أسمــــــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الواحدة والأربعــون بعد المـائة في موضـــــوع الغنــــــــي المغنــــــــي
نبذة عن الصوت
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة
الواحدة والأربعون بعد المائة في موضوع (الغني المغني) من اسماء الله الحسنى وصفاته وهي بعنوان ::*الغنى غنى النفس :
والمقصود: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرِّر في هذا المقام أنَّ الغِنَى الحقيقي الذي يحمل الإنسان على العزة، والبُعد عن الذلة للآخرين، والبُعد أيضًا عما يتْبع ذلك مِن تَنَازُله عن مبادئه، وما أوجب الشرع لا يكون فقط بكثرة العَرَض، لا يكون باستِكْثاره مما يملِكه مِن أعراض هذه الدنيا مِن أموالها ومتاعِها، وإنما الغِنَى الحقيقي المعتبر هو باستغناء النفْس، وعدم حرصها على الدنيا، وليس بكثرة المتاع والمال، ولذلك ربما تجد مَن يملِك الكثير مِن المال وهو مُوسِرٌ عنده مِن نِعَم الله الكثير، ولكنه مع ذلك فقيرُ النفْس، مجتهدٌ في الزيادة والاستكثار، فهو لشدَّة شَرَهِهِ، وشدَّة حرصه على جمْع المال، مع إنَّ عنده ما يكفيه ويزيد، مع هذه الشدة الحريصة كأنما هو فقير، أما غنيُّ النفْس فإنه راضٍ بقضاء الله، عالمٌ أنَّ ما عند الله جل وعلا هو الباقي الذي لا ينفد، فهذا الشقُّ الأول مِن هذا الحديث النبوي الجامع، وهو قوله عليه الصلاة والسلام ((ليس الغِنَى عن كثرة العَرَض))؛ أي: إن الممدوح في الشرع، المرضيَّ عند الله سبحانه، المُعَدَّ لِثواب الآخرة ليس بكثرة العرَض؛ وهو ما يُنتفع به مِن متاع الدنيا وحُطَامها، فليس حقيقة الغِنَى كثرة المال؛ لأن كثيرًا ممن وسَّع الله عليه لا ينتفع بما أوتي، فهو جاهدٌ في الازدياد، لا يُبالي مِن أين يأتيه، فكأنه فقير مِن شدة حرصه، بل ربما مع هَلَعِه وعدم ثقتِه بما عند الله حمله ذلك على البُخل والإمساك؛ حتى يقتِّر على نفسه وعلى مَن حولَه، فهو لا يعيش عيشةَ الأغنياء، وإنما يعيش عيشة الفقر مع الخوف والهلع، وهذه إحدى مَساوئِ كثرةِ المالِ التي تكون متجرِّدة عن النظرة الصحيحة له، التي أمر بها الشرع المطهَّر، ومِن جملة ما أمَر به الشرع في هذا الباب: أن لا يُنظر إلى كثرة المال على أنها هي الغِنَى الحقيقي، وأن يكون الإنسان واثقًا بما عند الله أكثرَ مِن ثقتِه بما في يده، وأن يكون أيضًا مًنفِقًا هذا المال كما أمر الله جل وعلا.
ثم يقرِّر عليه الصلاة والسلام في الشِّقِّ الثاني مِن هذا الحديث الشريف: ((ولكنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ))؛ أي: إن حقيقة الغنى: أن يستغني العبدُ بما أوتي قلَّ أو كثر، وأن يَقْنَع بما قسم الله له، ويَرضَى بما أعطاه الله فيعيش سعيدًا، هانئَ النفْس، مطمئنَّ القلب، يَعلم أن ما قسمه الله له لن يمنعه مانعٌ مِن الخلْق، وأن ما منعه الله إياه لن يحصِّله، ولو بذل أشدَّ الجهد.
وما أجملَ هذا الذكرَ والدعاءَ الذي نقوله عقيب صلواتنا: ((اللَّهُمَّ، لا مانعَ لما أَعطيتَ، ولا مُعطِيَ لما مَنَعْتَ))، عبارة عظيمة نكررها عقيب كل صلاة، حتى يتبيَّن المنهاج الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان، ما أجملَ هذا الدعاءَ والذِّكْرَ وما يُفِيضه مِن الطمأنينة على النفْس ((اللهم، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعتَ، ولا يَنفَع ذا الجدِّ منك الجدُّ))، لا ينفع صاحبَ الغِنَى ((ذا الجدِّ)): ذا الغنى والمكانة لا ينفعه ما يملكه مِن مال، ولا مما يتبع ذلك، لا يغنيه عن حاجته لك، فنحن فُقَرَاء إلى فضلك يا ربنا.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .