أسمــــــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثانية والثمانـون بعد المائــة في موضــــــــوع المقـــدم المؤخـــــــــر

نبذة عن الصوت

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثانية والثمانون بعد المائة في موضوع (المقدم المؤخر ) وهي بعنوان : 

* أسرار البيان في التعبير القرآني (التقديم والتأخير) :

ومن هذا النوع من التقديم قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الرحمان آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} [الملك: 29] فقدم الفعل (آمنا) على الجار والمجرور (به) وأخر (توكلنا) عن الجار والمجرور (عليه) وذلك أن "الإيمان لما لم يكن منحصراً في الإيمان بالله، بل لا بد معه من رسله وملائكته وكتبه واليوم الآخر وغيره مما يتوقف صحة الإيمان عليه، بخلاف التوكل فإنه لا يكون إلا على الله وحده لتفرده بالقدرة والعلم القديمين الباقيين، قدم الجار والمجرور فيه ليؤذن باختصاص التوكل من العبد على الله دون غيره لأن غيره لا يملك ضراً ولا نفعاً فيتوكل عليه".

ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: {أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور} [الشورى: 53] "لأن المعنى أن الله تعالى مختص بصيرورة الأمور دون غيره. ونحو قوله تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: 25-26] . فإن الإياب لا يكون إلا إلى الله، وهو نظير قوله تعالى: {إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} [الرعد: 36] وقوله: {إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المساق} [القيامة: 30] فالمساق إلى الله وحده لا إلى ذات أخرى، وهذا ليس من التقديم من أجل مراعاة المشاكلة لرؤوس الآي كما ذهب بعضهم بل هو لقصد الاختصاص نظير قوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} [يونس: 4] ، وقوله: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمر كُلُّهُ} [هود: 123] ، وقوله: {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} [الأنبياء: 93] وغير ذلك من الآيات.

ومن هذا الباب قوله تعالى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة} [فصلت: 47] فعلم الساعة مختص بالله وحده لا يعلمه أحد غيره ونحوه قوله تعالى: {إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة} [لقمان: 34] فقدم الظرف الذي هو الخبر على المبتدأ وهو نظير الآية السابقة.

ونحوه قوله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: 59] فقدم الظرف الذي هو الخبر على المبتدأ (مفاتح الغَيْب) وذلك لاختصاصه سبحانه يعلم الغَيْب. ألا ترى كيف أكد ذلك الاختصاص

بأسلوب آخر هو أسلوب القَصْر فقال: (لا يعلمها إلاّ هو) ؟

وقد يكون التقديم من هذا النوع لغرض آخر كالمدح والثناء والتعظيم والتحقير وغير ذلك من الأغراض،إلا أن الأكثر فيه أن يفيد الاختصاص. ومن التقديم الذي لا يفيد الاختصاص قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ} [الأنعام: 84] فهذا ليس من باب التخصيص إذ ليس معناه أننا ما هدينا إلا نوحاً وإنما هو من باب المدح والثناء. ونحو قوله تعالى: {فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ * وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ} [الضحى: 9-10] إذ ليس المقصود به جوازُ قهرٍ غير اليتيم ونهر غير السائل، وإنما هو باب التوجيه فإن اليتيم ضعيف وكذلك السائل وهما مظنّة القهر، فقدمهما للاهتمام بشأنهما والتوجيه إلى عدم استضعافهما.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .