أسمـــاء الله الحسنـــى وصفاتــــه الحلقة التاسعة والسبعون في موضــــوع القهار القاهر

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والسبعون في موضوع (القهار القاهر) وهي بعنوان :

*اسم الله "القاهر/ القهار" تأصيلاً وفقهاً:

لقد زعم فرعون أنه على كل شيء قادر، وأنه لجميع الخلائق قاهر، حتى قال: ﴿سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾. فرد عليه موسى قائلا لقومه: ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾. فكانت النتيجة أن جعله الله وقومه نكال الآخرة والأولى. ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ﴾.

سُبْحَانَ مَن تَجْرِي قَضَايَاهُ عَلَى *** مَا شَاءَ منها غَائبٌ وعِيَانُ

يَبْلَى لِكُلِّ مُسَلَّطٍ سُلْطَانُهُ *** واللهُ لا يَبْلَى لُهُ سُلْطَانُ

ومن أعظم الدروس المستفادة من فقه اسم الله "القهار"، أن لا يتجبر الإنسان على غيره، وأن لا يجعل القوة مطية للكبرياء والاستعلاء في الأرض. فإن التاريخ يشهد أن كل جبار يقصمُه الله، وكل متكبر يهينُه الله، وهو القائل

 ـ سبحانه ـ: "الكبرياءُ رِدائِي، فمَنْ نازعَنِي في رِدائِي قَصَمْتُهُ" صحيح الجامع.

وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدثنا بوقائع كثيرة، كفيلة برجوع المعتدين عن اعتدائهم، ووقوف المتجبرين عند ضعفهم وهوانهم أمام الجبار ـ سبحانه ـ، الذي لا يعجزه شيء، ولا يغلبه شيء.

ولنتأمل في غزوة بدر، كيف جعلها الله ـ عز وجل ـ نكالا بالمشركين، وعبرة لمن بعد من المعاندين، الذين استخفوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين، فازدروهم، وعيروهم، واستهزأوا بهم.

روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بَيْنَمَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالأَمْسِ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَلاَ تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي؟ أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلاَنٍ، فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا، وَدَمِهَا، وَسَلاَهَا، فَيَجِيءُ بِهِ، ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ، وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ (وهو عقبة بن أبي معيط).          فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِكِ. وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ، فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَهِيَ جُوَيْرِيَةُ، حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الصَّلاَةَ، رَفَعَ صَوْتَهُ، ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ.. قَالَ: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ـ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ـ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ". قال ابن مسعود: فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ". ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾.

وكانت قريش قد خرجوا في جيش قوامه أزيد من ثلاثة أضعاف جيش

المسلمين، في أجواء من الزهو والفخر والكبرياء، (بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)، متلبسين بأنواع المنكرات، ومُتَحَدِّين رسالة رب الأرض والسماوات، حتى قال كبيرهم أبو جهل: "والله لا نرجع حتَّى نردَ بَدْراً، فننحرَ الجزور، ونَطعمَ الطَّعام، ونُسقَى الخمر، وتَعزفَ علينا القيانُ، وتسمعَ بنا العربُ، فلا يزالُونَ يهابوننا أبَداً"، استضعافا للمسلمين، وإيقانا منهم بالسطوة على عباده المؤمنين. وفي هذه اللحظة الحاسمة، لحظة استعراض القوة والسيطرة، نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يتوكل على الحي الذي لا يموت، فينظم جيشه أحسن تنظيم، ويمكث الليل في قبته يدعو ربه أن ينجز له وعده، وأن يريه قونه في أعدائه ويقول: "أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ". ثم خرج صلى الله عليه وسلم معه سلاحه، يلهج بما نزل عليه من القرآن: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾ البخاري. فقهر الله ـ عز وجل ـ بقدرته الكاندين المعاندين، وردهم على أعقابهم خائبين. ﴿سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾.

زَعَمَتْ سَخِينَةُ أَن سَتَغْلِبُ رَبَّها *** ولَيُغْـلَبَــنَّ مُغـالِـبُ الغَــلاَّبِ

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .