أسمــــــــــــــــــــــــــاء الله الحسنـــــــــــــــــــــــــى وصفاتـــــــــــــــــــــــــه الحلقـــــــة التاسعة بعد المائة في موضـــــــــــــــــــــــــوع الباعـــــــــــــــــــــــــــــــث

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه

الحلقة التاسعة بعد المائة في موضوع (الباعث) وهي بعنوان :          

*الباعث على جَمْع القرآن الكريم وإعجامه:

مِن الأكيد أن الدافع إلى نشأة عِلْم اللِّسان عند العرب - كما سبقت الإشارة - مرتبطٌ بنُزُولِ القرآن الكريم وفسادِ السليقة؛ لاختلاط أقْحاحِ العرب بالعَجَم، وإسلام الموالي؛ فقد ذكَر ابنُ جنِّي أنَّ رجلًا لحَنَ بحضْرة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ((أرشِدُوا أخَاكُمْ؛ فَقَدْ ضَلَّ)) ، فعدَّ اللَّحْنَ في الكلام ضلالةً؛ لأنه قد يُؤدي إلى لَحْنٍ في القرآن، وقد أورد ابنُ عساكر أن أعرابيًّا قَدِم زمن عمر بن الخطاب، فقال: من يُقْرئني ممَّا أُنزل على نبيِّه صلى الله عليه وسلم؟ فأقْرأه رجلٌ من سورة براءة: ﴿ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة: 3] بكسر ورسولِه، فقال الأعرابيُّ: أوقد بَرِئ اللهُ من رسوله؟ إنْ يَكُن اللهُ قد بَرِئ من رسولِه، فأنا أبرأُ منه، فبلغ عمرَ مقالةُ الأعرابي فدعاه، فقال: يا أعرابي، أتَبْرأُ مِن رسول الله؟ قال: يا أمير المؤمنين، إني قدمْتُ المدينةَ، ولا عِلْمَ لي بالقرآن، فسألتُ مَنْ يُقْرئني، فأقرأني هذا سورةَ براءةٍ، وقصَّ عليه الخبرَ، فعَلَّمَه عمرُ، ثم قال: لا يُقرئ القرآنَ إلَّا عالمٌ باللُّغة!

فاشترط الخليفة عمر على مُقْرئ القرآن العِلْمَ باللِّسان العربي؛ لأنه وِعاءُ القرآن الكريم الذي يُعَدُّ دستورَ المسلمين، ويشمل شريعتَهم ودليل عباداتهم ومعاملاتهم، وهذا الدستور صالحٌ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، ومَتْنُه محفوظٌ بأمر الله عز وجل؛ يقول تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، محفوظٌ بعُمُومه لفظًا ومعنًى، وقد قيَّد له اللهُ عز جل رجالًا عَكَفُوا على خِدْمته لتحقيق مُرادِ الله تعالى في استمراره؛ فهذا عثمانُ رضي الله عنه سعى في جمْع مَتْنِه بعدَ حروب الرِّدَّة في مصحف سُمِّي باسمه، وكان الخطُّ الذي كُتِبَ به خاليًا مِن النقط؛ لهذا لم يكُنْ في مَأْمَنٍ مِن التصحيف والتحريف، على الرغم مِن كون جمْع المتْنِ اللَّبِنةَ الأساسيةَ في التَّقْعيد للِّسان، ويُعَدُّ أبو الأسود الدؤلي أوَّلَ مُشتغِلٍ بهذا المتْن؛ حيثُ وضَعَ أساسًا للحركات الإعرابية باستعمال النقط؛ فقد روي أنه قال لكاتبه: "خُذِ المصحفَ وصِبْغًا يُخالفُ لونَ المداد، فإذا فتحْتُ شفتي فانقُطْ واحدةً فوقَ الحَرْف، وإذا ضممْتُها فاجعل النُّقْطة إلى جَنْب الحرف، وإذا كسرْتُها فاجعل النُّقْطة في أسْفَلِه، فإنْ أتْبعْتُ شيئًا من هذه الحركات غُنَّةً فانقُطْ نُقْطتَين"، فابتدأ بالمصحف حتى أتى على آخره، وانتشرت هذه الطريقة في ضَبْط القرآن الكريم إعرابًا إلى نهاية القَرْن الثاني الهجري عندما اقترح الخليلُ الحركاتِ الإعرابيةَ المتداولة اليوم؛ فجعل الضمَّ واوًا صغيرةً فوق الحرف، والكسرةَ ياءً مردودةً تحت الحرف، والفتحةَ ألِفًا مائلةً فوق الحرف، ووضَعَ علاماتٍ للهمزة والتشديد والرَّوم والإشمام، كما عمِل تلامذةُ أبي الأسود الدؤلي على الفصْلِ بين الحروف المتشابهة في الصُّوَر بوضْع النُّقَطِ عليها أزواجًا وأفرادًا؛ فوضع نصْرُ بنُ عاصم الليثي، ويحيى بن يَعْمُر للباء واحدةً في الأسفل، وللتاء اثنتين من أعلى، وهكذا في بقية الحروف على ما نجده اليوم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .