أسمــــــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة السابعة والتسعـون بعد المائــة في موضــــــــوع المقـــدم المؤخـــــــــر

نبذة عن الصوت

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السابعة والتسعون بعد المائة في موضوع (المقدم المؤخر ) وهي بعنوان : 

* أسرار البيان في التعبير القرآني (التقديم والتأخير) :

وأما سورة الإسراء فقد بدئت بالكلام على الناس ثم القرآن. فقد بدئت بقوله تعالى: {سُبْحَانَ الذى أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1] .

ثم تكلم على بني إسرائيل، ثم قال بعد ذلك:

{إِنَّ هاذا القرآن يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء: 9] .

فكان المناسب أن يتقدم ذكر الناس فيها على ذكر القرآن في هذه الآية. وهذا تناسب عجيب بين الآية ومفتتح السورة في الموضعين.

ثم انظر خاتمة الآيتين، فقد ختم آية الإسراء بقوله: {فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُوراً} [الإسراء: 89] والكُفُور: هو جحد النعم، فناسب ذلك تقدم ذكر النعمة والرحمة والفضل ألا ترى أن مقابل الشكر الكفران ومقابل الشاكر الكفور قال تعالى: {إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان: 3] فكان ختام الآية مناسباً لما تقدم من السياق.

أما آية الكهف فقد ختمها بقوله: {وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف: 54] لما ذكر قبلها وبعدها من المحاورات والجدل والمراء من مثل قوله تعالى: {فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} [الكهف: 34] . وقوله: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} [الكهف: 37] .

وبعدها: {ويجادل الذين كَفَرُواْ بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق} [الكهف: 56] .

وذكر محاورة موسى والرجل الصالح ومجادلته فيما كان يفعل.

وقال: {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً} [الكهف: 22] .

ولم يرد لفظ الجدل ولا المحاورة في سورة الإسراء كلها. فما ألطف هذه التناسق وأجمله وما أَجَلَّ هذا الكلام!

ومن ذلك قوله تعالى: {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صدقاتكم بالمن والأذى كالذي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ الناس وَلاَ يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ والله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين} [البقرة: 264] . وقوله {مَّثَلُ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشتدت بِهِ الريح فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ

يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ على شَيْءٍ ذلك هُوَ الضلال البعيد} [إبراهيم: 18] .

فقال في آية البقرة: {لاَّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ} [البقرة: 264] فقدم الشيء وأَخَّرَ الكَسْب. وقال في سورة إبراهيم: {لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ على شَيْءٍ} [إبراهيم: 18] فقدّم الكسب وأخّر الشيء، وذلك أن آية البقرة في سياق الإنفاق والصدقة، والمنفقُ معطٍ وليس كاسباً، ولذلك أَخَّر الكسب فقال:{لاَّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ}[البقرة: 264] .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .