أسمــــــــــــــــــــــــاء الله الحسنـــــــــــــــــــــى وصفاتــــــــــــــــــه الحلقــــــــــة الرابعة والستون في موضـــــــوع القادر المــقتدر القـــدير

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الرابعة والستون في موضوع(القديرالقادرالمقتدر) من اسماء الله الحسنى وصفاته وهي بعنوان:*ضوابط في موضوع الإيمان بالقضاء والقدر:               الاحتجاج بالقدر:

ومن جهة ثالثة: فإنه يسوغ الاحتجاج بالقدر عند المصائب التي تحل بالإنسان، لا التكليف والآثام والذنوب التي يقترفها ويكتسبها، فمثلاً الفقر، المرض، فقد القريب، خسارة المال، هنا يكون الاحتجاج بالقدر صحيحًا، "فالسعيد يستغفر من المعايب، ويصبر على المصائب، والشقي يجزع عند المصائب، ويحتج بالقدر عند المعايب.

كلام شيخ الإسلام يقول: "السعيد يستغفر من المعائب، ويصبر على المصائب، والشقي يجزع عند المصائب، ويحتج بالقدر عند المعائب". [القصيدة التائية في القدر:1/150].

لو أخذنا مثلاً لو أن رجلا أسرع سرعة مفرطة بسيارة وتسبب في وقوع حادث، فوبخ على ذلك، وجيء به للمحاسبة، فاحتج بالقدر السرعة

هذه قدر الله، والحادث قدر الله، لم يكن مقبولاً، فسيقال تسببت، وأسرعت، واخترت التهور الذي أفضى إلى الحادث، بينما لو أن شخصًا صدمت سيارة وهو في مكانه لم يتحرك بها، فجاء شخص قال: لماذا انصدمت السيارة؟ فسيقول: هذا قدر الله، ليس منه فعل مصيبة محضة، فإذاً محاسبة العباد على ما كان من أفعالهم واختيارهم ولا يحتج بالقدر في هذا، لكن ما كان خارجًا عن اختيارهم، وليس لهم فعل فيه فهنا يكون الاحتجاج بالقدر صحيحًا، فإذا قيل لشخص: لماذا مات أبوك؟ قدر الله، لماذا مرضت زوجتك؟ ولذلك هنا يأتي الاحتجاج صحيحًا مائة بالمائة، يقول هذا قضاء الله وقدره، ونحن نرضى ونسلم، لكن في المعصية المفترض أن يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، وأعترف، وأنا نادم، وأتحمل مسؤولية ما فعلت، وأعيد المسروق، وأتحلل، وأتحمل النتائج، لو كان محقًا سيتجه بهذه الطريقة.

احتجاج آدم وموسى في الحديث: احتج آدم وموسى، فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه؟ ثم تلوموني على أمر قد قدر عليّ قبل أن أخلق، فحج آدم موسى [رواه البخاري: 3409، ومسلم: 2652].

الخلاصة: أن آدم وموسى التقيا بعد الموت، فقال موسى لآدم: أخرجتا ونفسك من الجنة، فقال آدم: تلوموني على أمر قد قدر عليّ قبل أن أخلق، بعض الناس يتصور أن آدم احتج بالقدر على الذنب، ولكن الذي يتأمل الحديث يجد غير ذلك، فإن موسى  ما لام آدم على الذنب؛ لأن موسى يعلم أن آدم استغفر وتاب،  وأن الله قبل توبته، ومحا ذنبه، فإذاً موسى يعلم أن آدم غفر له، فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ [البقرة: 37]، فإذاً موسى لم يلم آدم على الذنب،وإنما احتج بالقدرعلى المصيبة.

قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: فاحتج آدم بالقدر على المصيبة لا على الخطيئة، فإن القدر يحتج به عند المصائب لا عند المعائب، وهذا المعنى أحسن ما قيل في الحديث". [شرح الطحاوية: 1/105].

ولذلك متى يصح الاحتجاج بالقدر من الذنب إذا تاب، وأقلع وانتهى، فجاء واحد وقال: أنت فعلت كذا، فهنا يقول: قدر الله وما شاء فعل، وأنا أصلاً الحمد لله فارقت ذنبي، وتبت منه، وأستغفر الله منه، وأتبرأ منه، فيباح الاحتجاج بالقدر للمذنب إذا تاب من ذنبه، فيكون الذنب عندئذ في حقه مصيبة، لكن المذنب إذا لم يتب لا يكون ذنبه مصيبة عنده، الزاني لا يرى الزنا مصيبة إذا كان هو مستمر في الزنا، شارب الخمر إذا شرب الكأس والآن يهيئ الكأس الثانية لا يرى أن الكأس هذه التي شربها مصيبة، فهو سادر في غيه، لكن لو تاب، وأقلع، وانتهى، واستقام، وجاء شخص يلومه على ذنب قديم، فالذنب القديم بالنسبة للتائب الذي ندم يعتبر مصيبة، فيقول: هذا قدره الله عليّ، وأنا تبت، فإذاً يصح الاحتجاج بالقدر من المذنب إذا تاب، وأقلع، واستقام، وندم لأنه فعلاً يراه بعد الندم مصيبة، وقد قال النبي ﷺ: ولا تجعل مصيبتنا في ديننا [رواه الترمذي: 3502]، وأما المذنب حال ذنبه، واتباعه للشهوات لا يرى ذنبه مصيبة، بل يستحليه ويستمر فيه، فلا يمكن أن يحتج بالقدر هنا، ويقول هذه مصيبة، لكن آدم بعد الذنب، وبعد التوبة، وبعد الاستقامة يرى ذنبه الذي فعله في الجنة من الأكل من الشجرة مصيبة، ويؤمن أنه مصيبة، فلذلك يسوغ لآدم أن يقول: تلوموني على أمر قدره الله عليّ -كتبه- قبل أن يخلق السماوات والأرض، فيستقيم الكلام حينئذ، ولا إشكال في ذلك.

وإلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .