أسمــــــــــــــــاء الله الحسنـــــــــــــــــــــى وصفاتـــــــــــــــه الحلقـــة الخامسة والستـــون بعد المائة في موضـــوع الواحــــــــد الأحــــــــــــد

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والستون بعد المائة في موضوع (الواحد

الأحد) من اسماء الله الحسنى وصفاته وهي بعنوان :      

*الإخلاص.. حقيقته وثمراته : منزلة الإخلاص وأهميته:

لا بد من إخلاص النية لله في أي عمل يعمله العبد؛ قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥]، وقال صلى الله عليه وسلم : «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، وقال صلى الله عليه وسلم : «قال الله أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ من عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا بريء منه؛ وهو كله للذي أشرك».

ولا بد في إخلاص العمل من أن يكون هذا العمل مما شرعه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، يقول تعالى: {قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ١٣] ، ويقول صلى الله عليه وسلم : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وفي لفظ في صحيح مسلم أيضاً: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».

وبالإخلاص والمتابعة يتحصن المسلم من ألد أعدائه ألا وهو الرياء والبدعة والشرك. يقول ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: «فهما توحيدان، لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المرسل، وتوحيد متابعة الرسول».

 ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وبالجملة فمعنا أصلان عظيمان؛ أحدهما: أن لا نعبد إلا الله. والثاني: أن لا نعبده إلا بما شرع. لا نعبده بعبادة مبتدعة. وهذان الأصلان هما تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، كما قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: ٢]. قال الفضيل بن عياض: أخلصه وأصوبه. قالوا. يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإن كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. وذلك تحقيق قوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِـحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: ٠١١].

ولذلك اشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم  الإخلاص شرطاً أساسياً لقبول العمل، فبيّن صلى الله عليه وسلم  أن من أشرك في نيته وقصده لله ولغيره، فإن الله سبحانه لا يقبل منه هذا العمل حتى لو كان عظيماً، فعن أبي موسى عبدِ اللهِ بنِ قيسٍ الأشعريِّ رضي الله عنه، قَالَ: سُئِلَ رسولُ الله عَنِ الرَّجُلِ يُقاتلُ شَجَاعَةً، ويُقَاتِلُ حَمِيَّةً، ويُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذلِكَ في سبيلِ الله؟ فقال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَاتَلَ لِتَكونَ كَلِمَةُ اللهِ هي العُلْيَا، فَهوَ في سبيلِ اللهِ».

عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي فقال: أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟

فقال رسول الله:«لا شيء له». فأعاد ثلاث مرات،ثم قال:«إن الله لا يقبل من العمل إلاما كان له خالصاً وابتُغِيَ به وجهه

 ومن هذه الأحاديث يتبين لنا عظيم أمر الإخلاص وأنه أساس قبول العمل، وأن نوايانا هي التي تشكّل أعمالنا وتوجهها، والعمل مهما تكن ضخامته وخطره، لا يكون جليلاً ولا يُكتب له القبول الحق إلا بقدر ما تكون النوايا جليلة وصادقة.

من علامات الإخلاص:

1- أن يبتغي المسلم الأجر من الله تعالى وحده:

فلا يبحث عن شهرة، ولا مكانة اجتماعية، ولا زعامة، ولا ثناء الناس عليه، قال تعالى على لسان بعض الأنبياء في القرآن الكريم: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إنْ أَجْرِيَ إلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٩٠١]، وقال الإمام الشافعي - رحمه الله -: «وددت أن الناس انتفعوا بهذا العلم، وما نسب إليَّ شيء منه».

2- أن يكون عمل السر عنده أفضل من العلانية:

 ففي الحديث عن أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها فلا تعلم شماله ما أنفقت يمينه»، فلما أخفى صدقته وأخلص فيها لله تعالى، رفع الله قدره وأظله في ظله.

3- إساءة الظن بالنفس، واتهامها بالتقصير:

فالمخلص من العباد من يأتي بجميع العبادات على أحسن وجه، ومع ذلك هو خائف أن لا يتقبل الله منه عمله يوم القيامة، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: ٠٦]، وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم  هذا المعنى لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يَسْرِقُ وَيَزْنِي وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَهُوَ يَخَافُ اللَّهَ؟ قَالَ لَا يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ،

وَلَكِنَّهُ الَّذِي يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ يُخَافُ اللَّهَ.

4- استواء المدح والذم:

المخلص يقوم بجميع أعماله على ما يرضى الله تعالى ثم بعد ذلك لا يبالى أرضي الناس أم سخطوا، مدحوا أم ذموا. وكان بَعْض السَّلَفِ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُمْدَحُ فِي وَجْهِهِ، قَالَ: «التَّوْبَةُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: اللهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَاجْعَلْنِي خَيْراً مِمَّا يَظُنُّونَ»

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته