أسمــــــــــــــــــــــــاء الله الحسنـــــــــــــــــــــى وصفاتــــــــــــــــــه الحلقــــــــــــــــة الرابعة والعشـــرون في موضـــــــــــــــــوع الـــــــــــــــــــــــــــرب

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد: فهذه الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع (الرب

 ) وهي بعنوان: *معنى اسم [ الرب ] في حق الله:-

ويُبيِّنُ الحليميُّ أن اللهَ سُبحانه يَرْعى العبادَ ويربيهم في

 أحوالِهم وأطوارهم المختلفةِ، فيقولُ: "(الربُّ) وهو

المُبَلِّغُ كلَّ ما أبدعَ حدَّ كمالِهِ الذي قَدَّرَهُ له.

وهو يَسُلُّ النُّطفةَ من الصُّلبِ ويجعلُها علقةً، والعلقةَ مُضْغةً، ثم يجعلُ المُضْغَةَ عِظامًا، ثم يكسو العظامَ لحمًا، ثم يخلُق في البَدَنِ الرُّوحَ، ويخرجُهُ خَلقًا آخَرَ، وهو صَغِيرٌ ضَعِيفٌ، فلا يزال يُنميه ويُنشِئُه حتى يجعلَه رَجُلًا، ويكونُ في بدءِ أمرِهِ شابًّا ثم يجعلُه كهلًا ثُمَّ شيخًا. وهكذا كلُّ شيءٍ خلَقَهُ فهو القائِمُ عليه به، والمُبلغُ إيّاهُ الحدَّ الذي وصَفَهُ وجعلَهُ نهايةً ومقدارًا له"

2- فمَنْ عَرَفَ ذلك لم يَطلبْ غَيرَ اللهِ تعالى له ربًّا وإلهًا، بل رَضِيَ به سبحانه وتعالى ربًّا، ومَنْ كانت هذه صِفَتَهُ ذاق طعمَ الإيمانِ وحلاوتَهُ، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ذَاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَنْ رَضِيَ بالله ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمحمدٍ رسولًا"

قال القاضي عياضٌ رحمه الله: "معنى الحديثِ: صَحَّ إيمانُه، واطْمَأنَّتْ به نفسُه، وخامَر باطِنَهُ؛ لأنَّ رضاه بالمذكوراتِ دليلٌ لثبوتِ معرفَتِهِ، ونفاذِ بصيرتِهِ، ومخالَطَةِ بشاشتِهِ قلبَهُ؛ لأنَّ مَنْ رَضِيَ أمْرًا سَهُلَ عليه، فكذا المؤمنُ إذا دَخَلَ قلبَهُ الإيمانُ سَهُلَ عليه طاعاتُ اللهِ تعالى، ولذَّتْ له، واللهُ أعلم"[20].

3- وقد تكلَّم العلَّامةُ ابنُ القَيِّمِ عن ارتباطِ اسم (الربِّ) باسمِ (اللهِ) و (الرحمن) كلامًا جيدًا حيثُ يقولُ:"وتأمَّلْ ارتباطَ الخَلْقِ والأمْرِ بهذه الأسماءِ الثلاثةِ، وهي (الله، والربُّ، والرَّحمنُ)، كيف نشأ عنها الخلْقُ، والأمرُ، والثوابُ والعِقَابُ؟ وكيف جَمَعتِ الخلْقَ وفرقتْهُم؟ فلها الجمْعُ، ولها الفَرْقُ.

فاسمُ (الربِّ) له الجمْعُ الجامعُ لجميعِ المخلوقاتِ. فهو ربُّ

كلِّ شَيءٍ وخالِقُه، والقادِرُ عليه لا يخرجُ شيءٌ عن ربوبيتِهِ، وكلُّ مَنْ فِي السماواتِ والأرضِ عَبْدٌ له فِي قبضتِهِ، وتحتَ قَهْرِهِ، فاجتمعوا بصفةِ الربوبيةِ، وافترقوا بصفةِ الإلهيَّةِ، فَأَلَّهَهُ وَحْدَهُ السُّعداءُ، وأقرُّوا له طوعًا بأَنَّه اللهُ الذي لا إلَهَ إلا هو، الذي لا تنبغي العبادةُ، والتَّوكُّلُ،والرَّجاءُ،والخوف،والحبُّ،والإنابة، والإخْبَات ، والخشية، والتذلُّل، والخضوع له.

وهُنا افترقَ الناسُ، وصاروا فريقين: فريقًا مشرِكين في السَّعيرِ، وفريقًا موحِّدينَ فِي الجَنَّةِ.

فالإِلهيَّةُ هي التي فَرَّقَتْهُم، كما أَنَّ الرُّبوبيةَ هي التي جمعَتْهُمْ.

فالدِّينُ والشَّرعُ، والأَمرُ والنَّهيُ - مَظهرُه وقيامُه - مِن صِفَةِ الإِلهيَّةِ، والخَلْقُ والإيجادُ والتدبيرُ والفعلُ مِن صِفةِ الربوبيَّةِ، والجزاءُ بالثوابِ والعقابِ والجَنَّةِ والنَّارِ

 مِن صِفةِ المُلكِ، وهو مَلكُ يومِ الدِّينِ. فأمَرهُمْ بإلهيتِهِ، وأعانَهُمْ ووفَّقَهُم وهَداهم وأضلَّهم بربوبيتِهِ. وأَثابَهم وعاقَبَهُمْ بمُلْكِهِ وعَدْلِهِ. وكلُّ واحدةٍ من هذه الأمورِ لا تَنْفكُّ عَنِ الأخرى. وأما الرَّحمةُ: فهي التعلُّقُ، والسَّببُ الذي بَيْنَ اللهِ وبَيْنَ عبادِهِ. فالتأليهُ منهم له، والرّبوبيةُ منه لهم، والرَّحمةُ سَبَبٌ واصلٌ بينه وبَيْنَ عبادِهِ، بها أرسلَ إليهم رُسُلَهُ، وأنزلَ عليهم كُتُبَهُ، وبها هَداهم، وبها أسكنَهم دارَ ثوابِهِ، وبها رَزَقَهم وعافاهم وأَنْعَمَ عليهم، فبيْنهم وبيْنَهُ سَببُ العُبوديةِ، وبيْنَهُ وبيْنهم سَببُ الرَّحمةِ. واقترانُ ربوبيتهِ برَحْمتِهِ كاقترانِ استوائِه على عرشِهِ برحمتِهِ. فـ ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، مطابقٌ لقوله: ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ ، فإِنَّ شُمولَ الرُّبوبيَّةِ وسَعتَها بحيثُ لا يخرجُ شيءٌ عنها أقصى شمولٍ الرَّحمةِ وسَعتَها، فوَسِعَ كلَّ شيءٍ برحْمَتِه وربوبيتهِ، مع أَنَّ في كونِهِ ربًّا للعالمين ما يدلُّ على عُلُوِّهِ على خلْقِهِ، وكونهِ فوق كلِّ شيءٍ، كما يأتي بيانُه إِنْ شاءَ اللهُ" اهـ

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم.