أسمـــاء الله الحســـنى وصفـــاته الحلقـــة السابعة والأربعـــــون في موضـــوع المعـــطي

نبذة عن الصوت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة

السابعة والأربعون في موضوع (المعطي) وهي بعنوان :

*{ هَٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍۢ }

العلوم منح إلهية للأولين والآخرين:

لا ينبغي للمسلم وهو صاحب رسالة أن تقف همته في تحصيل المعارف والعلوم عند حد محدود، وبخاصة في مجال تخصصه الذي هو فرض عين، ولا يصح له أن يتصور أن المعارف قد أتى على آخرها الأولون، فلا سبيل إلى مزيد ولا طريق إلى جديد،  وقد قال الجاحظ: “إذا سمعتَ الرجلَ يقول: ما ترك الأوَّلُ للآخِر شيئاً، فاعلمْ أنه لا يريدُ أن يُفلِح”؛ لأنه حينئذ سيعطل طاقاته ويدور في فلك غيره، وفي ذات الوقت لا يقدر عطاءات الله المتجددة التي لا يحرمها جيل لتأخره، ولا ينالها جيل لتقدمه، يعبر عن ذلك ابن مالك- رحمه الله- صاحب الألفية في النحو قائلا: “وإذا كانت العلومُ مِنَحاً إلهية، ومواهبَ اختصاصيةً فغيرُ مستبعَدٍ أن يُدَّخَر لبعض المتأخِّرين ما عسُرَ على كثيرٍ من المتقدِّمين، أعاذنا الله من حسدٍ يسدُّ بابَ الإنصاف ويصدُّ عن جميل الأوصاف”.

ومن أنفس العبارات عبارة حاجي خليفة في مقدِّمة “كشف الظنون”:

“واعلم أن نتائجَ الأفكار لا تقف عند حدٍّ، وتصرُّفاتِ الأنظار لا تنتهي إلى غاية، بل لكل عالم ومتعلم منها حظٌّ يُحْرزه في وقته المقدَّر له، وليس لأحدٍ أن يزاحمه فيه؛ لأن العالَم المعنوي واسعٌ كالبحر الزاخر، والفيضَ الإلهي ليس له انقطاعٌ ولا آخر، والعلومُ منحٌ إلهية ومواهبُ صَمَدانية، فغير مستبعد أن يُدَّخَر لبعض المتأخِّرين ما لم يدَّخر لكثير من المتقدِّمين، فلا تغترَّ بقول القائل: “ما ترك الأول للآخر”، بل القول الصحيح الظاهر: “كم ترك الأول للآخر”، فإنما يُستجَاد الشيء ويُسترذَل لجَوْدته ورداءته لا لقِدَمه وحدوثه. ويقال: ليس بكلمةٍ أضرَّ بالعلم من قولهم: “ما ترك الأول شيئاً” لأنه يقطع الآمال عن العلم، ويحمل على التقاعد عن التعلم، فيقتصر الآخر على ما قدَّم الأولُ من الظواهر وهو خطر عظيم وقول سقيم، فالأوائل وإن فازوا باستخراج الأصول وتمهيدها فالأواخر فازوا بتفريع الأصول وتشييدها، كما قال : «مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره» (رواه البغوي وأحمد والترمذي).

وعبارات العلماء كثيرة في بيان هذه الفكرة التي ينبغي إشاعتها لبعث الأمل وإيقاظ الهمم في نفوس المتأخرين، لينطلقوا مجتهدين مستعينين بالله تعالى ليحصلوا نصيبهم من فيض الله وعطائه؛ ليأتو بالجديد النافع كلٌ في مجاله وتخصصه.

الى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته