أسمــــــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثانية والستــون في موضــــــــوع المقـــدم المؤخـــــــــر

نبذة عن الصوت

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثانية والستون في موضوع (المقدم المؤخر ) وهي بعنوان :

* الْقَوْلُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ: وَيُمْكِنُ فِيهِ وُجُوهٌ أُخَرُ:

.الرَّابِعَ عَشَرَ: لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ مُطْلَقٌ لَا مُقَيَّدٌ:

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا لله شركاء الجن}، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ (اللَّهَ) فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِـ: (جَعَلَ) وَ: (شُرَكَاءَ) مَفْعُولٌ أَوَّلُ وَيَكُونُ (الْجِنَّ) فِي

كَلَامٍ ثَانٍ مُقَدَّرٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَنْ جَعَلُوا شُرَكَاءَ؟ قِيلَ: الْجِنُّ وَهَذَا يَقْتَضِي

 وُقُوعَ الْإِنْكَارِ عَلَى جَعْلِهِمْ (لِلَّهِ شُرَكَاءَ) عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَدْخُلُ مُشْرِكَةُ غَيْرِ الْجِنِّ وَلَوْ أَخَّرَ فَقِيلَ: وَجَعَلُوا الْجِنَّ شُرَكَاءَ لِلَّهِ كان الجن مفعولا أولا وشركاء ثَانِيًا فَتَكُونُ الشَّرِكَةُ مُقَيِّدَةً غَيْرَ مُطْلَقَةٍ لِأَنَّهُ جَرَى عَلَى الْجِنِّ فَيَكُونُ الْإِنْكَارُ تَوَجَّهَ لِجَعْلِ الْمُشَارَكَةِ لِلْجِنِّ خَاصَّةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَفِيهِ زِيَادَةٌ سَبَقَتْ.

.الْخَامِسَ عَشَرَ: لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ مُرَتَّبٌ:

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ

 وَظُهُورُهُمْ} قَدَّمَ الْجِبَاهَ ثُمَّ الْجُنُوبَ لِأَنَّ مَانِعَ الصَّدَقَةِ فِي الدُّنْيَا كَانَ يَصْرِفُ وَجْهَهُ أَوَّلًا عَنِ السائل ثم ينوه بِجَانِبِهِ ثُمَّ يَتَوَلَّى بِظَهْرِهِ.

.السَّادِسَ عَشَرَ: التَّنَقُّلُ:

وَهُوَ أَنْوَاعٌ: إِمَّا مِنَ الْأَقْرَبِ إِلَى الْأَبْعَدِ، كقوله: {يا أيها النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فراشا والسماء بناء} قَدَّمَ ذِكْرَ الْمُخَاطَبِينَ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ وَقَدَّمَ الْأَرْضَ عَلَى السَّمَاءِ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا في السماء}،

لقصد الترقي. وَقَوْلُهُ: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ العرش العظيم}.

وَإِمَّا بِالْعَكْسِ كَقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْجَاثِيَةِ: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وما يبث من دابة}. وَإِمَّا مِنَ الْأَعْلَى كَقَوْلِهِ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إله إلا هو}. وَقَوْلِهِ: {مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ}.

وإما من الأدنى كقوله: {ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة}. وَقَوْلِهِ: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كبيرة}. وقوله: {لا تأخذه سنة ولا نوم}.

فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ لَا اكْتَفَى بِنَفْيِ الْأَدْنَى لِيُعْلَمَ مِنْهُ نَفْيُ الْأَعْلَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؟

قُلْتُ: جَوَابُهُ مِمَّا سَبَقَ مِنَ التَّقْدِيمِ بِالزَّمَانِ.

وَكَقَوْلِهِ: {ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون} الْآيَةَ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ اسْتِدْلَالِ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى تَفْضِيلِ الْمَلَكِ عَلَى الْبَشَرِ بِقَوْلِهِ: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ المسيح أن يكون عبدا لله} فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ سِيَاقَهَا يَقْتَضِي التَّرَقِّيَ مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى إِذْ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَسْتَنْكِفُ فُلَانٌ عَنْ خِدْمَتِكَ وَلَا مَنْ دُونَهُ بَلْ وَلَا مَنْ فَوْقَهُ.

وَجَوَابُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَمَّا عَبَدُوا الْمَسِيحَ وَاعْتَقَدُوا فِيهِ الْوَلَدِيَّةَ لِمَا فِيهِ مِنَ

الْقُدْرَةِ عَلَى الْخَوَارِقِ. وَالْمُعْجِزَاتِ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وغيره ولكونه خلق من غير تراب وَالتَّزْهِيدُ فِي الدُّنْيَا وَغَالِبِ هَذِهِ الْأُمُورِ هِيَ لِلْمَلَائِكَةِ أَتَمُّ وَهُمْ فِيهَا أَقْوَى فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ أَوْجَبَتْ عِبَادَتَهُ فَهُوَ مَعَ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَا يَسْتَنْكِفُ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ بَلْ وَلَا مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ لِلتَّرَقِّي مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى فِي الْمَقْصُودِ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ الشَّرَفُ الْمُطْلَقُ وَالْفَضِيلَةُ على المسيح.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .