أسمـــاء الله الحســـنى وصفـــاته الحلقـــة الثالثة والثلاثـــون بعد المائــــة في موضـــوع المعـــطي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة والثلاثون بعد المائة في موضوع (المعطي) وهي بعنوان :

* بين منع الله وعطائه :

إن اعتقاد هؤلاء الناس كان يمكن أن يكون صحيحاً لو أن الله جعل متاع

الدنيا لأحبائه المؤمنين خاصة دون غيرهم من عباده، لكن الأمر ليس كذلك، قال تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20]، قال ابن الجوزي: (قال المفسرون: كُلاًّ نعطي من الدنيا، البَرَّ والفاجرَ، والعطاء هاهنا: الرزق، والمحظور: الممنوع، والمعنى: أن الرزق يعم المؤمن والكافر، والآخرة للمتقين خاصة)

إن اعتقاد هؤلاء الناس كان يمكن أن يكون صحيحاً لو كان لمتاع الدنيا قيمة حقيقية عند الله، لكنه ليس كذلك، قال تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 77]، وقال صلى الله عليه سلم: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً من شربة ماء"

بل إنه قد ثبت أن أشد الناس بلاء هم أولياؤه وأحباؤه من النبيين والصالحين، فقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله من أشد الناس بلاء؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتَلى العبد على حسب دينه، فما يبرح بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة"، ولهذا كان الصالحون يخشون على أنفسهم إذا مر عليهم زمن لم يتعرضوا فيه للابتلاء في أنفسهم أو أهليهم أو أموالهم وغير ذلك.

لقد أرشد الله عز وجل العقول إلى الصواب في هذه المسألة في كتابه العزيز وبين بما لا يدع مجالاً للشك بطلان ما ذهب إليه كلا الفريقين، قال تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا} [الفجر: 15-17]، قال ابن كثير رحمه الله: (يقول تعالى منكرًا على الإنسان في اعتقاده إذا وسع الله عليه في الرزق ليختبره في ذلك، فيعتقد أن ذلك من الله إكرام له؛ وليس كذلك، بل هو ابتلاء وامتحان. كما قال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون:55،56]. وكذلك في الجانب الآخر إذا ابتلاه وامتحنه وضَيَّق عليه في الرزق، يعتقد أن ذلك من الله إهانة له. قال الله: {كَلا} أي: ليس الأمر كما زعم، لا في هذا ولا في هذا، فإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب، ويضيق على من يحب ومن لا يحب، وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين، إذا كان غنياً بأن يشكر الله على ذلك، وإذا كان فقيرًا بأن يصبر)

الى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته