أسمـــاء الله الحسنـــى وصفاتــــه الحلقة الخامسة والخمسـون في موضــــوع القهار القاهر

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والخمسون في موضوع (القهار القاهر) وهي بعنوان :

*تأملات في رحاب الاسم الجليل :

*وقفة مع قول الله تعالى : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)الصافات 96

ومن الآيات القرآنية التي أثارت جدلا في هذه القضية قول الحق عز وجل : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) إذ أراد البعض أن يجعلها دليلا على أن الإنسان يسير سيرا مطلقا في ظل القهر الإلهي ، ويكون بذلك مجبرا في كل أفعاله ،

 بزعم أن أعمالنا مخلوقة كما أشارت الآية الكريمة … والحقيقة أن هذا فهم خاطئ

ونوضح معنى هذه الآية بمثال :  هب أن إنسانا قفز إلى منزل وقتل صاحبه وسرق ما به من مال .. فهل هذا يعني أن الله عز وجل هو الذي خلق فعل القتل الذي قام به هذا الشخص وفعل السرقة الذي آتاه .. بالقطع كلا .. لأن الذي خلقه الله عز وجل هو إمكانية القيام بفعل معين وليس فعلا محددا بذاته .. إن الله عز وجل الذي أعطاك يدا تبطش بها ورجلا تسير عليها قد جعل في إمكانك أن تقتل أو تسرق ، كما جعل في إمكانك أن تصلي وتتصدق ، فإذا قتلت إنسانا بيدك وقيل : إن الله هو الذي خلق هذا القتل فإذا هذا يعني أنه جلا وعلا قد جعل في إمكانية يدك أن تقتل ، وليس معنى ذلك أنه هو الذي دفعك وقهرك على قتل من قتلت .

كذلك إذا صليت فإن الله عز وجل هو الذي خلق فعلك للصلاة بمعنى أنه

 جعل في إمكان بدنك أن يؤدي الصلاة ، وليس معنى ذلك أنه قهرك على أدائها إن كل عمل يؤديه العباد مخلوق ، بمعنى أن الله عز وجل هو الذي أعطي العباد إمكانية القيام به …. فلولا أن الله عز وجل قد جعل في إمكان الإنسان أن يكفر لما استطاع أن يكفر ، ولو لم يجعل في إمكانه أن يعصى لما

استطاع أن يعصي كشأن الملائكة .

وبهذا المعنى فإن مشيئة الإنسان لم تخرج عن مشيئة الله عز وجل ، وعلم الإنسان لم يخرج عن القهر الإلهي .

ومن الآيات التي أوحت للبعض بأن الإنسان مقهور على أعماله قوله تعالى : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا

 إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) فقالوا : إن قوله جل وعلا : ( فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن

 نَّبْرَأَهَا) يعني من جهة أن هذه المصيبة من خلق الله ، كما يعني أنها مكتوبة

من قبل أن تقع .

ونقول ردا عليهم : إنه فيما يتعلق بكون هذه المصيبة مخلوقة فقد أوضحنا هذا المعنى في شرح قوله تعالى : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) وفيما يتعلق بكونها مكتوبة قبل أن تحدث فهذا صحيح .. ولكن نبادر فنقول : إن هذه الكتابة قد بنيت على علم الغيب الذي ينفرد به الله عز وجل .

فالحق تبارك وتعالى عالم بالأحداث قبل أن تقع .. فإذا كتبها وحدثت بعد ذلك فإن هذا لا يعني أننا ننفذ ما كتبه الله علينا قهرا …… ومن الخطأ الجسيم أن يزعم إنسان أن الله عز وجل قد كتب عليه مقدما أنه من أهل النار أومن أهل الجنة ، وأنه مهما فعل لن يغير المكتوب ، لأنه وكما ذكرنا من قبل أن هذه الكتابة لم تفرض علينا أعمالنا .. بل إن الله عز وجل قد كشف الغيب المستور وشاهد الأعمال قبل أن تقع فسجلها بعلمه للغيب ، وليس على الإنسان أن يشغل باله بهذه المسألة ويجب أن يضع في ذهنه قوله الله عز وجل : ( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) وأؤكد على هذه الجزئية كثيرا ما أسمع شخصا يقول : ما فائدة الأعمال الصالحة إذا كان الله عز وجل قد كتب علىّ من البداية أنني من أهل النار ؟ وهذا الكلام محض هراء ، ونقول لقائله : ومن الذي أدراك ما الذي كتبه الله لك ؟ .. ولماذا افترضت أنك من المدرجين مع أهل النار وليس من أهل الجنة ؟ ا. هـ

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .