الأخلاق، وجنبنا سفسافها آمين .
[كالأنترنت – موقع الألوكة - كراهة السعي وراء سفساف الأمور - د. طه فارس
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة والعشرون في موضوع العلي وستكون بعنوان : من آثار الإيمان بهذه الأسماء الحسنى ( العلي الأعلى المتعال)
1- الخضوع لله تعالى والإخبات، والتذلل له مع محبته وتعظيمه وإجلاله، وهذان هما ركنا العبودية لله تعالى
إذ إن حقيقة العبودية لله تعالى إنما تنشأ من غاية الحب لله تعالى مع غاية التذلل له.
والمقصود أن الإيمان بعلو الله - عز وجل - ذاتًا وقدرًا وقهرًا يورث في النفس خضوعًا وإخباتًا لمن هذه صفاته،
ولذا لمَّا نزل قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } ، قال صلى الله عليه وسلم : (ضعوها في سجودكم).
وعن سر ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
"وكان وصف الرب بالعلو في هذه الحال في غاية المناسبة لحال الساجد الذي قد انحط إلى السفل على وجهه فذكر علو ربه في حال سقوطه،كما ذكر عظمته في حال خضوعه في ركوعه ونزه ربه عما لا يليق به مما يضاد عظمته وعلوه".
2- التواضع لله تعالى ولما أنزل من الحق، لأن الإيمان بعلوه سبحانه وقهره لعباده ، يورث في القلب تواضعًا وحياءً، وتعظيمًا لله تعالى وأوامره ونواهيه،ورضًا بأحكامه القدرية والشرعية،وإذعانه للحق إذا بان له وعلم أنه من عند الله تعالى وتقدس ، ولا يرد أحد الحق ويؤثر الباطل عليه إلا حين يغفل عن آثار أسماء الله - عز وجل - الحسنى، ومنها الأسماء التي فيها
إثبات العلو، والعظمة، والملك، والحكمة لله تعالى.
3- الحذر من العلو في الأرض بغير الحق،وتجنب ظلم العباد والتكبر عليهم وقهرهم والعدوان عليهم.
ولا ينجو من ذلك إلا من تذكر علو الله تعالى وقهره وأن العبد مهما علا وظلم وقهر فإن الله (العلي المتعال) فوقه، يراه يقتص للمظلومين ممن ظلمهم. وما من جبَّار علا في الأرض وتجبر إلا وقصمه الله تعالى وأهلكه.
4- الخوف من الله وحده وتخلص القلب من الخوف من المخلوق الضعيف. فمهما أوتي المخلوق من قوة وعلو في الأرض فإن الله - عز وجل - فوقه مكانًا وقدرًا وقهرًا، وكلما تذكر العبد علو الله تعالى على خلقه وعظمته وكبريائه تمحض الخوف له سبحانه وحده، وتخلص من الخوف من المخلوق الضعيف.
5- تنزيهه - سبحانه وتعالى - عن كل نقص في ذاته وصفاته وأفعاله،وإثبات صفات الكمال له سبحانه وحمده على ذلك، ولذا نجد في القرآن الكريم أن قوله: (تعالى) يقرن كثيرًا بقوله: (سبحانه) كما في قوله عز وجل:{ قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا } [الإسراء: 42، 43].
6- وجوب الإيمان بالعلو المطلق لله تبارك وتعالى من كل الوجوه : قال ابن القيم رحمه اللَّه :
وهو العليُّ فكل أنواع العلـوِّ*** له فثابتةٌ بلا نكران [ النونية (2/213- 214 ]
وقال السعديُ ( العليُّ الأعلى ) : وهو الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه : علو الذات وعلو القدر والصفات ، وعلو القهر والكبرياء ، فهو الذي على العرش استوى ، وعلى الملك احتوى ، وبجميع صفات العظمة والكبرياء والجلال والجمال وغاية الكمال اتصف وإليه فيها المنتهى.[ تيسير الكريم الرحمن (5/300 ]
إذن فجميع أنواع ومعاني العلوم ثابتة له سبحانه وتعالى دون أن نُعطِّل أو نُؤول شيئًا منها ،
[الأنترنت – موقع الكلم الطيب - العلي - الأعلى – المتعال ( جل جلاله وتقدست أسماؤه ) ] [الأنترنت – موقع حياة القلوب في معرفة علام الغيوب - تعظيم أسماء الله [العلي، الأعلى، المتعال] ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة والعشرون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
من آثار الإيمان بهذه الأسماء الحسنى ( العلي الأعلى المتعال)
#أن يصرف كل عبادة له وحده ويعترف أن عبادة من سواه هي البطلان ,كائنا من كان , قال تعالى : ( ذَلكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ البَاطِل وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَليُّ الكَبِير ُ) [الحج:62] ." وإذا كان الملائكة الكرام والمقربين من الخلق يبلغ بهم الخضوع والصعق عند سماع كلامه هذا المبلغ ويقرون كلهم لله أنه لا يقول إلا الحق فما بال هؤلاء المشركيناالذين ستكبروا عن عبادة من هذا شأنه وعظمة ملكه وسلطانه فتعالى العلي الكبير عن شرك المشركين وإفكهم وكذبهم " [تفسير السعدي]
#ومنها : أن يكون ذكرك له وعبادتك إياه على قدر علوه وعظتمته ؛ولذا قرن بين الأمر بالتسبيح وبين علوه فقال {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى } قال ابن سعدي "يأمر تعالى بتسبيحه المتضمن لذكره وعبادته والخضوع لجلاله والاستكانة لعظمته وأن يكون تسبيحا يليق بعظمة الله تعالى بأن تذكر أسماؤه الحسنى العالية على كل اسم بمعناها العظيم الجليل وتذكر أفعاله التي منها أنه خلق المخلوقات فسواها أي أتقن وأحسن خلقها" [تفسير السعدي 1/920]
#ومنها : أن يعلو قدره في قلبك على قدر استحقاقه وتجعل حبه أعلى هم عندك وأسمى همة لديك "اعلم أن الله تعالى خلق في صدرك بيتا وهو القلب ووضع في صدره عرشا لمعرفته يستوي عليه المثل الأعلى فهو مستو على عرشه بذاته بائن من خلقه, والمثل الأعلى من معرفته ومحبته وتوحيده مستو على سرير القلب "
"فيبقى قلب العبد الذي هذا شأنه عرشا للمثل الأعلى أي عرشا لمعرفة محبوبه ومحبته وعظمته وجلاله وكبريائه . وناهيك بقلب هذا شأنه فيا له من قلب من ربه ما أدناه ومن قربه ما أحظاه فهو ينزه قلبه أن يساكن سواه أو يطمئن بغيره , فهؤلاء قلوبهم قد قطعت الأكوان وسجدت تحت العرش وأبدانهم في فرشهم , فإذا استيقظ هذا القلب من منامه صعد إلى الله بهمه وحبه وأشواقه مشتاقا إليه طالبا له محتاجا إليه عاكفا عليه , فحاله كحال المحب الذي غاب عن محبوبه الذي لا غنى له عنه ولا بد له منه , وضرورته إليه أعظم من ضرورته إلى النفس والطعام والشراب ,فإذا نام غاب عنه فإذا استيقظ عاد إلى الحنين إليه وإلى الشوق الشديد والحب المقلق فحبيبه آخر خطراته عند منامه وأولها عند استيقاظه [الفوائد 1/178]
#ومنها : الخضوع له والتسليم لأمره , والوجل عند ذكره ,وهذا شأن من عرف ربه ثبت في البخاري من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ في السَّمَاءِ ضَرَبَتِ المَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَالسِّلسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا : مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ ، قَالُوا لِلذِي قَالَ : الحَقَّ وَهْوَ العَلِىُّ الكَبِيرُ ) وإذا كانت الملائكة في السماء تخشع عند سماع قوله وتفزع عن إلقاء وحيه كما جاء ذلك في قوله:( حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلوبِهِمْ قَالوا مَاذَا قَال رَبُّكُمْ قَالوا الحَقَّ وَهُوَ العَليُّ الكَبِيرُ )[سبأ:23]، إذا كان هذا أمرها وهذا قولها وفعلها،فحري بالعبد أن يخشع لسماع قوله،ويطمئن قلبه عند ذكره،وأن يتذلل بين يدي مولاه ،فيركن إليه ويعتمد عليه ثقة في أنه العلى ولا علي على الإطلاق سواه [أسماء الله الحسنى لمحمود رضوان 5/81].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثلاثون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : من آثار الإيمان بهذه الأسماء الحسنى ، وأنواع العلو
#ومنها : أن تنزه ربك العلي عن كل نقص وإذا سمعت من ينسب له ما لا يليق به سبحانه
فأيقن أن أن قدر الله أعلى وأجل من ذلك ولذا تجد أنه سبحانه إذا حكى قول المشركين الجاهلين به سبحانه أو أخبر عن شركهم عقبها بقوله {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ } [الأنعام : 100] ولك في صالحي الجن أسوة {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً} [الجن : 3]
#ومنها : رفع يديك إليه في الدعاء تذللا ومسكنة , واعترافا منك أنه عالي عليك قدرا وقدرة , وهذا حال أكثر أدعيته صلى الله عليه وسلم فقد جاء عنه في أكثر من ثمانين موضعا رفع اليدين [الأنترنت – موقع صيد الفوائد - خالد بن محمد السليم عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم . قسم القرآن ]
*أنواع العلو الثابتة لله جلَّ جلاله ما يلي :
أولاً : إن اللَّه هو العلي في ذاته ، فقد تضمنت هذه الأسماء إثبات علو ذات ربنا سبحانه وأنه عال على كل شيء وفوق كل شيء ولا شيء فوقه ، بل هو فوق عرشه كما أخبر عن نفسه ، وهو أعلم بنفسه
فقد قال تعالى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [ طه : 5 ] ، وأخبر تعالى أن الأعمال الصالحة والكلام
الطيب إليه يصعدان . قال تعالى : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ
الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [ فاطر : 10 ] .
وقال تعالى : { رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ } [ غافر : 15 ] .
قال ابن كثير على الآية : يقول تعالى مخبرًا عن عظمته
وكبريائه وارتفاع عرشه العظيم على جميع مخلوقات [ تفسير ابن كثير (4/72) .]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها) رواه مسلم (2/1436 - 121) .
ثانيًا : هو العلي في كلامه :
قال تعالى : { وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا } [ التوبة : 40 ] ، فكلام اللَّه أعلى الكلام وأحكام الله أعلى الأحكام ،ومن ذلك كلامه الشرعي وكلامه القدري ، فأما كلامه الشرعي فقد قال تعالى عن القرآن الكريم : { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [ الزخرف : 4 ] وقال تعالى : { فِي صُحُفٍ
مُكَرَّمَةٍ ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ } [ عبس : 13، 14 ] .
قال ابن كثير : جميع القرآن في صحف مكرمة أي
معظمة موقرة ( مرفوعة ) أي عالية القدر ( مطهرة ) أي من الدنس والزيادة والنقص( تفسير ابن كثير (4/455) .
وقد وصف الوليد بن المغيرة - وهو رجل كافر - كلام الله بقوله : ( وإنه يعلو ولا يُعلى عليه ) .
أما كلامه القدري ، فإن الله إذا أراد شيئًا فَعَلَه وإذا أَمَرَ بشيءٍ حدث ، قال تعالى : { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] . وقال تعالى : { وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا } .
ثالثًا : العلي في أسمائه وصفاته :فهو العلي في الملك ، قال تعالى : { فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ } ، والعلي في أسمائِه قال تعالى : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى } .
رابعًا : واللَّه تعالى هو العلى في حكمه : قال تعالى : { فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } .
خامسًا : وهو العلى في وحدانيته : ( فليس له زوجة أو ولد ) .فهو العلي المنزه أن تكون له صاحبةٌ أو ولد ، وهذا ما آمنت به الجن واعترفت به في قوله : { وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَخَّذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا } [ الجن : 3] .
سادسا : وهو العلي أن يكون له شركاءٌ أو أندادٌ :
قال تعالى : { قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَبْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا } [ الإسراء : 42، 43 ] .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
أنواع العلو
سابعا : ليس كمثله شيءٌ في عُلُوِّهِ :
فإن اللَّه هو العلي الأعلى جل جلاله وتقدست أسماؤه ، فلا
يدانيه أحدٌ في علوه ، ولا يماثله شيءٌ في رفعته ،
وذلك من وجوه منها :
1- له العلو المطلق من جميع الوجوه :
فما من أحد من الخلق بلغ علوًا إلاَّ كان علوًا ناقصًا ، فقد يعلو في مالٍ ولا يعلو في رياسة أو حُكم ، أو يعلو في الدنيا ولا يعلو في الآخرة ، وقد يعلو في وقتٍ دون آخر ، أو في حال دون حال ، كمثل من يعلو في حال قوته دون ضعفه ، أو صحته دون مرضه ، أو شبابه دون هرمه .
أما العلو المطلق من جميع الوجوه وفي كل الأحوال فهو
لله عز وجل ، فإن اللَّه تعالى هو العلي الذي لا أعلى منه ولا يعلو عليه بل لا يدانيه أحدٌ من خلقه .
ولذلك قال اللَّه عز وجل:{ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ} . فإنه قد علا في الأرض وتكبر فيها ولم يستطع أن يعلو في السماء .
2- علو اللَّه دائم : فعلو الخلق مؤقت يسبقه العدم ويلحقه الفناء .
أما علو اللَّه عز وجل فهو علوٌ لم يسبقه انخفاض ولا يلحقه دنو ، دائم لا يتغير ، ثابت لا يتبدل .
3- رحمته في علوه :فكل من أصابه شيءٌ من علو الدنيا فإنه يبتعد عن الضعفاء والمساكين ، وقد يأنف منهم .
أما اللَّه سبحانه وبحمده قريب في علوه ، رحيم في
كبريائه ، ودودٌ في عظمته ، عفوٌ في قدرته ، لا يمنعه
شيءٌ عن خلقه إذا دُعي أجاب ، ولا يقف على بابه
الحُجَّاب ، قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [ البقرة ] .[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب - العلي - الأعلى – المتعال ( جل جلاله وتقدست أسماؤه )]
* النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي اللَّه عنهم يؤمنون بأن اللَّه في السماء : #عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحًا ومساء؟)[ رواه البخاري (8/67) ، ومسلم (2/742) مطولاً ].
#وعن أنس رضي الله عنه أن زينب زوجة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول:(زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ ، وزوجني اللَّهُ تعالى من فوق سبع سماوات ) وفي رواية : وكانت
تقول :(إن اللَّه أنكحني في السماء)[ رواه البخاري (13/7420، 7421)
ومعني قوله تعالى :{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا } . وكذلك كانت عقيدة التابعين بإحسان للسلف الصالح . فقد قال الشيخ أبو نصر السجزي في كتاب ( الإبانة ) :(وأَئِمتنا كسفيان الثوري،ومالك بن أنس ، وسفيان بن عُيَيْنَة وحماد بن سلمة،وعبد الله بن المبارك،والفضيل بن عياض،وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي،متفقون على أن اللَّه سبحانه بذاته فوق العرش وأن علمه بكل مكان وأنه يُرى يوم القيامة بالأبصار،وأنه ينزل إلى السماء الدنيا )[ نقض تأسيس الجهمية (2/38
وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في العقيدة المشهورة عنه : (طريقتنا طريقة المتبعين للكتاب والسنة وإجماع الأُمة،فما اعتقدوه اعتقدناه، فممَّا اعتقدوه أن الأحاديث التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العرش واستواء الله عليه يقولون بها ويثبتونها ، من غير تكييف ، ولا تمثيل ، ولا تشبيه ، وأن اللَّه بائن من خلقه ، والخلق بائنون منه ، لا يَحِلُّ فيهم ولا يمتزج بهم وهو مستوٍ على عرشه في سمائه دون أرضه ) [ تلبيس الجهمية لابن تيمية (2/40) ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية والثلاثون في موضوع العلي وستكون بعنوان :
* ثبوت الإيمان لمن آمن بعلو الله تبارك وتعالى :
من غير تعطيل ولا تأويل ، فها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يشهد بالإيمان لمن آمن بعلو الله .
# فعن معاوية بن الحكم السُّلمي رضي الله عنه قال :
وكان لي جارية ترعى غنمًا لي قِبَلَ أُحدٍ والجوانية ، فاطَّلَعْتُ ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بني آدم ، أسف كما يأسفون ، لكني صَكَكْتُها صكَّةً ، فأتيت رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فعظَّم ذلك عليَّ قلتُ : يا رسول اللَّه ، أفلا أعْتِقُها ؟ قال :( ائتني بها ). فأتَيْتُه بها، فقال لها: ( أين اللَّه ؟ ) قالت : في السماء ، قال :( من أنا ؟ ) قالت : أنت رسول اللَّه. قال :( اعتقها فإنها مؤمنة )[ رواه أحمد (5/448) ، ومسلم (1/573) .]
#قال أبو سعيد الدارمي : ففي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا دليل على أن الرجل إذا لم يعلم أن اللَّه عز وجل في السماء دون الأرض فليس بمؤمن ، ولو كان عبدًا فأُعتق لم يَجُزْ في رقبة مؤمنة إذ لا يعلم أن اللَّه في السماء [ الرد على الجهمية ( ص 39) ].
* ما علا شيءٌ من الدنيا إلا وُضِع :
وما من طيرٍ طار وارتفع ***** إلا كما طار وقـع
#عن أنس رضي الله عنه قال : كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لا تُسْبق أو لا تكاد تُسبق ، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها ، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( حقٌ على اللَّه أن لا يرتفع شيءٌ من الدنيا إلا وضعه ) [ رواه البخاري ]
وصدق من قال : الدنيا إذا حلت أوحلت ، وإذا كست أوكست ، وكم من مَلِكٍ له عَلاَمَاتٌ ، فلما عَلاَ ماتَ .
أما التعالي الذي يعني التكبر ورغبة الترفع بالنفس عن الناس يجعل العبد جبارًا متكبرًا حتى يظن نفسه ندًا لله جل جلاله فيكون في ذلك هلاكه ، كما قال فرعون لقومه : { أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ، فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى } .
والمتكبر الذي يريد التعالي عن خلق اللَّه إنما ينازع اللَّهَ صفاته ، وقد قال تعالى في الحديث القدسي:( العز إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني بشيءٍ منهما عذَّبتُه ) صحيح : أخرجه البخاري في الأدب المفرد (552) .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون في موضوع العلي وستكون بعنوان :
* من أسباب العلو البشري المحمود :
1- الإيمان ، والعلم . قال تعالى : { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة: 11]
فإن الله يرفع بالعلم العبدَ المملوك حتى يجلسه مجالس الملوك وقد جاء فى الصحيح أن نافع بن الحارث أتى عمر بن الخطاب بعسفان وكان قد استعمله على أهل مكة فقال له عمر :( من استخلفت على أهل الوادى ؟ قال : استخلفت عليهم ابن أبزى فقال : ومن ابن أبزى ؟ فقال : رجل من موالينا،فقال عمر: استخلفت عليهم مولى؟ فقال:إنه قارىء لكتاب الله عالم بالفرائض . فقال عمر : أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال :( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين) [رواه مسلم (6/98) صلاة المسافرين
قال إبراهيم الحربى : كان عطاء بن رباح عبدًا أسودًا لامرأة من مكة وكان أنفه باقلاه،قال : وجاء سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين إلى عطاء هو وابناه فجلسوا إليه وهو يصلى فلما صلى انفتل إليهم فمازالوا يسألونه عن مناسك الحج وقد حول قفاه إليهم ، فقال سليمان لابنيه قوما فقاما ، فقال : يا بنيا لا تُقصرا فى طلب العلم فإنى لا أنسى ذُلَّنا بين يدى هذا العبد الأسود .
وقال الحربى : وكان محمد ابن عبد الرحمن الأوقص عنقه داخلة فى بدنه وكان منكباه خارجين كأنهما زجان فقالت أمه : يا بنى لا تكون فى مجلس قومٍ إلا كنت المضحوك منه المسخور به فعليك بطلب العلم فإنه يرفعك ، فوَلِىَ قضاء مكة عشرين سنة ، قال وكان الخصم إذا جلس إليه بين يديه يرتعد حتى يقوم .
وقال عبد الله بن داود : سمعت سفيان الثورى يقول : ( إن هذا الحديث عز فمن أراد به الدنيا وجدها ومن أراد به الآخرة وجدها .
قال سفيان بن عيينة : أرفع الناس منزلة عند الله من كان بين الله وبين عباده وهم الأنبياء والعلماء .
وصدق القائل :
ما الفَضْلُ إلاَّ لأَهْلِ العِلْـم إنَّهُمُ ***عَلَى الهُدَى لِمَن اسْتَهْدى أَدلاَء
وقَدْرَ كُلِّ امْرىءٍ ما كَانَ يُحْسَنُه ***والجَاهِلُونَ لأهْلَ العلِم أَعَدَاءُ
فَفُزْ بِعلم تَعش حـــيا به أَبدًا ***الناسُ مَوْتَى وأَهْلُ العِلْم أَحْيَاءُ
2- القرءان تلاوته وحفظه والعمل به
عن عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) قال : قال النبى صلى الله عليه وسلم :(إن الله يرفع بهذاالكتاب أقوامًا ويضع به آخرين )
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضى الله عنهما) عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : (يُقال لصاحب القرءان : اقرأ وارتقِ ) وارتق : أى فى درج الجنة بقدر ما حفظته من آى القرءان .
ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤوها )) [ رواه أبو داود ، والترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ][ شرح الحديث فى صحيح مسلم (6/84) بشرح النووى فضيلة حافظ القرءان" ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
* من أسباب العلو البشري المحمود :
3- "الشهادة فى سبيل الله" : فإن الشهيد قد قاتل لتكون كلمةُ اللهِ هى العُليا وقُتِل من أجل ذلك فجازاه الله بأن رفعه وأعلى درجاته فى الجنة فمن ذلك .
( أولاً ) جُعِل مأواهم تحت العرش :
عن ابن مسعود (رضى الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أرواح الشهداء فى جوف طير خضر ، لها قناديل تحت العرش ، تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوى إلى تلك القناديل … ) [ رواه مسلم ، والترمذي عن ابن مسعود .]
( ثانيًا ) للمجاهدين فى الجنة مائة درجة :
عن أبى هريرة (رضى الله عنه) عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:( وإن فى الجنة مائةدرجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض أعدها اللهُ للمجاهدين فى سبيله ) [ رواه البخاري (6/11) ، ومسلم ] (13/28) الإمارة ، والترمذي (10/8) صفة الجنة ، وابن ماجه (4331) الزهد .
( ثالثًا ) من الشهداء من يسكن الفردوس الأعلى : عن أنس (رضى الله عنه) أن أم الربيع بنت البراء وهى أم حارثة بن سراقة أتت النبى صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ألا تحدثنى عن حارثة ، (وكان قتل يوم بدر) فإن كان فى الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه فى البُكاء فقال : ( يا أم حارثة إنها جنان فى الجنة ، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى )[أخرجه البخاري (2809) من حديث أنس ، رضي الله عنه .[الله أكبر . ما أهنئه من عيش ، وما أعظمه من رزق فى الفردوس الأعلى أتدرى أخى الحبيب ماهى الفردوس؟
لقد قال النبى صلى الله عليه وسلم : ( إذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة )[ أخرجه البخاري (2790، 7423) من حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه .]
رابعًا : من الشهداء من يكلمه الله بغير حجاب :
عن جابر بن عبد الله (رضى الله عنهما) قال : لقينى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لى :( ياجابرمالى أراك منكسرًا ؟ قلت : يا رسول الله استُشْهِدَ أبِى ، قُتِل يوم أُحُدٍ وترك عِيَالاً ودَيْنًا .
قال : ( أفلا أبشرك بما لَقِى اللهُ به أباك ؟ ) . قال : قلت بلى يا رسول الله . قال : ( ما كَلَّم اللهُ أحدًا قطُّ إلا من وراء حجاب ) . وأحيا أباك فكلَّمه كِفاحًا
فقال : ( يا عبدى تمَنَّ على أُعْطِك )، قال يارب تحيينى فأُقْتَل فيك ثانيةً ، قال الربُّ عز وجل :( إنه قد سبق منِّى : أنهم إليها لا يرجعون ) . قال : وأُنزلت هذه الآية : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا } [آل عمران : 16][ حسن : أخرجه الترمذي (5/3010) ، وابن ماجه (1/190، 2/2800) .[
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون في موضوع العلي وستكون بعنوان :*الدعاء باسم الله العلي
ورد دعاء الله بصفة العلو أما الدعاء باسمه سبحانه الأعلى فقد ورد بمعناه ومقتضاه .
كما في الحديث لابن عباس رضي الله عنهما _أنه قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا دعاء ندعو به في القنوت من صلاة ( اللهمَّ اهدِنا فيمَن هدَيت ، وعافِنا فيمَن عافيت وتولَّنا فيمَن تولَّيت ، وباركْ لنا فيما أعطيت ، وقِنا شرَّ ما قضيت ، إنك تَقضي ولا يُقضى عليكَ ، إنه لا يَذِلُّ مَن والَيت ،ولا يَعزُّ مَن عاديت،تباركت ربَّنا وتعالَيت" ]صحيح,الألباني,إرواء الغليل,(429)[ هنا دعاء الثناء في ضمن دعاء المسألة (تباركت ربنا وتعاليت) .
ومن الدعاء بالمقتضى سؤال الأعلى من الخير والفضل, بمعنى أنك تسأل ربنا سبحانه وتعالى الفردوس الأعلى، وتسأله الرفيق الأعلى. كما تقول عائشة رضي الله عنها في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو مُسْتَنِدٌ إليَّ يقول:(اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وارْحَمْني وألْحِقْني بالرَّفيقِ الأعلى "]صحيح,البخاري,(5674)[
وفى لفظ أنه صلى الله عليه وسلم: كان يشير هكذا فعرفت أنه يخير لأن النبي أخبرها أنه ما من نبي إلا وخُيِّر"
وفي الحديث عن أبى زهير الأنماري" أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كان إذا أخذ مضجعَه من الليلِ قال: بسم اللهِ وضعتُ جنبي، اللهم اغفر لي ذنبي،وأخْسئْ شيطاني، وفكَّ رِهاني، واجعلني في النديِّ الأعلى" ]صحيح,الألباني,صحيح أبي داوود,(5054)[
وهي ألفاظ مهجورة رغم ثبوتها عند الألباني رحمه الله.
وما صح من حديث عبادة رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: (مَن تعارَّ مِن الليْل فقال حِين يَستيقِظ: لا إلهَ إلا الله وحْدَه لا شرِيكَ له، له الملك وله الحمْدُ وهو على كل شيء قدِيرٌ، سُبْحان الله، والحمْدُ لله ولا إلهَ إلا الله، والله أكْبَرُ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظِيمِ ، ثمَّ دَعا: رَب اغفِر لي غفِرَ له) ، ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: (من قال حين يأوي إلى فراشه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، غفرت له ذنوبه أو خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر).
ومن آثار توحيد المسلم لله في اسمه العلي توحيد الله بتعظيمه وطاعته، والدعوة إلى محبته وعبوديته، لاسيما إذا أيقن أن النفع في ذلك يعود عليه لا على ربه، وأن الله غني في علوه لا يفتقر إلى أحد من خلقه، وأنه مهما مدحناه وأثنينا عليه فهو أعلى من وصفنا، وأجل من مدحنا،لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، هو أهل الثناء والمجد، ومدحه وتوحيده أحق ما قال العبد، وإذا كانت الملائكة في السماء تخشع عند سماع قوله، وتفزع عند إلقاء وحيه فحري بالعبد أن يخشع لسماع قوله ويلين قلبه عند ذكره، وأن يتذلل بين يدي مولاه فيركن إليه، ويعتمد عليه، ثقة في أنه العلى ولا علي على الإطلاق سواه .[ الأنترنت – موقع الدكتور محمود الرضواني]
[الأعلى]: على وزن أفعل التفضيل، مثل الأكرم،
والأكبر، والأجمل؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قال أبو سفيان: اعل هبل! اعل هبل! فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ألا تجيبونه؟ قالوا: وما نقول؟ قال: قولوا : اللّه أعلى وأجل!". وهو مذكور بأداة التعريف [الأعلى] مثل: {وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق: 3]، بخلاف ما إذا قيل: (اللّه أكبر) فإنه منكر.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة والثلاثون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*الدعاء باسم الله العلي
والأعلى المعرف بأل له معنى يخصه يتميز به؛ ، كما بين العلو، والكبرياء، والعظمة، فإن هذه الصفات وإن كانت متقاربة، بل متلازمة، فبينها فروق لطيفة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن ربه تعالى "العظمة إزاري والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدًا منهما عذبته"، فجعل الكبرياء بمنزلة الرداء، وهو أعلى من الإزار. ولهذا كان شعائر الصلاة، والأذان، والأعياد والأماكن العالية، هو التكبير، وهو أحد الكلمات التي هي أفضل الكلام بعد القرآن؛ سبحان الله، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يجئ في شيء من الأثر بدل قول: (الله أكبر)، (اللّه أعظم). ولهذا كان جمهور الفقهاء على أن الصلاة لا تنعقـد إلا بلفظ التكبير. فلو قال: (اللّه أعظم) لم تنعقد به الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم "مفتاح الصلاة الطُّهُور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم"وهذا قول مالك، والشافعي، وأحمد، وأبي يوسف، وداود، وغيرهم. ولو أتى بغير ذلك من الأذكار، مثل سبحان اللّه، والحمد للّه، لم تنعقد به الصلاة. ولأن التكبير مختص بالذكر في حال الارتفاع، كما أن التسبيح مختص بحال الانخفاض، كما في السنن عن جابر بن عبد اللّه قال: كنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا علونا كبرنا، وإذا هبطنا سبحنا فوضعت الصلاة على ذلك. ولما نزل قوله: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74 - 96]، قال "اجعلوها في ركوعكم"، ولما نزل: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، قال "اجعلوها في سجودكم". وثبت عنه أنه كان يقول في ركوعه "سبحان ربي العظيم"، وفي سجوده "سبحان ربي الأعلى". ولم يكن يكبر في الركوع والسجود. لكن قد كان يقرن بالتسبيح التحميد والتهليل، كما ثبت في الصحيحين عن عائشة، أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" ، يتأول القرآن، أي: يتأول قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} . فكان يجمع بين التسبيح و التحميد. وكذلك قد كان يقرن بالتسبيح في الركوع والسجود التهليل، كما في صحيح مسلم عن عائشة قالت "افتقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة. فظننت أنه ذهب إلى بعض نسائه، فتحسست، ثم رجعت، فإذا هو راكع أو ساجد يقول: سبحانك وبحمدك، لا إله إلا أنت. فقلت: بأبي أنت وأمى! إني لفي شأن وإنك لفي شأن". ففي هـذه الأحـاديث كلها أنـه كان يسـبح في الركـوع والسجود، لكن قد يقرن بالتسبيـح التحميـد والتهليل، وقـد يقـرن به الدعاء. ولم ينقل أنه كبر في الركوع والسجود. وأمـا قراءة القرآن فيهما فقد ثبت عنه أنه قال "إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا وسـاجـدًا"، رواه مـسلم مـن حـديث على، ومـن حـديث ابن عباس. وذلك أن القـرآن كـلام اللّه فـلا يتلى إلا في حـال الارتفاع، والتكبير أيضًا محلـه حال الارتفاع.
وجمهور العلماء على أنه يشرع التسبيح في الركوع والسجود، وروى عن مالك: أنه كره المداومة على ذلك لئلا يظن وجوبه. ثم اختلفوا في وجوبه. فالمشهور عن أحمد، وإسحق، وداود، وغيرهم: وجوبه. وعن أبي حنيفة، والشافعي: استحبابه. والقائلون بالوجوب، منهم من يقول: يتعين: "سبحان ربي العظيم" و"سبحان ربي الأعلى"، للأمر بهما، وهو قول كثير من أصحاب أحمد، ومنهم من يقول: بل يذكر بعض الأذكار المأثورة. والأقـوى: أنه يتعـين التسبيح، إما بلفظ (سبحان)، وإما بلفظ (سبحانك)، ونحو ذلك. وذلك أن القـرآن سماها: (تسبيحًا)، فدل على وجوب التسبيح فيها، وقد بينت السـنة أن محـل ذلك الركـوع والسجود، كما سماها اللّه: (قرآنًا). وقد بينت السنة أن محل ذلك القيـام. وسماها: [قيامًا] و[سجودًا] و[ركوعًا]، وبينت السنة علة ذلك ومحله. وكذلك التسبيح يسبح في الركوع والسجود. وقد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول "سبحان ربي العظيم" و"سبحان ربي الأعلى"، وأنه كان يقول "سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي"، و "سبحانك وبحمدك، لا إله إلا أنت".
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة والثلاثون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*الدعاء باسم الله العلي
وفي بعض روايات أبي داود "سبحان ربي العظيم وبحمده"، وفي استحباب هذه الزيادة عن أحمد روايتان. وفي صحيح مسلم عن عائشة؛ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده "سبوح قدوس، رب الملائكة والروح". وفي السنن أنه كان يقول "سبحان ذى الجبروت، والملكوت، والكبرياء، والعظمة". فهذه كلها تسبيحاتوالمنقول عن مالك أنه كان يكره المداومة على ذلك. فإن كان كراهة المداومة على "سبحان ربي الأعلى والعظـيم"، فله وجه، وإن كان كراهة المداومة على جنس التسبيح، فـلا وجـه لـه، وأظنـه الأول. وكـذلك المنقول عنه إنما هـو كراهة المـداومـة على "سبحان ربي العظيم"؛ لئلا يظن أنها فرض؛وهذا يقتضي: أن مالكًا أنكر أن تكون فرضًا واجبًا. وهذا قوي ظـاهر، بخلاف جنس التسبيح، فإن أدلة وجوبه في الكتاب والسنة كثيرة جدًا. وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم كان يداوم على التسبيح بألفاظ متنوعة. وقوله "اجعلوها في ركوعكم وفي سجودكم" يقتضي أن هذا محل لامتثال هذا الأمر، لا يقتضي أنه لا يقال إلا هي مع ما قد ثبت أنه كان يقول غيرها. والجمع بين صيغتي تسبيح بعيد، بخلاف الجمع بين التسبيح، والتحميد، والتهليل والدعاء. فإن هذه أنواع، والتسبيح نوع واحد فلا يجمع فيه بين صيغتين. وأيضًا، قـد ثبت في الصحيـح أنه قال"أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القـرآن: سبحان اللّه، والحمـد للّه،ولا إلـه إلا اللّه واللّه أكـبر". فهذا يقتضي أن هـذه الكلمات أفضـل من غيرهـا. فإن جعل التسبيح نوعا واحدًا، فـ (سبحان اللّه) و(سبحان ربي الأعلى) سـواء، وإن جعـل متفاضـلا فـ (سبـحان اللّه) أفضل بهذا الحديث. وأيضًا، فقـولـه : {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} أمر بتسبيح ربه، ليس أمرًا بصيغة معينة. فإذا قال سبحان اللّه وبحمده سبحانك اللهم وبحمدك. فقـد سبح ربه الأعلى والعظيم. فإن اللّه هو الأعلى، وهو العظيم، واسمه [اللّه]، يتناول معاني سائر الأسماء بطريق التضمن، وإن كان التصريح بالعلو والعظمة ليس هو فيه. ففي اسمه [الله] التصريح بالإلهية، واسمه [اللّه] أعظم من اسمه [الرب]. وفي صحيح مسلم عن أبي ذر أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سئل "أي الكلام أفضل؟ فقال : ما اصطفي اللّه لملائكته أو لعباده؛ سبحان اللّه وبحمده". فالقيام فيه التحميد. و في الاعتدال من الركوع،وفي الركوع والسجود: التسبيح، وفي الانتقال: التكبير، وفي القعود:التشهد، وفيه التوحيد. فصارت الأنواع الأربعة في الصلاة. والفاتحة أيضًا فيها التحميد والتوحيد. فالتحميد والتوحيد ركن يجب في القراءة. والتكبير ركن في الافتتاح. والتشهد الآخر ركن في القعود كما هو المشهور عن أحمد. وهو مذهب الشافعي، وفيه التشهد المتضمن للتوحيد. يبقى التسبيح. وأحمد يوجبـه في الركوع والسجـود. وروى عنـه أنـه ركـن. وهـو قــوى لثبـوت الأمــر بــه في القـرآن والسـنة. فكـيف يـوجـب الصـلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجئ أمـر بها في الصـلاة خصـوصًا ولا يـوجب التسبـيح مـع الأمـر بـه في الصلاة، ومع كون الصلاة تسمى [تسبيحًا]؟ وكل ما سميت به الصلاة من أبعاضها فهو ركن فيها، كما سميت [قيامًا]، و[ركوعًا]، و[سجودًا]، و[قراءة]، وسميت أيضًا [تسبيحًا]. ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ينفي وجوبه في حال السهو كما ورد في التشهد الأول أنه لما تركه سجد للسهو، لكن قد يقال: لما لم يأمر به المسيء في صلاته دل على أنه واجب ليس بركن. وبسط هذه المسألة له موضع آخر.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*الدعاء باسم الله العلي وقرنه بالتسبيح
إن التسبيح خص به حال الانخفاض، كما خص حال الارتفاع بالتكبير. فذكر العبد في حال انخفاضه وذله ما يتصف به الرب مقابل ذلك.
فيقول في السجود: سبحان ربي الأعلى، وفي الركوع: سبحان ربي العظيم. و[الأعلى] يجمع معاني العلـو جميعها، وأنـه الأعلى بجمـيع معاني العلـو. وقـد اتفق الناس على أنـه علىّ على كـل شيء بمعنى أنـه قاهـر له، قادر عليه، متصرف فيه، كما قال: {إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [المؤمنون: 91]. وعلى أنه عال عن كل عيب ونقص ، فهو عال عن ذلك ، منزه عنه،كما قال تعالى : {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 39 ـ 43]، فقرن تعاليه عن ذلك بالتسبيح. وقال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[المؤمنون: 91- 92] ، وقـالت الجـن: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} [الجن: 3]. وفي دعاء الاستفتاح: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك).
وفي الصحيحين أنه كان يقول في آخر استفتاحه "تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك". فقد بين سبحانه أنه تعالى عما يقول المبطلون وعما يشركون.
فهو متعال عن الشركاء والأولاد، كما أنه مسبح عن ذلك. وتعاليه سبحانه عن الشريك هو تعاليه عن السمي ، والند ، والمثل فلا يكون شيء مثله. وقد ذكروا من معاني العلو الفضيلة، كما يقال: الذهب أعلى من الفضة. ونفي المثل عنه يقتضي أنه أعلى من كل شيء فلا شيء مثله. وهو يتضمن أنه أفضل وخير من كل شيء، كما أنه أكبر من كل شيء. وفي القرآن:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفي آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59]، ويقول: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [النحل: 17] ، ويقول {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى}[يونس: 35]، وقالت السحرة: {وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 73].
ويبين ما اختص به من صفات الكمال وانتفائها عما يعبد من دونه. ويبين أنه يتعالى عما يشركون وعما يقولون من إثبات الأولاد والشركاء له. وقال: {قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء: 42]، وهم كانوا يقولون إنهم يشفعون لهم، ويتقربون بهم. وإثبات علوه علوه على ما سواه، وقدرته عليه وقهره يقتضي ربوبيته له، وخَلْقَه له، وذلك يستلزم ثبوت الكمال. وعلوه عن الأمثال يقتضي أنه لا مثل له في صفات الكمال. وهذا وهذا يقتضي جميع ما يوصف به في الإثبات والنفي. ففي الإثبات يوصف بصفات الكمال، وفي النفي ينزه عن النقص المناقض للكمال، وينزه عن أن يكون له مثل في صفات الكمال. كما قد دلت على هذا وهذا سورة الإخلاص: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ}...[الأنترنت – موقع فَصـل في تفسير معنى [الأعلى] المجلد السادس عشر مجموع الفتاوي لابن تيمية]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون في موضوع العلي وستكون بعنوان : الدعاء باسماء الله الحسنى
قال الشيخ: محمود عبد الرزاق الرضواني : يقول تعالى : ( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(لأعراف:180) ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى ) (الإسراء:110) ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى) (طه:8) فالله عز وجل هو الرب وهو الإله وهو الواحد وهو الأحد وهو الصمد وهو السيد وهو الحي وهو القيوم وهو المالك وهو الملك وهو المليك وهو الحق وهو المبين ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( الأسماء الحسنى هي
التي يدعى الله بها ، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها )
ومن أسمائه الحسنى التي دل عليها الكتاب والسنة اسمه العلى واسمه الأعلى واسمه المتعال واسمه العظيم واسمه المجيد .
اسم الله العلى : فقد سمي الله نفسه به على سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا على الوصفية في القرآن والسنة ، وقد ورد المعني محمولا عليه مسندا إليه مع اجتماع علامات الاسم فيه ، فمن القرآن : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ ) (وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ) (وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ) (وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الحَقَّ وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ) (فَالحُكْمُ لِلَّهِ العَلِيِّ الكَبِيرِ) (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ ) ، وفي سنن ابن ماجه وصححه الشيخ الألباني من حديث عبادة بْنِ الصَّامِتِ أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَنْ تَعَارَّ أرق واستيقظ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ حِينَ يَسْتَيْقِظُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ العَلِىِّ العَظِيمِ ، ثُمَّ دَعَا رَبِّ اغْفِرْ لي غُفِرَ لَهُ ، وفي سنن ابن ماجه وصححه الشيخ الألباني من حديث أَبِى العَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الكَرْبِ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ العَلِىُّ العَظِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ .
والعلي هو الذي علا بذاته وارتفع ارتفاعا مطلقا ، فكان فوق الكل ، ودائما ما يقترن اسم الله العلي بالعظمة وذكر العرش والكرسى ، ففي آية بعد أن قال : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ) ولما ذكر علو ملك الملوك ذكر بعده العرش وسعته ، ( فَتَعَالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ) ولما ذكر إعراض الخلق عن عبادته ذكر العرش وأنه الملك : ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُل حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ) ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) ( قُل لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي العَرْشِ سَبِيلاً).
فالعلي دل على علو الذات والفوقية ، وكثير من الناس يحاولون تفسير العلو في اسمه العلي بعلو المكانة المنزلة هربا من إثبات علو الذات والفوقية ، وظنا منهم أن الاستواء على العرش يوجب التشبيه ، كما قال أبو حامد الغزالي في المقصد الأسمى : ( العليُّ هو الذي يَعلو على خَلقِه بقهرِهِ وقدرَتِهِ ، ويستحيلُ وصفُه بارتفاعِ المكانِ لأنه تعالى منزّهٌ عن المكانِ والله خالِقُه ُ)
فجعل اسم الله العلي دالا على معنيين فقط من معاني العلو ، وهو علو الشأن وعلو القهر وعطل المعنى الثالث الذي هو علو الذات والفوقية ، والذي دل عليه استواء الله على عرشه ، فمعاني العلو عند السلف ثلاثة معان دلت عليها أسماء الله المشتقة من صفة العلو ، فالعلي دل على علو الذات ، والأعلى دل على علو الشأن ، والمتعال دل على علو القهر ، وهؤلاء المتكلمون الأشعرية ينفون علو الذات والفوقية ، لأن ذلك عندهم يدل على إثبات المكان لله وما كان في مكان فهو محصور فيه والله ليس كذلك ولذلك لا يجوز عندهم أن يسأل عن الله بأين ؟
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الأربعون في موضوع العلي وستكون بعنوان : كيف ندعو الله باسمه العلي دعاء مسألة ودعاء عبادة ؟
اسم الله العلي يدل على ذات الله وصفة العلو علو الفوقية بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى صفة العلو والفوقية بدلالة التضمن ، ويدل باللزوم على الحياة والقيومية والملك والصمدية ، والعظمة والقوة ، والعزة والقدرة ، وكل ما يلزم من صفات الذات وصفات الفعل لاتصافه بالعلو فوق الكل
*كيف ندعو الله باسمه العلي دعاء مسألة ودعاء عبادة ؟ ، دعاء المسألة كما في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو عِنْدَ الكَرْبِ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ العَلِىُّ الحَلِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّماَوَاتِ وَالأَرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ ، وأيضا في قوله : ( مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ حِينَ يَسْتَيْقِظُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ العَلِىِّ العَظِيمِ ثُمَّ دَعَا رَبِّ اغْفِرْ لي غُفِرَ لَهُ .
أما دعاء العبادة فهو اعتقاد يدفع إلى الإيمان بعلو الله على خلقه وأنه الكبير الذي يركن إليه العبد ، وأن كل من سواه مهما علا فلا يمثل شيئا بجوار علو الله ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَالعَلِيُّ الكَبِيرُ)(الحج:62)،فالله عز وجل هو المنفرد بالعلو والعظمة ( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ) (الشورى:4) ، ( قُل لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي العَرْشِ سَبِيلاً) (الإسراء:42) المؤمن يعلم أنه لو أعرض عن ربه فهو الخاسر والله هو الغني لأنه العلي في سماه ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُل حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ) (التوبة:129) فدعاء العبادة أفعال تدل على توحيد الله وأنه لا يخشى أحدا سواه لأن من أسمائه الحسنى العلي ، وإذا كانت الملائكة تخشع عند سماع قوله وتفزع عند إلقاء وحيه كما جاء ذلك في قوله : (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الحَقَّ وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ ) (سبأ:23) إذا كان هذا أمرها وهذا قولها ، فحري بالعبد أن يخشع لسماع كلام الله ويتذلل بين يدي مولاه ويعلم أنه العلي الكبير .
ودعاء المسألة أن يذكر الاسم في دعائه لربه ليطلب به الاستقامة في أقواله وأفعاله حتى يصل إلى الكمال الذي تقبل به الأعمال ويرفعها رب العزة والجلال ، فيتعزز بذل العبودية ويسأل الله باسمه الأعلى أن يكون في الرفيق الأعلى ، أما دعاء العبادة فهو عمل يخضع فيه العبد لربه في أعلى درجات قربه ، فيدعو الله ويسبحه باسمه الأعلى ، وقمة الخضوع تكون في السجود للمعبود ، وفي صحيح مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ
ومن دعاء العبادة أن يكون سلوك العبد في الحياة إخلاص يبتغي به وجه الله وأن يكون مطلبه هو الرفيق الأعلى : ( وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ) ، وعند الإمام البخاري من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أنه كَانَتْ تَقُولُ : إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَىَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّىَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي ، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي ، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ ، دَخَلَ عَلَىَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم – فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ فَقُلتُ آخُذُهُ لَكَ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ ، فَتَنَاوَلتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ ، وَقُلتُ أُلَيِّنُهُ لَكَ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ ، فَلَيَّنْتُهُ ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلبَةٌ فِيهَا مَاءٌ ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، إِنَّ لِلمَوْتِ سَكَرَاتٍ ، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ : في الرَّفِيقِ الأَعْلَى ، حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الواحدة والأربعون في موضوع العلي وستكون بعنوان :
كيف ندعو الله باسميه الأعلى والمتعال ؟
أمااسم الله المتعال ، فقد سمى الله نفسه به على سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا على الوصفية في القرآن والسنة ، وقد ورد المعني محمولا عليه مسندا إليه مع علامات الاسم ، فمن القرآن : (عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ ) (الرعد:9) وروى أحمد في المسند بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآيَةَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ ( وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون َ) قَالَ : ( يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا الجَبَّارُ أَنَا المُتَكَبِّرُ أَنَا المَلِكُ أَنَا المُتَعَالِ ، يُمَجِّدُ نَفْسَهُ ، قَالَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرَدِّدُهَا حَتَّى رَجَفَ بِهِ المِنْبَرُ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيَخِرُّ بِهِ ) .
والمتعال عند أغلب المفسرين هو المستعلي على كل شيء بقدرته ، قال ابن كثير : ( المتعال على كل شيء قد أحاط بكل شيء علما وقهر كل شيء فخضعت له الرقاب ودان له العباد طوعا وكرها ) ، فالمتعال هو الذي ليس فوقه شيء في قهره وقوته ، فلا غالب ولا منازع له سبحانه ، بل كل شيء تحت قهره وسلطانه ( وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ) ، ( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُون َ) (المؤمنون:91) فلو فرضنا وجود إلهين اثنين متنازعين متشاكسين ، مختلفين ومتضادين ، وإراد أحدهما شيئا خالفه الآخر ، فلا بد عند التنازع من غالب وخاسر ، فالذي لا تنفذ إرادته فهو المغلوب العاجز ، والذي نفذت إرادته هو المتعالي القادر ، وقد أحسنت الجن لما قالت : ( وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً) (الجن:3) ، وقد جمع الله تعالي بين علو الذات وعلو القهر في قوله تعالي : (الأنعام:18) (وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ ) (الأنعام:61) أي هو الذي قهر كل شيء وخضع لجلاله كل شيء وذل لعظمته وكبريائه كل شيء وعلا علي عرشه فوق كل شيء .
واسم الله المُتعَال يدل على ذات الله وعلى علو القهر المطلق بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى صفة علو القهر المطلق بدلالة التضمن ، ويدل باللزوم على الحياة والقيومية والقوة والأحدية ، والكبرياء والعظمة ، والجبروت والعزة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال .
كيف ندعو الله باسمه الأعلى دعاء مسألة ودعاء عبادة ، دعاء المسألة أن يذكر الاسم في دعائه لربه ليطلب به الرفعة إن كان ذليلا ، والعزة إن كان مقهورا ، فيسأل الله باسمه المتعال ، أما دعاء العبادة فهو مظهر يخضع فيه العبد الضعيف الفقير للعلي الأعلى المتعال ، فلا يخلع عن نفسه رداء العبودية لينازع ربه في علو القهر والشأن والفوقية ، أو يشاركه في العلو والكبرياء وعظمة الأوصاف والأسماء ، وقد ثبت في الحديث القدسي: ( الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي شَيْئًا مِنْهُمَا أَلقَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ ) ، وروى الإمام مسلم من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ). الأنترنت – موقع ملتقى الخطباء
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية والأربعون في موضوع العلي وستكون بعنوان :*وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ
يقول الألوسي رحمه الله في (روح المعاني): "{وَلِلّهِ
الْمَثَلُ الأَعْلَىَ} أي: وله الصفة العجيبة الشأن التي هي مَثْلٌ في العُلّو مطلقًا، وهو الوجوب الذاتي والغنى المطلق والجود الواسع والنزاهة عن صفات المخلوقين ويدخل فيه علوه تعالى عما يقولون علوًا كبيرًا".
ورد هذا الاسم الشريف في الكتاب والسنة في قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}. وقوله تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى . إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل:19-20]. معنى الاسم في اللغة: الأعلى: أفعل التفضيل في اللغة أعلى على وزن (أفعل)، فعله علا، يعلو، علوًا. فالأعلى هو الذي ارتفع عن غيره وفاقه في وصفه. وهى مفاضلة بين اثنين أو الجميع لأن التفاضل إما أن يكون بين اثنين أو بين الشيء وغيره فإذا فاضلت بين اثنين قلت هذا أفضل من ذاك، وإذا أردت أن تفاضل الجميع قلت هذا أفضلُ دون بيان للمفضل عنه. فالأعلى سبحانه أعلى مِن مَن؟ أعلى من كل شيء، أعلى من الجميع. فهي مفاضلة بين اثنين أو الجميع في عظمة وصف أو فعل أو مفاضلة بين صاحب العلو والأعلى منه. كل من علا مهما كان فالله أعلى منه والله أعظم منه والله أجل منه، مهما كان له العلو في الأرض ومهما كان متصفا بالمنزلة والمكانة. فالله سبحانه وتعالى ذو العُلُّو وذو العُلا وذو العلاء والمعالي. فالله سبحانه الأعلى بهذا المعنى، قال تعالى: {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل من الآية:60]. {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم:27]. فإن كان الله سبحانه وتعالى وحده هو المتصف بذلك فله المثل الأعلى والغنى المطلق، فكل ما سواه فقير وكل ما سواه يحتاج أما هو سبحانه فغني غنى مطلق، لا تنفعه عبادات أحد ولا تضره معاصيهم، لا تنفعه قرباتهم ولا يضره ابتعادهم، لا يحتاج إلى شيء ولم يتخذ صاحبةً ولا ولدًا.
يقول ابن القيم رحمه الله: "من أعظم الأدلة على وجود الله الغنى المطلق لله والفقر الذاتي لكل أحد".
الفرق بين اسمه تعالى العلي والأعلى: العلي: تعطي صفة العلو بكل المعاني،أما الأعلى: ففيه معنى المفاضلة، بمعنى أن له العلو ولا أحد يعلوه، هو الأعلى من كل أحد ومن كل شيء وينبغي أن يكون في قلبك هكذا. فاسم الله تعالى الأعلى دل على علو الشأن عن جميع النقائص والعيوب المنافية للألوهية والربوبية. تعالى الله في الوحدانية عن الشريك وعن النظير والظهير والولي والنصير. تعالى سبحانه وتعالى عن كل ذلك فلا شريك له ولا نصير له ولا ولي له ولا ظهير له. تعالى سبحانه في عظمته وشأنه وقدره، فتعالى أن يشفع أحد عنده دون إذنه، له صفة القهر والغلبة والكبرياء. وتعالى في صمديته عن الصاحبة والولد وأن يكون له كفوًا أحد، تعالى في كمال حياته وقيوميته عن السِنة والنوم. تعالى في قدرته وحكمته عن العبث والظلم: «يا عبادي إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسيِ وجعلتُهُ بينَكُمُ محرمًا»(صحيح؛ بن تيمية، مجموع الفتاوى: [11/261]) تعالى في صفات كماله ونعوت جلاله عن التعطيل والتمثيل سبحانه وتعالى. هذا كله داخل في علو شأن ربنا سبحانه وتعالى ولذا قال الله: {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام من الآية:91] أي: ما عظّموه وما أعلوه وما أعطوه أقل حقه
سبحانه، بل عظموا ما حقر وحقروا ما عظم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية والأربعون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ
إن اسم الله تعالى الأعلى دل على مطلق الجلال في الذات والصفات والأفعال وليس ذلك إلا لرب العزة والجلال، طالما أنه الأعلى. فهو أعلى بذاته وأعلى بصفاته وأعلى بأفعاله، وهذه صفة جلال. فكل ما خطر ببالك فالله أعلى منه، فالأعلى سبحانه له علو الذات والفوقية وله علو الشأن في كماله وجماله، ففي رحمته عليّ أعلى، وفي عفوه عليّ أعلى، وفي كل شيء. فمثلًا إذا تأمّلت تودّد الله لك وشعرت بأنه سبحانه ودود وشعرت بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم:96]، ففرحت واستبشرت فكل ما خطر ببالك من هذا الله أعلى منه! أرأيت جمال أسمائه وصفاته سبحانه! وإذا تأمّلت عفوه، وتدبرت قوله: {وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى من الآية:30]، وتخيلت جبال من السيئات يغفرها يوم القيامة، فكل ما خطر ببالك بشأنه الله أعلى منه!
*وحظ المؤمن من اسم الله الأعلى:
الأول: الخضوع والذل والانكسار للرب الأعلى. فإذا كان سبحانه أعلى من كل شيء فينبغي أن يكون كذلك عندك وفي قلبك. فتنكسر وتخضع وتذل له سبحانه. ولذلك كان السجود من أقرب القربات التي يتقرب بها العبد لله سبحانه وتعالى لأن فيه اعترافًا عمليًامن الموحد بأنه عبد،وفيه توحيدواقعي للإله الرب. الثانىي: أن يكون سلوك العبد في الحياة مبنيًا على الإخلاص وابتغاء وجه ربه الأعلى، قال تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى . إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى}. أي ليس لأحد عنده من نعمةٍ تجزى إلا من يبتغي وجه ربه الأعلى، فلا يعطي أحدًا لمصلحة أو لغرض، لا يعطي من يحصل مدحًا أو يرائي الناس، لا يعطي إلا من قصد وجه ربه الأعلى. ذيل الآية باسمه تعالى (الأعلى) من دون غيره من أسمائه جل وعلا، لأن في بذل العبد لماله لله دليل على أنه يتخلص من الأثر الدنيوي، فهو مجبول على الشح، قال تعالى: {وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا} [الإسراء من الآية:100]، فطرته تأمره بالبخل وهو يجاهدها ويتصدق ليتخلص من شحها، فلما علا على شهواته وعلا على نفسه قابله ربه الأعلى. وهنا لفتة مهمة جدًا في هذا التذييل للآية، فكأن المعنى الآخر فيه: أنه مهما علا العبد على نفسه وتنزه سيظل الله سبحانه من فوقه أعلى. مهما تزكى وكثرت خيراته ستظل النقائص به، وسيظل الدنو صفته فالله الأعلى والأكمل والأجل سبحانه. الله عز وجل يقول عن صفة هي من جبلة ابن آدم: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} [التغابن من الآية:16]، وجاء {يُوقَ} لتدل على أن الشح موجود وسيظل موجودًا فالغريزة لن تمحى منك لن تغير وإنما مقامها التوجيه والتهذيب. فالإنسان الشحيح لن يصبح كريمًا وإنما سيتصف بصفة الكرم جزاءً على تزكيته لنفسه واتقائه لشحه. لكن الشُحّ موجودًا بداخله وسيظل وقد يعود إليه من حينٍ لآخر إلا أن يزكي نفسه باستمرار، أما إن ركن لكرمه العارض وظن أنه تخلص من شُحّه فهو مخطئ ومخدوع، بل إن لم يتابع نفسه ويداوم على الترقي والتزكية فسيعود كما كان وكأنه لم يبذل شيئًا. فالتخلص من الآفات والعيوب يكون بالعلو عليها لا بقلعها منك لأن كثيرها من الفطرة والجبلة، وبالمداومة على هذا العلو وإلا إن توقفت لحظة ستجذبك الشهوة من جديد إليها. وكذلك ظروفك وأحزانك وهمومك، ليس لها حل إلا أن تعلو عليها ولك في نبيك أسوة حسنة، إذ كانت تُطَلق بناته صلى الله عليه وسلم ويسعى في الدعوة وكأن شيئًا لم يكن، وماتت له زينب فيحزن ولكن لم يقعده حزنه، ومزق عمه تمزيقًا فحزن عليه حزنًا شديدًا ولكن لم ييأس ولم يقعده حزنه، بل كان صلى الله عليه وسلم يعلو على كل أمور الدنيا: همومها وأحزانها.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة والأربعون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :
*وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ
اسم الله المتعال: دل على ذات الله المتصفة بعلو القهر بدلالة المطابقة.
واسم الله تعالى المُتَعال يلزم منه أن الله حي قيّوم أحدٌ صمد عزيز ذو الكبرياء والهيمنة والجبروت.
*أماحظ المؤمن من اسمه المتعال:
1- أن يُظهر لله ذله وخضوعه فهو في جناب عز الله مسكين متواضع لعلمه أن المتعال لا يدفعه عن مراده دافع.
2- أن يعلم أن المُفسدات خمس:
أ- تعلق القلب بغير الله؛ وهذا لا شك يحدث لمن يقع في مسألة العلو في الأرض.
ب- ركوب بحر التمني وهذا أيضًا حاله.
ج- فُضول المُخالطة يفسد عليه قلبه.
د- فضول الطعام.
هـ- فُضول المنام.
خمسٌ إذا دخلت قلبك أفسدته لا محالة. نسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدينا إليه أخذ الكرام عليه. [ الأنترنت – موقع شرح وأسرار الأسماء الحسنى ]
*ماقدروا الله حق قدره
ذم الله سبحانه وتعالى طائفة من عباده عدم توقيرهم له عز وجل كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، فقال: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)، وهذه الآية تكرر ورودها في القرآن في ثلاثة مواضع؛ في سورة الأنعام قال الله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) (الأنعام: من الآية91)، وفي سورة الحج قال الله تعالى: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج:74)، وفي سورة الزمر قال الله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ
بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الزمر:67).
وتكرر ورود هذه الآية يدل على عظم معناها وأهميته،
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلوها على أصحابه في خطبه كما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الزمر:67)، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا بيده ويحركها يقبل بها ويدبر يمجد الرب نفسه أنا الجبار أنا المتكبر أنا الملك أنا العزيز أنا الكريم فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حتى قلنا ليخرن به"[ رواه أحمد وصححه الألباني في ظلال الجنة، 1/290، (546).]
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر بها وبمعناها كلما ذُكر مظهر من مظاهر عظمة الله تعالى وجبروته، فقد جاء رجل من أهل الكتاب فقال: "يا أبا القاسم أبلغك أن الله تبارك وتعالى يحمل الخلائق على أصبع والسموات على أصبع والأرضين على أصبع والشجر على أصبع والثرى على أصبع قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقرأ: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)"[ البخاري (6978) وغير موضع، ومسلم (19-21).]
فلو علم العباد ما لله من عظمة ما عصوه، ولو علم المحبون أسماءه وصفاته وكماله وجلاله ما أحبوا غيره، ولو علم العباد فضله وكرمه ما رجوا سواه، فالله تعالى رجاء الطائعين وملاذ الهاربين وملجأ الخائفين.
إن العبد يوم يتأمل الضعف الذي يكتنفه ويكتنف غيره من خلق الله تعالى يعظم في نفسه القوي العزيز جل وعلا، ولذا نجد في الآيات السابقة لقوله تعالى: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً) (نوح:13)، أن نبي الله نوح عليه السلام عمد إلى أمرين الأول تذكير قومه بالضعف الذي هو صفة المخلوقين فقال لهم كما أخبر الله تعالى عنه: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً) (نوح:14)، أي طورا بعد طور وهي مراحل تكوين الجنين في بطن أمه من نطفة فعلقة فمضغة فعظام فبشر، فمن كانت هذه بدايته فلا يحق له إلا أن يشهد لله تعالى بالعظمة ويوقره ويعظمه.
الأمر الثاني، أنه عمد إلى إظهار قوة الخالق تعالى فقال: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً)
فمقابل ذلك الضعف الشديد عند المخلوقين قوة الخالق تعالى التي لا تقهر، فمن تأمل في هذين الأمرين حصلت له النتيجة التي يرجوها ذلك النبي الكريم عليه السلام من قومه وهي أن يرجو لله وقارا.
[ الأنترنت – موقع المسلم - وما قدروا الله حق قدره – د ناصر العمر
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة والأربعون في موضوع العلي وستكون بعنوان : تأملات في قول الله عز و جل { و ما قدروا الله حق قدره }
لعلماء التفسير في هذه الجملة : { وما قدروا الله حق قدره } أربعة تأويلات ذكرها الماوردي في " النكت و العيون " (2/141) :
أحدها : و ما عظموه حق عظمته ، قاله الحسن
البصري ، و الفراء ، و الزجاج .
و الثاني : و ما عرفوه حق معرفته ، قاله أبو عبيدة.
و الثالث : و ما وصفوه حق صفته ، قاله الخليل .
و الرابع : و ما آمنوا بأن الله على كل شيء قدير ، قاله ابن عباس رضي الله عنه.
و على هذا ، فإن هذه الأقوال تدور على ثلاثة أمور :
الأول : إثبات توحيد الله عز و جل و عظمته .
الثاني : إثبات صفاته السنية العليا من : تكليمه سبحانه لرسله ، و إرساله إياهم ، و من قبضه الأرضين ، و طيه للسماوات بيمينه يوم القيامة .
الثالث : إثبات قدرته على البعث و إحياء الموتى.
ففي سورة الحج ، ذكر سبحانه هذه الجملة في معرض إثبات وحدانيته ، و أنه لا يستحق العبادة إلا هو ، و في سورة الأنعام ، في معرض إثبات ما أنزله – جل و علا – على رسله ، و في سورة الزمر في معرض إثبات المعاد و قيام الناس لرب العالمين.
و هذه الأصول الثلاثةوهي:التوحيد،والنبوات،و المعاد ،هي الأصول الاعتقادية التي اتفقت عليها جميع الملل و جاءت بها جميع الرسل عليهم الصلاة و السلام .
وعامة السور المكية تضمنت هذه الأصول التي اتفقت عليها رسل الله ، إذ كان الخطاب فيها يتضمن الدعوة
لمن لا يقر بأصل الرسالة [ انظر : " فتاوى ابن تيمية "(15/159- 160) ، و " شرح العقيدة الأصفهانية "(ص211).]
لهذا نجد أن السور التي وردت فيها هذه الجملة : {وما قدروا الله حق قدره} وهي سور:الأنعام، و الحج ، و الزمر ، و هي سور مكية ، على خلاف في سورة الحج ، و من المعلوم أن الاعتناء في السور المكية ، إنما هو بمسائل الاعتقاد – أو المسائل العلمية الخبرية - ، من تقرير التوحيد ، و المعاد ، و النبوة ، و أما تقرير الأحكام و الشرائع – أو المسائل العملية الطلبية – فمظنة السور المدنية " فتاوى ابن تيمية (8/24) ، و " الصواعق المرسلة " لابن القيم (4/1363-1364).
من أجل ذلك ، نجد أن في كل موطن من المواطن الثلاثة التي ذكرت فيه هذه الجملة ، ردا على صنف ممن تنكب طريق الحق في باب الاعتقادات فلم يقدر رب العالمين حق قدره [ انظر " التبيان في أقسام القرآن " لابن القيم (ص140).] :
الصنف الأول : المشركون الذين عبدوا مع الله غيره ، و هم المذكورون في سورة الحج.
الصنف الثاني:المعطلة النفاة للصفات الإلهية العليا، الذين ينكرون أن يكون لله عز و جل يدان،فضلا عن أن يقبض بهما شيئا،وهم المذكورون في سورة
الزمر ، وما رواه ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر : { و ما قدروا الله حق قدره و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السماوات مطويات بيمينه سبحانه و تعالى عما يشركون }[الزمر:67]، و رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول هكذا بيده ، و يحركها ، يقبل بها و يدبر : " يمجد الرب نفسه : أنا الجبار ، أنا المتكبر ، أنا الملك ، أنا العزيز ، أنا الكريم " فرجف برسول الله صلى الله عليه و سلم المنبر حتى قلنا ليخرن به [ صحيح : أخرجه أحمد – و السياق له - ، و ابن أبي عاصم في " السنة " ، و ابن خزيمة في " التوحيد " . انظر : " الصحيحة " (7/1/596-597).]
الصنف الثالث : منكروا النبوات ، الذين ينكرون إنزال شيء على البشر ، فيكذبون بذلك بإرسال الله عز و جل للرسل ، و إنزال كتبه عليهم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة والأربعون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : تأملات في قول الله عز و جل { و ما قدروا الله حق قدره }
ودلت هذه الجملة على أن لله جل و علا قدرا عظيما ، فكما أنه لا يحصي ثناءه سبحانه أحد من خلقه ، كذلك لا يحصي تعظيمه أحد من خلقه التعظيم الذي يستحقه جل في علاه ، و لهذا قال أعلم الخلق بالله عز و جل ، ألا و هو عبده و رسوله محمد صلى الله عليه و سلم : " لا أحصي ثناءا عليك أنت كما أثنيت على نفسك " [ رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها (485).]
فهو سبحانه و تعالى : { ذو الجلال و الإكرام } ، أي : أهل أن يجل في نفسه ، و أهل أن يكرم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " المجموع "(16/320) : " و العباد لا يحصون ثناءا عليه ،فهو كما أثنى على نفسه ، كذلك هو أهل أن يجل و أن يكرم ، و هو سبحانه يجل نفسه و يكرم نفسه،والعباد لا يحصون إجلاله و إكرامه ، و الإجلال : من جنس التعظيم ، و الإكرام : من جنس الحب و الحمد ، و هذا كقوله : { له الملك و له الحمد }[التغابن:1] ، فله الإجلال و الملك ، و له الإكرام و الحمد " اه.
و في هذا جاء حديث أبي موسى الأشعري رضي الله
عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم : " إن من إجلال الله : إكرام ذي الشيبة المسلم ، و حامل القرآن غير الغالي فيه و الجافي عنه ، و إكرام ذي السلطان المقسط " [حسن : رواه أبو داود . " صحيح الترغيب " (98).]
و لما كان الأمر بهذه المثابة ، أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالإكثار من الدعاء ب " يا ذا الجلال و الإكرام " ، ففي الحديث المروي عن جماعة من الصحابة مرفوعا :" ألظوا ب( يا ذا الجلال و الإكرام " [ صحيح : رواه أحمد و الحاكم . " الصحيحة " (1536).]
قال ابن الأثير في " النهاية "(4/252) : أي : الزموه ، و اثبتوا عليه ، و أكثروا من قوله ، و التلفظ به في دعائكم ، يقال : ألظ بالشيء ، يلظ ، إلظاظا : إذا لزمه ، و ثابر عليه " اه.
و قد أنكر نبي الله نوح عليه السلام على قومه عدم
تعظيمهم لرب العالمين فقال : { مالكم لا ترجون لله وقارا }[نوح:13] ، أي : لا تعاملونه معاملة من توقرونه ، و الوقار : العظمة ، اسم من التوقير و هو : التعظيم ، و منه قوله تعالى : { و توقروه }[الفتح:9] [ انظر : " تفسير البغوي " (ص231) ، و " الفوائد " لابن القيم (ص242- ط : دار النفائس).]
و هذا التعظيم الذي يجب على العبد نحو خالقه – جل و علا – هو أحد ركني العبادة التي خلقه الله عز و جل لأجلها ، ذلك بأن " العبادة مبنية على أمرين عظيمين ، هما : المحبة و التعظيم ، الناتج عنهما : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات و يدعوننا رغبا و رهبا و كانوا لنا خاشعين }[الأنبياء:90] ، فبالمحبة تكون الرغبة ، و بالتعظيم تكون الرهبة و الخوف ، و لهذا كانت العبادة أوامر و نواهي :
- أوامر مبنية على الرغبة ، و طلب الوصول إلى الآمر. و نواهي مبنية على التعظيم ، و الرهبة من هذا العظيم " [ قاله العلامة ابن عثيمين في " شرح الواسطية " (1/24-25 ، ط : ابن الجوزي).]
فتضمنت هذه الجملة احد الركنين الذين تقوم عليهما عبادة الإنسان لربه عز و جل و هو التعظيم.
.[ الأنترنت – موقع كل السلفيين للشيخ : أبي عبد الله حسن آيت علجت الجزائري]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة والأربعون في موضوع العلي وستكون بعنوان :
*فضل هذا الدعاء (ياحليم ياعليم ياعلي ياعظيم)
قال مطرف بن مصعب : دخلت على المنصور فرأيته مغموماً حزيناً، قد امتنع عن الكلام لفقد بعض أحبته .
فقال لي: يا مطرف ركبني من الهم ما لا يكشفه إلا الله الذي ابتلاني به,فهل من دعاء ادعوا الله به عساه يكشفه عني ؟فقلت :ياأمير المؤمنين ,حدثني محمد بن ثابت عن عمرو بن ثابت البصري قال:دخلت في أذن رجل من البصرة بعوضة حتى وصلت إلى صمَاخيه فأنصبته و أسهرته ليلاً و نهاراً. فقال رجل من أصحاب الحسن : ادع بدعاء العلاء بن الحضرمي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم الذي دعا به في المفازة ,وفي البحر وخلصه الله سبحانه.قال :وماهو يرحمك الله ؟
قلت:بعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين فسلكوا مفازة وعطشوا عطشا ًشديداً حتى خشوا الهلاك.
فنزل فصلى ركعتين ثم قال:ياحليم ياعليم! ياعلي ياعظيم! اسقنا! قال:فإذا نحن بسحابة كأنها جناح طائر
قعقعت علينا ومطرنا حتى ملأنا كل إناء وسقاء، ثم انطلقنا حتى أتينا على الخليج من البحر ماخيض قبل ذالك اليوم، ولا خيض بعده , فلم نجد سفناً , فصلى ركعتين ثم قال: ياحليم، ياعليم، ياعلي، ياعظيم أجزنا! ثم أخذ بعنان فرسه .
ثم قال:جوزوا باسم الله. قال أبو هريرة: فمشينا على الماء، و الله مابللنا قدماً ولا خفا ًولا حافراً وكان الجيش أربعة آلاف فارس .قال: فدعا الرجل بها فما برحنا حتى خرجت من أذنه لها طنين، حتى صكت الحائط وبرىء. قال: فأستقبل المنصور القبلة,ودعا بهذا الدعاء ساعة,ثم انصرف بوجهه إليّ وقال :يامطرف قد كشف الله عني ماكنت أجد من الهم ودعا بالطعام ,فأجلسني فأكلت معه.
..مصدره(كتاب أثر الدعاء في دفع المحذور وكشف البلاء) [الأنترنت – موقع عالم حواء ]
والخبر بمجموع طرقه وبما قرره ابن حبان والبيهقي و ابن كثير وغيرهم..حسن ولا شيئ فيه من حيث وقوعه !
والقصة رواها كل من البخاري في التاريخ وابن حبان والطبراني وياقوت الحموي وابن ابي شيبة وابن كثير في البداية والنهاية ، وقال الهيثمي مجمع الزوائد 6/327 :رواه الطبراني وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف ، والمجالسة وجواهر العلم الدينوري 2/ 74 [الأنترنت – موقع ملتقى أهل الحديث – محمد ابو عبدة ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة والأربعون في موضوع العلي وستكون بعنوان :أَثَرُ الإيمان بالاسم (الأعلى):
من سُنَّة الرَّسول صلى الله عليه وسلم في سُجُود الصَّلاة قولُه: «سُبْحَانَ رَبَّيَ الأَعْلَى». وعَلَّلَ ذلك بأنَّ السُّجودَ غايةٌ في الخضوع والتَّذَلُّل من العبد بأشرف شيء فيه لله - وهو وَجْهُه - بأن يَضَعَه على التُّراب؛ فناسب في غاية سفوله أن يَصفَ ربَّه بأنَّه الأعلى؛ فالعبدُ ليس له من نفسه شيء، وليس له من العظمة نصيبٌ؛ فهو خُلق من العَدَم.
عُلُوُّ الخَلْق من عُلُوِّه تعالى؛كما أنَّ عزَّتَهم من عزَّته، وعلى قدرالإيمان والعمل يكون العُلُوُّ في الدُّنيا والآخرة؛ {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ }[المطففين: 18]؛ فَيَجْتَهد الإنسانُ أن يَكونَ في "علِّيِّين"؛ وهي جَنَّاتُ المقرَّبين أعلى من جنات أصحاب اليمين؛ فأصحابُ علِّيِّين جُلَساءُ الرَّحمن، وهم أصحابُ المنابر من نور عن يمينه.
وفي الدُّنيا يكون عُلُوًّا يَمْنَحُ القُوَّةَ بمنعه الوهن، ويَمْنَح
السَّعادةَ بدَفْعه الحَزَن: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]؛ وما تلك السَّعادة والقوة إلَّا لأنَّ هذا العُلُوَّ يُدخل صاحبَه في معيَّة الله؛ {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35].
دلَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه على ما يُرفَعُ به الدَّرجاتُ: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا} [طه: 75]، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَا تَواضعَ أَحدٌ لله إلا رَفَعَهُ الله»
وهذا العُلُوُّ يَحْصُلُ للمؤمن بإيمانه وليس بإرادته؛ وإلَّا كان ممَّن ذَمَّهم الله كفرعون وإبليس؛ {تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا
فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة والأربعون في موضوع العلي وستكون بعنوان :اسمي الله (الكبير) و(العظيم )
اسم الله (الكبير) جاء في القرآن في ستة مواضع، مقرونا باسمه العليِّ في خمسة مواضع، وباسمه المتعال في موضع واحد، وهذا الاقتران بين العليِّ والكبير نظيرُهُ الاقترانُ بين العلي والعظيم من أسمائه تعالى، فظهر من الاقتران بين العليّ والعظيم أو العليِّ والكبير تناسبٌ بين الاسمين والوصفين، ومن المشهور في كلام أهل السنة أن العلو لله يشمل ثلاثة أنواع:
علو الذات وعلو القدر وعلو القهر، والنزاع مع المعطلة في علوِّ الذات الذي من أدلته استواؤه تعالى على العرش في سبعة مواضع من القرآن، ولا أذكر أن أحدا صرح باعتبار هذه الأنواع الثلاثة في اسمه العظيم، إلا ما يتضمنه قول ابن القيم: "فالعلو: رفعته، والعظمة: عظمةُ قدرِهِ ذاتًا ووصفًا" (الصواعق المرسلة 4/1364)، والذي يظهر لي أن الأمر كذلك؛ أعني أنه يقال في العظمة ما قيل في العلو؛ فهو تعالى العظيم ذاتا وقدرا وقهرا، وفي معنى العظيم اسمُه الكبير، كما يشهد لتقارب معنيي العظيم والكبير اقترانهما بالعلي، ونظير هذا الاقتران بين العلي والعظيم أو الكبير في القرآن اقترانُ هذين الاسمين في كلمات الذكر في الصلاة أو خارج الصلاة: سبحان الله العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وقد جاء أفعلُ التفضيل في الوصفين العلي والكبير، (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) وسبحان ربي الأعلى في السجود، وفي التكبير: الله أكبر، فهو العليُّ والأعلى والكبير والأكبر، ومما يستدل به على عظمة ذاته وكِبَر ذاته قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، وما جاء من السنة في تفسيرها؛ كقوله صلى الله عليه وسلم:
(يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون. ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟) رواه مسلم، وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس: (ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم)، فيجب الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه، وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك الإيمان بهذه الأسماء: العلي والعظيم والكبير، على قاعدة أهل السنة في الإثبات والنفي: إثباتا بلا تشبيه ولا تكييف، وتنزيها بلا تعطيل، وعليه فلا يجوز التخيُّل لكيفية ذاته أو صفاته تعالى، ولا التفكر فيها، أي: الكيفية، قال ابن عباس رضي الله عنه: (تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله) رواه البيهقي في الأسماء والصفات وغيرُه، قال ابن حجر في فتح الباري (13/383): "موقوف وسنده جيد"، ولأن التفكر في الشيء طلبٌ لحقيقته، والتفكر في ذات الله وصفاته من جنس السؤال عن الكيفية بالكلام، وقد قال الأئمة في الاستواء وغيره: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، قال ابن تيمية رحمه الله في العقيدة التدمرية: "لأنه سؤال عما لا يعلمه البشر، ولا يمكنهم الإجابة عنه"، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.[ الأنترنت – موقع كيف نفسر اسم الله (الكبير) عبد الرحمن البراك ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة والأربعون في موضوع العلي وستكون بعنوان :*نزول الله إلى السماء الدنيا كل ليلة، حقيقي أم مجازي...؟
روي في الصحيحين أن الله سبحانه ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا..
وأجمع أهل العلم على أن النزول في هذا الحديث نزول حقيقي فعلي، أي أن الله بذاته ينزل إلى السماء الدنيا، ولكنه نزول يليق بجلاله وعظمته وألوهيته المقدسة..
اعترض أتباع الدينين الأشعري والصوفي وغيرهما من أتباع الفرق البدعية الضالة على عقيدة أهل السنة والجماعة في حديث النزول،فذهبواإلى أن النزول المعني في الحديث هو نزول رحمة الله، لا نزول الله بذاته..
وسنثبت بإذن الله في هذا البحث المختصر بأن النزول المعني في الحديث هونزول حقيقي فعلي وليس مجازي.
أولا: قوله صلى الله عليه وسلم عبارة: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا"، جائت تحديدا بوحي من الله، ولم تكن مصادفة
او فلتتة لسان أو اجتهاد شخصي، وكان الله قادرا على أن يجري على لسان رسوله عبارات مثل: "تنزل رحمة الله إلى السماء الدنيا.."، أو: "ينزل ملكا إلى السماء الدنيا.."، وحيث أنه صلى الله عليه وسلم حدد النازل بالإسم وهو الله سبحانه بذاته، فقد دل ذلك على أن النزول حقيقي فعلي وليس مجازي.
ثانيا: نزول ربنا إلى السماء الدنيا هو نزول لا تحكمه قوانين المادة التي تحكم حركة المخلوق في الوجود، ومن كانت حركته خارج قوانين المادة، كانت حركته خارجة
عن نطاق قدرة العقل على فهمها،وإثبات ذلك كالتالي:
الجني، مخلوق موجود يعيش بيننا، ولكن حركته لا يمكن عقلنتها لأنها خارجة عن قوانين المادة التي تحكم الوجود، فنحن لا نراه على الرغم من أنه موجود معنا فعليا وبجسمه في ذات المكان الذي نكون فيه، وقد يتكلم مع أمثاله من الجن ولكننا لا نسمع له صوتا، ويمكن أن يخترق أجسامنا ويستقر فيها دون أن نشعر بشيء، كما يمكن أن يخترق الحوائط وأي جسم صلب.
وإذا كانت حركة الجني،وهو مخلوق، خارجة عن قوانين المادة التي تحكم الوجود، كان الله الخالق سبحانه أحق وأولى أن لا يحكم أفعاله أي قانون من قوانين الوجود التي نعرفها، وهذا يلزمنا أن نؤمن بأن نزول الله إلى السماء الدنيا نزول حقيقي لا يحكمه أي قانون من
القوانين التي تحكم الوجود المادي.
ومن سفاهة الرافضين لحديث نزول الله بذاته إلى السماء الدنيا وصغر عقولهم، هو أنهم يريدون أن تكون أفعال الله على مستوى فهم عقولهم الناقصة ليصدقوا وقوعها، وما كان خارج عقولهم من أفعال الله، كذبوه ورفضوه، وألفوا من عندهم أسبابا وتبريرات له ما أنزل الله بها من سلطان أملتها عليهم أحلامهم وقصور عقولهم. نسأل الله السلامة والعافية.
وأجمع أهل العلم على أن النزول في هذا الحديث نزول حقيقي فعلي، أي أن الله بذاته ينزل إلى السماء الدنيا، ولكنه نزول يليق بجلاله وعظمته وألوهيته المقدسة..
نحن نقرأ في كتاب الله :(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ، ونقرأ : (هل تعلم له سميا)
ونقرأ: (ولم يكن له كفوا أحد). فالقرآن نفى عن ربنا مماثلة شيء من مخلوقاته, لكنه أثبت له صفات الكمال.
فلو سألنا أي مسلم عن قوله تعالى: (وهو السميع البصير) فإن أحدا لن يستشكل اتصاف الباري سبحانه وتعالى بصفتي السمع والبصر, ولن يتوهم أحد أن سمع الخالق كسمع المخلوقين. أليس كذلك؟
لكن الإشكال يتطرق إلى عقول كثير من الناس حين يسمعون النصوص التي تصف الله بالمجيء والنزول والإستواء ونحوها, والسبب أنهم لا يتصورون هذه الصفات إلا مقترنة بما عهدوه من مجيء ونزول واستواء الأجسام, إذن التشبيه يحصل في أذهان الناس, وليس مرتبطا بالصفة ذاتها, لأن القرآن صريح في أن ربنا: (ليس كمثله شيء), وهذا معنى أن السلف يثبتون لله نزولا يليق بذاته العلية, ونحن محجوبون عن معرفة الكيفية, ويسعنا أن نثبت الصفة مع اعتقاد التنزيه الكامل لربنا ذي الجلال والكمال, وكل ما خطر ببالك, فالله بخلاف ذلك, والنزول معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة, والله تعالى أعلى وأحكم, أسأل الله أن يهدي قلوبنا, وأن يشفينا من داء الاعتراض, ومن داء التشبيه والتعطيل, وأن يميتنا على السنة والجماعة وتعظيم القرآن والسنة.[ الأنترنت – موقع منتدى التوحيد - سـلطان ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخمسون في موضوع العلي وستكون بعنوان :*النُّزول والهبوط والتَّدلِّي إلى السماء الدنيا
صفاتٌ فِعْلِيَّةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عزَّ وجلَّ بالسنة الصحيحة والدليل:
1- حديث النُّزول المشهور: (يَنْزِلُ ربُّنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقـى ثلث الليل الآخر...) .
2- حديث: (إذا مضى ثلث الليل الأول هبط الله تعالى إلى السماء الدنيافلم يزل هناك حتى يطلع الفجر)
3- حديث عمرو بن عبسة السلمي مرفوعاً: (إن الله عزَّ وجلَّ يتدلَّى في جوف الليل فيغفر إلا ما كان من الشرك...))
4-حديث الإسراء عن أنس رضي الله عنه قال:
(....حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجَبَّار ربُّ العِزَّةِ فَتَدَلَّى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى...)
قال الإمام الشافعي: (لله تبارك وتعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أمته ... وأنه يهبط كل ليلة إلى سماء الدنيا بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك... )
وقال الإمام أبو سعيد الدارمي بعد أن ذكر ما يثبت النُّزول من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فهذه الأحاديث قد جاءت كلها وأكثر منها في نزول الرب تبارك وتعالى في هذه المواطن، وعلى تصديقها والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا، لا ينكرها منهم أحد، ولا يمتنع من روايتها)
وقال الإمام محمد ابن خزيمة: (باب: ذكر أخبار ثابتة
السند صحيحة القوام، رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة: نشهد شهادة مقر بلسانه، مصدق بقلبه، مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نُزول الرب، من غير أن نصف الكيفية؛ لأنَّ نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا، وأعلمنا أنه يَنْزل، والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه عليه السلام بيان ما بالمسلمين الحاجة إليه من أمر دينهم؛ فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النُّزول، غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية النُّزول.
وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح أنَّ الله جل وعلا فوق سماء الدنيا الذي أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه يَنْزل إليه، إذ محال في لغة العرب أن يقول: نزل من أسفل إلى أعلى، ومفهوم في الخطاب أنَّ النُّزول من أعلى إلى أسفل)
وقال أبو القاســم اللالكائـي: (سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب تبارك وتعالى، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم عشرون نفساً)
وقال شـيخ الإسلام رحمه الله في تفسير سورة الإخلاص: (فالرب سبحانه إذا وصفه رسوله بأنه يَنْزِل إلى سماء الدنيا كل ليلة، وأنه يدنو عشية عرفة إلى الحجاج، وأنه كلَّم موسى بالوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة، وأنه استوى إلى السماء وهي دخانٌ، فقال لها وللأرض: ائتيا طَوْعاً أو كَرْهاً؛ لم يلزم من ذلك أن تكون هذه الأفعال من جنس ما نشاهده من نزول هذه الأعيان المشهودة، حتى يُقال: ذلك
يستلزم تفريغ مكان وشغل آخر)
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الواحدة والخمسون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*النُّزول الألهي والهبوط والتَّدلِّي إلى السماء الدنيا
وقال ابن القيم: (وقد تأوَّل قومٌ من المنتسبين إلى السنة والحديث حديث النُّزُول وما كان نحوه من النصوص التي فيها فعل الرب اللازم كالإتيان والمجيء والهبوط ونحو ذلك) وردَّ على ذلك مثبتاً هذه الصفات، وقال بعد أن ذكر روايات ابن منده لحديث النُّزُول: (فهذا تلخيصُ ما ذكره عبدالرحمن بن منده مع أنه استوعب طرق هذا الحديث وذكر ألفاظه مثل قولـه: (يَنْزل ربنا كل ليلة إلي السماء الدنيا إذا مضى ثلث الليل الأوَّل فيقول: أنا الملك من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، فلا يزال كذلك إلى الفجر)) وفى لفظ: ((إذا بقي من الليل ثلثاه يَهْبِطُ الرب إلى السماء الدنيا) وفى لفظ: (حتى ينشق الفجر ثم يرتفع) وفى رواية عمرو بن عبسة: (أنَّ الرب يَتَدَّلى في جوف الليل إلى السماء الدنيا)
قال الشيخ ابن عثيمين: (أصل التدلي النزول إلى الشيء حتى يقرب منه) [الأنترنت – موقع الدرر السنية]
وسئل فضيلة الشيخ: محمد ابن عثيمين عن حديث أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول ول الله صلى الله
عليه وسلم قال : "يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له". رواه البخاري؟ . . . . . . . . .
فأجاب بقوله : هذا الحديث حديث عظيم ذكر بعض أهل العلم أنه بلغ حد التواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك أنه حديث مستفيض مشهور، وقد شرحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بكتاب مستقل، لما فيه من الفوائد العظيمة، ففيه ثبوت النزول لله سبحانه وتعالى لقوله: "يتنزل ربنا" والنزول من صفات الله الفعلية، لأنه فعل وهذا النزول نزول الله نفسه حقيقة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أضافه إلى الله، ونحن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله، ونعلم كذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق، ونعلم كذلك أنه صلى الله عليه وسلم أصدق الخلق فيما يخبر به، فليس في كلامه شيء من الكذب، ولا يمكن أن يتقول على الله تعالى شيئاً لا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا في أحكامه، قال الله تعالى :( ولو تقول علينا بعض الأقاويل . لأخذنا منه باليمين . ثم لقطعنا منه الوتين ( (1). ونعلم كذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصح الخلق، وأنه، صلى الله عليه وسلم لا يساويه أحد من الخلق في النصحية للخلق، ونعلم كذلك أنه صلى الله عليه وسلم لا يريد من العباد إلا أن يهتدوا، وهذا من تمام نصحه أنه لا يريد منهم أن يضلوا، فهو عليه الصلاة والسلام، أعلم الخلق بالله، وأنصح الخلق للخلق، وأفصح الخلق فيما ينطق به، وكذلك لا يريد إلا الهداية للخلق فإذا قال: " ينزل ربنا " فإن أي إنسان يقول : خلاف ظاهر هذا اللفظ قد اتهم النبي صلى الله عليه وسلم إما بأنه غيرعالم، فمثلاً إذا قال: المراد ينزل أمره. نقول : أنت أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم فالرسول يقول : " ينزل ربنا " وأنت تقول : ينزل أمره أأنت أعلم أم رسول الله؟ ! أو أنه اتهمه بأنه لا يريد النصح للخلق حيث عمى عليهم فخاطبهم بما يريد خلافه، ولا شك أن الإنسان الذي يخاطب الناس بما يريد خلافه غير ناصح لهم أو نقول : أنت الآن اتهمت الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه غير فصيح بل هو عيي يريد شيئاً ولكن لا ينطق به، يريد ينزل أمر ربنا ولكن يقول : ينزل ربنا لأنه لا يفرق بين هذا وهذا، فكلامك هذا لا يخلو من وصمة الرسول صلى الله عليه وسلم فعليك أن تتقي الله، وأن تؤمن بما قال الرسول صلى الله عليه وسلم من أن الله تعالى نفسه ينزل حقيقة.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية والخمسون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*النُّزول الألهي والهبوط والتَّدلِّي إلى السماء الدنيا
وسئل فضيلهالشيح ابن عثيمين: هل يستلزم نزول الله عز وجل أن يخلو العرش منه أو لا؟. فأجاب بقوله: نقول: أصل هذا السؤال تنطع، وإيراده غير مشكور عليه مورده، لأننا نسأل هل أنت أحرص من الصحابة على فهم صفات الله ؟ إن قال : نعم فقد كذب . وإن قال : لا . قلنا: فليسعك ما وسعهم، فهم ما سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا رسول الله إذا نزل هل يخلو منه العرش؟ وما لك ولهذا السؤال، قل : ينزل واسكت. يخلو منه العرش أو ما يخلو، هذا ليس إليك أنت مأمور بأن تصدق الخبر ولا سيما ما يتعلق بذات الله وصفاته، لأنه أمر فوق العقول فإذاً نقول :هذا السؤال تنطع أصلاً لا يرد وكل إنسان يريد الأدب كما تأدب الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يورده، فإذا قدر أن شخصاً ابتلي بأن وجد العلماء بحثوا في هذا واختلفوا فيه، فمنهم من يقول : يخلو، ومنهم من يقول : لا يخلو، ومنهم من توقف، فالسبيل الأقوم في هذا هو التوقف، ثم القول بأنه لا يخلو منه العرش، وأضعف الأقوال القول بأنه يخلو منه العرش، فالتوقف أسلمها وليس هذا مما يجب علينا القول به، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبينه والصحابة لم يستفسروا عنه، ولو كان هذا مما يجب علينا أن نعتقده لبينه الله ورسوله بأي طريق، ونحن نعلم أنه أحياناً يبين الرسول صلى الله عليه وسلم الحق من عنده، وأحياناً يتوقف فينزل الوحي، وأحياناً يأتي أعرابي فيسأل عن شيء، وأحياناً يسأل الصحابة أنفسهم عن الشيء كل هذا لم يرد في هذا الحديث فإذاً لو توقفنا وقلنا : الله أعلم فليس علينا سبيل لأن هذا هو الواقع. (98) وسئل : هل إذا نزل تقله السماء ؟ فأجاب بقوله: هذا لا يكون، لأنك لو قلت : إن السماء تقله لزم أنه يكون محتاجاً إليها، كما تكون أنت محتاجاً إلى السقف إذا أقلك، ومعلوم أن الله غني عن كل شيء، وأن كل شيء محتاج إلى الله، فإذاً نجزم بأن السماء لا تقله، لأنها لو أقلته لكان محتاجاً إليها وهذا مستحيل على الله عز وجل. وسئل : هل السماء الثانية فما فوقها تكون فوقه إذا نزل إلى السماء الدنيا؟ فأجاب بقوله: لا، ونجزم بهذا لأننا لو قلنا بإمكان ذلك لبطلت صفة العلو، وصفة العلو لازمة لله، وهي صفة ذاتية لا تنتفي عن الله ولا يمكن أن يكون شيء فوقه. حينئذ يبقى الإنسان منبهتاً كيف ينزل إلى السماء الدنيا ولا تقله ولا تكون السماوات الأخرى فوقه هل يمكن هذا؟! الجواب: إذا كنت منبهتاً من هذا فإنما تنبهت إذا قست صفات الخالق بصفات المخلوق، صحيح أن المخلوق إذا نزل إلى المصباح صار السطح فوقه وصار سطح المصباح يقله، لكن الخالق لا يمكن أن يقاس بخلقه، فلا تقل : كيف؟ ولم؟ فإذاً هذان السؤالان: هل السماء تقله؟ الجواب: لا لأنك إن فرضت هذا لزم أن يكون الله محتاجاً إلى السماء والله تعالى غني عن كل شيء، وكل شيء محتاج إليه. والسؤال الثاني: هل تكون السماوات فوقه ما عدا السماء الدنيا؟ الجواب: لا لأنك لو فرضت ذلك لزم انتفاء صفة العلو لله مع أن العلو من صفات الله الذاتية التي لا ينفك عنها. فالسؤال هذا من أصله بدعة كما قال مالك للذي سأله عن الاستواء كيف استوى؟ قال: "السؤال عنه بدعة" يعني لأنه ما سأل الصحابة عنه، فأنت الآن ابتدعت في دين الله حيث سألت عن أمر ديني ما سأل عنه الصحابة وهم أفضل منك، وأحرص منك على العلم بصفات الله، لكن مع ذلك لو قال: أنا يساورني القلق أخشى أن أعتقد بصفات الله ما لا يجوز، فبينوا لي وأنقذوني، فحينئذ نبين له لأن الإنسان قد يبتلى بمثل هذه الأمور ويأتيه الشيطان ويوسوس له،ويقول : كيف؟ وكيف؟ حتى يؤدي به إلى أحد محذورين: إما التمثيل، وإما التعطيل، فإذا جاءنا يسأل ويقول : أنقذوني ما زال هذا يتردد في خاطري ما يكفيني أن تقولوا : بدعة كيف أذهب ما في خاطري وقلبي. نقول : نبين لك.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة والخمسون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :
*النُّزول الألهي والهبوط والتَّدلِّي إلى السماء الدنيا
وسئل ابن عثيمين : هل الذي ينزل هو الله عز وجل أو لا ؟ فأجاب بقوله: ذكرنا فيما سبق أن الذي ينزل هو الله نفسه، هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق به، وأنصحهم، وأفصحهم مقالاً، وأصدقهم فيما يقول : فهو أعلم، وأنصح، وأفصح، وأصدق، وكل هذه الصفات الأربع موجودة في كلامه عليه الصلاة والسلام، فو الله ما كذب في قوله: " ينزل ربنا " ولا غش الأمة ولا نطق بعي ولا نطق عن جهل ) وما ينطق عن الهوى.بل هو الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يقول : " ينزل ربنا عز وجل ". لكن قال بعض الناس : إن الذي ينزل أمر الله وقال آخرون : الذي ينزل رحمة الله وقال آخرون : الذي ينزل ملك من ملائكة الله، سبحان الله هل الرسول صلى الله عليه وسلم ما يعرف أن يعبر هذا التعبير لا يعرف أن يقول : تنزل رحمة الله، أو ينزل أمر الله، أو ينزل ملك من ملائكة الله؟ الجواب: يعرف أن يعبر ولو كان المراد ينزل أمره أو رحمته’ أو ملكه لكان الرسول عليه الصلاة والسلام، ملبساً على الأمة حين قال: "ينزل ربنا" ولم يكن مبيناً للأمة بل ملبساً عليهم، لأن الذي يقول : لك: "ينزل ربنا" وهو يريد ينزل أمره هل وضح لك وبين أو غشك ولبس عليك؟ الجواب: غشك ولبس عليك فإذاً الذي ينزل هو الرب عز وجل. وهذا التحريف ولا نقول : هذا التأويل فالقول بأن مثل هذا التحريف تأويل تلطيف للمسألة، وكل تأويل لا يدل عليه دليل فهو تحريف، نقول : هذا التحريف لا شك أنه باطل فإذا قلنا : إن الذي ينزل أمر الله في ثلث الليل فمقتضاه: أولاً : أنه في غير ثلث الليل لا ينزل أمر الله، وأمر الله نازل في كل لحظة { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه}.
ثانياً : أمر الله ما ينتهي بالسماء الدنيا قال تعالى:{ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض} . وليس إلى السماء الدنيا فقط، فبطل هذا التحريف من جهة أن الأمر لا يختص بهذا الجزء من الليل، وأن الأمر لا ينتهي إلى السماء بل ينزل إلى الأرض. ورحمة الله أيضاً نفس الشيء نقول رحمة الله عز وجل تنزل كل لحظة ولو فقدت رحمة الله من العالم لحظة لهلك فكل لحظة تنزل الرحمة وتنزل إلى الأرض، إذا ما الفائدة لنا بنزول الرحمة إلى السماء فقط، إذا لم تصلنا الرحمة فلا فائدة لنا منها، فبطل تفسيره بالرحمة بل ما يترتب على تفسيره بالأمر أو بالرحمة من اللوازم الفاسدة أعظم مما يتوهمه من صرف اللفظ إلى الأمر أو الرحمة من المفاسد في تفسيره بنزول الله نفسه.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة والخمسون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :
*النُّزول الألهي والهبوط والتَّدلِّي إلى السماء الدنيا
ثم قال ابن عثيمين : ثالثاً: هل يمكن للأمر أو الرحمة أن تقول : من يدعوني فأستجيب له إلخ؟ الجواب: لا يمكن أن تقول رحمة الله : من يدعوني، ولا يمكن أن يقول أمر الله : من يدعوني، فالذي يقول هو الله عز وجل كذلك إذا قيل : إن الذي ينزل ملك من ملائكته نقول : الملك إذا نزل إلى السماء الدنيا لا يمكن أن يقول : من يدعوني. أبداً لو قال الملك : من يدعوني صار من دعاة الشرك لأن الذي يجيب الداعي إذا دعاه هو الله عز وجل فلا يمكن للملك أن يقول : هكذا، حتى لو فرض أن الله أمره أن يقول لقال :من يدعو الله فيستجيب له، ولا يمكن لملك من الملائكة وهم لا يعصون الله أن يقول : من يدعوني فأستجيب له، وبهذا بطل تحريف هذا الحديث إلى هذا المعنى أن يكون النازل ملكاً. وتحريف نصوص الصفات من القرآن والسنة يجري فيها هذا المجرى، يعني أن كل التحريفات إذا تأملتها وجدت أنه يترتب عليها من المفاسد أضعاف ما يترتب على المفاسد التي توهموها لو أجروا اللفظ على ظاهره، ولهذا نجد الصحابة رضي الله عنهم سلموا من هذا فلا يوجد عنهم حرف واحد في تحريف نصوص الصفات، لأنه ليس فيها إشكال عندهم يجرونها على ظاهرها، كما يجرون آيات الأحكام على ظاهرها، والغريب أن هؤلاء الذين يحرفون في نصوص الصفات وهم لا يستطيعون أن يعقلوها لو حرف أحد من نصوص الأحكام مع أن الأحكام مربوطة بالمصالح والمصالح للعقول فيها مدخل لو حرف أحد في نصوص الأحكام لأقاموا عليه الدنيا، وقالوا : ما يمكن أن تخرج اللفظ عن ظاهره، مع أن الأحكام مربوطة بالمصالح والمصالح للعقل فيها مجال، لكن صفات الله غير مربوطة بهذا، صفات الله طريقها الخبر المجرد يعني ما فيه تلقٍّ في صفات الله نفياً، أو إثباتاً إلا من الكتاب والسنة، ومع ذلك نجد من يعلب بنصوص الكتاب والسنة فيما يتعلق بصفات الله ويحرفها حينما يرى أن العقل يقتضي ذلك، مع أن العقل الذي يدعي أنه يقتضي ذلك، عقل من؟ عقل زيد أو عمرو أو بكر.. كل واحد منهم له عقل يقول : هذا هو الحق ولهذا تجدهم يتناقضون، بل إن الواحد منهم ينقض كلامه بعضه بعضاً، يؤلف كتاباً فينقض به ما في الكتاب الأول وهكذا. حجج تهافت كالزجاج تخالها حقاً وكل كاسر مكسور فهم يتناقضون لأنهم على غير برهان وعلى غير أساس، فلهذا نقول : الطريق السليم، والمنهج الحكيم هو: ما درج عليه السلف من إجراء هذه النصوص على ظاهرها. فإذا قال قائل: ظاهرها التمثيل. قلنا له: أخطأت ليس ظاهرها التمثيل، وكيف يكون ظاهرها التمثيل وهي مضافة إلى الله تعالى والله لا يماثله أحد في ذاته فكذلك في صفاته. فمثلاً قوله تعالى: {ويبقى وجه ربك }
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة والخمسون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :
*النُّزول الألهي والهبوط والتَّدلِّي إلى السماء الدنيا
ثم قال ابن عثيمين : وإذا قال: أنا لا أثبت الوجه حقيقة لأن ظاهره التمثيل، نقول : أخطأت ليس ظاهره التمثيل لأن الله تعالى لم يذكر وجهاً مطلقاً حتى يحمل على المعهود، وإنما ذكر وجهاً مضافاً إلى ذاته )ويبقى وجه ربك( فإذا كان مضافاً إلى ذاته وأنت تؤمن بأن ذاته لا تماثل ذوات المخلوقين وجب أن يكون وجهه لا يماثل أوجه المخلوقين. والله أكبر عليك لو قيل : يد الفيل ما فهمت أنها كيد الهرة لأنها أضيفت إلى الفيل وليست يداً مطلقة حتى تقول : تشترك مع غيرها فلا يمكن أن تفهم من قول القائل: يد فيل أنه كقول القائل : يد هر، أبداً فيكف تفهم إذا قيل : يد الله بأنها كيد زيد أو عمرو؟ أبداً ما يمكن أن تفهم هذا، فكل من قال : إن ظاهر نصوص الصفات التمثيل فإنه كاذب سواء تعمد الكذب أم لم يتعمده، لأنه حتى الذي يقول عن تأويل خاطىء يسمي كاذباً أليس الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال لأبي السنابل لما أخبر بأن أبا السنابل قال لسبيعة الأسلمية: لن تنكحي حتى يمضي عليك أربعة أشهر وعشر، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " كذب أبو السنابل ". مع أنه ما تعمد الكذب لكنه قال قولاً خاطئاً فنحن نقول هذا كاذب سواء تعمد أم لم يتعمد فليس في نصوص الصفات ولله الحمد ما يقتضي التمثيل لا عقلاً ولا سمعاً ثم إن لدينا آية من كتاب الله عز وجل تمحو كل ما ادعي أن فيه تمثيلاً وهي قوله : {ليس كمثله شيء }. فأنت إذا جاءك نص إثبات فاقرنه بنص هذا النفي ولا تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض بل اقرنه به. فمثلاً قوله تعالى: ) ويبقى وجه ربك ( نقول : وليس كمثل وجه الله شيء لأن الله يقول: ) ليس كمثله شيء } وعلى هذا فقس، والأمر ولله الحمد ظاهر جداً ولولا كثرة الناس الذين سلكوا هذا المسلك أعني مسلك التأويل في قولهم والتحريف فيما نرى، لولا كثرتهم لكان الأمر غير مشكل على أحد إطلاقاً، لأنه واضح ليس فيه إشكال، فلهذا نقول: يجب علينا أن نؤمن بأن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا هو نفسه كما نؤمن بأنه هو نفسه الذي خلق السماوات وأضاف الخلق إليه، وينزل إلى السماء هو، لأن الإضافة في " ينزل " كالإضافة في "خلق، ويخلق "، ولا فرق فالنازل هو الله، والخالق هو الله، والرازق هو الله، والباسط هو الله، وهكذا ولا فرق بينهما، والإنسان المؤمن الذي يتقي الله عز وجل لا يمكن أن يحرف ما أضافه الله إلى نفسه ويضيفه إلى أمر آخر وإذا أداه اجتهاده إلى ذلك فإنه يكون معذوراً لا مشكوراً، لأن هناك فرقاً بين السعي المشكور وهو ما وافق الحق، وبين العمل المعذور وهو ما خالف الحق لكن نعرف من صاحبه النصح إلا أنه التبس عليه الحق، فإن في هؤلاء المؤولة الذين نرى أن عملهم تحريف فيهم من يعلم منه النصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله، وللمسلمين، لكن التبس عليهم الحق فضلوا الطريق في هذه المسألة.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة والخمسون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :
*النُّزول الألهي والهبوط والتَّدلِّي إلى السماء الدنيا
ثم قال ابن عثيمين :وفي قوله:"فيقول : من يدعوني فأستجيب له" في هذا إثبات القول لله وأنه بحرف وصوت لأن أصل القول لابد أن يكون بصوت ولو كان قولاً بالنفس لقيده الله كما قال تعالى: )ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله } فإذا أطلق القول فلابد أن يكون بصوت، ثم إن كان من بعد سمي نداء، وإن كان من قرب سمي نجاء. فإذا قال قائل : نحن لا نسمع هذا القول؟ فنقول: أخبرنا به من قوله عندنا أشد يقيناً مما لو سمعنا وهو الرسول صلى الله عليه وسلم نعلم علم اليقين بأن الله يقول : بخبر أصدق الخلق صلى الله عليه وسلم ونحن لو سمعنا قولاً، لظننا أنه وجبة شيء سقط، أو حفيف أشجار من رياح فنتوهم فيما نسمع لكن ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نتوهم فيه فيكون خبر الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا بمنزلة ما سمعنا بآذاننا، بل أشد يقيناً، إذا صح عنه، وهذا الحديث قد صح عنه فهو متواتر أو هو مشهور مستفيض عند أهل السنة والحديث فلذلك نقول : إن الله يقول هذا فينبغي لك وأنت تتهجد لله في هذا الزمن من الليل أن تشعر بأن الله ينادي يقول : من يدعوني فأستجيب له، فتدعو الله تعالى وأنت موقن بهذا والدعاء أن تقول: " يا رب" فهذا دعاء. وقوله: " من يسألني " أي من يطلب مني شيئاً مثل أن تقول: (يا رب أسألك الجنة ) فهذا سؤال، واجتمع في قول القائل : يا رب أسالك الجنة الدعاء والسؤال. وقوله: " من يستغفرني فأغفر له" أي من يطلب مني المغفرة مثل أن تقول : يا رب اغفر لي فهذا استغفار، وإذا قال القائل: "اللهم إني أسالك الجنة" فقوله: "اللهم" دعاء لأن أصلها يا الله. وقوله "أسالك الجنة" هذا سؤال فيكون فيه سؤال ودعاء وفي حديث أبي بكر الذي علمه إياه النبي صلى الله عليه وسلم : "اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم " . فهذا متضمن لثلاثة ، الدعاء في قوله : " اللهم " ، والاستغفار في قوله : " فاغفر لي " ، وفي قوله : "وارحمني " دعاء بالرحمة. قوله: "من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" "من " هنا اسم استفهام، والمراد به التشويق وليس المراد به الاستخبار، لأن الله عز وجل يعلم، لكن المراد به التشويق يشوق سبحانه وتعالى عباده أن يسألوه، وأن يدعوه، وأن يستغفروه وفي هذا غاية الكرم والجود من الله سبحانه وتعالى أنه هو الذي يشوق عباده إلى سؤاله، ودعائه، ومغفرته كقوله:(يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم( (1).انظر إلى هذا الخطاب الرفيق الشيق ففيه التشويق والرفق)هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ( (2) ولم يقل : " يا أيها الذين آمنوا بالله " ما قال هكذا وإن كان قالها في آيات أخرى لكن في هذه الآية ما قال هكذا لأن المقام يقتضي ذلك فالسورة كلها سورة جهاد من أولها إلى آخرها ) فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين }. المهم أن في هذا الحديث وأمثاله من كرم الله عز وجل ما هو ظاهر لمن تأمله، وأهم شيء فيما تكلمنا عليه مسألة الصفات
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة والخمسون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :
*النُّزول الألهي والهبوط والتَّدلِّي إلى السماء الدنيا
ثم قال ابن عثيمين : لاتسألوا عما لم يسأله السلف، فإن هذا من التنطع والتكلف والابتداع في دين الله، وإني أقول لكم : إن الإنسان كلما تعمق في هذه الأمور فأخشى أن ينقص في قلبه من إجلال الله وعظمته بقدر ما حصل من هذا التعمق في البحث في هذه الأمور واسأل العامي، العامي إذا ذكرت الله عنده اقشعر جلده وإذا ذكرت نزوله إلى السماء الدنيا اقشعر جلده لكن أولئك الذين يتعمقون في الصفات ويحاولون أن يسألوا حتى عن الأظافر نسأل الله لنا ولهم الهداية هؤلاء إذا ذكر عندهم حديث النزول بدؤوا يوردون على أنفسهم أو على غيرهم كيف تكون الحال وثلث الليل يتنقل على الكرة الأرضية؟ وكيف تكون الحال حين نزوله بالنسبة للعلو وبالنسبة للعرش؟ ونحو ذلك من الأسئلة التي تشطح بهم عن تعظيم الله عز وجل وهؤلاء بلا شك سينقص من إجلال الله عز وجل في قلوبهم بقدر ما حاولوا من التعمق في هذه الأمور، وليس إجلالنا لله عز وجل كإجلال الصحابة ولا قريباً منه، وليس حرصنا على العلم بصفات الله كحرص الصحابة وهم ما سألوا هذه الأسئلة ولذلك وأنا أنصحكم لله وأرجو منكم ألا تتعمقوا في هذه الأمور فتسألوا عن أشياء لم يسأل عنها الصحابة. خذوا ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتركوا ما عدا ذلك لئلا يوقعكم الشيطان في أمر تعجزون عن التخلص منه قد يوقعكم في التمثيل ويلزمكم إلزاماً بأن تعتقدوا ذلك، لأن الإنسان الذي يتعمق إلى هذا الحد يخشى عليه، خذوا ما جاء في الكتاب وصحيح السنة واحمدوا الله على العافية واسلكوا سبيل السابقين والله أعلم .
وسئل الشيخ: كيف نجمع بين حديث أبي هريرة في النزول، وبين الواقع إذ الليل عندنا مثلاً نهار في أمريكا؟ فأجاب بقوله: سؤالكم عن الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفرله "، هذا لفظ البخاري في باب الدعاء والصلاة من آخر الليل. فتسألون كيف يمكن الجمع بين هذا الحديث، وبين الواقع إذ الليل عندنا مثلاً نهار في أمريكا. فجوابه: أنه لا إشكال في ذلك بحمد الله تعالى حتى يطلب الجمع، فإن هذا الحديث من صفات الله تعالى الفعلية، والواجب علينا نحو صفات الله تعالى سواء أكانت ذاتية كالوجه واليدين، أم معنوية كالحياة والعلم، أم فعلية كالاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا فالواجب علينا نحوها ما يلي: 1. الإيمان بها على ما جاءت به النصوص من المعاني والحقائق اللائقة بالله تعالى. الكف عن محاولة تكييفها تصوراً في الذهن، أو تعبيراً في النطق، لأن ذلك من القول على الله تعالى بلا علم. وقد حرمه الله تعالى في قوله: ) قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون }
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة والخمسون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :
*النُّزول الألهي والهبوط والتَّدلِّي إلى السماء الدنيا
ثم قال ابن عثيمين :وفي قوله تعالى:{ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً} ولأن الله تعالى أعظم وأجل من أن يدرك المخلوق كنه صفاته وكيفيتها، ولأن الشيء لا يمكن إدراكه إلا بمشاهدته، أو مشاهدة نظيره، أو الخبر الصادق عنه، وكل ذلك منتف بالنسبة لكيفية صفات الله تعالى. الكف عن تمثيلها بصفات المخلوقين سواء كان ذلك تصوراً في الذهن، أم تعبيراً في النطق لقوله تعالى: ) ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }
فإذا علمت هذا الواجب نحو صفاته تعالى، لم يبق إشكال في حديث النزول ولا غيره من صفات الله تعالى وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أمته أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر مخاطباً بذلك جميع أمته في مشارق الأرض ومغاربها، وخبره هذا من علم الغيب الذي أظهره الله تعالى عليه، والذي أظهره عليه وهو الله تعالى عالم بتغير الزمن على الأرض وأن ثلث الليل عند قوم يكون نصف النهار عند آخرين مثلاً. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب الأمة جميعاً بهذا الحديث الذي خصص فيه نزول الله تبارك وتعالى، بثلث الليل الآخر فإنه يكون عاماً لجميع الأمة، فمن كانوا في الثلث الآخر من الليل تحقق عندهم النزول الإلهي، وقلنا لهم : هذا وقت نزول الله تعالى بالنسبة إليكم ومن لم يكونوا في هذا الوقت فليس ثم نزول الله تعالى بالنسبة إليهم، والنبي صلى الله عليه وسلم حدد نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا بوقت خاص، فمتى كان ذلك الوقت كان النزول، ومتى انتهى انتهى النزول، وليس في ذلك أي إشكال. وهذا وإن كان الذهن قد لا يتصوره بالنسبة إلى نزول المخلوق لكن نزول الله تعالى ليس كنزول خلقه حتى يقاس به ويجعل ما كان مستحيلاً بالنسبة إلى المخلوق مستحيلاً بالنسبة إلى الخالق فمثلاً إذا طلع الفجر بالنسبة إلينا وابتدأ ثلث الليل بالنسبة إلى من كانوا غرباً قلنا : إن وقت النزول الإلهي بالنسبة إلينا قد انتهى. وبالنسبة إلى أولئك قد ابتدأ، وهذا في غاية الإمكان بالنسبة إلى صفات الله تعالى، فإن الله تعالى: ) ليس كمثله شيء وهو السميع البصير( . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح حديث النزول: " فالنزول الإلهي لكل قوم مقدار ثلث ليلهم، فيختلف مقداره بمقادير الليل في الشمال والجنوب، كما اختلف في المشرق والمغرب، وأيضاً فإنه إذا كان ثلث الليل عند قوم فبعده بلحظة ثلث الليل عند ما يقاربهم من البلاد، فيحصل النزول الإلهي الذي أخبر به الصادق المصدوق أيضاً عند أولئك، إذا بقي ثلث ليلهم وهكذا إلى آخر العمارة" أ. هـ كلامه رحمه الله.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة والخمسون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :
*النُّزول الألهي والهبوط والتَّدلِّي إلى السماء الدنيا
ثم أجاب ابن عثيمين على السؤال :
من المعلوم أن الليل يدور على الكرة الأرضية والله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فمقتضى ذلك أن يكون كل الليل في السماء الدنيا فما الجواب عن ذلك؟
فأجاب بقوله: الواجب علينا أن نؤمن بما وصف الله وسمى به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، فالتحريف في النصوص، والتعطيل في المعتقد، والتكييف في الصفة، والتمثيل في الصفة أيضاً إلا أنه أخص من التكييف لأنه تكييف مقيد بمماثلة، فيجب أن تبرأ عقيدتنا من هذه المحاذير الأربعة. ويجب على الإنسان أن يمنع نفسه عن السؤال بـ"لم " ؟ وكيف؟ فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، وكذا يمنع نفسه عن التفكير في الكيفية، وهذا الطريق إذا سلكه الإنسان استراح كثيراً، وهذه حال السلف رحمهم الله ولهذا جاء رجل إلى مالك بن أنس رحمه الله قال: يا أبا عبد الله " الرحمن على العرش استوى " كيف استوى؟ فأطرق برأسه وعلته الرحضاء وقال: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً ". وهذا الذي يقول : إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة فيلزم من هذا أن يكون كل الليل في السماء الدنيا، لأن الليل يدور على جميع الأرض، فالثلث ينتقل من هذا المكان إلى المكان الآخر. جوابنا عليه أن نقول: هذا سؤال لم يسأله الصحابة رضوان الله عليهم ولو كان هذا يرد على قلب المؤمن المستسلم لبينه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ونقول : ما دام ثلث الليل الأخير في هذه الجهة باقياً فالنزول فيها محقق، ومتى انتهى الليل انتفى النزول ونحن لا ندرك كيفية نزول الله ولا نحيط به علماً ونعلم أنه سبحانه ليس كمثله شيء، وعلينا أن نستسلم وأن نقول: سمعنا، وامنا، واتبعنا، وأطعنا هذه وظيفتنا.
وسئل الشيخ: عما جاء في صحيفة ... من قول الكاتب: " إن نزول الله تعالى يكون في وقت لا يدريه إلا هو"؟ فأجاب بقوله: لقد وددت أن الكاتب لم يستعجل بكتابة مثل هذا الجواب، لأن المقام خطير حيث يتعلق بصفة من صفات الله تعالى، وهذه الجملة التي وقع عنها السؤال لعلها سهو أو سبقة قلم، فإن نزول الله تعالى في وقت معلوم، حدده وعينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلث الليل، وهو واضح لا إشكال فيه، ولا يقع فيه إشكال إلا على من تصور أن نزول الله تعالى كنزول المخلوقين، أما من قدر الله تعالى حق قدره وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق بمثل هذه الأمور الغيبية إلا بما أظهره الله عليه، وأنه صادق فيما أخبر به من ذلك، فإنه لن يشكل عليه هذا الحديث، فإنه يقول : نزول الله تعالى ليس كنزول غيره، فإنه يكون نازلاً إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر بالنسبة لمن كانوا في ذلك الوقت، وليس نازلاً بالنسبة لمن لم يكونوا فيه، هذا مقتضى الحديث، وليس فيه إشكال. لذا أرجو أن يكون فيما كتبت كفاية، وأن يعيد الكاتب كتابة الجواب حسبما يتبين له من هذه الكتابة التي هي مقتضى الحديث وعين دلالته، لا أقول : لمن تأمله لأنه بمنتهى الوضوح بدون تأمل والله الموفق.
[ الأنترنت – موقع سحاب السلفية - كتب بواسطة : دحمان الشلالي الجزائري ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الستون في موضوع العلي وستكون بعنوان :*صفة العلو وصفة الاستواء
العلو صفة ذات لله تعالى، والاستواء وصف فعله. و العلو أعم من الاستواء، فكل استواء علو وليس كل علو استواء. وللتعرف على الصفات هناك طريق واحد هو الكتاب والسنة حصرا.
اذ ان الصفات المثبتة تنقسم باعتبار تعلقها بذات الله تعالى إلى:
1/ صفة الذات (ذاتية)
: كلُّ صفة كمال قائِمة بذات الله تعالى ثابِتة في الكتاب والسنة، لا تتعلَّق بمشيئته، ولا يتصوَّر وجود الذات الإلهية بغيرها؛ كالحياة والعِلم والقُدرة والعِزَّة والحِكمة والقوَّة والسمع والبصر والوجه واليد والرجل والملك والعظمة والكبرياء والعلو والإصبع والقدم والغنى والرحمة والكلام.
وضابطها: هي التي لا تنفك عن الذات؛ أو التي لم يزل ولا يزال الله تعالى متصفا بها؛ أو الملازمة لذات الله تعالى. أو بمعنى آخر: هي التي لا تنفك ولا تفارق الذات الإلهية، بل هي ملازمة لها ازلا وابدا.
2/ صفة الفعل (فعلية): كل صفة كمال قائِمة بذات الله تعالى ثابتٌة في الكتاب والسنة، تتعلَّق بمشيئته وقُدرته؛ كالإحياء والتقدير والتعليم والإعزاز والمجيء والاستواء والخلق؛ وهذه يقال لها قديمة النوع حادثة الآحاد (أو متجددة الآحاد).
وضابطها: هي التي تنفك عن الذات؛ أو التي تتعلق
بالمشيئة والقدرة.
وتنقسم الصفات الفعلية من جهة تعلقها بمتعلقها إلى قسمين:
1/ متعدية: وهي ما تعدت لمفعولها بلا حرف جرّ مثل: خلق ورزق وهدى وأضل ونحوها.
2/ لازمة: وهي ما تتعدى لمفعولها بحرف جر مثل: الاستواء والمجيء والإتيان والنزول ونحوها.
وإنما قسمت كذلك نظراً للاستعمال القرآني من جهة، ولكونها في اللغة كذلك، قال ابن القيم الجوزية:
(فأفعاله نوعان: لازمة، ومتعدية كما دلت النصوص التي هي أكثر من أن تحصر على النوعين)
وقال رحمه الله: (المجيء والإتيان والذهاب والهبوط هذه من أنواع الفعل اللازم القائم به، كما أن الخلق والرزق والإماتة والإحياء والقبض والبسط أنواع الفعل المتعدي، وهو سبحانه موصوف بالنوعين وقد يجمعهما كقوله: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش)(الحديد/4)
الفرق بين صفة الذات وصفة الفعل
الفرق بينهما: أن الصفات الذاتية لا تنفك عن الذات، أما الصفات الفعلية يمكن أن تنفك عن الذات على معنى أن الله تعالى إذا شاء لم يفعلها. ولكن مع ذلك فإن كلا النوعين يجتمعان في أنهما صفات لله تعالى أولا وأبدا لم يزل ولا يزال متصفا بهما ماضيا ومستقبلا لائقان بجلال الله عز وجل.
وقد تكون الصفة ذاتية وفعلية باعتبارين، كالكلام؛ فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية؛ لأن الله لم يزل ولا يزال متكلماً، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الكلام يتعلق بمشيئته، يتكلم متى شاء بما شاء، وكل صفة تعلقت بمشيئته تعالى فإنها تابعة لحكمته، وقد تكون الحكمة معلومة لنا، وقد نعجز عن إدراكها، لكننا نعلم علم اليقين أنه سبحانه لا يشاء إلا وهو موافق لحكمته، كما يشير إليه قوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (الإنسان/30).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الواحدة والستون في موضوع العلي وستكون بعنوان :
السبل لمعرفة الصفات على ضوء الأدلة وإثباتها :
1. من النص على الصفة في الكتاب والسنة(توقيفا). مثال: صفة العزة، قال تعالى: (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(يونس/65).
2. من خلال دلالة الاسم على الصفة. مثال: اسم الله (الحفيظ) يدل على ذات الله وعلى صفة (الحفظ) بدلالة المطابقة، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن وعلى الصفة وحدها بالتضمن، والحفيظ على تقدير معنى (العلم والإحاطة بكل شيء) فإنه يدل على (صفة الذات)، قال تعالى: (إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) (هود/57)، وعلى تقدير معنى (الرعاية والتدبير) فإنه يدل على (صفة فعل)، قال تعالى: (فَالصَّالِحَات قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله)(النساء/34)، ويدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة
والقوة والعزة وغير ذلك من صفات الكمال.
3. من خلال الفعل الدال على الصفة (الوصف الفعل). مثال: صفة الفعل (الاستواء)، قال تعالى: (الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَل بِهِ خَبِيراً)(الفرقان/59) فالاستواء على العرش وصف فعل يتعلق بمشيئة الله تم بعد خلق السماوات والأرض.
أما العلو الذي دل عليه اسمه الله تعالى (العلي) فهو وصف ذات من لوازم الذات الإلهية ، وهو أعم من الاستواء، فكل استواء علو وليس كل علو استواء.
4. من النفي؛ فكل نفي نثبت منه كمال ضده. وهذه هي القاعدة المقررة عند أهل السنة والجماعة فيما يُنفَى في القرآن وفي السنة عن الله تعالى؛ إنما هو لإثبات
كمال ضده من صفات الحق.
مثال: نفي السِنَة والنَوْم يتضمن: ثبات كمال القدرة والقوة والحياة والقيومية، قال تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)(البقرة/255).
5. الصفة المنقسمة عند التجرد (أي: تنقسم الصفة إلى كمال ونقص أو يحتمل وجها من أوجه النقص) نثبتها لله تعالى في موضع الكمال.
مثال: قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)(ا لأنفال/30)، فصفة (المكر بالماكرين)، صفة كمال مقيدة لا يصح إطلاقها.
أما (المكر) فصفة منقسمة إلى:
• المكر الذي هو بحق، وهو ما دلّ على كمال وقهر وجبروت وهو المكر بمن مكر به سبحانه، أو مكر بأوليائه، أو مكر بدينه، هذا.... حق.
• المكر المذموم، وهو ما كان على غير وجه الحق.
وكذلك صفة (الصنع)؛ فالله سبحانه وتعالى يصنع وله الصنع سبحانه، كما قال سبحانه: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)(النمل/88)، وهو سبحانه وتعالى يصنع ما يشاء وصانِعٌ ما شاء كما جاء في الحديث (إِنّ اللّهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ) ، لأن الصّنع منقسم إلى:
• ما هو موافق للحكمة.
• ما هو ليس موافقا للحكمة.
هذه هي الطرق التي تثبت بها الصفة لله تعالى, وبناء على ذلك نقول:
الصفات أعم من الأسماء، لأن كل اسم متضمن لصفة، وليس كل صفة متضمنة لاسم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية والستون في موضوع العلي وستكون بعنوان : إثبات صفة العلو
الاستواء يتعلق بالعلو؛ لأن العلو علوان :
علو مطلق ، وعلو مقيد.
1/ العلو المقيد : هو الاستواء على العرش ؛ لأنه
مقيد بالعرش.
2/ العلو المطلق : فهو علو الذات ، وعلو الشأن ، وعلو القهر ، فإن الله جل وعلا له صفة ذات وهي العلو ، فالله جل وعلا علوه علو شأن أي : علو عظمة وبهاء وكمال وقوة وقدرة وعزة ، وعلو قهر أي : هو القاهر فوق عباده ، كل الخلق مقهورون ومربوبون لله جل في علاه ، كما قال الله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ۞ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا)(مريم/93 – 94) ، فهذا خضوع في النهاية ، وأيضاً خضوع الربوبية في كل العباد ، وكذلك كل العباد لا يستطيعون رد قضاء الله وقدره جل في علاه ، فإنه لو أمرض الكافر ، أو أراد موت الكافر ، نفذ أمره جل في علاه ، وهذا من باب علو القهر على عباده جل في علاه. إذاً : الله جل في علاه له علو الذات ، وعلو الشأن ، وعلو القهر.
وكذلك الاستواء ثابت في الكتاب والسنة
الأنترنت – موقع الألوكة - اكرم غانم اسماعيل ؛بتصرف ]
الفرق بين صفة الاستواء وصفة العلو من وجهين:
الوجه الأول: أن صفة العرش من الصفات الفعلية، فعل يفعله -سبحانه-، وكان بعد خلق السماوات والأرض، متى كان الاستواء؟ بعد خلق السماوات والأرض قال: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الله -تعالى- خلق الأرض أولا، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض، ثم استوى على العرش.
إذا كان الاستواء بعد خلق السماوات والأرض إذن ... والصفات الفعلية هي التي تتعلق بالمشيئة والاختيار، مثل: الغضب، ومثل: الرضا والاستواء والنزول، تتعلق بالمشيئة والاختيار، متى شاء نزل، ومتى شاء غضب، يغضب إذا شاء، وكذلك الاستواء، فكان في وقت مستويا، وفي وقت ليس مستويا، في وقت قبل خلق السماوات والأرض لم يكن مستويًا على العرش، ثم استوى على العرش، أما العلو فهو من الصفات الذاتية التي لا ينفك عنها الباري -سبحانه وتعالى-، فلا يقال: إنه في وقت عال، وفي وقت ليس عاليا. لا،في جميع الأوقات عال على خلقه، ومنها العرش، الله تعالى فوق المخلوقات كلها ومنها العرش، إذن ما معنى الاستواء على العرش؟
الاستواء على العرش صفة أخرى، فعل يفعله، علو خاص على العرش، الله أعلم بكيفيته، أما العلو فهو عام مطلق، لا ينفك عن الباري، عال على جميع المخلوقات ومنها العرش، أما الاستواء فهو علو خاص على العرش، هذا الفارق الأول، والفارق الثاني: أن العلو دل عليه العقل والنقل والفطرة، وأما الاستواء دل عليه النقل فقط، دلت عليه النصوص، ولولا أن الله أخبرنا بالاستواء، لما علمنا بذلك، أما العلو دل عليه العقل والفطرة، فطر الله الخلائق على أن الله في العلو ، حتى البهائم العجماوات ترفع رأسها إلى السماء، فيكون الفرق بين الاستواء والعلو من هاتين الجهتين، ) [من شرح الاقتصاد في الاعتقاد .]
وقال أيضاً : العلو صفة من صفات الله، والاستواء صفة من صفات الله، فما الفرق بينهما بين الصفتين؟ يتبين الفرق واضحا بين هاتين الصفتين من وجهين:
الوجه الأول: أن العلو من صفات الذات، فهو ملازم للرب الرب لا يكون قط إلا عاليا، والاستواء من صفات الأفعال، وكان بعد خلق السماوات والأرض كما أخبر الله بذلك في كتابه، فدل على أنه -سبحانه- تارة كان مستويا على العرش وتارة لم يكن مستويا عليه، فاستواؤه على العرش كان بعد خلق السماوات والأرض العرش مخلوق قديم، ولكن استواء الله على العرش كان بعد خلق السماوات والأرض، فالاستواء علو خاص، فكل مستو على شيء عال عليه، وليس كل عال على شيء مستويا عليه .
فالأصل أن علوه سبحانه على المخلوقات وصف لازم له، كما أن عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك، وأما الاستواء فهو فعل يفعله سبحانه بمشيئته وقدرته،
ولهذا قال: ثم استوى .
الثاني : أن العلو من الصفات المعلومة بالسمع والعقل هذا الفارق الثاني، العلو من الصفات المعلومة بالسمع والعقل، وأما الاستواء على العرش فهو من الصفات المعلومة بالسمع لا بالعقل، يعني أن العلو صفة العلو ثابتة بالعقل والشرع كل الناس يثبتون ويدركون أن الله في العلو حتى البهائم أما الاستواء على العرش هذا ما عرف إلا من الشرع، والعلو من الصفات الذاتية التي اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين المخالفين من أهل البدع، فهي من الصفات العظيمة . [شرح الطحاوية]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة والستون في موضوع العلي
وستكون بعنوان :
هل السؤال بصيغة (أين الله) لايجوز؟
الجواب على هذه الشبهة : أن هذا غير صحيح لما سأل النبى صلى الله عليه وسلم الجارية ( أين الله؟) قالت: في السماء، قال: (أعتقها فإنها مؤمنة ) والرد من وجوه:
الوجه الأول: أنه قال: أين الله؟ السؤال عن الله بـ"أين" يدل على أن الله له مكان وأنه في العلو، وأهل البدع ينكرون هذا، يقولون: لا يُسأل عن الله بـ"أين"، ويكون المعنى: أين الله؟ يعني: مَن الله؟ هكذا يقولون، ويكون النبي -صلى الله عليه وسلم- سأل الجارية العجمية سؤالا فاسدًا على مقدار عقلها؛ لأنها ما تفهم إلا هذا، وأقرها على جوابها الفاسد! وهذا من أبطل الباطل.
يقولون: إن الرسول سأل سؤالا فاسد، وأقرّ على جواب فاسد نعوذ بالله ! هكذا حملهم التأويل الباطل على هذا، يقولون: لا يُسأل عن الله بـ"أين"؛ لأن "أين" إنما يُسأل بها عن المكان، والله ليس له مكان، لو كان في العلو لكان متحيز، قالوا وهو في كل مكان نعوذ بالله! وهذا من أبطل الباطل.
الرسول أفصح الناس، ما يعرف يقول: مَن الله؟! فيكون معنى "أين": مَن الله؟ لكن لمّا لا تفهم فقال لها: أين الله؟ فقالت: في السماء. أقرّها على جواب فاسد؛ لأن هذا هو الذي يناسب عقلها وفهمها. هكذا يقولون، وهذا من أبطل الباطل.
ـ ( فيكفى أن الذى سأل هذا السؤال هو نبى الأمة والذى علمنا ديننا فكيف نُخَطِّئُه ؟ ) ـ .
قال المنجد :سؤال: أين الله ؟ قد منع منه بعض العلماء، والصواب جوازه لما ثبت في صحيح مسلم في حديث معاوية بن الحكم السلمي في قصة ضربه لجاريته وفيه: قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها. فأتيته بها فقال لها: أين الله ؟ قالت: في السماء. قال من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة.
هذا من ناحية صحة السؤال وفائدته، أما أن يتخذ ذلك ديدنا يمتحن به الناس دون حاجة لذلك، فلا شك أن هذا مخالف للسنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه أنه سأل هذا السؤال لغير هذه الجارية ـ فيما نعلم ـ وكان سؤاله صلى الله عليه إياها لأمر جَدَّ وداعٍ وُجِد، ومصلحة وحاجة ظاهرة.
وقد سئل الشيخ عبد المحسن العباد: هل يستفاد من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: (أين الله؟ ومن أنا؟) جواز اختبار بعض الناس لمعرفة عقيدتهم وكذلك لمعرفة منهجهم بسؤالهم بعض الأسئلة؟
فأجاب: السؤال هناك حصل لمعرفة كونها من أهل الإيمان، فإذا كانت هناك حاجة إلى معاملة إنسان أو إلى مداخلة إنسان فيمكن للإنسان أن يحتاط في التعرف عليه بسؤاله عما يحتاج إلى معرفته. شرح سنن أبي داود، ثم ليعلم السائل الكريم أن الله تعالى بعلمه وإحاطته وقدرته في كل مكان، وهو مع ذلك مستو على عرشه بائن من خلقه، ذات واحدة مستجمعة لكل صفات الكمال [الأنترنت موقع إسلام ويب – مركز الفتوى]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة والستون في موضوع العلي
وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*أين الله عز و جل ؟
قال محمد عارف الأرناؤوط أبو دُجانة : لطالما سمعنا كثيراً من الناس بل من طلاب العلم وطلاب المعاهد يتناقشون في هذا الأمر وهو أين الله عز و جل ؟
فمنهم من ينكر هذا السؤال برمته ويقول لك لا يجوز أن تسأل هذا السؤال، ومنهم من يقول لا أعرف أوقد حرت فيه وتهت فيه, ومنهم من يجيبك بأن الله في كل مكان، وهذا ما سمعه من مشايخه، ومنهم من يقول لك أن الله في السماء تبارك وتعالى.
والجواب الشافي إن شاء الله وهو ( أن الله في
السماء) وهو جواب أهل السنة والجماعة والسلف الصالح ولبّ الكلام هو أن المقصود بكلمة (السماء) يراد بها العلو والسمو, أي أن الله في الأعلى ولا يراد التحجيم والتحييز، وحاشا لله أن يكون كذلك فالله عز وجل لا سماء تظلّه أو تقلّه وهذا مخالف للعقل والفطرة، ويجوز أن يكون لفظ (في) بمعنى لفظ (على) ودليل ذلك قوله تعالى: {فسيحوا في الأرض} وقوله: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} والمعنى على الأرض وعلى الجذوع لا فيها، ومن سمع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام السلف الصالح وجد فيه إثبات الفوقية مالا ينحصر, ومما لا ريب فيه ولاشك أن الله تعالى لما خلق عباده لم يخلقهم في ذاته المقدسة تعالى الله عن ذلك فهو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فتعين أنه خلقهم خارجاً عن ذاته، ولو لم يتصف سبحانه بفوقية الذات مع أنه قائم بنفسه غير مخالط للعالم بائن عن خلقه لكان متصفاً بضد ذلك، ونحن نعلم أن القابل للشئ لا يخلو منه أو من ضده، وضد الفوقية السُفول وهو مذموم على الإطلاق لأنه مستقر إبليس وأتباعه من الجنود. ونحن نعلم أن صفة العلو والفوقية صفة كمال لا نقص فنفي حقيقة العلو يكون عين الباطل.
وقد ورد التصريح بلفظ "الأين" كقول أعلم الخلق به وأنصحهم لأمته وأفصحهم بياناً عن المعنى الصحيح بلفظ لا يوهم باطلاً، بقوله للجارية السوداء :
(أين الله؟)
وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قال: إن ربّه في السماء
بالإيمان وهذا ما حدث مع الجارية السوداء حينما أجابته فقال اعتقها فإنها مؤمنة. يقول البعض في هذا الحديث إن رسول الله قد خاطبها على قدر عقلها ولكن هل يعقل لرسول الله أن يطلق حكماً أو شهادةً من عنده، فما كان قول الرسول صلى الله عليه وسلم لتلك الجارية: أين الله؟ إلا لامتحان إيمانها، والدليـل أنه أمر بإعتاقها لأنها مؤمنة بقولها أن الله في السماء، فلو أجابته أنه في الأسفل أو في كل مكان هل سيكون جواب سيد الخلق كذلك بأنها مؤمنة؟ ورسول الله هو الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى.
لذلك أقول بعد كل هذا إنه إذا سألك أحد أين الله فأجبه، وأنت مطمئن (أنه فوق العرش بذاته بائن من خلقه وهو معهم بعلمه).
أو قل له في السماء واشرحها له حتى لا يقول لك إنك حجرت وحجّمت وحيّزت.
وإن لم تستطع النقاش، فعد إلى إيمان العجائز وإيمان
الأطفال أي عد إلى الفطرة واسأل نفسك فستجيبك في الأعلى، فإن خانتك فاسأل طفلاً صغيراً، فسيقول لك فوق في العالي أو ينظر إلى السماء.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة والستون في موضوع العلي
وستكون بعنوان :* الأقوال في صفة العلو
قال الذهبي : الأقوال في صفة العلو
قول أهل السنة والجماعة ومن وافقهم : يؤمن أهل السنة بعلو الله على خلقه واستوائه على عرشه، وأنه بائن من خلقه وهم بائنون منه. وقد وافقهم على قولهم في إثبات العلو عامة الصفاتية، كأبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب وأتباعه، وأبي العباس القلانسي وأبي الحسن الأشعري والمتقدمين من أصحابه. وهو قول الكرامية ومتقدمي الشيعة الإمامية[ انظر مجموع الفتاوى (2/297) ، ونقض تأسيس الجهمية (1/127، 2/14) ]
وقد استدل أهل السنة والجماعة على إثبات صفة العلو بالقرآن، والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة.
وقد أورد الذهبي رحمه الله في كتاب "العرش" الكثير من الأدلة من القرآن، والسنة، وإجماع سلف الأمة، وأئمتها، فلا حاجة إلى تكرار ذلك. فقد وفى هذا الجانب حقه ، وسأشير هنا إلى دليل العقل، والفطرة.
أما الأدلة العقلية فهي كثيرة وسأورد ههنا ثلاثة منها:
الدليل الأول: قول الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "إذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله تعالى حين زعم أنه في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان فقل له: أليس كان الله ولا شيء؟
فسيقول: نعم.فقل له: حين خلق الشيء هل خلقه في نفسه؟ أم خارجاً عن نفسه؟ فإنه يصير إلى ثلاثة أقوال:
واحد منها: إن زعم أن الله خلق الخلق في نفسه، كفر حين زعم أنه خلق الجن والشياطين وإبليس في نفسه.
وإن قال: خلقهم خارجا عن نفسه ثم دخل فيهم، كان
هذا أيضاً كفر حين زعم أنه في كل مكان وحش قذر رديء.
وإن قال: خلقهم خارجاً عن نفسه ثم لم يدخل فيهم، رجع عن قوله كله أجمع"[ الرد على الزنادقة والجهمية (ص95-96) ]
الدليل الثاني: قول ابن القيم: "إن كل من أقر بوجود رب للعالم مدبرله، لزمه الإقرار بمباينته لخلقه وعلوه عليهم.فمن أقر بالرب، فإما أن يقر بأن له ذاتاً وماهية مخصوصة أو لا؟ فإن لم يقر بذلك، لم يقر بالرب، فإن رباً لا ذات له ولا ماهية له هو والعدم سواء، وإن أقر بأن له ذاتاً مخصوصة وماهية، فإما أن يقر بتعينها أو يقول إنها غير معينة؟
فإن قيل إنها غير معينة كانت خيالاً في الذهن لا في الخارج، فإنه لا يوجد في الخارج إلا معيناً، لا سيما وتلك الذات أولى من تعيين كل معين فإنه يستحيل وقوع الشركة فيها، وأن يوجد لها نظير، فتعيين ذاته سبحانه واجب.
وإذا أقر بأنها معينة لا كلية، والعالم مشهود معين لا كلي، لزم قطعاً مباينة أحد المتعينين للآخر، فإنه إذا لم يباينه لم يعقل تميزه عنه وتعينه.
فإن قيل: هو يتعين بكونه لا داخلاً فيه ولا خارجاً عنه.
قيل: هذا -والله أعلم- حقيقة قولكم، وهو عين المحال، وهو تصريح منكم بأنه لا ذات له ولا ماهية تخصه، فإنه لو كان له ماهية يختص بها لكان تعينها لماهيته وذاته المخصوصة، وأنتم إنما جعلتم تعيينه أمراً عدمياً محضاً ونفياً صرفاً وهو كونه لا داخل العالم ولا خارجا عنه، وهذا التعيين لا يقتضي وجوده مما به يصح على العدم المحض.
وأيضاً فالعدم المحض لا يعين المتعين، فإنه لاشيء وإنما يعينه ذاته المخصوصة وصفاته، فلزم قطعاً من إثبات ذاته تعيين تلك الذات، ومن تعيينها مباينتها للمخلوقات، ومن المباينة العلو عليها لما تقدم من تقريره" [ مختصر الصواعق (1/279-280) ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة والستون في موضوع العلي
وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :* الأقوال في صفة العلو
الدليل الثالث: أنه قد ثبت بصريح المعقول أن الأمرين المتقابلين إذا كان أحدهما صفة كمال والآخر صفة نقص، فإن الله يوصف بالكمال منهما دون النقص، فلما تقابل الموت والحياة، وصف بالحياة دون الموت، ولما تقابل العلم والجهل، وصف بالعلم دون الجهل، ولما تقابل القدرة والعجز، وصف بالقدرة دون العجز، ولما تقابل المباينة للعالم والمداخلة له، وصف بالمباينة دون المداخلة، وإذا كان مع المباينة لا يخلو إما أن يكون عالياً على العالم أو محاذيا له، وجب أن يوصف بالعلو دون المحاذاة، فضلاً عن السفول. والمنازع يسلم أنه موصوف بعلو المكانة وعلو القهر، وعلو القهر، وعلو المكانة معناه أنه أكمل من العالم، وعلو القهر مضمونه أنه قادر على العالم، فإذا كان مبايناً للعالم كان من تمام علوه
أن يكون فوق العالم، ولا محاذياً له ولا سافلا عنه.
ولما كان العلو صفة كمال، وكان ذلك من لوازم ذاته، فلا يكون مع وجود غيره إلا عالياً عليه، ولا يكون قط غير عالٍ عليه[ درء تعارض العقل والنقل (7/5-6) ]
وبهذه النماذج التي أوردناها عن الأدلة العقلية يتضح لنا مدى دلالة المعقول الصريح على إثبات علو الله ومباينته لخلقه وكذلك مدى مخالفة أقوال المعطلة والحلولية لصريح المعقول وصحيح المنقول.
أما دليل الفطرة:
فمن المعلوم أن الفطرة السليمة قد جبلت على الاعتراف بعلو الله سبحانه وتعالى، ويظهر هذا الأمر عندما يجد الإنسان نفسه مضطراً إلى أن يقصد جهة العلو ولو بالقلب حين الدعاء، وهذا الأمر لا يستطيع الإنسان دفعه عن نفسه فضلاً عن أن يرد على قائله وينكر هذا الأمر عليه.
ومن أجل ذلك لم يجد الجويني -إمام الحرمين- جواباً حين سأله الهمداني محتجاً عليه بها، فقد ذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس الاستاذ أبا المعالي الجويني المعروف بإمام الحرمين، وهو يتكلم في نفي صفة العلو ويقول: "كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان". فقال الشيخ أبو جعفر: "يا أستاذ دعنا من ذكر العرش -يعني لأن ذلك إنما جاء في السمع- أخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا، فإنه ما قال عارف قط: يا الله، إلا وجد من قلبه ضرورة تطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف تدفع هذه الضرورة عن قلوبنا؟
قال: فلطم أبو المعالي على رأسه، وقال: حيرني الهمداني، حيرني الهمداني" [مجموع الفتاوى (4/44، 61) ، وشرح العقيدة الطحاوية (ص325-326) ]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "علو الخالق على المخلوق وأنه فوق العالم، أمر مستقر في فطر العباد، معلوم لهم بالضرورة، كما اتفق عليه جميع الأمم، إقراراً بذلك، وتصديقاً من غير أن يتواطؤا على ذلك ويتشاعروا، وهم يخبرون عن أنفسهم أنهم يجدون التصديق بذلك في فطرهم.
وكذلك هم عندما يضطرون إلى قصد الله وإرادته، مثل قصده عند الدعاء والمسألة، يضطرون إلى توجه قلوبهم إلى العلو، فكما أنهم مضطرون إلى أن يوجهوا قلوبهم إلى العلو إليه، لا يجدون في قلوبهم توجهاً إلى جهة أخرى، ولا استواء الجهات كلها عندها وخلو القلب عن قصد جهة من الجهات بل يجدون قلوبهم مضطرة إلى أن تقصد جهة علوهم دون غيرها من الجهات.
فهذا يتضمن بيان اضطرارهم إلى قصده في العلو وتوجههم عند دعائه إلى العلو، كما يتضمن فطرتهم على الإقرار بأنه في العلو والتصديق بذلك" [ انظر درء تعارض العقل والنقل (7/5) بتصرف ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة والستون في موضوع العلي
وستكون بعنوان :*أقوال الأئمة الأربعة :
*ورد عن الإمام أبي حنيفةمن طرق تكفير من نفى أن الله في السماء ، قال : لأن الله تعالى يقول : ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ وعرشه فوق سمواته ]كتاب العرش ، ص70-71) [توفي 150هـ(
*وثبت عن مالك"أن الله في السماء وعلمه في كل مكان" ]أخرجه أبو داوود [
*وعن الإمام الشافعي :"وأن الله فوق عرشه في سمائه"إثبات صفة العلو لابن قدامة
*وأما أحمد بن حنبل :له كتاب"الرد على الجهمية" الذي بيّن فيه معتقده...
إبطال قول أهل التأويل في الاستواء :
وأما من أوّل صفة الاستواء فهم طائفتان : طائفة تقول معناها الاستيلاء فإن "استوى"معناه عندهم استولى
بزيادة اللام.وهو قول الجهم بن صفوان والجهم قد أخذه عن الجعد بن درهم عن أبان بن سمعان عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم عن خاله لبيد. (ولبيد هو اليهودي الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم ..)
وقد صرح جمع من علماء اللغة بأنه مخالف لما تعرفه العرب في كلامها حتى قال ابن الأعرابي) توفي 231 (– النحوي المشهور– لمن قال له ذلك : "ويحك ! إن الاستيلاء لا يكون إلا بعد المغالبة ، والله لا يغالبه أحد"
ثم إنهم لم يجدوا ما يؤيدون به هذا التأويل من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا من قول العرب الفصحاء إلا بيتًا منحولا على الأخطل النصراني – شاعر العصر الأموي – وهو قوله : قد استوى بشر على العراق
وقد أنكر العلماء نسبة هذا البيت إلى الأخطل.
*ومن الأول ما جاء في لامية ابن تيمية رحمه الله :
قُبْحًا لِمَنْ نَبَذَ الْقُرْآنَ وَرَاءَهُ ** وَإِذَا اسْتَدَلَّ يَقُولُ قَالَ الأَخْطَلُ.
خلاصة قواعد أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات :
1ـ الإثبات :أي إثبات كل ما جاء في الكتاب والسنة. ودليه ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير﴾.
2ـ التنزيه :أي تنزيه الخالق الكامل عن مماثلة المخلوق الناقص ودليله ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾﴿فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ﴾﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد﴾
3ـ المعاني معلومة ونؤمن أن لله كيفية تليق بجلاله وعظمته لكن هذه الكيفية لا نعلمها والسؤال عنها بدعة
ودليله ﴿ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾.
*وإذا أشكل علينا شيء نقول بقول الشافعي) توفي 204ه}(أمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله.
ولاريب أن من أعظم أسباب زيادة الإيمان العلم بالله وأسمائه وصفاته ولا ريب أنه قد تبين أن كلّ ما يُثَارُ حَول هذا المُعتقد الصّافي من الشُّبُهات والإشكالات لا يُعكِّر حُسنَهُ، ولا يُذهِبُ جَمَالهُ. فلابد أن نتبع سبيل الحق ولا يضرّنا قلّة السالكين.
لأن الحقُّ أبلجٌ لا تَزيغ سبيلهُ والحَقّ يَعرفهُ ذَوُو الأَلبابِ
أبو عبد المهيمن سمير البليدي ; [الأنترنت – موقع الآجري - صفة العلو لله]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة والستون في موضوع العلي
وستكون بعنوان :
*كلام ابن خزيمة فيمن أنكر علو الله عز وجل
قال الدكتور ناصر العقل : قال الحاكم : سمعت أبا جعفر محمد بن صالح بن هانئ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: من لم يقل بأن الله عز وجل على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته، فهو كافر بربه، حلال الدم، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وألقي على بعض المزابل حتى لا يتأذى المسلمون ولا المعاهدون بنتن رائحة جيفته، وكان ماله فيئاً لا يرثه أحد من المسلمين، إذ المسلم لا يرث الكافر، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) رواه البخاري].
في مثل كلام ابن خزيمة رحمه الله نجد أن السلف أحياناً يلجئون إلى مثل هذه الأساليب القوية الرادعة، لكن ذلك عندهم على شروط وضوابط، يعني: هذا الكلام قد يقول بعض الناس: إنه كلام فيه قوة وفيه قسوة، لكن الصحيح أنه مقتضى الضرورة والحال في ذلك الوقت؛ ففي عهد ابن خزيمة رحمه الله ظهرت بعض نبتات الجهمية والمعتزلة وقويت، ثم إنه كان في وقته بداية ميل للمتكلمين إلى أصول الجهمية؛ فمتكلمة الأشاعرة والماتريدية في عهد ابن خزيمة بدأت مناهجهم تميل إلى مسالك الجهمية والمعتزلة في صفات الله عز وجل، فاضطر إلى مثل هذه العبارات القوية؛ لأن فيها حماية لعقائد الأمة، لاسيما وهو إمام من الأئمة الكبار، فإذا صدر عنهم مثل هذا الكلام -وهم ممن تعتد الأمة بإمامتهم وتعتبرهم قدوة كـ ابن خزيمة في وقته فإنه كان يعتبر إمام المسلمين-، فإن صدور مثل هذا الكلام يعتبر بمثابة البيان الرادع القوي الذي يخوف به أهل الأهواء والبدع، ثم إنه يبين لأهل الغيرة من أهل الحل والعقد أن الأمر يحتاج إلى إجراء يحمي عقيدة الأمة، ثم إنه أيضاً يحصن العوام وأمثال العوام من عقائد الجهمية والمعتزلة ومن سلك سبيلهم بمثل هذه الكلمات القوية الرادعة.
ولذلك يصدر هذا الكلام عن إمام لكن لا يمكن أن يصدر مثله عن طويلب علم مبتدئ؛ لأن هذا في الغالب يكون فيه تجاوز للحد من قبل من لم يكن له إمامة في الدين، ولذلك نجد أن الأمة في القرون الثلاثة الفاضلة كانت تمثل مثل هذه الأقوال القوية للسلف في حق رءوس الأهواء وكبارهم، فمثلاً: لما استفحل أمر معبد الجهني في القدر وقفت منه الأمة موقفاً حازماً بولاتها وعلمائها وعوامها، ثم لما ورث غيلان هذه البدعة القدرية وصار يدعو إليها علناً قسا معه السلف قسوة أدت إلى قتله لكف شره، مع أنهم لم يقولوا بكفره، لكن حكموا عليه بمثل حكم ابن خزيمة هنا، فصار حكمهم من أقوى المحصنات للأمة الرادعة لأهل الأهواء من ناحية والحامية لعامة المسلمين من العوام وطلاب العلم من ناحية أخرى؛ لأن الناس إذا سمعوا مثل هذا الكلام عن الأئمة عرفوا أن الأمر شنيع؛ فإذا قيل: إن غيلان قتل من أجل بدعته لا يجرؤ عامي ولا طالب علم أن يفكر باستساغة هذه البدعة مرة أخرى.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة والستون في موضوع العلي
وستكون بعنوان :
*رد الشيخ ابن باز على من نسب الى السلف أن ظاهر آيات الصفات غير مراد ، وأن طريقة المؤولة صحيحة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اطلعت على ما نشر في صحيفة الشرق الأوسط في عددها (3383) الصادر في 3/4/1408هـ بقلم الدكتور محيي الدين الصافي بعنوان (من أجل أن نكون أقوى أمة). وقد لفت نظري ما ذكره عن اختلاف السلف والخلف في بعض صفات الله وهذا نص كلامه:
وردت في القرآن الكريم آيات تصف الله تعالى ببعض صفات المخلوقين، من مثل قوله تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ[ سورة الفتح الآية 10.].،كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ[ سورة القصص الآية 88.]، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[] سورة طه الآية 5.]، وللعلماء في فهم هذه الآيات طريقتان: الأولى طريقة السلف، وهي: أن نثبت لله تعالى ما أثبت لنفسه، ولكن من غير تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل واضعين نصب أعينهم عدم تعطيل الذات الإلهية عن الصفات، مع جزمهم بأن ظاهر هذه الآيات غير مراد، وأن الأصل تنزيه الله تعالى عن كل ما يماثل المخلوقين لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ سورة الشورى الآية 11.]
أما طريقة الخلف، فهي: تأويل هذه الكلمات وصرفها
عن ظاهرها إلى المعنى، فتكون اليد بمعنى القدرة، والوجه بمعنى الذات، والاستواء بمعنى الاستيلاء والسيطرة ونفوذ الأمر؛ لأنه قام الدليل اليقيني على أن الله ليس بجسم ولقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ سورة الشورى الآية 11. ] وكل من الطريقتين صحيحة، مذكورة في الكتب المعتمدة للعلماء الأعلام. إلخ.
وقد أخطأ -عفا الله عنا وعنه- في نسبته للسلف جزمهم بأن ظاهر هذه الآيات غير مراد، فالسلف رحمهم الله، ومن سار على نهجهم إلى يومنا هذا، يثبتون لله ما أثبته لنفسه من صفات الكمال، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ويعتقدون حقيقتها اللائقة بجلاله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا تأويل لها
عن ظاهرها ولا تفويض.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة الفتوى الحموية ما نصه: روى أبو بكر البيهقي في الأسماء والصفات بإسناد صحيح عن الأوزاعي قال: كنا -والتابعون متوافرون- نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من الصفات، فقد حكى الأوزاعي وهو أحد الأئمة الأربعة في عصر تابعي التابعين الذين هم: مالك إمام أهل الحجاز، والأوزاعي إمام أهل الشام، والليث إمام أهل مصر، والثوري إمام أهل العراق، حكى شهرة القول في زمن التابعين بالإيمان بأن الله تعالى فوق العرش، وبصفاته السمعية، وإنما قال الأوزاعي هذا بعد ظهور مذهب جهم المنكر لكون الله فوق عرشه، والنافي لصفاته ليعرف الناس
أن مذهب السلف كان يخالف هذا.
وروى أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن الأوزاعي قال: سئل مكحول والزهري عن تفسير الأحاديث فقالا: أمرُّوها كما جاءت. وروي أيضا عن الوليد بن مسلم قال: سألت مالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي عن الأخبار التي جاءت في الصفات فقالوا: أمروها كما جاءت، وفي رواية قالوا: أمروها كما جاءت بلا تكييف، وقولهم رضي الله عنهم: أمروها كما جاءت رد على المعطلة، وقولهم: بلا كيف رد على الممثلة.
والزهري ومكحول هما أعلم التابعين في زمانهما، والأربعة الباقون أئمة الدنيا في عصر تابعي التابعين ومن طبقاتهم حماد بن زيد، وحماد ابن سلمة وأمثالهما" إلى أن قال رحمه الله (وروى الخلال بإسناد كلهم أئمة ثقات عن سفيان بن عيينة، قال: سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كيف استوى قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ المبين، وعلينا التصديق". وهذا الكلام مروي عن مالك بن أنس تلميذ ربيعة بن أبي عبد الرحمن من غير وجه (ومنها) ما رواه الشيخ الأصبهاني وأبو بكر البيهقي عن يحيى ابن يحيى قال: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال يا أبا عبد الله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وما أراك إلا مبتدعا" فأمر به أن يخرج.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السبعون في موضوع العلي
وستكون إستكمالا للماضية زالتي هي بعنوان :
*رد الشيخ ابن باز على من نسب الى السلف أن ظاهر آيات الصفات غير مراد
ثم قال الشيخ : فقول ربيعة ومالك: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، موافق لقول الباقين: أمروها كما جاءت بلا كيف، فإنما نفوا علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: الاستواء غيرمجهول، والكيف غير معقول.
ولما قالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً بل يكون مجهولاً بمنزلة حروف المعجم، وأيضاً فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذ لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات.
وأيضاً فإن من ينفي الصفات الخبرية أو الصفات مطلقاً لا يحتاج إلى أن يقول: بلا كيف، فمن قال: أن الله ليس على العرش لا يحتاج أن يقول: بلا كيف، فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا: بلا كيف، وأيضا فقولهم: أمروها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظ دالة على معاني، فلو كانت دلالتها منفية لكان الواجب أن يقال أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة وحينئذ تكون قد أمرت كما جاءت ولا يقال حينئذ بلا كيف أو نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول)
فهذا هو مذهب السلف في هذه المسألة وهو واضح في أنهم يثبتون لله سبحانه ما أثبته لنفسه في كتابه من صفات الكمال، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه، وأن ما تدل عليه الآيات والأحاديث الصحيحة مراد ومفهوم، ولكنهم لا يؤولونها ولا يكيفونها بل يكلون علم الكيفية لله سبحانه، ويعتقدون تنزيه الله سبحانه عن مماثلة المخلوقين. كما قال تعالى:لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ سورة الشورى الآية 11.]
وكما قال عز وجل: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ . فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[ سورة النحل الآية 74.]
أما قوله: "أما طريقة الخلف فهي تأويل هذه الكلمات وصرفها عن ظاهرها" إلى قوله: "وكل من الطريقتين صحيحة مذكورة في الكتب المعتمدة للعلماء الأعلام ا هـ.
أقول: هذا خطأ عظيم فليست كلتا الطريقتين صحيحة،
بل الصواب أن طريقة السلف هي الصحيحة وهي الواجبة الاتباع؛ لأنها عمل بالكتاب والسنة، وتمسك بما درج عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان من التابعين ومن تبعهم من الأئمة الأعلام، وفيها تنزيه الله سبحانه وتعالى عن صفات النقص بإثبات صفات الكمال وتنزيه الله سبحانه عن صفات الجمادات والناقصات والمعدومات، وهذا هو الحق، أما تأويلها على ما يقول علماء الخلف من أصحاب الكلام فهو خلاف الحق، وهو تحكيم للعقل الناقص، وقول على الله بلا علم، وفيه تعطيل الله جل وعلا من صفات الكمال، فهم فروا من التشبيه المتوهم في أذهانهم ووقعوا في التعطيل الذي هو في الحقيقة تشبيه لله سبحانه بالجمادات والمعدومات والناقصات كما تقدم، وتجريد له سبحانه من صفات الكمال التي وصف بها نفسه، أو وصفه بها رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام، ونص عليها سبحانه في كتابه الكريم، وتمدح بها إلى عباده، وأرسل بها أفضل رسله وخاتم أنبيائه وفطر عليها الخلق.
ولو أن هؤلاء المتكلمين المتأولين ساروا على مذهب السلف الصالح، وأثبتوا لله صفات الكمال على الوجه
اللائق بالله سبحانه، واكتفوا بنفي التكييف والتمثيل لأصابوا الحق، وفازوا بالسلامة من مخالفة الرسل،
وتحكيم العقول التي لم تحط به علما.
والخلاصة: أن مذهب السلف هو الحق الذي يجب إتباعه والقول به، وأما ما ذهب إليه بعض علماء الخلف من تأويل نصوص صفات الله جل وعلا فهو باطل مخالف لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليه سلف الأمة.... الخ
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الواحدة والسبعون في موضوع العلي
وستكون بعنوان : *قال تعالى (وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ)
قال تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3]
فيها أثبات اسم (الأول- والآخر- والظاهر- والباطن) وأفضل ما قيل في معناه ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ»
قال ابن القيم رحمه الله (مدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة وهي إحاطتان زمانية ومكانية, فإحاطة أوليته وآخريته بالقبل والبعد, فكل سابق انتهى إلى أوليته, وكل آخر انتهى إلى آخريته, فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر, وأحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن, فما من ظاهر إلا والله فوقه وما من باطن إلا والله ودونه, وما من أول إلا والله قبله, وما من آخر إلا والله بعده, فالأول قدمه, والآخر دوامه وبقاؤه, والظاهر علوه وعظمته, والباطن قربه ودنوه, فسبق كل شيء بأوليته, وبقي بعد كل شيء بآخريته, وعلا على كل شيء بظهوره, ودنا من كل شيء ببطونه, فلا توارى منه سماء سماء ولا أرض أرضا, ولا يحجب عنه ظاهر باطنا بل الباطن له ظاهر, والغيب عنده شهادة, والبعيد منه قريب,
والسر عنده علانية.
فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركان التوحيد فهو
الأول في آخريته والآخر في أوليته والظاهر في بطونه والباطن في ظهوره لم يزل أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
والتعبد بهذه الأسماء رتبتان :
الرتبة الأولى:
أن تشهد الأولية منه تعالى في كل شيء.
والآخرية بعد كل شيء.
والعلو والفوقية فوق كل شيء.
والقرب والدنو دون كل شيء.
فالمخلوق يحجبه مثله عما هو دونه, فيصير الحاجب بينه وبين المحجوب, والرب جل جلاله ليس دونه شيء أقرب إلى الخلق منه.
والرتبة الثانية: من التعبد أن يعامل كل اسم بمقتضاه.
وأَما عبوديته باسمه الظاهر فكما فسره النبي صلى الله عليه وسلم
بقوله: "وأَنتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيء".
فإِذا تحقق العبد علوه المطلق على كل شيء بذاته، وأَنه ليس فوقه شيء البتة، وأَنه قاهر فوق عباده يدبر الأَمر من السماءِ إِلى الأَرض ثم يعرج إِليه {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطّيّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، صار لقلبه أَملاً يقصده، ورباً يعبده، وإِلهاً يتوجه إِليه...فالتعبد باسمه الظاهر يجمع القلب على المعبود، ويجعل له رباً يقصده وصمداً يصمد إِليه في حوائجه وملجأً يلجأُ إِليه فإِذا استقر ذلك في قلبه وعرف ربه باسمه الظاهر استقامت له عبوديته وصار له معقل وموئل يلجأُ إِليه ويهرب إِليه ويفر كل وقت إِليه.
وأَما التعبد باسمه الباطن، فإِذا شهدت إِحاطته بالعوالم
وقرب العبيد منه وظهور البواطن له وبدوِّ السرائر له وأَنه لا شيء بينه وبينها فعامله بمقتضى هذا الشهود، وطهر له سريرتك فإِنها عنده علانية, وأَصلح له غيبك فإِنه عنده شهادة وزكِّ له باطنك فإِنه عنده ظاهر.
فانظر كيف كانت هذه الأَسماءُ الأَربعة جماع المعرفة بالله، وجماع العبودية له)
الأنترنت – موقع العقيدة والحياة د أحمد القاضي
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية والسبعون في موضوع العلي
وستكون بعنوان : *أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ
قال ابن قدامة وقوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ }.
الشرح:"العلو" من صفات الله الثابتة له بالكتاب
والسنة وإجماع السلف
الآية {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } فيها إثبات العلو، وأن الله تعالى في العلو؛ لأن السماء يراد به العلو، وكل شيء سماك فهو سماء، وتطلق السماء على الطباق المبنية أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ فإذا أريد بالسماء العلو تكون "في" للظرفية، وإذا أُريدَ به السبع الطباق المبنية تكون في بمعنى "على": أأمنتم مَنْ على السماء.
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا
فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ وفي الحديث: ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمه وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ففي هذا إثبات العلو، وأن الله -تعالى-
في العلو، وله سبحانه أعلى العلو،وهو ما فوق العرش.
قال الله -تعالى-: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ،وهذه الآية -أيضًا- فيها إثبات العلو وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ وقوله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ كل هذه النصوص فيها إثبات "العلو" نعم.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في صلاته في السجود: سبحان ربي الأعلى رواه مسلم من حديث حذيفة
نعم،وهذا فيه إثبات العلو: "سبحان ربِّيَ الأعلى" نعم.
وأجمع السلف على إثبات العلو لله، فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
نعم، هذا أجمع عليه أهل السنة والجماعة والمُعطِّلة لا
عبرة بخلافهم، فإنهم مسبوقون بإجماع الصحابة والتابعين والأئمة على أن الله في "العلو"، أجمعوا على أن الله فوق خلقه، وأنه مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه -سبحانه وتعالى- فوق السماوات، مستوٍ على العرش، بائن من خلقه، نعم.
وهو عُلو حقيقي يليق بالله، وينقسم إلى قسمين:
علو الصفة، بمعنى أن صفاته -تعالى- عليا، ليس فيها نقص بوجه من الوجوه، ودليله ما سبق.
وعلو ذات، بمعنى أن ذاته -تعالى- فوق جميع مخلوقاته،
العلو ينقسم إلى ثلاثة أقسام: علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر[الأنترنت – موقع عبد العزيز الراجحي - إثبات العلو لله تعالى]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة والسبعون في موضوع العلي
وستكون بعنوان :
* اسماء ائمة الدين والعلماء الذين اثبتوا علو الذات للعلي الغفار
#أقوال الصحابة في أن الله مستو على عرشه فوق السماء
ومن المأثور عن الصحابة رضي الله عنهم في إثبات العلو لله تعالى، لقيت امرأة عمر رضي الله عنه يقال لها: خولة بنت ثعلبة، وهو يسير مع الناس فاستوقفته فوقف لها، ودنا منها، وأصغى إليها رأسه، حتى قضت حاجتها وانصرفت، فقال له رجل: ياأمير المؤمنين حبست رجالات قريش على هذه العجوز. قال: "ويحك وتدري من هذه؟ قال: لا. قال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ماانصرفت عنها حتى تقضي حاجتها إلا أن تحضر صلاة فأصليها ثم أرجع إليها حتى تقضي حاجتها"
وعن ابن عمر قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر رضي الله عنه: أيها الناس إن كان محمد إلهكم الذي تعبدونه فإن إلهكم قد مات، وإن كان إلهكم الله الذي في السماء فإن إلهكم لم يمت، ثم تلا { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} حتى ختم الآية.
وقال البخاري في تاريخه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل أبو بكر رضي الله عنه عليه فأكب عليه وقبل جبهته وقال " بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا "، وقال: " من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات. ومن كان يعبد الله فإن الله في السماء حي لا يموت ".
ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد والبخاري والترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: كانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: "زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعائشة رضي الله عنها: "كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إلا طيبا وأنزل الله
براءتك من فوق سبع سموات جاء بها الروح الأمين"
ومن ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "الله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم" إسناده صحيح.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " ما بين السماء السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام وبين كل سماء مسيرة خمسمائة عام وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي وبين الماء خمسمائة عام، والعرش على الماء والله تعالى فوق العرش، وهو يعلم
ما أنتم علية" إسناده صحيح،
ومن ذلك ما رواه إسحاق بن راهويه، عن عكرمة في قوله تعالى مخبرا عن إبليس أنه قال: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (17) سورة الأعراف , قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم يستطع أن يقول من فوقهم علم أن الله من فوقهم.
ومن ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: " من قال سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر تلقاهن ملك فعرج بهن إلى الله فلا يمر بملأ من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يجيء بهن وجه الرحمن" قال ابن القيم في كتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية" أخرجه العسال في كتاب "المعرفة" بإسناد كلهم ثقات.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة والسبعون في موضوع العلي
وستكون بعنوان :
*بيان أقوال العلماء في كفر من أنكر " أن الله في السماء".
عباد بن العوام (ت 183هـ) قال: "كلمت بشراً المريسي وأصحابه، فرأيت آخر كلامهم ينتهي إلى أن يقولوا: ليس في السماء شيء. أرى أن لا يناكحوا، ولا يوارثوا".
عبدالرحمن بن مهدي (ت 198هـ) قال: "إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن الله كلم موسي، وأن يكون علي العرش، أري أن يستتابوا، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم".
الشافعي (ت 204هـ) قال: "لله أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيّه صلى الله عليه وسلم أُمّته، لا يَسَع أحدًا قامت عليه الحجة رَدّها، لأن القرآن نزل بها، وصَحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القول بها، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه؛ فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة فمعذور بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يُدرَكُ بالعقل، ولا بالروية والفِكر، ولا نُكَفِّر بالجهل بها أحدًا إِلا بعد انتهاء الخبر إِليه بها".
وهب بن جرير (ت 206هـ) قال: "إياكم ورأي جهم، فإنهم يحاولون أنه ليس شيء في السماء، وما هو إلا من وحي إبليس، ما هو إلا الكفر".
خشيش بن أصرم (ت 253هـ) قال: "من كفر بآية من كتاب الله فقد كفر به أجمع، ومن أنكر العرش فقد كفر به أجمع، ومن أنكر العرش فقد كفر بالله، وجاءت الآثار بأن لله عرشاً، وأنه على عرشه. وأنكر جهم أن يكون الله في السماء دون الأرض، وقد دل في كتابه أنه في السماء دون الأرض".
المزني (ت 264هـ) قال: "لا يصح لأحد توحيد حتي يعلم أن الله علي العرش بصفاته".
الدارمي (ت280هـ) قال في تعليقه علي حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه: ففيه دليل علي أن من لم يعلم أن الله عز وجل في السماء، فليس بمؤمن، ألا تري أن رسول الله r حكم بإيمان الجارية لما أقرت أن الله في السماء، وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية".
محمد بن مصعب العابد (ت 288هـ) قال: "من زعم أنك لا تتكلم ولا تري في الآخرة، فهو كافر بوجهك، أشهد أنك فوق العرش، فوق سبع سماوات، ليس كما تقول أعداء الله الزنادقة".
نعيم بن حماد الخزاعي (ت 288هـ) قال: "من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف به نفسه ولا رسوله تشبيهاً".
ابن خزيمة (ت 311هـ) قال: "من لم يقر بأن الله تعالي علي عرشه قد استوي فوق سماواته، فهو كافر بربه، يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وألقي علي بعض المزابل حيث لا يتأذي المسلمون والمعاهدون بنتن ريح جيفته، وكان ماله فئياً لا يرثه أحد من المسلمين إذ المسلم لا يرث الكافر كما قال r".
أبو العباس السراج (ت 313هـ) قال: "من لم يقر ويؤمن بأن الله تعالى يعجب ويضحك وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول من يسألني فأعطيه، فهو زنديق كافر يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ولا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين".
[الأنترنت – موقع الشيخ عماد فراج - إجماع العلماء على كفر من قال: إن الله ليس في السماء]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة والسبعون في موضوع العلي
وستكون بعنوان :* صفة المعية للّه تعالى:
المبحث الأول: مقدمة في المعـية:
طريقة العلماء هي الكلام على مسألة العلو ثم مسألة المعية فإذا ذكروا صفة "العلو" أتبعوها بصفة "المعية" حتى لا يتبادر إلى الذهن أن علوه سبحانه ينافي معيته، أو يستلزم غيبته عن الخلائق، بل هو علي على العباد، وفي الوقت نفسه محيط بهم، كما قال تعالى: (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين).
وممن سلك هذا المسلك الطحاوي في "عقيدته" حيث قال: "محيط بكل شيء وفوقه"، وكذلك شيخ الاسلام في "الواسطية"، والعلامة ابن عثيمين وغيرهم، فرحمهم الله جميعاً ورفع درجتهم.
المبحث الثاني: أقسـام المعـية:
تأتي "مع" في "لغة العرب" ويكون لها معنى على حسب السياق.
قال شيخ الاسلام كما في "مجموع الفتاوى"
(5/103): (ثم هذه المعية تختلف أحكامها بحسب الموارد ....).
وقال رحمه الله (5/104): (فلفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع يقتضى في كل موضع أموراً لا يقتضيها في الموضع الآخر، فإما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع، أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها، وإن امتاز كل موضع بخاصية فعلى التقديرين ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب عز و جل مختلطة بالخلق حتى يقال قد صرفت عن ظاهرها) أ.هـ
وعلى هذا فالمعية نوعان:
أ- معية عامة:
وهذه تعم جميع الخلائق، وهذه المعية تقتضي إحاطته
بجميع الخلق، وهي بمعنى "العلم والإحاطة" كما في قوله تعالى: (وهو معكم أينما كنتم).
ونحن نؤمن بهذه المعية، أي: بأنه تعالى مع خلقه، وهو على عرشه وهذه المعية تعني لنا أنه تعالى يعلم أحوالهم،
ويسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم، ويدبر أمورهم بأن يرزق الفقير، ويجبر الكسير، يؤتي الملك من يشاء من الناس،
وينـزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
وقد ذهب بعض أفاضل العلماء المعاصرين إلى أن معية الله لا تقتضي العلم فقط، بل تقتضي ما هو أوسع من ذلك كتدبير الخلائق والإحاطة بهم من كل جهة، والقدرة عليهم، وقد سبقه إلى ذلك ابن كثير في "تفسيره" عند آية المجادلة، وهذا رأي وجيه، ولكن السلف يخصون المعية بالعلم فقط كما هو معلوم عنهم، بل نقل الإجماع على ذلك ابن عبد البر حيث قال: (وقال أبو عمر أيضاً: أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل في تأويل قوله: "ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم" هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله)، وقد نقله عنه شيخ الاسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (5/193).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة والسبعون في موضوع العلي
وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
* صفة المعية للّه تعالى:
وتخصيص "المعية" بالعلم لا يستلزم نفي سائر معاني الربوبية، بل هذه المعية مشتملة على جميع معاني الربوبية، وقد قال شيخ الاسلام في "الحموية" كما في "مجموع الفتاوى"(5/102): (ثم هذه المعية تختلف أحكامها بحسب الموارد فلما قال: "يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها" إلى قوله: "وهو معكم أينما كنتم" دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع عليكم، شهيد عليكم، ومهيمن عالم بكم، وهذا معنى قول السلف إنه معهم بعلمه).
ب- معية خاصة:
وهذه المعية هي معيته لأشخاص دون غيرهم، فهي
خاصة بأنبياء الله وأولياءه، وهي تقتضي "النصر والتأييد" مع سعة اطلاعه وإحاطته، وهي على قسمين:
الأول: معية لوصف:كقوله تعالى: (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)، وقوله: (إن الله مع الصابرين).
الثاني: معية لشخص: كما في قوله تعالى لموسى وهارون: (إنني معكما أسمع وأرى) وقوله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر: (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا).
المبحث الثالث: الفرق بين المعيتين:
والفرق بين المعيتين هو أن المعية العامة صفة ذاتية لا تنفك عن الرب تعالى، وأما المعية الخاصة فهي من الصفات الفعلية التي يتصف بها متى شاء، فيكون بهذه المعية مؤيداً ونصيراً لعباده المؤمنين، ولا شك أنها تختلف من مؤمن إلى آخر، لأن سببها هو الإيمان وهو يتفاوت من شخص إلى شخص آخر، والمعية على المعنيين لا تستلزم شيئاً من المخالطة والامتزاج، وقد تقدم توضيح هذه المسألة.
المبحث الرابع: أقسام الناس في الجمع بين "الاستواء" و "المعية":
قال شيخ الاسلام كما في "الفتاوى"(5/227-231): (وقد افترق الناس في هذا المقام أربع فرق:
"فالجهمية": النفاة الذين يقولون: ليس داخل العالم ولا خارج العالم، ولا فوق ولا تحت، لا يقولون بعلوه ولا بفوقيته ...
وجميع أهل البدع قد يتمسكون بنصوص، كالخوارج والشيعة والقدرية والرافضة والمرجئة وغيرهم، إلا الجهمية فإنهم ليس معهم عن الأنبياء كلمة واحدة توافق ما يقولونه من النفي.
و"قسم ثان" يقولون: إنه بذاته في كل مكان كما يقوله النجارية، وكثير من الجهمية عبادهم وصوفيتهم وعوامهم، يقولون: أنه عين وجود المخلوقات، كما يقوله أهل الوحدة القائلون: بأن الوجود واحد، ... وهم يحتجون بنصوص "المعية" و"القرب" ويتأولون نصوص العلو والاستواء، وكل نص يحتجون به حجة عليهم، فإن المعية أكثرها خاصة بأنبيائه وأوليائه وعندهم أنه في كل مكان.
و"القسم الثالث": من يقول: هو فوق العرش وهو في
كل مكان، ويقول: أنا أقر بهذه النصوص وهذه، لا أصرف واحداً منها عن ظاهره، وهذا قول طوائف ذكرهم الأشعري في "المقالات الإسلامية" وهو موجود في كلام طائفة من السالمية والصوفية.
وأما "القسم الرابع": فهم سلف الأمة وأئمتها أئمة العلم والدين، من شيوخ العلم والعبادة، فإنهم اثبتوا وآمنوا بجميع ما جاء به الكتاب والسنة كله، من غير تحريف للكلم، أثبتوا أن الله تعالى فوق سمواته، وأنه على عرشه بائن من خلقه، وهم منه بائنون وهو أيضاً مع العباد عموماً بعلمه ومع أنبيائه وأوليائه بالنصر والتأييد والكفاية) أ.هـ مختصراً. [الأنترنت – موقع منتدى التوحيد - الله فوق السماء وليـس في كـل مـكان - كتبه: أبو عمار علي الحذيفي ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة والسبعون في موضوع العلي
وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
* صفة المعية للّه تعالى:
وإثبات معية الله مع خلقه وقربه من عباده لا يتعارض ما تقدم من علوه على خلقه وما تقرر أيضا من أنه مع خلقه قريب مجيب ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحديد : 4] ولكن يجب أن نفهم هذه المعية حسب ما فهمها السابقون من أئمة العلم والدين . وسياق الآية وسباقها يدلان على أن معيته مع خلقه معية العلم ، فهو معهم بسمعه وبصره وعلمه وقدرته لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، اقرأ الآية السابقة من أولها : ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الحديد : 4] . ففي أول الآية أثبت الله استواءه على العرش بعد خلق السموات والأرض ثم في وسطها أثبت إحاطة علمه بالمخلوقات وأثبت معيته معهم ثم بين نوع المعية بقوله : ﴿والله بما تعملون بصير﴾ .
ومثل هذا ما ورد من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول :"اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل" فهو سبحانه مع المسافر في سفره ومع أهله في وطنه ولا يلزم من ذلك أن تكون ذاته مختلطة بذواتهم، كما قال :﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح : 29] أي معه على الإيمان ، لا أن ذاتهم في ذاته بل هم مصاحبون له . وقوله :﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء :146] يدل على موافقتهم في الإيمان وموالاتهم ، وكذلك قوله :﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة : 119] ﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة : 43] . فالله تعالى عالم بعباده وهو معهم أينما كانوا ، وعلمه بهم من لوازم المعية .
وكل النصوص التي تدل على المعية لا تخلو من هذا البيان بوجه ولذلك لما سئل الإمام علي بن المديني – شيخه الإمام البخاري – رحمه الله :
ما قول أهل الجماعة ؟ قال : يؤمنون بالرؤية – يعني رؤية الله لأهل الجنة – والكلام – يعني إثبات أن القرآن كلام الله – قال: وأن الله فوق السموات على العرش استوى . فسئل عن قوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ فقال : اقرأ ما قبلها: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ واقرأ في آخرها : ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[المجادلة: 7] .
والله سبحانه مع أنبيائه وأوليائه بالتوفيق والنصر والتأييد كما قال تعالى لموسى وهارون : ﴿إنني معكما أسمع وأرى﴾ [طه : 46] وقال سبحانه : ﴿إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون﴾ [النحل : 128] وقال حكاية عن موسى عليه السلام : ﴿كلا إن معي ربي سيهدين﴾ [الشعراء : 62] وقال النبي ^ للصديق إذ هما في الغار: ﴿لا تحزن إن الله معنا﴾ [التوبة : ] . فهذه المعية أيضا لا تعني أن الله مختلط بذاته في ذوات الأنبياء والأولياء ولكنه معهم بنصره وتأييده وكفايته وحفظه
والعبد يكون في بعض أحواله أقرب إلى ربه من بعضها . يدل على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي:"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"ولذلك قال الله تعالى:﴿أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب﴾[الإسراء : 57 وإذا عرفت هذا علمت أنه ليس هناك أي تناقض بين إثبات العلو وإثبات المعية لأنه لا يمكن وجود التناقض بين نصوص الكتاب الكريم . وهذا وصف لجميع عقائد أهل السنة ليس فيها أي تناقض وإنما التناقض بين أقوال أهل البدع .[ الأنترنت – موقع الله- فريق عمل الموقع ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة والسبعون في موضوع العلي
وستكون بعنوان :
*هل الله في السماء أم في كل مكان؟
أجمع العلماء من أهل السنة، من الأئمة الأربعة وغيرهم، وكل من بقي من المسلمين على فطرته لم تلوثها بدع أهل الكلام المذموم، قبل أن يولد شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، على أن الله تعالى عال على خلقه، ولم يقل إنه في كل مكان إلا الرافضة الخبيثة، والجهمية الضالة.
وحتى الأشعرية فإنهم لايقولون إنه سبحانه في كل مكان، بل هم زعموا أنهم عندما ينفون علوه على خلقه، يريدون تنزيهه عن أن يحصره مكان، فكيف يحصرونه في الأمكنة كلها ؟! بل هم يقولون: الله ليس في العلو، ولا يشار إليه في جهة، ولا هو خارج العالم، كما أنه ليس داخله، كما أنه ليس متصلا بالعالم، ولاهومنفصل عنه، ولا هو في شيء من الجهات، ولا يشار إليه الإشارة الحسية، ولايقال أين هو.
وقالت الأشعرية: إن ما ورد من النصوص ظواهر ظنية لاتعارض اليقينيات التي عندهم هي الشبه العقلية المتهافتة التي ظنوها أدلة يقينية.
وهذا كله غلط مخالف لما أجمعت عليه الأمة قبل أن تحدث هذه البدع الكلامية التي ما أنزل الله بها من سلطان.
ونحن عندما نقول إن الله تعالى في العلو، فكما قال في كتابه في آيات كثيرة، وكما تواتر في السنة في نصوص كثيرة لاتحصى إلا بكلفة، وقد ذكر الإمام الذهبي أن ما ورد من الأدلة في ذلك يربو على الألف من النصوص، والواجب على المسلم أن يسلم لنصوص الوحي، ولايعارضها بعقله، كما قال تعالى {والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا}.
ولايلزم من إثبات علوه على خلقه، أنه محصور في مكان، أو أنه تحويه جهة، فالله تعالى خالق المكان وهو فوق كل خلقه، والجهة أمر نسبي ليس هو شيء محسوس مجسم، والله تعالى محيط بكل شيء، وأكبر من كل شيء.
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما عرج به إلى السماء، عرج به إلى ربه، وهناك سمع كلام ربه، حيث فرض الله تعالى عليه الصلاة، ولم يزل يتردد بين ربه جل في علاه، وموسى عليه السلام، كما في الصحيحين وغيرهما حتى خفف الله تعالى الصلاة من خمسين إلى خمس، ولما سئل صلى الله عليه وسلم، هل رأيت الله تعالى، قال نور أنى أراه، وقد رأى نور الحجاب، ومعلوم أن الله تعالى احتجب بحجاب النور عن خلقه، كما في صحيح مسلم " حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه ".
وهذا كله يقتضي إثبات علو الله تعالى على خلقه يقينا قاطعا لكل شك، إلا إن تركنا هذه النصوص وضربنا بمادلت عليه من معان عرض الحائط، وقدمنا عليها ما يسمى الادلة العقلية اليقينية ، وما هي إلا الشبه
كما قال الشاعر:
شبه تهافت كالزجاج ***** تخالهاحقا وكل كاسر مكسور
وهذا أي تقديم شبهات العقول على نصوص الوحي، ليس دين الإسلام، فدين الإسلام قائم على التسليم لنصوص الوحي، وعدم معارضتها بشيء.
ومعلوم أن أهل الجنة يرون ربهم عيانا، كما في القرآن ومتواتر الأحاديث، يرونه كما يرون الشمس ليس دونها سحاب، يرونه من فوقهم، يتجلى لهم فيرونه، فلايكون شيء من نعيم الجنة أحب إليهم من النظر إليه كما في الصحيح.
فليت شعري كيف يفهم هؤلاء المبتدعة الذين غلظ فهمهم، كيف يفهمون هذه الأحاديث، إذا كانوا لايثبتون علوه سبحانه على خلقه ؟!!
وأما قوله تعالى " فأينما تولوا فثم وجه الله " فالمعنى جهة الله تعالى التي أمر أن يستقبلها المصلي في الصلاة، والعرب تقول: أين وجهك، أي أين جهتك، فالوجه والجهة واحد، كمايقال وعد وعدة، ووزن وزنة، فهذه الأية نزلت في شأن القبلة، فليست هي من آيات الصفات أصلا، ثم إن الذين يقولون إن الله في كل مكان لايمكنهم أن يستدلوا بها، لانهم لايقولون إن الأماكن النجسة، والحشوش (المراحيض)، ونار جهنم، وقبور الكفار، مثلا، داخلة في قوله تعالى " أينما تولوا فثم وجه الله " تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، فلا بد لهم من أن يقروا أنها ليست من آيات الصفات.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة والسبعون في موضوع العلي
وستكون بعنوان :*شبهة المكان والجهة
لم يزل ديدن المبتدعة ومرضى التأويل إذا دعوا إلى الإيمان بصفة الله العلي وإثبات علوه على خلقه واستوائه على عرشه على الوجه الذي يليق بجلاله أن يقولوا أثبتم له الجهة والمكان ! وجوابنا عنهم بإيجاز :
1. إن لفظ الجهة والمكان لم يردا في الكتاب والسنة ولا في أقوال سلف الأمة بنفي ولا إثبات . فنحن نتحرج من إطلاق هذه الألفاظ على الله تعالى نفيا أو إثباتا .
2. وهذه ألفاظ مجملة قد يُقصد بها معان صحيحة أو معان باطلة . فنحتاج أن تبينوا لنا مقصودكم بالجهة والمكان . فإن قصدتم بالجهة جهة العلو قلنا لكم هي ثابتة لله . وإن أردتم بالمكان ما فوق العرش قلنا لكم هو أثبته لنفسه كذلك . وأما إن أردتم بهذين اللفظين ما سوى ذلك فهذا باطل ونحن لا نقول به إطلاقا .
3. إن لازم الحق حق ولا غضاضة في ذلك . فإنْ لزم من تصديق الله ورسوله إثبات الجهة والمكان فعقولكم ليست هي الحَكَم في المسألة وإنما الفيصل ما قاله الله ورسوله .
4. وهم ينزهون الله عن الجهة والمكان – وإن كانت الجهة جهة العلو والمكان فوق العرش – لأن الجهة والمكان يقتضيان عندهم التشبيه ، ثم هم يقولون إنه في كل مكان ! فأي تناقض أشد من هذا ؟ ومن أولى بوصف الضلال منهم لو كانوا يعلمون ؟.
قال الحافظ ابن قيم الجوزية رحمه الله في نونيته :
والله أكـــبر ظـاهر مــا فــوقـه * شيء وشأن الله أعظم شــان
والله أكبر عـرشه وسـع السما * والأرض والكرسي ذا الأركان
وكذلك الكرسي قد وسع الطبا * ق السبع والأرضين بالبرهـان
والله فوق العرش والكرسي لا * تخفى عليه خواطـر الإنسـان
لا تحصروه في مكـان إذ تقــــو * لوا : ربنا حقـا بكـل مكان
نزهتموه بـجهلكم عـن عرشه * وحـصرتمــــوه في مكـان ثان
[ الأنترنت – موقع الله - فريق عمل الموقع]
*وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ
يعيش الناس في هذه الأيام صورا متعددة من البؤس والكد والنكد ،وهم في حاجة إلى أن يروا من يعيش في سعادة وهناء ،فهو موصوف براحة النفس وانشراح الصدر وطمأنينة القلب وتيسير الأمر.
عاش رسول الله مثل هذه المعيشة الطيبة ،وحقق بالتوحيد سعادة العاجل والآجل ، فرسول الله محمد استشعر معية الله في كل حياته وحفظ الله في رخائه فحفظه الله في الشدائد ،وأي شدة أشد من هذا الموقف ،غار ضيق ،وأعداء خارجه يريدونه ويبحثون عنه ،لا ليسلموه أو ليثبتوه بل ليقتلوه ،وصاحب له في الغار يخاف عليه وفي حالة حزن عاتية ،وفي وسط كل هذه الظروف ووسط هذه الأهوال كانت المعية وتربيته لأصحابه عليها سبيل الحماية والثبات ،فقال لصاحبه قانون المعية العام لكل الناس {لا تحزن إن الله معنا} وتأمل معي بمشاعرك هذه الكلمات العابرة المعبرة ،يطمئنه أولا {لا تحزن} كمقدمة لقانون المعية فلا يصلح القانون مع من فقد قلبه لذة معية الله ،ذلك القلب الحزين دائما ،الشارد الذهن غالبا ،من كثرة همومه وزيادة قلقه وخوفه ،ثم ذكر قانون الثبات ،والحماية ،قانون صلاح الحال والنجاة من الكوارث والأهوال ،قانون رباط الجأش وثبات الفؤاد {إن الله معنا}.
إنه التوحيد العملي يا أخي ،توحيد في الشدة والرخاء دائما مع الله والله دائما معه ،{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}وساعة ما يدخل في القلب هذا الإيمان ،تهون المشاق ،وتنقلب المخاوف كلها إلى أمان ،ويهون كل صعب ،ويسهل كل عسير ،فتزول همومه وتنجلي أحزانه ،لأن الله معه فممن يخاف ؟
إنَّ مَنْ حَفِظَ حُدودَ الله ،وراعى حقوقه ،وجد الله معه في كُلِّ أحواله ،حيث توجَّه يَحُوطُهُ وينصرهُ ويحفَظه ويوفِّقُه ويُسدده فـ {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} قال قتادة : من يتق الله يكن معه ،ومن يكن الله معه ،فمعه الفئة التي لا تُغلب ،والحارس الذي لا ينام ،والهادي الذي لا يضل.
فحافظوا على هذه المعية ،وتعلموها لتلجئوا وتتوسلوا
بها إلى الله وقت الشدائد ،والله أكرم من سئل من كرمه لن يخذلك ،ولن يسلمك لأعدائك ،كما فعل مع الرسول.[ الأنترنت – موقع الله - فريق عمل الموقع ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثمانون في موضوع العلي وستكون
بعنوان :*
*هل يصح إطلاق القول بأن الله منزّه عن المكان والزمان ؟
السؤال:هل صحيح أننا يجب أن نؤمن بأن الله منزه عن المكان والزمان ؟
الجواب : الحمد لله ، أولا : إطلاق القول بأن الله
تعالى منزه عن المكان والزمان إطلاق لايصح لأمرين :
الأول : أنه إطلاق لم ترد به سنة ، ولا هو معروف في كلام السلف .
الثاني : أنه إطلاق يوهم معنى فاسدا ، وغالب من يقرر ذلك الكلام ، ويستعمله يريد به : نفي علو الله تعالى على خلقه ، واستوائه على عرشه ، فوق سمائه .
ولا شك أن نفي علو الله وفوقيته على خلقه : اعتقاد باطل ، وهو من أعظم ما خالف فيه الجهمية ، ورد
عليهم السلف تلك الضلالة ، وقرروا أن اعتقاد ذلك : كفر برب العالمين ، مناقض لما تواترت به النصوص
الشرعية ، وإجماع السلف ، ومناقض لما هو من ضرورة العقل ، ومقتضى الفطرة السليمة .
ثانيا : مع غلبة إطلاق هذه العبارة في المعنى الباطل
، فلا مانع من سؤال قائلها عن مراده ، لنبين له ما في مراده من المعنى الشرعي الصحيح ، أو المقصد البدعي المردود ، مع التنبيه على المنع من مثل هذه الإطلاقات الموهمة في حق الله تعالى .
فإذا قال القائل " ننزه الله عن المكان " قلنا له : ماذا تعني بذلك ؟
فإن قال : أعني به أن الله تعالى لا يحيط به شيء من مخلوقاته .
قلنا له : هذا معنى صحيح نوافقك عليه ؛ إذ كيف يحيط بالله الأول والآخر ، والظاهر والباطن : شيء من مخلوقاته ؛ بل الرب تعالى أعظم وأكبر من كل مخلوق ، قد وسع كرسيه السموات والأرض ، فقد روى البخاري (4812) ، ومسلم (2787) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ ؟ ) .
وإن قال : أعلم ذلك ، ولكني أعني بالمكان ما وراء العالم من العلو ، فهو ينفي علو الله تعالى على خلقه .
قيل له : فهذا معنى فاسد باطل ، مناقض لصريح العقل ، وصحيح النقل .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إن أراد بنفي المكان : المكان المحيط بالله - عز وجل - فهذا النفي صحيح ، فإن الله تعالى لا يحيط به شيء
من مخلوقاته ، وهو أعظم وأجل من أن يحيط به شيء ، كيف لا ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة
والسماوات مطويات بيمينه ) ؟ .
وإن أراد بنفي المكان : نفي أن يكون الله تعالى في العلو ، فهذا النفي غير صحيح ، بل هو باطل بدلالة الكتاب والسنة ، وإجماع السلف والعقل والفطرة .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للجارية : أين الله ؟ . قالت : في السماء . قال لمالكها : ( أعتقها فإنها مؤمنة ) رواه مسلم (537) .
وكل من دعا الله عز وجل فإنه لا ينصرف قلبه إلا إلى العلو ، هذه هي الفطرة التي فطر الله الخلق عليها ، لا ينصرف عنها إلا من اجتالته الشياطين ، لا تجد أحدا يدعو الله عز وجل وهو سليم الفطرة ، ثم ينصرف قلبه يمينا أو شمالا أو إلى أسفل ، أو لا ينصرف إلى جهة ، بل لا ينصرف قلبه إلا إلى فوق " انتهى من " مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (1/196-197)
وإن عنى بقوله هذا : أن الله في كل مكان حيث لا يحصره مكان ، فهو قول باطل أيضا ، بل هو من أبطل قول ،
ثالثا : ومثل ذلك : إطلاق القول بأن الله تعالى منزه
عن الزمان ؛ فإن هذا لا يعرف أيضا في كلام السلف ، ولا بد أن يستفسر من قائله ما يعني به ؟
فإن قال : أعني أن الله تعالى قبل كل شيء ، وبعد كل شيء ، قلنا له : هذا معنى صحيح نوافقك عليه .
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم ما رواه مسلم (2713) : ( اللَّهُمَّ أَنْتَ
الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ... ) .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الواحدة والثمانون في موضوع العلي وستكون بعنوان :*من حكى الإجماع على علو الله
أولا: الإمام الأوزاعي ت 157 هـ قال: "كنا والتابعون متوافرون نقول:ان الله عز وجل فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته" انظر:مختصر العلو للذهبي 137 والأسماء والصفات للبيهقي ، وفتح الباري 13/417
ثانيا:الامام قتيبة بن سعيد (150-240) هـ قال: "هذا قول الائمة في الإسلام والسنة والجماعة:
نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه ، كما قال جل جلاله:الرحمن على العرش استوى".قال الذهبي: فهذا قتيبة في امامته وصدقه قد نقل الإجماع على المسألة ،وقد لقي مالكا والليث وحماد بن زيد [انظر:مختصر العلو 187 ، درء تعارض العقل والنقل 6/260 ، بيان تلبيس الجهمية 2/37
ثالثا:الامام المحدث:زكريا الساجي ت 307 هـ قال: "القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث الذين لقيناهم أن الله تعالى على عرشه في
سمائه يقرب من خلقه كيف شاء ". انتهى
قال الذهبي: وكان الساجي شيخ البصرة وحافظها وعنه اخذ أبو الحسن الاشعري علم الحديث ومقالات أهل السنة. [مختصر العلو 223 ، اجتماع الجيوش الاسلامية لابن القيم 245
رابعا:الامام ابن بطة العكبري شيخ الحنابلة ( 304-387) هـ قال في كتابه الإبانة عن شريعة الفرقة والناجية:
"باب الإيمان بأن الله على عرشه بائن من خلقه وعلمه محيط بخلقه أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين وجميع أهل العلم من المؤمنين أن الله تبارك وتعالى على عرشه فوق سمواته بائن من خلقه وعلمه محيط بجميع خلقه
ولا يأبى ذلك ولا ينكره إلا من انتحل مذاهب الحلولية وهم قوم زاغت قلوبهم واستهوتهم الشياطين فمرقوا من الدين وقالوا : إن الله ذاته لا يخلو منه مكان". انتهى انظر الإبانة 3/ 136
قال الذهبي: كان ابن بطة من كبار الأئمة ذا زهد وفقه وسنة واتباع . مختصر العلو 252
خامسا:الإمام أبو عمر الطلمنكي الأندلسي (339-429) هـ قال في كتابه: الوصول إلى معرفة الأصول:
" أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله : وهو معكم أينما كنتم . ونحو ذلك من القرآن : أنه علمه ، وأن الله تعالى فوق السموات بذاتـه مستو على عرشه كيف شاء
وقال: قال أهل السنة في قوله :الرحمن على العرش استوى:إن الاستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز.". انتهى قال الذهبي: كان الطلمنكي من كبار الحفاظ وأئمة القراء بالأندلس [درء التعارض 6/250 ،
الفتاوى 5/189 ، بيان تلبيس الجهمية 2/38 ، مختصر العلو 264
سادسا: شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني ( 372-449) هـ قال:ويعتقد أصحاب الحديث ويشهدون أن الله فوق سبع سمواته على عرشه كما نطق كتابه وعلماء الأمة واعيان الأئمة من السلف ، لم يختلفوا أن الله على عرشه وعرشه فوق سمواته ". انتهى. قال الذهبي: كان شيخ الإسلام الصابوني فقيها محدثا وصوفيا واعظا كان شيخ نيسابور في زمانه له تصانيف حسنة.
سابعا: الإمام أبو نصر السجزي ت 444 هـ قال في كتابه الإبانة: " فأئمتنا كسفيان الثوري ومالك وسفيان بن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وعبد الله بن المبارك وفضيل بن عياض واحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي متفقــــــــــــون على أن الله سبحانه بذاتــــــه فوق العرش وان علمه بكل مكان وانه يرى يوم القيامة بالأبصار فوق العرش وأنه ينزل إلى سماء الدنيا وأنه يغضب ويرضى ويتكلم بما شاء فمن خالف شيئا من ذلك فهو منهم بريء وهم منه براء ". انتهى [انظر: درء التعارض 6/250 ونقل الذهبي كلامه هذا في السير 17/ 656 وقال الذهبي عنه: الإمام العلم الحافظ المجود شيخ السنة أبو نصر .. شيخ الحرم ومصنف الإبانة الكبرى .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية والثمانون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*من حكى الإجماع على علو الله
ثامنا:الحافظ أبو نعيم صاحب الحلية (336-430) هـ قال في كتاب الاعتقاد له: " طريقتنا طريقة السلف المتبعين للكتاب والسنة وإجماع الأمة ، ومما اعتقدوه : أن الله لم يزل كاملا بجميع صفاته القديمة ، لا يزول ولا يحول …. وأن القرآن في جميع الجهات مقروءا ومتلوا ومحفوظا ومسموعا ومكتوبا وملفوظا: كلام الله حقيقة لا حكاية ولا ترجمة… وأن الأحاديث التي ثبتت في العرش واستواء الله عليه يقولون بها ويثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل ، وأن الله بائن من خلقه والخلق بائنون منه لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم ، وهو مستو على عرشه في سمائه من دون أرضه". انتهى.
قال الذهبي: " فقد نقل هذا الإمام الإجماع على هذا القول ولله الحمد ، وكان حافظ العجم في زمانه بلا نزاع … ذكره ابن عساكر الحافظ في أصحاب أبى الحسن الاشعري". درء التعارض 6/261 ، الفتاوى 5/ 190 ، بيان تلبيس الجهمية 2/ 40 مختصر العلو 261
تاسعا:الإمام أبو زرعة الرازي 264 هـ والإمام أبو حاتم ت 277 هـ
قال ابن أبى حاتم : سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان في ذلك ؟ فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا وشاما ويمنا فكان مذهبهم: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص …. وأن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بلا كيف أحاط بكل شيء علما ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)
قال: وسمعت أبى يقول : علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر وعلامة الزنادقة : تسميتهم أهل السنة
حشوية ، يريدون إبطال الأثر وعلامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة مشبهة وعلامة الرافضة: تسميتهم أهل السنة ناصبة . انتهى [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للإمام اللالكائي ت 418 هـ ا/ 197-204
عاشرا:الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ
قال في التمهيد بعد ذكر حديث النزول : وفيه دليل على أن الله عز وجل في السماء على عرشه من فوق سبع سموات كما قالت الجماعـــــــــــــة وهو من حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم إن الله عز وجل في كل مكان وليس على العرش" .ثم ذكر الأدلة على ذلك ومنها قوله:" ومن الحجة أيضا في انه عز وجل فوق السموات السبع أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربهم تبارك وتعالى ، وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى اكثر من حكايته لأنه اضطرار لم يؤنبهم عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم".
الحادي عشر: الإمام ابن خزيمة صاحب الصحيح ت 311 هـ قال: من لم يقل بأن الله فوق سمواته وأنه على عرشه بائن من خلقه وجب أن يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ثم القي على مزبلة لئلا يتأذى بنتن ريحه أهل القبلة ولا أهل الذمة
[انظر درء التعارض 6/ 264قال عنه الذهبي في السير: 14/ 365 "الحافظ الحجة الفقيه شيخ الإسلام إمام الأئمة ". ونقل عنه قوله : "من لم يقر بأن الله على عرشه قد استوى، فوق سبع سمواته فهو كافر حلال الدم ، وكان ماله فيئا ". انتهى .[ كتب هذا المقال بمنتدى الجارح، باسم: محمد الفاتح]. كتبه ... الموحد
[الأنترنت – موقع أحد عشر إجماعا في إثبات علو الله على خلقه]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة والثمانون في موضوع العلي وستكون بعنوان :*هل الله موجود فوق الجنة, أم داخلها ؟
الجواب : الحمد لله ؛ عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله فأجاب بما يلي :
الحمد لله العلي العظيم ، الكبير المتعال ، وسبحان الله العظيم ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، والصلاة
والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ... أمَّا بعد :
فإنه مما يجب الإيمان به أنه تعالى العلي الأعلى ، وأنه استوى على العرش ، كما أخبر بذلك عن نفسه في كتابه ، فهو سبحانه وتعالى فوق كل شيء ، قال عليه الصلاة والسلام في دعائه " وأنت الظاهر ليس فوقك شيء " . وكذلك يجب الإيمان بأنه تعالى الكبير ، وأنه أكبر من كل شيء ، وأنه العظيم الذي لا أعظم منه ، ومن كمال عظمته وقدرته أنه يأخذ السماوات والأرض بيديه يوم القيامة ، كما قال سبحانه وتعالى : ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ) سورة الزمر . فيجب أن يعلم أنه تعالى مع كمال علوِّه ، وكمال عظمته يمتنع أن يحِلَّ في شيءٍ من مخلوقاته ، فلا يجوز أن يقال أنه تعالى في الجنة ، بل هو فوق العرش الذي هو سقف الفردوس ، والفردوس أعلى الجنة ، قال عليه الصلاة والسلام : " إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس ، فإنه أعلى الجنة ، وأوسط الجنة ، وسقفها عرش الرحمن " .
ولا يجوز للمسلم أن يُفكِّر في ذات الله ، أو يتخيل
عظمته فإن عقل الإنسان عاجز عن معرفة حقيقة ذات الرب وصفاته ، وكيفيتها ، كما قال الإمام مالك لمَّا سئل عن كيفية الاستواء على العرش { الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة }.
[ الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب ]
وسأل بعضهم :أين كان الله قبل خلق الكون والمكان؟
الإجابة باختصار :
1-هي أنه لكل موجود صفات .. وإلا لو كان هناك من هو بلا صفات : فليس إلا العدم !!!..
2-لله تعالى حد .. وإلا لكان متداخلا مع خلقه لا فاصل بينهم ..
3-لا يعلم حد الله تعالى إلا هو .. ومثل هذه الأشياء
لا مجال للتحدث فيها بالرأي .. بل بالوحي ..
وما لم يرد فيه وحي من القرآن أو السنة - لأنه غيب - : فلا نتقول فيها على الله تعالى بشيء فنكون من الظالمين والجاهلين ..
4-عندما ينفي علماء السنة الحد عن الله : فهم ينفون أن هناك من يعرف حدا لله ...وعندما يُثبتون حدا لله : فهم يثبتون أنه بائن عن خلقه غير حال فيهم ولا متداخل معهم ..وقس على ذلك من يتحدث فيهم عن (الحيز) بمعنى الحد والمباينة من خلقه ..والله تعالى له جهة العلو المطلق سبحانه - علو ذات وعلو مكان ..
وكل مخلوقاته هي ما دونه ..ولذلك فالله تعالى يوصف دوما بأنه في السماء وبالعلو وبالفوقية : مستويٍ على عرشه ..
5-السؤال عن أين كان الله تعالى قبل أن يخلق الكون والمكان :
الجواب : الكون والمكان هو ظرف تتواجد المخلوقات فيه،ولأننا لا نعرف إلا مخلوق في مكان : فلا نستطيع تصور موجود قبل أن يكون مكان - مثل الله تعالى -
وعدم القدرة على التصور : لا ينفي القدرة على تعقل ذلك ...وذلك لأن باب التصور يتعلق بالحواس وما تعرفه واعتادت عليه .. وأما باب التعقل فهو أوسع من الحواس !
فنحن مثلا لا نستطيع أن نتصور المالانهاية .. ولكننا نستطيع تعقل معناها وفهم مقتضاها رغم أننا لم نقابلها في حياتنا !
وكذلك لا يمكننا تصور أزلية الله تعالى - أي وجوده
في القدم بلا بداية وهو أول كل شيء - ولكننا نعقله !
وهكذا ...
إذن : حقيقة وجود الله تعالى في غير ما مكان أو كون : فنحن لا نستطيع تصورها .. ولكن نستطيع تعقلها ..
الأنترنت - موقع( أين كان الله قبل خلق الكون والمكان )
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة والثمانون في موضوع العلي وستكون بعنوان : هل الله خارج حدود الزمان والمكان أم لا؟
وأما القول بأن الله عز وجل خارج حدود الزمان والمكان فهو قول لا يعرف عن السلف
وإن كان المراد الزمان المخلوق فلا شك في هذا
ونسبة المكان لله عز وجل تكلم بها عدد من أئمة السلف بل وجاء في بعض النصوص
فالمكان المخلوق الذي يحيط بالله عز وجل هذا اتفق
الناس على امتناعه وأما المكان بمعنى أنه فوق العرش
ويشار إليه بالعلو فهذا المعنى صحيح
وقد صرح بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية حيث قال (2/45) :" ولا يقدر احد ان ينقل عن احد من سلف الامة وائمتها في القرون الثلاثة حرفا واحدا يخالف ذلك لم يقولوا شيئا من العبارات النافية ان الله ليس في السماء والله ليس فوق العرش ولا انه لا داخل العالم ولا خارجه ولا ان جميع الامكنة بالنسبة اليه سواء ولا انه في كل مكان أو أنه ليس في مكان او انه لا تجوز الاشارة الحسية اليه ولا نحو ذلك من العبارات التي تطلقها النفاة"
وقوله ( أو أنه ليس في مكان ) سقطت من طبعة ابن قاسم وهي موجودة في الطبعة الجديدة
وممن أثبت لفظ المكان التابعي الجليل محمد بن كعب
القرظي أمام عمر بن عبد العزيز وأقره
قال ابن وهب في تفسيره 187 : وحدثني حرملة بن عمران، عن سليمان بن حميد قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عمر بن عبد العزيز قال: إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار أقبل الله في ظللٍ من الغمام والملائكة، قال: فيسلم على أهل الجنة في أول درجة فيردون عليه السلام، قال القرظي: وهذا في القرآن {سلامٌ قولا من ربٍ رحيمٍ}، فيقول: سلوني، فيقولون: ماذا نسألك أي رب، قال: بلى سلوني، قالوا: نسألك أي رب رضاك، قال: رضائي أدخلكم دار كرامتي، قالوا: يا رب، وما الذي نسألك فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك، لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ولأسقيناهم ولألبسناهم ولأخدمناهم لا ينقصنا من ذلك شيئا؛ قال: إن لدي مزيدا؛ قال: فيفعل الله ذلك بهم في درجتهم حتى يستوي في مجلسه؛ قال: ثم تأتيهم التحف من الله تحملها إليهم الملائكة، قال: وليس في الآخرة ليل ولا نصف نهارٍ، إنما هو بكرة وعشيا، وذلك في القرآن، في آل فرعون: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا}، وكذلك قال لأهل الجنة: {لهم زرقهم فيها بكرة وعشيا}، قال: وقال: والله، الذي لا إله إلا هو، لو أن امرأة من حور العين أطلعت سوارها لأطفأ نور سوارها الشمس والقمر، فكيف المسورة وإن خلق الله شيئاً يلبسه إلا عليه مثلما عليها من ثياب أو حلي.
الشاهد قوله رحمه الله :" وما الذي نسألك فوعزتك
وجلالك وارتفاع مكانك"والسند رجاله ثقات إلا سليمان بن حميد المزني وثقه ابن حبان
قال الذهبي في تاريخ الإسلام :" سليمان بن حميد المزني. عن أبيه عن أبي هريرة وعن محمد بن كعب القظي وعامر بن سعد. وعنه الليث بن سعد وضمام بن إسماعيل وجماعة. مات بمصر سنة خمس وعشرين ومائة" فرواية جماعة من الثقات عنه ، مع توثيق ابن حبان يجعل خبره مقبولاً في خبر مقطوع.
[الأنترنت – موقع منتدى التوحيد - أبو جعفر المنصور
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة والثمانون في موضوع العلي وستكون بعنوان : هل لفظ المكان ثابت؟
وممن أثبت لفظ المكان الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب مستدلا بحديث الجارية حيث قال في الرد على الجهمية ص25 :" وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أين الله ؟ » تكذيب لقول من يقول : هو في كل مكان ، لا يوصف ب « أين » ، لأن شيئا لا يخلو منه مكان يستحيل أن يقال : « أين هو ؟ » ، ولا يقال : « أين » إلا لمن هو في مكان يخلو منه مكان "
وممن أثبت هذا اللفظ حماد بن زيد الإمام الثقة الثبت
قال شيخ الإسلام في شرح حديث النزول ص40 :"
قال الخلال في [ كتاب السنة ] : حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، ثنا أحمد بن محمد المقدمي، ثنا سليمان بن حرب، قال : سأل بشر بن السُّرِّي حماد بن زيد فقال : يا أبا إسماعيل، الحديث الذي جاء : "ينزل ربنا إلى سماء الدنيا " يتحول من مكان إلى مكان ؟ فسكت حماد بن زيد , ثم قال : هو في مكانه يقرب من خلقه كيف شاء .
ورواه ابن بطة في كتاب [ الإبانة ] فقال : حدثني أبو القاسم حفص بن عمر الأردبيلي، حدثنا أبو حاتم الرازي , حدثنا سليمان بن حرب، قال : سأل بشر بن السري حماد بن زيد فقال : يا أبا إسماعيل، الحديث الذي جاء "ينزل اللّه إلى سماء الدنيا " أيتحول من مكان إلى مكان ؟
فسكت حماد بن زيد , ثم قال : هو في مكانه يقرب من خلقه كيف شاء "
وهذا الإسناد إلى حماد صحيح ولم ينكر عليه أحدٌ من السلف هذا الإطلاق وكذلك الفضيل بن عياض
قال البخاري في خلق أفعال العباد :وَقَالَ الْفُضَيْلُ
بْنُ عِيَاضٍ : إِذَا قَالَ لَكَ جَهْمِيٌّ : أَنَا أَكْفُرُ بِرَبٍّ يَزُولُ
عَنْ مَكَانِهِ ، فَقُلْ : أَنَا أُؤْمِنُ بِرَبٍّ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ.
وأقر البخاري هذا الكلام
وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص83 :" ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرهم وما ركبت عليه خلقتهم من معرفة الخالق سبحانه لعلموا أن الله تعالى هو العلي وهو الأعلى وهو بالمكان الرفيع وأن القلوب عند الذكر تسمو نحوه والأيدي ترفع بالدعاء إليه ومن العلو"
فتأمل قوله ( وهو بالمكان الرفيع)
وقال حرب الكرماني في عقيدته التي نقل عليها إجماع أهل الحديث في عصره :" والجهمية أعداء الله: وهم الذين يزعمون أن القرآن مخلوق وأن الله لم يكلم موسى، وأن الله لا يتكلم، ولا يرى، ولا يعرف لله مكان، وليس لله عرش، ولا كرسي وكلام كثير أكره حكايته، وهم كفار زنادقة أعداء الله فاحذروهم"
وكذلك ممن أثبت هذا اللفظ ابن بطة حيث قال في الإبانة (6/141) :" لكنا نقول : إن ربنا تعالى في أرفع الأماكن ، وأعلى عليين ، قد استوى على عرشه فوق سماواته ، وعلمه محيط بجميع خلقه ، يعلم ما نأى كما يعلم ما دنا ، ويعلم ما بطن كما يعلم ما ظهر كما وصف نفسه تعالى"
فتبين أن هذا اللفظ قال به جمع من الأئمة وعندهم مستندهم الأثري ، ولا يعلم نفي ( المكان ) عن أحد من المتقدمين في القرون الثلاثة ، ومحل الاتفاق نفي المكان المخلوق
وقال شيخ الإسلام في الاستقامة (1/127) :" ثم
المثبت لما جاءت به السنة يرد عليه بمنع بعض هذه
المقدمات والتفصيل فيها أو بعضها وبيان الحق في ذلك من الباطل مثل أن يقال المكان يراد به ما يحيط بالشئ والله لا يحيط به مخلوق أو يراد به ما يفتقر إليه الممكن والله لا يفتقر إلى شئ وقد يراد بالمكان ما يكون الشئ فوقه والله فوق عرشه فوق سماواته فلا يسلم نفى المكان عنه بهذا التفسير
ونقول قد وردت الآثار الثابتة بإثبات لفظ المكان فلا
يصح نفيه مطلقا "
تأمل كلام ابن تيمية هذا جيداً فإنه نفيس
وأخيراً أقول يأتي الاستشكالات في باب الإلهيات من باب قياس الشاهد على الغائب فيأتي من الناس من يريد قياس رب العالمين على ما يراه وهذا غلط وهذا هو أساس ضلال الناس في هذا الباب
وإنما عليك التسليم لما ورد في الأخبار وترك الوسوسة بصوت عال ( تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذات الله ) وفي صحيح البخاري ( فأدخل على ربي في داره ) ولم يصب من ضعف هذه اللفظة
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة والثمانون في موضوع العلي وستكون بعنوان : *إستواء العلي على العرش العظيم
قال الذهبي : خصائص العرش
قال تعالى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}
خص الخالق سبحانه وتعالى عرشه الكريم بخصائص عديدة ميزته على كثير من المخلوقات الأخرى، وذلك لما للعرش من المكانة الرفيعة عند البارئ عز وجل، وقد ذكر عرش الرحمن في واحد وعشرين موضعاً من القرآن الكريم، ومجيء ذكر العرش بهذا العدد يدل على ما له من مكانة ومنزلة عالية عند الخالق سبحانه وتعالى.فالله سبحانه وتعالى قد مدح نفسه في أكثر من موضع من كتابه الكريم بأنه صاحب العرش العظيم والكريم والمجيد، قال تعالى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ، وقال تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} ، وقال تعالى {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} .
فالله سبحانه يصف لنا في هذه الآيات وغيرها العرش بأنه عظيم، وكريم، ومجيد، فهو عظيم لكونه أكبر المخلوقات وأعظمها وأعلاها، وذلك لما خص الله به هذا العرش من الاستواء عليه، ومجيد وكريم لما له من منزلة تميز بها عما سواه من المخلوقات، فهو إنما اتصف بهذه الصفات لجلالته وعظيم قدره. كما أن في قوله تعالى {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} إخبار منه تعالى عن عظمته وكبريائه وارتفاع عرشه العظيم العالي على جميع خلقه، ومما يدل أيضاً على عظمة هذا العرش اقترانه باسم (الرحمن) كثيراً في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وقوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} .
ففي هذا الاقتران بين اسم الرحمن والعرش حكمة وهي إخباره عز وجل بأنه قد استوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات، ذلك لأن العرش محيط بالمخلوقات وقد وسعها، والرحمة بالخلق واسعة لهم [ مدارج السالكين (1/33-34) ] كما قال تعالى {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف 156] .
وسنذكر في هذا المبحث بعض الخصائص التي اختص بها العرش وكرم بها، والتي جعلته يوصف بهذا الوصف في القرآن الكريم ويجعل له تلك المنزلة الرفيعة.
أولاً: الاستواء عليه:
يعتبر استواء الله سبحانه وتعالى على العرش أعظم
الخصائص التي اختص بها العرش، بل إن ما سواها من الخصائص الأخرى التي تميز بها العرش إنما جعلت له لأجل استواء الله عز وجل عليه، وذلك أن الله تعالى لما اختصه بهذا الأمر جعل له من الخصائص والصفات كارتفاعه وعظم خلقه وكبره وثقل وزنه؛ لكي يتناسب مع ما ميز وشرف به من الاستواء عليه.
ومسألة الاستواء على العرش ثابتة في الكتاب والسنة، فقد جاء ذكر الاستواء في القرآن الكريم في سبعة مواضع، ومجيء ذكر الاستواء في القرآن بهذا العدد إنما هو ليؤكد عظم هذا الأمر وأهميته، وأما السنة فهي مليئة بالأحاديث والآثار التي تثبت الاستواء وتؤكده.
وإن مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين
وغيرهم من أهل العلم رضوان الله عليهم أجمعين أنهم يقولون: إن الله استوى على عرشه بلا تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، فهو سبحانه مستو على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته، واستواؤه حقيقة لا مجاز كما يزعم الجهمية وأتباعهم الذين ينكرون العرش وأن يكون الله فوقه، وأما كيفية ذلك الاستواء فهي مجهولة لدينا والسؤال عن كيفية ذلك الاستواء بدعة، لأن الله سبحانه لم يطلعنا على كيفية ذاته فكيف يكون لنا أن نعرف كيفية استوائه، وهو سبحانه وتعالى يقول: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء}
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة والثمانون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضيةوالتي هي بعنوان :
*إستواء العلي على العرش العظيم
ثانياً: العرش أعلى المخلوقات أرفعها وسقفها.
إن مما اختص به الخالق سبحانه وتعالى العرش مع
استوائه عليه كونه أعلى المخلوقات وأرفعها وأقربها إلى الله تعالى، فقد ثبت أن العرش أعلى من السموات والأرض والجنة وأنه كالسقف عليها، والأدلة على هذا الأمر كثيرة وقد سبق أن أوردنا جزءاً منها خلال حديثنا عن مكان العرش.
والقول بأن العرش أعلى المخلوقات هو قول السلف الذي قالوا به وذهبوا إليه:
قال محمد بن عبد الله بن أبي زمنين في كتابه " أصول السنة ": "ومن قول أهل السنة أن الله عز وجل خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه كيف شاء[أصول السنة (ص88) .]
وكون العرش أعلى المخلوقات يدل على أنه أقرب إلى الله تعالى وهذه ميزة أخرى تضاف إلى الخصائص التي انفرد بها العرش، ويدل على هذا الأمر ما جاء في حديث الأوعال: "ثم فوق ظهورهم العرش بين أعلاه وأسفله مثل ما بين سماء إلى سماء والله تعالى فوق ذلك"
وكذلك ما جاء عن ابن مسعود: "بين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي إلى الماء خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه"
[ أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص26، 27) . واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/396) . وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص100) وقال: ((رواه سنيد بن داود بإسناد صحيح)) .]
ثالثاً: العرش أكبر المخلوقات وأعظمها وأثقلها.
إن عرش الرحمن تبارك وتعالى يعتبر أكبر مخلوقات الله وأوسعها وأعظمها على الإطلاق، فقد خص الله عز وجل العرش بهذه الميزة العظيمة وشرفه بها مع غيرها من الميزات لكي يتناسب مع ذلك الشرف العظيم ألا وهو استواء البارئ عز وجل عليه.
وعظم العرش وسعة خلقه قد دل عليهما القرآن والسنة، فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ، فالله سبحانه وصف العرش في هذه الآية وغيرها بكونه عظيماً في خلقه وسعته، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "أي هو مالك كل شيء وخالقه لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات، وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما تحت العرش مقهورين بقدرة الله تعالى[ تفسير ابن كثير (2/404)
ومما يشهد لعظم العرش وسعة خلقه الأحاديث والآثار التي تتحدث عن كبر حجمه وسعته، فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن عرشه على سمواته وأرضه هكذا" وأشار بأصابعه مثل القبة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يشبه العرش أنه كالقبة على هذا العالم المكون من السموات والأرض وما فيهما وكالسقف عليهما. وفي هذا بيان واضح على عظم العرش وكبر مساحته.
وفي حديث أخر يبين لنا مدى عظم العرش وكبر مساحته، فليس العرش أكبر من السموات والأرض فقط، بل هو من الكبر وسعة الحجم بحيث لا تعدل السموات والأرض على سعة حجمهما بجانبه شيئاً يذكر، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا ذر ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة".
وفي رواية "ما السموات السبع والأراضون السبع وما
بينهن وما فيهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن الكرسي بما فيه بالنسبة إلى العرش كتلك الحلقة في تلك الفلاة".
فالحديث كما أسلفنا دليل واضح على سعة العرش وعظم خلقه، وأما مقدار ذلك الحجم وتلك السعة فلا يعلمها إلا الله تعالى.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة والثمانون في موضوع العلي وستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان :
*إستواء العلي على العرش العظيم
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "الكرسي
موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى" [ أخرجه الدارمي في الرد على بشر المريسي (ص71، 73، 74) . وعبد الله بن أحمد في السنة (ص70، 142) . وابن جرير في التفسير (3/10) . والطبراني في المعجم الكبير (12/39، برقم 12404) . والدارقطني في الصفات (ص30) . والحاكم في المستدرك (2/283) . والخطيب البغدادي في تاريخه (9/251-252) من أوجه. والهروي في الأربعين (ص125) .
كلهم من طريق سفيان الثوري عن عمار الذهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفاً.
قال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي. وذكر هـ الذهبي في العلو (ص61) وقال: (رواته ثقات) . وقال الألباني: (هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، وتابعه يوسف بن أبي إسحاق عن عمار الذهني) انظر مختصر العلو (ص102) . قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/323) : (رجاله رجال الصحيح) .]
والعرش يمتاز مع كبر حجمه وسعته، بكونه أثقل المخلوقات وزنته أثقل الأوزان، فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجويرية: "لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته".قال ابن تيمية: "فهذا يبين أن زنة العرش أثقل الأوزان"[الرسالة العرشية (ص8) .]
رابعاً: العرش ليس داخلا فيما يقبض ويطوى.
لقد خص الله سبحانه وتعالى العرش بخصائص منها ما انفرد بها العرش عن غيره من المخلوقات، ومنها ما اشترك بها العرش مع بعض المخلوقات الأخرى، ولقد سبق الحديث عن بعض الخصائص التي انفرد بها العرش، وأود هاهنا أن أبين بعض ما اشترك به العرش مع غيره من المخلوقات من الخصائص.
فقد سبق أن علمنا أن العرش مخلوق قبل السموات والأرض فهو بهذا ليس داخلا فيما خلق في الأيام الستة، ومعلوم أن الله سبحانه قد أخبر في كتابه وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه يقبض يوم القيامة السموات والأرض ويطويها ويبدلها، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر 67] ، وقال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم 48] ، وقال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء 104] ، وقال تعالى: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ. وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق 1-2] ، وقال تعالى: {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ} [الانفطار 1] .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض" [أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، انظر فتح الباري (13/367) . ومسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، (8/126) .]
وفي [صحيح مسلم ]عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يطوي الله السموات والأرض ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون" [ صحيح مسلم كتاب صفة القيامة (8/126) .]
فالآيات والأحاديث السابقة تدل على أن السموات والأرض وما فيهما تقبض وتطوى وتبدل.
وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى كالجنة والنار والعرش [ الفتاوى (18/307) .]
فعلى هذا يكون العرش ليس داخلا فيما يقبض ويطوى ويبدل، والأدلة على بقاء العرش كثيرة في الكتاب والسنة، فالله سبحانه وتعالى يقول مخبرا عن بقاء عرشه يوم القيامة: {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ
فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة 14-17] .وكذلك ما جاء في سورة الزمر من إخباره تعالى بقبضه للأرض وطيه للسموات بيمينه وذكر نفخ الصور وصعق من في السموات والأرض إلا ما شاء الله، ثم ذكر النفخة الثانية التي يقومون بها، وأن الأرض تشرق بنور ربها وأن الكتاب يوضع، ويجاء بالنبيين والشهداء، وأنه توفى كل نفس ما عملت، وذكر سوق الكفار إلى النار، وسوق المؤمنين إلى الجنة إلى أن قال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ. وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر 74-75] .
فالآيات فيها إخبار عن الموقف يوم القيامة وفيها شاهد
على أن العرش باق حتى بعد انتهاء الحساب.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما العرش فلم يكن داخلا فيما خلقه في الأيام الستة ولا يشقه ويفطره، بل
الأحاديث المشهورة دلت على ما دل عليه القرآن من بقاء العرش، فقد ثبت في الصحيح أن جنة عدن سقفها عرش الرحمن قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة وفوقه عرش الرحمن" نقض التأسيس (1/155) . [ الأنترنت – موقع العرش للذهبي ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة والثمانون في موضوع العلي بعنوان :
*الفرق بين الكرسي والعرش
قال المنجد : الكرسي هو موضع قدمي الرحمن عز وجل على أصح الأقوال فيه ، والعرش أكبر من الكرسي . والعرش هو أعظم المخلوقات ، وعليه استوى ربنا استواءً يليق بجلاله ، وله قوائم ، ويحمله حملة من الملائكة عظام الخلق . وقد أخطأ من جعلهما شيئاً واحداً .
وهذه أدلة ما سبق مع طائفة من أقوال العلم :
عن ابن مسعود رضي الله عن قال : بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام وبين كل سماء خمسمائة عام ، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام ، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام ، والعرش فوق الماء ، والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم .
[ رواه ابن خزيمة في " التوحيد " ( ص 105 )والبيهقي في " الأسماء والصفات " ( ص 401 ) .]
والأثر:صححه ابن القيم في[اجتماع الجيوش الإسلامية "( ص 100 ) والذهبي في" العلو ( ص 64 )
وقال الشيخ ابن عثيمين : "هذا الحديث موقوف على ابن مسعود ، لكنه من الأشياء التي لا مجال للرأي فيها ، فيكون لها حكم الرفع ، لأن ابن مسعود لم يُعرف بالأخذ من الإسرائيليات[ القول المفيد شرح كتاب التوحيد " ( 3 / 379 ) .]
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مسائل هذا الحديث :"...
التاسعة : عِظَم الكرسي بالنسبة إلى السماء .
العاشرة : عظم العرش بالنسبة إلى الكرسي .
الحادية عشرة : أن العرش غير الكرسي والماء" .[ شرح كتاب التوحيد " ( ص 667 ، 668 ) .]
وعرش الرحمن هو أعظم المخلوقات ، وأوسعها . قال تعالى : { فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش العظيم } [ المؤمنون / 116 ] ، وقال تعالى { وهو رب العرش العظيم } [ التوبة / 129 ] ، وقال تعالى { ذو العرش المجيد } [ البروج / 15 ] .
وقال ابن كثير رحمه الله : "{ وهو رب العرش العظيم } أي : هو مالك كل شيء وخالقه ؛ لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات ، وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورين بقدرة الله تعالى ، وعلمه محيط بكل شيء ، وقدره نافذ في كل شيء ، وهو على كل شيء وكيل" . [ تفسير ابن كثير " ( 2 / 405 ) .]وقال رحمه الله :"{ ذو العرش } أي : صاحب العرش العظيم العالي على جميع الخلائق ، و{ المجيد } : فيه قراءتان : الرفع على أنه صفة للرب عز وجل ، والجر على أنه صفة للعرش ، وكلاهما معنى صحيح" .[ تفسير ابن كثير " ( 4 / 474 ) .]
والمجيد : المتسع عظيم القدر . عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الناس يُصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور " .[ رواه البخاري ( 3217 ) .]وللعرش حملة يحملونه . قال تعالى : ( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم)[ غافر/ 7 ] وخَلق الملائكة خلق عظيم .عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أُذِن لي أن أحدِّث عن ملَك من ملائكة الله من حملة العرش ، إنَّ ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام " .[رواه أبو داود ( 4727 ) .] والحديث : قال عنه الحافظ ابن حجر : وإسناده على شرط الصحيح [ فتح الباري ( 8 / 665 )]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التسعون في موضوع العلي وستكون بعنوان : والعرش فوق الكرسي بل فوق كل المخلوقات
قال ابن القيم رحمه الله:ولهذا لما كانت السماء محيطة بالأرض كانت عالية عليها ، ولما كان الكرسي محيطاً بالسماوات كان عالياً عليها ، ولما كان العرش محيطاً بالكرسي كان عالياً " .
[ الصواعق المرسلة " ( 4 / 1308 ) .]
7. والعرش ليس هو المُلْك وليس هو الكرسي .
قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله :
"وأما من حرَّف كلام الله وجعل العرش عبارة عن
الملك ، كيف يصنع بقوله تعالى : { ويحمل عرش ربك
فوقهم يومئذ ثمانية } [ الحاقة / 17 ] ، وقوله { وكان عرشه على الماء } [ هود / 7 ] ؟ أيقول : ويحمل ملكه يومئذ ثمانية ، وكان ملكه على الماء ويكون موسى عليه السلام آخذا بقائمة من قوائم المُلْك ؟
هل يقول هذا عاقل يدري ما يقول .
وأما الكرسي فقال تعالى : { وسع كرسيه السموات والأرض } [ البقرة / 255 ] ، وقد قيل : هو العرش ، والصحيح : أنه غيره ، نُقل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره. روى ابن أبي شيبة في كتاب " صفة العرش " والحاكم في " مستدركه " وقال : إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : { وسع كرسيه
السموات والأرض } أنه قال : " الكرسي موضع
القدمين ، والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى " .
وقد روي مرفوعاً ، والصواب : أنه موقوف على ابن عباس ...
قال أبو ذر رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما الكرسي في العرش إلا كحلْقة من حديد أُلقيت بين ظهري فلاة من الأرض "
.. وهو كما قال غير واحدٍ من السلف : بين يدي العرش كالمرقاة إليه" انتهى .
[ شرح العقيدة الطحاوية " ( ص 312 ، 313 ) .]
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :"هناك من قال : إن العرش هو الكرسي لحديث " إن الله يضع كرسيَّه يوم القيامة " ، وظنوا أن الكرسي هو العرش . وكذلك زعم بعض الناس أن الكرسي هو العلم ، فقالوا في قوله تعالى : { وسع كرسيه السموات والأرض } أي
: علمه .
والصواب : أن الكرسي موضع القدمين ، والعرش هو الذي استوى عليه الرحمن سبحانه .
والعلم : صفة في العالِم يُدرك فيها المعلوم . والله أعلم" انتهى .[ الأنترنت – موقع سؤال وجواب للمنجد ]
خلق العرش والكرسي
قال الله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون: وقال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)} [البقرة: 255]. وقال الله تعالى:
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5].
الله تبارك وتعالى هو الملك الذي يملك كل شيء، القوي الذي لا يعجزه شيء، الخالق الذي خلق كل شيء. خلق العرش واستوى عليه، وأمر الملائكة بحمله، وتعبدهم بتعظيمه والطواف به.
وخلق البيت المعمور في السماء السابعة، وأمر الملائكة بالطواف به. وخلق سبحانه البيت العتيق في الأرض، وأمر بني آدم بالطواف به، واستقباله في الصلاة.
وعرش الرحمن عزَّ وجلَّ سرير ذو قوائم .. تحمله الملائكة .. وهو كالقبة على العالم .. وهو سقف المخلوقات .. وأعظم المخلوقات ..وأعلى المخلوقات ..وأوسع المخلوقات .. وأكبر المخلوقات .. فالله سبحانه مجيد .. وعرشه مجيد.
والله جل جلاله مدح نفسه بأنه: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)} [البروج: 15]. وأنه: {رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون: 116]. وأنه: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)} [التوبة: 129]. فوصف سبحانه العرش بأنه مجيد، وكريم، وعظيم. فهو عظيم لكونه أعظم المخلوقات وأكبرها وأعلاها وأوسطها. وكريم لما له من منزلة تميز بها عما سواه من المخلوقات. ومجيد عال مرتفع على جميع المخلوقات والكائنات. وبذلك صار بهذه الصفات لائقاً بجلال الله وعظمته وكبريائه. وخصه الله جل جلاله من بين سائر المخلوقات بالاستواء عليه.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الواحدة والتسعون في موضوع العلي وستكون بعنوان :
وعرش الرحمن أكبر المخلوقات وأعظمها
والرحمن استوى عليه بأوسع الصفات وهي الرحمة، فاستوى سبحانه على أوسع المخلوقات وهو العرش، بأوسع الصفات وهي الرحمة كما قال سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5].
وعرش الله عزَّ وجلَّ أعلى المخلوقات وأرفعها وسقفها وأقربها إلى الله تعالى، فهو أعلى من السموات والأرض، وهو سقف الجنة، اختصه الله بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه الرحمن كيف شاء.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا سَألْتُمُ الله فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الْجَنَّةِ» أخرجه البخاري
وعرش الرحمن جل وعلا أكبر المخلوقات وأعظمها، وأوسعها وأثقلها، وزنته أثقل الأوزان، ولا يقدر قدره أحد إلا الله: فـ «سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ»[ أخرجه مسلم ]
والملائكة الذين يحملون العرش لا يعلم عظمتهم إلا الله.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إلى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ» أخرجه أبو داود
وعرش الرحمن أعلى المخلوقات، فبين السماء والأرض خمسمائة عام، وبين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء وسماء خمسمائة عام، وسمك كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه مثقال ذرة من أعمال العباد.
وقد خلق الله عزَّ وجلَّ العرش قبل خلق السموات والأرض، وقبل القلم، بل قبل سائر المخلوقات.
قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ
أنْ يَخْلُقَ السموات وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» أخرجه مسلم
والعرش أكبر المخلوقات وأعظمها كما قال سبحانه: {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)} [التوبة: 129]. وعرش الرحمن تبارك وتعالى أعلى المخلوقات كلها وأثقلها وزناً.
فسبحان العزيز الجبار الذي خلقه، واستوى عليه، وجعله مع عظمته محتاجاً إليه: «سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِه» [ أخرجه مسلم ]
والكرسي وسع السموات والأرض، والكرسي بالنسبة للعرش كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة.
والسموات السبع، والأرضون السبع وما بينهن وما فيهن في الكرسي كحلقة ملقاة بأرض فلاة.
وحملة العرش ملائكة عظام لا يعلم عظم خلقهم إلا الله، ولا يعلم قوتهم إلا الله، ولا يعلم عددهم إلا الله، يحملون العرش بقدرة الله.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية والتسعون في موضوع (العلي الأعلى المتعال) وهي آخر حلقة وستكون بعنوان :
حملة العرش من أكبر الملائكة وأعظمهم وأقواهم، وهم
ومن حول العرش من الملائكة المقربين يعبدون الله
عزَّ وجلَّ، ولهم زجل بالتسبيح والتقديس والتحميد كما قال سبحانه: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)} [غافر]
ويوم القيامة يحمل عرش الرحمان ثمانية أملاك عظام كما قال سبحانه: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)} [الحاقة].
والكرسي جسم عظيم مخلوق بين يدي العرش، وهو موضع القدمين للباري عزَّ وجلَّ، والعرش أعظم منه، والكرسي أعظم المخلوقات بعد العرش كما قال سبحانه: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)} [البقرة: 255].
والله تبارك وتعالى فوق سماواته، مستو على عرشه، عال على خلقه، لا يخفى عليه شيء من أمرهم: {اللَّهُ لَا
إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)} [النمل: 26].
وإذا كانت هذه عظمة كرسيه .. فكم تكون عظمة عرشه الذي وصفه بأنه عظيم .. ؟. وكم تكون عظمة الرب الذي استوى عليه جلَّ جلاله .. ؟.
أفيليق بمن هذه صفاته .. وهذه أفعاله .. وهذه عظمته .. أن يسكن العبد في ملكه .. ويأكل من رزقه .. ويكفر به .. ويستكبر عن عبادته وطاعته؟[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب ]
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، تم هذا البحث المهم ( العلي ، الأعلى ، المتعال ) وقد بذلت غاية جهدي وجمعت ألأقوال كلها وعزوتها لقائليها وهو أشبه ما يكون بالتفسير الموضوعي - وقد يكون فيه بعض التكرار ؛وسببه الإستشهاد بأقوال العلماء والمؤلفين وهم يتكلمون عن الموضوع من جميع جوانبه - إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا 0
{وسِع كرسِيُّه السَّمَاوات والأرض ولا يَؤُودُه حِفظُهمَا وهو العليُّ العظِيم }
جمع وتأليف الدكتور / مسفر بن سعيد دماس الغامدي