أسمــــــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة الثانية والخمســون في موضــــــــوع المقـــدم المؤخـــــــــر

نبذة عن الصوت

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثانية

 والخمسون  في موضوع (المقدم المؤخر ) وهي بعنوان :

* الْقَوْلُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ: وَيُمْكِنُ فِيهِ وُجُوهٌ أُخَرُ:

.الثَّالِثُ: بِالْعِلَّةِ وَالسَّبَبِيَّةِ:

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إن شكرتم وآمنتم} قُدِّمَ الشُّكْرُ عَلَى الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَنْظُرُ (إِلَى) مَا عَلَيْهِ مِنَ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ فِي خَلْقِهِ وَتَعْرِيضِهِ لِلْمَنَافِعِ فَيَشْكُرُ شُكْرًا مُبْهَمًا فَإِذَا انْتَهَى بِهِ النَّظَرُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمُنْعِمِ آمَنَ بِهِ ثُمَّ شَكَرَ شُكْرًا مُتَّصِلًا فَكَانَ الشُّكْرُ مُتَقَدِّمًا عَلَى

 الْإِيمَانِ وَكَأَنَّهُ أَصْلُ التَّكْلِيفِ وَمَدَارُهُ. انْتَهَى.

وَجَعَلَهُ غَيْرُهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّ الْإِيمَانَ مِنَ الشُّكْرِ وَخُصَّ بِالذِّكْرِ لشرفه.

.الرَّابِعُ: بِالرُّتْبَةِ:

كَتَقْدِيمِ (سَمِيعٍ) عَلَى (عَلِيمٍ) فَإِنَّهُ يَقْتَضِي التَّخْوِيفَ وَالتَّهْدِيدَ فَبَدَأَ بِالسَّمِيعِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْأَصْوَاتِ وَإِنَّ مَنْ سَمِعَ حِسَّكَ فَقَدْ يَكُونُ أَقْرَبَ إِلَيْكَ فِي الْعَادَةِ مِمَّنْ يَعْلَمُ وَإِنْ كَانَ علم الله تعلق بِمَا ظَهَرَ وَمَا بَطَنَ.

وَكَقَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} فَإِنَّ الْمَغْفِرَةَ سَلَامَةٌ وَالرَّحْمَةَ غَنِيمَةٌ وَالسَّلَامَةُ مَطْلُوبَةٌ قَبْلَ الْغَنِيمَةِ وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ فِي آيَةِ سَبَأٍ في قوله: {الرحيم الغفور}

 لِأَنَّهَا مُنْتَظِمَةٌ فِي سِلْكِ تَعْدَادِ أَصْنَافِ الْخَلْقِ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ قَوْلُهُ: {مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الغفور} فَالرَّحْمَةُ شَمِلَتْهُمْ جَمِيعًا وَالْمَغْفِرَةُ تَخُصُّ بَعْضًا وَالْعُمُومُ قَبْلَ الْخُصُوصِ بِالرُّتْبَةِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بنميم} فَإِنَّ الْهَمَّازَ هُوَ الْمُغْتَابُ وَذَلِكَ لَا يَفْتَقِرُ

 إلى شيء بخلاف النميمة.

وقوله: {يأتوك رجالا وعلى كل ضامر} فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الَّذِينَ يَأْتُونَ رِجَالًا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ وَالَّذِينَ يَأْتُونَ عَلَى الضَّامِرِ مِنَ الْبَعِيدِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّقْدِيمِ بِالشَّرَفِ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِي الْمَشْيِ مُضَاعَفٌ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} مَعَ أَنَّ الرَّاكِبَ مُتَمَكِّنٌ مِنَ الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِنَ الْمَاشِي فَجَبْرًا لَهُ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ.

ومنه قوله تعالى: {أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود}

فَقَدَّمَ الطَّائِفِينَ لِقُرْبِهِمْ مِنَ الْبَيْتِ ثُمَّ ثَنَّى بِالْقَائِمِينَ وَهُمُ الْعَاكِفُونَ لِأَنَّهُمْ يَخُصُّونَ مَوْضِعًا بِالْعُكُوفِ وَالطَّوَافُ بِخِلَافِهِ فَكَانَ أَعَمَّ مِنْهُ وَالْأَعَمُّ قَبْلَ الأخص ثُمَّ ثَلَّثَ بِالرُّكُوعِ لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ وَلَا عِنْدَهُ.

ثُمَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ثَلَاثَةُ أَسْئِلَةٍ:

الْأَوَّلُ: كَيْفَ جَمَعَ الطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ جَمْعَ سَلَامَةٍ وَالرُّكَّعَ جَمْعَ تَكْسِيرٍ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّ جَمْعَ السَّلَامَةِ أَقْرَبُ إِلَى لفظ الفعل فطائفون بِمَنْزِلَةِ يَطُوفُونَ فَفِي لَفْظِهِ إِشْعَارٌ بِصِلَةِ التَّطْهِيرِ وَهُوَ حُدُوثُ الطَّوَافِ وَتَجَدُّدُهُ وَلَوْ قَالَ: بِالطُّوَّافِ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ الْمَصْدَرِ يُخْفِي ذَلِكَ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْقَائِمَيْنِ وَأَمَّا الرَّاكِعُونَ فَلِمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَوْنَهُ فِي الْبَيْتِ وَلَا عِنْدَهُ فَلِهَذَا لَمْ يُجْمَعْ جَمْعَ سَلَامَةٍ إِذْ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى بَيَانِ الْفِعْلِ الْبَاعِثِ عَلَى التَّطْهِيرِ كَمَا احْتِيجَ فِيمَا قَبْلَهُ.

الثَّانِي: كَيْفَ وَصَفَ الرُّكَّعِ بِالسُّجُودِ وَلَمْ يَعْطِفْ بِالْوَاوِ؟.

وَالْجَوَابُ: لِأَنَّ الرُّكَّعَ هُمُ السُّجُودُ وَالشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ السُّجُودَ يَكُونُ عِبَارَةً عَنِ الْمَصْدَرِ وَهُوَ هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الْجَمْعِ فَلَوْ عُطِفَ بِالْوَاوِ لَأَوْهَمَ إِرَادَةَ الْمَصْدَرِ دُونَ اسْمِ الْفَاعِلِ لِأَنَّ الرَّاكِعَ إِنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَيْسَ بِرَاكِعٍ شَرْعًا وَلَوْ عُطِفَ بِالْوَاوِ لَأَوْهَمَ أَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ كَالَّذِي قَبْلَهُ.

الثَّالِثُ: هَلَّا قِيلَ السُّجَّدُ كَمَا قِيلَ الرُّكَّعُ وَكَمَا جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} وَالرُّكُوعُ قَبْلَ السُّجُودِ! وَالْجَوَابُ: أَنَّ السُّجُودَ يُطْلَقُ عَلَى وَضْعِ الْجَبْهَةِ بِالْأَرْضِ وَعَلَى الْخُشُوعِ فَلَوْ قال: المسجد لَمْ يَتَنَاوَلْ إِلَّا الْمَعْنَى الظَّاهِرَ وَمِنْهُ: {تَرَاهُمْ ركعا سجدا} وَهُوَ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ وَرُؤْيَةُ الْعَيْنِ لَا تَتَعَلَّقُ إِلَّا بِالظَّاهِرِ فَقُصِدَ بِذَلِكَ الرَّمْزُ إِلَى السُّجُودِ الْمَعْنَوِيِّ وَالصُّورِيِّ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَعْمَالِ الظَّاهِرِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا الْبَيْتُ كَمَا فِي الطَّوَافِ وَالْقِيَامِ الْمُتَقَدِّمِ دُونَ أَعْمَالِ الْقَلْبِ فَجُعِلَ السُّجُودُ وَصْفًا لِلرُّكُوعِ وَتَتْمِيمًا لَهُ لِأَنَّ الْخُشُوعَ رُوحُ الصَّلَاةِ وَسِرُّهَا الَّذِي شُرِعَتْ لَهُ.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .