أسمـــاء الله الحسنـــى وصفاتــــه الحلقة الخامسة والستـون في موضــــوع القهار القاهر
نبذة عن الصوت
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والستون في موضوع (القهار القاهر) وهي بعنوان :
* مظاهر هذا القهر في الدنيا وفي الآخرة:
ومن معاني «القاهر»: أنه يقهر المعاندين المتكبرين بما أقام من الحجج والدلائل العظيمة على ألوهيته وربانيته، وأنه المستحق للعبادة وحده، فإن في الكون والنفس، من الأدلة الظاهرة ما لا يستطيع الإنسان تجاهل دلالته؛ لأنها تحاصر العقل والقلب، والفطرة تنطق باسم الرب تبارك الله وتعالى، وتؤمن به وتدل عليه، فما في الأدلة المبثوثة على ألوهيته وعظمته في الكون يدركه العالم في مختبره بين أبحاثه ودراساته واكتشافاته، كما يدركه الرجل البسيط في مزرعته، وهو يرى البذرة تنمو وتكبر وتثمر ويجري فيها الماء، ويراه الأعرابي في صحرائه وهو يلاحق المطر والغيث.
وهذه الأدلة الربانية جعلها الله تعالى قهرًا لمعاني الشك والريب، ودلالة تحدو الإنسان إلى الإيمان بالله وعبادته.
كذلك من معاني «القاهر» و«القهار»: قهر العباد بحشرهم إليه سبحانه من
غير إرادتهم ولا اختيارهم، ليقيم بينهم ميزان العدل، كما قال سبحانه: "يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ". [إبراهيم:48].
ففي ذلك اليوم العظيم تبدل الأرض غير الأرض، وكذلك السموات، ويحشر الخلق كلهم إلى ربهم سبحانه، على صعيد واحد، لا يجدون عنه محيصًا ولا ملتجأ يفرون إليه، بل كلهم محشورون بين يديه، "وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ". أي: ظهروا، والله تعالى يعلم بهم في كل حال ولكنهم ظهروا ظهورًا لا يجادلون فيه لله للواحد القهار الذي قهرهم في الدنيا بآياته وبعظمته وبقدرته القاهرة، وقهرهم في الآخرة بالحساب الذي ينتظرهم.
والمؤمن يدرك أنه محاسب بين يدي الله عز وجل، ولذلك تعتدل الكفة في يده، وينضبط أمره، ويكون عنده من إيثار الدار الآخرة، وانتظار موعود الله عز وجل ما يجعله يكف عن كثير من الشهوات والمغريات والدوافع النفسية المحرمة، فربما تنازل عن مال، أو تخلى عن شهوة، مع أنها قد أتيحت له، وقدر عليها، وتيسرت له أسبابها، ولكنه تركها ابتغاء وجه الله تعالى والدار الآخرة؛ لأنه يعلم أنه موقوف بين يدي القهار جل وتعالى.
«القاهر» و«القهار»: الذي يقهر الأشياء ويجريها على ما يشاء، حتى لو كانت في ظاهر الأمر متناقضة يتعجب البشر منها، كوجود الروح في الجسد، ونزعه منه؛ فالروح شيء لطيف، لا يحيط البشر به، كما قال سبحانه: "قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا". [الإسراء:85].
فيتعجب الإنسان من تعلق هذه الروح بالبدن، وكيف تكون؟ وأين توجد؟!
وطالما بحث العلماء وتكلموا، وشرقوا وغربوا، وحاولوا وخمنوا، ولكن كل أبحاثهم وعلومهم تنتهي إلى جهل عريض بحقيقة الروح، ويكفي فيها قوله تعالى في أمر الروح: "قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا". [الإسراء:85]، وكما قال المتنبي:
تـخالف الــناس حتــى لا اتفــاق لهم***إلا على شــجب والخــلف في الشـجب
فـقــيل : تخــرج نفـس المــرء سالمةً***وقيل: تشرك جســم المرء في العطب!
كذلك من الأمور التي تثير العجب: كيف يَتَخلَّق الجنين في الرحم؟
فهذا الجسم الغريب الطارئ على الرحم جعل الله تعالى للرحم قابلية لتقبله، حتى إنه يلتصق بجدار الرحم، ويكون جزءًا منه، ويتغذى بواسطته.
ومثل ذلك: كيف يؤلِّف الله تعالى بين قلوب الأزواج، فربما يدخل المرء على فتاة لم يعرفها ولم تعرفه، ولم يكن بينهما سابق علاقة ولا لقاء، ثم يجعل الله تبارك وتعالى بينهما المودة والرحمة، والألفة والانسجام. هذا جانب من رحمته عز وجل، وجانب من قهره أن يقهر عباده على هذه الأشياء التي جعل فيها مصالح الدنيا ودرجات الآخرة. [ الأنترنت – موقع عيال الحمايل - د سلمان العودة ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .