أسمــــــــــــــــــــــــاء الله الحسنـــــــــــــــــــــى وصفاتــــــــــــــــــه الحلقــــــــــة الثالثة والأربعون في موضــــــــــــوع الجبـــــــار

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة والأربعون  في موضوع (الجبار) وهي بعنوان :

*موقع مفاهيم قرآنية « الجبّار »

قد ورد هذا اللفظ في موارد عشرة في القرآن الكريم ووقع وصفاً له في مورد واحد قال سبحانه : ( المَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ( الحشر / ٢٣ ) وهو من الصفات التي إذا وقع وصفاً له سبحانه يتبادر منه المدح وإذا وصف به غيره يتبادر منه الذم. قال سبحانه : ( كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ) ( غافر / ٣٥ ) وقال سبحانه : ( وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) ( هود / ٥٩ ) ويمكن توضيح ذلك بوجوه :

قال ابن فارس : الجبر هو جنس من العظمة والعلوّ والاستقامة. فالجبّارُ الذي طال وفات اليد. يقال فرس جبّار ونخلة جبارة

وقال الرازي : الجبّار : العالي الذي لا ينال ، ومنه نخلة جبّارة : إذا طالت وعلت وقصرت الأيدي عن أن تنال أعلاها ، ومنه قوله تعالى : ( إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ ) ( المائدة / ٢٢ ) أي عظماء ، فيقال : رجل جبّار إذا كان متعظّماً متجبّراً لا يتواضع ولا ينقاد لأحد وهذا الاسم في حقّ الله سبحانه يفيد أنّه سبحانه وتعالى بحيث لا تناله الأفكار ولا تحيط به الأبصار ، ولا يصل إلى كنه عزّه عقول العقلاء ، ولا ترقي إلى مبادي اشراق جلاله علوم العلماء ، وهو بهذا المعنى من صفات التنزيه

يلاحظ عليه :

الظاهر أنّ الجبّار بمعنى واحد صفة مدح في حقّه سبحانه ووصف ذمّ في غيره ، وعلى ضوء ذلك فيجب أن يفسّر على وجه يكون نفس المعنى في مورد مدحاً وفي مورد آخر ذمّاً من دون أن يكون هناك معنيان ، وما ذكر من المعاني للجبّار لا يحقّق ذلك المطلوب وإليك البيان :

١ ـ الجبّار : العالي الذي لا ينال                                                                                                       هذا المعنى هو المتبادر ممّا ذكره « ابن فارس » و « الرازي » ولو صحّ لا يحقّق ما هو المطلوب بأن يكون معنى واحد مدحاً في حقّ الواجب وذمّاً في حقّ الممكن ، فإنّ كون الشيء عالياً لا ينال مدح على كلّ حال ، وتعليل كونه ذمّاً في حقّ الممكن بعدم كونه كذلك ، لا يستلزم كونه وصف ذمّ في ذلك المورد وإلاّ يلزم أن يكون وصف العالم في حقّ الجاهل وصف ذمّ إذا ادّعى لنفسه.

٢ ـ الجبّار : العظيم الشأن في الملك

وهذا هو المستفاد من كلام الطبرسي حيث قال : الجبّار ب‍ « العظيم الشأن في الملك » ولا يستحق أن يوصف به على الاطلاق إلاّ الله تعالى ، فإن وصف به غيره فإنّما يوضع اللفظ في غير موضعه فيكون ذمّاً ».

يلاحظ عليه : بنفس ما لوحظ به على كلام الرازي ، فإنّ ما ذكره من المعنى صحيح في حقّ البارئ سبحانه ، إنّما الكلام في وجه كونه وصف ذم في حقّ غيره فالظاهر من الآيات أنّه كذلك بنفس معناه وصف ذم لا لكون المبدء غير موجود فيهم. فكم فرق بين كون الشيء وصف ذمّ ، وبين كونه في حدّ ذاته مدحاً ، ولكنه لأجل كونه مدعياً لما ليس فيه وصف ذمّ.

٣ ـ « الجبّار » : من يصلح الشيء بضرب من القهر

هذا المعنى يظهر من « الراغب » في مفرداته. قال الجبر : إصلاح الشيء بضرب من القهر ، وقد يقال في الاصطلاح المجرد مثل قوله علي عليه‌السلام : « يا جابر كل كسير »  ويطلق على الإنسان بمعنى من يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقّها. وهذا لا يقال إلاّ على طريق الذم

أقول : ما ذكره محتمل في حقّه سبحانه ويمكن تقريره بوجه واضح وهو أنّه سبحانه وتعالى باعتبار جمع شتيت اُمور خلقه ، ولمّ شعثهم

وشعب ما تفرّق عنهم ، واستصلاح ما فسد منهم ، ورتق ما فتق منهم ، فهو جبّار من في السموات ومن في الارض دائماً

 [الأنترنت – موقع مفاهيم قرآنية - المؤلف: الشيخ جعفر السبحاني]

الى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.