أسمــــــــــــــــاء الله الحسنـــــــــــــــــــــى وصفاتـــــــــــــــه الحلقـــــــــــــــة التاسعة عشرة في موضــــــــــــــــــــــوع الواحــــــــــــــــــــد الأحــــــــــــد

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة عشرة في موضوع (الواحد الأحد) من اسماء

الله الحسنى وصفاته وهي بعنوان : *الآيات :{ يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار}(يوسف - 39)

وقال البغوى : ( يا صاحبي السجن ) جعلهما صاحبي السجن لكونهما فيه ، كما يقال لسكان الجنة : أصحاب الجنة ، ولسكان النار : أصحاب النار ( أأرباب متفرقون ) أي : آلهة شتى ، هذا من ذهب ، وهذا من فضة ، وهذا من حديد ، وهذا أعلى ، وهذا أوسط ، وهذا أدنى ، متباينون لا تضر ولا تنفع ( خير أم الله الواحد القهار ) الذي لا ثاني له . والقهار : الغالب على الكل .

وقال ابن كثير : ثم إن يوسف - عليه السلام - أقبل على الفتيين بالمخاطبة ، والدعاء لهما إلى عبادة الله وحده لا شريك له وخلع ما سواه من الأوثان التي يعبدها قومهما ، فقال : ( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) [ أي ] الذي ولى كل شيء بعز جلاله ، وعظمة سلطانه .

وقال القرطبى : قوله تعالى : يا صاحبي السجن أي يا ساكني السجن ; وذكر الصحبة لطول مقامهما فيه ، كقولك : أصحاب الجنة ، وأصحاب النار .

قوله تعالى : { أأرباب متفرقون } أي في الصغر والكبر والتوسط ، أو متفرقون في العدد .

خير أم الله الواحد القهار وقيل : الخطاب لهما ولأهل السجن ، وكان بين أيديهم أصنام يعبدونها من دون الله تعالى ، فقال ذلك إلزاما للحجة ; أي آلهة شتى لا تضر ولا تنفع . خير أم الله الواحد القهار الذي قهر كل شيء .                            نظيره : الله خير أم ما يشركون . وقيل : أشار بالتفرق إلى أنه لو تعدد الإله لتفرقوا في الإرادة ولعلا بعضهم على بعض،وبين أنها إذا تفرقت لم تكن آلهة .

وقال الطبرى : ذكر أن يوسف صلوات الله عليه قال هذا القول للفتيين اللذين دخلا معه السجن ،لأن أحدهما كان مشركًا، فدعاه بهذا القول إلى الإسلام وترك عبادة الآلهة والأوثان،فقال:(يا صاحبي  السجن)، يعني: يا من هو في السجن، وجعلهما " صاحبيه "

يقول: أعبادة أرباب شتى متفرقين وآلهة لا تنفع ولا تضر، خيرٌ أم عبادة المعبود الواحد الذي لا ثاني له في قدرته وسلطانه ، الذي قهر كل شي فذلـله وسخره، فأطاعه طوعًا وكرهًا .

وقال ابن عاشور : استيناف ابتدائي مصدر بتوجيه الخطاب إلى الفتيين بطريق النداء المسترعي سمعهما إلى ما يقوله للاهتمام به .

وعبّر عنهما بوصف الصحبة في السجن دون اسميهما إمّا لجهل اسميهما عنده إذ كانا قد دخلا السجن معه في تلك الساعة قبل أن تطول المعاشرة بينهما وبينه ،وإما للإيذان بما حدث من الصلة بينهما وهي صلة المماثلة في الضراء الإلف في الوحشة ، فإن الموافقة في الأحوال صلة تقوم مقام صلة القرابة أو تفوقها .

وأراد بالكلام الذي كلّمهما به تقريرهما بإبطال دينهما ، فالاستفهام تقريري . وقد رَتّب لهما الاستدلال بوجه خطابي قريب من أفهام العامة ، إذ فرض لهما إلهاً واحداً مستفرداً بالإلهية كما هو حال ملته التي أخبرهم بها . وفرض لهما آلهة متفرقين كل إله منهم إنما يتصرف في أشياء معينة من أنواع الموجودات تحت سلطانه لا يعدوها إلى ما هومن نطاق سلطان غيره منهم،وذلك حال ملة القبط

ثم فرض لهما مفاضلة بين مجموع الحالين حال الإله المنفرد بالإلهية والأحوال المتفرقة للآلهة المتعددين ليصل بذلك إلى إقناعهما بأن حال المنفرد بالإلهية أعظم وأغنى ، فيرجعان عن اعتقاد تعدد الآلهة . وليس المراد من هذا الاستدلال وجود الحالين في الإلهية والمفاضلة بين أصحاب هذين الحالين لأن المخاطبين لا يؤمنون بوجود الإله الواحد .

هذا إذا حمل لفظ { خير } على ظاهر المتعارف منه وهو التفضيل بين مشتركات في صفة . ويجوز أن يكون { خير } مستعملاً في معنى الخير عند العقل ، أي الرجحان والقبول . والمعنى : اعتقاد وجود أرباب متفرقين أرجح أم اعتقاد أنه لا يوجد إلا إله واحد ، ليستنزل بذلك طائر نظرهما واستدلالهما حتى ينجلي لهما فساد اعتقاد تعدد الآلهة ، إذ يتبين لهما أن أرباباً متفرقين لا يخلو حالهم من تطرق الفساد والخلل في تصرفهم ، كما يومىء إليه وصف التفرق بالنسبة للتعدد ووصف القهار بالنسبة للوحدانية .

وكانت ديانة القبط في سائر العصور التي حفظها التاريخ وشهدت بها الآثار ديانة شِرك ، أي تعدد الآلهة . وبالرغم على ما يحاوله بعض المؤرخين المصريين والإفرنج من إثبات اعتراف القبط بإله واحد وتأويلهم لهم تعدد الآلهة بأنها رموز للعناصر فإنهم لم يستطيعوا أن يثبتوا إلا أن هذا الإله هو معطي التصرف للآلهة الأخرى . وذلك هو شأن سائر أديان الشرك ، فإن الشرك ينشأ عن مثل ذلك الخيال فيصبح تعدد آلهة . والأممُ الجاهلة تتخيل هذه الاعتقادات من تخيلات نظام ملوكها وسلاطينها وهو النظام الإقطاعي القديم .

نعم إن القبط بنوا تعدد الآلهة على تعدد القوى والعناصر وبعض الكواكب ذات القوى . ومثلهم الإغريق فهم في ذلك أحسن حالاً من مشركي العرب الذين ألّهوا الحجارة . وقصارى ما قسموه في عبادتها أن جعلوا بعضها آلهة لبعض القبائل كما قال الشاعر : وفرّت ثقيف إلى لاتها: ...

وأحسن حالاً من الصابئة الكلدانيين والأشوريين الذين جعلوا الآلهة رموزاً للنجوم والكواكب .

وكانت آلهة القبط نحواً من ثلاثين رباً أكبرها عندهم آمون رُعْ . ومن أعظم آلهتهم ثلاثة أخر وهي : أوزوريس ، وأزيس ، وهوروس . فللّه بلاغة القرآن إذ عبر عن تعددها بالتفرق فقال : { أأربابٌ متفرقون } [ سورة يوسف : 39 ].

[ الأنترنت - موقع الآيات : {يَٰصَىٰحِبَىِ ٱلسِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَٰحِدُ ٱلْقَهَّارُ } (يوسف - 39) ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته