أسمـــاء الله الحســـنى وصفـــــــاته الحلقــة الخامسة والعشرون بعد المائــتين في موضـــوع المعـــطي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخامسة والعشرون بعد المائتين في موضوع (المعطي) وهي بعنوان :

*مَنْ أُعطِيَ فَليشكُر:

   مِنْ شُكْرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ علَى النِّعمَةِ التُّحدُّثُ بها مِنْ غَيْرِ فَخْرٍ ولاَ تَعالٍ، بَلْ بقَصْدِ الاعتِرافِ بفَضْلِ اللهِ الكَبيرِ المُتَعالِ، يَقولُ اللهُ تعَالَى لرَسولهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ، ومِنْ شُكْرِ النِّعمَةِ ظُهورُ أَثَرِها علَى المُنعَمِ علَيهِ، يَقولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((إِذا أَنعَمَ اللهُ علَى عَبْدٍ نِعْمةً أَحبَّ أَنْ يَرى أَثَرَها علَيهِ))، وعندَما يُقدِّمُ امرؤٌ إِلى أَخيهِ مَعروفاً، فَمِنَ الوفاءِ شُكْرُهُ علَى ما أَسدَى، وقدَّمَ وأَهدَى، ومِنْ مَظاهِرِ الشُّكْرِ التِي يَنبَغِي أَنْ تُقدَّمَ إِليهِ الدُّعاءُ لهُ والثَّناءُ علَيهِ، يَقولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((لاَ يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ))، ويَقولُ     -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: ((مَنْ أُعطَيَ عطَاءً فَوجَدَ فَليُجْزِ بهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَليُثْنِ؛ فإِنَّ مَنْ أَثنَى فَقَد شَكَرَ، ومَنْ كَتَمَ فَقَد كَفَر))، وما أَيْسَرَ أَنْ يَقولَ المَرءُ لِمَنْ أَسدَى إِليهِ مَعروفاً: (جَزاكَ اللهُ خَيْراً)؛ فَهذا مِنْ أَبلَغِ الثَّناءِ، وأَعظَمِ أَلوانِ الوَفاءِ، فَهيَ لَيستْ مُجردَ كَلِمةٍ يَنطِقُ بِها اللسانُ، بَلْ هيَ تَعبيرٌ عمَّا استَقرَّ فِي القُلوبِ مِنْ إِيمانٍ، فَكلِمةُ (جَزاكَ اللهُ خيراً) دُعاءٌ والدُّعاءُ عِبادَةٌ، ثُمَّ إِنَّهُ تَواضُعٌ باتِّهامِ النَّفسِ بالتَّقصِيرِ، وإِحالَةِ الجَزاءِ إِلى اللهِ الكَريمِ، الذِي يُعطِي بلاَ حَدٍّ، ويَنعَمُ بلاَ حَصْرٍ ولاَ عدٍّ. وإِذا كَانَ مِنْ أَدَبِ المُعْطَى لهُ الوَفاءُ، والردُّ علَى العَطاءِ بالشُّكْرِ والثَّناءِ وخالِصِ الدُّعاءِ، فإِنَّ مِنْ أَدَبِ المُعْطِي أَنْ يَتجنَّبَ المَنَّ والإِيذاءَ، والسُّمعَةَ والرِّياءَ، وأَنْ يَجْعلَ عطَاءَهُ مَستوراً غَيْرَ مَنظُورٍ، خَفيّاً غَيْرَ مشُهورٍ، إِلاَّ إِذا قَصَدَ أَنْ يُذكِّرَ السَّاهِي ويَقتَدي بهِ الغَافِلُ اللاهِي؛ فالمَدارُ علَى النيَّةِ وسَلامَةِ الطَّويَّةِ، يَقولُ اللهُ تعَالَى: ((الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.

   إِنَّ لِكُلِّ نِعْمةٍ شُكْرَها المُناسِبَ لَها، إِذ لَيسَ مِنَ اللائقِ بالإِنسانِ قَصْرُ شُكْرِهِ علَى الثَّناءِ باللسانِ، بَلْ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يوجِّهَ النِّعمَةَ وِجهَةَ النَّفعِ والخَيْرِ، وذلِكَ باستِعمالِها فيمَا يُسْعِدهُ ويُسْعِدُ الغَيْرَ، وأَنْ يُحافِظَ علَيها باستِمرارٍ، وذلِكَ بالابتِعادِ عَنْ كُلِّ مُؤذٍ وضَارٍّ، واستِعمالِها فِي كُلِّ ما يَنفَعُ ويُفيدُ، مِنْ بِناءٍ وعُمرانٍ وتَشييدٍ، وكُلِّ عَمَلٍ مُفيدٍ خَلاَّقٍ، مَعَ الالتِزامِ بالتَّواضُعِ وكُلِّ مَكارِمِ الأخلاَقِ، فَمَنِ استَغلَّ صحَّتَهُ وعَافِيتَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ ونَفْعِ والديْهِ وولَدِهِ، ونَفسِهِ وبَلَدِه؛ فَقَد أَدَّى شُكْرَ نِعْمَةَ الصِّحةِ فِي بَدنِهِ؛ فَعَمرَ دُنياهُ ونَجا فِي أُخراهُ، وقَد ورَدَ أَنَّهُ ((مرَّ علَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَجلٌ، فَرأَى أَصحابَ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ جَلَدِهِ ونَشاطِهِ فَقالوا: يا رَسولَ اللهِ، لو كَانَ هَذا فِي سَبيلِ اللهِ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى علَى أَولاَدِهِ صغاراً فَهوَ فِي سَبيلِ اللهِ، وإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى علَى أَبوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبيريْنِ فَهوَ في سَبيلِ اللهِ، وإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى علَى نَفسْهِ يَعفُّها فَهوَ في سَبيلِ الله، وإِنْ كَانَ خَرجَ يَسْعَى رِياءً ومُفاخَرةً فَهوَ فِي سَبيلِ الشَّيطانِ))، ومَنْ أَنعَمَ اللهِ علَيهِ بالمَالِ فَمِنْ شُكْرِ اللهِ علَى هَذِه النِّعمَةِ المُحافَظةُ علَى هَذا المَالِ، والتَّصرُّفِ فِيهِ باعتِدالٍ، وذَلكَ بالبُعْدِ عَنِ الإِسرافِ والتَّبذيرِ، وعَدَمِ البُخْلِ والتَّقتِيرِ، وبِذلكَ يَنجو مِنَ المَلامَةِ والحَسْرَةِ، يَقولُ اللهُ تعَالَى: ((وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً)) ، ومَنْ أَنعَمَ اللهُ علَيهِ بأَولادٍ؛ فَعلَيهِ أَنْ يَشْكُرَ هَذِهِ النِّعمَةَ بِرعايَتِهم وحِفظِهم عَنْ كُلِّ انحِرافٍ وفَسادٍ، وذَلكَ يَكونُ بِتأدِيبِهم وتَقويمِهم وتَهذِيبهِم، مَعَ انتِهاجِ سَبيلِ الرِّقَّةِ واللُطْفِ، والبُعْدِ عَنِ الشِّدَّةِ والعُنفِ، فَمَنْ أَخطأَ فِي الوَسيلَةِ ضلَّ طَريقَهُ وسَبيلَهُ، فَوقَعَ ما كَانَ يَخشاهُ، وحَدثَ ما كَانَ يتَحاشَاهُ، فَقَد كَانَ مِنْ هَدْي الرَّسولِ -صلى الله عليه وسلم- تَأدِيبُ الأَولاَدِ بأُسلوبٍ شَفيقٍ، وقَولٍ لَطيفٍ ورَقيقٍ، وهَذا هوَ الأَدبُ المَقصودُ، حتَّى يتَحقَّقَ الأَملُ المَنشُودُ، إِنَّ التأَديبَ المُتَّصِفَ بالحُسْنِ والجَمالِ كَفيلٌ بِتَحقِيقِ الأَهدافِ والآمالِ، يَقولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((الزَموا أَولاَدَكُم وأَحسِنوا أَدَبَهم)).

   مِنْ أَولَى النَّاسِ بالشُّكْرِ والعِرفانِ الوالِدانِ، فَهُما أَكثَرُ النَّاسِ عَطاءً،

فَليَكونا أَولَى النَّاسِ جَزاءً وثَناءً، كَيفَ لاَ؟ وقَدْ قَرنَ اللهُ الإِحسانَ إِلَيهِما بِعبادَتِهِ ووحَدانِيَّتِه، كَما قَرَنَ شُكْرَهُما بِشُكْرِهِ، فَقالَ تَعالَى: ((وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)) ، وقَالَ جَلَّ شَأنُهُ: ((أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)) ، وشُكْرُ الوالِدَيْنِ يَكونُ بِطاعَتهِما فِي المَعروفِ وفِيما هوَ خَيْرٌ والإِحسانِ إِلَيهِما، وبِرِّهِما فِي حَياتِهما وبَعْدَ مَوتِهما، فَقَد جَاءَ رَجلٌ إِلى رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: ((يا رَسولَ اللهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبويَّ شَيءٌ أَبُرُّهُما بهِ بَعْدَ مَوتِهما؟ قَالَ: نَعَم الصَّلاةُ عَليهِما -أَي الدُّعاءُ والاستِغفارُ لَهُما-، وإِنفاذُ عَهْدِهِما، وصلَةُ الرَّحِمِ التِي لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِما، وإِكرامُ صَديِقهِما))، ومِنَ النِّعَمِ التِي تَجِبُ أَنْ تُشكَرَ وطَنُ الإِنسانِ الذِي أَظلَّتهُ سَماؤُهُ، وأَقلَّتُه غَبْراؤُهُ وخَضْراؤُهُ، وغذَّاهُ هَواؤُهُ ونَباتُهُ، وعَمَّتهُ خَيْراتُهُ، فُهوَ نِعْمَةٌ يَجِبُ أَنْ يُشكَرَ ولا يُكفَر، ويُحمَدَ ولا يُجْحدَ، وشُكْرهُ يَكونُ بِالاعتِزازِ بهِ والتَّشرُّفِ بالانتِماءِ إِلَيهِ، وبَذْلِ الجُهودِ لِمواصَلةِ التَّقدُّمِ والرُّقيِّ بهِ.[ الأنترنت – موقع خطب الجمعة - مَنْ أُعطِيَ فَليشكُر]

الى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته