أسمـــاء الله الحســـنى وصفـــاته الحلقـــة الثانية والثلاثـــون بعد المائــــة في موضـــوع المعـــطي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثانية والثلاثون بعد المائة في موضوع (المعطي) وهي بعنوان :

* بين منع الله وعطائه :

    لقد حرص القرآن الكريم في كثير من آياته على تقويم ما اعوج من طرق تفكير الناس، وعلى انتشال العقول الضالة الحائرة من وهاد الانحراف الفكري، لبناء أصول التفكير السليم القائم على المحاكمات العقلية المستقيمة؛ البعيدة عن السطحية، والسفسطة، والتقليد الأعمى، وغيرها من العيوب التي تحرف العقل عن أداء وظيفته على الوجه الأكمل.

وأول ما حرص عليه القرآن الكريم في هذا المجال هو المسألة الأم والقضية الرئيس التي تشغل الإنسان، وهي وجوده هو نفسه، فإذا أيقن استحالة أن يكون قد أُوجِد بلا موجِد، أتته الآيات تترى تخبره عمن أوجده وجميع المخلوقات فاستحق لذلك العبادة وحده {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام: 102]، وهذه هي الحقيقة الكبرى التي إن ضلت عنها العقول كانت عما وراءها أضل، كما قيل:

وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل

ولئن كانت هذه الحقيقة لا تغيب إلا عن منكري الإله من أهل الكفر، فإن هناك حقائق أخرى تغيب عمن سواهم، ومن ذلك ما يتعلق بحقيقة عطاء الله عبادَه ومنعهم، وهي قضية مهمة تاهت أمامها كثير من العقول في القديم والحديث.

إن كثيراً من الناس يقعون في خطأ كبير عندما يجري عليهم قدر الله عز وجل بشيء من العطاء أو بشيء من المنع؛ فإذا وسع الله على أحدهم في رزقه، أو أكرمه في تجارته، أو وفقه في دراسته، أو يسر له الزواج بمن يريد، أو أعطاه من الذرية ما يشاء، أو حفظه من مكروه، حسب أن هذا دليل إكرام من الله عز وجل، بل دليل حب منه سبحانه وتعالى له، ومن العجيب أن مِن هؤلاء مَن قد يكون من المسرفين على أنفسهم الظالمين لها بترك ما أمر الله وركوب ما نهى عنه من الشرور والمعاصي، ومع ذلك نجده يقول: لو لم يحبني لما أعطاني كذا وكذا، لو لم يحبني لما جنبني كذا وكذا!

وفي المقابل نجد من الناس من إذا تعرض لما يسوؤه؛ من خسارة أو مرض أو فقد حبيب وما أشبه ذلك، اسودت الدنيا في عينه وأرجع هذا الأمر لعدم محبة الله سبحانه وتعالى له، وأنه لو كان يحبه لما فعل به ما فعل، مع أن مِن هؤلاء مَن قد يكون من الطيبين الحافظين لحدود الله جل وعلا

المقيمين على طاعته والمجانبين لمعصيته!

ولا شك أن كلا الموقفين يدل على جهل ببعض ما جاء به هذا الشرع الحنيف، وجهل بحقيقة هذه الدنيا، وبحقيقة محبة الله لعباده وآثارها.

إن اعتقاد هؤلاء الناس كان يمكن أن يكون صحيحاً لو أن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الدنيا دار جزاء وحساب، لكنها ليست كذلك، بل هي دار ابتلاء واختبار، قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف: 7]، وبين سبحانه أن هذا الاختبار يكون بالشر والخير جميعاً، قال سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35].

الى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته