أسمـــاء الله الحســـنى وصفـــاته الحلقـــة السادسة والعشرون بعد المائــــة في موضـــوع المعـــطي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السادسة والعشرون بعد المائة في موضوع (المعطي) وهي بعنوان :

*ثمرات استدامة العطاء الإنساني بعد التقاعد السعيد :

     إن التوكُّل والجد وحسن الظن بالله أسنان لمفتاح عجيب، عزَّ نظيره، يبشِّر بالفَجر، ويوصد باب اليأس، ويفتح كوّة أمل، فتُعانقها أنوار البشائر، في غدٍ أجمل، وحلم يتحقَّق، وحصاد يُجنى، بعد طول تعب، ومرارة صبر، وإلحاحِ دعاء.

إنَّ استدامة العطاء بعد نهاية العمل النظامي الثمرة المرجوّة لتصحيح مفهوم التقاعد وإعادة تأطيره عالميًّا، وعطاء الإنسان واستدامته سرُّ الحياة ومعناها العميق، الذي لا تَكتمل إلا به، ولا تطيب الحياة إلا بسموِّ معناها، وأسمى المعاني ما جمع بين مواءمة فطرة التيسير في أصل الخلق والسعي فيما يرضي الخالق، ففي هذا اكتشاف للمواهب الفردية، وأعمالها في سبل مرضاة الواهب - سبحانه وتعالى.

إن المتقاعد هو أول مَن يجني ثمرة استدامة العطاء بعد تقاعُده، وبه يحس

بمعنى حياته وقيمته، ويبعد عن نفسه شبح الكآبة والوحدة والسأم، فتصح نفسه، ويصح بدنه، ويحقق رغباته، ويقي نفسه من العلل والأمراض التي يسببها الفراغ والملل والكسل وخواء الحياة من معناها وطعمها، فيعتدل مزاجه، ويحيا أمله، فيشغل يومه بالمفيد، وينام على شوق لغده، ويصبح راغبًا لهفًا، كما يجني ثمرة استدامة العطاء زوج المتقاعد وأولاده وأهله وأصدقاؤه ومن يعاشره، ولعلَّ معشر الأطباء والباحثين في مجال الشيخوخة يفيدون في أبحاثهم من دراسة المنافع الحياتية النفسية والعضوية المأمولة لاستدامة العطاء والنشاط البدني والذهني بعد التقاعُد عن العمل النظامي.

ليس هذا مبحثًا علميًّا مفصلاً، ولكنَّنا نكاد نجزم بكثرة المستفيدين من ثمرة استدامة العطاء الإنساني بعد التقاعد، ولعلَّنا لا نبالغ إن قُلنا بأن العالم بأسرِه سيَفيد من هذه الثمرة، ومن هذه الطاقات التي كانت مهدرة ومعطَّلةً في أسر المفهوم الخاطئ والمُجحِف لحياة التقاعد، ولعل أحد الباحثين يُحصي هذا العطاء المستدام من جهة الكم والنوع والأثر، فإذا أنشأنا قاعدة معلوماتية تحوي - مثلاً - عدد المُتقاعِدين، ومتوسِّط أعمارهم، ومواقعهم، ومواهبهم، وحالتهم الصحية، وقدرتهم على العطاء، وغيرها من المعلومات المفيدة، ثم أتبعنا ذلك بإسقاط هذه القاعدة المعلوماتية عن قدرات المتقاعدين على قاعدة معلوماتية أخرى تحدِّد أنواع الحاجة ومجالاتها في المجتمعات حولنا، فإننا عندئذ نوجه الطاقات والرغبات للاحتياجات، ولعل هذا الأسلوب يعوّض جزءًا من نقص المهارات في بعض أنحاء البلاد في مجالات عدة مثل التعليم والتدريب والإرشاد الأُسري والتمريض والتطبيب والصيانة وغيرها، ولعل البحوث المستقبلية تنتج معادلات رياضية دقيقة تحصي أثر وقيمة ما نرجوه من استدامة العطاء بعد التقاعد عن العمل النظامي.

فمثلاً لو وجهنا بعض طاقات المتقاعدين في تعليم مبادئ القراءة والكتابة والصحة لأهل البادية، فنرجو أن ترفع مثل هذه الجهود مستويات التعليم

والثقافة في مجتمعات بأكملها، ولعلَّ طاقات المتقاعِدين تعزِّز البرامج الوطنية للتطعيم الوقائي، كما أن طاقات المتقاعِدين سوف تثري أنشطة المكتبات بالقراءة للأطفال والعجائز والمرضى، ولعلها كذلك تُثري مجال كفالة الأيتام وجمعيات الفنون المختلفة، وكما لاحظ بعض الباحِثين تفتُّق بعض مهارات بعض المتقاعِدين وظهورها وتميُّزها وإبداعها في أعمار متقدِّمة إذا لاقت عناية وجهدًا مِن أصحابها، وعونًا من مُجتمعاتهم، وفي هذا مزيد تأكيد لما عرضْنا سابقًا من البحوث التي تثبت بالملاحظة والاستقصاء استمرار النمو العقلي وثراءه وتنوعه وعمقه في مراحل الحياة المتأخرة نسبيًّا (فضلاً راجع بحثنا

السابق بعنوان: العلم يحدِّد موقع حياة المتقاعد في خريطة الحياة).

كما لا يَخفى على المتأمل أثر استدامة العطاء الإنساني بعد التقاعد في حفظ كثير من الحِرَف اليدوية والتراث الشفهيِّ وبعض المعارف، وتوثيقها، وتعليمها ونَقلِها من السابق للاحق، ولعل هذا مما يعزز الجهود الرامية لحفظ العادات الحسنة والخلال الحميدة، وفي هذا مزيد تجذير وترسيخ للهوية الوطنية الخاصة بكل مجتمع، وتقوية للصلة بين الأجيال، ومحافظة على تنوع وثراء الإرث الإنساني. [ الأنترنت - موقع  الألوكة - ثمرات استدامة العطاء الإنساني بعد التقاعد السعيد- هشام محمد سعيد قربان ]

الى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته