أسمــــــــــــاء الله الحسنـــــــــى وصفاتــــــه الحلقـــــــة التاسعة في موضـــــــــــــوع المقـــــدم المؤخـــــــــر

نبذة عن الصوت

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة في موضوع (المقدم المؤخر ) وهي بعنوان :

* لطائف التقديم والتأخير في القرآن الكريم :

لقد عقد الإمام الزركشي- رحمه الله- في كتابه (البرهان في علوم القرآن) فصلاً حول أسلوب القرآن الكريم في تقديم لفظ على لفظ، وأورد من الأمثلة ما أثبت به أن كل تقديم في القرآن ينطوي على إشارة بلاغية في المعنى.

قد يقرأ قارئ قول الله تعالى في سورة البقرة: ﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ﴾ [البقرة:284] ثم يقرأ في سورة آل عمران:

﴿قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ﴾ [آل عمران:29]

فيظن أن تقديم ﴿تُبْدُوهُ﴾ في الأولى و﴿تُخْفُوهُ﴾ في الثانية جاء عرضا، مع أنه لو أمعن النظر لاتضح له أن الآية الأولى جواب شرطها ﴿يُحَاسِبْكُم﴾ وحساب الله يوم القيامة يكون على الظاهر من أفعال العباد، أما ما تحدثكم به أنفسكم فلا يحاسبون عليه؛ ما لم يخرج إلى حيز التنفيذ؛ ولهذا قدم كلمة ﴿تبدوا﴾ على كلمة ﴿تخفوا﴾.

أما الآية الثانية فجواب الشرط فيها ﴿يَعْلَمْهُ اللهُ﴾ والعلم بما يخفى أهم من العلم بظاهر الأمور؛ ولهذا قدم كلمة ﴿تُخْفُواْ﴾ على كلمة ﴿تبدوا﴾؛ لأن ذلك أبلغ في إثبات عظمة العلم الإلهي الذي يحيط بخائنة الأعين وما تخفى الصدور.

وأعود إلى ما ذكره الإمام الزركشي من حكمة التقديم والتأخير في القرآن، فأورد بعض الأسباب التي ذكرها والأمثلة القرآنية التي أوردها.

قال رحمه الله: قد يكون التقديم لعظم المقدم والاهتمام به كقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [المزمل:20] فالصلاة أعظم قدراً، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:4] قدم العبادة على الاستعانة ويأتي التقديم لإفادة سبق الأول كقول الله تعالى: ﴿اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾ [الحج:75] فالملائكة أسبق في الاصطفاء من حيث الزمن، وكقوله تعالى: ﴿صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ [الأعلى:19] ومثل ذلك قوله تعالى: ﴿غَيرِ المَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة:7]، وقوله تعالى: ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ [البقرة:255] لأن السنة وهي النعاس تأتي قبل النوم، ومن ذلك أيضا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ [الحج:77].

وقد يكون التقديم لأن المقدم سبب في حصول المؤخر، كقوله تعالى على لسان الملائكة: ﴿إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة:32]، لأن عظمة العلم تسبب الحكمة والإتقان، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْـمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة:222]، فالإنسان إذا نصح في توبته، حرص على الطهارة في الظاهر والباطن، وقد يكون التقديم حسب الرتبة كقوله تعالى: ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾ [الحج:27] والراجل أعظم ثوابا من الراكب في حالة ذهابهما إلى الحج.

وقد يقدم لأن الأول داعية إلى الثاني، كقول الله تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور:30] فغض البصر يدعو إلى حفظ الفرج.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .