أسمــــــــــــــــاء الله الحسنـــــــــــــــــــــى وصفاتـــــــــــــــه الحلقـــة الرابعة والستـــون بعد المائة في موضـــوع الواحــــــــد الأحــــــــــــد

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والستون بعد المائة في موضوع (الواحد

الأحد) من اسماء الله الحسنى وصفاته وهي بعنوان :       

*الإخلاص.. حقيقته وثمراته :

إن إخلاص العمل لله تبارك وتعالى من أعظم أصول هذا الدين، فهو مسك القلوب وعماد الدين، مدار الفلاح كله عليه، علمه خير علم، فيه رضا الرحمن وراحة القلوب ونجاة النفوس، وهو ركن العمل وأساسه.

ويُعَدُّ الإخلاص من أهم أعمال القلوب، وأعظمها قدراً وشأناً، فبحسب الإخلاص يُقبل عمل العبد أو يُرَدّ عليه. وهذا الدين كله يقوم على الإخلاص، يقول الله جل وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، وقال تبارك وتعالى: {قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} [الزمر: 11]، وقال سبحانه: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي} [الزمر: 14].

والإخلاص لُبُّ الأعمالِ وروحها، وله ثمراتٌ عظيمة في دنيا المسلم وآخرته؛ إذ بالإخلاص تطمئن القلوب، وتهدأ النفوس؛ لأنها تعامل علام الغيوب، الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، والذي يعلم السر وأخفى، فيرجون بعملهم كله وجه ربهم سبحانه، شعارهم دائماً قوله تعالى: {إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان: 9].

وإن تحقيق الإخلاص مهم جداً للمسلم؛ لأن أغلب الناس يعيشون في صراعات داخلية ويعانون من أشياء، فحُرموا البركة والتوفيق إلا من رحمه الله، فكيف يكون النصر وتعلم العلم إلا من المخلصين، فالإخلاص مهم في إنقاذنا من الوضع الذي نعيش فيه، فقد أصبح عزيزاً نادراً قليلاً، فهناك كثير من المشاريع المهمة والدعوات تلوثت بالرياء، فضلاً عن حركات إسلامية دُمِّرت بسبب افتقاد الإخلاص، إذ أريد بها الرئاسة والجاه والمال.

ولو فتشنا عن أعظم أمراضنا الاجتماعية في هذه الأيام لوجدناها: عدم إخلاص العمل لله سبحانه، وطلب رضا الناس بكثير من الأعمال الشرعية، فها هي كثير من واجبات الدين من صلة الأرحام وزيارة المريض والإحسان إلى الجيران، وغيرها صارت تُؤَدَّى للناس، وصار يُطلب بالزيارة والإطعام والإحسان رضا الناس، دون التماس الأجر من الله سبحانه، فيذهب الرجل يعزي في وفاة جار أو صديق أو قريب وربما يقطع المسافات طلباً لرضا أو رؤية الناس، وربما ينفق في الإطعام والاتصال والهدايا وزيارة المريض، طلباً لرضا الناس.. وهكذا.

معنى الإخلاص وحقيقته : الإخلاص: تصفية العمل لله تعالى؛ فيخلص من كلِّ شائبة. قال ابن القيم: «الإخلاص هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة».

وقال ابن رجب: الإخلاص في اللغة ترك الرياء، وفي الاصطلاح: تخليص القلب عن شائبة الرياء المكدر لصفائه.

وقال ابن القيم: «نبه سبحانه بقوله: {إلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} [الليل: ٠٢]، على أن من ليس لمخلوق عليه نعمة تُجزى لا يفعل ما يفعله إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى؛ بخلاف من تصور نعم المخلوقين ومننهم، فإنه مضطر إلى أن يفعل لأجلهم ويترك لأجلهم، ولهذا كان من كمال الإخلاص أن لا يجعل العبد عليه منّة لأحد من الناس؛ لتكون معاملته كلها لله ابتغاء وجهه وطلب مرضاته، فكما أن هذه الغاية أعلى الغايات وهذا المطلوب أشرف المطالب فهذا الطريق أقصر الطرق إليه وأقربها وأقومها».

وإذا علم العبد أن كل نعمة أصابته، وكل فضل ناله، وكل خير جاء له، وكل شر صُرف عنه، وكل سوء نجا منه، أن فاعل كل ذلك على الحقيقة هو الله الواحد سبحانه.. وإذا أيقن أن الله سبحانه هو الخالق الرازق، الرب المحيي المميت المعبود، فلا معبود بحقٍ سواه، صرف العبادة كلها إليه وحده دون سواه، فكل حركة وسكنة إنما هدفها الأعلى رضا الله سبحانه، وهذا ما أرشد إليه قول الله تعالى: {قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ صلى الله عليه وسلم ٢٦١صلى الله عليه وسلم ) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْـمُسْلِمِينَ} [الأنعام: ٢٦١، ٣٦١].

فهذا هو الإخلاص، أن تكون الحياة لله، وأن يكون الممات لله، وأن تكون الصلاة لله، وأن يكون النسك والعبادة كلها خالصة لوجه الله، لا تُصرف لأحدٍ، ولا لبشر، ولا لحجر، ولا لبقر، ولا لطاغوت، ولا لوثن، ولا لأحد من الناس كائناً من كان، هذه هي العبادة لله: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته