أسمــــــــــــــــاء الله الحسنـــــــــــــــــــــى وصفاتـــــــــــــــه الحلقـــة الخامسة والتسعــون بعد المائة في موضـــوع الواحــــــــد الأحــــــــــــد

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والتسعون بعد المائة في موضوع ( الواحد الأحد) من اسماء الله الحسنى وصفاته وهي بعنوان :

*الآيات الكونية الدالة على وجود الله وعلى وحدانيته ورحمته جل وعلا :

والحاصل أنه كلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات وتغلغل فكره في بدائعها وأزداد تأمله لما أودع الله فيها من لطيف صنعه وجميل بره علم أنها خلقت للحق وبالحق، وأنها صحائف آيات وكتب دلالات على ما أخبر الله به عن نفسه من وحدانيته واستحقاقه لكامل العبادة، وما أخبرت به الرسل عن اليوم الآخر، وأنها مسخرات ليس لها تدبير أبداً، ولا عندها استعصاء على مدبرها ومصرفها فيعرف أن العالم العلوي والسفلي كلهم إليه مفتقرون وإليه صامدون، وأنه الغني بذاته عن جميع مخلوقاته، لا إله إلا هو. وبقدر ارتقاء العقل في العلم والعرفان يكمل توحيده وإيمانه، ولا يشرك بالله إلا أقل الناس عقلاً ولا ينكره إلا أكثرهم جهلاً.

فالواجب على المسلمين عموماً وعلى علمائهم خصوصاً – وأكثرهم علماء – أن يدققوا النظر في الآيات التي وجههم في كتابه إلى النظر فيها ليستخرجوا منها العبر التي يقمعوا بها الملاحدة المنكرين، فإن آيات الله الكونية العظيمة ترشد إلى التفكير فيها وأنه لم يخلقها عبثاً ولعباً، كما قاله سبحانه: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [ص: 27].

وقال في الآيتين [16، 17] من سورة الأنبياء: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ وقال في الآية الثالثة من سورة الأحقاف: ﴿ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ﴾.

وقال في سورة الروم كذلك وقال في الآية (185) من سورة الأعراف: ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾.

وقال سبحانه وتعالى في الآيتين (190، 191) من سورة آل عمران: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾. فانظر كيف حصر حقيقة أولي الألباب، يعني ذوي العقول الرجيحة بهذين الوصفين الجليلين اللذين هما:

أولاً: ذكرهم لله في كل حالة من أحوالهم لا يغيب الله عن بالهم في أي حالة.

وثانياً: تفكرهم في آيات الله الكونية التي من أعظمها السموات والأرض؛ لأن لله سبحانه كتابين: كتاباً مخلوقاً وهو الكون الهائل العظيم، وكتاباً منزلاً من عنده سبحانه وهو القرآن، وهذا الكتاب المنزل يرشدنا إلى فهم الكتاب الكوني المخلوق وطريق العلم بعجائبه، فإن هذا الكون هو كتاب الإبداع الإلهي المفصح عن وجود الله وعن كماله وجلاله وجماله، فكلمات الله في التكوين

باعتبارها آثارها ومصداقها هي في آحاد المخلوقات.

والمبدعات الإلهية كلها من أكبرها إلى أصغر ذرة فيها، تنطق بلسان هو أفصح من لسان المقال، بأنها صنعة الله العليم الخبير الحكيم الذي أتقن كل شيء وأحسن كل شيء خلقه، فكل شيء منها معجزة شاهدة على وجوده، ولكن لا يفهمها الذين هم عن السمع معزولون، كالملاحدة الشيوعيين ومن على شاكلتهم من أهل المذاهب المادية والمبادئ العصرية الذين لا فرق بينهم وبين أولئك إلا تغيير الاسم واللقب، وكلها ألقاب ملعونة كافرة بالله كفراً اعتقادياً أو كفراً عمليّاً أسوأ من الاعتقادي.

فمعرفة الله يجب أن تقتبس من الدلائل الوجودية الحقيقية في كل شيء من هذه الأكوان، لا أن تقتبس من الجدليات النظرية والقوانين المنطقية التي ابتلي بها كثير من علماء الخلف حتى جعلوها الأساس للقرآن بدلاً من جعل القرآن أساساً لها. كما أوجب الله وفرض عليهم أن يحملوا الدعوة الإسلامية بحرارتها وقوتها السماوية الصريحة السليمة الصحيحة وهيبتها الإلهية التي عجز أمامها العباقرة، ولكنهم عكسوا الأمر فجعلوا المسلم في حاجة إلى أن يعلم المنطق اليوناني ليستطيع إقامة البرهان على وجود الله وإلا فهو عاجز عن البرهنة. كما أنهم أعطوا العقل حرية البحث في كل شيء مما يحس وما لا يحس، وجعلوه أساس في الإيمان، فترتب على هذا جعلهم العقل أساساً للقرآن والعياذ بالله، ولم يجعلوا القرآن أساساً للعقل، بل بحثوا فيما وراء الطبيعة في ذات الله وصفاته فيما لا يصل إليه الحس، وأفرطوا في قياس الله على الإنسان مما جرهم إلى إنكار حقيقة صفاته.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته