أسمـــاء الله الحســـنى وصفـــاته الحلقـــة الثالثة والعشرون بعد المائــــة في موضـــوع المعـــطي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة والعشرون بعد المائة في موضوع (المعطي) وهي بعنوان :

*فضائل الجهاد والشهادة في ضوء القرآن والسنة وهو عطاء :

مَن بايع على هذا، مَن أمضَى عقدَ الصفقة، من ارتضى الثمنَ ووفَّى، فهو

المؤمِن، فالمؤمنون هم الذين اشترى الله منهم فباعوا، ومِن رحمة الله أن جعَل للصفقة ثمنًا، وإلاَّ فهو واهب الأنفُسِ والأموال، وهو مالك الأنفس والأموال، ولكنَّه كرَّم هذا الإنسانَ فجعله مريدًا؛ وكرَّمه فجعل له أن يعقدَ العقود ويُمضيَها - حتى مع الله - وكرَّمه فقيَّده بعقوده وعهوده، وجعل وفاءَه بها مقياسَ إنسانيته الكريمة؛ ونقضه لها هو مقياس ارتكاسِه إلى عالَم البهيمة: شر البهيمة {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ} [الأنفال: 55-566]، كما جَعَل مناطَ الحساب والجزاء هو النقض أو الوفاء.

وإنَّها لَبَيْعة رهيبة - بلا شكٍّ - ولكنَّها في عنق كلِّ مؤمن قادر عليها، لا تسقط عنه إلاَّ بسقوط إيمانه، ومن هنا تلك الرَّهْبة التي أستشعرها اللحظة وأنا أخطُّ هذه الكلمات: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } [التوبة: 111]، عونَك اللهمّ، فإنَّ العقد رهيب، وهؤلاء الذين يزعمون أنفسهم "مسلمين" في مشارِق الأرض ومغاربها، قاعدون لا يُجاهدون لتقريرِ ألوهيةِ  الله في الأرْض، وطرْد الطواغيت الغاصبة لحقوقِ الربوبيَّة وخصائصها في حياة العباد، ولا يَقتلون، ولا يُقتلون، ولا يُجاهدون جهادًا ما دون القَتْل والقِتال.

إنَّ الجهادَ في سبيل الله بيْعةٌ معقودة بعُنق كلِّ مؤمن، كل مؤمِن على الإطلاق منذُ كانتِ الرسل، ومنذ كان دِين الله، إنَّها السُّنَّة الجارية التي لا تستقيم هذه الحياة بدونها، ولا تصلح الحياة بتَرْكها.

{فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111]: استبشروا بإخلاص أنفسِكم وأموالكم لله، وأخْذِ الجنة عوضًا وثمنًا، كما وعَد الله، وما الذي فات؟ ما الذي فاتَ المؤمنَ الذي يُسلِم لله نفسَه وماله، ويستعيض الجنَّة؟! واللهِ ما فاته شيء، فالنفس إلى مَوْت، والمال إلى فَوْت، سواء أنفقهما صاحبُهما في سبيل الله،أم في سبيل سواه، والجنة كسب كسب بلامقابِل في حقيقة الأمر ولا بضاعة، فالمقابِل زائلٌ في هذه الطريق أو ذاك ودَعْ عنك رفعة الإنسان وهو يعيش لله، ينتصر - إذا انتصر - لإعلاء كلمتِه، وتقرير دِينه، وتحرير عباده من العبودية المذلَّة لسواه، ويُستَشهد - إذا استشهد - في سبيله؛ ليؤديَ لدِينه شهادةً بأنه خيرٌ عنده من الحياة، ويستشعر في كلِّ حركة وفي كل خُطوة أنَّه أقوى من قيود الأرض، وأنَّه أرفع من ثقلة الأرض، والإيمان ينتصر فيه على الألَم، والعقيدة تنتصر فيه على الحياة.

إنَّ هذا وحده كسب، كسبٌ بتحقيق إنسانية الإنسان التي لا تتأكَّد كما تتأكَّد بانطلاقه من أوهام الضرورة؛ وانتصار الإيمان فيه على الألَم، وانتصار

العقيدة فيه على الحياة، فإذا أُضِيفتْ إلى ذلك كلِّه الجنة، فهو بيع يدعو إلى الاستبشار؛ وهو فوزٌ لا ريب فيه ولا جدال؛ {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي

بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}"

الى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته