أسمــــــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة السادسة والستــون بعد المائتـــــان في موضــــــــوع المقـــدم المؤخـــــــــر

نبذة عن الصوت

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :  فهذه الحلقة

السادسة والستون بعد المائتين في موضوع (المقدم المؤخر) وهي بعنوان:

   * الدعاء بعد التشهد الأخير قبل السلام "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت..." :

وقد قيل: إذا أردتَ أن تعرف منزلتَك عنده؛ فانظر في ماذا استعملك؟ شغَّالٌ في ماذا؟ هذه الأنفاس تقضيها في ماذا؟ اهتماماتك ما هي؟ إذا أردتَ أن تعرف منزلتَك عند الله  في ماذا سخّرتَ؟ إلى أي شيءٍ تتجه نفسك، ويُقبل قلبك، وتعمل جوارحك؟

فهنا الله يُقدِّم مَن يشاء، يصطفيه للأعمال الفاضلة، ويُؤخِّر مَن يشاء

فيخذلهم؛ فيشتغلون في سفاسف الأمور ودناياها.

وهكذا قول مَن قال: أنت الرَّافع، والخافض، والمعزّ، والمذلّ، وهكذا قول

 الخطَّابي -رحمه الله-: أنَّه المنزّل للأشياء منازلها، يقدّم ما شاء منها، ويُؤخّر ما شاء، قدَّر المقادير قبل أن يخلق الخلق، هذا كلّه داخلٌ فيه، وقدَّم مَن أحبَّ من أوليائه على غيرهم من عبيده، ورفع الخلقَ بعضَهم فوق بعضٍ درجات، وقدَّم مَن شاء بالتَّوفيق إلى مقامات السَّابقين، وأخَّر مَن شاء عن مراتبهم، وثبَّطهم عنها، وأخَّر الشيء عن حين توقّعه؛ لعلمه بما في عواقبه من الحكمة، لا مُقدِّم لما أخَّر، ولا مُؤخِّر لما قدَّم[4]، فهذا كلّه داخلٌ فيه.

وأوضح من هذا ما ذكره الشيخ عبدالرحمن بن سعدي -رحمه الله- من أنَّ المقدّم والمؤخّر هذا كلّه يدخل فيه أنَّ الله تعالى مُقدِّمٌ لمن شاء، ومُؤخِّرٌ مَن شاء، بحكمته، وأنَّ هذا التَّقديم، وكذلك التَّأخير يكون كونيًّا؛ يعني: بحكمه وقضائه الكوني: كتقديم بعض المخلوقات على بعضٍ، وتأخير بعضها على بعضٍ،وتقديم الأسباب على المسببات،والشُّروط على المشروطات، وأنواع التَّقديم والتَّأخيرفي الخلق والتَّقدير المتنوعة،وهي بحرٌ لا ساحلَ له.

ويكون شرعيًّا: كما فضّل الأنبياء على الخلق، وفضّل بعضَهم على بعضٍ، وفضّل بعضَ عباده على بعضٍ، وقدَّمهم في العلم، والإيمان، والعمل، والأخلاق، وسائر الأوصاف، وأخَّر مَن أخَّر منهم بشيءٍ من ذلك، كلّ هذا تبعًا لحكمته[5]، فهذا كلّه داخلٌ فيه.

وقد عدَّ الخطَّابيُّ والشيخ عبدالرحمن بن سعدي -رحمه الله- وجماعة هذان الاسمان من أسماء الله -تبارك وتعالى-، وأنَّهما يتضمّنان أوصافًا ذاتيةً؛ لكونهما قائمين بالله تعالى، وأنَّ الله مُتَّصفٌ بذلك، وكذلك من صفات الأفعال؛ لأنَّ التَّقديم والتَّأخير مُتعلِّقٌ بالمخلوقات: ذواتها، وأفعالها، ومعانيها، وأوصافها. وهي ناشئةٌ عن إرادة الله وقُدرته[6]، فعدُّوا هذا من الأسماء الحسنى المزدوجة؛ يعني: التي تُقال معًا، يُقال: الله هو المقدِّم والمؤخِّر: أنت المقدِّم، وأنت المؤخِّر يعني: لا يُقال على سبيل الإفراد: الله المقدِّم، أو يُقال: عبد المقدِّم، أو عبد المؤخِّر، وإنما يُقال: الله هو المقدِّم، والمؤخِّر، كما يُقال: الخافض، الرافع، الأول، الآخر، ونحو ذلك عند مَن عدَّ هذا من قبيل الأسماء، قالوا: الأسماء المزدوجة تُذكر مُقترنةً، وأنَّ الكمالَ في اقترانها. وهذا ذكره جمعٌ من أهل العلم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .