أسمـــاء الله الحســـنى وصفـــــــاته الحلقــة الرابعة والعشرون بعد المائــتين في موضـــوع المعـــطي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الرابعة والعشرون بعد المائتين في موضوع (المعطي) وهي بعنوان :

*مَنْ أُعطِيَ فَليشكُر:

   مِنْ رَحمَةِ اللهِ بعِبادِهِ أَنْ جَعَلَ عَطاءَهُ لهُم مَمدوداً غَيْرَ مَقصورٍ، مُطلَقاً

غَيْرَ مَحظُورٍ، والمُؤمِنُ الحَقُّ يَستَقبِلُ عَطاءَ اللهِ بالطَّاعَةِ والإِيمانِ، والشُّكْرِ والعِرفانِ، ففِي القُرآنِ الكَريمِ يَذْكُرُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ مَنْ يُريدُ الدُّنيا ومَنْ يُريدُ الآخِرةَ ثُمَّ يَقولُ: ((كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً)) ، والعَطاءُ كَلِمةٌ ذَاتُ لَفظٍ جَميلٍ، ومَعنىً سامٍ وراقٍ ونَبيلٍ، لَفظُها مَمدودٌ، ومَعناها بالنِّسبَةِ لعَطاءِ اللهِ خَيْرٌ يُعطَى بلاَ حُدودٍ، وبالنِّسبَةِ لعِبادِهِ عَطاءٌ عَلى قَدْرِ ما هوَ مُتاحٌ ومَوجُودٌ، فهيَ كَلِمةٌ تَعنِي الإِنفاقَ والكَرَمَ والسَّخاءَ والإِيثَارَ والجُودَ، وكُلُّ ذَلكَ مِنْ مَكارِمِ الأَخلاَقِ، ومِنْ أَفضَلِ الصِّفاتِ علَى الإِطلاَقِ، حَثَّنا اللهُ علَيْها فِي كِتابِهِ الكَريمِ، وأَوصَى بِها نَبيَّهُ العَظيمَ -صلى الله عليه وسلم- ، ويَكفِيها شَرفاً وعُلوّاً، ورِفْعَةً وسُموّاً أَنَّ اللهَ جَعلَها علَى الإِيمانِ والبِّرِّ دَليلاً، وإِلى رُضْوانِهِ وجنَّةِ الفِردَوسِ سَبيلا، يَقولُ اللهُ تعَالَى: ((لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ، ويَقولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((مَنْ كَانَ يؤمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَليُكْرِمْ ضْيفَهُ))، وجَاءَ فِي الأَثَرِ: ((السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنَ اللهِ، قَرِيبٌ مِنَ الجنَّةِ، قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ، بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ))، وقَدَ قَرَنَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ العَطاءَ بالتَّقوَى، ويَسَّرَ لِمَنْ أَعطَى واتَّقى العَمَلَ بِما يُرضِيهِ، وضَمِنَ لهُ الجنَّةَ تَحتَضِنُه وتُؤويِهِ، وأَكْرِمْ بِذلِكَ جَزاءً وثَواباً وعَطاءً، يَقولُ اللهُ تعَالَى: ((فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)) ، إِنَّ الذِينَ يُعطُونَ ولاَ يَمنَعونَ، ويُنفِقونَ ولاَ يُمسِكونَ؛ تَستَقبِلُ مَلائكَةُ اللهِ عَطاءَهم بالدُّعاءِ، وتَطْلُبُ لهُم مِنْ رَبِّهم حُسْنَ الجَزاءِ، والخَلَفَ عمَّا أَنفَقوا، وأَعطَوا وتَصدَّقوا، يَقولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إِلاَّ مَلِكانِ يَنزِلاَنِ؛ فَيقولَ أَحدُهما: اللهُمَّ أَعْطِ مُنفِقاً خَلفاً، ويَقولُ الآخَرُ: اللهُمَّ أَعطِ مُمسِكاً تَلفاً)).

   عِبادَ اللهِ :إِنَّ ممَّا لاَ شَكَّ فِيهِ ولاَ ارتِيابَ أَنَّ اللهَ هوَ المُعْطِي الوهّابُ، فهوَ سُبحانَهُ يُعْطِي الدُّنيا مَنْ يُريدُ، ويُعْطِي الآخِرةَ مَنْ يُريدُ، ويُعِطيهُما معاً مَنْ يُريدُ، بَيْدَ أَنَّ عَمَلَ الإِنسانِ هوَ الذِي يُحدِّدُ جِهَةَ العَطاءِ وكَيفيَّتَهُ، ومِقْدارَهُ ونَوعِيّتَهُ، فالمؤمِنونَ العَامِلونَ للصَّالِحاتِ يُعِطيهمُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ جنَّةً يَدخُلُونَها، لاَ يَرضَونَ عَنها بَدلاً، ولاَ يَبغونَ عَنها حِوَلاً، عَطاءً مِنَ اللهِ غَيْرَ مَمنوعٍ، ولاَ مَجذوذٍ ولاَ مَقطوعٍ، يَقولُ اللهُ تعَالَى: ((وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)) ، وقَد أَعطَى اللهُ لِسُلَيمانَ -عَليهِ السَّلاَمُ- فِي الدُّنيا مَا لم يُعطِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ، ولاَ يُعطاهُ أَحَدٌ بَعْدَهُ، مَعَ ما ادَّخَرَهُ لهُ فِي الآخِرَةِ، يَقولُ اللهُ تعَالَى لِسُليمانَ: ((هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ)) ، كمَا أَعطَى اللهُ عَزَّ وجَلَّ الدُّنيا لقَارونَ وفِرعونَ وهامانَ، فلمَّا تَعرَّوا عَنِ الإِيمانِ، وقَابلوا العَطاءَ بالجُحودِ والنُّكرانِ؛ آلَ أَمرُهم إِلى الخُسْرانِ، يَقولُ اللهُ تَعالَى فِي شَأنِ نهايَةِ فِرعونَ: ((فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)) ، ويَقولُ فِي شَأنِ نهايَةِ قَارونَ: ((فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ)) .

الى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته