أسمــــــــــــــــاء الله الحسنـــــــــــــــــــــى وصفاتـــــــــــــــه الحلقـــة الرابعة والثلاثون بعد المائة في موضـــوع الواحــــــــد الأحــــــــــــد

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون بعد المائة في موضوع (الواحد الأحد) من اسماء الله الحسنى وصفاته وهي بعنوان :

*أهمية التوحيد وثمراته :

إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخيرَ الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشرَّ الأمور محدثَاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.

إن مَن تدبر نصوص القرآن والسُّنَّة يعلم أهمية التوحيد الذي أرسل الله به رسله، وأنزل به كتبه، ولا يستطيع أحدٌ أن يحصر أهمية التوحيد ولو في أسفارٍ ومجلَّدات، غير أني أذكر طَرَفًا منها في هذه المقالة؛ لتكون بمثابة المنارات التي يهتدي بها السالك لأنفع المسالك، وهي:

1- التوحيد من أجله خلق الله الخلق:

قال - تعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، "هذه الغاية التي خلق الله الجنَّ والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته المتضمِّنة لمعرفته ومحبَّته، والإنابة إليه، والإقبال عليه، والإعراض عمَّا سواه، وذلك متوقِّف على معرفة الله - تعالى - فإنَّ تمام العبادة متوقفٌ على المعرفة بالله، بل كلَّما ازداد العبد معرفةً بربه، كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلَّفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليهم".

فمعنى الآية: أنه - تبارك وتعالى - خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، فمَن أطاعه جازاه أتمَّ الجزاء، ومَن عصاه عذَّبه أشدَّ العذاب، وأخبر أنَّه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ورازقهم".

"فبيَّن - سبحانه - الحكمة في خلقهم، وهي أن يعبدوا الله وحده، وأنهم لم يُخلقوا عبثًا ولا سدًى، بل خُلقوا لهذا الأمر العظيم؛ وهو أن يعبدوا الله - جل وعلا - ولا يشركوا به شيئًا، ويخصُّوه بدعائهم، وخوفهم ورجائهم، وصلاتهم وصومهم، وذبحهم ونذرهم، وغير ذلك".

"فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته، فاعلم أن العبادة لا تُسمَّى عبادةً إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تُسمى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت، كالحدث إذا دخل في الطهارة".

2- التوحيد فطرة الله التي فطر الناس عليها:

قال - تعالى -: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ

النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30]؛ "﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ ﴾؛ أي: انصبه ووجِّهه ﴿ لِلدِّينِ ﴾ الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان؛ بأن تتوجَّه بقلبك وقصدك وبدنك إلى إقامة شرائع الدين الظاهرة؛ كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، ونحوها، وشرائعه الباطنة؛ كالمحبة، والخوف، والرجاء، والإنابة، والإحسان في الشرائع الظاهرة والباطنة، بأن تعبد الله فيها كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك، وخصَّ الله إقامة الوجه؛ لأن إقبال الوجه تبعٌ لإقبال القلب، ويترتَّب على الأمرين سعيُ البدن، ولهذا قال: ﴿ حَنِيفًا ﴾؛ أي: مُقْبِلاً على الله في ذلك، معرِضًا عمَّا سواه، وهذا الأمر الذي أمرناك به هو ﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾، ووضع في عقولهم حسنها، واستقباح غيرها.

فإن جميع أحكام الشرع، الظاهرة والباطنة، قد وضع الله في قلوب الخلق كلهم الميلَ إليها، فوضع في قلوبهم محبة الحق وإيثار الحق، وهذه حقيقة الفِطَر، ومَن خرج عن هذا الأصل، فلِعارِضٍ عرض لفطرته أفسدها؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كل مولود يُولَد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه)).

﴿ لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾؛ أي: لا أحد يبدِّل خلق الله، فيجعل المخلوق على غير الوضع الذي وضعه الله ﴿ ذَلِكَ ﴾ الذي أمرناك به ﴿ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾؛ أي: الطريق المستقيم الموصل إلى الله، وإلى دار كرامته، فإنَّ مَن أقام وجهه للدين حنيفًا فإنه سالك الصراط المستقيم في جميع شرائعه وطرقه؛ ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾، فلا يتعرَّفون الدين القيم، وإن عرفوه لم يسلكوه".

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته