أسمــــــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثانية والعشرون بعد المـائة في موضـــــوع الغنــــــــي المغنــــــــي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :  فهذه الحلقة

الثانية والعشرون بعد المائة في موضوع (الغني المغني) من اسماء الله الحسنى

وصفاته وهي بعنوان: *هل الغنى مذموم؟:

• وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "إن أكثر ما أخاف عليكم ما يُخرج الله لكم من بركات الأرض. قيل وما بركات الأرض؟ قال: زهرة الدنيا. فقال رجل: هل يأتي الخير بالشرِّ؟ فصمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظننت أنه يُنزل عليه، ثم جعل يمسحُ عن جَبينه، فقال: أين السائل؟ قال: أنا. قال أبو سعيد: لقد حمدناهُ حين طلع لذلك. قال: (لا يأتي الخيرُ إلا بالخير. إن هذا المال خضرة حلوة، وإن كل ما أنبت الربيع يقتل حبطاً أو يلمُ، إلا آكلة الخضرة[4]، أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها، استقبلت الشمس فاجترت وثلطت. وبالت، ثم عادت فأكلت. وإن هذا المال حلوة: من أخذه بحقه، ووضعه في حقه، فنعم المعونة هو. وإن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع) متفق عليه.

فهذه الأحاديث وأمثالها تبين أن المال نفسه لا يذم بوصفه مالاً، والغنى لا يذم، وإنما الذم يكون لصاحب المال إذا اكتسبه من طريق محرمة، أو أنفقه في أمور

منهي عنها، أما ما عدا ذلك فقد وصف بأنه خير، ولا يكون خيراً حتى يسخره الإنسان فيما يعود عليه بالخير عند ربه عز وجل.

وهل يمكن للدنيا أن تقوم بغير مال، وهل يتصور عاقل أن شرائع الدين من زكاة وحج وجهاد تقوم بدون وجود مال؟ عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(إن الله قال: إنا أنزلنا المال لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو كان لابن آدم وادٍ لأحبَّ أن يكون له ثانٍ، ولو كان واديان لأحبَّ أن يكون لهما ثالث، ولا يملأُ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب) رواه الطبراني والضياء

المقدسي وصححه الألباني.

يُفهم مما سبق في ذم الدنيا والتوسع فيها ومن تسمية الغنى والمال خيراً، أن الذم والمدح لا يتعلق بالمال من حيث هو مال، وإنما يتعلق بعمل صاحبه فيه مع ما وقر في صدره من تشوف للمال وهلع عليه وبخل به فيلحقه الذم، أو غنى نفس وإنفاق له في الخير وبذله لمستحقيه فيكون خيراً ويكون كما قال صلى الله عليه وسلم (من أخذه بحقه ووضعه في حقه، فنعم المعونة هو).

فيكون نعم المعونة إذا رأى صاحبه أن لله حقاً عليه في ماله، فيخرج زكاته،

ويتصدق وينفق على أهله وأقاربه، ولا يرى طريقاً فيه نفع لنفسه ولدينه إلا أنفقه فيه فيعمر المساجد ويوقف الأوقاف ويكفل اليتامى والأرامل وينصر المجاهدين بنفسه وماله... وهكذا فهو لا يرى طريقاً لإنفاق المال ينفعه في آخرته إلا سعى إليه، وهنا يكون ماله نعم المعونة في دنياه وآخرته.

وأما إن كان لا يبالي من أي طريق اكتسب المال ولا في أي شهوة أنفقه فهنا يكون ماله وبالاً عليه ويتمنى يوم القيامة أنه كان أنفقه فيما يقربه من ربه فيقول متحسراً ﴿ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ﴾ [الحاقة: 28] وهذا شأن المفرط الخاسر، فيندم على جمعه للمال من حله وحرامه، ويندم على إنفاق المال فيما لا ينفعه عند ربه.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن مثل النحلة، لا تأكل إلا طيباً ولا تضع إلا طيباً) رواه الطبراني وابن حبان وصححه الألباني.

فضرب صلى الله عليه وسلم للمؤمن مثلاً بالنحلة التي لا يدخل جوفها إلا الطيب من رحيق الأزهار ثم لا تخرج إلا عسلاً طيباً، والمؤمن مثلها طيب مدخله ومخرجه، فلا

يكتسب إلا الطيب المباح، ولا ينفق إلا في الحلال الصُراح، وبهذا طاب

مدخله ومخرجه ولهذا استجيب دعائه، وقد كان السلف الصالحون من الصحابة والتابعين يحرصون على ألا يكتسبوا إلا الحلال وكان أحدهم يتشدد في التحري في كسبه بما تُضرب به الأمثال في الزهد والورع ولهذا طاب عملهم وطابت حياتهم، ثم جاءت من بعدهم أجيال لا يبالي أحدهم من أين أكل وفيما أنفق فدخلوا ضمن وعيد (أيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به)، فأين هؤلاء من أقوام كان أحدهم إذا خرج يبتغي الرزق لأهله نادته زوجه من عند الباب: يا فلان لا تطلب الحرام فإننا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار، نسأل الله عز وجل أن يرزقنا الحلال الطيب والورع النافع وأن يجنبنا النار. [الأنترنت – موقع الألوكة  - هل الغنى مذموم؟   - د. خالد بن محمد الشهري]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .