*إعمال الباطن في تلاوة القرآن :

*إعمال الباطن في تلاوة القرآن :

استمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إلى عبد الله بن مسعود ومعه أبو بكر وعمر، فوقفوا طويلا ثم قال: “من أراد أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل،

فليقرأه على قراءة ابن أم عبد” [ أخرجه أحمد والنسائي في الكبرى من حديث عمر، والترمذي وابن ماجة من حديث ابن مسعود، وقال الترمذي حسن صحيح.]

وقال صلى الله عليه وسلم لابن مسعود: “اقرأ علي”. فقال: يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك أنزل! فقالصلى الله عليه وسلم: “إني أحب أن أسمعه من غيري” [ متفق عليه من حديث ابن مسعود.] فكان يقرأ وعينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تفيضان.

واستمع صلى الله عليه وسلم إلى قراءة أبي موسى فقال: “لقد أوتي هذا من مزامير آل داود”. فبلغ ذلك أبا موسى فقال: يا رسول الله، لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا [ متفق عليه من حديث أبي موسى.]

وفي الخبر كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا أحدهم أن يقرأ سورة من القرآن.

وكان عمر يقول لأبي موسى رضي الله عنهما: ذكرنا ربنا. فيقرأ عنده حتى يكاد وقت الصلاة أن يتوسط، فيقال: يا أمير المؤمنين الصلاة الصلاة. فيقول: أو لسنا في صلاة؟ إشارة إلى قوله عز وجل: ولذكر الله أكبر.

وقال صلى الله عليه وسلم: “من استمع إلى آية من كتاب الله عز وجل كانت له نورا يوم القيامة” [ أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة، وفيه ضعف وانقطاع.]

وفي الخبر كتب له عشر حسنات، ومهما عظم أجر الاستماع وكان التالي هو السبب فيه كان شريكا في الأجر إلا أن يكون قصده الرياء والتصنع.

أعمال الباطن في تلاوة القرآن:

وهي عشرة: فهم أصل الكلام، ثم التعظيم، ثم حضور القلب، ثم التدبر، ثم التفهم، ثم التخلي عن موانع الفهم، ثم التخصيص، ثم التأثر، ثم الترقي، ثم التبري.

فالأول: فهم عظمة الكلام وعلوه وفضل الله سبحانه وتعالى ولطفه بخلقه في نزوله عن عرش جلاله إلى درجة إفهام خلقه. فلينظر كيف لطف بخلقه في إيصال معاني كلامه الذي هو صفة قديمة قائمة بذاته إلى أفهام خلقه؟ وكيف تجلت لهم تلك الصفة في طي حروف وأصوات هي صفات البشر؟ إذ يعجز البشر عن الوصول إلى فهم صفات الله عز وجل إلا بوسيلة صفات نفسه. ولولا استتار كنه جلالة كلامه بكسوة الحروف لما ثبت لسماع الكلام عرش ولا ثرى، ولتلاشى ما بينهما من عظمة سلطانه وسبحات نوره. ولولا تثبيت الله عز وجل لموسى عليه السلام لما أطاق لسماع كلامه كما لم يطق الجبل مبادي تجليه حيث صار دكا. ولا يمكن تفهيم عظمة الكلام إلا بأمثلة على حد فهم الخلق. ولهذا عبر بعض العارفين عنه فقال: إن كل حرف من كلام الله عز وجل في اللوح المحفوظ أعظم من جبل قاف، وإن الملائكة عليهم السلام لو اجتمعت على الحرف الواحد أن يقلوه ما أطاقوه حتى يأتي إسرافيل عليه السلام -وهو ملك اللوح- فيرفعه، فيقله بإذن الله عز وجل ورحمه لا بقوته وطاقته، ولكن الله عز وجل طوقه ذلك واستعمله به.

ولقد تألق بعض الحكماء في التعبير عن وجه اللطف في إيصال معاني الكلام مع علو درجته إلى فهم الإنسان وتثبيته مع قصور رتبته، وضرب له مثلا لم يقصر فيه وذلك أنه دعا بعض الملوك حكيم إلى شريعة الأنبياء عليهم السلام، فسأله الملك عن أمور فأجاب بما لا يحتمله فهمه فقال الملك: أرأيت ما تأتي به الأنبياء إذا ادعت أنه ليس بكلام الناس وأنه كلام الله عز وجل فكيف يطيق الناس حمله؟ فقال الحكيم: إنا رأينا الناس لما أرادوا أن يفهموا بعض الدواب والطير ما يريدون من تقديمها وتأخيرها، وإقبالها وإدبارها، ورأوا الدواب يقصر تمييزها عن فهم كلامهم الصادر عن أنوار عقولهم مع حسنه وتزيينه وبديع نظمه، فنزلوا إلى درجة تمييز البهائم وأوصلوا مقاصدهم إلى بواطن البهائم بأصوات يضعونها لائقة بهم من النقر والصفير والأصوات القريبة من أصواتها لكي يطيقوا حملها، وكذلك الناس يعجزون عن حمل كلام الله عز وجل بكنهه وكمال صفاته، فصاروا بما تراجعوا بينهم من الأصوات التي سمعوا بها الحكمة كصوت النقر والصفير الذي سمعت به الدواب من الناس، ولم يمنع ذلك معاني الحكمة المخبوءة في تلك الصفات من أن شرف الكلام أي الأصوات لشرفها وعظم لتعظيمها. فكان الصوت للحكمة جسدا ومسكنا، والحكمة للصوت نفسا وروحا. فكما أن أجساد البشر تكرم وتعز لمكان الروح فكذلك أصوات الكلام تشرف للحكمة التي فيها. والكلام على المنزلة رفيع الدرجة قاهر السلطان نافذ الحكم في الحق والباطل، وهو القاضي العدل والشاهد المرتضى يأمر وينهى، ولا طاقة للباطل أن يقوم قدام شعاع الشمس، ولا طاقة للبشر أن ينفذوا غور الحكمة كما لا طاقة لهم أن ينفذوا بأبصارهم ضوء عين الشمس، ولكنهم ينالون من ضوء عين الشمس ما تحيا به أبصارهم ويستدلون به على حوائجهم فقط. فالكلام كالملك المحجوب الغائب وجهه النافذ أمره، وكالشمس الغزيرة الظاهرة مكنون عنصرها، وكالنجوم الزهرة التي قد يهتدي بها من لا يقف على سيرها، فهو مفتاح الخزائن النفيسة وشراب الحياة الذي من شرب منه لم يمت، ودواء الأسقام الذي من سقي منه لم يسقم. فهذا الذي ذكره الحكيم نبذة من تفهيم معنى الكلام والزيادة عليه لا تليق بعلم المعاملة، فينبغي أن يقتصر عليه.

الثاني: التعظيم للمتكلم؛ فالقارئ عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم، ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر، وإن في تلاوة كلام الله عز وجل غاية الخطر فإنه تعالى قال: لا يمسه إلا المطهرون [ سورة الواقعة، الآية 71.]

وكما أن ظاهر جلد المصحف وورقه محروس عن ظاهر بشرة اللامس إلا إذا كان متطهرا فباطن معناه أيضا بحكم عزه وجلاله محجوب عن باطن القلب إلا إذا كان متطهرا عن كل رجس ومستنيرا بنور التعظيم والتوقير. وكما لا يصلح لمس جلد المصحف كل يد فلا يصلح لتلاوة حروفه كل لسان، ولا لنيل معانيه كل قلب.

ولمثل هذا التعظيم كان عكرمة بن أبي جهل إذا نشر المصحف غشي عليه ويقول: هو كلام ربي ! هو كلام ربي!

فتعظيم الكلام تعظيم المتكلم، ولن تحضره عظمة المتكلم ما لم يتفكر في صفاته وجلاله وأفعاله، فإذا حضر بباله العرش والكرسي والسماوات

والأرض وما بينهما من الجن والإنس والدواب والأشجار، وعلم أن الخالق لجميعها والقادر عليها والرازق لها واحد، وأن الكل في قبضة قدرته مترددون بين فضله ورحمته، وبين نقمته وسطوته، إن أنعم فبفضله، وإن عاقب فبعدله، وأنه الذي يقول: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، وهذا غاية العظمة والتعالي. فبالتفكر في أمثال هذا يحضر تعظيم المتكلم ثم تعظيم الكلام.

الثالث: حضور القلب وترك حديث النفس؛ قيل في تفسير يا يحيى خذ الكتاب بقوة [ سورة مريم، الآية 12.]

أي بجد واجتهاد. وأخذه بالجد أن يكون متجردا له عند قراءته منصرف الهمة إليه عن غيره. وقيل لبعضهم: إذا قرأت القرآن تحدث نفسك بشيء؟ فقال: أو شيء أحب إلي من القرآن حتى أحدث به نفسي! وكان بعض السلف إذا قرأ آية لم يكن قلبه فيها أعادها ثانية. وهذه الصفة تتولد عما قبلها من التعظيم، فإن المعظم للكلام الذي يتلوه يستبشر به ويستأنس ولا يغفل عنه، ففي القرآن ما يستأنس به القلب إن كان التالي أهلا له فكيف يطلب الأنس بالفكر في غيره وهو في منتزه ومتفرج، والذي يتفرج في المنتزهات لا يتفكر في غيرها؟ فقد قيل: إن في القرآن ميادين وبساتين، مقاصير (جمع مقصورة، وهي مقام الإمام) وعرائس، وديابيج ورياضا وخانات، فالميمات ميادين القرآن، والراءات بساتين القرآن، والحاءات مقاصيره، والمسبحات عرائس القرآن، والحاميمات ديابيج القرآن، والمفصل رياضه، والخانات ما سوى ذلك. فإذا دخل القارئ الميادين وقطف من البساتين ودخل المقاصير وشهد العرائس، ولبس الديابيج وتنزه في الرياض وسكن غرف الخانات استغرقه ذلك، وشغله عما سواه فلم يعزب قلبه ولم يتفرق فكره.

الرابع: التدبر؛ وهو وراء حضور القلب، فإنه قد لا يتفكر في غير القرآن ولكنه يقتصر على سماع القرآن من نفسه وهو لا يتدبره، والمقصود من القراءة التدبر، ولذلك سن لأن الترتيل فيه الترتيل في الظاهر ليتمكن من التدبر بالباطن. قال علي رضي الله عنه: لا خير في عبادة لا فقه فيها ولا في قراءة لا تدبر فيها. وإذا لم يتمكن من التدبر إلا بترديد فليردد إلا أن يكون خلف إمام، فإنه لو بقي في تدبر آية وقد اشتغل الإمام بآية أخرى كان مسيئا مثل من يشتغل بالتعجب من كلمة واحدة ممن يناجيه عن فهم بقية كلامه. وكذلك إن كان في تسبيح الركوع وهو متفكر في آية قرأها إمامه فهذا وسواس. فقد روي عن عامر بن عبد قيس أنه قال: الوسواس يعتريني في الصلاة، فقيل: في أمر الدنيا؟ فقال: لأن تختلف في الأسنة أحب إلي من ذلك، ولكن يشتغل قلبي بموقفي بين يدي ربي عز وجل وأني كيف انصرف. فعد ذلك وسواسا وهو كذلك، فإنه يشغله عن فهم ما هو فيه. والشيطان لا يقدر على مثله إلا بأن يشغله بمهم ديني ولكن يمنعه به من الأفضل. ولما ذكر ذلك للحسن قال: إن كنتم صادقين عنه فما اصطنع الله ذلك عندنا. ويروى أنه صلى الله عليه وسلم قرأ “بسم الله الرحمن الرحيم” فرددها عشرين مرة [ رواه أبو ذر الهروي في معجمه من حديث أبي هريرة بسند ضعيف.]

وإنما رددها صلى الله عليه وسلم لتدبره في معانيها. وعن أبي ذر قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا ليلة فقام بآية يرددها وهي: إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم [ سورة المائدة، الآية 18.] [ أخرجه النسائي وابن ماجة بسند صحيح.]

وقام تميم الداري ليلة بهذه الآية: أم حسب الذين اجترحوا السيئات [ سورة الجاثية، الآية 21.]

وقام سعيد بن جبير ليلة يردد هذه الآية: وامتازوا اليوم أيها المجرمون [ سورة يس، الآية 59.]

وقال بعضهم: إني لأفتتح السورة فيوقفني بعض ما أشهد فيها عن الفراغ منها حتى يطلع الفجر. وكان بعضهم يقول: آية لا أتفهمها ولا يكون قلبي فيها لا أعد لها ثوابا. وحكي عن أبي سليمان الداراني أنه قال: إني لأتلو الآية فأقيم فيها أربع ليال أو خمس ليال، ولولا أتي أقطع الفكر فيها ما جاوزتها إلى غيرها. وعن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر يكررها ولا يفرغ من التدبر فيها. وقال بعض العارفين: لي في كل جمعة ختمة، وفي كل شهر ختمة، وفي كل سنة ختمة، وفي ختمة منذ ثلاثين سنة ما فرغت منها بعد. وذلك بحسب درجات تدبره وتفتيشه. وكان هذا أيضا يقول: أقمت تفسير مقام الأجراء فأنا أعمل مياومة (من اليوم) ومجامعة ومشاهرة ومسانهة (من السنة).

الخامس: التفهم؛ وهو أن يستوضح من كل آية ما يليق بها. إذ القرآن يشتمل على ذكر صفات الله عز وجل وذكر أفعاله، وذكر أحوال الأنبياء عليهم السلام، وذكر أحوال المكذبين لهم وأنهم كيف أهلكوا، وذكر أوامره وزواجره، وذكر الجنة والنار. أما صفات الله عز وجل؛ فكقوله تعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [ سورة الشورى، الآية 11.]

وكقوله تعالى: الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر [ سورة الحشر، الآية 23.]

فليتأمل معاني هذه الأسماء والصفات لينكشف له أسرارها فتحتها معان مدفونة لا تنكشف إلا للموفقين، وإليه أشار علي رضي الله عنه بقوله: “ما أسر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كتمه عن الناس إلا أن يؤتي الله عز وجل عبدا فهما في كتابه، فليكن حريصا على طلب ذلك الفهم” [ أخرجه النسائي من رواية أبي جحيفة.]

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن (ثور القرآن: بحث عن علمه). وأعظم علوم القرآن تحت أسماء الله عز وجل وصفاته إذ لم يدرك أكثر الخلق منها إلا أمورا لائقة بأفهامهم ولم يعثروا على أغوارها. وأما أفعاله تعالى؛ فكذكره خلق السموات والأرض وغيرها. فليفهم التالي منها صفات الله عز وجل وجلاله إذ الفعل يدل على الفاعل، فتدل عظمته على عظمته. فينبغي أن يشهد في العقل الفاعل دون الفعل، فمن عرف الحق رآه في كل شيء إذ كل شيء فهو منه وإليه وبه وله، وفهو الكل على التحقيق. ومن لا يراه في كل ما يراه فكأنه ما عرفه، ومن عرفه عرف كل شيء ما خل الله باطل، وأن كل شيء هالك إلا وجهه. لا أنه سيبطل في ثاني الحال، بل هو الآن باطل إن اعتبر ذاته من حيث هو إلا أن يعتبر وجوده من حيث إنه موجود بالله عز وجل وبقدرته، فيكون له بطريق التبعية ثبات وبطريق الاستقلال بطلان محض، وهذا مبدأ من مبادئ علم المكاشفة. ولهذا ينبغي إذا قرأ التالي قوله عز وجل: أفرءيتم ما تحرثون [ سورة الواقعة، الآية 63.]، أفرءيتم ما تمنون [ سورة الواقعة، الآية 58.]، أفرءيتم الماء الذي تشربون [ سورة الواقعة، الآية 68.]، أفرأيتم النار التي تورون [سورة الواقعة، الآية 71.]

فلا يقصر نظره على الماء والنار والحرث والمني، بل يتأمل في المني وهو نطفة متشابهة الأجزاء ثم ينظر في كيفية انقسامها إلى اللحم والعظم والعروق والعصب، وكيفية تشكل أعضائها بالأشكال المختلفة من الرأس واليد والرجل والكبد والقلب وغيرها، ثم إلى ما ظهر فيها من الصفات الشريفة من السمع والبصر والعقل وغيرها، ثم إلى ما ظهر فيها من الصفات المذمومة من الغضب والشهوة، والكبر والجهل، والتكذيب والمجادلة كما قال تعالى: أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين [سورة يس، الآية 76].

فليتأمل هذه العجائب ليترقى منها إلى عجب العجائب وهو الصفة التي منها صدرت هذه الأعاجيب، فلا يزال ينظر إلى الصنعة فيرى الصانع.

وأما أحوال الأنبياء عليهم السلام؛ فإذا سمع منها كيف كذبوا وضربوا وقتل بعضهم، فليفهم منه صفة الاستغناء لله عز وجل عن الرسل والمرسل إليهم، وأنه لو أهلك جميعهم لم يؤثر في ملكه شيئا، وإذا سمع نصرتهم في آخر الأمر فليفهم قدرة الله عز وجل وإرادته لنصرة الحق.

وأما أحوال المكذبين؛ كعاد وثمود وما جرى عليهم فليكن فهمه منه استشعار الخوف من سطوته ونقمته، وليكن حظه منه الاعتبار في نفسه، وأنه إن غفل وأساء الأدب واغتر بما أمهل فربما تدركه النقمة وتنفذ فيه القضية، وكذلك إذا سمع وصف الجنة والنار وسائر ما في القرآن فلا يمكن استقصاء ما يفهم منه لأن ذلك لا نهاية له وإنما لكل عبد بقدر رزقه، فلا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا [ سورة الكهف، الآية 109.] ولذلك قال علي رضي الله عنه: لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب.

فالغرض مما ذكرناه التنبيه على طريق التفهيم لينفتح بابه، فأما الاستقصاء فلا مطمع فيه، ومن لم يكن له فهم ما في القرآن ولو في أدنى الدرجات دخل في قوله تعالى: ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال ءانفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم  [ سورة محمد، الآية 16] .والطابع هي الموانع التي سنذكرها في موانع الفهم. وقد قيل: لا يكون المريد مريدا حتى يجد في القرآن كل ما يريد، ويعرف منه النقصان من المزيد، ويستغني بالمولى عن العبيد.

السادس : التخلي عن موانع الفهم؛ فإن أكثر الناس منعوا عن فهم معاني القرآن لأسباب وحجب أسدلها الشيطان على قلوبهم فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى الملكوت”. ومعاني القرآن من جملة الملكوت، وكل ما غاب عن الحواس ولم يدرك إلا بنور البصيرة فهو من الملكوت. وحجب الفهم أربعة:

أولها: أن يكون الهم منصرفا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وهذا يتولى حفظه شيطان وكل بالقراء ليصرفهم عن فهم معاني كلام الله عز وجل فلا يزال يحملهم على ترديد الحرف يخيل إليهم أنه يخرج من مخرجه. فهذا يكون تأمله مقصورا على مخارج الحروف فأنى تنكشف له المعاني؟ وأعظم ضحكة للشيطان من كان مطيعا لمثل هذا التلبيس.

ثانيها: أن يكون مقلدا لمذهب سمعه بالتقليد وجمد عليه وثبت في نفسه التعصب له بمجرد الاتباع للمسموع من غير وصول إليه ببصيرة ومشاهدة، لهذا شخص قيده معتقده عن أن يجاوزه، فلا يمكنه أن يخطر بباله غير معتقده فصار نظره موقوفا على مسموعه، فإن لمع برق على بعد وبدا له معنى من المعاني التي تباين مسموعه حمل عليه شيطان التقليد حملة وقال: كيف يخطر هذا ببالك وهو خلاف معتقد آبائك؟ فيرى أن ذلك غرور من الشيطان فيتباعد منه ويحترز عن مثله. ولمثل هذا قالت الصوفية: إن العلم حجاب. وأرادوا بالعلم العقائد التي استمر عليها أكثر الناس بمجرد التقليد أو بمجرد كلمات جدلية حررها المتعصبون للمذاهب وألقوها إليهم. فأما العلم الحقيقي الذي هو الكشف والمشاهدة بنور البصيرة فكيف يكون حجابا وهو منتهى المطلب؟ وهذا التقليد قد يكون باطلا فيكون مانعا كمن يعتقد في الاستواء على العرش التمكن والاستقرار، فإن خطر له مثلا في القدوس أنه المقدس عن كل ما يجوز على خلقه لم يمكنه تقليده من أن يستقر ذلك في نفسه، ولو استقر في نفسه لانجر إلى كشف ثاني وثالث ولتواصل. ولكن يتسارع إلى دفع ذلك عن خاطره لمناقضته تقليده بالباطل. وقد يكون حقا ويكون أيضا مانعا من الفهم والكشف، لأن الحق الذي كلف الخلق اعتقاده له مراتب ودرجات، وله مبدأ ظاهر وغور باطن، وجمود الطبع على الظاهر يمنع من الوصول إلى الغور الباطن -كما ذكرناه في الفرق بين العلم الظاهر والباطن في كتاب قواعد العقائد-.

ثالثها: أن يكون مصرا على ذنب، أو متصفا بكبر، أو مبتلى في الجملة بهوى في الدنيا مطاع، فإن ذلك سبب ظلمة القلب وصدئه، وهو كالخبث على المرآة فيمنع جلية الحق من أن يتجلى فيه، وهو أعظم حجاب للقلب وبه حجب الأكثرون، وكلما كانت الشهوات أشد تراكما كانت معاني الكلام أشد احتجابا، وكلما خف عن القلب أثقال الدنيا قرب تجلي المعنى فيه. فالقلب مثل المرآة والشهوات مثل الصدأ، ومعاني القرآن مثل الصور التي تتراءى في المرآة، والرياضة للقلب بإماطة الشهوات مثل تصقيل الجلاء للمرآة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: “إذا عظمت أمتي الدينار والدرهم نزع منها هيبة الإسلام، وإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرموا بركة الوحي“ رواه ابن أبي الدنيا في كتاب “الأمر بالمعروف”، قال الفضيل: يعني حرموا فهم القرآن. وقد شرط الله عز وجل الإنابة في الفهم والتذكير فقال تعالى: تبصرة وذكرى لكل عبد منيب سورة ق، الآية: 8، وقال عز وجل: وما يتذكر إلا من ينيب سورة غافر، الآية 13، وقال تعالى: إنما يتذكر أولوا الألباب سورة الزمر، الآية: 9، فالذي آثر غرور الدنيا على نعيم الآخرة فليس من ذوي الألباب، ولذلك لا تنكشف له أسرار الكتاب.

رابعها: أن يكون قد قرأ تفسيرا ظاهرا واعتقد أنه لا يعنى لكلمات القرآن إلا ما تناوله النقل عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما وأن من وراء ذلك تفسير بالرأي، وأن من فسر القرآن برأيه فقد تبوأ مقعده من النار. فهذا أيضا من الحجب العظيمة وسنبين معنى التفسير بالرأي في الباب الرابع وأن ذلك لا يناقض قول علي رضي الله عنه: إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في القرآن. وأنه لو كان المعنى هو الظاهر المنقول لما اختلفت الناس فيه.

السابع: التخصيص؛ وهو أن يقدر أنه المقصود بكل خطاب في القرآن. فإن سمع أمرا أو نهيا قدر أنه المنهي والمأمور، وإن سمع وعدا أو وعيدا فكمثل ذلك، وإن سمع قصص الأولين والأنبياء علم أن السمر غير مقصود وإنما المقصود ليعتبر به وليأخذ من تضاعيفه ما يحتاج إليه. فما من قصة في القرآن إلا وسياقها لفائدة في حق النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، ولذلك قال تعالى: وما نثبت به فؤادك سورة هود، الآية: 120. فليقدر العبد أن الله ثبت فؤاده بما يقصه عليه من أحوال الأنبياء وصبرهم على الإيذاء وثباتهم في الدين لانتظار نصر الله تعالى. وكيف لا يقدر هذا والقرآن ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لرسول الله خاصة، بل هو شفاء وهدى ورحمة ونور للعالمين. ولذلك أمر الله تعالى الكافة بشكر نعمة الكتاب فقال تعالى: واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به سورة البقرة، الآية: 231، وقال عز وجل: لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون سورة الأنبياء، الآية: 10، وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون سورة النحل، الآية: 44، كذلك يضرب الله للناس أمثالهم سورة محمد، الآية: 3، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم سورة الزمر، الآية: 55، هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون سورة الجاثية، الآية: 20، هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين. وإذا قصد بالخطاب جميع الناس فقد قصد الآحاد، فهذا القارئ الواحد مقصود فما له ولسائر الناس فليقدر أنه المقصود، قال الله تعالى: وأوحي إلي هذا القرءان لأنذركم به ومن بلغ سورة الأنعام، الآية: 19. قال محمد بن كعب القرظي: من بلغه القرآن فكأنما كلمه الله، وإذا قدر ذلك لم يتخذ دراسة القرآن عمله بل يقرؤه كما يقرأ العبد كتاب مولاه الذي كتبه إليه ليتأمله ويعمل بمقتضاه. ولذلك قال بعض العلماء: هذا القرآن رسائل أتتنا من قبل ربنا عز وجل بعهوده، نتدبرها في الصلوات ونقف عليها في الخلوات، وننفذها في الطاعات والسنن المتبعات. وكان مالك بن دينار يقول: ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن؟ إن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض. وقال قتادة: لم يجالس أحد هذا القرآن إلا قادم بزيادة أو نقصان. قال تعالى: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا سورة الإسراء، الآية: 82.

الثامن: التأثر؛ وهو أن يتأثر قلبه بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات. فيكون له بحسب كل فهم حال ووجد يتصف به قلبه من الحزن والخوف والرجاء وغيره، ومهما تمت معرفته كانت الخشية أغلب الأحوال على قلبه، فإن التضييق غالب على آيات القرآن فلا يرى ذكر المغفرة والرحمة إلا مقرونا بشروط يقصر العارف عن نيلها كقوله عز وجل: وإني لغفار، ثم أتبع ذلك بأربعة شروط: لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى سورة طه، الآية: 82، وقوله تعالى: والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر سورة العصر. ذكر أربعة شروط وحيث اقتصر ذكر شرطا جامعا فقال تعالى: إن رحمت الله قريب من المحسنين سورة الأعراف، الآية: 56. فالإحسان يجمع الكل، وهكذا من يتصفح القرآن من أوله إلى آخره، ومن فهم ذلك فجدير بأن يكون حاله الخشية والحزن. ولذلك قال الحسن: والله ما أصبح اليوم عبد يتلو القرآن يؤمن به إلا كثر حزنه وقل فرحه، وكثر بكاؤه وقل ضحكه، وكثر نصبه وشغله وقلت راحته وبطالته. وقال وهيب بن الورد: نظرنا في هذه الأحاديث والمواعظ فلم نجد شيئا أرق للقلوب ولا أشد استجلابا للحزن من قراءة القرآن وتفهمه وتدبره. فتأثر العبد بالتلاوة أن يصير بصفة الآية المتلوة؛ فعند الوعيد وتقييد المغفرة بالشروط يتضاءل من خيفته كأنه يكاد يموت، وعند التوسع ووعد المغفرة يستبشر كأنه يطير من الفرح، وعند ذكر الله وصفاته وأسمائه يتطأطأ خضوعا لجلاله واستشعارا لعظمته، وعند ذكر الكفار ما يستحيل على الله عز وجل كذكركم لله عز وجل ولدا وصاحبة يغض صوته ويكسر في ابطنه حياء قبح مقالتهم، وعند وصف الجنة ينبعث بباطنه شوقا إليها، وعند وصف النار ترتعد فرائصه خوفا منها. ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود: “اقرأ علي”، قال: فافتتحت سورة النساء فلما بلغت فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا سورة النساء، الآية: 41 رأيت عينيه تذرفان بالدمع، فقال لي: “حسبك الآن”. وهذا لأن مشاهدة تلك الحالة استغرقت قلبه بالكلية. ولقد كان في الخائفين من خر مغشيا عليه عند آيات الوعيد، ومنهم من مات في سماع الآيات. فمثل هذه الأحوال يخرجه عن أن يكون حاكيا في كلامه، فإذا قال: إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم سورة يونس، الآية: 15 ولم يكن خائفا كان حاكيا. وإذا قال: ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير سورة الممتحنة، الآية: 4 ولم يكن حاله التوكل والإنابة كان حاكيا. وإذا قال: ولنصبرن على ما ءاذيتمونا سورة إبراهيم، الآية: 12 فليكن حاله الصبر أو العزيمة عليه حتى يجد حلاوة التلاوة، فإن لم يكن بهذه الصفات ولم يتردد قلبه بين هذه الحالات كان حظه من التلاوة حركة اللسان مع صريح اللعن على نفسه في قوله تعالى: ألا لعنة الله على الظالمين سورة هود، الآية: 18. وفي قوله تعالى: كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون سورة الصف، الآية: 3. وفي قوله عز وجل: وهم في غفلة معرضون سورة الأنبياء، الآية: 1. وفي قوله: فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحيوة الدنيا سورة النجم، الآية: 29. وفي قوله تعالى: ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون سورة الحجرات، الآية: 11. إلى غير ذلك من الآيات. وكان داخلا في معنى قوله عز وجل: ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون سورة البقرة، الآية: 13 يعني التلاوة المجردة. وقوله عز وجل: وكأين من ءاية في السموات والأٍض يمرون عليها وهم عنها معرضون سورة البقرة، الآية: 105. لأن القرآن هو المبين لتلك الآيات في السموات والأرض ومهما تجاوزها ولم يتأثر بها كان معرضا عنها، ولذلك قيل: إن من لم يكن متصفا بأخلاق القرآن فإذا قرأ القرآن ناداه الله تعالى مالك ولكلامي وأنت معرض عني؟ دع عنك كلامي إن لم تتب إلي. ومثال العاصي إذا قرأ القرآن وكرره مثال من يكرر كتاب الملك في كل يوم مرات وقد كتب إليه في عمارة مملكته وهو مشغول بتخريبها ومقتصر على دراسة كتابه، فلعله لو ترك الدراسة عند المخالفة لكان أبعد عن الاستهزاء واستحقاق المقت. ولذلك قال يوسف بن أسباط: إني لأهم بقراءة القرآن فإذا ذكرت ما فيه خشيت المقت فأعدل إلى التسبيح والاستغفار. والمعرض عن العمل به أريد بقوله عز وجل: فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون سورة آل عمران، الآية: 187. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم ولانت له جلودكم، فإذا اختلفتم فلستم تقرءونه” متفق عليه من حديث جندب بن عبد الله البجلي. وفي بعضها: “فإذا اختلفتم فقوموا عنه”. قال الله تعالى: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون. وقال صلى الله عليه وسلم: “إن أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله تعالى” أخرجه ابن ماجة بسند ضعيف. وقال صلى الله عليه وسلم: “لا يسمع القرآن من أحد أشهى ممن يخشى الله عز وجل” رواه أبو عبد الله الحاكم فيما ذكره أبو القاسم الغافقي في كتاب فضائل القرآن. يراد لاستجلاب هذه الأحوال إلى القلب والعمل به وإلا فالمؤنة في تحريك اللسان بحروفه خفيفة، ولذلك قال بعض القراء: قرأت القرآن على شيخ لي ثم رجعت لأقرأ ثانيا فانتهرني وقال: “جعلت القرآن علي عملا، اذهب فاقرأ على الله عز وجل فانظر بماذا يأمرك؟ وبماذا ينهاك؟”. وبهذا كان شغل الصحابة رضي الله عنهم في الأحوال والأعمال؛ فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عشرين ألفا من الصحابة لم يحفظ القرآن منهم إلا ستة -اختلف في اثنين منهم- وكان أكثرهم يحفظ السورة والسورتين، وكان الذي يحفظ البقرة والأنعام من علمائهم”. (…).

التاسع: الترقي؛ وأعني به أن يترقى إلى أن يسمع الكلام من الله عز وجل لا من نفسه. فدرجات القراءة ثلاث:                                أدناها أن يقدر العبد كأنه يقرؤه على الله عز وجل واقفا بين يديه وهو ناظر إليه ومستمع منه، فيكون حاله عند هذا التقدير السؤال والتملق والتضرع والابتهال.       

الثانية؛ أن يشهد بقلبه كأن الله عز وجل يراه ويخاطبه بألطافه ويناجيه بإنعامه وإحسانه، فمقامه الحياء والتعظيم والإصغاء والفهم.            الثالثة؛ أن يرى في الكلام المتكلم وفي الكلمات الصفات، فلا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته، ولا إلى تعلق الإنعام به من حيث إنه منعم عليه، بل يكون مقصور الهم عن المتكلم، موقوف الفكر عليه كأنه مستغرق بمشاهدة المتكلم من غيره. وهذه درجة المقربين وما قبله درجة أصحاب اليمين، وما خرج عن هذا فهو درجات الغافلين. (…).

وبمشاهدة المتكلم دون ما سواه يكون العبد ممتثلا لقوله عز وجل: ففروا إلى الله سورة الذاريات، الآية: 50، ولقوله: ولا تجعلوا مع الله إلها آخر سورة الذاريات، الآية: 51.

العاشر: التبري؛ وأعني به أن يتبرأ من حوله وقوته والالتفات إلى نفسه بين الرضا والتزكية، فإذا تلا بآيات الوعد والمدح للصالحين فلا يشهد نفسه عند ذلك، بل يشهد الموقنين والصديقين فيها ويتشوف إلى أن يلحقه الله عز وجل بهم. وإذا تلا آيات المقت وذم العصاة والمقصرين شهد على نفسه هناك وقدر أنه المخاطب خوفا وإشفاقا. ولذلك كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: اللهم إني أستغفرك لظلمي وكفري. فقيل له: هذا الظلم، فما بال الكفر؟ فتلا قوله عز وجل: إن الإنسان لظلوم كفار سورة إبراهيم، الآية: 34. (…).

[الأنترنت – موقع جماعة العدل والإحسان -  أعمال الباطن في تلاوة القرآن- هيئة التحرير - من كتاب إحياء علوم الدين، لصاحبه: أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالي، كتاب: آداب تلاوة القرآن، الباب الثالث في الأعمال الباطنة عند التلاوة‏.‏]