أسمــــــــــــــــاء الله الحسنـــــــــــــــــــــى وصفاتـــــــــــــــه الحلقـــة الثانية والثلاثون بعد المائة في موضـــوع الواحــــــــد الأحــــــــــــد

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والثلاثون بعد المائة في موضوع (الواحد الأحد) من اسماء الله الحسنى وصفاته وهي بعنوان :

*حق الله على العباد :

أما إذا آثر شيئًا من ذلك وفضَّله على حُبِّ الله ورسوله والعمل في سبيله، كان فيه شيء من الشِّرك بحسب ما حصل من آثار ذلك ونتائجه، وإذا فضل العمل من أجل ذلك وقدَّمه على العمل لله، ازداد شركُه بحسب ما أخَّره من حق الله ولو لم ينقله عن الملَّة، ويخشى عليه إذا تمادى أو خالطه اعتقاد تفضيل العمل مِن أجل المادة والتصنيع، أو مِن أجل الوطن والعشيرة، أو من أجل المذهب أو المبدأ الذي ينتحله ويتبناه، فإنه حينئذٍ يكون مُشركًا مع الله غيره؛ لأن المتبني لهذه الأشياء، والعامل من أجلها، والمتوجه إليها - تلزمه طرائقه أن يسلك مسلكًا في الشؤون الاجتماعية مخالفًا لوحي الله وحكمه، فيكون قد اتخذ مع الله إلهًا آخر في أحواله الاجتماعية، أو يسلك في الشؤون الاقتصادية مسلكًا مخالفًا لحكم الله، فيكون قد جعل مع الله إلهًا آخر في الأمور الاقتصادية، أو يسلك في شؤونه السياسيَّة مسْلكًا مُخالفًا لملَّة إبراهيم التي أوجب الله اتِّباعها، فيكون قد جعل مع الله إلهًا آخر في الشؤون السياسية، ويجعل لنفسه الخيَرة في ميدان القضاء والتشريع، فيسن الأنظمة والقوانين المخالفة لما أنزل الله ويحكم بها، فيكون قد جعل مع الله إلهًا آخر في هذا الميدان؛ إذ جريمته أعظم من جريمة مَن حكَم بغير ما أنزل الله أو تحاكَم إلى الطاغوت، أو يسلك في أحوال السلم والحرب مسْلكًا مُخالفًا لشريعة سيد المرسلين؛ فيكون قد اتَّخذ مع الله إلهًا آخر في هذا الميدان، أو يتخذ بطانة من دون المؤمنين ووَلِيجَة من دون الله ورسوله، زاعمًا أنهم أهدى سبيلاً؛ فيكون مُشركًا في هذا الميدان بذلك الاعتقاد، ونحو ذلك مما عمَّت به المصائب، وتشعبت طرق المفرطين والمتنطعين ممن يزعمون الإسلام، وهم قد عطلوا حكم الله، وعدلوا بالله غيره من أهوائهم وأئمتهم وزعمائهم في المذاهب والمبادئ والنظريات المبتعدة عن صراط الله المستقيم، فإن سلوك أي نوع منها، وانتهاج أي خطة، هو مخالف لتوحيد العبادة، ومُوقِع في حبائل الإشراك وأنواعه المختلفة، ومهما اختلفتِ الأسماء والشعارات والألقاب، فإنَّ العبرةَ بالحقيقة وواقع الأمر؛ من مجانبة وحي الله، وتعطيل حكمه، وتفضيل غيره عليه في الحبِّ والانقياد والاندفاع من أجله كما هو مُشاهَد.

فمَن تدبَّر أحوال الناس في سائر الأزمنة والأمكنة من جميع الأمم والشُّعوب والجماعات والأفراد، عرَف قيمة هذا الحديث الشريف الذي هو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وعرف السبب الذي مِن أجْله كتب الله على نفْسه ذلك الحق، تكرُّمًا منه وفضلاً لِمن لَم يشركْ به شيئًا، وأن هذا الأمن العظيم منَ العذاب لا يناله إلا من لَم يسلك مسالك الظلم بانتقاص أي حق من حقوق الله، وأنه لا يقوم بحقِّ الله من إخلاص توحيد العبادة إلا من أخلص له المحبة والقصْد؛ ذلك أنَّ المحبَّة الصَّحيحة تستلزم مُوافقة المحبوب في جميع ما يُحبه ويبغضه، وما يرضيه ويسخطه، بأن يعمل ما يحبه محبوبه، ويهجر ما يبغضه أبدًا، ويرضى بما يرضاه محبوبه، ويسخط على كل ما يسخطه ويعاديه، وأن يسارع في مرْضاته وامتثال أوامره، وتنفيذ وصاياه ورغباته، متَشرفًا بما يسُره ويرضيه، متَنَعِّمًا بذلك صابرًا على ما يُلاقي فيه، وأن يحب أحبابه ويُواليهم ويُساندهم، ويُعادي أعداءه ويحاربهم ويقصيهم، وكذلك تستلزم المحبة من المحب إكرامَ رسول محبوبه وحسن التلقِّي عنه، فمَن لَم يكنْ في مُعاملته على هذه الحال، فإنه ليس صادقًا في محبته، كما هو معلوم بالعقل والوجدان.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته