أسمــــــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثامنة والستـون بعد المائــة في موضــــــــوع المقـــدم المؤخـــــــــر

نبذة عن الصوت

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثامنة والستون بعد المائة في موضوع (المقدم المؤخر ) وهي بعنوان : 

* التائب من الكفر والذنوب قد يكون أفضل ممن تجنبها :

ونصوص الكتاب والسنة في هذا الباب كثيرة متظاهرة والآثار في ذلك عن الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين كثيرة‏. ‏‏ لكن المنازعون يتأولون هذه النصوص من جنس تأويلات الجهمية والباطنية كما فعل ذلك من صنف في هذا الباب‏.‏ وتأويلاتهم تبين لمن تدبرها أنها فاسدة من باب تحريف الكلم عن مواضعه‏. ‏‏ كتأويلهم قوله‏:‏ ‏{‏‏لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ‏}‏‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 2‏]‏ المتقدم ذنب آدم والمتأخر ذنب أمته وهذا معلوم البطلان ويدل على ذلك وجوه‏:‏

أحدها‏:‏ أن آدم قد تاب اللّه عليه قبل أن ينزل إلى الأرض فضلاً عن عام الحديبية الذي أنزل اللّه فيه هذه السورة، قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏ِوَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ‏.‏ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى‏}‏‏ ‏[‏طه‏:‏ 121-122‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏‏فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ‏}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 37‏]‏، وقد ذكر أنه قال‏:‏ ‏{‏‏رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ‏}‏‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 23‏]‏‏. ‏‏

والثاني‏:‏ أن يقال‏:‏ فآدم عندكم من جملة موارد النزاع ولا يحتاج أن يغفر له ذنبه عند المنازع فإنه نبي أيضاً، ومن قال‏:‏ إنه لم يصدر من الأنبياء ذنب يقول ذلك عن آدم ومحمد وغيرهما‏.‏

الوجه الثالث‏:‏ أن اللّه لا يجعل الذنب ذنباً لمن لم يفعله فإنه هو القائل‏:‏

‏{‏‏وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏‏ ‏[‏ الإسراء‏:‏ 15‏]‏‏.‏ فمن الممتنع أن يضاف إلى

محمد صلى الله عليه وسلم ذنب آدم صلى الله عليه وسلم أو أمته أو غيرهما‏. ‏‏ وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ‏}‏‏ ‏[‏النور‏:‏ 54‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ‏}‏‏ ‏[‏النساء‏:‏ 84‏]‏، ولو جاز هذا لجاز أن يضاف إلى محمد ذنوب الأنبياء كلهم، ويقال‏:‏ إن قوله‏:‏ ‏{‏‏لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ‏}‏‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 2‏]‏ المراد‏:‏ ذنوب الأنبياء وأممهم قبلك، فإنه يوم القيامة يشفع للخلائق كلهم، وهو سيد ولد آدم، وقال"أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وآدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة‏.‏ أنا خطيب الأنبياء إذا وفدوا، وإمامهم إذا اجتمعوا‏" وحينئذ فلا يختص آدم بإضافة ذنبه إلى محمد، بل تجعل ذنوب الأولين والآخرين على قول هؤلاء ذنوباً له‏.‏ فإن قال‏:‏ إن اللّه لم يغفر ذنوب جميع الأمم، قيل‏:‏ وهو أيضاً لم يغفر ذنوب جميع أمته‏. ‏‏

الوجه الرابع‏:‏ أنه قد ميز بين ذنبه وذنوب المؤمنين بقوله‏:‏ ‏{‏‏وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ‏}‏‏ ‏[‏محمد‏:‏ 19‏]‏ فكيف يكون ذنب المؤمنين ذنباً له‏. ‏‏ الوجه الخامس‏:‏ أنه ثبت في الصحيح أن هذه الآية لما نزلت قال الصحابة يا رسول اللّه هذا لك فما لنا‏؟‏ فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏‏هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ‏}‏‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 4‏]‏ فدل ذلك على أن الرسول والمؤمنين علموا أن قوله‏:‏ ‏{‏‏لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ‏}‏‏ مختص به دون أمته‏. ‏‏ الوجه السادس‏:‏ أن اللّه لم يغفر ذنوب جميع أمته، بل قد ثبت أن من أمته من يعاقب بذنوبه إما في الدنيا وإما في الآخرة، وهذا مما تواتر به النقل وأخبر به الصادق المصدوق واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، وشوهد في الدنيا من ذلك ما لا يحصيه إلا اللّه، وقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏‏لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ‏}‏‏ ‏[‏النساء‏:‏ 123‏]‏ والاستغفار والتوبة قد يكونان من ترك الأفضل‏.‏ فمن نقل إلى حال أفضل مما كان عليه قد يتوب من الحال الأول، لكن الذم والوعيد لا يكون إلا على ذنب.

[ الأنترنت – موقع طريق الإسلام - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء العاشر-التائب من الكفر والذنوب قد يكون أفضل ممن تجنبها ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .