أسمــــــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثامنة والسبعــون في موضــــــــوع المقـــدم المؤخـــــــــر

نبذة عن الصوت

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقةالثامنة

والسبعون في موضوع (المقدم المؤخر ) وهي بعنوان :

*النَّوْعُ الثَّانِي: مِمَّا قُدِّمَ النِّيَّةُ بِهِ التَّأْخِيرُ: التَّغْلِيبُ:

وقوله تعالى: {قال اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ} فَأَعَادَ الضَّمِيرَ بِلَفْظِ الْخِطَابِ وَإِنْ كَانَ (مَنْ تَبِعَكَ) يَقْتَضِي الْغَيْبَةَ تَغْلِيبًا لِلْمُخَاطَبِ وَجُعِلَ الْغَائِبُ تَبَعًا لَهُ كَمَا كَانَ تَبَعًا لَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَالْعُقُوبَةِ فَحَسُنَ أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لَهُ فِي اللَّفْظِ وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ ارْتِبَاطِ اللَّفْظِ بالمعنى.

وكقوله تعالى: {يا أيها النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قبلكم لعلكم تتقون} فإن الخطاب في (لعلكم) متعلق بقوله (خلقكم) لا بقوله (اعبدوا) حَتَّى يُخْتَصَّ بِالنَّاسِ الْمُخَاطَبِينَ إِذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ (اعْبُدُوا لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وما ربك بغافل عما تعملون} فِيمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِـ: (مَا تَعْمَلُونَ) الْخَلْقَ كُلَّهُمْ وَالْمُخَاطَبُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّ سَامِعٍ أَبَدًا فَيَكُونُ تَغْلِيبًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ خِطَابُ مَنْ سِوَاهُ بِدُونِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ التَّغْلِيبِ لامتنان أَنْ يُخَاطَبَ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ أَوْ تَثْنِيَةٍ أَوْ جَمْعٍ.

.الثَّالِثُ: تَغْلِيبُ الْعَاقِلِ عَلَى غَيْرِهِ:

بِأَنْ يَتَقَدَّمَ لَفْظٌ يَعُمُّ مَنْ يَعْقِلُ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ فَيُطْلَقُ اللَّفْظُ الْمُخْتَصُّ

بِالْعَاقِلِ عَلَى الْجَمِيعِ كَمَا تَقُولُ: (خَلَقَ اللَّهُ النَّاسَ وَالْأَنْعَامَ وَرَزَقَهُمْ)، فَإِنَّ لَفْظَ (هُمْ) مُخْتَصٌّ بِالْعُقَلَاءِ.

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {والله خلق كل دابة من ماء} لَمَّا تَقَدَّمَ لَفْظُ الدَّابَّةِ وَالْمُرَادُ بِهَا عُمُومُ مَنْ يَعْقِلُ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ غُلِّبَ مَنْ يعقل فقال: {فمنهم من يمشي}.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا صَحِيحٌ فِي (فَمِنْهُمْ) لِأَنَّهُ لِمَنْ يَعْقِلُ وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْجَمِيعِ فَلِمَ قَالَ: (مَنْ) وَهُوَ لَا يَقَعُ عَلَى الْعَامِّ بَلْ خَاصٌّ بِالْعَاقِلِ؟.

قُلْتُ: (مَنْ) هُنَا بَعْضُ (هُمْ) وَهُوَ ضَمِيرُ مَنْ يَعْقِلُ.

فَإِنْ قُلْتَ: فَكَيْفَ يَقَعُ عَلَى بَعْضِهِ لَفْظُ مَا لَا يَعْقِلُ؟.

قُلْتُ: مَنْ هُنَا قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: إِنَّهُ تَغْلِيبٌ مِنْ غَيْرِ عُمُومِ لَفْظٍ مُتَقَدِّمٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ رَأَيْتُ ثَلَاثَةً زَيْدًا وعمرا وحمارا.

وقال ابن الصائغ: (هُمْ) لَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى مَنْ يَعْقِلُ فَلَمَّا أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ غَلَّبَ من يعقل فقال: (هم) ومن بَعْضُ هَذَا الضَّمِيرِ وَهُوَ لِلْعَاقِلِ فَلَزِمَ أَنْ يقول (من) فلما قال: بوقوع التَّغْلِيبِ فِي الضَّمِيرِ صَارَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَاقِلِينَ فَتَمَّمَ ذَلِكَ بِأَنْ أَوْقَعَ (مَنْ).

وَقَوْلُهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ: {قالتا أتينا طائعين}، إِنَّمَا جَمَعَهُمَا جَمْعَ. السَّلَامَةِ، وَلَمْ يَقُلْ (طَائِعِينَ) وَلَا (طَائِعَاتٍ) لِأَنَّهُ أراد: ائتيا بِمَنْ فِيكُمْ مِنَ الْخَلَائِقِ طَائِعِينَ فَخَرَجَتِ الْحَالُ عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ وَغُلِّبَ مَنْ يَعْقِلُ مِنَ الذُّكُورِ.

وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: لَمَّا أَخْبَرَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا يَقُولَانِ كَمَا يَقُولُ الْآدَمِيُّونَ أَشْبَهَتَا الذُّكُورَ مِنْ بَنِي آدَمَ. وَإِنَّمَا قَالَ: (طَائِعِينَ) وَلَمْ يقل: (مطيعين) لنه مِنْ طِعْنَا أَيِ انْقَدْنَا وَلَيْسَ مِنْ أَطَعْنَا يُقَالُ طَاعَتِ النَّاقَةُ تَطُوعُ طَوْعًا إِذَا انْقَادَتْ.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .