أسمـــاء الله الحســـنى وصفـــــــاته الحلقــة التاسعة والسبعون بعد المائــتين في موضـــوع المعـــطي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

التاسعة والسبعون بعد المائتين في موضوع (المعطي) وهي بعنوان :

*العطاء غير المنظور:

لا بد من انتشار روح الجماعة فيما بيننا، والإحساس بالآخرين ومشاكلهم وأوجاعهم وآلامهم وأحزانهم، وتقديم كافة أشكال العطاء المنظور وغير المنظور لهم.

يحتاج كلٌّ منَّا خلال مسيرة الحياة إلى دعم ومساندة الآخرين من حوله،

ويظن الكثيرون أن الإنسان يحتاج إلى الدعم المادي فقط، ويحصر أغلبُ الناس صورَ هذا الدعم وأشكالَه في عدة أمور القاسم المشترك بينها أنها كلها عطاء مادي منظور معروف يمارسه الباذلون والمنفقون، لكن في الواقع يمتلك الدين الإسلامي منظومةً راقيةً متكاملةً من المبادئ السامية والقيم الرفيعة التي تحقق الإشباع الإنساني الكامل لكافة جوانب الحياة، ومن سُمُوِّ هذا الدين الخالد أنه يطرق أبواباً كثيرة للبذل والسخاء قد لا يلتفت إليها كثيرون، وربما تكون صور العطاء المعنوي غير المرئي أكثرَ إلحاحاً وأهمية بالنسبة لفئات معيَّنة من شرائح المجتمع؛ فعلى سبيل المثال قد ترى شيخاً مسنّاً في الشارع (أو في أية وسيلة مواصلات) يتطلع إليك في صمت، وترمقُكَ نظراتُه خِلسَةً في سكون وتسلُّل، وأوَّل ما يتبادر إلى الذهن في هذه الحال أنه شيخ عجوز يحتاج إلى تقديم المساعدة أو إعطائه بعض المال، لكن ربما تكون حاجتُه الأهم ليست المال، بل الحاجة إلى الحب والتقدير والاحترام، وإشعاره بقيمته ودوره في الحياة، وإشعاره بالعرفان بالجميل، وأهمية ما أسداه لمن تلاه من أجيال لاحقة، والإعـراب عن اسـتمرارية الحيـاة في الترحيب به؛ لأنه صـانعٌ لهـا، وليس عبئـاً عليهـا. وغالباً ما ينتظر منك تقديمَ أي مظهر من مظاهر هذا الترحيب: كإلقاء السلام، والابتسامة في وجهه، أو السؤال عن صحته، ناهيك عن إجلاسه على مقعدك إن كنتما في وسيلة مواصلات مزدحمة، أو حمْل شيء ثقيل عنه، وغير ذلك من صور الاحترام والتقدير والمؤازرة.

في الحقيقة، نحن بحاجة ماسَّة إلى تأمُّل حياتنا الاجتماعية والأسرية في تأنٍّ وعمق شديدين؛ لأن المجتمع بكافة شرائحه يحتاج (وينتظر) مزيداً من صور العطاء والسخاء والبذل؛ لا سيما عطاء المشاعر والأحاسيس والعواطف الإنسانية النبيلة التي تؤازرنا وقت الشدة وتُرَبِّت على أكتافنا برفقٍ وتؤدة، وتُشعِرُنا بالتعاطف والمواساة. وهذه دعوة وهمسة في أعماق كلٍّ منَّا لاستنهاض الهمة عسى أن تتفتق الأذهان وتتسابق السواعد لمسح دمعة حزينة، ورَسْم بسمة مشرقة على وجه طفل يتيم، أو أرملة مسكينة، أو شيخ عجوز، أو إنسان موجَع، أو عابر سبيل أعوزته الحاجة، أو طالب علم أعياه الفقر وكاد يصرفه عن طلبه، أو مَدِين أعياه الدَّين ونغَّص عليه حياته، أو صاحبِ عيال يئن تحت وطأة أعباء الحياة... فإذا كنا لا نستطيع تقديم شيءٍ مادي كبير، فلا أقل من بذل البسمة والكلمة الطيبة، وتقديم كافة أشكال الدعم المعنوي والمؤازرة النفسية، وَلْنُخفف من الفـردية والأنانية التي باتت تغلِّف حياتنا في كل شيء؛ فكلنا نؤجل القيام بدورنا الاجتماعي، وكلنا نتهرب منه، وكلنا نفكر بطريقة فردية ذاتية بحتة، بمعنى أن كل واحد منا مهموم بشؤونه الخاصة، شؤونه هو وحدَه، ويفكر في مصلحته هو فقط. وبسبب ضعف الحالة الاقتصادية، فالكل مطحون، مسحوق تحت وطأة الحياة ولا يقدم شيئاً للمجتمع، ونكتفي جميعاً بالنقد والصراخ، وإظهار كافة مشاعر الضجر والضيق والتبرم.

الى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته