الخالق

الخالق (مقالات)

بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله  { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }  آل عمران  / 120 { ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }  النساء  / 1  { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } الأحزاب  / 70 ، 71  وبعد : 

فهذه الحلقة الأولى في موضوع (الخالق) وهي بعنوان المقدمة :

- الخالق، الخلاق، البارئ، المصوِّر ، قال تعالى:  هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الحشر: 24].

قال الخطابي: (-الخالق- هو المبدع للخلق المخترع له على غير مثال سابق، قال سبحانه: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر: 3]. فأما في نعوت الآدميين فمعنى الخلق: التقدير كقوله عز وجل: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ [آل عمران: 49]  (1) اهـ.

والخلاق: من أفعال المبالغة من الخالق تدل على كثرة خلق الله تعالى وإيجاده، فكم يحصل في اللحظة الواحدة من بلايين المخلوقات التي هي أثر من آثار اسمه سبحانه الخلاق: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ [الحجر: 86].

واسمه سبحانه (الخالق والخلاق) مما أقرت به جميع الأمم مؤمنهم وكافرهم، وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في معرض رده على من قال: أن اسم (الخالق) يثبت له سبحانه مجازاً :(إنه ليس في المعلومات أظهر من كون الله: (خالقاً)، ولهذا أقرت به جميع الأمم – مؤمنهم وكافرهم – ولظهور ذلك؛ وكون العلم به بديهياً فطرياً؛ احتج الله به على من أشرك به في عبادته فقال:  {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [الزمر: 38]، في غير موضع من كتابه.

فعلم أن كونه سبحانه (خالقاً): من أظهر شيء عند العقول، فكيف يكون الخبر عنه بذلك مجازاً؛ وهو أصل كل حقيقة، فجميع الحقائق تنتهي إلى خلقه وإيجاده، فهو الذي خلق وهو الذي علم، كما قال تعالى: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [العلق: 1-5].

فجميع الموجودات انتهت إلى خلقه وتعليمه، فكيف يكون كونه خالقاً عالماً مجازاً؟ وإذا كان كونه خالقاً عالماً مجازاً: لم يبق له فعل حقيقة ولا اسم حقيقة، فصارت أفعاله كلها مجازات، وأسماؤه الحسنى كلها مجازات... إلى قوله: فإن جميع أهل الإسلام متفقون على أن الله خالق حقيقة لا مجازاً، بل وعباد الأصنام وجميع الملل) وقد ذكر رحمه الله تعالى اسمه سبحانه (الخلاق) في نونيته حيث قال: (وكذاك يشهد أنه سبحانه الخلاق باعث هذه الأبدان) 

 (الباري) أي المنشئ للأعيان من العدم إلى الوجود والبرء هو الفري وهو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود, وليس كل من قدر شيئا ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله عز وجل كما قيل: ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري أي أنت تنفذ ما خلقت أي قدرت بخلاف غيرك فإنه لا يستطيع كل ما يريد فالخلق التقدير, والفري التنفيذ.

(المصور) الممثل للمخلوقات بالعلامات التي يتميز بعضها عن بعض, أي الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها, يقال هذه صورة الأمر أو مثاله فأولا يكون خلقا ثم برءا ثم تصويرا, وهذه الثلاثة الأسماء التي في سورة الحشر في خاتمتها هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى [الحشر:24] قال ابن كثير رحمه الله تعالى: أي الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون على الصفة التي يريد والصورة التي يختار كقوله تعالى: فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ [الانفطار:8]  [الأنترنت – موقع الدرر السنية ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : معنى اسم الخالق والخلاَّق :

الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسمِ (الخالقِ)[ أسماء الله الحسنى للرضواني (2/ 19 - 20).

الخالِقُ في اللغة اسمُ فاعل فِعلُهُ خَلَقَ يخلُقُ خَلقًا.

والخلْق مصْدرٌ مِن الفعل خَلَقَ منه قوله: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ﴾ [السجدة: 7].

ويأتي الخَلْقُ أيضًا بمعنى المخلوقِ، ومنه قوله تعالى: ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا 

خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ [لقمان: 11][ اشتِقاق أسماء الله (ص: 166)، لسان العرب (2/ 1244)].

والخلْقُ أصلُهُ التقديرُ المستقيمُ، ويُستَعمل في إبداعِ الشَّيءِ من غير أصل ولا احتذاء، وفِي إيجادِ الشَّيءِ مِنَ الشَّيءِ[مفردات ألفاظ القرآن (ص: 296).].

والخَلْق قد يأتي أيضًا بمعنى الكَذِبِ؛ على اعتبارِ أَنَّ الذي يَكذِبُ يُؤلِّفُ ويُنشئُ كلامًا لا يُطابِقُ الحقيقةَ، ومِنْ ذلك قوله: ﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ﴾ [العنكبوت: 17]، وقوله: ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ ﴾ 

[الشعراء: 137][ اشتقاق أسماء الله (ص: 167)]..

والخالِقُ فِي أسماءِ الله هو الذي أوْجَدَ جميعَ الأشياءِ بَعْدَ أَنْ لم تكنْ موْجُودةً، وقَدَّرَ أمورَها فِي الأزل بعد أن كانت معدومةً.

والخالِقُ أيضًا هو الذي رَكَّبَ الأشياءَ تركيبًا ورتَّبها بقدرتِه ترتيبًا.

فمِنَ الأدلّةِ على معنى الإنشاءِ والإبداعِ وإيجادِ الأشياءِ مِنَ العدمِ قولُهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [فاطر: 3].

ومن الأدلة على مَعْنى التركيبِ والترتيبِ الذي يَدلُّ عليه اسمُهُ الخالِقُ قولُهُ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 14]، وخُلاصةُ ما ذَكره العلماءُ فِي معنى الخالِقِ أنَّهُ من التقديرِ وهو العِلمُ السَّابقُ، أوْ القُدرةُ على الإيجادِ والتصنيعِ والتكوينِ[المقصد الأسنى (ص: 72)، وتفسير أسماء الله للزجاج (ص: 36)، وشرْح أسماء الله الحسنى للرازي (ص: 211).] :

   إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : 

معنى اسم الخالق والخلاَّق :

والحقيقة أنَّ معنى الخالقِ قائمٌ عليهما معًا، لأنَّ حُدوثَ المخلوقاتِ مرتبطٌ عند السلفِ بمراتب القَدَرِ، فكلُّ مخلوقٍ مهما عظُمَ شأنُهُ أو دَقَّ حجمُه لا بُدَّ أن يَمُرَّ    بأربعِ مراتبَ: وهي عِلمُ اللهِ السابقُ وتقديرُ كلِّ شيءٍ قَبْلَ تصنيعِهِ وتكوينِهِ، وتنظيمُ أمورِ الخلقِ قبل إيجادِهِ وإمدادِهِ، وهو عِلمُ التقدير وحسابُ المقادير.

ثُمَّ بعد ذلك مرتبةُ الكتابةِ وهي كتابةُ المعلومات وتدوينُها بالقلمِ في كلماتٍ، فاللهُ كَتَبَ ما يخُصُّ كلَّ مخلوقٍ في اللوح المحفوظِ، كتب فيه تفصيلَ خلقِهِ وإيجادِهِ وما يلزم لنشأتِهِ وإعدادِهِ ثُمَّ هدايتِهِ وإمدادِهِ وجميعَ ما يرتبطُ بتكوينِهِ وترتيبِ حياتِهِ.

ثم بَعْدَ ذلك المرتبةُ الثالثةُ من مراتبِ القدر وهي مرتبةُ المشيئة فليسَ في الكونِ مشيئةٌ عُليا إلا مشيئةُ اللهِ، فما شاءَ كانَ وما لم يشأ لم يكنْ، والمسلمون من أوَّلِهم إلى آخِرِهم مُجْمِعُون على ذلك.

ثم تأتي المرتبةُ الرابعةُ من مراتبِ القَدَر وهي مرتبةُ خلْقِ الأشياءِ وتكوينِها 

وتصنيعِها وتنفيذِها وَفْقَ ما قُدِّر لها بمشيئةِ اللهِ في اللوحِ المحفوظِ.

قال ابنُ القيِّمِ: "مراتبُ القضاءِ والقدَرِ التي مَنْ لم يُؤمنْ بها لم يُؤمنْ بالقضاءِ والقدر أربعُ مراتبَ:

المرتبةُ الأولى: عِلمُ الرَّبِ سبحانه بالأشياءِ قَبْلَ كونِها.

المرتبةُ الثانيةُ: كتابتُهُ لها قبل كونِها.

المرتبةُ الثالثةُ: مشيئتُهُ لها.

والرابعةُ: خلقُهُ لها"[ انظر تفصيل هذه المراتب، والدليل عليها في شفاء العليل (ص: 29) ]  وما بعدها.

فاللهُ سبحانه خالقُ كلِّ شيءٍ تقديرًا وقُدرةً، ومراتبُ القدَر هي المراحلُ التي يَمرُّ بها المخلوقُ مِن كونِهِ معلومةً في علمِ اللهِ إلى أن يُصبحَ واقعًا مخلوقًا مشهودًا.

الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسمِ (الْخلَّاقِ)[ أسماء الله الحسنى للرضواني (2/ 101 - 102) ] :

الخَلَّاقُ صيغةُ مبالغةٍ على وزنِ فَعَّال مِن اسم الفاعل الخالِقِ، فِعْلُه خَلَقَ يخلُقُ خَلْقًا.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : الفرق بين الخالِقِ والخَلَّاق:

أن الخالق هو الذي يُنشِئُ الشيءَ مِن العدم بتقديرٍ وعِلمٍ ثُمَّ بتصنيعٍ وخَلْقٍ عن قُدرةٍ وغنًى.

أما الخَلَّاقُ فهو الَّذِي يُبدعُ في خَلْقِهِ كمًّا وكيفًا؛ فمِنْ حيثُ الكمِّ يخلقُ ما يشاء كما قال: ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ﴾ [النساء: 133].

وقال: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ﴾ [الأنعام: 133].

وأما مِنْ حيثُ الكيفِ: فقال تعالى: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 88].

وقال: ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [التغابن: 3].

وقال: ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ 

[النحل: 8].

فالخَلَّاقُ هوَ الذي يُبدعُ في خلقه كمَّا وكيفًا بقدرتِهِ المطلقَةِ، فيعيدُ ما خلق ويكرِّرُه كما كان، بل يَخلُقُ خَلقًا جديدًا أحسَنَ مما كان[ انظر في معنى الخالق والخلَّاقُ: شرح أسماء الله الحسنى للرازي (ص: 211)، وتفسير الأسماء للزجاج (ص: 36)، والمقصد الأسنى (ص: 72)، والأسماء والصفات للبيهقي (ص: 42).]

وفي هذا رَدٌّ على الذين قالوا: ليس في الإمكانِ أبدعُ مما كان، لأنَّ ذلك يُنافي معنى اسمِهِ الخلَّاقِ، صحيحٌ أنَّ اللهَ أحسَنَ وأتقَنَ كلَّ شيءٍ خلقَهُ كما قال: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ﴾ [السجدة: 7]، لكنَّ قُدرةَ اللهِ مطلقةٌ فهو الخالِقُ الخلَّاق كما أنه الرازق الرَّزاقُ.

قال ابنُ تيميةَ فيمَنْ قال: ليس في الإمكان أبدعُ مِنْ هذا العالمِ، لأنه لو كان كذلك ولم يخلقْه لكان بُخلًا يُناقضُ الجُودَ أو عَجْزًا يُناقضُ القُدرةَ:

"لا ريب أن الله سبحانه يَقْدِرُ على غير هذا العالم، وعلى إبداعِ غيرِهِ إلى ما لا يتناهى كثرةً، ويَقدرُ على غيرِ ما فعَله كما بيَّنَ ذلك في غيرِ موضعٍ من القرآنِ.

وقد يُراد به – يعنى: قول القائل: ليس في الإمكانِ - أنه ما يُمكنُ أحسَنُ منه 

ولا أكملُ منه، فهذا ليس قدْحًا في القدرة، بل قَدْ أثبَت قُدرتَهُ على غير ما فعَله، لكن قال: ما فعَله أحسَنُ وأكمَلُ مما لم يفعلْهُ، وهذا وَصْفٌ له سبحانه بالكرم والجُودِ والإحسانِ، وهو سبحانه الأكرمُ فلا يُتصوَّرُ أكرمُ منه سُبحانه وتعالى عما يقولُ الظالمون عُلوًّا كبيرًا"[ جامع الرسائل لابن تيمية (ص: 120)، رسالة في معنى كَوْنِ الرَّبِّ عادلًا، وفي تَنَزُّهِهِ عن الظلم.]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : براهينَ المعادِ في القرآنِ

ويَذكر ابنُ القيِّمِ أن براهينَ المعادِ في القرآنِ مَبْنِيَّةٌ على ثلاثةِ أصولٍ:

"أحدُها: تقريرُ كمالِ عِلم الرَّبِّ سُبحانه كما قال في جوابِ مَن قال: ﴿ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ [يس: 78، 79]، وقال: ﴿ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ [الحجر: 85، 86].

والثاني: تقرير كمال قدرتِه كقوله: ﴿ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ [يس: 81].

الثالث: كمالُ حكمته كما في قولِهِ تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾ [الدخان: 38]، وقوله سبحانه: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]"[ الفوائد لابن القيم (ص: 7).]

قال البيهقي: "الخلَّاق: الخالقُ خَلْقًا بَعْدَ خَلْق"[ الأسماء والصفات للبيهقي (ص: 26).]

قال ابنُ كثيرٍ: "وقولُه: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ تقريرٌ للمعادِ، وأنه تعالى

 قادرٌ على إقامةِ الساعةِ، فإنه الخلَّاقُ الذي لا يُعجِزُهُ خَلْقُ شيءٍ، العليمُ بما تمزّقَ من الأجسادِ، وتَفَرَّقَ في سائِرِ أقطارِ الأرضِ"[ تفسير ابن كثير (2/ 557).]

والقرطبيُّ يجعل الخلَّاق دالًّا أيضًا على تقديرِ الله للأخلاقِ وتقسيمِها بين العباد، وهذا يَسَعُهُ اللفظُ ويحتملُهُ، يقول القرطبيُّ: "إنَّ ربَّكَ هو الخلَّاقُ؛ أي: المقَدِّرُ للخَلْقِ والأخلاقِ، العليمُ بأهل الوفاقِ والنّفاقِ"[ تفسير القرطبي (10/ 54).]

وُرُودُهُ فِي القرآنِ الكريمِ[ النهج الأسمى (2/ 160 - 162).]

وَرَدَ اسمُهُ (الخالِقُ) في أَحدَ عَشَر موضِعًا في القرآنِ منها:

قولُهُ تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ﴾ [الحشر: 24].

وقولُه تعالى: ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 14].

وقولُهُ تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ﴾ [الواقعة: 58، 59]. وغيرُها من الآياتِ.

وجاءَ الاسمُ بصيغةِ المبالغةِ مرَّتينِ في قولِهِ تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ [الحجر: 86]، وقولِهِ سبحانه: ﴿ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ [يس: 81].

المَعْنَى فِي حَقِّ الله تبارك وتَعَالَى:

الخَلْقُ كما بيَّنَّا يُرادُ به الإيجادُ والإبداعُ تارةً، والتقديُر تارةً أُخرى.

فمِنَ الآياتِ التي تدلُّ على المعنى الأول قولُهُ تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ﴾ [يس: 71].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

وَرَدَ اسمُهُ (الخالِقُ) في أَحدَ عَشَر موضِعًا في القرآنِ ومنها:

 قولُهُ تعالى:﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾[القمر: 49]، ولو كانَ الخلْقُ هاهُنا عبارةً عن التَّقديرِ لصار معنى الآيةِ إنا كُلَّ شيء قدَّرناه بقدَرٍ فيكونُ تكريرًا بلا فائدةٍ.

وكذا قولُهُ تعالى: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2]، فلو كان الخلْقُ عبارةً عن التقدير ِ لصَار معنى الآية وقدَّرَ كلَّ شيءٍ فقدَّره تقديرًا.

وكذا قولُهُ تعالى: ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾ [الأنبياء: 104]، فلا يَليقُ بلفظِ الخَلْقِ هنا إلَّا الإيجادُ، وقولُهُ تعالى: ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ [لقمان: 11]، مثلُها أيضًا في المعنى، بَلْ قد جاءتْ بعضُ الآياتِ ذُكِرَ فيها الخَلقُ مقرونًا باليدِ كقولِهِ تعالى: ﴿ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص: 75].

قال ابنُ جريرٍ في تفسيرِهَا: "قال الله لإبليسَ إذْ لمْ يسجُدْ لآدمَ وخالفَ أمرَهُ: يا إبليسُ ما منعَك أن تسجُدَ، يقولُ: أيُّ شيءٍ مَنَعك مِنَ السُّجودِ لـما خلقتُ بيديَّ، يقولُ: لِخَلْقِ يديَّ، يُخبرُ تعالى ذكرُه بذلك أنَّه خلقَ آدمَ بيديه كما حدَّثنا ابنُ المثنَّى قال: ثنا محمدُ بنُ جَعْفرٍ قال: ثنا شعبةُ قال: أخبرني عُبيدٌ المكْتِب قال: سمعتُ مجاهدًا يحدِّثُ عن ابنِ عُمرَ قال: "خَلَقَ اللهُ بيدِهِ: العرشَ، وَعدنَ، والقلمَ، وآدمَ، ثم قال لكلّ شيءٍ: كُنْ فكان"[ جامع البيان (23/ 119)، والأثر الذي ذكره إسنادُه صحيحٌ، رجاله ثقات، رجال الشيخين؛ سوى عبيد المكْتِب وهو ابن مهران فمِن رجال مسلم. وتابع شعبة عبد الواحد بن زياد عند الدارمي؛ الرد على المريسي (ص: 90) وذكره الذهبي في العُلُوِّ (ص: 66).]

وقال في تفسير قوله تعالى: ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 14]، بقولِ مجاهدٍ وهو قولُهُ: فتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقينَ.

قال: "يصنعون ويصنعُ اللهُ واللهُ خيرُ الصَّانعينَ، ثُمَّ قال لأنَّ العربَ تُسمِّي كُلَّ 

صانعٍ خالقًا"[ (18/ 9).]

وقال الخطَّابيُّ: "(الخالِقُ): هو المُبدِعُ لِلخَلْقِ والمُخترِعُ له على غَيْرِ مِثالٍ سَبَقَ. قال سبحانه: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ﴾ [فاطر: 3].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : معنى الخَلْقِ في نُعوتِ الآدميين : التقديرُ

فأما في نُعوتِ الآدميين فمعنى الخَلْقِ التقديرُ كقولِهِ عز وجل: ﴿ أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ﴾ [آل عمران: 49]"[ شأن الدعاء (ص: 49).]

وقال الزَّجَّاجُ: "فالخَلْقُ في اسمِ اللهِ تعالى هو ابتداءُ تقديرِ النشءِ، فالله خالِقُها ومُنْشِئُها وهو مُتمِّمُها ومدبِّرُها فتبارك اللهُ أحسنُ الخالقين"[ تفسير الأسماء (ص: 36 - 37)، وانظر: الاعتقاد للبيهقي (ص: 56)، والنهاية لابن الأثير (2/ 70).]

وقال الحليميُّ: "قال الله عز وجل: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ﴾ [فاطر: 3]، ومعناه: الذي صَنَّفَ المُبدَعَاتِ، وجعل لكلِّ صِنْفٍ منها قَدرًا، فوُجِدَ فيها الصغيرُ والكبيرُ والطويلُ والقصيرُ، والإنسانُ والبهيمُ والدابةُ والطائرُ، والحيوانُ والمواتُ، ولا شكَّ في أنَّ الاعترافَ بالإبداعِ يقتضي الاعترافَ بالخَلْقِ، إذْ كانَ الخلقُ هيئةَ الإبداعِ فلا يُغني أحدُهما عن الآخرِ".

وقال: "(الخلَّاق) ومعناه: الخالِقُ خَلْقًا بعد خَلْقٍ"[ المنهاج (1/ 193)، وذكره ضمْن الأسماء التي تتبع إثبات الابتداع والاختراع له، ونقَله البيهقي في الأسماء (ص: 25 - 26).] 

المعانِي الإيمانيَّةُ[ بدائع الفوائد (4/ 313)] :

ومن ذلك قولُهُ تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21]، إلى قولِهِ: ﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 24].

فهذا استدلالٌ في غايَةِ الظهورِ، ونهايَةِ البَيانِ على جميعِ مطالبِ أُصولِ الدِّين: مِنْ إثباتِ الصانعِ، وصِفاتِ كمالِهِ من قُدرتِهِ وعِلمِهِ وإرادتِهِ وحياتِهِ وحكمتِهِ وأفعالِهِ، وحُدوثِ العالمِ، وإثباتِ نَوْعَيْ توحِيدِهِ تعالى: توحيدِ الرُّبوبيةِ المُتَضَمِّنِ أنَّه وحدَهُ الربُّ الخالقُ الفاطِرُ، وتوحيدِ الإلهيَّةِ المتضمِّنِ أنَّهُ وحدَهُ الإلهُ المعبودُ المَحبوبُ، الذي لا تصلحُ العبادةُ والذلُّ والخضوعُ والحبُّ إلا له.

ثم قرَّرَ تعالى بعد ذلك إثباتَ نبّوةِ رسولِهِ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أبلغَ تقريرٍ وأحسَنَه وأتمَّهُ وأبعَدَهُ عن المُعارضِ[ أي: في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 23]. ] ، فثبتَ بذلِكَ صِدْقُ رسولِهِ فِي كلِّ ما يقولُهُ.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : أمر الخالق المخلوقين بعبادته

وقد أَخْبَرَ عن المعادِ والجَنَّةِ والنَّارِ، فثبتَ صحَّةُ ذلك ضرورةً؛ فقررتْ هذه 

الآياتُ هذه المطالِبَ كلَّها على أحسَنِ وجهٍ، فصدَّرها تعالى بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾، وهذا خطاب لجميعِ بني آدمَ يشتركون كلُّهم في تعلُّقِهِ بِهم ثم قال: ﴿ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾، فأمرَهُم بعبادةِ ربِّهم، وفي ضِمْن هذه الكلمةِ البرهانُ القطعيُّ على وجوبِ عبادتِهِ؛ لأنه إذا كان ربُّنا الذي يُربِّينا بنعمِهِ وإحسانِهِ وهو مالكُ ذواتِنا ورقابِنا وأنفسِنَا وكلُّ ذرةٍ من العبدِ فمملوكَةٌ له ملكًا خالصًا حقيقيًّا، وقد ربَّاهُ بإحسانِهِ إليه وإنعامه عليه، فعبادته له وشكرهُ إيَّاه واجبٌ عليه ولهذا قال: ﴿ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾، ولم يقُلْ إلهكم، والرَّبُّ هو السَّيدُ والمالكُ والمُنعِمُ والمربِّي والمُصلِحُ، واللهُ تعالى هو الرَّبُّ بهذه الاعتباراتِ كلِّها، فلا شيءَ أوجبُ فِي العقولِ والفِطَرِ من عِبادَةِ مَنْ هذا شأنُه وحدَهُ لا شريك له.ثم قال: ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾، فنبَّه بهذا أيضًا على وُجوبِ عبادتِهِ وحده، وهو كونُه أخرجهم مِن العَدَمِ إلى الوجودِ، وأنشأَهُم واخترَعَهُم وَحْدَه بلا شريكٍ باعترافِهم وإقرارِهِم.

كما قال فِي غَيرِ موضعٍ مِنَ القُرآنِ: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ 

[الزخرف: 87]، فإذا كانَ هو وَحْدُهُ الخالقَ، فكيفَ لا يكونُ وحدَهُ المعبودَ وكيف يجعلونَ معه شريكًا فِي العِبادةِ، وأنتُم مُقِرُّون بأنه لا شريكَ له فِي الخلقِ؟

وهذه طريقَةُ القرآنِ يَستدلُّ بتوحيدِ الرُّبوبِيَّةِ على تَوْحيدِ الإِلهيَّةِ. ثم قال: 

﴿ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 21]، فنبَّهَ بذلك على أنَّه وَحْدَهُ الخالِقُ لكم ولآبائِكُمْ ومَنْ تقدَّمكُمْ، وإنَّه لم يشركْهُ أحدٌ فِي خَلْقِ مَنْ قبلكم، ولا فِي خَلقِكُم، وخلقُه تعالى لهم متضمِّنٌ لكمالِ قُدرتِهِ وإرادتِهِ وعلمِهِ وحكمَتِهِ وحياتِهِ، وذلك يستلزمُ لسائرِ صفاتِ كمالِهِ، ونعوتِ جلالِهِ فتضمَّن ذلك إِثباتَ صفاتِهِ وأفعالِهِ ووَحْدَانيتِهِ فِي صفاتِهِ فلا شَبِيهَ له فيها، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ؛ فلَا شَرِيكَ لَهُ فِيهَا.

ثُمَّ ذَكَرَ المَطْلُوبَ مِنْ خَلْقِهِمْ، وَهُوَ أَنْ يَتَّقُوهُ فَيُطِيعُونَهُ وَلَا يَعْصُونَهُ ويذكُرونَهُ فلا ينسوْنَهُ، ويشكرونَهُ ولا يكفرونَهُ، فهذه حقيقةُ تقواه.

وقولُهُ: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾، قِيلَ: إنَّه تعليلٌ للأمر. وقِيْلَ: تعليلٌ للخَلْقِ، وقيل: المعنى اعبدُوه لتتَّقوه بعبادتِهِ 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :وقيل: المعنى خلقَكُمْ لتتَّقوه وهو أظهرُ لوجوهٍ:

أحدُها: إنَّ التَّقوى هِيَ العبادةُ والشَّيءُ لا يكونُ عِلّةً لنفسِهِ

الثاني: إنَّ نظيرَهُ قولُهُ تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

الثالث: إنَّ الخلقَ أقربُ فِي اللفظِ إلى قولِهِ: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾، تعليلًا للأمرِ بالعبَادةِ. ونظيرُهُ قولُهُ تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، فهذا تعليلٌ لِكَتْبِ الصِّيام، ولا يمتنعُ أنْ يكونَ تعليلًا للأمرين معًا وهذا هو الأليقُ بالآية واللهُ أعلمُ.

ثُمَّ قال تعالى: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ 

مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾ [البقرة: 22]، فذكرَ تعالى دليلًا آخَرَ متضَمِّنًا للاستْدلالِ بحكمتِهِ فِي مخلوقَاتِهِ، فالأوّلُ متضمِّنٌ لأَصْلِ الخلقِ والإيجادِ، ويُسمَّى دليلَ الاختراعِ والإنْشاءِ. والثاني: مُتضمِّنٌ للحِكَمِ المشهودةِ فِي خَلْقِهِ ويُسمَّى دليلَ العنايَةِ والحِكْمَةِ.

وهو تعالى كثيرًا ما يكرِّرُ هذين النوعين مِنَ الاستدلالِ فِي القرآنِ ونظيرُهُ قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾ [إبراهيم: 32، 33]،

 فذكَرَ خَلْقَ السَّماواتِ والأرضِ، ثُمَّ ذكَرَ منافعَ المخلوقَاتِ وحِكَمَهَا.

ونظيرُه قولُهُ تعالى: ﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ﴾ [النمل: 60، 61]، إلى آخِرِ الآياتِ على أَنَّ فِي هذه الآياتِ مِنَ الأسرارِ والحِكَمِ ما يَحْسَبُ عقولَ العالمينَ أن يفهمُوه ويدرِكُوه، ولعلَّه أن يَمُرّ بك إنْ شاء الله التنبيهُ على رائحةٍ يسيرة من ذلك.

ونظيرُ ذلك أيضًا قولُه تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164]، وهذا كثيرٌ فِي القرآنِ لمَنْ تأمَّلهُ.

وذكر سبحانَهُ فِي آيةِ البقرةِ قرارَ العالَمِ وهو الأرضُ، وسقفَهُ وهو السماءُ، وأصولَ منافعِ العبادِ وهو الماءُ الذي أنزله من السَّماءِ. فذكر المسكنَ والسَّاكنَ وما يحتاجُ إليه من مصالحِهِ، ونبَّه تعالى بجعْلِهِ للأرضِ فراشًا على تَمامِ حِكمتِهِ فِي أَنْ هيَّأَهَا لاستقرار الحيوان عليها فجعلها فِراشًا ومهادًا وبساطًا وقرارًا، وجعل سقفَها بناءً، مُحكمًا مستويًا لا فُطورَ فيه ولا تفاوتَ ولا عَيْبَ.

ثُمَّ قال: ﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22].

فتأمَّلْ هذه النتيجةَ وشِدَّةَ لزومِها لتلك المقدِّماتِ قبلها وظَفَرَ العقل بها بأولِ وهلةٍ، وخلوصَها مِن كلِّ شُبهةٍ ورِيْبَةٍ وقادحٍ، وإنَّ كلَّ متكلِّمٍ ومُستدلٍّ ومِحْجاجٍ إذا بالغ فِي تقريرِ ما يُقَرِّرُه وأطالَه وأعرضَ القول فيه، فغايتُه إنْ صَحَّ ما يذكرُه أن ينتهيَ إلى بعضِ ما فِي القرآنِ.

فتأمَّلْ ما تَحْتَ هذه الألفاظِ مِن البُرهانِ الشافي فِي التوحيدِ؛ أي: إذا كان اللهُ وَحْدَهُ هو الذي فَعَلَ هذه الأفعالَ، فكيف يجعلونَ له أندادًا، وقد علِمتم أنه لا نِدَّ له يُشارِكُه فِي فِعْلِهِ[ بدائع الفوائد (4/ 313).] [الأنترنت – موقع الألوكة - شرح اسم الخالق والخلاق - الشيخ وحيد عبدالسلام بالي ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العاشرة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : الخالق يعني المبدع

والخالق يعني المبدع في خلقه وقد تعددت معانيه كما تعدد ذكره في القرآن الكريم  ويمكن تقسيم هذا المعنى إلي قسمين :

– المعنى الأول ويعني القدرة علي خلق وابتداع شىء من العدم وهي صفة خاصة للمولي عزوجل لايشاركه أحد في هذه الصفة ويتفرد بها دون عن كل المخلوقات الأخري ولايجوز أن تنسب تلك الصفة لبشر .

قال الله تعالى : ﴿أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا )

قال الله تعالى : ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ وَالْجَانَّ 

خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ) (سورة الحجر)

– المعنى الثاني يشير إلي القدرة الإبداعية علي التشكيل والتهيئة والتركيب ؛ يدل عليه قوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} أي قدرناها كذلك: {ثم خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}

وتشمل صفة الخالق القدرة علي إحياء الموتى وإيجادِ الشيء من العدم فالله

 سبحانه وتعالى هو الذي يرزق العباد ويتولى أمورهم وينسب إليه وحده إيجاد 

الأشياء وخلق الكون كله .

وقد ورد اسم الله تعالى الخالق كقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} خلق سبحانه وتعالى كل شيء فأوجد هذه الأشياء بعد أن كانت في عالم العدم، هو سبحانه وتعالى الذي قدر وجودها وأوجدها وهو على كل شيء وكيل.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* معنى اسم الله "الخالق" سبحانه وتعالى

إن من أسماء الله الحسنى (الخالق) وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في عدة مواضع منها، قول الله تعالى:{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} الحشر : 24 وقوله –جلّ وعلا-:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}

وورد هذا الاسم بصيغة المبالغة الخلاَّق في موضعين من القرآن في قوله تعالى:

 {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ} الحجر : 86وقوله تعالى: {بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ 

الْعَلِيمُ} الحجر : 86  والخلْق يطلق ويراد به أحد أمرين:

*أحدهما: إيجاد الشيء وإبداعه على غير مثال سابق، ومنه قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} يس : 71وقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} القمر : 49وقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} الأعلى : 2-3 وقوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} الفرقان : 2

وقوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} الأنبياء : 104.

*الثاني: بمعنى التقدير، ومنه قولهم: خلق الأدِيمَ أي قدَّره، وقول الشاعر:

ولأنت تفري ما خلقت ***وبعض القوم يخلق ثم لا يفري

أي: أنت إذا قدَّرت أمراً أمضيته، وغيرك يُقدِّر ثم لا يمضي الشيء الذي قدره.

وقوله تعالى: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} العنكبوت : 17 أي: تقدِّرونه وتهيئونه ومن هذا قول الله تعالى:{فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} المؤمنون : 14

فالخلْق في نعوت الآدميين معناه التقدير.

أما الخلق الذي هو إبداع الشيء وإيجاده على غير مثال سابق، فمتفرد به رب العالمين، كما قال الله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} فاطر : 3

وقال تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} لقمان : 11وفي الآية تحدٍّ لجميع الخلق، بل إنه سبحانه وتعالى أثبت عجز الناس أجمعين، ولو اجتمعوا عن آخرهم، على خلق ذبابٍ واحدٍ، وهو من أضعف الحيوان وأحقره، قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} الحج : 73-74 .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

* معنى اسم الله "الخالق" سبحانه وتعالى

ثم إن خلق الله لهذه المخلوقات، لم يكن لهوًا، أو عبثًا، أو لعبًا، تنزه الرب وتقدس عن ذلك، قال الله تعالى: { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}

وقال تعالى: { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ

 الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} المؤمنون : 115-116

بل إنه سبحانه خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه.

ودليل الأول: قول الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} الطلاق : 12

ودليل الثاني: قول الله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات : 56.

وقد ضلَّ في هذا الباب أكثر الخلق، فعرفوا أن الذي خلقهم هو الله وحده لا شريك له، وأنه وحده سبحانه تفرَّد بخلقهم، وخلق السماء، والأرض، والجبال، 

والأشجار، وغيرها من المخلوقات، ومع هذا الإقرار، صرفوا العبادة لغير الله، وهذا هو معنى قول الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} يوسف : 106. قال ابن عباس –رضي الله عنهما-: "من إيمانهم إذا قيل لهم من خلق السماء؟ ومن خلق الأرض؟ ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله،وهم مشركون".

قال عكرمة: "تسألهم من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله، فذاك إيمانهم

بالله وهم يعبدون غيره"

وقال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ} الأنعام : 1

قال ابن عباس –رضي الله عنهما-: "يُريد، عدلوا بي من خلقي الحجارة والأصنام، بعد أن أقروا بنعمتي وربوبيتي".

ويكثر في القرآن الكريم الاستدلال على الكفار باعترافهم بأن الله وحده هو الخالق، الرازق، المنعم، المتصرف، على وجوب إفراده وحده بالعبادة وإخلاص الدين له، قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} العنكبوت : 61 فلما ذكر إقرارهم بهذا، وبَّخَهم منكراً عليهم شركهم، بقوله: {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}، وقال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} لقمان : 25 ، فلما ذكر اعترافهم بهذا وبَّخهُم منكراً عليهم شركهم، بقوله: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ} الروم :40

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

* معنى اسم الله "الخالق" سبحانه وتعالى

ولا شك أن الجواب الذي لا جواب لهم غيره هو لا، أي: ليس من شركائنا من يقدر على أن يفعل شيئاً من ذلك، من الخلق، والرَّزْق، والإحياء، والإماتة، فلما تعيَّن هذا الاعتراف وبَّخهم -سبحانه وتعالى- بقوله: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، وقال تعالى: {قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا 

يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} المؤمنون:84-89

وقال تعالى: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} النمل : 59-60.

وهنا يعجب العاقل أشد العجب، من عقول المشركين، كيف عدلوا من خلق 

السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، بمن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة، في السموات ولا في الأرض، قال تعالى:{أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} الأعراف : 191-200

وكيف سوَّوا التراب برب الأرباب؟

وكيف سوّوا العبيد بمالك الرقاب؟

وكيف سوّوا عباداً أمثالهم بالرب العظيم، والخالق الجليل سبحانه؟

قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ 

إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} الأعراف : 194وتعالى الرب –عز وجل- عما يصفه هؤلاء وسبحانه عما يشركون.[الأنترنت – ملتقى أهل الحديث - معنى اسم الله "الخالق" سبحانه وتعالى - إعداد وتقديم الدكتور: عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر -حفظه الله ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : اسم الله الخالق يعلم التفكر ويكثر ذكر الرب

*قال هاني حلمي عبد الحميد  عن اسم الله الخالق : 

      اسم الله الخالق يعلمك التفكر وكثرة ذكر ربك الذي خلقك ودبر لك أمرك، وشكره على نعمائه التي امتن بها عليك، وليس أكبر من نعمة الوجود..

أولًا: ورد اسم الله تعالى الخالق في القرآن مُطلقًا ومُقيدًا، مُعرفًا ومُنونًا، قال اللهُ جلّ وعلا: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الحشر:24]، وقال جل شأنه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. 

لا بد في البداية أن نشير إلى أنَّ هذا الاسم الشريف يشير إلى صفة من 

صفات ربوبية الرب جل وعلا، فإنَّ صفات الربوبية تؤول إلى معانٍ خمس: 

الصفة الأولى: صفة الخلق. والصفة الثانية: صفة المُلك. والصفة الثالثة: صفة التدبير والهيمنة. والصفة الرابعة: صفة الإحياء. والصفة الخامسة: صفة الإماتة والبعث والنشور. فلا يكون ربًا من لم يتصف بهذه الصفات، وأضف إليها كذلك صفة الرزق. فصفة الخلق بإحياءِ الموتى وإيجادِ الشيء من العدم وفي نفس الوقت هو سبحانه وتعالى الذي يرزقهم ويتولى أمورهم، أفلا يستحق من اتصف بذلك أن يكون هو الإله فلا يُعبد إلا هو ولا يحب ولا يُجَلُ إلا هو سبحانه وتعالى على هذا الاعتبار، فهو الذي خلق وهو الذي رزق وهو الذي يحي ويميت، وهو سبحانه وتعالى له صفة المُلك وله صفة الهيمنة، إذا كان الله سبحانه وتعالى تفضل على عباده بكل ذلك، ألا يستحق بعد هذا أن يكون هو الإله؟ 

وقد ورد اسم الله تعالى الخالق مُقيدًاكقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر:62]، خلق سبحانه وتعالى كل شيء فأوجد هذه الأشياء بعد أن كانت في عالم العدم، هو سبحانه وتعالى الذي قدر وجودها وأوجدها وهو على كل شيء وكيل. 

اسم الله الخالق في السنة: وقد ورد في السنة إثبات هذا الاسم كذلك، كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وصححه الألباني من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: غلا السعر على عهد رسول الله فقالوا: "يا رسول الله غلا السعر، فسعر لنا سعرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله هو الخالق القابض الباسط الرازق المُسعِّر، وإني لأرجو أن ألقى الله، ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دمٍ ولا مال» (صححه الألباني). 

هذا الحديث يشير إلى قضية التسعير.. فالأصل أن يترك الأفراد لبعضهم البعض في أمر التسعير ولا يتدخل الحاكم ولا يسعر، لكن إن وجد احتكار لسلعة من السلع الضرورية أو وصل الأمر إلى حد التضييق على عباد الله تعالى بأن غَلَوا جدًا في الأسعار، بحيث لا يستطيعها أفراد المجتمع فهنا رخص الفقهاء للحاكم أن يتدخل لكن الأصل ألا يسعر وأن يدع الناس كل منهم يكون له حظ من أخيه. الشاهد قول النبي: «إنَّ اللهَ هو الخالق» وقد ورد كذلك أن النبي قال: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (صححه السيوطي في الجامع الصغير). 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : معنى اسم الله الخالق في اللغة 

الخلق في اللغة يدور حول معنيين: 

المعنى الأول: هو إيجاد الشيء من الشيء، أو إيجاد الشيء من العدم. أي يأتي الخلق بمعنى الإنشاء والإبداع، ويأتي بمعنى تقدير الشيء. فمن ذلك قولُ الله جل وعلا: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} [السجدة:7]، وقول الله تعالى: {هذَا خَلْقُ اللَّهِ } [لقمان:1] أي هذه مخلوقات الله: {فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [لقمان:11]، فالمعنى هنا أصله التقدير وإبداع الشيء من غير أصل. الخلق قد يأتي أيضًا بمعنى الكذب على اعتبار أن الذي يكذب يُؤلف ويُنشئ كلامًا لا يُطابق الحقيقة لذلك ستأتي {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [ص:7]، يعني افتراء وكذب. ويقول الله جل وعلا: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} [العنكبوت:17]، يعني أنكم تؤلفون وتكذبون وتأتون بهذه الأمور التي لا تتطابق مع الحقيقة، ويقول الله تعالى {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء:137]، أي إن هذا إلا كذب الأولين. 

الخالق في أسماء الله تعالى هو الذي أوجد جميع الأشياء بعد أن لم تكن موجودة ، فالخالق هو الذي ركب الأشياء تركيبًا ورتبها بقدرته ترتيبًا، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ} [فاطر:3]، {هَلْ مِنْ خَالِقٍ} أي هل من مُبدع؟هل من مُنشئ؟ هل من مُوجد للأشياء؟ من العدم غير الله 

المعنى الثاني:هو تقدير الشيء أو تركيبه وترتيبه.. يدل عليه قوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} أي قدرناها كذلك: {ثم خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14]. وقفة مع مسألة مهمة في القضاء والقدر: كل مخلوق مهما عظم شأنه أو دق حجمه لا بد أن يمر بأربعِ مراحل أو مراتب: المرتبة الأولى: مرتبة التقدير، المرتبة الثانية: مرتبة الكتابة، المرتبة الثالثة: مرتبة المشيئة، المرتبة الرابعة: مرتبة الخلق والإيجاد والتكوين. 

أي شيء قدره الله تعالى لا بد أن يمر بهذه المراتب الأربعة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : كل مخلوق لابد أن يمر باربع مراحل

 أول مرحلة: مرحلة التقدير وحساب المقادير: وهذه تعني أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى في علمه السابق قدَّر كل شيء قبل تصنيعه. ذكرنا عند ما تدارسنا اسم الله تعالى العليم أنه جل وعلا يعلم قبل إيجاد الشيء وصف هذا الشيء وما سيكون وحاله، فالله سبحانه وتعالى يعلم جميع خلقه قبل أن يخلقهم، وفي نفس الوقت قدر لهم كل شيء قبل أن يُوجدوا، إذًا أول شيء قبل أن يوجد ذلك الشيء كان في علم الله مُقدَّر ثم.. المرحلة الثانية: كُتب في اللوحِ المحفوظ: هذه هي المرحلة الثانية التي هي مرحلة الكتابة، فكُتِب فيه تفصيل هذا الخلق وما يلزم لنشأته وإعداده وهدايته وإمداده وجميع ما يرتبط بتكوينه، ثم بعد ذلك.. 

المرحلة الثالثة: وهي المشيئة: ونعني بذلك أن الله سبحانه وتعالى شاء لهذا الشيء أن يوجد في هذا الزمان وهذا المكان فما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن. وبعدها جاءت مرحلة التنفيذ والخلق: وهي المرتبة الأخيرة أن وجد هذا الشيء وقُدَّرَ له كل تفاصيل حياته، فكانت المرحلة الرابعة، مرحلة خلق الأشياء 

وتكوينها وتصنيعها وتنفيذها وفق ما قُدر له بمشيئة الله في اللوح المحفوظ، 

وقد علق ابن القيم على هذه المراتب في كتابه الماتع (شفاء العليل ) فقال: "مراتب القضاء والقدر التي من لم يؤمن بها، لم يؤمن بالقضاء والقدر". وانتبه.. فهذه جملة خطيرة! فأنت حين تقول: "أؤمن بالقدر خيره وشره" يجب أن تكون مؤمنًا بهذه المراحل إيمانًا جازمًا تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى قبل أن يقدر الشيء كان يعلمه، وتؤمن بأن كل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ، وتعلم علم اليقين أنَّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وتؤمن بقدرة الله على التقدير ومرحلة الإيجاد. تؤمن بهذه الأربعة إيمانًا جازمًا لا نقاش فيه ولا جدال وإن لم يدركها عقلك وأن تسلم بترتيب هذه المراحل وتدرجها ولا تعمل فيها عقلك، لأنه قاصر عن إدراك مثلها -كما ذكرنا من قبل-. إذًا معنى الخلق يدور حول معنيين شريفين عظيمين، المعنى الأول معنى الإنشاء وإيجاد الشيء من العدم، والمعنى الثاني معنى تقدير الشيء وتكوينه على هذه الصفة التي تقدمت معنا. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

دلالة هذا الاسم على صفة الرب سبحانه وتعالى.. 

اسم الله الخالق يدل على ذاتِ الله المُتصف بصفة الخالقِ. ويدل باللزوم - أي يلزم من كونه خالقًا- أن يكون هو ابتداءً حي وإلا كيف يخلق وهو ليس بحي ؟!. ويلزم أن يكون هو القيوم الذي به قيام كل شيء ومن ذلك إيجاده من العدم، يقوم به كل شيء ولا يقوم هو سبحانه وتعالى على شيء. ويلزم من ذلك أن يكون سميعًا بصيرًا، فكيف يخلق وهو سبحانه وتعالى لا يكون سميعًا لما يخلق، بصيرًا بكل شيء، عليمًا بكل شيء، وكذلك صفة المشيئة والحكمة والقدرة والغنى والقوة إلى غير ذلك من هذه الصفات التي ينبغي أن يتصف بها الخالق. الدعاء باسم الله تعالى الخالق: دعاء مسألة ودعاء عبادة. ورد هذا الاسم بهذه الصفة في كثير من نصوص الكتاب والسنة، من ذلك قول الله جل وعلا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ..}، هنا محل الشاهد: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190-191]، فجعل هذه الصفة في مقام دعاء الثناء، يا رب ما خلقت هذا باطلًا سبحانك أنت الخالق، ثم ثناه بدعاء المسألة فقال فقنا عذاب النار. ومن هذا أيضًا ما ورد في سنن النسائي وصححه الألباني من حديث حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن رجلًا من أصحاب النبي قال إن رجلا من أصحاب النبي قال: "قلت وأنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لأرقبن رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة، حتى أرى فعله، فلما صلى صلاة العشاء -وهي العتمة-، «اضطجع هويًا من الليل، ثم استيقظ فنظر في الأفق، فقال: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ . رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ . رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ}» [آل عمران:191-194]. حتى بلغ إلى: إنك لا تخلف الميعاد، ثم: «أهوى رسول الله إلى فراشه، فاستل منه سواكًا، ثم أفرغ في قدح -من إداوة عنده- ماء فاستن، ثم قام فصلى»، حتى قلت: قد صلى قدر ما نام، «ثم اضطجع»، حتى قلت: قد نام قدر ما صلى، «ثم استيقظ»، ففعل كما فعل أول مرة، وقال مثل ما قال، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قبل الفجر" (تخريج مشكاة المصابيح:1166، إسناده صحيح على شرط مسلم)، الشاهد أنه صلى الله عليه وسلم أول ما فتح عينيه تعبد الله سبحانه وتعالى بعبادة التفكر وهذا سيجعلنا نتوقف عند هذا المعنى مليًا في حظ المؤمن من اسم الله تعالى الخالق. وكذلك الدعاء حال النوم: كان صلى الله عليه وسلم ربما يقول: «اللهم أنت خلقت نفسي وأنت توفاها لك مماتها ومحياها إن أحييتها فاحفظها وإن أمتها فاغفر لها، اللهم إني أسألك العافية» (صحيح مسلم)، وكذلك جاء أيضًا في أذكار الصباح والمساء، قال أبو صالح رضي الله عنه: "سمعت رجلًا من أسلم قال كنت جالسًا عند رسول الله فجاء رجل من أصحابه فقال يارسول الله لدغت الليلة فلم أنم حتى أصبحت، قال «ماذا؟» قال عقرب. قال: «أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك إن شاء الله» (إسناده صحيح). 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة عشرة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :حظ المؤمن من اسم الله تعالى الخالق:

 أن يمعن نظره ويمتع بصره بخلق الله، يما يحل له النظر إليه من هذا الخلق. كما قلنا سنتوقف عند معنى التفكر قليلاً مع اسم الله الخالق، فقد جاء في تفسير ابن كثير لآيات التفكر التي أوردناها: "أن رجلاً في الصحراء ليلاً نظر إلى السماء فوجدها مُتلألئة بالنجوم فقال أشهدُ أن لكِ ربًا، اللهم اغفر لي، فغفر الله له"، امتلأ قلبه باليقين في هذه اللحظة فنطقها صادقًا متعبدًا فغفر له. وكانت أم الدرداء تقول "كان جُلٌّ عبادة أبي الدرداء التفكر"، على إنَّ أبا الدرداء رضي اللهُ عنه كان معروفًا بكثرة صلاته وتسبيحه لكن لعله كان يسبح في إثر التفكر، عبادة التفكر عبادةٌ عظيمة الشأن -كما ذكرنا قبل ذلك- ونحتاج حين نتدارس اسم الله الخالق أن نحيي هذه السنة، سنة التفكر، فاختلِ بالله سبحانه وتعالى وناجه لتشعر بالرهبة العظيمة وأنت تنظر للسماء وتحدثه وتكلمه جل وعلا، فيكون هناك نوع من الذكر والفكر والشكر يملأ القلب فيتولد اليقين بالله سبحانه وتعالى. أن تعلم أنك ميسر لما خلقت له.. في الحديث الذي رواه أبو داود وصححه الألباني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية: ‏{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:172]، فقال عمر بن الخطاب: "سمعت رسول الله سئل عنها، فقال رسول الله: «إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون»، فقال الرجل: ففيم العمل يا رسول الله؟ فقال رسول الله: «إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الله الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله الله النار». الحديث في الرواية الأخرى، أنَّ الرجل لما قال للنبي ذلك قال: «اعمل فكلٌ مُيسَّر لِما خُلِقَ له»، فالرجل تداخلت عليه المسألة، لمَ يدخل أناس النار وأناس الجنة؟ الأمر التبس على الرجل، فلم يجيبه النبي في المسألة بإجابة عقلية، إنما أرشده إلى ما ينبغي عليه أن يُشغلَ ذهنه فيه، ألا وهو أن يعمل عملًا يُختَم له به، طالما هو لا يستطيعُ أن يعلمَ أو يفهم مقادير الله، ولا يستطيعُ أن يعلمَ ما هو مُقدَّرٌ له، فلِمَ يُشغِل ذهنه بهذه القضية؟ قال له: «أن الله عند ما خلق العباد وقال أنَّ هؤلاء أهل الجنة فإنه ييسر لهم عمل الجنة.. فاعمل بعملِ أهلِ الجنة إن كنت تريدها، وإن وجدت من نفسك نزوحًا ناحية المعاصي فهذا عمل أهل النار»، إذًا فالنبي بإجابته على سؤال الرجل أثبت أمرين: أول شيء أثبت له أنَّ له إرادة، وطالما أنَّ له إرادة، فهذه هي التي تشغل باله، تشغل نفسك بها لأن هذه هي التي عليها التكليف، وثاني شيء أغلق مسألة دخول الشيطان عليه بأنه يقول أصل أنا مُقدَّر لي أن أكون من أهلِ النار، قال له: لا. أنت لو خُتِمَ لك بعملِ أهل الجنة تدخل الجنة، فركِّز الآن في أنك تعمل عمل يدخِلُك اللهُ به الجنة، ولا تفكر في شيء آخر، لا تُفكر في أنَّ ذنوبك هذه ستكون أنها سبب والعياذُ بالله تهلك في النار، أو... أو... فجعله ما بين الترغيبِ والترهيبِ وما بين الأمرين تتولد إرادة العباد ما بين الخوف والرجاء.

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة عشرة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:شكر الخالق على أنه خلق فسوى وقدر فهدى

الأمر الثالث: الشكر. أن يشكر العبدُ لخالقه أن منَّ عليه بمثل هذه المنن، هذا الخالق سبحانه وتعالى خلق فسوى، وقدر فهدى لذلك سبح {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى . الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} [الأعلى:1-2]، فأول شيء أن يشكر الله سبحانه وتعالى أن منَّ عليه بهذه النعم العظيمة، ويسرّها له، كما في الحديث الذي رواه مُسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها سمعت النبي يقول: «إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل. فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، واستغفر الله، وعزل حجرًا عن طريق الناس، أو شوكة أو عظمًا من طريق الناس، وأمر بمعروف، أو نهى عن منكر، عدد تلك الستين والثلاثمائة السُّلامَى، فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار» (صحيح مسلم:1007). و يُغني عن هذا كله ركعتين يركعهما من الضحى، لذلك صلاة الضحى لها مقام عظيم جدًا، صلاة الأوابين فإن لم يُصلَّها فعليه أن يسبح الله تعالى، ويحمده، ويهلله، ويستغفره، أقل شيء عدد الثلاثمائة وستين مفصل، يقسمهم يستغفر مائة مرة، ويسبح خمسين مرة، وهكذا.. فقال «يمشي يومئذٍ وقد زحزح نفسه عن النار»، لأنه شكر الله سبحانه وتعالى على نعمه هذه. من أثرِ الاسم على العبد إيمانه بأنَّ الخالقَ في أوصافه يختلف عن المخلوق. المعنى الرابع: أن يؤمن بأنَّ الله سبحانه وتعالى مُخالِفٌ لجميعِ خلقه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، يقول النبيُّ: «ليسألنكم الناس عن كل شيء حتى يقولوا: الله خلق كل شيء. فمن خلقه؟» (صحيح مسلم)، وقال: «يأتي الشيطان إلى أحدكم فيقول من خلقك؟ فتقول خلقني الله فما زال به حتى يقول: فمن خلق الله؟ قال: فإذا وجدتم ذلك، فليستعذ بالله، ولينتهِ» (صحيح البخاري) الأمر الأول: يلجأ إلى اللهِ عزّ وجل ويستعيذ به من شرِّ همزات الشياطين. والأمر الثاني: ينتهي لا يتمادى مع الشيطان في ذلك يُغلِق الباب فورًا. الأمر الخامس: الذكر. ذكرنا {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى . الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} [الأعلى:1-2]، حقه انه ما دام خلق أن تسبحه وتذكره. الأمر السادس: وهو أنك لا تُشبِههه سبحانه وتعالى بما انفرد به فلا ينبغي لك أن تدَّعي لنفسِك أي صفة من صفات الربوبية التي انفرد الله بها، ومن هنا يأتي تشنيع العلماء على المصورين، فالتصوير هو النحت بالصلصال وغيره بما يضاهي خلق الله، فالنبي قال: «إن أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة المصورون» (رواه البخاريّ)، وفي رواية الامام أحمد قال: «أشدَّ الناس عذابًا يوم القيامة المصورون يقال لهم أحيوا ما خلقتم». ألم تدعوا الخلق؟ هي صنع الله ولا يصح أن يضاهيها ويقول هواية. فبالتالي هذا الأمر باتفاق العلماء هو حرام بلا خلاف، ورخص منهم في غير التماثيل. وفي صحيح البخاري من حديثِ أبي زُرعة البجلي قال: دخلت مع أبي هريرة دارًا بالمدينة فرأى أعلاها مصورًا يصور، فقال سمعت رسول الله يقول -يعني عن رب العزة- أنه قال عز وجل «(ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة» (صحيح البخاري)، فهذا فعل فيه منازعة لله عزوجل يحرم القيام به باتفاق. الخلاصة: إذًا اسم الله الخالق يعلمك التفكر وكثرة ذكر ربك الذي خلقك ودبر لك أمرك، وشكره على نعمائه التي امتن بها عليك، وليس أكبر من نعمة الوجود.. ومما ينافي هذا الشكر أن تنازعه في صفة الخلق تلك فتدعي لنفسك ما ليس لك أو تضاهيه في خلقه. [المصدر: موقع الكلم الطيب هاني حلمي عبد الحميد] [الأنترنت – موقع شرح وأسرار الأسماء الحسنى - اسم الله الخالق ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العشرون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: *مظاهر قدرة الله في الكون  

مظاهر قدرة الله تعالي في خلق الكون وفق نظام محكم ودقيق للغاية يمتلئ بمظاهر قدرته والآيات التي تنطق بعظمته وسبحان الله الخالق الذي قدر كل شئ فأحسن صنعه.

من ينظر إلي الكون ويتأمل السموات والأرض والمجرات والكواكب والنجوم والمذنبات وما في الأرض من بحار ومحيطات وأنهار وجبال وغيرها من عجائب خلق الله يدرك ويستشعر عظمة وقدرة الله تبارك وتعالي في خلق هذا الكون وما يحويه من مظاهر ومعجزات تبين عظيم قدر الله وقدرته وبديع صنعه فهو الذي خلق كل شئ، قال تعالي{أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون 30 وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون * وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون 32 وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون" (الأنبياء:30- 33)

ومن مظاهر قدرته تبارك وتعالي في الكون خلق هذا الكم الهائل من المجرات التي تحوي المجموعات الكونية المتحركة من الكواكب الشمسية، كمجرة درب التبانة التي ينتمي إليها كوكب الأرض الذي نعيش فيه، ومن مظاهر القدرة في خلق الكون دوران كوكب المجموعة الشمسية حول نفسها بدقة وإحكام ودوران الأرض حول الشمس في مدار محدد ودورنها حول نفسها والذي ينتج عنها تعاقب الليل والنهار، يقول الله تعالى:" :"خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفور" (الزمر: 5).

كذلك من مظاهر قدرة الله في الكون أن الأرض تدور حول الشمس بسرعة تصل إلى ثلاثين كيلو متر في الثانية وفي مسار ثابت وسرعة محددة لأن زيادة هذه السرعة أو انخفاضها يؤدي إلى نهاية الحياة علي الأرض وصدق الله عز وجل القائل " إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا "(فاطر:41).

 أقسم الله سبحانه وتعالي بالبروج في كتابه العزيز فقال "والسماء ذات البروج" (البروج:1)، والتي تعد أحد مظاهر قدرة الله عز وجل في هذا الكون فقد اكتشف علماء الفلك في العصر الحديث أن المجرات التي يصل عددها إلي ألاف الملايين موزعة في الكون في أبنية ضخمة بصورة دقيقة ومحكمة  وليست عشوائية حيث يبلغ طولها مئات الملايين من السنوات الضوئية وهو ما يطلق عليه علماء الغرب الأبراج الكونية التي تتكون من ملايين المجرات والتي تضم كل منها مليارات النجوم، فتأمل قدرة الله الخالق سبحانه وتعالى الذي قال: " تبارك الذي جعل في السماء بروجا " (الفرقان: 61).

الله سبحانه وتعالي أبدع صنع هذا الكون وأحكم صنع كل شيء بحيث يجري وفق نظام مبرمج ودقيق للغاية ويمتلئ بمظاهر قدرته والآيات التي تنطق بعظمته، فكل هذا الكون مسخر بأمر الله وقدرته جل وعلا لخدمة الإنسان ليتفكر في عظمة هذا الخلق ليصل به في النهاية إلى الإيمان الكامل بأن خالق هذا الكون إله واحد عظيم ليس كمثله شيء في الأرض ولا في السماء. [الأنترنت – موقع معرفة الله  - مظاهر قدرة الله في الكون  - فريق عمل الموقع ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الواحدة والعشرون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: * آيات ورد فيها اسم الله "الخالق"

هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ﴿٢٤ الحشر﴾

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴿٢١ البقرة﴾

هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴿٢٩ البقرة﴾

وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴿١٠٢ البقرة﴾

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي

 الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ 

مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿١٦٤ البقرة﴾

فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْخَلَاقٍ ﴿٢٠٠ البقرة﴾

وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ﴿٢٢٨ البقرة﴾

قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ﴿٤٧ آل عمران﴾

أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴿٤٩ آل عمران﴾

خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴿٥٩ آل عمران﴾

أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ﴿٧٧ آل عمران﴾

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴿١٩٠ آل عمران﴾

رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿١٩١ آل عمران﴾

وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا ﴿١٩١ آل عمران﴾

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴿١ النساء﴾

وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴿١ النساء﴾

يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴿٢٨ النساء﴾

وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ﴿١١٩ النساء﴾

يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١٧ المائدة﴾

بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴿١٨ المائدة﴾

وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي ﴿١١٠ المائدة﴾

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴿١ الأنعام﴾

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ﴿٢ الأنعام﴾

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴿٧٣ الأنعام﴾

وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴿٩٤ الأنعام﴾ [ الأنترنت – موقع معاني - آيات ورد فيها "الخالق" ]

*{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والعشرون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: قال ا بن كثير في التفسير

يخبر تعالى أنه خالق الأشياء كلها وربها ومليكها والمتصرف فيها، وكلٌ تحت تدبيره وقهره وكلاءته، قال مجاهد: المقاليد هي المفاتيح بالفارسية، وقال السدي: { له مقاليد السماوات والأرض} أي خزائن السماوات والأرض، والمعنى على كلا القولين أن أزمَّة الأمور بيده تبارك وتعالى له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ولهذا قال جلَّ وعلا: { والذين كفروا بآيات اللّه} أي حججه وبراهينه { أولئك هم الخاسرون} ، وقوله تعالى: { قل أفغير اللّه تأمروني أعبد أيها الجاهلون} ؟ ذكروا في سبب نزولها أن المشركين من جهلهم دعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى عبادة آلهتهم ويعبدوا معه إلهه فنزلت: { قل أفغير اللّه تأمروني أعبد أيها الجاهلون ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} "رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما" وهذه كقوله تعالى: { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} وقوله عزَّ وجلَّ: { بل اللّه فاعبد وكن من الشاكرين} أي أخلص العبادة للّه وحده لا شريك له أنت ومن اتبعك وصدقك.

قال  الطبري في تفسيره :

   يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اللَّه الَّذِي لَهُ الْأُلُوهَة مِنْ كُلّ خَلْقه الَّذِي لَا تَصْلُح الْعِبَادَة إِلَّا لَهُ , خَالِق كُلّ شَيْء , لَا مَا لَا يَقْدِر عَلَى خَلْق شَيْء , وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء وَكِيل ; يَقُول : وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَيِّم بِالْحِفْظِ وَالْكِلَاءَة.وَقَوْله : { اللَّه خَالِق كُلّ شَيْء وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء وَكَيْل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اللَّه الَّذِي لَهُ الْأُلُوهَة مِنْ كُلّ خَلْقه الَّذِي لَا تَصْلُح الْعِبَادَة إِلَّا لَهُ , خَالِق كُلّ شَيْء , لَا مَا لَا يَقْدِر عَلَى خَلْق شَيْء , وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء وَكِيل ; يَقُول : وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَيِّم بِالْحِفْظِ وَالْكِلَاءَة.'

وقال  القرطبي في تفسيره :

    قوله تعالى:  أي مما حاط بهم من غضب الله ونقمته. وقال الأخفش: { ترى} غير عامل في قوله: { وجوههم مسودة} إنما هو ابتداء وخبر. الزمخشري : جملة في موضع الحال إن كان { ترى} من رؤية البصر، ومفعول ثان إن كان من رؤية القلب. { أليس في جهنم مثوى للمتكبرين} بين رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى الكبر فقال عليه السلام : (سفه الحق وغمص الناس) أي احتقارهم. وقد مضى في { البقرة} وغيرها. وفي حديث عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم : (يحشر المتكبرون يوم القيامة كالذر يلحقهم الصغار حتى يؤتى بهم إلى سجن جهنم). قوله تعالى: { وينجي الله الذين اتقوا} وقرئ { وينجى} أي من الشرك والمعاصي. { بمفازتهم} على التوحيد قراءة العامة لأنها مصدر. وقرأ الكوفيون { بمفازاتهم} وهو جائز كما تقول بسعاداتهم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير هذه الآية من حديث أبي هريرة، قال : (يحشر الله مع كل امرئ عمله فيكون عمل المؤمن معه في أحسن صورة وأطيب ريح فكلما كان رعب أو خوف قال له لا ترع فما أنت بالمراد به ولا أنت بالمعني به فإذا كثر ذلك عليه قال فما أحسنك فمن أنت فيقول أما تعرفني أنا عملك الصالح حملتني على ثقلي فوالله لأحملنك ولأدفعن عنك فهي التي قال الله} وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون} . { الله خالق كل شيء} أي حافظ وقائم به. وقد تقدم. قوله تعالى: { له مقاليد السماوات والأرض} واحدها مقليد. وقيل : مقلاد وأكثر ما يستعمل فيه إقليد. والمقاليد المفاتيح عن ابن عباس وغيره. وقال السدي : خزائن السماوات والأرض. وقال غيره : خزائن السماوات المطر، وخزائن الأرض النبات. وفيه لغة أخرى أقاليد وعليها يكون واحدها إقليد. قال الجوهري : والإقليد المفتاح، والمقلد مفتاح كالمنجل ربما يقلد به الكلأ كما يقلد القت إذا جعل حبالا؛ أي يفتل والجمع المقاليد. وأقلد البحر على خلق كثير أي أغرقهم كأنه أغلق عليهم. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:معنى {له مقاليد السماوات والأرض}

وأخرج البيهقي عن ابن عمر أن عثمان بن عفان رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى: { له مقاليد السماوات والأرض} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما سألني عنها أحد ؛لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده ، استغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ،هو الأول والآخر والظاهر والباطن ،يحيي ويميت بيده الخير ،وهو على كل شيء قدير) ذكره الثعلبي في تفسيره، وزاد من قالها إذا أصبح أو أمسى عشر مرات أعطاه الله ست خصال : أولها يُحرس من إبليس، والثانية يَحضره اثنا عشر ألف ملك، والثالثة يُعطى قنطارا من الأجر، والرابعة ترفع له درجة، والخامسة يزوجه الله من الحور العين، والسادسة يكون له من الأجر كمن قرأ القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، وله أيضا من الأجر كمن حج واعتمر فقبلت حجته وعمرته، فإن مات من ليلته مات شهيدا. 

وروى الحارث عن علي قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير المقاليد فقال : (يا علي لقد سألت عن عظيم  المقاليد :هو أن تقول عشرا إذا أصبحت وعشرا إذا أمسيت لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله واستغفر الله ولا قوة إلا بالله الأول والآخر والظاهر والباطن له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير ؛ من قالها عشرا إذا أصبح، وعشرا إذا أمسى أعطاه الله خصالا ستا : أولها يحرسه من الشيطان وجنوده فلا يكون لهم عليه سلطان، والثانية يعطى قنطارا في الجنة هو أثقل في ميزانه من جبل أحد، والثالثة ترفع له درجة لا ينالها إلا الأبرار، والرابعة يزوجه الله من الحور العين، والخامسة يشهده اثنا عشر ألف ملك يكتبونها له في رق منشور ويشهدون له بها يوم القيامة، والسادسة يكون له من الأجر كأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وكمن حج واعتمر فقبل الله حجته وعمرته، وإن مات من يومه أو ليلته أوشهره طبع بطابع الشهداء. وقيل : المقاليد الطاعة يقال ألقى إلى فلان بالمقاليد أي أطاعه فيما يأمره؛ فمعنى الآية له طاعة من في السماوات والأرض. 

قوله تعالى: { والذين كفروا بآيات الله} أي بالقرآن والحجج والدلالات. { أولئك هم الخاسرون} تقدم. قوله تعالى: { قل أفغير الله تأمروني أعبد} ذلك حين دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما هم عليه من عبادة الأصنام وقالوا هو دين آبائك. و { غير} نصب بـ { أعبد} على تقدير أعبد غير الله فيما تأمرونني. ويجوز أن ينتصب بـ { تأمروني} على حذف حرف الجر؛ التقدير : أتأمروني بغير الله أن أعبده، لأن أن مقدرة وأن والفعل مصدر، وهي بدل من غير؛ التقدير : أتأمروني بعبادة غير الله. وقرأ نافع: { تأمروني} بنون واحدة مخففة وفتح الياء. وقرأ ابن عامر: { تأمرونني} بنونين مخففتين على الأصل. الباقون بنون واحدة مشددة على الإدغام، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لأنها وقعت في مصحف عثمان بنون واحدة. وقرأ نافع على حذف النون الثانية وإنما كانت المحذوفة الثانية؛ لأن التكرير والتثقيل يقع بها، وأيضا حذف الأولى لا يجوز؛ لأنها دلالة الرفع. وقد مضى في { الأنعام} بيانه عند قوله تعالى: { أتحاجوني} . { أعبد} أي أن أعبد فلما حذف { أن} رفع؛ قاله الكسائي. ومنه قول الشاعر : ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى والدليل على صحة هذا الوجه قراءة من قرأ { أعبدَ} بالنصب. [الأنترنت – موقع {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:

* حكمة الله البالغة في خلق النفوس أصنافا

    إن القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً،

 والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسُلَّم الحرمان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} الأنبياء:23

فمن سأل لمَ فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن الخوض في القدر، قال أبو هريرة رضي الله عنه: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر، فغضب حتى احمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان، فقال: أبهذا أمرتم؟ أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم عزمت عليكم ألا تنازعوا فيه. رواه الترمذي، وقال: حسن غريب وحسنه الألباني.

قال الإمام الطحاوي: العلم علمان: علم في الخلق موجود، وعلم في الخلق مفقود، فإنكار العلم الموجود كفر، وادعاء العلم المفقود كفر، ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود، وترك طلب العلم المفقود. اهـ

واعلم أن سبب الخوض في القدر، وفي حكم الله البالغة المؤديان إلى التكذيب هو قياس الرب تبارك وتعالى على خلقه، وقياس حكمته على حكمتهم.

قال ابن القيم في شفاء العليل: ومعلوم أن الرب علم أن عباده يقع منهم الكفر والظلم والفسوق، وكان قادراً أن لا يوجدهم أو أن يوجدهم كلهم أمة واحدة على ما يحب ويرضى، وأن يحول بينهم وبين بغي بعضهم، ولكن حكمته البالغة أبت ذلك واقتضت إيجادهم على الوجه الذي هم عليه، وهو سبحانه وتعالى خلق النفوس أصنافاً، فصنف مريد للخير وحده وهي نفوس الملائكة، وصنف مريد للشر وحده وهي نفوس الشياطين، وصنف فيه إرادة النوعين وهي النفوس البشرية، والرب تبارك وتعالى اقتضت قدرته وعزته وحكمته إيجاد المتقابلات في الذوات والصفات والأفعال، وقد نوع خلقه تنويعاً دالاً على كمال قدرته وربوبيته، فمن أعظم الجهل والضلال أن يقول القائل: هلا كان خلقه كلهم نوعاً واحداً فيكون العالم علواً كله أو نوراً كله، أو الحيوان ملكاً له، وقد يقع في الأوهام الفاسدة أن هذا كان أولى وأكمل ويعرض الوهم الفاسد ما ليس ممكناً كمالاً.... فلو كان الخلق كلهم مطيعين عابدين حامدين لتعطل أثر كثير من الصفات العلى والأسماء الحسنى، وكيف كان يظهر أثر صفة العفو والمغفرة والصفح والتجاوز والانتقام والعز والقهر والعدل والحكمة التي تنزل الأشياء منازلها وتضعها مواضعها، فلو كان الخلق كلهم أمة واحدة لفاتت الحكم والآيات والعبر والغايات المحمودة في خلقهم على هذا الوجه، وفات كمال الملك والتصرف، كما أن من عبوديته العتق والصدقة والإيثار والعفو والصبر واحتمال المكاره ونحو ذلك مما لا يتم إلا بوجود متعلقه وأسبابه، فلولا (الكفر) لم تحصل عبودية العتق، فالرق من أثر الكفر، ولولا الظلم والإساءة لم تحصل عبودية الصبر والمغفرة، ولولا الفقر والحاجة لم تحصل عبودية الصدقة والإيثار، فلو سوَّى بين خلقه جميعهم لتعطلت هذه العبوديات التي هي أحب شيء إليه، ولأجلها خلق الجن والإنس. اهـ بتصرف.

واعلم أن هذه الأسئلة من نزغات الشيطان ووسوسته فاستعذ بالله واستعن به ولا تسترسل مع وسوسة الشيطان، ونوصيك بقراءة القرآن ودراسة العقيدة الإسلامية وسلم تسلم. والله أعلم.[  الأنترنت – موقع إسلام ويب - حكمة الله البالغة في خلق النفوس أصنافا ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والعشرون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:* الحكمة من خلق الخلق

     إن أشرف العلوم التي ينبغي للعبد أن يصرف إليها همته، وينفق فيها ولأجلها أوقاته، ويبذل لها أنفاسه: أن يتعلم علم العقيدة، الذي من خلاله يصح إيمانه، ويسير على الصراط المستقيم الذي كان عليه سلف الأمة الكرام رضوان اللَّه عليهم، فيسلك سبيل النجاة؛ إذ لا نجاة له إلا باقتفاء آثارهم، والنهل من معينهم الصافي، والركوب في سفينتهم، وأما من خالفهم فقد ألقى بنفسه في التهلكة، وأردى بعمله إلى الهاوية، وعاش يتخبط في ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل اللَّه له نورًا فما له من نور، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].

اعلم أرشدك اللَّه أن اللَّه سبحانه وتعالى لم يخلق من خلقه شيئًا عبثًا ولا سُدىً.

 قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾ [ص: 27].

وقد وبَّخ اللَّه المشركين الذين لا يعبدون اللَّه تعالى؛ فقال: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].

يعني: أظننتم أنكم مخلوقون عبثًا بلا حكمة، وقيل: أظننتم أنكم خلقتم للعبث واللعب، لا ثواب ولا عقاب، ﴿ وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]، ثم نزّه سبحانه نفسه عن ظنهم هذا فقال: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ﴾ [المؤمنون: 116] أي: تقدس أن يخلق شيئًا عبثًا، فإنه الملك الحق المنزه عن ذلك، ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 116].

وقال تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾ [القيامة: 36]. قال السُّدّي: أي: لا يبعث؟!، وقال الشافعي ومجاهد وابن زيد: يعني: لا يؤمر ولا ينهى؟!

قال ابن كثير رحمه الله: (والظاهر أن الآية تعمُّ الحالين، أي: ليس يُترك في هذه الدنيا مُهملًا لا يؤمر ولا ينهى، ولا يترك في قبره سُدًى لا يُبعث، بل هو مأمور منهي في الدنيا، محشورٌ إلى اللَّه في الآخرة)[ تفسير ابن كثير (4 / 580) ]

وقد بيَّن اللَّه الحكمة من خلق الإنسان بأوضح بيان فقال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].فتبين من ذلك أن الحكمة من خلقه هي القيام للَّه بحق العبودية.قال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله:

اعلم بأن اللَّه جلّ وعلا، لم يترك الخلق سُدى وهملا، بل خلق الخلق ليعبدوه، وبالإلهية يفردوه.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والعشرون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: معنى العبادة:

في اللغة: التذلل والانقياد، يقال طريق معبَّد، أي: مذلل.

ومعناها في الشرع كما عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (هي اسم جامع لكل ما يحبه اللَّه ويرضاه؛ من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة)[2].اهـ.

وعلى هذا فالعبادة أنواع:

منها ما يكون بالقلب، مثل المحبة والخوف والرجاء، ومنها ما يكون باللسان مثل 

الدعاء وقراءة القرآن، ومنها ما يكون بالجوارح مثل الصلاة.

وجماع العبادة: كمال الحب للَّه مع كمال الذل له سبحانه.

وللعبادة ركنان: الأول: الإخلاص للَّه.

الثاني: أن تكون موافقة للشرع، يعني المتابعة، وقد بين اللَّه ذلك في قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].

فالعمل الصالح: هو المتابعة، وعدم الشرك يعني: الإخلاص. 

[ مجموع الفتاوى ( 10 / 149)، والعبودية (1 /3).][ الأنترنت – موقع الألوكة - الحكمة من خلق الخلق - الشيخ عادل يوسف العزازي ]

* الحكمة من خلق الإنسان متعلقة بالدنيا والآخرة

   إن الحكمة من خلق الإنسان متعلقة بالدنيا والآخرة معاً، لذلك فهي تخفى على الذين يقصرون أنظارهم على الحياة الدنيا، فلقد كنا قبل مائة عام في عالم الغيب، وسنكون بعد مائة عام في عالم الغيب مرة أخرى، وكذلك الأجيال من قبلنا، ومن بعدنا تعبر على هذه الأرض ولا تدوم لها حياة عليها. وكما عبرنا في أرحام الأمهات طوراً بعد طور حتى نزلنا في هذه الدنيا، فإننا نعبر في هذه الدنيا إلى الآخرة طوراً بعد طور من الطفولة وحتى الشيخوخة. ولا يستطيع الإنسان أن يفهم الحكمة من وجوده في طور الحياة الدنيا إذا لم يعرف الطور السابق لها وكذا اللاحق بعدها، وما سبق الحياة الدنيا غيب، وما يأتي بعدها غيب آخر، والذين قصروا أنظارهم على مرحلة الحياة الدنيا، وتوهموا للحياة البشرية أهدافاً مقصورة على الدنيا أصيبوا بالخيبة والحيرة وتحطمت كل فلسفاتهم على صخرة الموت، فالذين زعموا أن الحكمة من خلق الإنسان هي:

الحياة، العمل، المتعة واللذة، بناء الحضارة، أو الصـراع من أجل الأحسن!

نقول لهم: إذا كانت الحكمة من خلق الإنسان ما ذكرتم:

• فلم الموت بعد الحياة؟!

• ولم العجز عن العمل بعد القدرة، ثم الموت؟!

• ولم الكدر بعد المتعة، ثم الموت؟!

• ولم الانتكاسة إلى الأسوأ، ثم الموت؟!

فهم كما قال تعالى: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [ سورة الروم:7 ] أي: أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وأكسابها وشؤونها وما فيها، فهم حذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها، وهم غافلون عما ينفعهم في الدار الآخرة، كأن أحدهم مغفل لا ذهن له ولا فكرة. قال الحسن البصري: والله لبلغ من أحدهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره، فيخبرك بوزنه، وما يحسن أن يصلي. وقال ابن عباس في قوله: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 7] يعني: الكفار، يعرفون عمران الدنيا، وهم في أمر الدين جهال[ تفسير القرآن العظيم لابن كثير (ج6 - ص 305).]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والعشرون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: الحكمة من خلق الإنسان في الحياة الدنيا

إن الحكمة من خلق الإنسان في الحياة الدنيا لا تعلم إلا بمعرفة ما قبلها وما بعدها وذلك الأمر لا يعلمه إلا الله.

انظروا إِلَى أبينا آدم عَلَيْهِ السَّلام! لله حكمة عظيمة حيث قدر له أن يأكل من الشجرة، ألا ترون أن الله تَعَالَى نهاه من الأكل من الشجرة؟

إذاً: الأكل من الشجرة بالنسبة لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى مبغوض شـرعاً لأنه نهاه، وهو

 كوناً وقدراً محبوب أي: مراد مطلوب، فاجتمعت فيه إرادته كوناً مع بغضه شرعاً، والإرادة الكونية لها حكم عظيمة وإن خالفت الإرادة الشـرعية. فمن ذلك الحكم العظيمة التي نراها الآن في واقع هذه الدنيا.

كيف ترون الحال لو أن آدم وذريته خلقهم الله تَعَالَى في الجنة وبقوا يتناسلون ويتكاثرون فيها، لما كانت هناك حكمة من خلق الإنس والجن مما هو في الدنيا، ومن حكمة خلق الإِنسَان وحكمة التكليف وتحمل الأمانة, وإرسال الرسل وإنزال الكتب وافتراق النَّاس إِلَى فريقين، هذا يجاهد في الله حق جهاده، وهذا يطيع عدو الله ويتبعه ويعادي ربه.

كل هذه من الحكم التي نراها ووجود خلق من خلق الله اصطفاهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهم الأَنْبِيَاء وأفضلهم هو مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، فلو تأملنا لوجدنا أنه لا معنى للوجود الإِنسَاني بإطلاق لو كَانَ في الجنة، فهناك نوع شـر محض وهم الشياطين المردة، وإن كَانَ في وجودهم خير من جانب، وهناك خير محض وهم الملائكة، ووجود الجنس أو الطرف الذي يمكن أن يكون خيراً ويمكن أن يكون شراً لحكم عظيمة جداً، فوجد عن طريق خلق آدم فخلقه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قادراً لهذا ولهذا، فكان أكله من الشجرة ووقوع الذنب منه الذي لم يرض به الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شـرعاً، لكنه وقع لحكمة كونية فنزل آدم إِلَى الأرض، فلما نشأ عَلَى هذا التراب عرف قيمة الجنة وعرف قيمة الطاعة وعرف أثر المعصية وخطرها وضررها عليه وعلى ذريته.

حتى قيل: إن آدم عَلَيْهِ السَّلام بكى حتى كانت دموعه تجري في الأرض مثل الأنهار من كثرة البكاء، ولا نستغرب هذا لأن من رأى الجنة ثُمَّ جَاءَ إِلَى هذا التراب لا بد أن يبكي؛ لأنه شيء لا يمكن للإنسان أن يطيقه ويأتي إِلَى هذه الأرض، ففي هذا من الحكم والمصالح العظيمة ما لم يكن لولا ذلك الذنب، ثُمَّ استمرت الإِنسَانية قروناً عَلَى التوحيد، حتى وقع فيهم الشـرك، فظهرت حكمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في أن يكون النَّاس مختلفين ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ [ سورة هود: 118 ] وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً يعنى لاضطرهم إلى أن يكونوا أهل أمّة واحدة أى ملة واحدة وهي ملة الإسلام، كقوله إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وهذا الكلام يتضمن نفى الاضطرار، وأنه لم يضطرهم إلى الاتفاق على دين الحق، ولكنه مكنهم من الاختيار الذي هو أساس التكليف، فاختار بعضهم الحق وبعضهم الباطل، فاختلفوا، فلذلك قال وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ إلا ناساً هداهم الله ولطف بهم، فاتفقوا على دين الحق غير مختلفين فيه وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ذلك إشارة إلى ما دل عليه الكلام الأوّل وتضمنه، يعنى: ولذلك من التمكين والاختيار الذي كان عنه الاختلاف خلقهم، ليثيب مختار الحق بحسن اختياره، ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ وهي قوله للملائكة لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لعلمه بكثرة من يختار الباطل[ الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (ج2 - ص 438). ، الزمخشـري جار الله (المتوفى: 538هـ)، ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والعشرون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: حكمة الله اقتضت أن يكون النَّاس مختلفين

لكن حكمته اقتضت أن يكون النَّاس مختلفين، وأن يكونوا عَلَى فريقين، ثُمَّ نتج عن ذلك إرسال الرسل، وما يكون من رفعٍ لدرجات الرسل ولأتباعهم، وما يكون من إنزال العقاب والعذاب الأليم لمن خالفهم ولمن عصاهم وكفر بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى[ شـرح العقيدة الطحاوية المؤلف: سفر بن عبدالرحمن الحوالي (ج1/ص1503).]

العبادة هي الحكمة من خلق الإنسان. لقد تبين لنا مما سبق:

• أن الإنسان خلق لحكمة ولم يخلق عبثاً.

• وأن الحكمة من خلق جميع البشـر واحدة.

• وأن الحكمة من خلق الإنسان متعلقة بالدنيا والآخرة.

• وأنها لا تعلم إلا من الخالق سبحانه.

• وأن الخالق سبحانه قد استخلف الإنسان في الأرض.

• وأن غاية الاستخلاف هو الابتلاء والامتحان.

• وأن موضوع الامتحان هو العبادة لله سبحانه.

• والعبادة هي العمل وفق مراد الخالق الذي خلق سبحانه.

ألست ترى أن أي مصنوع يصنع لا يكون صنعه إلا لعمل وفق مراد الذي 

صنعه وكذلك الإنسان ما كان ليعمل إلا وفق مراد خالقه سبحانه، وعمل الإنسان وفق مراد خالقه هو العبادة. قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾[ سورة الذاريات:56  ] وما خلقت السُّعداء من الجنّ والإنس إلا لعبادتي، والأشقياء منهم لمعصيتي. وقيل ما جبلوا عليه من الشقاء والسعادة. وقيل إلا ليقروا بالعبودة طوعا وكَرها[ جامع البيان في تأويل القرآن للطبري (ج 22 - ص 444).]

فالحكمة من خلق الإنسان هو أن يكون عبداً لله على الأرض التي استخلفه فيها، ليمتحنه ربه أيطيعه ويعبده، أم يعصيه ويكفر به، ثم ينقله بالموت من دار الامتحان والعمل إلى دار الجزاء على ما قدم. 

وهذه الحكمة واحدة لا تتبدل من خلق كل إنسان في كل زمان ومكان، وكل إنسان مهما كانت مكانته فهو ممتحن فيما استخلفه الله فيه.

عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ:  يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))[ الكتاب: الجامع المسند صحيح البخاري المؤلف: محمد بن إسماعيل البخاري المحقق: محمد زهير بن ناصر]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والعشرون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: كل إنسان عليه أن يعبد ربه لأنه:

• ما خلق إلا ليعمل وفق مراد خالقه سبحانه.

• ولأن الله هو الذي استخلفه ومكنه فعليه أن يعمل وفق مراد الذي مكنه واستخلفه.

• ولأنه مملوك في كل أمره فعليه أن يعمل وفق مراد مالكه سبحانه.

• ولأنه محاسب بين يدي ربه فعليه أن يعمل وفق مراد مالك يوم الدين والحساب.

والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه كما قال العلماء، والاستخلاف في الأرض داخل في مدلول العبادة. 

فالعبادة هي غاية الوجود الإنساني، ووظيفة الإنسان الأولى في أي موقع كان. وليس في الوجود إلا رب واحد والكل له عبيد، عليهم أن يتوجهوا بأعمالهم ومشاعرهم وضمائرهم لعبادته ؛عبادة خالصة له دون شريك. وبهذا الهدى تعلمنا من خالقنا سبحانه أنه قسم حياتنا إلى قسمين:

• الحياة الدنيا، وهي دار الابتلاء فيما استخلفنا الله عليه.

• الحياة الآخرة وهي دار الجزاء.وأعلمنا أن الموت هو الانتقال من دار الابتلاء إلى دار الجزاء، وهناك حسب ما اجتهد الإنسان وبحث وعمل إما إلى جنة وإما إلى نار.[الأنترنت – موقع الألوكة - الحكمة من خلق الإنسان متعلقة بالدنيا والآخرة - د. سمير مثنى علي الأبارة ]

* الحكمة من خلق البشر على ألوان مختلفة أبيض وأسود ونحوه

   عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ ، مِنْهُمُ الْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَصْفَرُ، وَبَيْنَ ذَلِكَ ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ ، وَالْخَبِيثُ وَالطِّيبُ ) .[أخرجه الترمذي (2955) وابن حبان: ( 6160 ) ، وصحّحه الألباني في" الصحيحة " (1630).] وفي هذا الحديث أن اختلاف ألوان الناس ، وأخلاقهم ، وهو من خلق الله وتقديره ، مناسب للأصل الذي خرجوا منه ، والطينة التي منها خلقوا ؛ فتراب الأرض ، ومناحيها ، ليس كله على لون واحد ؛ بل منه الأحمر والأبيض والأسود .. ، وهكذا جاءت ألوان الناس وأشكالهم المختلفة : ما بين أحمر ، أو أسود ، أو أبيض .. ، وهكذا .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثلاثون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: طباع البشر من طباع الأرض

وفي طبائع الأرض اختلاف كذلك ؛ فمنها أرض وعرة ، عسيرة المسلك ، ومنها السهل الذي وطئته الأقدام ، ومنها ما بين ذلك ؛ وهكذا كانت أخلاق الناس ؛ فمنهم الهين اللين ، السهل الرفيق ؛ ومنهم الصعب ، عسر الأخلاق ، ومنهم ما سوى ذلك ، ومن الناس الطيب المؤمن ، ومنهم الخبيث الكافر ؛ وهكذا حال الأرض التي منها خلقوا .

وهذا كله من دلائل قدرة الله جل جلاله ، وعظيم سلطانه ؛ وأن الخلق كلهم ، مؤمنهم وكافره ، سهلهم وحزنهم ؛ لا يخرجون عن قبضة الله وقدرته وسلطانه ،بل الكل في ملكه وملكوته ، مسخر بأمره وتقديره ؛ خلقهم على ما شاء من حكمة ، وجعل خلقهم ، واختلافهم آية على قدرته ، ودليل على عظمته ، وأنه القادر الذي يخلق ما يشاء ويختار ، ما كان لأحد من خلقه شيء من الخيرة في خلقه وأمره وسلطانه ؛ بل هو متفرد سبحانه بالخلق كله : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) الأعراف/54 ، وقال تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) القصص/68 ، وقال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ) الروم/22 .

قال العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله ، في " أضواء البيان " (6/ 173) :" وَقَوْلُهُ: وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ، قَدْ أَوْضَحَ تَعَالَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ اخْتِلَافَ أَلْوَانِ الْآدَمِيِّينَ وَاخْتِلَافَ أَلْوَانِ الْجِبَالِ، وَالثِّمَارِ ، وَالدَّوَابِّ ، وَالْأَنْعَامِ ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ ، وَاسْتِحْقَاقِهِ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ ، .. وَاخْتِلَافُ الْأَلْوَانِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ غَرَائِبِ صُنْعِهِ تَعَالَى وَعَجَائِبِهِ ، وَمِنَ الْبَرَاهِينَ الْقَاطِعَةِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ جَلَّ وَعَلَا ، وَأَنَّ إِسْنَادَ التَّأْثِيرِ لِلطَّبِيعَةِ مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ "انتهى .

     وعلى كل حال : فالواجب على المؤمن أن يسلم لله سبحانه تعالى حكمته البالغة في خلقه وأمره ، فما تبين لنا منها ، حمدنا الله على ما بين لنا من مراده وحكمه ، وما زاد المؤمن ذلك إلا إيمانا وتسليما ، وما خفي علينا أمره ، فوضناه إلى عالمه ، وآمنا به : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) آل عمران/7 . والله أعلم [الأنترنت - موقع الإسلام سؤال وجواب – المنجد - الحكمة من خلق البشر على ألوان مختلفة أبيض وأسود ونحوه ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: * ما كان لكم أن تنبتوا شجرها

الإنبات من أهم العمليات الحيوية التي تتم على سطح الكرة الأرضية وهي من دلائل القدرة الإلهية في الكون ولولا الإنبات ما كان في الدنيا نبات، ولولا النبات ما كان على الأرض يخضور (كلوروفيل ) ولولا اليخضور ما كانت على الأرض حياة.قال تعالى: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُون ) [  سورة النمل ]

هذه الآية من آيات الإعجاز النباتي في القرآن الكريم والقرآن كله معجز فقد تحدى الله سبحانه وتعالى من ينحرفون عن الحق إلى الباطل ومن يجعلون مع الله آلهة سواء كانت أصناماً أو أناساً أو ظواهر كونية، أوآلهة مادية أو أيديولوجيات غير إيمانية تحداهم الله سبحانه وتعالى بأنهم لن يستطيعوا إنبات بذرة واحدة من بلايين البذور والحبوب التي تنبت كل لحظة على الأرض لتعطي الأشجار والحدائق ذات البهجة والرونق.

إن عملية إنبات البذور من العمليات المعقدة التي يقوم بها النبات بقدرة الله

وقد ربطت الآية في إعجاز مذهل بين الماء والإنبات، فالماء شرط ضروري وأساسي للإنبات، وقد تظل البذور أو الحبة في التربة سنوات عدة لا تنبت ولا تتحرك إلى أن ينزل عليها الماء فتبدأ العملية العجيبة المعجزة عملية الإنبات التي يجريها أطفالنا بوضع الحبوب والبذور فوق القطن المبلل بالماء وهم لا يدرون أنهم يقومون بعملية من أعقد العمليات الحيوية في عالمي النبات والكيمياء الحيوية، وهذا العملية تحدى الله سبحانه وتعالى بها من يشرك به أن يقوم بمثلها بعيداً عن أسباب الله في خلقه من جنين حي وماء به كل شيء حي.

فإذا سقط الماء على البذرة أو الحبة تشربت الماء بفعل قوى التشرب والقوى الأسموزية، والعلاقات المائية للنبات ذات القوانين الرياضية الدقيقة والمعقدة والتي كان يرهقنا فهمها أثناء دراستها والتي مازالت ترهق طلاب الدراسات العليا عند تدريسها لهم.

هذه القوى وضعها الله سبحانه وتعالى في غلاف الحبة، أو قصرة البذرة، فإذا كان الغلاف غير منفذ للماء لا يصل الماء إلى الجنين داخل الحبة أو البذرة فتفشل عملية الإنبات.

وبعض البذور فعلاً ذات قصرة (غلاف البذرة ) صلبة غير منفذة للماء تماماً (بذور نبات الخروع ) ولكن الله سبحانه وتعالى الذي أحسن كل شيء خلقه زود  هذه البذور بثقب في مقدمة البذرة هذا الثقب محاط بتركيب إسفنجي يتشرب الماء بسرعة يسمى البسباسة (Caruncle)فينفذ الماء من هذا الثقب ويصل الجنين.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والثلاثون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

* ما كان لكم أن تنبتوا شجرها

هل هذا التركيب الإسفنجي خلق بالصدفة وبدون خالق عليم خبير ؟ أو خلق بدون قوى لا تعقل ولا تعي ؟ ولا تفكر ؟ كما يدعي الدارونيون، الماديون ومن يشايعونهم من المتمسلمين الماديين غير العابدين لله حق عبادته قال تعالى:( مَا 

قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[  سورة الحج 74 ]

فلو دخل الماء إلى البذرة أو الحبة تحدث فيها تغيرات فيزيقية حيث تنتفخ الحبة وتزداد في الحجم بفعل قوى التشرب، فيتمزق الغلاف، وفي نفس الوقت تحدث عمليات كيميائية كبيرة حيث يبدأ الجنين في إفراز الأنزيمات المحللة للمواد الغذائية المدخرة في البذور والحبوب فتحولها ـ من مواد معقدة التركيب كبيرة الحجم لا تنفذ إلى خلايا الجنين ولا يستطيع استغلالها ـ تحولها إلى مواد بسيطة التركيب صغيرة الجزيئات تنفذ خلال أغشية وجدر الخلايا حيث يستغلها الجنين ويتغذى عليها. الصورة فوق مقطع في بذرة ويظهر فيها أيضا ثقب البذرة أو ما 

يسمى بالبسباسة   

ومن العجب أن نوع الأنزيمات يتوافق مع نوع الغذاء المدخر، وهذه الأنزيمات تحلل بعض المواد شديدة الصلابة كتلك الموجودة في ثمار نبات الدوم والتي يصنع منا أزرار الملابس الصلبة، تحولها إلى مواد رخوة لينة في قوام اللبن، حلوة الطعم سهلة الهضم والامتصاص.

العمليات السابقة تتم في درجة حرارة من (25ـ 35س ) وإذا أردنا أن نجري

 نفس العمليات في المختبر فإننا نحتاج إلى حمامات من الماء المغلي وإلى إضافة 

أحماض حارقة وكاوية ومحللة، ونحتاج إلى مبردات ومكثفات وأجهزة قياس دقيقة للحرارة ومهندسين وعلميين وفنيين تزيد أعدادهم على المئات ونحتاج إلى مصانع ذات ضجيج عال وأبخرة سامة متصاعدة وتلوث للبيئة ورؤوس أموال ضخمة.

هذه العمليات تتم في هدوء عجيب، وسكون تام داخل تلك البذور التي وضعها الطفل فوق قطعة القطن المبللة بالماء. هذه العمليات المعقدة تحدث في حقل الزراعة البسيطة الذي لا يعرف معادلات ولا مختبرات ولا أبحاث.

من فعل هذا ؟ أَإِلَهٌ مع الله ؟ الطبيعة ؟ الكون؟ كما يقول الماديون العلمانيون، 

إن من يعتقدون بذلك ويقولون به لا يختلفون في تفكيرهم عن هؤلاء السذج الجهلاء .الذين يقولون عن البرق والرعد (أن جمل الشتاء يصارع جمل الصيف في السماء.)

ولا يختلفون عن الذين يقولون عند حدوث الزلازل والبراكين : (أن هناك ثوراً يحمل الدنيا على قرنه، وهو يبدل حملها إلى القرن الآخر لأنه تعب ؟ )

بعد ذلك تبدأ عمليات حيوية رائعة ومثيرة انقسام خلوي عجيب وصبغيات

 (كروموسومات) ومغازل تنسج وجدر تبنى، وحرارة تنبعث وحياة تدب 

وهرمونات تتكون وفيتامينات تعمل وأعضاء تتكشف وجذير يتجه إلى الأرض وسويقة تتجه إلى أعلى في حماية عجيبة وتقدير دقيق وتتكون الأوراق والبراعم والأزهار والثمار وغيرها من بلايين العمليات الحيوية المعجزة.

الشكل التالي يبين عملية  الانقسام الخلوي التي تحدث في النبات بقدرة الله

بعض البذور رغم توفر كل شروط الإنبات لا يمكن أن تنبت وبعض النباتات تحتاج بذورها إلى فترة سكون (Dormancy)  تختلف من برهة إلى مئات السنين حسب نوع النبات، ولولا فترة السكون هذه لأنبتت بعض البذور في الحقول وهي مازالت على النبات الأم قبل حصادها ولتعذر الحصاد وانبتت البذور أثناء الدراس وفي أماكن إعدادها وثناء تخزينها.

وبعض البذور رغم توفر جميع شروط الإنبات لا تنبت لأن جنينها غير ناضج، أو إن بعض المواد المثبطة للنمو والإنبات تكون موجودة في غلاف الحبة أو قصرة البذرة وتحتاج إلى عوامل كثيرة حتى تتلاشى وينبت النبات.

وبذور بعض النباتات المتطفلة لا تنبت مطلقاً إلا إذا وجد عائلها الذي تتطفل

 عليه ولو أنبتت في غيابه لكان الهلاك والفناء هو مصير البادرات التي نتجت 

عن هذا الإنبات فمثلاً نبات الفول (  Vicia  Faba)يتطفل عليه نبات الهالوك ( Orbanche)ولا يمكن أن تنبت بذور الطفيل (الهالوك) إلا إذا انبت بذور العائل (الفول) . من هدى هذه البذور إلى هذا السلوك العجيب ؟ أإله مع الله ؟  هل الطبيعة الصماء التي لا تعي و لا تفكر يمكنها أن تخلق ذلك ؟؟ وصدق الله رب العزة في قوله تعالى :(مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُون)[ سورة  النمل60 ]

[ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي- ما كان لكم أن تنبتوا شجرها -  الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:* اشهر العبارات عن التفكير في خلق الله

– أبو سليمان الداراني رحمه الله

“إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة ولي فيه عبرة”.

– ابن عباس رضي الله عنه يقول : إن تأمل ساعة في خلق الله عز وجل 

وسننه في الكون والشرع خير من قيام ليلة كاملة.

– بشر الحافي يقول :إن الناس لو تفكروا وتأملوا في عظمة الله عز وجل لم يعصوه.

– عمر بن عبد العزيز رحمه الله

بكى عمر بن عبد العزيز رحمه الله مرة فرآه أصحابه وسألوه عن سبب بكائه فقال: فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إن فيها مواعظ لمن ادكر.

– يرى أن التفكر والتأمل في نعم الله على العبد من أفضل أنواع العبادات.

– العلامة ابن القيم رحمه الله:

 - كل موضع لا تقع عليه الشمس لا يعيش فيه حيوان ولا نبات؛ لفرط برده ويبسه، وكل موضع لا تفارقه كذلك؛ لفرط حره ويبسه، والمواضع التي يعيش فيها الحيوان والنبات هي التي تطلع عليها الشمس وتغيب.

–  وإذا نظرت إلى الأرض كيف خلقت، رأيتها من أعظم آيات فاطرها وبديعها، خلقها سبحانه فراشًا ومهادًا، وذللها لعباده، وجعل فيها أرزاقهم وأقواتهم ومعايشهم، وجعل فيها السبل لينتقلوا فيها في حوائجهم، وتصرفاتهم، وأرساها بالجبال، فجعلها أوتادًا تحفظها لئلا تميد بهم، وجعل ظهرها وطنا للأحياء، وبطنها وطنا للأموات.

–  فأحسن ما أُنفقت فيه الأنفاس التفكّر في آيات الله وعجائب صنعه.

– العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

– آيات النفس ليست في تركيب الجسم فحسب؛ بل حتى في تقلبات الأحوال، فالإنسان تجده يتقلب من سرور إلى حزنٍ، ومن غمٍّ إلى فرحٍ، ويتقلَّب تقلُّبات عجيبة عظيمة، حتى إن الإنسان في لحظة يجد نفسه متغيرًا بدون سبب، يكون 

منشرح الصدر، واسع البال مسرورًا، وإذا به ينكتم ويغتم بدون سبب

–  التفكر إعمال الفكر، وذلك بأن يفكر في خلق السماوات والأرض، لأي 

شيء خلقت؟ وكيف خلقت؟ وكيف رفعت السماء؟ وكيف سطحت الأرض؟ وما أشبه ذلك، فهم يعملون أفكارهم.

–  في خلق السماوات والأرض آيات، والذي يطلع على ما صوره العلماء من هذه الآيات العظيمة يتبين له عظمة الله عز وجل في هذا الخلق.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

* اشهر العبارات عن التفكير في خلق الله

– الإمام ابن الجوزي رحمه الله:

سرنا على طريق خيبر، فرأيت من الجبال الهائلة، والطرق العجيبة ما أذهلني، وزادت عظمة الخالق عز وجل في صدري، فصار يعرض لي عند ذكر تلك الطرق نوع تعظيم، لا أجده عند ذكر غيرها، فصحت بالنفس: ويحكِ، اعبري إلى البحر، وانظري إليه وإلى عجائبه بعين الفكر، تُشاهدي أهوالًا هي أعظم من هذه؛

بشر بن الحارث الحافي رحمه الله :

لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه.

– أيها المؤمنون: السماء من بالكواكب زينها، والجبال من نصبها، والأرض من 

سطحها، وذللها وقال: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) الطبيب من أرداه، المريض وقد يأس من عافاه، الصحيح من بالمنايا رماه، والأعمى من يقود خطاه، الجنين في ظلمات ثلاث من يرعاه، الثعبان من أحياه والسم يملأ فاه، الشهد من حلاه، اللبن من بين فرث ودم من صفاه، الهواء تحسه الأيدي ولا تراه من أخفاه، النبت في الصحراء من أرباه، النخل من شق نواه، الجبل من أرساه، الصخر من فجر منه المياه، البحر من أطغاه، الليل من حاك دجاه، الصبح من أسفره وصاغ ضُحاه، العقل من منحه وأعطاه،. الجبار من يقصمه، المظلوم من ينصره،  المضطر من يجيبه، الضال من يهديه، الفقير من يغنيه، من خلقك يا ابن آدم، من صورك وشق سمعك وبصرك،  من سواك فعدلك، من أطعمك ورزقك ومن آواك ورزقك؟ إنه الله! إنه الله! الذي أحسن كل شيء خلقه لا إله إلا هو.

– إن أحواض البحار آية، ومياه البحار آية، وملوحتها آية، وما فيها من أسماك 

آية، وما فيها من أصداف وحلي آية، والله سبحانه وتعالى بث في الأرض آيات كثيرة. [الأنترنت – موقع المرسال  - اشهر العبارات عن التفكير في خلق الله ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:*سئل ابن تيمية في (مجموع الفتاوى ) عن حسن إرادة الله تعالى لخلق الخلق وإنشاء الأنام

فاجاب :  أكثر المعتزلة يوافقون هؤلاء على أن فعل الرب تعالى لا يكون إلا 

بمعنى مفعوله، مع أنهم يفرقون في العبد بين الفعل والمفعول، فلهذا عظم النزاع وأشكلت المسألة على الطائفتين وحاروا فيها.

وأما من قال: خلق الرب تعالى لمخلوقاته ليس هو نفس مخلوقاته قال: إن أفعال العباد مخلوقة كسائر المخلوقات، ومفعولة للرب كسائر المفعولات، ولم يقل: إنها نفس فعل الرب وخلقه، بل قال: إنها نفس فعل العبد وعلي هذا تزول الشبهة؛ فإنه يقال: الكذب والظلم ونحو ذلك من القبائح يتصف بها من كانت فعلًا له، كما يفعلها العبد، وتقوم به، ولا يتصف بها من كانت مخلوقة له إذا كان قد جعلها صفة لغيره، كما أنه سبحانه لا يتصف بما خلقه في غيره من الطعوم والألوان والروائح والأشكال والمقادير والحركات وغير ذلك، فإذا كان قد خلق لون الإنسان لم يكن هو المتلون به، وإذا خلق رائحة منتنة أو طعمًا مرًا أو صورة قبيحة ونحو ذلك مما هو مكروه مذموم مستقبح، لم يكن هو متصفًا بهذه المخلوقات القبيحة المذمومة المكروهة والأفعال القبيحة. 

ومعني قبحها: كونها ضارة لفاعلها، وسببًا لذمه وعقابه، وجالبة لألمه وعذابه، وهذا أمر يعود على الفاعل الذي قامت به، لا على الخالق الذي خلقها فعلًا لغيره.

ثم على قول الجمهور الذين يقولون له حكمة فيما خلقه في العالم مما هو مستقبح وضار ومؤذ يقولون: له فيما خلقه من هذه الأفعال القبيحة الضارة لفاعلها حكمة عظيمة، كما له حكمة عظيمة فيما خلقه من الأمراض والغموم، ومن يقول: لا تعلل

 أفعاله لا يعلل لا هذا ولا هذا.

يوضح ذلك أن الله تعالى إذا خلق في الإنسان عمى ومرضًا وجوعًا وعطشًا ووصبًا ونصبًا ونحو ذلك، كان العبد هو المريض الجائع العطشان المتألم. 

فضرر هذه المخلوقات وما فيها من الأذي والكراهة عاد إليه ولا يعود إلى الله تعالى شيء من ذلك. فكذلك ما خلق فيه من كذب وظلم وكفر ونحو ذلك، هي أمور ضارة مكروهة مؤذية. وهذا معني كونها سيئات وقبائح، أي أنها تسوء صاحبها وتضره، وقد تسوء أيضا غيره وتضره، كما أن مرضه ونتن ريحه ونحو ذلك

 قد يسوء غيره ويضره.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والثلاثون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

*سئل ابن تيمية في (مجموع الفتاوى ) عن حسن إرادة الله تعالى لخلق الخلق وإنشاء الأنام

يبين ذلك أن القدرية سلموا أن الله قد يخلق في العبد كفرًا وفسوقًا على سبيل الجزاء، كما في قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ 

مَرَّةٍ} [الأنعام: 110]، وقوله: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ الله مَرَضًا} [البقرة: 10]

، وقوله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ} [الصف: 50]ثم إنه من المعلوم أن هذه المخلوقات تكون فعلًا للعبد وكسبًا له يجزي عليها ويستحق الذم عليها والعقاب، وهي مخلوقة لله تعالى فالقول عند أهل الإثبات فيما يخلقه من أعمال العباد ابتداء كالقول فيما يخلقه جزاء من هذا الوجه، وإن افترقا من وجه آخر، وهم لا يمكنهم أن يفرقوا بينهما بفرق يعود إلى كون هذا فعلا لله دون هذا، وهذا فعلا للعبد دون هذا، ولكن يقولون: إن هذا يحسن من الله تعالى لكونه جزاء للعبد، وذلك لا يحسن منه لكونه ابتداء للعبد بما يضره وهم يقولون لا يحسن منه أن يضر الحيوان إلا بجرم سابق، أو عوض لاحق.

وأما أهل الإثبات للقدر، فمن لم يعلل منهم لا يفرق بين مخلوق ومخلوق. وأما القائلون بالحكمة وهم الجمهور فيقولون: لله تعالى فيما يخلقه من أذي الحيوان حكم عظيمة كما له حكم في غير هذا، ونحن لا نحصر حكمته في الثواب والعوض، فإن هذا قياس لله تعالى على الواحد من الناس، وتمثيل لحكمة الله وعدله بحكمة 

الواحد من الناس وعدله.

والمعتزلة مُشَبِّهَة في الأفعال مُعَطِّلَة في الصفات، ومن أصولهم الفاسدة: أنهم يصفون الله بما يخلقه في العالم؛ إذ ليس عندهم صفة لله قائمة به ولا فعل قائم به فيسمونه به، ويصفونه بما يخلقه في العالم، مثل قولهم: هو متكلم بكلام يخلقه في غيره، ومريد بإرادة يحدثها لا في محل. وقولهم: إن رضاه وغضبه وحبه وبغضه هو نفس المخلوق الذي يخلقه من الثواب والعقاب، وقولهم: إنه لو كان خالقًا لظلم العبد وكذبه لكان هو الظالم الكاذب، وأمثال ذلك من الأقوال التي إذا تدبرها العاقل علم فسادها بالضرورة، ولهذا اشتد نكير السلف والأئمة عليهم، لاسيما لما أظهروا القول بأن القرآن مخلوق، وعلم السلف أن هذا في الحقيقة هو إنكار لكلام الله تعالى وأنه لو كان كلامه هو ما يخلقه للزم أن يكون كل كلام مخلوق كلامًا له، فيكون إنطاقه للجلود يوم القيامة، وإنطاقه للجبال والحصي بالتسبيح، وشهادة الأيدي والأرجل ونحو ذلك كلامًا له، وإذا كان خالقًا لكل شيء كان كل كلام موجود كلامه، وهذا قول الحلولية من الجهمية كصاحب الفصوص وأمثاله، ولهذا يقولون:وكل كلام في الوجود كلامه ** سواء علينا نثره ونظامه

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والثلاثون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

*سئل ابن تيمية في (مجموع الفتاوى ) عن حسن إرادة الله تعالى لخلق الخلق وإنشاء الأنام

وقد علم بصريح المعقول: أن الله تعالى إذا خلق صفة في محل كانت صفة لذلك المحل، فإذا خلق حركة في محل كان ذلك المحل هو المتحرك بها، وإذا خلق لونًا أو ريحًا في جسم كان هو المتلون المتروح بذلك، وإذا خلق علمًا أو قدرة أو حياة في محل كان ذلك المحل هو العالم القادر الحي، فكذلك إذا خلق إرادة وحبًا وبغضًا في محل كان هو المريد المحب المبغض. وإذا خلق فعلا لعبد كان العبد هو الفاعل، فإذا خلق له كذبًا وظلمًا وكفرًا كان العبد هو الكاذب الظالم الكافر، وإن خلق له صلاة وصومًا وحجًا كان العبد هو المصلي الصائم الحاج.

والله تعالى لا يوصف بشيء من مخلوقاته، بل صفاته قائمة بذاته، وهذا مطرد على أصول السلف وجمهور المسلمين من أهل السنة وغيرهم، ويقولون: إن خلق الله للسماوات والأرض ليس هو نفس السماوات والأرض، بل الخلق غير المخلوق، لا سيما مذهب السلف والأئمة وأهل السنة الذين وافقوهم على إثبات صفات الله وأفعاله؛ فإن المعتزلة ومن وافقهم من الجهمية والقدرية نقضوا هذا الأصل على من لم يقل: إن الخلق غير المخلوق كالأشعري ومن وافقه، فقالوا: إذا قلتم إن الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل دون غيره كما ذكرتم في الحركة والعلم والقدرة وسائر الأعراض انتقض ذلك عليكم بالعدل والإحسان وغيرهما من أفعال الله تعالي، فإنه يسمي عادلا يعدل خلقه في غيره، محسنًا بإحسان خلقه في غيره، فكذا يسمي متكلمًا بكلام خلقه في غيره.

والجمهور من أهل السنة وغيرهم يجيبون بالتزام هذا الأصل، ويقولون: إنما كان عادلًا بالعدل الذي قام بنفسه، ومحسنًا بالإحسان الذي قام بنفسه. وأما المخلوق الذي حصل للعبد فهو أثر ذلك، كما أنه رحمن رحيم بالرحمة التي هي صفته، وأما ما يخلقه من الرحمة فهو أثر تلك الرحمة، واسم الصفة يقع تارة على الصفة التي هي مسمي المصدر، ويقع تارة على متعلقها الذي هو مسمي المفعول؛ كلفظ الخلق يقع تارة على الفعل وعلي المخلوق أخرى، والرحمة تقع على هذا وهذا، وكذلك الأمر يقع على أمره الذي هو مصدر أمر يأمر أمرًا، ويقع على المفعول تارة كقوله تعالي: {وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38]

وكذلك لفظ العلم يقع على المعلوم والقدرة تقع على المقدور ونظائر هذا متعددة.

وقد استدل الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة في جملة ما استدلوا على أن كلام الله غير مخلوق بقوله عليه السلام: «أعوذ بكلمات الله التامات» ونحو ذلك وقالوا: الاستعاذة لا تحصل بالمخلوق، ونظير هذا قول النبي ﷺ: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك».

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

*سئل ابن تيمية في (مجموع الفتاوى ) عن حسن إرادة الله تعالى لخلق الخلق وإنشاء الأنام

ومن تدبر هذا الباب ونحوه وجد أهل البدع والضلال لا يستطيلون على فريق من المنتسبين إلى السنة والهدي إلا بما دخلوا فيه من نوع بدعة أخري وضلال آخر، لا سيما إذا وافقوهم على ذلك، فيحتجون عليهم بما وافقوهم عليه من ذلك، ويطلبون لوازمه، حتى يخرجوهم من الدين إن استطاعوا خروج الشعرة من العجين، كما فعلت القرامطة الباطنية والفلاسفة وأمثالهم بفريق فريق من طوائف المسلمين.

والمعتزلة استطالوا على الأشعرية ونحوهم من المثبتين للصفات والقدر بما وافقوهم عليه من نفي الأفعال القائمة بالله تعالى فنقضوا بذلك أصلهم الذي استدلوا به عليهم في أن كلام الله غير مخلوق، وأن الكلام وغيره من الأمور إذا خلق بمحل عاد حكمه على ذلك المحل، واستطالوا عليهم بذلك في مسألة القدر، واضطروهم إلى أن جعلوا نفس ما يفعله العبد من القبيح فعلا لله رب العالمين دون العبد، ثم أثبتوا كسبًا لا حقيقة له، فإنه لا يعقل من حيث تعلق القدرة بالمقدور فرق بين الكسب والفعل؛ ولهذا صار الناس يسخرون بمن قال هذا، ويقولون: ثلاثة أشياء لا حقيقة لها: طَفْرَة النَظَّام، وأحوال أبي هاشم، وكسْب الأشعري.

واضطروهم إلى أن فسروا تأثير القدرة في المقدور بمجرد الاقتران العادي، والاقتران العادي يقع بين كل ملزوم ولازمه، ويقع بين المقدور والقدرة، فليس جعل هذا مؤثرًا في هذا بأولي من العكس، ويقع بين المعلول وعلته المنفصلة عنه مع أن قدرة العباد عنده لا تتجاوز محلها، ولهذا فر القاضي أبو بكر إلى قول، وأبو إسحاق الإسفرائيني إلى قول، وأبو المعالي الجويني إلى قول؛ لما رأوا ما في هذا القول من التناقض، والكلام على هذا مبسوط في موضعه، والمقصود هنا التنبيه.

ومن النكت في هذا الباب أن لفظ التأثير ولفظ الجبر ولفظ الرزق ونحو ذلك

 ألفاظ مجملة، فإذا قال القائل: هل قدرة العبد مؤثرة في مقدورها أم لا؟قيل له

أولا: لفظ القدرة يتناول نوعين:

أحدهما: القدرة الشرعية المصححة للفعل التي هي مناط الأمر والنهي.

والثاني: القدرة القدرية الموجبة للفعل التي هي مقارنة للمقدور لا يتأخر عنها. فالأولى هي المذكورة في قوله تعالي: {وَلله على النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًاْ} [آل عمران: 97]، فإن هذه الاستطاعة لو كانت هي المقارنة للفعل، لم يجب حج البيت إلا على من حج، فلا يكون من لم يحجج عاصيًا بترك الحج، سواء كان له زاد وراحلة وهو قادر على الحج أو لم يكن، وكذلك قول النبي ﷺ لعمران بن حصين: «صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلي جنب»، وكذا قوله تعالي: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقوله ﷺ: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» لو أراد استطاعة لا تكون إلا مع الفعل، لكان قد قال: فافعلوا منه ما تفعلون، فلا يكون من لم يفعل شيئًا عاصيًا له، وهذه الاستطاعة المذكورة في كتب الفقه ولسان العموم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: الاستطاعة والقدرة

    الناس متنازعون في مسمي الاستطاعة والقدرة، فمنهم من لا يثبت استطاعة إلا هذه، ويقولون: الاستطاعة لابد أن تكون قبل الفعل، ومنهم من لا يثبت استطاعة إلا ما قارن الفعل، وتجد كثيرًا من الفقهاء يتناقضون، فإذا خاضوا مع من يقول من المتكلمين المثبتين للقدر: إن الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل، وافقوهم على ذلك، وإذا خاضوا في الفقه، أثبتوا الاستطاعة المتقدمة التي هي مناط الأمر والنهي.

وعلي هذا تتفرع مسألة تكليف ما لا يطاق، فإن الطاقة هي الاستطاعة، وهي لفظ مجمل، فالاستطاعة الشرعية التي هي مناط الأمر والنهي لم يكلف الله أحدًا شيئًا بدونها، فلا يكلف ما لا يطاق بهذا التفسير، وأما الطاقة التي لا تكون إلا مقارنة للفعل، فجميع الأمر والنهي تكليف ما لا يطاق بهذا الاعتبار، فإن هذه ليست مشروطة في شيء من الأمر والنهي باتفاق المسلمين.

وكذا تنازعهم في العبد هل هو قادر على خلاف المعلوم؟ فإذا أريد بالقدرة القدرة الشرعية التي هي مناط الأمر والنهي كالاستطاعة المذكورة في قوله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، فكل من أمره الله ونهاه، فهو مستطيع

بهذا الاعتبار، وإن علم أنه لا يطيعه، وإن أريد بالقدرة القدرية التي لا 

تكون إلا مقارنة للمفعول،فمن علم أنه لا يفعل الفعل،لم تكن هذه القدرة ثابتة له.

ومن هذا الباب تنازع الناس في الأمر، والإرادة، هل يأمر بما لا يريد أو لا يأمر إلا بما يريد؟ فإن الإرادة لفظ فيه إجمال. يراد بالإرادة: الإرادة الكونية الشاملة لجميع الحوادث، كقول المسلمين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكقوله تعالي: {فَمَنْ يُرِدْ الله أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125]، وقول نوح عليه السلام: {وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ الله يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34]، ولا ريب أن الله يأمر العباد بما لا يريده بهذا التفسير والمعني، كما قال تعالي: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13]، فدل على أنه لم يؤت كل نفس هداها مع أنه قد أمر كل نفس بهداها، وكما اتفق العلماء على أن من حلف بالله ليقضين دين غريمه غدًا إن شاء الله، أو ليردن وديعته أو غصبه، أو ليصلين الظهر أو العصر إن شاء الله، أو ليصومن رمضان إن شاء الله، ونحو ذلك مما أمره الله به، فإنه إذا لم يفعل المحلوف عليه لا يحنث مع أن الله أمره به لقوله: إن شاء الله، فعلم أن الله لم يشأه مع أمره به.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الأربعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:  الإرادة الدينية

وأما الإرادة الدينية، فهي بمعني المحبة والرضا، وهي ملازمة للأمر كقوله تعالي: {يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 26]، ومنه قول المسلمين: هذا يفعل شيئًا لا يريده الله إذا كان يفعل بعض الفواحش أي أنه لا يحبه ولا يرضاه، بل ينهي عنه ويكرهه.

وكذلك لفظ الجبر فيه إجمال يراد به إكراه الفاعل على الفعل بدون رضاه، كما يقال: إن الأب يجبر المرأة على النكاح، والله تعالى أجل وأعظم من أن يكون مجبرًا بهذا التفسير فإنه يخلق للعبد الرضا، والاختيار بما يفعله، وليس ذلك جبرًا بهذا الاعتبار، ويراد بالجبر خلق ما في النفوس من الاعتقادات والإرادات؛ كقول محمد بن كعب القُرَظِيّ: الجبار: الذي جبر العباد على ما أراد. وكما في الدعاء المأثور عن على رضي الله عنه: جبار القلوب على فطراتها، شقيها وسعيدها، والجبر ثابت بهذا التفسير.

فلما كان لفظ الجبر مجملًا، نهي الأئمة الأعلام عن إطلاق إثباته أو نفيه.

وكذلك لفظ الرزق فيه إجمال، فقد يراد بلفظ الرزق ما أباحه أو ملكه، فلا يدخل الحرام في مسمي هذا الرزق، كما في قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة: 3]، وقوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ} [المنافقون: 10]، وقوله: {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا} [النحل: 75]، وأمثال ذلك. وقد يراد بالرزق ما ينتفع به الحيوان وإن لم يكن هناك إباحة ولا تمليك، فيدخل فيه الحرام، كما في قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا على الله رِزْقُهَا} [هود: 6]، وقوله عليه السلام في الصحيح: «فيكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد».

ولما كان لفظ الجبر والرزق ونحوهما فيها إجمال، منع الأئمة من إطلاق ذلك نفيًا أو إثباتًا كما تقدم عن الأوزاعي وأبي إسحاق الفَزَاريّ وغيرهما من الأئمة.

وكذا لفظ التأثير فيه إجمال، فإن القدرة مع مقدورها كالسبب مع المسبب، والعلة مع المعلول، والشرط مع المشروط، فإن أريد بالقدرة القدرة الشرعية المصححة للفعل المتقدمة عليه، فتلك شرط للفعل وسبب من أسبابه، وعلة ناقصة له، وإن أريد بالقدرة القدرة المقارنة للفعل المستلزمة له، فتلك علة للفعل وسبب تام، ومعلوم أنه ليس في المخلوقات شيء هو وحده علة تامة وسبب تام للحوادث بمعني أن وجوده مستلزم لوجود الحوادث، بل ليس هذا إلا مشيئة الله تعالى خاصة، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الأربعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:  وجود الشروط وانتفاء الموانع

وأما الأسباب المخلوقة كالنار في الإحراق، والشمس في الإشراق، والطعام والشراب في الإشباع والإرواء ونحو ذلك، فجميع هذه الأمور سبب لا يكون الحادث به وحده، بل لابد من أن ينضم إليه سبب آخر، ومع هذا فلهما موانع تمنعهما عن الأثر، فكل سبب فهو موقوف على وجود الشروط وانتفاء الموانع،

 وليس في المخلوقات واحد يصدر عنه وحده شيء.

وهذا مما يبين لك خطأ المتفلسفة الذين قالوا: الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، واعتبروا ذلك بالآثار الطبيعية كالمسخن والمبرد ونحو ذلك، فإن هذا غلط، فإن التسخين لا يكون إلا بشيئين: أحدهما: فاعل؛ كالنار. والثاني: قابل؛ كالجسم القابل للسخونة والاحتراق، وإلا فالنار إذا وقعت على السمندل والياقوت لم تحرقه، وكذلك الشمس، فإن شعاعها مشروط بالجسم المقابل للشمس الذي ينعكس عليه الشعاع، وله موانع من السحاب والسقوف وغير ذلك، فهذا 

الواحد الذي قدروه في أنفسهم لا وجود له في الخارج، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.

فإن الواحد العقلي الذي يثبته الفلاسفة، كالوجود المجرد عن الصفات، وكالعقول المجردة، وكالكليات التي يدعون تركب الأنواع منها، وكالمادة والصورة العقليين، وأمثال ذلك لا وجود لها في الخارج، بل إنما توجد في الأذهان لا في الأعيان، وهي أشد بعدًا عن الوجود من الجوهر الفرد الذي يثبته من يثبته من أهل الكلام، فإن هذا الواحد لا حقيقة له في الخارج، وكذلك الجوهر كما قد بسط في موضعه.

والمقصود هنا: أن التأثير إذا فسر بوجود شرط الحادث أو سبب يتوقف حدوث الحادث به على سبب آخر وانتفاء موانع وكل ذلك بخلق الله تعالى فهذا حق، وتأثير قدرة العبد في مقدورها ثابت بهذا الاعتبار، وإن فسر التأثير بأن المؤثر مستقل بالأثر من غير مشارك معاون، ولا معاوق مانع، فليس شيء من المخلوقات مؤثرًا، بل الله وحده خالق كل شيء لا شريك له ولا ند له، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن {مَا يَفْتَحْ الله لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [ فاطر: 2]، {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ الله لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ. وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22، 23]، {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله إِنْ أَرَادَنِي الله بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي الله عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: 38]، ونظائر هذا في القرآن كثيرة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والأربعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: الإجمال والاشتراك في القدر 

فإذا عرف ما في لفظ التأثير من الإجمال والاشتراك، ارتفعت الشبهة وعرف العدل المتوسط بين الطائفتين، فمن قال: إن المؤمن والكافر سواء فيما أنعم الله عليهما من الأسباب المقتضية للإيمان، وإن المؤمن لم يخصه الله بقدرة ولا إرادة آمن بها، وأن العبد إذا فعل لم تحدث له معونة من الله وإرادة لم تكن قبل الفعل، فقوله معلوم الفساد، وقيل لهؤلاء: فعل العبد من جملة الحوادث والممكنات، فكل ما به يعلم أن الله تعالى أحدث غيره يعلم به أن الله أحدثه، فكون العبد فاعلًا بعد أن لم يكن أمر ممكن حادث، فإن أمكن صدور هذا الممكن الحادث بدون محدث واجب يحدثه ويرجح وجوده على عدمه أمكن ذلك في غيره، فانتقض دليل إثبات الصانع.

ولا ريب أن كثيرًا من متكلمة الإثبات القائلين بالقدر، سلموا للمعتزلة أن القادر المختار يمكنه ترجيح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح، وقالوا في مسألة إحداث العالم: إن القادر المختار أو الإرادة القديمة التي نسبتها إلى جميع الحوادث والأزمنة نسبة واحدة رجحت أنواعًا من الممكنات في الوقت الذي رجحته بلا حدوث سبب اقتضي الرجحان، وادعوا أن القادر المختار يمكنه الترجيح بلا مرجح، أو الإرادة القديمة ترجح بلا مرجح آخر، فاعترض عليهم هناك من نازعهم من أهل الملل والفلاسفة القائلين بأن الله يحدث الحوادث بأفعال تقوم بنفسه، وأن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام. والقائلين بقدم العالم قالوا: هذا الذي قلتموه معلوم الفساد بالضرورة، وتجويز هذا يقتضي حدوث الحوادث بلا سبب، والترجيح بلا مرجح، وذلك يسد باب إثبات الصانع.

ثم إن هؤلاء المثبتين للقدر احتجوا بهذه الحجة على نفاة القدر، وقالوا: حدوث فعل العبد بعد أن لم يكن لابد له من محدث مرجح تام غير العبد، فإن ما كان من العبد فهو محدث أيضا، وعند وجود ذلك المحدث المرجح التام يجب وجود فعل العبد، وهذا الذي قالوه حق وهو حجة قاطعة على القدرية والمعتزلة، لكنهم نقضوه وتناقضوا فيه في فعل الرب تبارك وتعالي، وادعوا هناك أن البديهة فرقت بين فعل القادر وبين الموجب بالذات، فإن كان هذا الفرق صحيحًا، بطلت حجتهم على المعتزلة ولم يبطل قول القدرية، وإن كان باطلًا، بطل قولهم في إحداث الله وفعله للعالم، وهذا هو الباطل في نفس الأمر، فإن القول بأن الممكن لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح تام أمر معلوم بالفطرة الضرورية لا يمكن القدح فيه، وهو عام لا تخصيص فيه، فالفرق المذكور باطل، وذلك يبطل قولهم بأن خلق العالم هو العالم، وأنه حدث بعد أن لم يكن بغير سبب حادث.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والأربعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: خلق الله الأسباب والحكم والعلل

ومن قال: إن قدرة العبد وغيرها من الأسباب التي خلق الله تعالى بها المخلوقات ليست أسبابًا، أو أن وجودها كعدمها، وليس هناك إلا مجرد اقتران عادي 

كاقتران الدليل بالمدلول؛ فقد جحد ما في خلق الله وشرعه من الأسباب والحكم والعلل، ولم يجعل في العين قوة تمتاز بها عن الخد تبصر بها، ولا في القلب 

قوة يمتاز بها عن الرجل يعقل بها، ولا في النار قوة تمتاز بها عن التراب تحرق بها، وهؤلاء ينكرون ما في الأجسام المطبوعة من الطبائع والغرائز.

قال بعض الفضلاء: تكلم قوم من الناس في إبطال الأسباب والقوي والطبائع فأضحكوا العقلاء على عقولهم.

ثم إن هؤلاء يقولون: لا ينبغي للإنسان أن يقول: إنه شبع بالخبز، وروي بالماء، يقول: شبعت عنده ورويت عنده؛ فإن الله يخلق الشبع والري ونحو ذلك من الحوادث عند هذه المقترنات بها عادة، لا بها، وهذا خلاف الكتاب والسنة فإن الله تعالى يقول: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حتى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} الآية [الأعراف: 57]، وقال تعالي: {وَمَا أَنزَلَ الله مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} [البقرة: 164]، وقال تعالي: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ الله بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة: 14]، وقال: {قُلْ هَلْ تَربَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَي الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ الله بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة: 52]، وقال: {وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ق: 9]، وقال تعالي: {وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 99]، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} [فاطر: 27]، وقال تعالي: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ. يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [النحل: 10، 11]، وقال تعالي: {إِنَّ الله لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا}إلي قوله: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [البقرة: 26]، وقال: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ الله مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة: 15، 16] ومثل هذا في القرآن كثير، وكذلك في الحديث عن النبي ﷺ كقوله: «لا يموتن أحد منكم، إلا آذنتموني به حتى أصلي عليه، فإن الله جاعل بصلاتي عليه بركة ورحمة»، وقال ﷺ: «إن هذه القبور مملوءة على أهلها ظلمة وإن الله جاعل بصلاتي عليهم نورًا»، ومثل هذا كثير.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والأربعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:  

الله خلق الأسباب والمسببات (اعملوا فكل ميسر لماخلق له )

ونظير هؤلاء، الذين أبطلوا الأسباب المقدرة في خلق الله، من أبطل الأسباب 

المشروعة في أمر الله، كالذين يظنون أن ما يحصل بالدعاء والأعمال الصالحة 

وغير ذلك من الخيرات، إن كان مقدرًا حصل بدون ذلك، وإن لم يكن مقدرًا لم يحصل بذلك، وهؤلاء كالذين قالوا للنبي ﷺ: أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ فقال: «لا، اعملوا فكل ميسر لماخلق له ».

وفي السنن أنه قيل: يارسول الله، أرأيت أدوية نتداوي بها، ورقي نسترقي بها، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئًا؟ فقال: «هي من قدر الله»؛ ولهذا 

قال من قال من العلماء: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو 

الأسباب أن تكون أسبابًا تغيير في وجه العقل، والإعراض عن الأسباب 

بالكلية قدح في الشرع.

والله سبحانه خلق الأسباب والمسببات، وجعل هذا سببًا لهذا، فإذا قال القائل: إن كان هذا مقدرًا حصل بدون السبب وإلا لم يحصل، جوابه أنه مقدر بالسبب وليس مقدرًا بدون السبب، كما قال النبي ﷺ: «إن الله خلق للجنة أهلا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم»، وقال ﷺ: «اعملوا فكل ميسر لماخلق له أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة».

وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق: « إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات: فيقال: اكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح»، قال: «فوالذي نفسي بيده، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها».

فبين ﷺ أن هذا يدخل الجنة بالعمل الذي يعمله ويختم له به، وهذا يدخل النار بالعمل الذي يعمله ويختم له به، كما قال ﷺ: «إنما الأعمال بالخواتيم»؛ وذلك لأن جميع الحسنات تحبط بالردة، وجميع السيئات تغفر بالتوبة، ونظير ذلك من صام ثم أفطر قبل الغروب، أو صلى وأحدث عمدًا قبل كمال الصلاة بطل عمله.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والأربعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: الإيمان بخلق الله وأمره بقدره وشرعه بحكمه الكوني وحكمه الديني وإرادته الكونية والدينية 

وبالجملة، فالذي عليه سلف الأمة وأئمتها ما بعث الله به رسله وأنزل كتبه، فيؤمنون بخلق الله وأمره بقدره وشرعه بحكمه الكوني وحكمه الديني وإرادته الكونية والدينية، كما قال في الآية الأولي: {فَمَنْ يُرِدْ الله أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125]، وقال نوح عليه السلام: {وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ الله يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [ [هود: 34]، وقال تعالى في الإرادة الدينية: {يُرِيدُ الله بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} [[البقرة: 185]، وقال: {يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النساء: 26]، وقال: {مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 6]

وهم مع إقرارهم بأن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، وأنه خلق الأشياء بقدرته ومشيئته، يقرون بأنه لا إله إلا هو، لا يستحق العبادة غيره، ويطيعونه ويطيعون رسله، ويحبونه ويرجونه ويخشونه، ويتكلون عليه، وينيبون إليه، ويوالون أولياءه، ويعادون أعداءه، ويقرون بمحبته لما أمر به ولعباده المؤمنين ورضاه بذلك، وبغضه لما نهي عنه، وللكافرين وسخطه لذلك ومقته له، ويقرون بما استفاض عن النبي ﷺ من: « أن الله أشد فرحًا بتوبة عبده التائب من رجل أضل راحلته بأرض دوية مهلكة، عليها طعامه وشرابه، فطلبها فلم يجدها، فقال تحت شجرة، فلما استيقظ إذا بدابته عليها طعامه وشرابه، فالله أشد فرحًا بتوبة عبده من هذا براحلته».

فهو إلههم الذي يعبدونه وربهم الذي يسألونه كما قال تعالي: {الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ} إلى قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 2-5]، فهو المعبود المستعان، والعبادة تجمع كمال الحب مع كمال الذل، فهم يحبونه أعظم مما يحب كل محب محبوبه كما قال تعالي: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ الله أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لله} [البقرة: 165]، وكل ما يحبونه سواه، فإنما يحبونه لأجله، كما في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقي في النار»، وفي الترمذي وغيره: « أوثق عُرَى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، ومن أحب لله وأبغض لله وأعطي لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان».

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والأربعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:

الله يحب عباده المؤمنين بل اتخذ إبراهيم ومحمدا خليلا

وهو سبحانه يحب عباده المؤمنين، وكمال الحب هو الخلة التي جعلها الله 

لإبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم، فإن الله اتخذ إبراهيم خليلًا، واستفاض عن النبي ﷺ في الصحيح من غير وجه أنه قال: «إن الله اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا»، وقال: «لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن صاحبكم خليل الله»، يعني نفسه؛ ولهذا اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة وأهل المعرفة أن الله نفسه يُحِبُّ وَيُحَبُّ.

وأنكرت الجهمية ومن اتبعهم محبته، وأول من أنكر ذلك الجَعْد بن درهم شيخ الجهم بن صفوان فضحي به خالد بن عبد الله القسري بواسط وقال: أيها الناس، ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مُضَحّ بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسي تكليمًا، تعالى الله عما يقول الجعد علوًا كبيرًا. ثم نزل فذبحه.

وهذا أصل ملة إبراهيم الذي جعله الله إمامًا للناس؛ قال تعالي: {وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124]، وقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125] ومن قال: إن المراد بمحبة الله محبة التقرب إليه، فقوله متناقض؛ فإن محبة التقرب إليه تبع لمحبته، فمن أحب الله نفسه، أحب التقرب إليه، ومن كان لا يحبه نفسه، امتنع أن يحب التقرب إليه، وأما من كان لا يطيعه ولا يمتثل أمره إلا لأجل غرض آخر، فهو في الحقيقة إنما يحب ذلك الغرض الذي عمل لأجله، وقد جعل طاعة الله وسيلة إليه، وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: « إذا دخل أهل الجنة الجنة نادي مناد: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكموه فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا؟ ويثقل موازيننا؟ ويدخلنا الجنة؟ ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئًا أحب إليهم من النظر إليه، وهو الزيادة».

فأخبر أن النظر إليه أحب إليهم من كل ما يتنعمون به، ومحبة النظر إليه تبع لمحبته، فإنما أحبوا النظر إليه لمحبتهم إياه، وما من مؤمن إلا ويجد في قلبه محبة الله، وطمأنينة بذكره وتنعمًا بمعرفته، ولذة وسرورًا بذكره ومناجاته، وذلك يقوي ويضعف، ويزيد وينقص بحسب إيمان الخلق، فكل من كان إيمانه أكمل كان تنعمه بهذا أكمل؛ ولهذا قال ﷺ في الحديث الذي رواه أحمد وغيره: « حبب إلى من دنياكم النساء والطيب ثم قال وجعلت قرة عيني في الصلاة»، وكان 

ﷺ يقول: «أرحنا بالصلاة يا بلال». وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والأربعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:  عبادالله يحبونه وهو يحبهم

والمقصود هنا أن عباده المؤمنين يحبونه وهو يحبهم سبحانه وتعالى وحبهم له بحسب فعلهم لما يحبه، كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: «يقول الله تعالي: من عادي لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلى عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته؛ كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه». فقد بين: أن العبد إذا تقرب إلى الله بما يحبه من النوافل بعد الفرائض أحبه الله، فحب الله لعبده بحسب فعل العبد لما يحبه الله، وما يحبه الله من عبادته وطاعته فهو تبع لحب نفسه، وحب ذلك هو سبب حب عباده المؤمنين، فكان حبه للمؤمنين تبعًا لحب نفسه.

فالمؤمنون وإن كانوا يحمدون ربهم ويثنون عليه، فهم لا يحصون ثناءً عليه، بل هو كما أثني على نفسه، كما في الحديث الصحيح عنه ﷺ أنه كان يقول: « اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»، وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: «لا أحد أحب إليه المدح من الله، من أجل ذلك مدح نفسه». وقال له الأسود بن سَرِيع: إني حمدت ربي بمحامد فقال: «إن ربك يحب الحمد»، فهو يحب حمد العباد له وحمده لنفسه أعظم من حمد العباد له، ويحب ثناءهم عليه، وثناؤه على نفسه أعظم من ثنائهم عليه، وكذلك حبه لنفسه وتعظيمه لنفسه، فهو سبحانه أعلم بنفسه من كل أحد، وهو الموصوف بصفات الكمال التي لا تبلغها عقول الخلائق، فالعظمة إزاره والكبرياء رداؤه. وفي الصحيح عن النبي ﷺ أنه قرأ على المنبر: {وَمَا قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ}  [الزمر: 67]، قال: «يقبض الله الأرض، ويطوي السموات بيمينه ثم يهزهن، ثم يقول: أنا الملك، أنا القدوس، أنا السلام، أنا المؤمن، أنا المهيمن، أنا الذي بدأت الدنيا ولم تك شيئًا، أنا الذي أعيدها»، وفي رواية: «يمجد الرب نفسه سبحانه»، فهو يحمد نفسه ويثني عليها، ويمجد نفسه سبحانه وتعالي، وهو الغني بنفسه لا يحتاج إلى أحد غيره، بل كل ما سواه فقير إليه {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]، وهو الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.

فإذا فرح بتوبة التائب وأحب من تقرب إليه بالنوافل ورضي عن السابقين الأولين ونحو ذلك، لم يجز أن يقال: هو مفتقر في ذلك إلى غيره ولا مستكمل بسواه، فإنه هو الذي خلق هؤلاء وهو الذي هداهم وأعانهم حتى فعلوا ما يحبه ويرضاه ويفرح به.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والأربعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:

فهذه المحبوبات لم تحصل إلا بقدرته ومشيئته وخلقه

، فله الملك لا شريك له، وله الحمد في الأولي والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون.

فهذا ونحوه يحتج به الجمهور الذين يثبتون لأفعاله حكمة تتعلق به يحبها ويرضاها ويفعل لأجلها.

قالوا: وقول القائل: إن هذا يقتضي أنه مستكمل بغيره، فيكون ناقصًا قبل ذلك،

 عنه أجوبة:

أحدها: أن هذا منقوض بنفس ما يفعله من المفعولات، فما كان جوابًا في المفعولات كان جوابًا عن هذا، ونحن لا نعقل في الشاهد فاعلًا إلا مستكملًا بفعله.

الثاني: أنهم قالوا: كماله أن يكون لا يزال قادرًا على الفعل بحكمة، فلو قدر كونه غير قادر على ذلك لكان ناقصًا.

الثالث: قول القائل: إنه مستكمل بغيره باطل، فإن ذلك إنما حصل بقدرته ومشيئته لا شريك له في ذلك. فلم يكن في ذلك محتاجًا إلى غيره  

وإذا قيل: كمل بفعله الذي لا يحتاج فيه إلى غيره، كان كما لو قيل: كمل بصفاته أو كمل بذاته.

الرابع: قول القائل: كان قبل ذلك ناقصًا إن أراد به عدم ما تجدد فلا نسلم أن عدمه قبل الوقت الذي اقتضت الحكمة وجوده فيه يكون نقصًا، وإن أراد 

بكونه ناقصًا معنى غير ذلك فهو ممنوع، بل يقال: عدم الشيء في الوقت الذي لم تقتض الحكمة وجوده فيه من الكمال، كما أن وجوده في وقت اقتضاء الحكمة وجوده فيه كمال، فليس عدم كل شيء نقصًا، بل عدم ما يصلح وجوده هو النقص، كما أن وجود ما لا يصلح وجوده نقص فتبين أن وجود هذه الأمور حين اقتضت الحكمة عدمها هو النقص، لا أن عدمها هو النقص؛ ولهذا كان الرب تعالى موصوفًا بالصفات الثبوتية المتضمنة لكماله، وموصوفًا بالصفات السلبية المستلزمة لكماله أيضا، فكان عدم ما ينفي عنه هو من الكمال كما أن وجود ما يستحق ثبوته من الكمال، وإذا عقل مثل هذا في الصفات، فكذلك في الأفعال ونحوها، وليس كل زيادة يقدرها الذهن من الكمال، بل كثير من الزيادات تكون نقصًا في كمال المزيد، كما يعقل مثل ذلك في كثير من الموجودات، والإنسان قد يكون وجود أشياء في حقه في وقت نقصًا وعيبًا، وفي وقت آخر

 كمالا ومدحًا في حقه، كما يكون في وقت مضرة له وفي وقت منفعة له.

الخامس: أنا إذا قدرنا من يقدر على إحداث الحوادث لحكمة، ومن لا يقدر على ذلك كان معلومًا ببديهة العقل. أن القادر على ذلك أكمل، مع أن الحوادث لا يمكن وجودها إلا حوادث لا تكون قديمة، وإذا كانت القدرة على ذلك أكمل، وهذا المقدور لا يكون إلا حادثًا كان وجوده هو الكمال، وعدمه قبل ذلك من تمام الكمال، إذ عدم الممتنع الذي هو شرط في وجود الكمال من الكمال.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والأربعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: بين القديم والحوادث

ثم هم هنا ثلاث فرق: فرقة تقول: إرادته وحبه ورضاه ونحو هذا قديم، ولم يزل

 راضيًا عمن علم أنه يموت مؤمنا، ولم يزل ساخطًا على من علم أنه يموت كافرًا، كما يقول ذلك من يقوله من الكلاَّبيَّةِ وأهل الحديث والفقهاء والصوفية، فهؤلاء لا يلزمهم التسلسل لأجل حلول الحوادث؛ لكن يعارضهم الأكثرون الذي ينازعونهم في الحكمة المحبوبة، كما ينازعونهم في الإرادة، فإنهم قالوا لهم: إذا كانت الإرادة قديمة لم تزل ونسبتها إلى جميع الأزمنة والحوادث سواء، فاختصاص زمان دون زمان بالحدوث ومفعول دون مفعول، تخصيص بلا مخصص.

قال أولئك: الإرادة من شأنها أن تخصص، قال لهم المعارضون: من شأنها جنس التخصيص، وأما تخصيص هذا المعين على هذا المعين فليس من لوازم 

الإرادة، بل لابد من سبب يوجب اختصاص أحدهما بالإرادة دون الآخر. والإنسان يجد من نفسه أنه يخصص بإرادته، ولكنه يعلم أنه لا يريد هذا دون هذا إلا لسبب اقتضى التخصيص، وإلا فلو تساوى ما يمكن إرادته من جميع الوجوه، امتنع تخصيص الإرادة لواحد من ذلك دون أمثاله، فإن هذا ترجيح بلا مرجح، ومتى جوز هذا انسد باب إثبات الصانع، قالوا: ومن تدبر هذا وأمعن النظر فيه علمه حقيقة، وإنما ينازع فيه من يقلد قولا قاله غيره من غير اعتبار لحقيقته.

وهكذا يقول لهم الجمهور: إذا كان الله تعالى راضيًا في أزله ومحبًا وفرحًا بما يحدثه قبل أن يحدثه، فإذا أحدثه هل حصل بإحداثه حكمة يحبها ويرضاها ويفرح بها أو لم يحصل إلا ما كان في الأزل؟ فإن قلتم: لم يحصل إلا ما كان في الأزل، قيل ذاك كان حاصلا بدون ما أحدثه من المفعولات، فامتنع أن تكون المفعولات فعلت لكي يحصل ذاك، فقولكم كما تضمن أن المفعولات تحدث بلا سبب يحدثه الله تعالى يتضمن أنه يفعلها بلا حكمة يحبها ويرضاها، قالوا: فقولكم يتضمن نفي إرادته المقارنة ومحبته وحكمته التي لا يحصل الفعل إلا بها.

والفرقة الثانية قالوا: إن الحكمة المتعلقة به تحصل بمشيئته وقدرته كما يحصل الفعل بمشيئته وقدرته. قالوا: وإن قام ذلك بذاته، فهو كقيام سائر ما أخبر به من صفاته وأفعاله بذاته. والمعتزلة تنفي قيام الصفات والأفعال به وتسمي الصفات أعراضًا والأفعال حوادث، ويقولون: لا تقوم به الأعراض ولا الحوادث، فيتوهم من لم يعرف حقيقة قولهم أنهم ينزهون الله تعالى عن النقائص والعيوب والآفات، ولا ريب أن الله يجب تنزيهه عن كل عيب ونقص وآفة، فإنه القدوس السلام الصمد السيد الكامل في كل نعت من نعوت الكمال كمالا يدرك الخلق حقيقته، منزه عن كل نقص تنزيهًا لا يدرك الخلق كماله، وكل كمال ثبت لموجود من غير استلزام نقص، فالخالق تعالى أحق به وأكمل فيه منه، وكل نقص ينزه عنه مخلوق فالخالق أحق بتنزيهه عنه وأولى ببراءته منه.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والأربعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: الله  الذي قد كمل في سُؤْدَده

روينا من طريق غير واحد كعثمان بن سعيد الدارمي، وأبي جعفر الطبري، وأبي بكر البيهقي وغيرهم في تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {الصَّمَد} قال: السيد الذي قد كمل في سُؤْدَده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحليم الذي قد كمل في حلمه، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله عز وجل، هذه صفة لا تنبغي إلا له، ليس له كفؤ، وليس كمثله شيء، سبحانه الواحد القهار.

وهذا التفسير ثابت عن عبد الله بن أبي صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة الوالبي، لكن يقال: إنه لم يسمع التفسير من ابن عباس، ولكن مثل هذا الكلام ثابت عن السلف، وروى عن سعيد بن جبير أنه قال: الصمد: الكامل في صفاته وأفعاله. وثبت عن أبي وائل شَقِيق بن سلمة أنه قال: الصمد: السيد الذي انتهى سؤدده.

وهذه الأقوال وما أشبهها لا تنافي ما قاله كثير من السلف، كسعيد بن المسيب وسعيد ابن جُبَيْر ومجاهد والحسن والسُّدِّي والضحاك وغيرهم، من أن الصمد هو الذي لا جوف له، وهذا منقول عن ابن مسعود وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه موقوفًا أو مرفوعًا، فإن كلا القولين حق كما بسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع.

ولفظ الأعراض في اللغة، قد يفهم منه ما يعرض للإنسان من الأمراض ونحوها، وكذلك لفظ الحوادث والمحدثات، قد يفهم ما يحدثه الإنسان من الأفعال المذمومة والبدع التي ليست مشروعة، أو ما يحدث للإنسان من الأمراض ونحو ذلك، والله سبحانه وتعالى يجب تنزيهه عما هو فوق ذلك مما فيه نوع نقص فكيف تنزيهه عن هذه الأمور؟ ولكن لم يكن مقصود المعتزلة بقولهم: هو منزه عن الأعراض والحوادث إلا نفي صفاته وأفعاله، فعندهم لا يقوم به علم ولا قدرة ولا مشيئة ولا رحمة ولا حب ولا رضى ولا فرح ولا خلق ولا إحسان ولا عدل ولا إتيان ولا مجىء ولا نزول ولا استواء ولا غير ذلك من صفاته وأفعاله.

وجماهير المسلمين يخالفونهم في ذلك، ومن الطوائف من ينازعهم في الصفات دون الأفعال، ومنهم من ينازعهم في بعض الصفات دون بعض، ومن الناس من ينازعهم في الفعل القديم ويقول: إن فعله قديم وإن كان المفعول محدثًا، كما يقول في نظير ذلك من يقوله في الإرادة، وبسط هذه الأقوال وذكر قائليها وأدلتهم مذكور في غير هذا الموضع.                                                                                                                                                                 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والأربعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: القول الفصل في التسلسل

وهذا الفريق الثاني إذا قال لهم الناس: إذا أثبتم حكمة حدثت بعد أن لم تكن، لزمكم التسلسل، قالوا: القول في حدوث هذه الحكمة كالقول في حدوث سائر ما أحدثه من المفعولات، ونحن نخاطب من يسلم لنا أنه أحدث المحدثات بعد أن لم تكن، فإذا قلنا: إنه أحدثها بحكمة حادثة، لم يكن له أن يقول هذا يستلزم التسلسل، بل نقول له: القول في حدوث الحكمة كالقول في حدوث المفعول المستعقب للحكمة، فما كان جوابك عن هذا كان جوابنا عن هذا.

فلما خصم الفريق الثاني الفريق الأول قال لهم الفريق الثالث من أئمة الحديث والفقهاء والصوفية وأهل الكلام: هذه حجة جدلية إلزاميةو ولم تشفوا الغليل بهذا الجواب، وليس معكم من الأدلة الشرعية ولا العقلية ما ينفي هذا التسلسل، بل التسلسل نوعان، والدور نوعان:

أحدهما: التسلسل في العلل والمعلولات، فهذا ممتنع وفاقًا.

والثاني: التسلسل في الشروط والآثار، فهذا في جوازه قولان معروفان للمسلمين وغيرهم. وطوائف من أهل الكلام والحديث والفلسفة يجوزون هذا، ومن هؤلاء السلف والأئمة الذين يقولون: لم يزل الله متكلمًا إذا شاء، وأنه لم يزل يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها.

وبين هؤلاء أن ما استدل به منازعوهم على نفي التسلسل في الآثار وامتناع وجود ما لا يتناهي في الماضي أدلة ضعيفة، كدليل المطابقة بين الجملتين مع زيادة إحداهما، وكدليل الشفع والوتر ونحو ذلك من الأدلة التي بين هؤلاء فسادها ونقضوها عليهم بالحوادث في المستقبل، وبعقود الأعداد، وبمعلومات الله مع مقدوراته وغير ذلك مما قد بسط في موضعه.

والدور نوعان: فالدور القبلي السبقي ممتنع: وهو ألا يوجد هذا إلا بعد هذا ولا يوجد هذا إلا بعد هذا وهذا دور العلل، وأما الدور المعي الاقتراني: وهو أنه لا يكون هذا إلا مع هذا ولا يكون هذا إلا مع هذا، فهذا هو الدور في الشروط وما أشبهها من المتضايفات والمتلازمات، ومثل هذا جائز.

فهذه مجامع أجوبة الناس عن هذا السؤال. وهي عدة أقوال: الأول: قول من لا يعلل لا أفعاله ولا أحكامه. والثاني: قول من يعلل ذلك بأمور مباينة له منفصلة عنه من جملة مفعولاته. والثالث: قول من يعلل ذلك بأمور قائمة به قديمة. والرابع: قول من يعلل ذلك بأمور قائمة به متعلقة بقدرته ومشيئته، لكن يقول:

 جنسها حادث. 

والخامس: قول من يعلل ذلك بأمور متعلقة بمشيئته وقدرته. فإن كان الفعل المقتضى للحكمة حادث النوع، كانت الحكمة كذلك، وإن قدر أنه قام به كلام أو فعل متعلق بمشيئته وأنه لم يزل كذلك، كانت الحكمة كذلك، فيكون النوع قديمًا وإن كانت آحاده حادثة. ويمكن الجواب عن السؤال بتقسيم حاصر، بأن يقال: لا ريب أن الله عز وجل يحدث مفعولات لم تكن، فأما أن تكون الأفعال المحدثة يجب أن يكون لها ابتداء ويجوز أن تكون غير متناهية في الابتداء كما هي غير متناهية في الانتهاء، فإن وجب أن يكون لها ابتداء، أمكن حدوث الحوادث بدون تسلسلها، فإذا قال القائل: لو فعل لعلة محدثة لكان القول في حدوث تلك العلة كالقول في حدوث معلولها ويلزم التسلسل، كان جوابه على هذا التقدير: أن الحوادث يجب أن يكون لها ابتداء، وإذا فعل الفعل لحكمة محدثة كان الفعل وحكمته محدثين، ولا يجب أن يكون للعلة المحدثة علة محدثة، إلا إذا جاز ألا يكون للحوادث ابتداء، فأما إذا جاز أن يكون لها ابتداء بطل هذا السؤال، فكيف إذا وجب أن يكون لها ابتداء؟

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والأربعون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:    القول الفصل في التسلسل

    وإن قيل: يجوز أن تكون الحوادث غير متناهية في الابتداء، كما أنها غير متناهية في الانتهاء عند المسلمين وسائر أهل الملل وجمهور الخلق، ولم ينازع في ذلك إلا بعض أهل البدع الذين يقولون بفناء الجنة والنار كما يقوله الجهم بن صفوان، أو بفناء حركات أهل الجنة، كما يقوله أبو الهذيل، فإن هذين أوجبا أن يكون لجنس الحوادث انتهاء كما يجب أن يكون لها عندهم ابتداء، وأكثر الذين وافقوهم على وجوب الابتداء خالفوهم في الانتهاء وقالوا: لها ابتداء وليس لها انتهاء. والطائفة الثالثة قالت: ليس لها ابتداء ولا انتهاء. والأقوال الثلاثة معروفة في طوائف المسلمين.

والمقصود هنا: أن الجواب يحصل على التقديرين، فمن جوز ألا يكون لها نهاية في الابتداء جوز تسلسل الحوادث، وقال: هذا تسلسل في الآثار والشروط، لا تسلسل في العلل والمؤثرات، والممتنع إنما هو الثاني دون الأول، وقال: إنه لا يقوم دليل على امتناع الثاني كما يقول ذلك طوائف من متقدمي أهل الكلام ومتأخريهم، ومتقدمي أهل الحديث ومتأخريهم، ومن أوجب أن يكون لها ابتداء،

 قال في حدوث العلة ما يقوله في حدوث المفعول؛ إذ لا فرق بينهما في هذا المعنى.

ومن الأجوبة الحاصرة أن يقال: خلق الله إما أن يجوز تعليله أو لا، فإن لم يجز تعليله، كان هذا هو التقرير الأول. وعلى هذا التقدير فلا يسمى هذا عبثًا، وإذا سماه المسمى عبثًا؛ لم تكن تسميته عبثًا قدحًا فيما تحقق، فإنا نتكلم على تقدير امتناع التعليل، وإذا كان التعليل ممتنعًا وجب القول به، ولو سماه المسمى بأي شيء سماه، وإن جاز تعليله فلا يخلو إما أن يجوز تعليله بعلة حادثة وإما ألا يجوز، فإن قيل: لا يجوز ذلك، لزم كون العلة قديمة وامتنع على هذا التقدير قدم المعلول ؛ فإنا نتكلم على تقدير جواز تعليل المفعول الحادث بعلة  قديمة ،

 وإن قيل: يجوز تعليله بعلة حادثة أمكن القول بذلك.

ثم إما أن يقال: يجوز تعليل الحوادث بعلة متناهية للفاعل لئلا يلزم أن يقوم به شيء حادث يجب أن يقوم به لحكمة، وإن كانت مقدورة مرادة له. فإن قيل بالأول لزم كون العلة الحادثة منفصلة عنه، ولزم على هذا كون الفاعل يحدث الحوادث بعد أن لم تكن لعلة حادثة بغيره من غير حدوث سبب يوجب أول الحوادث، ولا قيام حادث بالمحدث. وإن قيل: بل لا يجوز أن يحدث الحوادث لغير معنى يعود إليه، بل يجب أن يقوم به ما هو السبب والحكمة في حدوث الحوادث فإنه يجب القول بذلك.

ثم إما أن يقال: هذا يستلزم التسلسل أو لا يستلزمه، فإن قيل: لا يستلزمه لم يكن التسلسل لازمًا فاندفع المحذور، وإن قيل: إن التسلسل لازم لم يكن التسلسل على هذا التقدير محذورًا؛ لأن التقدير أنه يجوز تعليل أفعاله بعلة حادثة، وإن ذلك يستلزم التسلسل.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخمسون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

   القول الفصل في التسلسل

ومن المعلوم أن الأمر الجائز لا يستلزم ممتنعًا، فإنه لو استلزم ممتنعًا لكان ممتنعًا بغيره، وإن كان جائزًا بنفسه، والتقدير أنه جائز جوازًا مطلقًا لا امتناع فيه، وما كان جائزًا جوازًا مطلقًا لا امتناع فيه لم يلزمه ما يمتنع ثبوته، فيكون التسلسل على هذا التقدير غير ممتنع.

فهذا جواب عن السؤال من غير التزام قول بعينه، بل نبين أنه ليس في نفس الأمر محذور، ولكن السؤال مبني على ست مقدمات: لزوم العبث، وأنه 

منتف، ولزوم قدم المفعول، وأنه منتف، ولزوم التسلسل، وأنه منتف.

فصاحب القول الأول يقول: لا أسلم أنه يلزم العبث، وصاحب القول الثاني يقول: لا أسلم أنه يلزم قدم المفعول، وصاحب القول الثالث يقول: لا أسلم أنه يلزم التسلسل، أو يقول: لا أسلم أن التسلسل في الآثار ممتنع، فهذه أربع ممانعات لابد منها. ويمتنع أن تكون كلها فاسدة، بل لابد من صحة واحد منها وأيها صح اندفع به السؤال وهو المقصود؛ وذلك لأن القسمة العقلية تحصر الأقسام فيما ذكر فمن توجه عنده أحد الأقسام قال به، ونحن قد بسطنا الكلام على أصول هذه المسألة ولوازمها وأقوال الناس فيها في غير هذا الموضع.

والمقصود هنا الذب عن مجموع المسلمين، فإن هذا السؤال مما أورده على الناس القائلون بقدم العالم، وقد ذكرنا عنه أجوبة متعددة فيما كتبناه في جواب شبهة القائلين بقدم العالم.

ومن جملة أجوبتهم أن يقال: هذا السؤال ليس مختصًا بحدوث العالم، بل هو وارد في كل ما يحدث في الوجود من الحوادث، والحدوث مشهود محسوس متفق عليه بين العقلاء، فكل ما يورده المورد على حدوث خلق السموات والأرض يورد عليه نظيره في الحوادث المشهودة. وقد نبهنا على جنس ما تحتج به كل طائفة من الطوائف في هذا المقام، لكن استقصاء الكلام في ذلك لا تسعه هذه الأوراق، ولا يحتمله هذا المقام.

ومن فهم ما كتب انفتح له الكلام في هذا الباب، وأمكنه أن يحصل تمام الكلام في جنس هذه المسائل، فإن الكلام فيها بالتدريج مقامًا بعد مقام هو الذي يحصل به المقصود، وإلا فإذا هجم على القلب الجزم بمقالات لم يحكم أدلتها وطرقها، والجواب عما يعارضها كان إلى دفعها والتكذيب بها أقرب منه إلى التصديق بها؛ فلهذا يجب أن يكون الخطاب في المسائل المشكلة بطريق ذكر دليل كل قول، ومعارضة الآخر له، حتى يتبين الحق بطريقه لمن يريد الله هدايته، ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، والله سبحانه أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

[الأنترنت – موقع مجموع الفتاوى/المجلد الثامن/ مسألة حسن إرادة الله تعالى لخلق الخلق وإنشاء الأنام ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخمسون في 

موضوع (الخالق) وهي بعنوان: *ثمرات الإيمان بهذا الاسم :

1. الله خالق كل شيء وكل ما سوى الله مخلوق .

2. أن الله لم يزل خالقا كيف شاء ومتى شاء (وربك يخلق مايشاء ويختار)بمعنى أن الله اتصف بالخلق قبل أن يخلقنا جميعا ،وليس بعد خلق الخلق استفاد صفة الخلق واسم الخالق .

3. خلق الله كل شيء من العدم ، وخلقه سبحانه عظيم محكم فلا يتهيأ لمخلوق أن يخلق مثله سبحانه ( هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه )لقمان11

ومن الطريف أن أحد الملحدين قال يوماً : أنا أخلق ! فقيل له : أرنا خلقك ؟

 فأخذ لحماً فشرحه  ، ثم جعله في إناء وأغلقه .. وبعد ثلاثة أيام فتح الإناء فإذا هو ملآن بالدود ، فقال : هذا خلقي !!.

فقال له بعض الحضور : أنت خلقت هذا ؟

فأجاب بزهو وغرور : نعم

قال فكم عدده ؟ فلم يجب ، فقال : كم منه ذكور وكم منه إناث ، وهل تقوم برزقه ؟ فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين  ، فقال له : الخالق الذي أحصى كل ما خلق عدداً ، وعرف الذكر من الأنثى ، ورزق ما خلق ، وعلم 

مدة بقاءه وعلم نفاذ عمره.

4. لكل خلق هدف وغاية فلا بد أن يدرك الإنسان الغاية من خلقه ، ويقصد خالقه وحده بالعبادة قال تعالى : ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) (الأنعام:102)

5. وحدة الخلق تدل على وحدانية الخالق : فلو فرضنا أن هناك آلهة غير الله أليس من العقلي أن يكون لها مخلوقات تختلف عن ما خلق الله كعباد البقر الهنود مثلا أوعبدة الأوثان …..(أروني ماذا خلقوا من الأرض )لكن علم الطب في العالم كله واحد لأن بنية الإنسان واحدة وإن اختلف دينه أو عرقه أو جنسه ، ومثل هذا يقال عن بقية الكائنات الطيور الوحوش البهائم …… وحدة خلقها تدل على وحدانية الخالق (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار )الرعد 16

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والخمسون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: 

معجزة خلق الإنسان.. “وفي أنفسكم أفلا تبصرون”

جاءت الأيات القراّنية لتتحدث عن معجزات الله في الكون من خلق السموات والأرض، والانسان والحيوان والنبات،الشمس والقمر والنجوم….الخ

وكان الانسان أعظم خلق الله الذي دل على قدرة الله سبحانه وتعالى,,وعظمة اعجازه في خلق الإنسان ؛ فالانسان مكون من روح ومادة فلا يوجد شيئ في الوجود ولا في الكون يضاهي خلق الإنسان قال تعالى : (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ )

لقد مر خلق الانسان بمراحل وتطورات معقدة جدا تدعو للتفكير والتدبر في

 خلق الله,, ومازال العلم يقف عاجزا عندها.

فالبداية كانت قطرة ماء وبويضة قال تعالى ( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[سورة آل عمران: 6

وقال أيضا ( يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ) الزمر وقال أيضا ( مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا )

إذا بداية الانسان قطرة ماء وبويضة فيتكون منها مادة وروحا يتم اللقاء بين 

الزوجين ، ثم يتم التلقيح فتصبح بويضة مخصبة، ثم تتجه البويضة المخصبة الى 

الرحم لتستقر به. قال عليه الصلاة والسلام : ( يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو بخمس وأربعين ) ولذلك قال تعالى : ( قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ) وقال تعالى : ( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىِ * من نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ) النجم 45 46

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والخمسون 

في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: *أما مراحل خلق الانسان

قطرة ماء  / البويضـة / تلقيح البويضة لتصبح نطفة / مرحلة الغيض / المضغة / الجنين ، وقد تحدثت الأية القرأنية التالية عن مراحل خلق الانسان قال تعالى :( ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ) نطفة ثم علقة ثم المضغة ثم العظام كساء اللحم للعظام ثم يصبح خلقا آخر

يقول سبحانة وتعالى:: ( اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ) مرحلة الغيض مفتاح من مفاتيح الغيب الذي لا يعلمه الا الله ومن المستحيل أن يتعرف الطب ومهما تقدم على صفات الجنين في 

هذه المرحلة بعد ذلك يصبح علقة والعلقة تكون محاطة بالماء وتمص الدماء

( ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) لا يسعني أن أقول إلا إن معجزة خلق الإنسان تذكر الناس دوما بعظمة الخالق وابداعه وبأن الله تعالى هو أحسن الخالقين . فيجب أن ينظر الانسان الى نفسه كيف خلق؟؟ ويتدبر ويتفكر في المراحل التي مرت بها خلقته .

وما أروع ماورد في كتاب الله في هذا الشأن قال تعالى : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ  ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ  ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ )السجدة  7،8،9.[الأنترنت - موقع الراشدون - شرح أسماء الله الحسنى – الخالق - ثمرات الإيمان بهذا الاسم  ]

* خلق العرش والكرسي من اعظم ما خلق الله

قال الله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون: 116].

وقال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)} [البقرة: 255].

وقال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5].

الله تبارك وتعالى هو الملك الذي يملك كل شيء، القوي الذي لا يعجزه شيء، الخالق الذي خلق كل شيء.

خلق العرش واستوى عليه، وأمر الملائكة بحمله، وتعبدهم بتعظيمه والطواف به.

وخلق البيت المعمور في السماء السابعة، وأمر الملائكة بالطواف به.

وخلق سبحانه البيت العتيق في الأرض، وأمر بني آدم بالطواف به، واستقباله في الصلاة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والخمسون 

في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

* خلق العرش والكرسي من اعظم ما خلق الله

وعرش الرحمن عزَّ وجلَّ سرير ذو قوائم .. تحمله الملائكة .. وهو كالقبة على العالم .. وهو سقف المخلوقات .. وأعظم المخلوقات .. وأعلى المخلوقات .. وأوسع المخلوقات .. وأكبر المخلوقات .. فالله سبحانه مجيد .. وعرشه مجيد.

والله جل جلاله مدح نفسه بأنه: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)} [البروج: 15].

وأنه: {رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون: 116].

وأنه: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)} [التوبة: 129].

فوصف سبحانه العرش بأنه مجيد، وكريم، وعظيم.

فهو عظيم لكونه أعظم المخلوقات وأكبرها وأعلاها وأوسطها.

وكريم لما له من منزلة تميز بها عما سواه من المخلوقات.

ومجيد عال مرتفع على جميع المخلوقات والكائنات.

وبذلك صار بهذه الصفات لائقاً بجلال الله وعظمته وكبريائه.

وخصه الله جل جلاله من بين سائر المخلوقات بالاستواء عليه.

وعرش الرحمن أكبر المخلوقات وأعظمها، والرحمن استوى عليه بأوسع الصفات 

وهي الرحمة، فاستوى سبحانه على أوسع المخلوقات وهو العرش، بأوسع 

الصفات وهي الرحمة كما قال سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه: 5].

وعرش الله عزَّ وجلَّ أعلى المخلوقات وأرفعها وسقفها وأقربها إلى الله تعالى، فهو أعلى من السموات والأرض، وهو سقف الجنة، اختصه الله بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه الرحمن كيف شاء.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا سَألْتُمُ الله فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الْجَنَّةِ» أخرجه البخاري 

وعرش الرحمن جل وعلا أكبر المخلوقات وأعظمها، وأوسعها وأثقلها، وزنته أثقل 

الأوزان، ولا يقدر قدره أحد إلا الله: فـ «سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» أخرجه مسلم

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والخمسون 

في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: 

*والملائكة الذين يحملون العرش لا يعلم عظمتهم إلا الله.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إلى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ» أخرجه أبو داود 

وعرش الرحمن أعلى المخلوقات، فبين السماء والأرض خمسمائة عام، وبين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء وسماء خمسمائة عام، وسمك كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه مثقال ذرة من أعمال العباد.

وقد خلق الله عزَّ وجلَّ العرش قبل خلق السموات والأرض، وقبل القلم، بل قبل سائر المخلوقات.

قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ السموات وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» أخرجه مسلم 

والعرش أكبر المخلوقات وأعظمها كما قال سبحانه: {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة: 129].

وعرش الرحمن تبارك وتعالى أعلى المخلوقات كلها وأثقلها وزناً. فسبحان العزيز الجبار الذي خلقه، واستوى عليه، وجعله مع عظمته محتاجاً إليه: «سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِه» أخرجه مسلم

والكرسي وسع السموات والأرض، والكرسي بالنسبة للعرش كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة.

والسموات السبع، والأرضون السبع وما بينهن وما فيهن في الكرسي كحلقة ملقاة بأرض فلاة.

وحملة العرش ملائكة عظام لا يعلم عظم خلقهم إلا الله، ولا يعلم قوتهم إلا الله، ولا يعلم عددهم إلا الله، يحملون العرش بقدرة الله.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والخمسون 

في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: 

ويوم القيامة يحمل عرش الرحمان ثمانية أملاك عظام 

وحملة العرش من أكبر الملائكة وأعظمهم وأقواهم، وهم ومن حول العرش من الملائكة المقربين يعبدون الله عزَّ وجلَّ، ولهم زجل بالتسبيح والتقديس والتحميد كما قال سبحانه: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)} [غافر: 7].كما قال سبحانه: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)} [الحاقة: 17].

والكرسي جسم عظيم مخلوق بين يدي العرش، وهو موضع القدمين للباري عزَّ

 وجلَّ، والعرش أعظم منه، والكرسي أعظم المخلوقات بعد العرش كما قال 

سبحانه: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [البقرة: 255].

والله تبارك وتعالى فوق سماواته، مستو على عرشه، عال على خلقه، لا يخفى عليه شيء من أمرهم: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } [النمل: 26].

وإذا كانت هذه عظمة كرسيه .. فكم تكون عظمة عرشه الذي وصفه بأنه عظيم 

.. ؟. وكم تكون عظمة الرب الذي استوى عليه جلَّ جلاله .. ؟.

أفيليق بمن هذه صفاته .. وهذه أفعاله .. وهذه عظمته .. أن يسكن العبد في ملكه .. ويأكل من رزقه .. ويكفر به .. ويستكبر عن عبادته وطاعته .. ؟.

[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب - خلق العرش والكرسي من اعظم ما خلق الله ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والخمسون 

في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:* هذا هو قلب الانسان (خلق عظيم )

القلب ليس مجرد عضلة تضخ الدم

نقدم في هذا البحث العلمي رؤية جديدة للقلب البشري، فعلى مدى سنوات طويلة درس العلماء القلب من الناحية الفيزيولوجية واعتبروه مجرد مضخة للدم لا أكثر ولا أقل. ولكن ومع بداية القرن الحادي والعشرين ومع تطور عمليات زراعة القلب والقلب الاصطناعي وتزايد هذه العمليات بشكل كبير، بدأ بعض الباحثين يلاحظون ظاهرة غريبة ومحيرة لم يجدوا لها تفسيراً حتى الآن!

إنها ظاهرة تغير الحالة النفسية للمريض بعد عملية زرع القلب، وهذه التغيرات النفسية عميقة لدرجة أن المريض بعد أن يتم استبدال قلبه بقلب طبيعي أو قلب صناعي، تحدث لديه تغيرات نفسية عميقة، بل إن التغيرات تحدث أحياناً 

في معتقداته، وما يحبه ويكرهه، بل وتؤثر على إيمانه أيضاً!!

ومن هنا بدأتُ بجمع معظم التجارب والأبحاث والمشاهدات والحقائق حول هذا الموضوع، ووجدتُ بأن كل ما يكشفه العلماء حول القلب قد تحدث عنه القرآن الكريم بشكل مفصّل! وهذا يثبت السبق القرآني في علم القلب، ويشهد على عظمة ودقة القرآن الكريم، وأنه كتاب رب العالمين.

مقدمة :هناك بعض الباحثين يعتقدون أن القلب مجرد مضخة وأنه لا يوجد أي أثر لتغيير قلب المريض، بل قد تحدث تغيرات نفسية طفيفة بسبب تأثير العملية.

كما يعتقد البعض أن القلب المذكور في القرآن هو القلب المعنوي غير المرئي مثله مثل النفس والروح. فما هي حقيقة الأمر؟

والحقيقة أننا لو تتبعنا أقوال أطباء الغرب الذين برعوا في هذا المجال، أي مجال علم القلب، نرى بأن عدداً منهم يعترف بأنهم لم يدرسوا القلب من الناحية النفسية، ولم يعطَ هذا الجزء الهام حقه من الدراسة بعد.

يُخلق القلب قبل الدماغ في الجنين، ويبدأ بالنبض منذ تشكله وحتى موت 

الإنسان. ومع أن العلماء يعتقدون أن الدماغ هو الذي ينظم نبضات القلب، إلا 

أنهم لاحظوا شيئاً غريباً وذلك أثناء عمليات زرع القلب، عندما يضعون القلب

 الجديد في صدر المريض يبدأ بالنبض على الفور دون أن ينتظر الدماغ حتى يعطيه الأمر بالنبض.وهذا يشير إلى استقلال عمل القلب عن الدماغ، بل إن بعض الباحثين اليوم يعتقد أن القلب هو الذي يوجّه الدماغ في عمله، بل إن كل خلية من خلايا القلب لها ذاكرة! ويقول الدكتور Schwartz إن تاريخنا مكتوب في كل خلية من خلايا جسدنا.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والخمسون 

في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

* هذا هو قلب الانسان (خلق عظيم )

حقائق القلب : القلب هو المحرك الذي يغذي أكثر من 300 مليون مليون خلية في جسم الإنسان، ويبلغ وزنه (250-300) غرام، وهو بحجم قبضة اليد. وفي القلب المريض جداً يمكن أن يصل وزنه إلى 1000 غرام بسبب التضخم.

يقوم قلبك منذ أن كنتَ جنيناً في بطن أمك (بعد 21 يوماً من الحمل) بالعمل

 على ضخ الدم في مختلف أنحاء جسدك، وعندما تصبح بالغاً يضخ قلبك في اليوم أكثر من سبعين ألف لتر من الدم وذلك كل يوم، هذه الكمية يضخها أثناء انقباضه وانبساطه، فهو ينقبض أو يدق كل يوم أكثر من مئة ألف مرة، وعندما يصبح عمرك 70 سنة يكون قلبك قد ضخ مليون برميل من الدم خلال هذه الفترة!

علمي القلب :

يزود القلب عبر الدم جميع خلايا الجسم بالأكسجين، فالخلايا تأخذ الأكسجين لتحرقه في صنع غذائها، وتطرح غاز الكربون والنفايات السامة التي يأخذها الدم ويضخها عبر القلب لتقوم الرئتين بتنقية هذا الدم وطرح غاز الكربون. طبعاً تأخذ الرئتين الأكسجين الذي نتنفسه وتطرح غاز الكربون من خلال عملية التنفس (الشهيق والزفير)، إن شبكة نقل الدم عبر جسمك أي الشرايين والأوعية لو وصلت مع بعضها لبلغ طولها مئة ألف كيلو متر

علاقة الدماغ بالقلب

هل الدماغ يتحكم بعمل القلب كما يقول العلماء، أم أن العكس هو الصحيح؟ ينبغي عليك أخي القارئ أن تعلم أن علم الطب لا يزال متخلفاً!! وهذا باعتراف علماء الغرب أنفسهم، فهم يجهلون تماماً العمليات الدقيقة التي تحدث في الدماغ، يجهلون كيف يتذكر الإنسان الأشياء، ويجهلون لماذا ينام الإنسان، ولماذا ينبض القلب، وما الذي يجعل هذا القلب ينبض، وأشياء كثيرة يجهلونها، فهم ينشرون في أبحاثهم ما يشاهدونه فقط، ليس لديهم أي قاعدة مطلقة، بل كل شيء لديهم بالتجربة والمشاهدة والحواس.

ولكننا كمسلمين لدينا حقائق مطلقة هي الحقائق التي حدثنا عنها القرآن الكريم قبل 14 قرناً عندما أكد في كثير من آياته على أن القلب هو مركز العاطفة والتفكير والعقل والذاكرة. ومنذ ثلاثين عاماً فقط بدأ بعض الباحثين بملاحظة علاقة بين القلب والدماغ، ولاحظوا أيضاً أن للقلب دور في فهم العالم من حولنا، وبدأت القصة عندما لاحظوا علاقة قوية بين ما يفهمه ويشعر به الإنسان، وبين معدل ضربات القلب وضغط الدم والتنفس في الرئتين. ومن هنا بدأ بعض الباحثين يدرسون العلاقة بين القلب والدماغ. ووجدوا بأن القلب يؤثر على النشاط الكهربائي للدماغ.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والخمسون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

* هذا هو قلب الانسان (خلق عظيم )

العلماء لم يثبتوا أن القلب ليس له علاقة بالعواطف بل لا يستطيع أحد أن يثبت ذلك، لأنهم لم يستطيعوا كشف جميع أسرار القلب، ولذلك عندما نقول إن القلب هو الذي يوجّه الدماغ في عمله، فهذا الكلام منطقي ولا يوجد ما ينافيه علمياً، والأهم من ذلك أنه يتفق مع القرآن.

الشيء الثابت علمياً أن القلب يتصل مع الدماغ من خلال شبكة معقدة من الأعصاب، وهناك رسائل مشتركة بين القلب والدماغ على شكل إشارات كهربائية، ويؤكد بعض العلماء أن القلب والدماغ يعملان بتناسق وتناغم عجيب ولو حدث أي خلل في هذا التناغم ظهرت الاضطرابات على الفور.

ويقول الدكتور Armour إن للقلب نظاماً خاصاً به في معالجة المعلومات القادمة إليه من مختلف أنحاء الجسم، ولذلك فإن نجاح زرع القلب يعتمد على النظام العصبي للقلب المزروع وقدرته على التأقلم مع المريض.

مشاهد مثيرة!

تقول المعالجة النفسية Linda Marks بعد عملها لمدة عشرين عاماً في مركز 

القلب: كان الناس يواجهونني بسؤال: ماذا تعملين في هذا المركز وأنت تعلمين أن القلب مجرد مضخة للدم ليس له علاقة بالحالة النفسية للإنسان؟  وكنتُ أجيب بأنني أحس بالتغيير الذي يحصل في نفسية المريض قبل وبعد عملية زرع القلب، وأحس بتغير عاطفته، ولكن ليس لدي الدليل العلمي إلا ما أراه أمامي. ولكن منذ التسعينات تعرفت على إحدى المهتمات بهذا الموضوع وهي "ليندا راسك" التي تمكنت من تسجيل علاقة بين الترددات الكهرطيسية التي يبثها القلب والترددات الكهرطيسية التي يبثها الدماغ، وكيف يمكن للمجال الكهرطيسي للقلب أن يؤثر في المجال المغنطيسي لدماغ الشخص المقابل!

البرفسور Gary Schwartz اختصاصي الطب النفسي في جامعة أريزونا، والدكتورة Linda Russek يعتقدان أن للقلب طاقة خاصة بواسطتها يتم تخزين المعلومات ومعالجتها أيضاً. وبالتالي فإن الذاكرة ليست فقط في الدماغ بل قد يكون القلب محركاً لها ومشرفاً عليها. قام الدكتور غاري ببحث ضم أكثر من 300 حالة زراعة قلب، ووجد بأن جميعها قد حدث لها تغيرات نفسية جذرية بعد العملية.

يقول الدكتور Schwartz قمنا بزرع قلب لطفل من طفل آخر أمه طبيبة وقد توفي وقررت أمه التبرع بقلبه، ثم قامت بمراقبة حالة الزرع جيداً، وتقول هذه الأم: "إنني أحس دائماً بأن ولدي ما زال على قيد الحياة، فعندما أقترب من هذا الطفل (الذي يحمل قلب ولدها) أحس بدقات قلبه وعندما عانقني أحسست بأنه طفلي تماماً، إن قلب هذا الطفل يحوي معظم طفلي"!

والذي أكد هذا الإحساس أن هذا الطفل بدأ يظهر عليه خلل في الجهة اليسرى، وبعد ذلك تبين أن الطفل المتوفى صاحب القلب الأصلي كان يعاني من خلل في الجانب الأيسر من الدماغ يعيق حركته، وبعد أن تم زرع هذا القلب تبين بعد فترة أن الدماغ بدأ يصيبه خلل في الجانب الأيسر تماماً كحالة الطفل الميت صاحب القلب الأصلي.

ما هو تفسير ذلك؟ ببساطة نقول إن القلب هو الذي يشرف على عمل الدماغ، والخلل الذي أصاب دماغ الطفل المتوفى كان سببه القلب، وبعد زرع هذا القلب لطفل آخر، بدأ القلب يمارس نشاطه على الدماغ وطوَّر هذا الخلل في دماغ ذلك الطفل.                                                        تقول الدكتورة ليندا: من الحالات المثيرة أيضاً أنه تم زرع قلب لفتاة كانت تعاني من اعتلال في عضلة القلب، ولكنها أصبحت كل يوم تحس وكأن شيئاً يصطدم بصدرها فتشكو لطبيبها هذه الحالة فيقول لها هذا بسبب تأثير الأدوية، ولكن تبين فيما بعد أن صاحبة القلب الأصلي صدمتها سيارة في صدرها وأن آخر 

كلمات نطقت بها أنها تحس بألم الصدمة في صدرها.

مئات ومئات الحالات التي حدثت لها تغيرات عميقة، فقد غرقت طفلة عمرها ثلاث سنوات في المسبح المنزلي، وتبرع أهلها بقلبها ليتم زراعته لطفل عمره تسع سنوات، الغريب أن هذا الطفل أصبح خائفاً جداً من الماء، بل ويقول لوالديه لا ترموني في الماء!!

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والخمسون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: القلب مسؤول عن العواطف

هناك أمر مثير للاهتمام ألا وهو أن أولئك المرضى الذين استبدلت قلوبهم بقلوب اصطناعية، فقدوا الإحساس والعواطف والقدرة على الحب!

ففي 11/8/2007 نشرت جريدة Washington Post تحقيقاً صحفياً حول رجل اسمه Peter Houghton وقد أُجريت له عملية زرع قلب اصطناعي، يقول هذا المريض: "إن مشاعري تغيرت بالكامل، فلم أعد أعرف كيف أشعر أو أحب، حتى أحفادي لا أحس بهم ولا أعرف كيف أتعامل معهم، بوعندما يقتربون مني لا أحس أنهم جزء من حياتي كما كنت من قبل".

أصبح هذا الرجل غير مبال بأي شيء، لا يهتم بالمال، لا يهتم بالحياة، لا يعرف لماذا يعيش، بل إنه يفكر أحياناً بالانتحار والتخلص من هذا القلب المشؤوم! لم يعد هذا الإنسان قادراً على فهم العالم من حوله، لقد فقَد القدرة على الفهم أو التمييز أو المقارنة، كذلك فقد القدرة على التنبؤ، أو التفكير في المستقبل أو ما نسميه الحدس. حتى إنه فقد الإيمان بالله، ولم يعد يبالي بالآخرة كما كان من قبل!!

حتى هذه اللحظة لم يستطع الأطباء تفسير هذه الظاهرة، لماذا حدث هذا 

التحول النفسي الكبير، وما علاقة القلب بنفس الإنسان ومشاعره وتفكيره؟ 

يقول البرفسور Arthur Caplan رئيس قسم الأخلاق الطبية في جامعة بنسلفانيا: "إن العلماء لم يعطوا اهتماماً بهذه الظاهرة، بل إننا لم ندرس علاقة 

العاطفة والنفس بأعضاء الجسم، بل نتعامل مع الجسم وكأنه مجرد آلة".

القلب الاصطناعي هو عبارة عن جهاز يتم غرسه في صدر المريض يعمل على بطارية يحملها المريض على صدره بشكل دائم ويستبدلها كلما نفدت، هذا الجهاز أشبه بمضخة تضخ الدم وتعمل باستمرار، وإذا وضعت رأسك على صدر هذا 

المريض فلا تسمع أي دقات بل تسمع صوت محرك كهربائي!

إن أول قلب صناعي تم زرعه في عام 1982 وعاش المريض به 111 يوم، ثم تطور هذا العلم حتى تمكن العلماء في عام 2001 من صنع قلب صناعي يدعى AbioCor وهو قلب متطور وخفيف يبلغ وزنه أقل من كيلو غرام ( 900 غرام) ويتم زرعه مكان القلب المصاب. أما أول قلب صناعي كامل فقد زرع عام 2001 لمريض أشرف على الموت، ولكنه عاش بالقلب الصناعي أربعة أشهر، ثم تدهورت صحته وفقد القدرة على الكلام والفهم، ثم مات بعد ذلك.

  زرع القلب الصناعي لمريض، ويقول العلماء إن النتائج التي وصلوا إليها، والخلل الكبير في الإدراك والفهم الذي يعاني منه صاحب القلب الصناعي يؤكد بأن القلب له دور أساسي في الفهم والإدراك، وأن القلب هو أكثر من مضخة، إن قلب الإنسان أكثر تعيداً مما نتصور! لقد فشل القلب الصناعي كما أكدت إدارة الدواء والغذاء الأمريكية لأن المرضى الذين تمت إجراء عمليات زرع هذا القلب لهم ماتوا بعد عدة أشهر بسبب ذبحة صدرية مفاجئة

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والخمسون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: دماغ في القلب

إن التفسير المقبول لهذه الظاهرة أنه يوجد في داخل خلايا قلب الإنسان برامج خاصة للذاكرة يتم فيها تخزين جميع الأحداث التي يمر فيها الإنسان، وتقوم 

هذه البرامج بإرسال هذه الذاكرة للدماغ ليقوم بمعالجتها.

نلاحظ أن معدل نبضات القلب يتغير تبعاً للحالة النفسية والعاطفية للإنسان، ويؤكد الدكتور J. Andrew Armour أن هناك دماغاً شديد التعقيد موجود داخل القلب، داخل كل خلية من خلايا القلب، ففي القلب أكثر من أربعين ألف خلية عصبية تعمل بدقة فائقة على تنظيم معدل ضربات القلب وإفراز الهرمونات وتخزين المعلومات ثم يتم إرسال المعلومات إلى الدماغ، هذه المعلومات تلعب دوراً مهماً في الفهم والإدراك.

إذن المعلومات تتدفق من القلب إلى ساق الدماغ ثم تدخل إلى الدماغ عبر ممرات خاصة، وتقوم بتوجيه خلايا الدماغ لتتمكن من الفهم والاستيعاب. ولذلك فإن بعض العلماء اليوم يقومون بإنشاء مراكز تهتم بدراسة العلاقة بين القلب والدماغ وعلاقة القلب بالعمليات النفسية والإدراكية، بعدما أدركوا الدور الكبير للقلب في التفكير والإبداع.

ذبذبات من القلب

يقول الدكتور بول برسال Paul Pearsall إن القلب يحس ويشعر ويتذكر ويرسل ذبذبات تمكنه من التفاهم مع القلوب الأخرى، ويساعد على تنظيم مناعة الجسم، ويحتوي على معلومات يرسلها إلى كل أنحاء الجسم مع كل نبضة من نبضاته. ويتساءل بعض الباحثين: هل من الممكن أن تسكن الذاكرة عميقاً في

 قلوبنا؟

إن القلب بإيقاعه المنتظم يتحكم بإيقاع الجسد كاملاً فهو وسيلة الربط بين كل خلية من خلايا الجسم من خلال عمله كمضخة للدم، حيث تعبر كل خلية دم هذا القلب وتحمل المعلومات منه وتذهب بها إلى بقية خلايا الجسم، إذن القلب لا يغذي الجسد بالدم النقي إنما يغذيه أيضاً بالمعلومات!

ومن الأبحاث الغريبة التي أجريت في معهد "رياضيات القلب" HeartMath أنهم وجدوا أن المجال الكهربائي للقلب قوي جداً ويؤثر على من حولنا من الناس، أي أن الإنسان يمكن أن يتصل مع غيره من خلال قلبه فقط دون أن يتكلم!!! أجرى معهد رياضيات القلب العديد من التجارب أثبت من خلالها أن القلب يبث ترددات كهرطيسية تؤثر على الدماغ وتوجهه في عمله، وأنه من الممكن أن يؤثر القلب على عملية الإدراك والفهم لدى الإنسان. كما وجدوا أن القلب يبث مجالاً كهربائياً هو الأقوى بين أعضاء الجسم، لذلك فهو من المحتمل أن يسيطر على عمل الجسم بالكامل. المنحني الأسفل يمثل ضربات القلب، والمنحنيات الثلاثة فوقه تمثل رد فعل الدماغ وكيف تتأثر تردداته بحالة القلب كما وجدوا أن دقات القلب تؤثر على الموجات التي يبثها الدماغ (موجات ألفا)، فكلما زاد عدد دقات القلب زادت الترددات التي يبثها الدماغ.                                 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والخمسون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: القلب والإدراك

في بحث أجراه الباحثان Rollin McCraty و Mike Atkinson وتم عرضه في اللقاء السنوي للمجتمع البافلوفي عام 1999، وقد جاء بنتيجة هذا البحث أن هنالك علاقة بين القلب وعملية الإدراك، وقد أثبت الباحثان هذه العلاقة من خلال قياس النشاط الكهرطيسي للقلب والدماغ أثناء عملية الفهم أي عندما يحاول الإنسان فهم ظاهرة ما، فوجدوا أن عملية الإدراك تتناسب مع أداء القلب، وكلما كان أداء القلب أقل كان الإدراك أقل.

إن النتائج التي قدمها معهد رياضيات القلب مبهرة وتؤكد على أنك عندما تقترب من إنسان آخر أو تلمسه أو تتحدث معه، فإن التغيرات الحاصلة في نظام دقات القلب لديك، تنعكس على نشاطه الدماغي!! أي أن قلبك يؤثر على دماغ من هو أمامك.

في هذه الصورة رجل يعيش بقلب صناعي، إنه يرتبط بشكل دائم بأشرطة من أجل التغذية بالبطارية، إن الذي تجري له عملية تركيب قلب اصطناعي يفقد 

الإحساس بكثير من الأشياء من حوله وتصبح ردود أفعاله شبه منعدمة،

 وتحدث تغييرات كبيرة جداً في شخصيته. وهذا يثبت عمل القلب في التفكير وفي ردود الأفعال وفي توجيه الدماغ أيضاً.

السبق القرآني في علم القلب

إن المشاهدات والتجارب التي رأيناها في هذا البحث تثبت لنا عدة نتائج في علم القلب يمكن أن نلخصها في نقاط محددة، وكيف أن القرآن حدثنا عنها بدقة تامة:

1- يتحدث العلماء اليوم جدّياًّ عن دماغ موجود في القلب يتألف من 40000 خلية عصبية، أي أن ما نسميه "العقل" موجود في مركز القلب، وهو الذي يقوم بتوجيه الدماغ لأداء مهامه، ولذلك فإن الله تعالى جعل القلب وسيلة نعقل به، يقول تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: 46]. وهذه الآية حدّدت لنا مكان القلب لكي لا يظن أحد أن القلب موجود في الرأس وهو الدماغ، أو أن هناك قلباً غير القلب الذي ينبض في صدرنا، وهذه أقوال لا تعتمد على برهان علمي. 

2- يتحدث العلماء اليوم عن الدور الكبير الذي يلعبه القلب في عملية الفهم والإدراك وفقه الأشياء من حولنا، وهذا ما حدثنا عنه القرآن بقوله تعالى: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا) [الأنعام: 179]. أي أن القرآن حدد لنا مركز الإدراك لدى الإنسان وهو القلب، وهو ما يكتشفه العلماء اليوم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والخمسون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:   القلب والإدراك

3- معظم الذين يزرعون قلباً صناعياً يشعرون بأن قلبهم الجديد قد تحجَّر 

ويحسون بقسوة غريبة في صدورهم، وفقدوا الإيمان والمشاعر والحب، وهذا ما أشار إليه القرآن في خطاب اليهود: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [البقرة: 74]. فقد حدّد لنا القرآن صفة من صفات القلب وهي القسوة واللين، ولذلك قال عن الكافرين: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الزمر: 22]. ثم قال في المقابل عن المؤمنين: (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) بالزمر: 23].

4- يؤكد العلماء أن كل خلية من خلايا القلب تشكل مستودعاً للمعلومات والأحدث، ولذلك بدأوا يتحدثون عن ذاكرة القلب، ولذلك فإن الله تعالى أكد لنا أن كل شيء موجود في القلب، وأن الله يختبر ما في قلوبنا، يقول تعالى: (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران: 154].

5- يؤكد بعض الباحثين على أهمية القلب في عملية السمع، بل إن الخلل الكبير في نظام عمل القلب يؤدي إلى فقدان السمع، وهذا ما رأيته بنفسي عندما كان في أحد المشافي رجل لم يكن يصلي وكان يفطر في رمضان ولم يكن يسمع نداء الحق، وقد أصابه احتشاء بسيط في عضلة القلب ثم تطور هذا الخلل حتى فقد سمعه تماماً ثم مات مباشرة بعد ذلك، وكانت آخر كلمة نطقها "إنني لا أسمع شيئاً"، ولذلك ربط القرآن بين القلب وبين السمع فقال: (وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) [الأعراف: 100].

6- يتحدث الباحثون عن دور القلب في التعلم، وهذا يعتبر من أحدث الأبحاث التي نشرت مؤخراً، ولذلك فإن للقلب دوراً مهماً في العلم والتعلم لأن القلب يؤثر على خلايا الدماغ ويوجهها، ولذلك فإن القرآن قد ربط بين القلب والعلم، قال تعالى: (وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [التوبة: 93].

7- تؤكد التجارب الجديدة أن مركز الكذب هو في منطقة الناصية في أعلى

 ومقدمة الدماغ، وأن هذه المنطقة تنشط بشكل كبير أثناء الكذب، أما المعلومات التي يختزنها القلب فهي معلومات حقيقية صادقة، وهكذا فإن الإنسان عندما يكذب بلسانه، فإنه يقول عكس ما يختزنه قلبه من معلومات، ولذلك قال تعالى: (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) [الفتح: 11]. فاللسان هنا يتحرك بأمر من الناصية في الدماغ، ولذلك وصف الله هذه الناصية بأنها: (نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ) [العلق: 16].

8- رأينا ذلك الرجل صاحب القلب الصناعي كيف فقد إيمانه بالله بعد عملية الزرع مباشرة، وهذا يعطينا مؤشراً على أن الإيمان يكون بالقلب وليس 

بالدماغ، وهكذا يؤكد بعض الباحثين على أهمية القلب في الإيمان والعقيدة، ولذلك قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) [المائدة: 41].

9- بينت أبحاث القلب الصناعي أن للقلب دوراً أساسياً في الخوف والرعب، وعندما سألوا صاحب القلب الصناعي عن مشاعره قال بأنه فقد القدرة على الخوف، لم يعد يخاف أو يتأثر أو يهتم بشيء من أمور المستقبل. وهذا ما سبق به القرآن عندما أكد على أن القلوب تخاف وتوجل:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال: 2]. وكذلك جعل الله مكان الخوف والرعب هو القلب، فقال: (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) [الحشر: 2].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الستون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

الإعجاز في السنة النبوية

لقد سبق النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام علماء الغرب إلى الحديث عن دور القلب وأهميته في صلاح النفس، بل إنه جعل للقلب دوراً مركزياً فإذا صلح هذا القلب فإن جميع أجهزة الجسد ستصلح، وإذا فسد فسوف تفسد جميع أنظمة الجسم، وهذا ما نراه اليوم وبخاصة في عمليات القلب الصناعي، حيث نرى بأن جميع أنظمة الجسم تضطرب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) [متفق عليه].

أفضل علاج للقلب :

يؤكد جميع العلماء على أن السبب الأول للوفاة هو اضطراب نظم عمل القلب، وأن أفضل طريقة للعلاج هو العمل على استقرار هذه القلوب، وقد ثبُت أن بعض الترددات الصوتية تؤثر في عمل القلب وتساعد على استقراره، وهل هناك أفضل من صوت القرآن؟ ولذلك قال تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]. وقد وجدتُ بالتجربة أن تلاوة هذه الآية سبع مرات صباحاً ومساءً تؤدي إلى استقرار كبير في عمل القلب، والله أعلم.

وأخيراً نسأل الله تعالى أن يثبت قلوبنا على الإيمان، ونتذكر أكثر دعاء النبي:

 (يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك)، وندعو بدعاء المؤمنين: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8].[ الأنترنت – موقع  القلب له عقل - هذا هو قلب الانسان (خلق عظيم ) ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والستون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: 

*العقل والقلب والفؤاد

     كثيرا ما يتعامل الناس مع بعض المفاهيم دون تمييز في ما بينها، ودون تحديد للمصطلح، لا فرق في ذلك بين عوام ومثقفين، فهم في تلك النظرة سواء، لكن قليلا من الناظرين بعمق يفرقون بين المصطلحات ويحددون المعاني؛ استبيانا للفوارق، وتوضيحا للغوامض، واستجلاء للحقائق. وقد تختلف آراؤهم وقد تتفق، إلا أنهم في النهاية حققوا قيمة إنسانية كبرى، إنها قيمة الفكر والتفكر والتعمق، تلك القيمة التي أكد عليها القرآن أكثر من مرة وبأكثر من لفظ {لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ } (آل عمران:190)، أي لأولي العقول، الذين ينقبون عن عجائب الملكوت وأسراره، وحسن إبداع الخالق سبحانه لملكه.

من هذه المفاهيم التي يجهل فوارقها فريق، ويختلف فيها فريق آخر، ويغالي في بعضها - إنكارا أو إيجادا - فريق ثالث، ثلاثة مفاهيم رئيسية؛ تداخلت حينا، وتباعدت حينا آخر في فكر البعض، لكن تبقى الوشيجة الواحدة التي تربط بينها ذات بريق لا يخفت، ونور لا ينطفئ، ومداد لا ينفد.. إنها مفاهيم العقل والقلب والفؤاد.

كثيرا ما أثارت هذه المفاهيم الاختلافات، وكثيرا ما تداخل بعضها في بعض عند فريق، وتنافر بعضها عن بعض عند فريق آخر، دون أن يعي المختلفون مدى الاتصال الوشيج الذي أقره القرآن الكريم بين هذه المفاهيم الثلاثة.

القرآن يذكر العقل إجلالا وتقديرا في آيات، ويوبخ تخاذله عن إدراك الحق في آيات أخرى، ويستنكر إعراضه عن السبيل القويم مرة ثالثة، وهكذا عبر طول القرآن وعرضه تجد هذه المعاني الثلاثة، ففي المعنى الأول يقول سبحانه {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (العنكبوت:43)، أي الذين أبصروا بعد تفكر فعقلوا فعلموا، ثم حث سبحانه العقل على التفكر في بديع خلقه سبحانه في آيات عدة من قبيل قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ} (آل عمران:190)، وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الرعد:3). وغير هذه الاستفهامات الكثيرة المختلفة لفظا والمتحدة معنى مما أكثر القرآن استعماله.

وفي المعنى الثاني يوبخ المتخاذلين عن إدراك الحق على لسان أهل النار الذين قالوا: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك:10). لقد نفوا عن أنفسهم التعقل، ولم ينفوا وجود العقل ذاته، لقد كانوا عقلاء، يتمتعون بالعقل، ولكنهم لم يعقلوا فانتهى مصيرهم إلى النار.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والستون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: *العقل والقلب والفؤاد

ثم يذكر القرآن في المعنى الثالث استنكارات عدة للذين لا يتعقلون الأمور ويقفون على المقاصد الحقيقية لرب البرية سبحانه من وراء خلقه للخلق، فينكر عليهم القرآن عدم الفهم، وعدم الوعي في أكثر من موضع من قبيل قوله سبحانه: {أَفَلَا يَعْقِلُونَ} (يس:68)، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ} (النساء:82)، أي أفلا يتفكر القوم بعقولهم المقاصد والغايات والمصائر؟! أفلا يسخِّرون العقل في وظيفته الرئيسية، وهي التعقل والإدراك والوعي؟!

والقرآن في هذه المراحل الثلاث يؤكد على معنى التدبر، والفهم بعد التفكر في كل شيء، فالتعقل ثمرة العقل، والإيمان ثمرة التعقل، ولذا رفع الله سبحانه - بخفي تدبيره وواسع علمه - القلم عن ثلاث، كلهم تتوافر فيهم صفة غياب العقل في حالهم، فقال النبي  " صلى الله عليه وسلم" : «رفع القلم عن ثلاث؛ عن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل، وعن النائم حتى يستيقظ».

هؤلاء الثلاثة يغيب عنهم العقل في الحال التي هم عليها، فالنائم مغيب عقله، لا يدري ولا يدرك من أمر نفسه شيئا، والصغير لم يعقل بعد الأمور، والمجنون 

سلب نعمة العقل. لذا، رفع عنهم التكليف عبادة واعتقادا في حال المجنون، أو أمرا ونهيا في حال النائم والصغير، لكون الثلاثة لا يدركون ولا يعقلون أثناء تلك الأحوال.

هذا كله يفيد بأن العقل هو مناط التكليف؛ لأنه سر تدبير الإنسان للعالم، سر قيادته له، وسر تسخيره لغيره من المخلوقات لتكون طوع إرادته، فهو ميز على الجميع بالعقل، وذكر الله سر ذلك التفضيل والتكريم في كتابه العزيز: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } (الإسراء:70). ومـــن ثــــم وقع الاختيار عليه ليكــــون مكلفــــا بالخلافــة على الأرض، مطالبـــــا بإعمارها، بتقديــــم ما بوسعه مــن أعمال للقـــلوب والجـوارح عــلى حــد ســواء: {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } (آل عمران:161).

إذن، العقل هو مناط التكليف وسر التكريم، بل وتتوقف عليه حياة الإنسان كلها، فهو المتحكم في الجسد سلبا وإيجابا، وكفى على ذلك دلالة أن معناه في اللغة «عقل الشيء»: أي ربطه بعقال للتحكم فيه. وفي الحديث أن النبي  " صلى الله عليه وسلم"  قال لصاحب الناقة: «اعقلها وتوكل»، أي اربطها ثم اترك أمرها إلى بارئها، إشارة منه  " صلى الله عليه وسلم"  إلى حسن التوكل لا دلالة على العقل ذاته، وهذا لا يتنافى مع القرآن الذي أقرها من قبل وحملت معنى الفهم والتدبر.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والستون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

*العقل والقلب والفؤاد

أما القلب فقد تعددت مواضع ذكره في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة، وفي كليهما تخرج معان متقاربة إلى حد كبير، كلها تصب في اتجاه واحد، مؤداه يلخصه قول النبي  " صلى الله عليه وسلم" : «إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». فالقلب الطاهر يحبه الله، والقلب الخبيث حرم نفسه من رضوان ربه سبحانه، وحرم إخوانه من سبل الحياة القويمة، لذا كثيرا ما يمقت ربنا سبحانه أصحاب القلوب المريضة، وكثيرا ما يعيذ خلقه من شر أفعالهم، كالحسد والغيبة والنميمة والكراهية، وتعددت في تلك الخصال الآيات فيما عرفت بأمراض القلوب، ومنها قوله سبحانه: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } (الفلق:5). ونقده سبحانه لقسوة القلوب: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} (البقرة:74). وقال عن اليهود: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} (البقرة:88). وقال عن الكافرين: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} (فصلت:5). وقال عن اطمئنان المؤمنين وسكينتهم: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } (الرعد:28). ثم يشير سبحانه في لفتة بديعة إلى الاتصال بين العقل والقلب فيقول: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا  فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } (الحج:46). فنسب سبحانه الفهم والتعقل للقلب في هذه الآية، ثم استنكر على أولئك الذين لا يعقلون بقلوبهم غفلتهم قائلا: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ }، أي البصائر التي بداخلهم وليس البصر الذي في وجوههم.

هذه الآيات وغيرها في القرآن الكريم تفيد بأن القلب هو مناط القسوة والخشية 

في مثل قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (الأنفال:2). فالقلوب هي محل الاطمئنان والأمان والخوف والرجاء، هي المصدر المحرك لجميع الأفعال، مضافا إليها المشاعر والأحاسيس، كل ذلك في إطار اتصال وثيق بين العقل والقلب، اتصال تداخل، لا تداخل للوظائف فحسب، ولكن تداخل في الغايات وتقارب في المفاهيم. ولكن البعض ينكرون هذا التداخل، ويفرقون بين العقل والقلب تفريقا حاسما، بل يجعلون للعقل سيادة على القلب، فينكرون أعمال القلوب أو رقتها أو مشاعرها، وينفون عن القلب ما أثبته له القرآن من رؤية وبصيرة وتدبر، ذاهبين إلى أن القلب مضغة من اللحم الصنوبري الشكل، فأنى للحم بالمشاعر أو الإحساس أو القلق أو الاطمئنان، غاية ما يريدونه أن ينفوا عن القلب كل فعل وينسبونه إلى العقل، وكأن العقل يقوم بدور مزدوج، التفكر والأحاسيس، وهذا فيه جانب من الصواب وجانب من الخطأ؛ فالصواب يكمن في أن القلب يتلقى بالفعل إشارات من المخ بالحب أو بالكراهية أو بغيرها من المشاعر والأحاسيس، ولكن ليس معنى ذلك خضوع القلب للعقل أو سيطرته عليه، بل كل له مجاله، وكل له وظيفته التي تبدو إلى حد كبير متداخلة، وهذا هو ما أخطأ فيه المدعون.                                      إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والستون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

*العقل والقلب والفؤاد

إن العقل يصدر الأوامر، والقلب يصدق أو يكذب، يطيع أو يعصي، مما يؤكد قوة القلب على العقل وليس العكس، فالقلب أقوى من العقل، حتى وإن تبعه، فالقاعدة العامة تفيد بصحة الأحكام إذا خرجت من العقل؛ كونه متجردا، وبخطئها إذا خرجت من القلب؛ كونه متحيزا بطبيعته وعطوفا ومحكوما بالميل والهوى تجاه أشياء بعينها تختلف بحسب شخصية كل فرد، ولكن هذا لا ينفي أن هناك أمورا لا غنى للقلب عن العقل فيها، وأخرى لا غنى للعقل عن القلب فيها، ليمتزج الاثنان في مزيج واحد، تتداخل وظائفهما، تتقارب معانيهما، القلب يطلب والعقل يستجيب، أو العقل يأمر والقلب يتأثر، جدلية التداخل والتقارب والتواصل، في مزيج فريد يدل على إبداع الصنعة وإحكام الصانع سبحانه.

يمكننا القول إذن إن الله سبحانه عندما ذكر القلب في القرآن لم يكن يُرِد أبدا ذلك اللحم الصنوبري الشكل، فما عسى أن تفعله مضغة من اللحم في جسد الإنسان، ولكنه سبحانه أراد معنى القلب الفعلي، المضخة القوية للمشاعر وليس للدم فقط، وما يدريك لعل الله جعل منه مضخة للمشاعر والأحاسيس المختلفة بالمثل تماما كما هو مضخة للدم، وما يدريك أيضا لعله يكون سرا من أسرار الله سبحانه يستأثر بها عنده كما استأثر بجوهر الروح {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ  قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} (الإسراء:85).

   ثم يتداخل مع العقل والقلب أيضا مفهوم الفؤاد، فالله يذكره في كتابه قرينا بالقلوب فقال سبحانه: { نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) } (الهمزة:6و7)، أي التي تعلم بعلمه سبحانه ما في صدور الكافرين من كفر. لكنه سبحانه وضع فارقا بين المصطلحين في آية أخرى، القلب والفؤاد، الأول أخص والثاني أعم، الأول جوهر داخلي والثاني غلاف يحيط به من الخارج، محيطه أوسع وأشمل، وهناك علاقة تأثرية تبادلية بين الاثنين، كل ذلك يوضحه قوله سبحانه: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا  إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} (القصص:10)، أي إن غلاف قلبها الخارجي، المسمى بالفؤاد، أصبح فارغا من كل المعاني فتكاد تعيش بلا قلب، وبلا فؤاد، لدرجة أوصلتها إلى الاقتراب من إفشاء السر والإضرار بولدها، ولكنه سبحانه أيد قلبها وثبته ورزقه الاطمئنان، حيث قال: {لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} (القصص:10). في أول الآية يذكر انخلاع الفؤاد، وفي آخرها يذكر اطمئنان القلب؛ ليؤكد لنا على تلك الصلة التي تربط بين القلب والفؤاد، فالقلب يضطرب باضطراب الفؤاد ويسكن بسكونه وكفى بذاك الموقف دليلا.

إذن لا مناص من الإقرار يقينا من تداخل المفاهيم الثلاثة، العقل والقلب والفؤاد، لا تداخلا اصطلاحيا تختلف فيه جزئية التعريف فقط، ولكنه تداخل 

وظيفي أيضا، فالوظائف الثلاث تتأثر وتتداخل بعضها في بعض، لكن يبقى لكل منها معنى مغاير، ووظيفة مغايرة أيضا، لعلها أسرار لا يعلمها إلا من خلق 

فسوى وقدر فهدى، ولكن الغالب على المفاهيم الثلاثة التداخل والتكامل 

والترابط في حكمة بليغة، وصنعة بديعة، لا يملك الإنسان حيالها إلا الإقرار له سبحانه بالواحدية، والإذعان له بالطاعة واليقين في جبروت ملكه وسعة علمه {إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (البقرة:115).  

[الأنترنت – موقع مجلة الوعي الإسلامي – والعقل والقلب والفؤاد ] 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والستون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: *ما العلاقة بين القلب والعقل ؟,

يحدد القرآن مكان القلب بأنه في الصدر. يقول: (وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)، ويحدد كنهه وذاته بأوصافه ووظائفه :

1- فيجعله مركز الفهم والتعقل، فيقول: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)، فجعل الإنسان يفقه ويفهم بقلبه.

ويقول أيضًا: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ 

يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)، فإنه

 ينسب إلى القلوب عمل العقل والفكر.

2- ويجعله مركز المسئولية: فيقول: (وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، وهكذا القلب يأثم ويعصي، ويطيع وينفذ.

3- ويجعله مركز الإيمان والكفر. فيقول: (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

ويقول: “وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ “. فالقلب مكان الإيمان 

والكفر. كما يقول: (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ).

4- ويجعله مركز الإحساس، فيقول: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، فالترابط بين المؤمنين هو ترابط الشعور، والإحساس العميق. ويقول: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ).

5- ويجعله مركز الوعي في الإنسان فيقول: (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ*عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ).

6- ويجعله مركز الذوق، فيقول: “وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ “. فالقلوب كما تشمئز: تفرح وتستبشر.

والقلب أخيرا في نظر القرآن الكريم يمثل بانضمامه إلى السمع والبصر: الخصائص الإنسانية في الإنسان على معنى أن الإنسان يتميز عن الحيوان بالقلب مع السمع والبصر، والسمع والبصر هما مدخلا الإدراك والتعقل. فيقول الله -جل شأنه-:

(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ 

عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)؛ أي أن مثل هذا الذي اتبع هواه وجعل منه إلهًا يعبده، وأغلق عليه قلبه، وعطل عليه سمعه وبصره: يستحيل عليه أن يصل إلى هداية الله. وليس هناك في الوجود عدا الله من يمكنه منها. لأن منافذ الإنسانية لديه سدت جميعها.

وهكذا: يكاد يكون القلب – في تقدير القرآن له- أن ينظر إليه على أنه هو المركز الذي تتفرع منه وتنتهي إليه شرايين الإنسانية. وإذا كان القلب في نظر الأطباء هو العضلة التي تنظم توزيع الدم حسب حاجات البدن. فإنه في نظر الإسلام هو مصدر التوجيه والقيادة في الإنسان، الذي يضله ويهديه.

[ الأنترنت – موقع الإسلام أون لاين - ما العلاقة بين القلب والعقل ؟, الإيمان, الانسان, العقل, الفهم, القلب ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والستون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: 

* الحشرات المذكورة في القرآن الكريم وتأثيرها الضار والنافع على الإنسان والبيئة (وهي خلق عظيم )

     اشتمل القرآن الكريم على ثلاث سور سميت بأسماء بعض الحشرات وهي النحل والنمل والعنكبوت، وفي بعض السور ذكرت حشرات أخرى وهي البعوض والذباب والقمل والجراد. وقد أشارت الآية 26 من سورة البقرة إلى البعوض في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِين) . أي أن الله لا يستصغر شيئا يضرب به مثلا ولو كان في الحقارة والصغر مثل البعوضة، كما لا يستنكف عن خلقها وعن ضرب المثل بها.

هذه الحشرة الضئيلة التي تسمى البعوضة يوجد منها ثلاثة أجناس في جمهورية مصر العربية، وهي تتوالد معظم أوقات السنة فيما عدا الشهور الباردة، وتضع الإناث البيض على سطح المياه الراكدة كالبرك والمستنقعات والآبار المهجورة وخزانات المياه غير المتصلة بالمجاري وغيرها. ومن أهم صفاتها أن الذكور تتغذى على رحيق الأزهار والعصارات النباتية، أما الإناث فهي التي تلدغ الإنسان لتمتص دمه وتنقل له الكثير

البعوض : البعوض المنزلي (Culex pipiens ) :

   هذا البعوض ينتشر انتشارا واسعا يفوق جميع الأنواع الأخرى. يتوالد في أي ماء نظيف أو ملوث، ويكثر في القرى التي لم يدخلها نظام الصرف الصحي، ويضع بيضا متراصا في مجاميع، ويستمر نشاطه في اللدغ طوال الليل، وهو ينقل مرضا من أخطر الأمراض التي يتعرض لها الإنسان في الوقت الحالي ألا وهو مرض الفيلاريا المعــــروف بداء الفيــل ويســـببه طفيـــلي يسمى bancrofti Wuchereria الذي يعيش في الدم ( ميكروفيلاريا ) وفي الغدد الليمفاوية ( الطور البالغ )، وتعتبر أنثى بعوضة الكيوليكس هي الناقل لهذا المرض من شخص مريض إلى آخر سليم عند أخذه وجبة دم تحتوي على الميكروفيلاريا من

 إنسان مصاب.

من المعروف أن هذا المرض لا يظهر بصورة واضحة على المريض إلا بعد مرور عدة سنوات ( من 6 إلى 9 سنوات ) يكون الطفيلي قد تكاثر بصورة ضخمة داخل الأوعية الدموية وتحول إلى الطور البالغ في الأوعية الليمفاوية محدثا بها انسدادا يؤدي إلى تضخم في الأطراف خاصة في الأجزاء السفلية مثل الساق والخصية، ولا يوجد له علاج. أما في المراحل الأولى للإصابة فتظهر أعراض مشابهة للإنفلونزا مثل ارتفاع في درجة الحرارة وصداع، ويمكن علاجه باستخدام عقار الفيلاران، لذا فإن الإجراء الوقائي لهذا المرض أفضل من العلاج، فيجب أخذ عينة من دم الإنسان بصفة دورية كل ستة أشهر أو سنة على الأكثر وفحصها لاكتشاف المرض في مراحله الأولى وعلاجه. وينقل هذا النوع من البعوض أيضا مرض حمى الوادي المتصدع، وهو مرض فيروسي يصيب الأغنام والماشية والجمال مسببا الإجهاض والوفاة وينتقل للإنسان.

بعوض الأنوفيل الفرعوني( Anopheles pharoensis)

   إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والستون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

* الحشرات المذكورة في القرآن الكريم وتأثيرها الضار والنافع على الإنسان والبيئة (وهي خلق عظيم )

يتوالد في حقول الأرز ويضع البيض فرادى، وهو يلدغ ليلا بين المغرب والعشاء وقبل الفجر ولدغه مؤلم. هو الناقل الرئيسي للملاريا الثلاثية الحميدة في الدلتا ووادي النيل، والمسبب طفيلي يسمى Plasmodium ovale والأعراض إحساس بالبرودة ورعشة لمدة نصف ساعة يليها فترة سخونة من 1 ـ 4 ساعات وتكون مصحوبة بصداع وقيء، ثم فترة عرق من 1 ـ 4 ساعات تنخفض فيها درجة الحرارة، وتستغرق هذه الفترة من 8 ـ 12 ساعة، ومضاعفاتها أنيميا وتضخم بالكبد والطحال، وتعالج الملاريا بالأمينوكينولين الرباعي والثماني.

في السودان يوجد بعوض الأنوفيل Anopheles gambiae الذي يتوالد في أي تجمع مياه نظيفة، وهو الناقل للملاريا الخبيثة والتي يسببها طفيلي يسمى Plasmodium falciparum، وأعراضها طول مدة ارتفاع الحرارة وتكون مصحوبة بمغص معوي وقيء وإسهال واصفرار في العين وهذيان وإغماء، أعراضها

 خطيرة وشديدة تؤدي للوفاة إذا لم تعالج مبكرا، وللوقاية تؤخذ أقراص دارابريم.

وقد غزت هذه البعوضة مصر مرتين الأولى في سنة 1942 والثانية في سنة 1950، وتم القضاء عليها باستخدام المبيدات ومنعها من العودة برش جميع 

السفن والقطارات الآتية من السودان بالمبيدات والاستكشاف الدوري للبعوض في منطقة تمتد 150 كم شمالا وجنوبا للحدود الجنوبية.

البعوض المصري: Aedes Eagypti

يتوالد في أقل كمية من المياه والأوعية المنزلية والخزانات وحول المنازل في 

الفسقيات، ويضع البيض فرادى، وهو يلدغ نهارا وقبيل الغروب، ولا يحدث طنينا. وتنقل البعوضة مرضين ( مرض الصفراء، والدنج ) ويسببهما فيروس موجود في الحيوانات التي تعيش في الغابات الموبوءة.

مرض الصفراء: متوطن في غرب أفريقيا وغرب الهند وسواحل الأطلنطي وهو غير موجود في جمهورية مصر العربية التي تعمل على تأمين حدودها بعمل استكشافات دورية، والأعراض ارتفاع في درجة الحرار، رعشة، صداع، آلام في المعدة وقيء دموي، النبض سريع ثم ينخفض تدريجيا واصفرار شديد في العين. ممكن أن يؤدي للوفاة وهو مرض شديد الوبائية.

مرض الدنج: أقل خطورة من الحمى الصفراء لأنه لا يؤدي للوفاة وأعراضه ارتفاع في درجة الحرارة ورعشة وسرعة النبض، ثم انخفاض في درجة الحرارة، عرق، إسهال وارتفاع في الحرارة مع وظهور بقع حمراء على الأيدي والأقدام.

   إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنةوالستون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

* الحشرات المذكورة في القرآن الكريم وتأثيرها الضار والنافع على الإنسان والبيئة (وهي خلق عظيم )

الذباب

كما اشتملت آيات القرآن الكريم على نوع آخر من الحشرات الضارة ألا وهو الذباب وذلك في الآية 73 من سورة الحج:  ( يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب).

إن الله يخاطب المشركين أن أصنامكم التي تعبدونها عاجزة عن خلق ذبابة واحدة وهي من أضعف مخلوقات الله، وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستطيعون 

استرجاعه فما أضعف الطالب والمطلوب أي ما أضعف عابد الصنم وما أضعفه معبودا. إنهم ما قدروا الله حق قدره، إن الله لقوي عزيز.

الذباب أنواع كثيرة أشهرها الذبابة المنزلية وطولها حوالي 8 مم، لونها اردوازي مع أربعة خطوط طولية على الصدر وخط طولي أسود في وسط البطن، أجزاء الفم متحورة إلى خرطوم ماص ينتهي بفصين إسفنجيين يحصران فتحة الفم.

الذبابة المنزلية : Musca domestica

 تعتبر من أخطر الحشرات الناقلة للأمراض وهي:

ـ أمراض بكتيرية وطفيلية مثل: النزلات المعوية ـ التسمم الغذائي ـ الدوسنتاريا ـ الكوليرا ـ التيفود ـ السل ـ الدفتيريا ـ الرمد ـ بيض الإسكارس.

ـ أمراض فيروسية مثل: شلل الأطفال ـ الجدري ـ التهاب كبدي وبائي ـ الرمد الحبيبي.

ـ التدويد في الإنسان والحيوان: وهو إصابة الأنسجة الحية بيرقات الذباب.

ـ مضايقات للإنسان والحيوان.

وتنقل الذبابة هذه الميكروبات بطريقة آلية، فعند ترددها على المواد العضوية المتحللة التي تعج بملايين الميكروبات تتعلق بالشعر الكثيف الموجود على جسم الذبابة خاصة نهاية الأرجل، وتدخل الميكروبات في جوف الذبابة مع المواد الملوثة، وعندما تحط على طعام الإنسان أو شرابه فإنها قد تلقي ما في جوفها بالقيء أو البراز. وهي تتوالد في أماكن تجمع القمامة وأكوام السماد البلدي المكون من روث البهائم والمواد العضوية المتحللة، ويقدر بعض العلماء عدد البكتريا على جسم الذبابة من الخارج بأربعة ملايين ومن الداخل بثمانية ملايين.

والأنواع الأخرى من الذباب: ذبابة المرحاض ،وتشبه الذبابة المنزلية ولكن يوجد خطان على الصدر، وهي تتوالد على فضلات الإنسان والحيوان خاصة البراز وتنجذب إلى العيون المصابة والجروح وتعتبر عاملا مهما في نقل ميكروب الرمد الصديدي وفيروس الرمد الحبيبي.

ذبابة الاسطبل: Stomoxys ( stable fly )

وهي في حجم الذبابة المنزلية ولكن أجزاء الفم ثاقبة ماصة، وهي تتوالد على روث الخيل، وهي ناقل ميكانيكي لطفيلي يسمى Trypanosoma ومسببات التيتانوس والجمرة الخبيثة وتسبب التدويد العرضي.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والستون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

* الحشرات المذكورة في القرآن الكريم وتأثيرها الضار والنافع على الإنسان والبيئة (وهي خلق عظيم )  الذباب

ذبابة تسي تسي Glossina:

وهي ذبابة أكبر حجما من الذبابة المنزلية وذبابة الأسطبل ( 10 ـ 15مم ) لونها 

بني أو أسود، تعيش في أفريقيا، وأجزاء الفم ثاقبة ماصة للدماء في الذكر 

والأنثى، وهي تتوالد على ضفاف الأنهار والبحيرات تحت ظلال الأشجار وفي الأماكن المفتوحة، وهي نوعان:

Glossina palpalies وهي أهم ناقل لطفيلي يسمى Trypanosoma gambiense المسبب لمرض النوم Sleeping sickness وهو يوجد بصورة مزمنة في غرب ووسط أفريقيا بين خط عرض 15 شمالا و10 جنوبا ( نيجيريا والكونجو ).

Glossina morsitans وهي أهم ناقل لطفيلي Tryponosoma rhodsiense المسبب لمرض النوم الموجود بصورة حادة ـ وهو قاتل للإنسان ـ في شرق أفريقيا بين خط عرض 15 شمالا و10 جنوبا ( جنوب السودان ـ 

روديسيا ـ كينيا ـ أوغندا ـ تنجانيقا ـ منطقة البحيرات ) وكذلك تنقل طفيلي 

يسمى Trypanosoma brucei للحيوانات الأليفة والمفترسة مسببة مرض ناجانا Nagana.

أعراض مرض النوم:

ـ قرحة مكان امتصاص الذباب للدم.

ـ تضخم في الغدد الليمفاوية.

ـ آلام في العضلات والمفاصل.

ـ نقص في كرات الدم البيضاء والحمراء.

ـ عند إصابة المخ وأغشيته يشعر المريض بصداع شديد ـ هذيان ـ عدم تركيز ــ ميل للنوم ـ التهابات متكررة يعقبها وفاة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السبعون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

* الحشرات المذكورة في القرآن الكريم وتأثيرها الضار والنافع على الإنسان والبيئة 

(وهي خلق عظيم )  النمــل:

وفي الآية 18 من سورة النمل يقول عز وجل: (حَتَّى إِذَا أَتَواْ عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِن قوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى وَالِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِين) وقد خشيت هذه النملة على النمل أن تحطمه جنود سليمان دون أن يشعروا بهم فأمرتهم بالدخول إلى مساكنهم، ففهم ذلك سليمان ـ عليه السلام ـ وتبسم ضاحكا وطلب من الله أن يلهمه الشكر على نعمائه لتعليمه منطق الطير 

والحشرات وتسخير الجن والريح له.

 والنملة حشرة صغيرة تعيش في مجموعات ولها مساكن ضعيفة وغالبيتها لا يسبب ضررا مباشرا للإنسان إلا في حالات نادرة حيث يلوث الأطعمة عند مروره عليها بدون قصد، ويفسد المخزون بانتشاره فيه. ويشكل النمل النوع الأكثر عددا على سطح الأرض ويعمل بحيوية ونشاط، يعيش في مستوطنات تحتوي على ذكور مجنحة وعاملات بدون أجنحة وملكات، أما أوكاره فهي محفورة في الأرض وفيها ممرات وغرف للعاملات وأماكن لحفظ الطعام.

كما يوجد نوع ثان من النمل، وهو الأكثر خطرا ( النمل الأبيض ) الذي يهاجم بمجموعات ضخمة عروق الأخشاب التي تدخل في بناء المساكن ويتغذى عليها مما يؤدي إلى انهيارها، هذا النمل يمكن أن يقضي على قرى ومدن بأكملها، وهو الذي جاء ذكره في الآية 14 من سورة سبأ: ( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَ دَآبَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِى الْعَذَابِ الْمُهِين).

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والسبعون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

* الحشرات المذكورة في القرآن الكريم وتأثيرها الضار والنافع على الإنسان والبيئة 

(وهي خلق عظيم )  الجراد والقمل :

أما بالنسبة للأنواع الأخرى من الحشرات الضارة فنجد أن القرآن الكريم قد أشار إليها في الآيتين 133، و134 من سورة الأعراف، يقول الله عز وجل: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ءَايَات مُفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِى إِسْرَآءيلَ).

 هذا إخبار من الله عز وجل عن قوم فرعون وعتوهم وعنادهم للحق وإصرارهم على الباطل، فأرسل عليهم الطوفان أي الموت الذريع أو المطر الشديد الذي غشي أماكنهم ودخل بيوتهم ووصل إلى حلوق الجالسين لمدة سبعة أيام. وأرسل عليهم الجراد وهي حشرة خضراء ضارة لها قوائم خلفية نطاطة تكون أسرابا ضخمة تهبط على المناطق المزروعة والشجر وتقضي عليها.

وقد تعرضت جمهورية مصر العربية في سنة 1904م لهجوم كبير من تلك الأسراب من الجراد مما أدى إلى حجب ضوء الشمس وكاد أن يقضي على نسبة 

كبيرة من المحاصيل الزراعية إن لم يكن كلها، لولا سقوط الأمطار التي قضت على هذه الأسراب. وفي شهر أبريل 1988م تعرضت البلاد لموجة شديدة الحرارة أدت لمحاولة دخول أسراب من الجراد عن طريق ليبيا لولا هطول الأمطار الغزيرة التي جعلت تلك الأسراب تحول اتجاهها رغم أن هذا التوقيت من العام لم تتعود فيه البلاد لسقوط أمطار إنما هي عظمة ورحمة من الله سبحانه وتعالى.

وقيل إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا دعا على الجراد قال: ( اللهم أهلك كباره واقتل صغاره وأفسد بيضه واقطع دابره وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء). وعن الجراد قال أحد الصالحين: (قبح الله الجرادة فيها خلقة سبعة جبابرة، رأسها رأس فرس، وعنقها عنق ثور، وصدرها صدر أسد، وجناحها جناح نسر، ورجلاها رجل جمل، وذنبها ذنب حية، وبطنها بطن عقرب) كما أرسل الله سبحانه وتعالى على قوم فرعون القمل، وهو السوس الذي يخرج من الحنطة، وقيل هو صغير الجراد الذي لا أجنحة له، غلب على البيوت والأطعمة ومنعهم النوم، وهو رغم صغر حجمه يمثل خطورة كبيرة بل هو عقاب يسلطه المولى سبحانه وتعالى على قوم قد وصل بهم الكفر والتعنت والكبرياء مبلغه ليجعلهم عبرة لمن بعدهم، وأن يبتليهم في صحتهم بهذا البلاء الذي يكسر كبرياءهم. وقد تحقق ذلك في توسلهم إلى سيدنا موسى ـ عليه السلام ـ بالدعاء لرفع هذا البلاء الذي أصابهم.

إذا نظرنا إلى حشرة القَمْل التي تشبه القـُمـل pediculus humanus من الناحية العلمية نجد منه ثلاثة أنواع، قمل الرأس والجسم والعانة، وهو ينقل مرض التيفوس والحمى الراجعة وحمى الخنادق. وأرسل الله عليهم الضفادع فملأت البيوت والآنية فلا يكشف أحد ثوبا أو طعاما إلا وجد فيه ضفدعا. وأرسل عليهم الدم فصارت مياه آل فرعون دما، ولا يستسقون من بئر ولا نهر إلا عاد دما.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانيةوالسبعون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

* الحشرات المذكورة في القرآن الكريم وتأثيرها الضار والنافع على الإنسان والبيئة 

(وهي خلق عظيم )  العنكبوت :

 وقد جاء ذكر العنكبوت في قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُون) الآية 41 من سورة العنكبوت. يشبه الله الذين اتخذوا من دون الله نصراء في الاعتماد على ما لا يصح الاعتماد عليه كمثل العنكبوت اتخذت لنفسها بيتا وهو من الوهن والضعف بحيث لا يحتمل أن يلمس بالإصبع لو كانوا يعلمون ذلك ولكنهم يجهلونه. إن الله يعلم ما يدعون من دونه شيئا بل خيالا وهو العزيز الحكيم، وهذه الأمثال يضربها للناس وما يعقلها ويفهم مراميها إلا العلماء الذين يتدبرون الأشياء ويرونها على حقيقتها. ولقد استخدم الله عز وجل العنكبوت كأحد جنوده لحماية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند خروجه من مكة مهاجرا، عندما اختبأ في غار ثور ونسج العنكبوت بيته على فتحة الغار مما صرف المشركين عن البحث فيه.

والعنكبوت يتبع مفصليات الأرجل، وله فكوك مفصلية تحتوي على غدد للسم، وعدد قليل من أنواع العناكب لها سم قوي المفعول ويمكن أن يؤذي الإنسان إذا عضته، ولكن الأغلبية العظمى منها عديم الضرر، إما لأن فكوكها ضعيفة وصغيرة وإما لأن سمها ضعيف المفعول.

النحل

وأما النحل فيعتبر من الحشرات النافعة للإنسان فهو يمد الإنسان بشهد العسل الذي يعتبر غذاء ودواء، والنحل يساعد على خصوبة النباتات وزيادة المحاصيل لأنه يحمل حبوب اللقاح من زهرة إلى أخرى عند امتصاص الرحيق، ومن حبوب اللقاح يصنع النحل الخبز الذي يعتبر مصدرا للبروتينات التي تساعدها في نشاطها اليومي. وجاء ذكر النحل في القرآن الكريم في سورة النحل الآيتان 68 و69.  (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِى مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ 

* ثُمَّ كُلِى مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِى سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ

 مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآء لِلنَّاسِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون). أي أن الله أوحى إلى النحل أن يتخذ من الجبال والشجر بيوتا ـ يأوي إليها ـ محكمة، آية في الإتقان، ليس بها خلل، ثم أذن لها إذنا قدريا أن تأكل من كل الثمرات وأن تسلك الطرق التي جعلها الله مذللة لها من البراري الشاسعة والجبال الشاهقة والأودية، ثم تعود إلى بيوتها لتخرج العسل من بطونها وتبني الشمع من إفرازاتها.

 وأثبتت الدراسات أن النحل يعيش حياة اجتماعية متخصصة في مجموعات داخل الخلية مما يدل على التخطيط الفطري لها وهو صورة واضحة للنشاط والتعاون داخل الخلية. وتختلف خواص العسل ولونه باختلاف مصادر الرحيق، وفصائل الزهور، والمراعي، وفصول السنة، واختلاف سلالات النحل، فمنه ما هو أبيض أو أصفر أو أحمر، كما تختلف نسبة السكر وكثافة العسل وقابليته للتجمد. وشهد العسل يعتبر غذاء كاملا سهل الهضم لا يحتاج إلى تمثيل غذائي ويستعمل مصدرا للتحلية والطاقة، وهو مقو وفاتح للشهية وذلك لأنه يحتوي على بعض العناصر اللازمة كالسكريات والإنزيمات والأملاح والفيتامينات والأحماض العضوية والأمينية كما توجد فيه عدة أنواع من السكريات تتكون من الجلوكوزوالفركتوز والسكروز، والأملاح كالكالسيوم والبوتاسيوم والصوديوم والمغنيسيوم والفسفور، كما يحتوي على نسبة من معادن النحاس والحديد والمنجنيز، بالإضافة إلى العديد من الفيتامينات ( فيتامين ب المركب وفيتامين ك الواقي من النزيف ) وبعض الأحماض الأمينية ( حوالي 20 مركبًا ) وهي المسؤولة عن نكهته وطعمه، وهي التي تجعله غير مناسب لنمو البكتريا والفطريات، وكذلك الأنزيمات التي تساعد في عملية التمثيل الغذائي للطعام. والغذاء الملكي يحتوي على مادتي البيوبترين والنيوبترين التي تنشط الجسم عامة وذلك بإمداد كل الخلايا بالطاقة خاصة الجهاز الحركي والعضلي والعصبي والجهاز الهضمي والجهاز التناسلي. وكذلك يحتوي على استرات الأسيتيل كولين التي تساعد على التركيز كما يحتوي على مواد قاتلة للبكتريا.

ويستعمل العسل كدواء في علاج بعض أمراض العيون والأمراض الجلدية والجروح والجهاز التنفسي والدوري والهضمي والعصبي والتناسلي والغدد الصماء.

وقد أثبتت الأبحاث العلمية المتخصصة أنه يحتوي على بعض المضادات الحيوية.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والسبعون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

* الحشرات المذكورة في القرآن الكريم وتأثيرها الضار والنافع على الإنسان والبيئة 

(وهي خلق عظيم )  النحل :

 ونستعرض بعض فوائد العسل الطبية على أجهزة الجسم المختلفة بشيء من التفصيل:  الجهاز التنفسي: وجد أنه يزيد مناعة الجسم من نزلات البرد والأنفلونزا وهو من أفضل المواد لتعقيم الفم وعلاج اللثة.

الجهاز الهضمي: مطهر للأمعاء لأنه يقضي على البكتريا والفيروسات والفطريات

 ويعالج الإسهال ويعد ملينا طبيعيا ويساعد على شفاء المرضى المصابين بالتهاب 

الكبد المزمن والتهاب المرارة.

يعالج الاضطرابات ويؤدي إلى النوم الهادئ ويستعمل ضد الأرق والقلق. ويستعمل في أمراض الجهاز البولي التناسلي فهو مدر للبول ويعالج البروستاتا وينظم تأثير الهرمونات في الجسم.

ويعتقد أن شهد العسل يمنع مرض السرطان، فقد دلت الدراسات الحديثة على عدم وجود هذا المرض بين النحالين لأنهم يتناولونه بصفة مستمرة. ويعتبر شمع العسل من أهم منتجاته، وقد استعمل هذا الشمع منذ القدم وما زال يدخل في صناعة المراهم والكريمات ومستحضرات التجميل. أما سم نحل العسل فيتكون من سائل شفاف له رائحة نفاذة وطعم لاذع مر ذي تأثير حمضي. وهو يحتوي على مواد بروتينية وزيوت تؤدي إلى تنشيط الجهاز المناعي للمريض، ويستعمل في علاج بعض الأمراض الروماتيزمية. وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بالشفاءين العسل والقرآن ).

ومن الأحاديث الصحيحة: ( أن رجلا جاء إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال: اسقه عسلا، فذهب فسقاه عسلا ثم جاء فقال: يارسول الله سقيته عسلا فما زاده إلا استطلاقا! قال: فاسقه عسلا، فذهب فسقاه عسلا، ثم جاء فقال: يا رسول الله ما زاده إلا اســتطلاقا، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: صـــدق الله وكذب بطن أخيك، اذهب فاسقه عسلا، فذهب

 فسقاه عسلا فبرئ ).

وقال بعض علماء الطب كان الرجل عنده فضلات فلما سقاه عسلا وهو حار تحللت فأسرعت في الاندفاع فزاده إسهالا، فاعتقد الأعرابي أن هذا في غير 

مصلحة أخيه، ثم سقاه فازداد التحلل والدفع، ثم سقاه فلما اندفعت الفضلات الفاسدة المضرة استمسك بطنه وشفي.[الأنترنت – موقع الحشرات المذكورة في القرآن الكريم وتأثيرها الضار والنافع على الإنسان والبيئة (وهي خلق عظيم )

أ.د. سميحة سيد مسلم - استشاري بالهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والسبعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: 

* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ

جسم الإنسان .. إعجاز وبيان

يقول تعالى في سورة الانفطار: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 6 - 8].

 "إنَّه خطابٌ يهزُّ كلَّ ذرة في كيان الإنسان حين تستيقظُ إنسانيته، ويبلغ من القلب شغافه وأعماقه، وربه الكريم يعاتبه هذا العتابَ الجليل، ويذكره بهذا الجميل، بينما هو سادر في التقصير، سيئ الأدب في حقِّ مولاه الذي خلقه فسواه فعدله.

إنَّ خلقَ الإنسانِ على هذه الصورة الجميلة السوية المعتدلة، الكاملة الشكل والوظيفة - أمرٌ يستحق التدبرَ الطويل، والشكرَ العميق، والأدب الجمَّ، والحب لربه الكريم، الذي أكرمه بهذه الخلقة؛ تَفضُّلاً منه، ورعاية ومِنَّة، فقد كان قادرًا أن يُرَكِّبَه في أيَّة صورة أخرى يشاؤها، فاختار له هذه الصورة السوية المعتدلة الجميلة، وإنَّ الإنسان لمخلوق جميل التكوين، سوي الخلقة، معتدل التصميم، وإن عجائب الإبداع في خلقه لأَضْخَم من إدراكه هو، وأعجب من كل ما يراه حوله.

وإنَّ الجمالَ والسواء والاعتدال لتبدو في تكوينه الجسدي، وفي تكوينه العقلي، وفي تكوينه الرُّوحي سواء، وهي تتناسق في كيانه في جمال واستواء.

وهناك مؤلفات كاملة في وصف كمال التكوين الإنساني العضوي ودِقَّتِه 

وإحكامه، وليس هنا مَجال التوسُّع الكامل في عَرْضِ عجائب هذا التكوين،

 ولكنَّنا نكتفي بالإشارةِ إلى بعضها".

وهناك قبسات من الفصلين الثالث والرابع من كتاب (أفلا تتفكرون) للشيخ: عبدالعزيز بن ناصر الجليل، أعتقد أنها تفي بإيصال الفكرة المنشودة.

ويقول صاحبُ الظلال أيضًا: "فهذه الأجهزةُ العامَّةُ لتكوينِ الإنسان الجسدي: الجهاز العظمي، والجهاز العضلي، والجهاز الجلدي، والجهاز الهضمي، والجهاز الدَّموي، والجهاز التنفسي، والجهاز التناسلي، والجهاز الليمفاوي، والجهاز العصبي، والجهاز البولي، وأجهزة الذوق والشم والسمع والبصر... كلٌّ منها عجيبة لا تقاسُ عليها كل العجائب الصناعية التي يقف الإنسان مشدوهًا أمامها، وينسى عجائبَ ذاته، وهي أضخمُ وأعمقُ وأدقُّ بما لا يقاس!".

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والسبعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: 

ذكر بعض نعم الله - عزَّ وجلَّ - في خلق الإنسان وتركيبه:

انظر إلى النطفةِ بعَيْنِ البصيرة، وهي قطرةٌ من ماء مَهين ضعيف مستقذر،

 لو مرَّت بِها ساعةٌ من الزمان، فسدت وأنتنت، كيف استخرجها ربُّ الأرباب العليم القدير من بين الصُّلب والترائب منقادةً لقدرته، مُطيعة لمشيئته، مذلَّلة الانقيادعلى ضيق طُرُقها واختلاف مجاريها،إلى أن ساقها إلى مستقرها ومجمعها؟! وكيف جمع سبحانه بين الذَّكَر والأُنثى، وألقى المحبَّة بينهما؟! وكيف قدَّر اجتماعَ ذَيْنِكَ الماءين مع بُعْد كلٍّ منهما عن صاحبه، وساقهما من أعماقِ العروق والأعضاء، وجمعهما في موضع واحد، جعل لهما قرارًا مَكينًا لا يناله هواءٌ يُفسِده، ولا برد يجمِّده، ولا عارِض يصل إليه، ولا آفة تتسلَّط عليه؟! ثم قلب تلك النطفة البيضاء المُشرَبَة علقة حمراء تضربُ إلى سواد، ثم جعلها مُضغةَ لَحم مُخالفة للعلقة في لونها وحقيقتها وشكلها، ثم جعلها عظامًا مجرَّدة لا كسوةَ عليها، مُبايِنة للمضغة في شكلها، وهَيْئَتِها، وقَدْرِها، وملمسها، ولونها.

وانظر كيف قَسَّم تلك الأجزاء المتشابهة المتساوية إلى الأعصاب، والعظام، والعروق، والأوتار، واليابس، والليِّن وبين ذلك؟ ثم كيف ربط بعضَها ببعض أقوى رباط وأشدَّه وأبعدَه عن الانحلال؟ وكيف كساها لَحمًا ركَّبه عليها، وجعله وعاءً لها، وغشاءً وحافِظًا، وجعلها حاملةً له مُقيمةً له؟! فاللحم قائم بها، وهي مَحفوظة به، وكيف صوَّرها فأحسن صورَها، وشقَّ لها السمع، والبصر، والفم، والأنف، وسائر المنافذ، ومدَّ اليدين والرجلين، وبسطهما، وقسم رُؤوسَهما بالأصابع، ثم قَسَّم الأصابع بالأنامل، ورَكَّب الأعضاء الباطنة من القلب، والمعدة، والكبد، والطحال، والرئة، والرحم، والمثانة، والأمعاء، كلّ واحد منها له قَدْر يخصُّه، ومنفعةٌ تخصّه؟!

ثم انظر الحكمةَ البالغة في تركيب العظام قوامًا للبدن وعِمادًا له، وكيف قدَّرها ربُّها وخالِقُها بتقاديرَ مختلفة، وأشكالٍ مُختلفة؟ فمنها الصَّغير والكبير، والطويل والقصير، والمنحني والمستدير، والدقيق والعريض، والمصمت والمجوَّف، وكيف ركَّب بعضَها في بعض؟! فمنها ما تركيبه تركيب الذَّكَر في الأُنثى، ومنها ما تركيبه تركيبُ اتصالٍ فقط، وكيف اختلفت أشكالُها باختلاف منافعها، كالأضراس فإنَّها لَمَّا كانت آلةً للطَّحن جُعِلَت عريضة، ولَمَّا كانت الأسنان آلة للقطع، جُعِلت مستدقَّة محتدَّة؟

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والسبعون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

ذكر بعض نعم الله - عزَّ وجلَّ - في خلق الإنسان وتركيبه:

ولَمَّا كان الإنسان مُحتاجًا إلى الحركة بجُملة بدنه، وببعض أعضائه؛ للتردُّد في 

حاجته، لَم يجعل عظامه عظمًا واحدًا، بل عظامًا متعدِّدة، وجعل بينها مفاصلَ؛ حَتَّى تتيسَّر بها الحركة، وكان قدرُ كلِّ واحدٍ منها وشكله على حسب الحركة المطلوبة منه، وكيف شدَّ أسْر تلك المفاصل والأعضاء، ورَبَطَ بعضها ببعض بأوتارٍ ورِباطات أنبتها من أحدِ طرفي العظم، وألصقَ أحدَ طرفي العظم بالطرف الآخر كالرِّباط له، ثم جعل في أحد طرفي العظم زوائِدَ خارجةً عنه، وفي الآخر نُقَرًا غائصةً فيه مُوافقة لشكل تلك الزَّوائد؛ لتدخل فيها، وتنطبق عليها، فإذا أراد العبدُ أن يُحرِّك جزءًا من بدنه، لم يَمتنع عليه، ولولا المفاصل، لتعذَّر ذلك عليه.

   تقول مَجلة العلوم الإنجليزية: إنَّ يدَ الإنسان في مُقدمة العجائب الطبيعية 

الفذَّة، وإنَّه من الصَّعب جدًّا - بل من المستحيل - أن تُبْتكرَ آلة تضارع اليد البشرية من حيث البساطة، والقُدرة، وسرعة التكيُّف، فحينما تريد قراءةَ كتاب، تتناوله بيدك، ثُمَّ تثبته في الوضع الملائم للقراءة، وهذه اليد هي التي تُصَحِّح وضعَه تلقائيًّا، وحينما تقلب إحدى صفحاته، تضع أصابِعَك تحت الورقة، وتضغط عليها بالدرجة التي تقلبها بها، ثم يزول الضغط بقلب الورقة، واليد تُمْسِك القلم وتكتب به، وتستعمل كل الآلات التي تلزم الإنسان، من ملعقة، إلى سكين، إلى آلة الكتابة، وتفتح النوافذ وتغلقها، وتحمل كلَّ ما يريده الإنسان، واليدان تشتملان على سبع وعشرين عظمة، وتسع عشرة مجموعة من

 العضلات لكل منهما" [عن كتاب "الله والعلم الحديث" عبدالرزاق نوفل ]

وتأمَّل كيفيةَ خلق الرأس، وكثرةَ ما فيه من العظام، حتى قيل: إنَّها خمس وخمسون عظمة مختلفة الأشكال، والمقادير، والمنافع، وكيف ركَّبه - سبحانه وتعالى - على البدن، وجعله عاليًا علوَّ الراكب على مركوبه؟ ولَمَّا كان عاليًا على البدن، جعل فيه الحواسَّ الخمس، وآلات الإدراك كلها من السمع، والبصر، والشمِّ، والذوق، واللَّمس، وجعل حاسَّة البصر في مقدِّمه؛ ليكونَ كالطليعة والحرس والكاشف للبدن، وركَّب كلَّ عين من سبع طبقات، لكل طبقةٍ وَصْفٌ مَخصوص، ومِقْدار مخصوص، ومنفعة مخصوصة، لو فقدت طبقة من 

تلك الطبقات السبع أو زالت عن هيئتها وموضعها، لتعطَّلت العين عن الإبصار.

ثم أَرْكز - سبحانه - داخلَ تلك الطبقات السبع خلقًا عجيبًا، وهو إنسان العين - بقدر العدسة - يُبصِر به ما بين المشرق والمغرب والأرض والسماء، وجعله من العين بمنزلةِ القَلْب من الأعضاء، فهو ملكها وتلك الطبقات والأجفان والأهداب خَدَم له وحِجاب وحُرَّاس، فتبارك الله أحسن الخالقين!

فانظر كيف حسَّن شكلَ العينين وهيئتهما ومقدارهما؟ ثم جَمَّلَهما بالجفنين غطاءً لهما وسترًا، وحِفظًا وزينًة، فهما يتلقيان عن العين الأذى والقذى والغبار، ويكنَّانِهما من البَرد المؤذي، والحرِّ المؤذي، ثم غرس في أطراف تلك الأجفان الأهدابَ؛ جَمالاً وزِينًة، ولمنافعَ أُخَر وراء الجمال والزينة، ثم أودعهما ذلك النور الباصِر، والضوء الباهر الذي يخرق ما بين السماء والأرض، ثم يخرق السماء مُجاوزًا لرؤية ما فوقها من الكواكب، وقد أودع - سبحانه - هذا السرَّ العجيب في هذا المقدارِ الصغير؛ بحيث تنطبع فيه صورةُ السموات مع اتِّساع أكنافها، وتباعُد أقطارها.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والسبعون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

ذكر بعض نعم الله - عزَّ وجلَّ - في خلق الإنسان وتركيبه:

وشقَّ له السمع، وخلق الأُذُن أحسن خلقة وأبلغها في حصول المقصود منها، ثُمَّ اقتضت حكمةُ الربِّ الخالق - سبحانه - أنْ جَعل ماءَ الأُذن مُرًّا في غاية المرارة، فلا يُجاوزه الحيوان ولا يقطعه داخلاً إلى باطن الأُذُن، بل إذا وصل إليه أعمل الحيلة في رجوعه.

   "وإنَّ جزءًا من أذن الإنسان (الأذن الوسطى) هو سلسلة من نحو أربعة آلاف حنية (قوس) دقيقة معقدة، متدرجة بنظام بالغ في الحجم والشكل، ويُمكن القول بأنَّ هذه الحنِيَّات تشبه آلة موسيقية، ويبدو أنَّها مُعَدَّة بحيث تلتقط وتنقل إلى المخ بشكلٍ ما كُلَّ وَقْعِ صوتٍ أو ضجة، من قصف الرَّعد إلى حفيف الشجر" [ عن كتاب "العلم يدعو إلى الإيمان" ]

وجعل ماء العينين ملحًا ليحفظها، فإنَّها شحمة قابلة للفساد، فكانت ملوحةُ مائها صيانةً لها وحِفظًا، وجعل ماء الفم عذبًا حُلوًا؛ ليُدرك به طعوم الأشياء على ما هي عليه.

ونَصَب - سبحانه - قصبة الأنف في الوجه، فأحسن شكلَه وهيئتَه ووضعه، وفتح فيه المِنخَرين، وحجز بينهما بحاجز، وأودع فيهما حاسَّة الشمِّ التي تُدرَك بها أنواعُ الروائح الطيبة والخبيثة والنافعة والضارَّة، وليستنشق به الهواء، فيوصله إلى القلب، فيتروَّح به ويتغذَّى به، وكان وجود أنفين في الوجه شيئًا ظاهرًا، فنصب فيه أنفًا واحدًا، وجعل فيه منفذين حجز بينهما بحاجز يجري مجرى تعدُّد العينين والأُذنين في المنفعة وهو واحد، فتبارك الله ربُّ العالمين وأحسنُ الخالقين!

وشقَّ - سبحانه - للعبد الفم في أحسن موضع وأليقه به، وأودَع فيه من المنافع وآلاتِ الذوق والكلام، وآلات الطحن والقطع - ما تَبْهَرُ العقولَ عجائبُه؛ فأودعه اللسان الذي هو إحدى آياته الدَّالة عليه، وجعله ترجمانًا لملك الأعضاء مبيِّنًا مؤدِّيًا عنه، كما جعل الأُذن رَسولاً مؤدِّيًا مُبلِّغًا إليه، فهي رسوله وبريده الذي يؤدِّي إليه الأخبار، واللسان بريده ورسوله الذي يؤدِّي عنه ما يريد.

واقتضت حكمته - سبحانه - أنْ جعل هذا الرسولَ مَصونًا مَحفوظًا مستورًا غير بارز مكشوف، كالأُذُن والعين والأنف؛ لأنَّ تلك الأعضاء لَمَّا كانت تؤدِّي من الخارج إليها جعلت بارزةً ظاهرة، ولَمَّا كان اللسانُ مُؤدِّيًا منه إلى الخارج جعل له سِترًا مصونًا؛ لعدم الفائدة في إبرازه؛ لأنه لا يأخذ من الخارج إلى القلب، كذلك لأنه لَمَّا كان أشرف الأعضاء بعد القلب، ومنزلته منه منزلة ترجمانه ووزيره، ضُرِبَ عليه سُرادِقٌ يستره ويصونه، وجُعِلَ في ذلك السرادقِ كالقلب في الصدر، فإنه كذلك من ألطف الأعضاء وألينها وأشدِّها رطوبةً، وهو لا يتصرَّف إلاَّ بواسطة الرطوبة المحيطة به، فلو كان بارزًا، صار عُرضةً للحرارة واليبوسة والنشاف المانع له من التصرُّف، ولغير ذلك من الحِكَم والفوائد.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة

 والسبعون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

ذكر بعض نعم الله - عزَّ وجلَّ - في خلق الإنسان وتركيبه:

ثم زيَّن - سبحانه - الفم بما فيه من الأسنان التي هي جمالٌ له وزينة، وبهما قوام العبد وغذاؤه، وجعل بعضها رحًى للطحن، وبعضها آلةً للقطع، فأحكم أُصولها، وحدَّد رؤوسَها، وبيَّض لونها، ورتَّب صفوفها متساوية الرؤوس متناسقة الترتيب، كأنها الدُّر المنظوم بياضًا وصفاءً وحُسْنًا، وأحاط - سبحانه - على ذلك حائطين، وأودعهما من المنافع والحِكَم ما أودعهما، وهما الشفتان، فحسن لونهما وشكلهما ووضعهما وهَيْئَتَهما، وجعلهما غطاءً للفم وطبقًا له، وجعلهما إتْمامًا لمخارج حروف الكلام ونِهاية له، كما جعل أقصى الحلق بدايةً له، واللسان وما جاوره وسطًا؛ ولهذا كان أكثرُ العمل فيها له؛ إذ هو الواسطة، واقتضت حكمته أن جعل الشَّفتين لَحمًا صِرفًا لا عظمَ فيه ولا عصب؛ ليتمكَّن بهما من مصِّ الشراب، ويسهل عليه فتحهما وطبقهما، وخصَّ الفكَّ الأسفل بالتحريك؛ لأنَّ تَحريكَ الأخفِّ أحسن، ولأنه يشتمل على الأعضاء الشريفة، فلم يخاطر بها في الحركة.

وخلق - سبحانه - الحناجر مُختلفة الأشكال في الضيق والسَّعة، والخشونة والملاسة، والصلابة واللِّين، والطول والقصر، فاختلفت بذلك الأصواتُ أعظمَ اختلاف، ولا يكاد يشتبه صوتان إلاَّ نادرًا؛ ولهذا كان الصحيح قَبول شهادة الأعمى؛ لتمييزه بين الأشخاص بأصواتهم، كما يُميِّز البصير بينهم بصُورِهم، 

والاشتباه العارض بين الأصوات، كالاشتباه العارض بين الصور.

وزيَّن - سبحانه - الرأس بالشعر، وجعله لباسًا له؛ لاحتياجه إليه، وزيَّن الوجه بما أنبت فيه من الشعور المختلفة الأشكال والمقادير، فزَيَّنه بالحاجبين، وجعلهما وقايةً لما يتحدَّر من بشرة الرأس إلى العينين، وقوَّسهما، وأحسن خطَّهما، وزيَّن أجفان العينين بالأهداب، وزيَّن الوجه أيضًا باللحية، وجعلها كمالاً ووقارًا ومهابًة للرجل، وزيَّن الشفتين بما أنبت فوقهما من الشارب، وتَحتهما من العنفقة.

ثم انظر كيف جعل الرقبة مركبًا للرأس، وركَّبها من سبع خرزات مجوَّفات 

مُستديرات، ثم طبَّق بعضها على بعض، وركَّب كل خرزة تركيبًا مُحكَمًا متقنًا، حتى صارت كأنَّها خرزة واحدة، ثم ركَّب الرقبة على الظهر والصدر، ثم ركَّب الظهر من أعلاه إلى مُنتهى عظم العجز من أربع وعشرين خرزة مركَّبة بعضها في بعض؛ هي مجمع أضلاعه التي تُمسكها أن تنحلَّ وتنفصل، ثم وصل تلك العظام بعضها ببعض، فوصل عظام الظهر بعظام الصدر، وعظام الكتفين بعظام العضدين، والعضدين بالذراعين، والذراعين بالكفِّ والأصابع؟!

وانظر كيف كسا العظامَ العريضةَ كعظام الظهر والرأس كسوةً من اللحم تُناسبها، والعظام الدقيقة كسوة تناسبها كالأصابع، والمتوسطة كذلك كعظام الذراعين 

والعضدين، فهو مركَّب على ثلاثمائة وستين عظمًا: مائتان وثمانية وأربعون من المفاصل، وباقيها صغار حُشِيَت خلال المفاصل، فلو زادت عظمًا واحدًا، لكان مضرَّة على الإنسان يحتاج إلى قلعه، ولو نقصت عظمًا واحدًا كان نقصانًا يَحتاج إلى جبر، فالطبيب ينظر في هذه العظام وكيفيةِ تركيبها؛ ليعرفَ وجه العلاج في جبرها، والعارف ينظر فيها؛ ليستدلَّ بها على عَظَمَةِ باريها وخالقها، وحكمته وعلمه ولطفه، وكم بين النظرين!

ثم إنه - سبحانه - ربط تلك الأعضاءَ والأجزاء بالرِّباطات، فشَدَّ بها أسْرَها، وجعلها كالأوتار تُمسكها وتحفظها، حتى بلغ عددها خمسمائة وتسعة وعشرين رباطًا، وهي مختلفة في الغلظة والدقَّة، والطول والقصر، والاستقامة والانحناء، بحسب اختلاف مواضعها ومَحالِّها، فجعل منها أربعةً وعشرين رباطًا آلةً لتحريك العين وفتحها وضمِّها وإبصارها، لو نقص منها رباطٌ واحد، اختلَّ أمر العين، وهكذا لكل عضو من الأعضاء رباطات هي له كالآلات التي بها يتحرَّك ويتصرَّف ويفعل، كل ذلك صنع الربِّ الحكيم، وتقدير العزيز العليم في قطرة ماء مَهين، فويل للمكذِّبين، وبُعدًا للجاحدين.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة

 والسبعون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

ذكر بعض نعم الله - عزَّ وجلَّ - في خلق الإنسان وتركيبه:

ومن عجائب خلقه أنَّه جعل في الرأس ثلاثَ خزائن نافذًا بعضُها إلى بعض: خزانة في مقدمه، وخزانة في وسطه، وخزانة في آخره، وأودع تلك الخزائنَ من أسرارِه ما أودعها من الذِّكر والفكر والعقل.

ومن عجائب خلقه ما فيه من الأمور الباطنة التي لا تشاهد، كالقلب، والكبد،

 والطحال، والرِّئة، والأمعاء، والمثانة، وسائر ما في بطنه من الآلات العجيبة والقوى المتعددة المختلفة المنافع.

فأمَّا القلب، فهو الملك المستعمل لجميع آلاتِ البدن والمستخدم لها، فهو مَحفوف بها، محشود مخدوم مستقر في الوسط، وهو أشرفُ أعضاء البدن، وبه قوام الحياة، وهو منبع الروح الحيواني والحرارة الغريزية، وهو معدن العقل، والعلم، والحلم، والشجاعة، والكرم، والصبر، والاحتمال، والحبِّ، والإرادة، والرضا، والغضب، وسائر صفات الكمال، فجميع الأعضاء الظاهرة والباطنة وقُواها إنَّما هي جند من أجناد القلب.

فإن العينَ طليعته ورائده الذي يكشف له المرئِيَّات، فإنْ رأت شيئًا أدَّته إليه، ولشِدَّة الارتباط، الذي بينها وبينه إذا استقر فيه شيء، ظهر فيها، فهي 

مرآته المترجمة للناظر ما فيه.

كما أنَّ اللسان ترجمانه، وبالجملة فسائر الأعضاء خَدَمُه وجنوده؛ قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ألاَ إنَّ في الجسد مُضغة، إذا صَلَحَت صَلَح لها سائرُ الجسد، وإذا فَسَدَت فسد لها سائرُ الجسد، ألاَ وهي القلب))؛ البخاري (52)، مسلم (1599).

وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "القلب ملك، والأعضاء جنوده، فإن طاب الملك، طابت جنوده، وإذا خبث الملك، خبثت جنوده..."؛ "مفتاح دار السعادة"، (1/193 - 199) لابن القيم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثمانون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

ذكر بعض نعم الله - عزَّ وجلَّ - في خلق الإنسان وتركيبه:

الإعجاز في عملية الهضم:

"ونحن إذا نظرنا إلى الهضم على أنَّه عملية في معمل كيمياوي، وإلى الطَّعام الذي نأكله على أنه موادُّ غفل، فإننا ندرك تَوًّا أنه عملية عجيبة؛ إذ تهضم تقريبًا كل شيء يؤكل، ما عدا المعدة نفسها!

فأولاً نَضَعُ في هذا المعمل أنواعًا من الطَّعام، كمادة "غفل" دون أيِّ مُراعاة للمعمل نفسه، أو تفكير في كيفيَّة مُعالجة كيمياء الهضم له، فنحن نأكلُ شرائحَ اللحم والكُرُنْبِ والحنطة والسمك المقلي، وندفعها بأيِّ قدر من الماء.

ومن بين هذا الخليط تَختار المعدةُ تلك الأشياء التي هي ذات فائدة؛ وذلك بتحطيم كل صنف من الطَّعام إلى أجزائه الكيمياوية دون مُراعاة للفضلات، وتُعيد تكوينَ الباقي إلى بروتينات جديدة، تصبح غذاءً لمختلف الخلايا، وتَختار أدوات الهضم وهي الجير والكبريت واليود والحديد، وكل المواد الأخرى الضرورية، وتُعنى بعدم ضياع الأجزاء الجوهرية، وبإمكان إنتاج الهرمونات، وبأنْ تكونَ جميع الحاجات الحيوية للحياة حاضرةً في مقادير مُنتظمة، ومستعدة لمواجهة كل ضرورة، وهي تخزن الدُّهن والمواد الاحتياطية الأخرى؛ للقاء كل حالة طارئة، مثل الجوع، وتفعل ذلك كله، بالرغم من تفكير الإنسان أو تعليله، إنَّنا نصب هذه الأنواع التي لا تُحصى من المواد في هذا المعمل الكيمياوي، بصرف النظر كلية تقريبًا عما نتناوله، معتمدين على ما نحسبه عملية ذاتية (أوتوماتيكية)؛ لإبقائنا على الحياة.

وحين تتحلل هذه الأطعمة، وتجهز من جديد، تقدم باستمرار إلى كلِّ خلية من بلايين الخلايا، التي تبلغ من العدد أكثرَ من عدد الجنس البشري كله على وجه الأرض، ويجب أن يكون التصدير إلى كلِّ خلية فردية مُستمرًّا، وألاَّ يُصَدَّر سوى تلك المواد التي تَحتاج إليها تلك الخلية المعينة؛ لتحويلها إلى عظام، وأظافر، ولحم، وشعر، وعينين، وأسنان، كما تتلقاها الخلية المختصة!"؛ 

   [عن كتاب "الله والعلم الحديث".]

"فها هنا إذًا معملٌ كيمياوي يُنْتِج من المواد أكثرَ مما ينتجه أيُّ معمل ابتكره ذكاء الإنسان! وها هنا نظامٌ للتصدير أعظمُ من أي نظام للنقل أو التوزيع عرفه العالم، ويتمُّ كلُّ شيء فيه بمنتهى النظام"؛ المصدر السابق.

خاتمة:

وهكذا رأينا كيف يدعو القرآن العبد إلى النظر والتفكُّر في خلقه؛ إذ نفسه وخلقه من أعظم الدَّلائل على خالقه وفاطره، وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه، وفيه من العجائب الدَّالة على عَظَمةِ الله ما تنقضي الأعمار في الوقوف على بعضه، وهو غافل عنه مُعرِض عن التفكُّر فيه، ولو فكر في نفسه لزجره ما يعلم من عجائب خلقها عن كُفره.

قال الله - تعالى -: ﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ﴾ [عبس: 17 - 20]، لعلنا عرفنا الحكمة من تَكرار الحق - سبحانه - لألفاظ النطفة، والعلقة، والمضغة، والتُّراب على أسماعنا وعُقولنا، لا لنتكلم بها فقط، ولا لمجرد تعريفنا بذلك، بل لأمرٍ وراء ذلك كله هو المقصود بالخطاب، وإليه جرى ذلك الحديث.

وإنَّ جُملة ما عرفنا وعرفه الخلق كلهم من نعم الله - تعالى - بالنسبة إلى ما لم يعرفوه أقل من قطرة في بحر؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18].

المصادر:

• من كتاب (أفلا تتفكرون) للشيخ: عبدالعزيز بن ناصر الجليل، الفصل الثالث: "التفكر في آيات الله - عزَّ وجلَّ - في الأنفس".

• المرجع السابق، الفصل الرابع: التفكر في آلاء الله - عزَّ وجلَّ - ونعمه الظاهرة والباطنة.

• من كتاب: "مفتاح دار السعادة"، لابن القيم.

• من كتاب: "الله والعلم الحديث"، عبدالرزاق نوفل.

[ الأنترنت – موقع الألوكة - جسم الإنسان .. إعجاز وبيان الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ - د. محمد السقا عيد ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثمانون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: * {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا }

خلق الله العالم أي أوجده من العدم، والخلق في اللغة بمعنى الإنشاء.. أو النصيب لوافر من الخير والصلاح و(الخالق) بالألف واللام لا تطلق إلا على الحقّ عزّ وجلّ، والخالق في صفات الله تعالى هو الموجد للأشياء، المبدع المخترع لها على غير مثال سبق، وهو الذي قدر الأشياء وهي في طوايا العدم، وكملها بمحض الجود والكرم، وأظهرها وفق إرادته ومشيئته وحكمته... والله الخالق من حيث التقدير أولاً، والبارئ للإيجاد وفق التقدير، والمصور لترتيب الصور بعد الإيجاد، ومثال ذلك الإنسان... فهو أولاً يقدر ما منه موجود.. فيقيم الجسد.. ثم يمده بما يعطيه الحركة والصفات التي تجعله إنساناً عاقلاً، ويجوز أن يطلق على الإنسان وصف (خالق) ولا حرج، بينما لا يجوز أن يوصف وأن يسمى (الخالق) ويؤخذ ذلك من قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ "12" ثُمَّ جَعَلنَاهُ نُطفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ "13" ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ"14"}[سورة المؤمنون].                                     

فدل قوله تعالى (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) على أنه عزّ وجلّ أطلق على 

الإنسان وصف خالق وذلك مع الأخذ في الاعتبار أن خلق الإنسان هو خلق معدوم من موجود، بينما خلق الله هو خلق موجود من معدوم... خذ على سبيل المثال: السيارة فتجد أن الإنسان يخلقها من مواد موجودة في الكون كالمعدن وخلافه، ولو لم تكن هذه المواد موجودة لما استطاع الإنسان أن يخلق أو يصنع السيارة.

أما بالنسبة للحقّ جلّ وعلا فإنَّ الأمر مختلف.. إذ أنه يخلق الشيء من العدم المطلق.. والعدم المطلق هو اللاشيئيّة.. فهو تبارك وتعالى يخلق الشيء دون أن يكون له سابقة وجود على الإطلاق، ولقد أكد عزّ وجلّ على مسألة الخلق من العدم المطلق في العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى: {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئا"9"}[سورة مريم].   

{هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَّ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيئاً مَذكُوراً"1"}[سورة الإنسان]. 

أي أنَّ الإنسان لم يكن له وجود قبل أن يخلقه الله عزّ وجلّ. لقوله تعالى: {...إِنَّهُ يَبْدَؤُا الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالقِسْطِ."4"}[سورة يونس].{قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ "34"}[سورة يونس]. 

{. كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ"104"}[سورة الأنبياء]. 

والحقّ سبحانه وتعالى لم يؤكد حقيقة الخلق من العدم فحسب، وإنما أكد حقيقة أخرى ألا وهي أن كل شيء عدا الله عزّ وجلّ مخلوق له خاضع لأمره، ولا 

استثناء في هذه القاعدة، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: {..... وَخَلَقَ كُلَّ َشيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً"2"}[سورة الفرقان].

{..... قُلِ اللهُ خَلِقُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ"16"}[سورة الرعد].

{اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ وَكِيلٌ"62"}[سورة الزمر]. 

{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ"62"}[سورة غافر].   

{ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ"102"}[سورة الأنعام]. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والثمانون في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: 

* {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا }                                                  

فالمولى عزّ وجلّ نظراً لخطورة هذه المسألة أراد أن يغلق الباب في وجه 

المبتدعين.. فلم يكتف بالإجمال الوارد في الآيات السابقة.. وإنما فصل هذه الآية بآيات أخرى ليؤكد أنَّ كل شيء مخلوق.. ويؤكد أنه خالق كل شيء من هذه الآيات قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً.."29"}[سورة البقرة]. 

{الحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ 

كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ"1"}[سورة الأنعام]. 

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ الَّليْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ...."33"}[سورة الأنبياء]. 

{الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ."59"}[سورة الفرقان]. 

{الرَّحْمَنُ "1" عَلَّمَ القُرْآنَ "2" خَلَقَ الإِنسَانَ "3" عَلَّمَهُ البَيَانَ"4"}[سورة الرحمن]. 

{وَخَلَقَ الجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ"15"}[سورة الرحمن].

وصفة الخلق من العدم لدى الله عزّ وجلّ ليست معجزة واحدة فحسب بل معجزات متعددة متداخلة ولا يمكن لاجتهاد العقل أن يحصرها، فإحداث الشيء من اللاشيء إعجاز يعجز العقل عن تصوره، وخلق كائن حي يدرك ذاته ويدرك الكون المحيط به ويدرك خالقه إعجاز آخر، وقد لفتنا جلّ وعلا إلى إعجاز استحداث الكائنات الروحية ولفتنا أيضاً إلى أنه وحده القادر على هذه الكائنات فقال جلّ وعلا:  {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ"73"}[سورة الحج].                                                                            

لقد صنع أو (خلق) الإنسان السيارة والقطار والطائرة والصاروخ والقمر الصناعي والتلفاز والمذياع والكمبيوتر والموبايل وغير ذلك كثير، ولكن البشرية جمعاء لن تستطيع خلق ذبابة ولو اجتمعت في صعيد واحد، والسبب هو أنَّ الذبابة كائن روحي تدب فيه الحياة بنفخة من الله عزّ وجلّ لا يملكها سواه.. إنها سر من أسراره جلّ وعلا.. ومن معجزات الخلق أيضاً أنه بين الكاف والنون، فالحقّ سبحانه وتعالى إذا أراد أن يخلق شيئاً فإنما يقول له كن فيكون دون أدنى جهد أو إعياء، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ "59"}[سورة آل عمران].

وحينما ادعى اليهود أن الله استراح بعد أن خلق الخليقة رد عليهم الحقّ عزّ وجلّ بقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ"38"}[سورة ق]. أي إعجاز هذا؟ كلمة واحدة من الله عزّ وجلّ كفيلة باستحداث المخلوق دون جهد ودون عناء... كيف للإنسان أن يتصور الحجم الحقيقي لهذه القدرة وهذا الإعجاز؟ 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والثمانون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: 

ومن معجزات الخلق أيضاً أنَّ الحقّ تبارك وتعالى يخلق ما يشاء 

فإذا أراد أن يخلق شيئاً لن يحول دون هذا الخلق حائل؛ وقد أكد جلّ وعلا 

هذه الحقيقة بقوله تعالى: {...قَالَ كَذَلِكَ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ.."47"}[سورة  آل عمران]

.{...يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ "17"}[سورة المائدة].

والخلق الإلهي ليس خلقاً عشوائياً.. بل هو خلق محكم مبني على علم إلهي مطلق، فإذا تأملت الكون وما به من تكامل وتناسق بين المخلوقات علمت مدى القدرة الإلهية على الخلق والإبداع... انظر إلى أي مخلوق من مخلوقات الله عزّ وجلّ على حدة.. ُيهيأ لك أنه كائن مستقل بذاته منفصل عما حوله، ولكن دقق النظر تجد أنَّ هذا المخلوق ليس مستقلاً عن الكون بل هو جزء من كل... فالإنسان مثلاً لا يمكن أن يتصور وجوده بدون الهواء الذي يحيط به في كل مكان على سطح الكرة الأرضية، والماء الذي وفره له الله عزّ وجلّ، أو الطعام الذي تنبته له الأرض بإذنه.. وبهذه النظرة يبدو الإنسان وكأنه ترس في ساعة الكون لا انفصال ولا وجود لأحدهما بدون الآخر، فالحقّ سبحانه وتعالى خلق المخلوقات الحية وخلق لها مقومات الحياة في إبداع، وعلم لا يدانيه علم، وحسن لا يدانيه حسن، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ"7"}[سورة السجدة].          

فإذا كان الحقّ سبحانه وتعالى قد خلق الكون بهذا الإبداع وهذا الإحكام فهل يمكن أن نتصور أنه خُلق بلا غاية وبلا هدف... وأن المسألة " أرحام تدفع، وقبور تبلع" كما قال الدهريون: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ..."24"}[سورة الجاثية].                                            

{وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ..."10"}[سورة السجدة].

فيرد الحقّ تبارك وتعالى على هؤلاء الدهريين قائلاً: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ..."85"}[سورة الحجر].

وكما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ "16"}[سورة الأنبياء]. 

{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ"115"}[سورة المؤمنون].                                            

فالخلق إذن ليس عبثاً وليس زوالاً وفناء، وإنما لحكمة أرادها سبحانه وتعالى، وفي ذلك يقول جلّ وعلا في الحديث القدسي:

[كنت كنزاً مخفياً فأردت أن أُعرف فخلقت الخلق؛ فبه عرفوني] ويقول في محكم التنزيل: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ "56"}[سورة الذاريات]. 

فقد شاءت حكمة المولى أنْ يخلق الكون ويخلق الإنسان، ويجعل الحياة الدنيا داراً للاختبار؛ والآخرة دار للجزاء والقرار.. هل سيشكر الإنسان على هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى أم سيكفر ويشرك ويجحد؟

   إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والثمانون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: 

ومن معجزات الخلق أيضاً أنَّ الحقّ تبارك وتعالى يخلق ما يشاء

فالخلق إذن لغاية، والبعث حقيقة لا مراء فيها، وفي ذلك يقول جلّ شأنه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ"5"}[سورة الحج]. 

والمسألة لا تقف عند حد قدرته سبحانه وتعالى على البعث، بل هو قادر على تغيير الجنس البشري بأكمله بمخلوقات أخرى، وما ذلك عليه بعزيز وفي ذلك يقول جلّ وعلا:  {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، إِن يَشَأ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ"17"} [سورة فاطر].

فإذا كان الحقّ جلّ وعلا هو الخالق المحدث المبدع.. فإنه إذن وحده المستحق 

للعبادة والمستحق للشكر، وعبادة غيره ظلم للنفس وحياد عن الحقّ، وفي ذلك يقول جلّ شأنه:  {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ"20"}[ سورة النحل]. ويقول سبحانه: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ..."3"}[سورة الفرقان].                                                                                                        

والمولى تبارك وتعالى يحثنا على التأمل في مخلوقاته.. لما في ذلك من حث على الإيمان بوجوده والإيمان بكمال صفاته ورسله وكتبه واليوم الآخر، وفي ذلك 

يقول جلّ شأنه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ 

وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء 

فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ"164"}[سورة البقرة].

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ"190" الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"191"}[سورة آل عمران]. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والثمانون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: 

ومن معجزات الخلق أيضاً أنَّ الحقّ تبارك وتعالى يخلق ما يشاء

والأسماء الحسنى بما تعطيه من أوصاف قديمة قِدم الله عزّ وجلّ... فهو جلّ شأنه (الخالق)  قبل أن يخلق الخلق، ولو لم يكن المولى عزّ وجلّ موصوفاً بهذا الوصف منذ الأزل لما استطاع أن يخلق... إنه تبارك وتعالى يخلق ما يشاء في الوقت الذي يشاء وفي ذلك يقول جلّ وعلا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"1"}[سورة فاطر].                                                     

ومهما تحدث المتحدثون عن هذا الاسم وغيره من الأسماء الحسنى ومن خلال ما كشف الله لهم في كتابه وسنّة نبيه فإنهم لن يستكشفوا جلال أسمائه عزّ وجل وأسرار صفاته، فإذا كنا نعجز عن الإلمام بما كشفه لنا الله تبارك وتعالى.. فماذا عن المحجوب الذي لم نتهيأ بعد لاستقباله والذي احتفظ به جلّ وعلا في علمه؟ 

إنَّ الخالق هو المبدع للخلق، والمخترع له على غير مثال...{.. أَلا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ"54"}[سورة الأعراف].   

فمثلاً من بين الحشرات جميعاً، يتشابه النمل مع الإنسان في العادات. إنه يبني المدن، ويشق الطرق، ويحفر الأنفاق، ويخزن الطعام في مخازن أو صوامع أو مستودعات خاصة به، وبعض أنواعه تقيم الحدائق، وتزرع النباتات أيضاً، ومن النمل نوع يحتفظ بمواشٍ خاصة به ويرعاها.. حتى أن هناك قبائل من النمل تشن الحروب على بعضها البعض، ويأخذ النمل المنتصر أسرى من النمل الضعيف المنهزم، وبالاختصار فللنمل مدينة غريبة تخصه، ومن الحقائق العلمية عن النمل أنه يستأنس الحشرات، ولقد وُجد نحو 2000 نوع من هذه الحشرات المختلفة داخل مساكن النمل، فنراه نجح في استئناس هذا العدد الكبير من الحشرات المختلفة، وهو أكثر مما استأنسه الإنسان: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ"11"}[سورة  لقمان].

وندعوه عزّ وجلّ أن يعلمنا من علمه الفياض.. لقوله الحقّ: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"24"}[سورة الحشر]. فسبحان الله تعالى الخالق.

المراجع :[ القرآن الكريم ،رياض الصالحين ، مختار الصحاح  ، غزيرة.. أم تقدير إلهي... للدكتور شوقي أبو خليل  ، من آيات الإعجاز العلمي ......للدكتور زغلول النجار  ، موسوعة الحديث النبوي الشريف (الصحاح والسنن والمسانيد) ، من كتاب أبواب المعرفة ج1 بقلم: إيمي البخاري]

 [ الأنترنت – موقع لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا  - معرفة اسم الله الخالق ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والثمانون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: * آيات الله في خلق الرياح

قال الله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)} [فاطر: 9].

وقال الله تعالى: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)} [الذاريات: 41، 42].

إن من أعظم آيات الله الباهرة، هذا الهواء اللطيف المحبوس بين السماء والأرض، نحس بجسمه، ولا نرى شخصه.

أوجده الله عزَّ وجلَّ في كل مكان، حاراً وبارداً ودافئاً، يتنفس منه الإنسان 

والحيوان، والمؤمن والكافر، والمطيع والعاصي، كالماء الذي وهبه الله للإنسان والحيوان، وكالشمس التي سخرها الله للإنارة والحرارة لجميع المخلوقات.وهذا الهواء العظيم الذي خلقه الله، إذا شاء سبحانه حركه بحركة الرحمة فجعله رخاء ورحمة، وبشرى بين يدي رحمته، ولاقحاً للسحاب والثمار كما قال سبحانه: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } [الحجر: 22].

وإن شاء سبحانه حركه بحركة العذاب فجعله عقيماً، وأودعه عذاباً، فيجعله بقدرته صرصراً ونحساً وعاتياً، ومفسداً لما يمر عليه كما قال سبحانه عن قوم عاد: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)} [الأحقاف: 24، 25].

والرياح المذكورة في القرآن ثمان : أربع رحمة .. وأربع عذاب.

فرياح الرحمة: الناشرات، والمبشرات، والمرسلات، والرخاء. 

ورياح العذاب: العاصف والقاصف وهما في البحر، والعقيم والصرصر وهما في البر.

وقد ذكر الله عزَّ وجلَّ في القرآن رياح الرحمة ورياح البر بلفظ الجمع، لأنها 

متعددة المنافع، مختلفة الصفات.

أما رياح العذاب فذكرها بلفظ الإفراد، لأن المطلوب ريح واحدة مدمرة، وكذلك رياح البحر ذكرها بلفظ الإفراد، لأن السفينة لا تسير لمقصدها إلا بريح واحدة، ذات اتجاه واحد.

وفي الشتاء يغلظ الهواء بسبب البرد، فيصير مادة للسحاب، فيرسل العزيز الحكيم الريح المثيرة، فتثيره، ثم تنشره بين السماء والأرض، ثم يسخر الله له الريح الحاملة التي تحمله على ظهرها.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والثمانون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: * آيات الله في خلق الرياح

ثم يرسل الله عليه الريح المؤلفة التي تؤلف بين كسفه وقطعه حتى يصير طبقاً واحداً، ثم يرسل الله عليه الريح اللاقحة التي فيها مادة الماء، فتلقحه كما يلقح الذكر الأنثى فيحمل الماء.ثم يرسل الله عليه الريح المزجية التي تزجيه وتسوقه إلى حيث أُمر أن يفرغ ماءه، فإذا أراد الله نزوله على الأرض أرسل عليه الريح الذارية بعد إعصاره فتذروه وتفرقه في الهواء، لئلا يقع صبة واحدة، فيهلك ما على الأرض، ويقل الانتفاع به. فهذه ثمان رياح سخرها الله للمطر.

فإذا أسقي ما أمر بسقيه من البلاد والعباد قامت الرياح السائقة فساقته وأزجته إلى قوم آخرين، وأرض أخرى محتاجة إليه لسقي النبات والحيوان والإنسان: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48)} [الروم: 48].

وقال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)} [الأعراف: 57].

والسحاب من أعظم آيات الله في الجو، فهو في غاية الخفة، ثم يحمل الماء والبرد فيصير أثقل شيء.

فسل السحاب من خلقه وأنشأه؟ .. ومن حمله بالماء والثلج والبرد؟ .. ومن حمله على ظهور الرياح؟ .. ومن أمسكه بين السماء والأرض؟ .. ومن أحيا به البلاد؟ .. ومن صرفه بين الخلق كما أراد؟.

وكم أودع الله في هذا الهواء من المنافع التي لا يحصيها إلا الذي خلقها، فهو حياة هذه الأبدان، تستنشق منه وتتغذى به، وينقل الأصوات للقريب والبعيد، وينقل الروائح على اختلافها من مكان إلى مكان، ويحمل الحر والبرد الذين بهما صلاح الحيوان والنبات والإنسان، ويلقح الشجر والنبات، ولولاه لكانت عقيماً، وفسد الثمر.

والرياح من أعظم آيات الله في الجو .. فهي أقوى خلق الله .. يحبسها الله إذا شاء .. ويرسلها إذا شاء .. تحمل الأصوات إلى الأذن .. والرائحة إلى الأنف .. والسحاب إلى الأرض والجزر .. وتأتي بالرحمة تارة .. وبالعذاب تارة.

وكذلك الرياح تُسير السفن، ولولاها لوقفت على ظهر البحر.

وكذلك من منافعها أنها تبرد الماء، وتضرم النار، وتجفف الأشياء.

فسبحان من جعل هبوب الرياح تأتي بروحه ورحمته، ولطفه ونعمته: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)} [الروم: 46].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والثمانون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: * آيات الله في خلق الرياح

وكم من البحار التي خلقها الله في هذا العالم، وكم أودع فيها من المنافع والمصالح لعباده:

بحر عظيم من الماء فيه ما لا يحصيه إلا الله من النعم والمنافع والخلائق.

وبحر عظيم من الهواء فيه ما لا يحصيه ولا يعلمه إلا الله من النعم والمنافع والخلائق.

وبحر عظيم من النور فيه ما لا يحصيه ولا يعلمه إلا الله من النعم والمنافع.

فسبحان من خلق هذه البحار العظيمة، وحفظها، وأودع فيها منافع للبلاد والعباد على مر الدهور.

والله تبارك وتعالى خلق هذا الجسم اللطيف من الهواء الذي يحركه ويخرقه 

أضعف المخلوقات، وأعطاه من الشدة والقوة ما يفلق به الأجسام الصلبة القوية، ويزعجها عن أماكنها، ويحملها على متنه في جو السماء.

فانظر إليه إذا وضع في قربة أو جلد وامتلأ به، ووضع على الماء، فإنه لا يرسب فيه، بينما ينغمس فيه الحديد الصلب.

فامتنع هذا اللطيف بأمر الله من قهر الماء له، وبهذه الحكمة أمسك الله السفن على وجه الماء مع ثقلها، لأن الهواء يمتنع من الغوص في الماء.

فتأمل قدرة العزيز الحكيم كيف جعل هذا الجسم العظيم الثقيل من السفن، 

يستجير بهذا اللطيف الخفيف من الهواء، حتى أمن من الغرق.

فسبحان من علق هذا المركب العظيم الثقيل، بهذا الهواء اللطيف من غير علاقة، ولا عقدة تشاهد: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)} [الشورى: 32، 33].

والهواء بأمر الله جل جلاله، ينقل الأصوات العظيمة والبعيدة إلى مسامع الناس، فينتفعون بذلك، كالهاتف والجوال والإذاعة.

ولو بقيت هذه الأصوات في الهواء، كما تبقى الكلمات في القرطاس، لامتلأ العالم من الأصوات، ولعظم الضرر به، واحتاج الناس إلى محوه من الهواء.

فإن ما يلقى في الهواء من الأصوات والكلمات، أضعاف ما يودع في القرطاس.

فمن رحمة العزيز الحكيم أن جعل هذا الهواء قرطاساً خفيفاً يحمل الكلام بقدر ما يبلغ الحاجة ثم ينمحي بإذن ربه، فيعود جديداً نقياً لا شيء فيه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } [الشعراء: 67، 68].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثمانون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: ما أعظم آيات الله في خلق الرياح:

فهي آية في هبوبها وسكونها .. وآية في شدتها ولينها .. وآية في حرها وبردها .. وآية في اختلاف طبائعها ومهابها وتنوع منافعها.

فللمطر ثمان رياح .. وللنبات ريح تلقحه .. وللسفن ريح تسيرها .. وللرحمة ريح بلا رياح .. وللعذاب ريح متعددة الصفات، إلى غير ذلك من أنواع الرياح 

التي لا يعلمها إلا الله.

واختلاف الرياح، واختلاف مهابها يدل على خالق مدبر، حكيم عليم، يصرفها كيف يشاء:

فيجعلها رخاء تارة .. وعاصفة تارة .. ورحمة تارة .. وعذاباً تارة .. وتارة يحيي بها الرزع والثمار .. وتارة يعطبها بها .. وتارة يسير بها السفن .. وتارة يغرقها بها .. وتارة ترطب الأبدان .. وتارة تذيبها، وتارة حارة .. وتارة باردة .. وتارة عقيماً .. وتارة لاقحة. 

فسبحان من جعل في هذا الهواء الواحد هذه المنافع الكثيرة العجيبة.

والذي خلقها هو الذي يصرف مهابها في البر والبحر:

فتارة تهب من الشمال، وتارة من الجنوب، وتارة صبا، وتارة دبوراً.

وقد جعل الله مهب الشمال أرفع من مهب الجنوب، ولولا ذلك لبقي الماء واقفاً.

وهذه الرياح مع غاية قوتها ألطف شيء، وأقبل المخلوقات لكل كيفية، سريعة التأثر والتأثير، لطيفة المسار بين السماء والأرض.

ولشدة حاجة كل نبات وحيوان وإنسان إليها، يسرها الله في كل مكان،

 وصرّفها وحده بين عباده، ورفع تحكم البشر فيها، فحيثما سار الإنسان أو 

الحيوان وجدها، وحيثما وجد نبات فهي مرافقة له.

ولو قُطعت عن النبات والحيوان لهلك، كبحر الماء الذي لو فارقه السمك هلك. 

يحبسها الله إذا شاء، ويرسلها إذا شاء، تحمل الأصوات إلى الأذن بأمر الله، وتحمل الرائحة إلى الأنف، وتحمل السحاب إلى الأرض الجرز. وهي خلق عظيم من أقوى خلق الله، وهي من أعظم آيات الله الدالة على قدرته.

فسبحان من أنشأ الرياح بقدرته، وملأ بها الكون، وصرفها بحكمته، وسيرها 

بمشيئته، وسخرها بإرادته، وأرسلها بشرىً بين يدي رحمته، وجعلها سبباً لتمام 

نعمته، وسلطاناً على من شاء بعقوبته.

فهل عرف الله، وعرف قدرته وعظمته، من بارزه بالمعاصي، وبدل نعمه كفراً؟.

ألا ما أعظم الجهل بالله وأسمائه وصفاته، وما أعظم الغفلة عن آلائه وإحسانه؟: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)} [الجاثية: 6].

إن في خلق الرياح آية .. وفي هبوب الرياح آية .. وفي تصريف الرياح آية. فالرياح الساخنة هي المثيرة للبخار، والرياح الباردة هي المكثفة له حتى يصير سحاباً، ثم يسوق الله هذا السحاب بواسطة الرياح، ويصرفه كيف شاء بعلمه 

وحكمته، بين البلاد والعباد

والله تبارك وتعالى بيده هذا الملك العظيم، وله الخلق والأمر وحده لا شريك له، يصرف الرياح ليلاً ونهاراً، ويجعلها كما يشاء دافئة وباردة، ومنحرفة ومستقيمة، وعاصفة وهادئة، وعذاباً ورحمة.

ولهذه الرياح كلها أوامر من ربها لا تتعداها، ولها علاقة بالكائنات الأخرى، تتعاون معها في تحقيق مشيئة الله في خلق هذا الكون، وتصريفه كما أراد.

فمتى يتجول العقل البشري في هذا المعرض الإلهي المملوء بالآيات والعجائب، 

فله هنا عمل، وله في هذا الميدان مجال: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)} [الجاثية:].

ولما كانت الرياح مختلفة في مهابها وطبائعها، جعل الله لكل ريح ريحاً مقابلة لها، تكسر سورتها وحدتها، وتبقي لينها ورحمتها، فرياح الرحمة متعددة لاختلاف منافعها.

وأما ريح العذاب، فإنها ريح واحدة ترسل من وجه واحد لإهلاك ما ترسل 

بإهلاكه، فلا تقوم لها ريح أخرى تقابلها. بل تكون كالجيش العظيم الذي لا يقاومه شيء، فيدمر كل شيء كما قال سبحانه: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ، سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ، فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ } [الحاقة:].[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب – خلق الرياح 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثمانون

 في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: * خلق الله أربعة أشياء بيده

أولا : خص الله تعالى آدم عليه السلام ، فخلقه بيديه كما أخبر ، ولم يخلق ذا روح ٍ غيره بيديه .

قال سبحانه : ( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ) ص/75 ، وفي حديث الشفاعة : ( أَنَا سَيِّدُ الْقَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَلْ تَدْرُونَ بِمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُبْصِرُهُمْ النَّاظِرُ وَيُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَتَدْنُو مِنْهُمْ الشَّمْسُ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أَلَا تَرَوْنَ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ إِلَى مَا بَلَغَكُمْ أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أَبُوكُمْ آدَمُ فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا فَيَقُولُ رَبِّي غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَنَهَانِي عَنْ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ ...) الحديث ، رواه البخاري (3340) ومسلم (194) .

قال الإمام الدارمي رحمه الله : " وولي خلق آدم بيده مسيسا ، لم يخلق ذا روح بيديه غيره ، فلذلك خصه وفضله وشرف بذلك ذكره " انتهى من "نقض 

الدرامي على المريسي" ص 64

وروى الدرامي واللالكائي والآجري وغيرهم بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال : ( خلق الله أربعة أشياء بيده : العرش والقلم وعدن وآدم ، ثم قال لسائر الخلق : كن فكان ).

وروى الدارمي بسند حسن عن ميسرة أبي صالح مولى كندة ، أحد التابعين أنه قال : ( إن الله لم يمس شيئا من خلقه غير ثلاث : خلق آدم بيده ، وكتب التوراة بيده ، وغرس جنة عدن بيده ). "نقض الدارمي" ص 99، وقال محققه الشيخ منصور السماري في مقدمته : " وقد روي عن غيره من التابعين مثل حكيم بن جابر ، ومحمد بن كعب القرظي بأسانيد صحيحة ذكرتها عند التعليق على الأثر في موضعه من الكتاب ".

فهذه أربعة أشياء خلقها الله بيده : العرش والقلم وجنة عدن وآدم ، وأما سائر الخلق ، فهم مخلوقون بالكلمة ( كن) فكانوا .

ثانيا : وأما الروح ، فإن آدم وبنيه جميعا ، نفخ الله فيهم الروح ، وهي روح مخلوقة ، أضيفت لله من باب التشريف والتكريم .

قال الله عز وجل في حق آدم عليه السلام : ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ 

رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) الحجر/29

وقال في حق عيسى عليه السلام : ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) النساء/171 والله أعلم .

[  الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب – المنجد - خلق الله أربعة أشياء بيده  ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثمانون

 في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: * 

*آيات الله فى الافاق - الكون" وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ..."

    حتى لا نتيه بين المسافات والأحجام لنتفق (بيني وبينك) على وحدة قياس منها المبتدأ وإليها المنتهى .. ولنفترض أن مساحة مسجدكم 2500م مربع بينما مساحة المسجد الجامع في حارتكم 10,000م مربع أي يكبره بثلاثة أضعاف، بالمقابل مساحة مصلى العيد في مدينتكم 40,000م مربع أي يكبر المسجد الجامع بثلاثة أضعاف، ولكن هذا الكبير سيصبح صغيراً عند مقارنته بمساحة المسجد النبوي 302,500 م مربع حيث يكبر المسجد النبوي مصلى العيد بثمانية أضعاف، والمسجد النبوي يساوي 121 مسجداً كمسجدكم في الحي! أرأيت عظمة مساحة وحجم المسجد النبوي؟.

:. ونبقى في سياق المقارنات .. فعلى اعتبار أن مساحة المدينة المنورة 500 كم مربع فإنها تكبر المسجد النبوي بـ 1667 ضعفاً! والجزيرة العربية (مساحتها 3,100,000 كم مربع) أكبر من مساحة المدينة المنورة بـ 6200 مرة! وفوق كل كبير أكبر منه فمساحة قارة آسيا أكبر من مساحة الجزيرة العربية بـ 14 مرة! أما مساحة كوكب الأرض فأكبر من مساحة آسيا بـ 11 مرة! فيا صاحبي أخبرني أين موقع مساحة مسجدكم من مساحة كوكب الأرض؟ إذ مساحة الأرض تكبر مساحة مسجدكم بـ 204,028.800.000 مرة فسبحان الله والله أكبر لا شيء يذكر أمام كوكب الأرض! .. ولكن هل كوكب الأرض أكبر شيء في الوجود؟ بالتأكيد لا .. فالله تعالى خلق كوكب المشتري أكبر من الأرض بـ 1300 مرة!!.

صورة بمقياس رسم حقيقي توضح حجم كوكب المشتري العملاق مع كوكب الأرض والذي يفوقها بـ 1300 مرة!!

 :. وكوكب المشتري العملاق يعتبر قزماً أمام الشمس، التي تكبر الأرض بـ 

1,300,000 مرة .. بعبارة أخرى إذا تخيلت أن الشمس بحجم كرة السلة فإن الأرض ستكون بحجم رأس القلم فحسب! {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} .. في منزلك قارن حجم الإضاءة والتكييف مع حجم غرفتك فستجد أنها لا تشكل 0.1% .. بينما نجد أن حجم الشمس والتي نستمد منها الإضاءة والحرارة أكبر من حجم كوكب الأرض بل والكواكب مجتمعة بآلاف المرات!! فهل سألت نفسك يوماً ما الحكمة في كل هذه العظمة؟ ما الحكمة في حجمها؟ وما الحكمة في قوة أتونها ونارها؟ .. إن وجدت الإجابة فأخبرني.

صورة مركبة بمقياس رسم حقيقي تجمع كوكب الأرض مع الشمس، ويتضح لسان 

ناري يكاد ينفصل عن الشمس، وحجمه من الكبر والعظمة ما هو كفيل أن 

يلف كل كواكب النظام الشمسي وليس الأرض فحسب! فأي هول هذا؟ وأي نار هذه؟ وأي مشهد تطيش له العقول {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ}.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والثمانون

 في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: * 

*آيات الله فى الافاق - الكون" وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ

 :. وتبقى الشمس العظيمة المهيبة نجماً متواضعاً عند مقارنتها بنجوم أخرى أودعها الخالق في سمائه وقال لنا {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} فلما نظر الإنسان وجد أن نجم الشعرى اليمانية Sirius ألمع نجم في السماء ويكبر شمسنا بنحو 8 مرات، وصدق الخالق المالك المدبر {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} .. ولتسأل نفسك الآن ماهو حجم كوكب الأرض من الشعرى اليمانية؟ (الشعرى أكبر من الأرض بـ 10 مليون مرة) منها تدرك حجمك الحقيقي أمام عظمة خلق الله {أَوَلا يَذْكُرُ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً}

:. {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ} إذا أمعنا النظر أكثر في السماء عبر البصر والبصيرة سنجد أن نجم الهنعة Pollux هو أكبر من شمسنا بنحو 512 مرة وأكبر من أرضنا بـ 663 مليون مرة، فلا إله إلا الله والله أكبر وأعظم .. أما نجم السماك الرامح Arcturus فأكبر من شمسنا بـ 30 ألف مرة، وأكبر من أرضنا بـ 40 بليون مرة .. أما نجم رجل الجوزاء Rigel فهو أكبر من شمسنا بـ 343 ألف مرة، وأكبر من أرضنا بـ 400 بليون مرة!!.. أما نجم بيت الجوزاءBetslgeuse فأكبر من شمسنا بـ 274 مليون مرة، لذا فهو أكبر من أرضنا بـ 355 ترليون مرة!! {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}.

صورة بمقياس رسم حقيقي تضم نجوماً عملاقة مقارنة بنجوم قزمية كشمسنا ... لاحظ أن النجوم العملاقة ستصبح قزمية في الصورة التالية.

:. النجوم أفران نووية مخيفة ومهيبة يتفطر لها قلب الإنسان هولاً وخوفاً عندما يتأمل ويتدبر ويتفكر بحجمها أو موقعها {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} .. الصورة التالية تعجز الكلمات البشرية عن ترجمتها ووصفها وبيانها .. ولن يفي أبعاد الصورة الحقيقية إلا خالقها عز وجل حيث قال: {أأنتم أشد خلقاً أم السماء؟}صدق الخالق العظيم .. هل أتاك نبأ النجم الأحمر العملاق قلب العقرب Antares؟ والذي يكبر الشمس بـ 343 مليون مرة!!، ويبعد عنا 600 سنة ضوئية (5,676,480,000,000,000كم)! .. والمخيف أنه لو افترضنا أن نجم قلب العقرب Antares العملاق حل مكان الشمس لبلع كل من عطارد والزهرة والأرض والمريخ وما بينهما من فضاء وسماء نظير حجمه المتعاظم الذي يفوق الشمس بـ 343 مليون مرة! وأنتيرس أشد إشعاعاً من الشمس بـ 10,000 مرة!! ألم يسألكم خالقكم {أأنتم أشد خلقاً أم السماء؟} وسأجيب بالنيابة عنكم: السماء بلا جدال ولا كلام! أشد منا خلقاً والذي خلقها أشد منها .. فارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

صورة بمقياس رسم حقيقي توضح حجم شمسنا (نقطة لا تكاد ترى) مقابل نجم أنتيرس Antares (قلب العقرب) .. ربِّ أشهدك أني آمنت بك خالقاً مالكاً مدبراً لا شريك لك .. فأعتقني من نيرانك.

صورة بمقياس رسم حقيقي تجمع شمسنا مقارنة بـنجم السماك الرامح مع نجم أحمر عملاق أنتيرس Antares (قلب العقرب) والخط المتقطع يمثل مدار المريخ افتراضاً وكيف سيصبح داخل جرم النجم العملاق لو حلَّ مكان شمسنا بينما مدار الأرض والزهرة وعطارد ستكون داخلة في حجم نجم أنتيرس من باب أولى {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ}.صورة بمقياس رسم حقيقي يطيش لها العقل ذهولاً تضم عدة نجوم عملاقة مع قزمية كشمسنا {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}                                                                     .إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التسعون

 في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: * 

*آيات الله فى الافاق - الكون" وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ

  تنويه: أخي وأختي القارئة .. إذا كنت تعتقد وتظن أن الخلق والكون أصغر من ذلك بكثير، وأن ما ذكر محض الخيال والمبالغة وأنها أرقام بدون رصيد ولا تؤمن بها .. فإنني أنصحك ألا تكمل قراءة الموضوع! .. فحتماً لن يسعفك ذهنك ولا قلبك على التصديق .. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (ما أنت بمحدث قوماً حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة). >> لحظة .. قبل أن تغادر في الصورة التالية وهي حقيقية، قم بتكبير الصورة ثم حاول عد النقاط المضيئة (وكل نقطة عبارة عن نجم) واللبيب بالإشارة يفهم.

صورة حقيقة لمربع محدود من السماء توضح نجوماً لا تعد ولا تحصى {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ}.

 :. ما سلف كان جانباً يسيراً ضئيلاً صغيراً من ملكوت الله في سمائه .. وهي بضعة نجوم مختلفة الأحجام تمت المقارنة بينها وبين شمسنا .. والسؤال الذي يبرز هنا ماذا وراء ذلك الخلق العظيم؟ وهل نجم قلب العقرب Antares الأحمر العملاق هو أكبر نجم في الكون تم اكتشافه؟وهل عدد نجوم السماء الدنيا محصور؟ وكم عددها؟ وما الحِكم الكونية في كون كوكب الأرض متناهي الصغر؟ وهل نحن وحدنا في هذا الكون؟ ولماذا حجم كوكبنا مقارنة بالسماء ضئيل جداً جداً؟ ولمن خُلق هذا الكون العظيم؟ ولمن خلقت كل هذه النيران والأفران النووية؟ والتي تفوق الشمس بالملايين، وما الحكمة من وجود بلايين النجوم في مجرتنا؟ أسئلة مشروعة ومستمدة من قوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا

 بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.

:. الآن أدعوك إلى التعرف على أكبر نجم مكتشف حتى الآن هو VY Canis Majoris ويبعد عنا 5 آلاف سنة ضوئية ويفوق الشمس حجماً بـ 9,261,000,000 أي 9 بليون و 261 مليون مرة !!!! {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. هل تريد معرفة حجم أرضنا عند هذا العملاق؟ عفواً قد لا تسعفنا الحسابات ولا الأرقام للمقارنة ولكن حسبك بقوله تعالى {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}. ولو افترضنا أن هذا النجم حل مكان شمسنا لبلع كلا من: عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشتري ووصل إلى حدود مدار زحل!! حتى أن الضوء على سرعته (300,000 /ثا) يستغرق أكثر من 8 ساعات ليكمل دورة واحدة حول محيط النجم العملاق.

:. وحتى تدرك عظمة الخالق في خلقه، لو افترضنا أنك تسير بسرعة 5كم في الساعة وبدون توقف لاستغرقت سنة من أجل الدوران على محيط الأرض فقط، بينما من أجل الدوران حول محيط الشمس ستحتاج إلى 104 سنوات!! بينما الطواف حول محيط أكبر نجم مكتشف يستغرق 217 ألف سنة!!! أرأيت مخلوقاً بهذا الحجم؟ وكم يا ترى تساوي الأرض عند هذا النجم؟ وما الحكمة في التفاوت والتباين الكبير بين أحجام النجوم؟. ولعل هندسة السماء الكونية اقتضت وجود نجوم عملاقة خيالية لداعي التوازن في الجاذبية الذي يمنع السماء أن تنهار {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} ولله في خلقه شؤون.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والتسعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: * 

*آيات الله فى الافاق - الكون" وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ

مقارنة بمقياس رسم حقيقي بين شمسنا وأكبر نجم مكتشف في الكون.

:. النجوم هي وحدة بناء المجرات .. ومجرتنا مجرة التبانة تحتوي على ملايين بل بلايين النجوم والشموس! .. وهذه المعطيات الرقمية ليست نظرية وإنما مشاهدة حقيقية .. ويقدر العلماء طول مجرة التبانة بـ 100,000 سنة ضوئية1 أي ما يعادل 945,424,051,200,000,000 كم (تسعمائة وخمس وأربعين كوادرليون وأربعمائة وأربع وعشرين ترليون وإحدى وخمسين بليون ومائتين مليون كم) ويقدر عدد نجومها بين 200 - 400 بليون نجم. وفي السماء الدنيا بلايين المجرات وكل مجرة تحتوي على بلايين النجوم!! .. والعلماء كلما طوروا مناظيرهم العملاقة اكتشفوا المزيد والكثير من المجرات العظيمة .. وحجم السماء أكبر وأعظم من أن يستوعبه العقل البشري أو يدركه الذهن الإنساني بل ولا حتى الحاسب الآلي .. ويكفي أن نذكر هنا أن متوسط قطر المجرات يساوي 30,000 سنة ضوئية .. بينما تقدر المسافة الوسطية بين كل مجرتين بـ 3 مليون سنة ضوئية! فعندها ندرك قوله تعالى {رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} فجعلها واسعة الأرجاء ممتدة البناء لحكمة شاءها خالق الأرض والسماء {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ 

وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} بل السماء {رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ}.

 :. وعلى مستوى الكون المكتشف والمنظور (فقط) فإن أحدث تقدير علمي لعرض الكون يقدر بـ 156 بليون سنة ضوئية2 أي 1,474,861,519,872,000,000,000,000كم (واحد سبتليون وأربعمائة وأربع وسبعين سكستليون وثمانمائة وواحد وستين كونتليون وخمسمائة وتسع عشرة كوادرليون وثمانمائة وأثنين وسبعين ترليون كم!!!!!) .. ألم أقل لك سلفاً إذا لم تصدق ما بين يديك فاصرف عينيك .. وما زال الحديث عن (بعض) ما نبصر فما بالك بما لا نبصره {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لا تُبْصِرُونَ}. 

(لا تخبر أحداً عن هذا الرقم حتى لا يتهمونك بالجنون).

 :. الحقيقة أن الكلمات وحتى الأرقام تعجز عن وصف سعة الكون وما يختزنه من خلق عظيم ومدهش .. وعظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق .. والتدبر في خلق الله والتفكر في الكون والتأمل في الوجود حتماً يرسخ الإيمان في القلوب، فيتعاظم خالق الوجود فيه فيدفعه ذلك إلى الخشوع والإذعان له سبحانه وتعالى وهو أولى من الجماد {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).

 :. هذا هو الموجود المخلوق فكيف بالموجد الخالق؟ هل شرقتم بحجم ومساحة وسعة السماء المنظور؟ أتريدون أن تقرؤوا عن مخلوق يتيم يكبر السماوات والأرض؟ ولم يشاهده من البشر أحد، ولم يخلق مثله في الوجود أبدا، ودونك وصفه من الواحد الأحد حيث قال: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} .. سبحان الله والله أكبر وأجل وأعظم، خلق من خلقه يسع كل ما أدركناه وما لم ندركه، وما أبصرناه وما لم نبصره، وما صدقته عقولنا وما لم تصدقه .. فلا إله إلا الله والله أكبر وأعظم وأجل أي كرسي هذا؟ وأي خلق عظيم مهيب مخيف هذا؟ {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا}.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والتسعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: * 

*آيات الله فى الافاق - الكون" وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ

:. الكرسي مخلوق عظيم بين يدي العرش، والعرش ما العرش؟ وما أدراك ما العرش؟ أعظم وأكبر من الكرسي قال ابن عباس رضي الله عنه (الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى). وقال الحبيب عليه الصلاة والسلام: (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة) تأمل مقارنة المصطفى عليه الصلاة والسلام بين الكرسي والعرش .. وتدبر وحدات القياس التي استخدمها بأبي هو وأمي.. شيء يفوق حجماً وهولاً صور المقارنة بين النجوم السالفة الذكر .. بل ويؤكد بشكل غير مباشر صحة الأحجام والمسافات التي تحدثنا عنها سلفاً .. كما يؤكد أن ما لم نبصره من الخلق أعظم مما أبصرناه وفي هذه المقالة عرضناه {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ}.

:. صاحبي .. أكيد أنك نسيت مساحة مسجدكم! .. وهل يجوز لك بعد المقارنات العظيمة السالفة أن تقارن مساحة مسجدكم أو كوكبكم أو شمسكم أو مجرتكم أو حتى سمائكم بكرسي الرحمن!!!؟ فضلاً عن عرش الرحمن!!؟ فإذا كان هذا هو الخلق فكيف بالخالق الجبار {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} و {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} و {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}.

 :. أختم بجانب تطبيقي في هذا السياق .. فعندما تتأمل حجمك وقوتك وحيلتك وحضارتك مقارنة بخلق الخالق فهل يبقى في قلبك خوف من أحد سواه؟ وهل يبقى في صدرك حب لغيره؟ وهل يبقى في فؤادك شريك معه؟ وهل يتعلق القلب خوفاً وحباً ورجاءاً وأملاً بسواه؟ وهل يستحق أحد غيره أن يصرف له الدعاء؟ .. وعندما يهتز الإيمان ويضعف بسبب إنسان أو شيطان فتذكر حجمه في هذا الوجود مع الجبار المعبود فتزول الأعراض وتحور وفي بحر الإيمان تذوب .. وفي ختام هذا المكتوب يبشرك صاحب العطاء والجود بـ {سَابِقُوا ..} {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}. وعلى دروب العلم نلتقي فنستقي ونرتقي. ملاحظة: صور النجوم المعروضة في المقال ثنائية الأبعاد وهي صالحة للمقارنة بين قطرين وليس 

بين حجمين إذ أن الأخير يتطلب صوراً لأبعاد ثلاثية.

* السبتليون: واحد وبجانبه 24 صفراً. * سكستليون: واحد وبجانبه 21 صفراً. 

* كونتليون: واحد وبجانبه 18 صفراً. * كوادرليون: واحد وبجانبه 15 صفراً.

* ترليون: واحد وبجانبه 12 صفراً. [ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي - آيات الله فى الافاق - الكون" وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ - د. عبد الله المسند - عضو هيئة التدريس في جامعة القسم في المملكة العربية السعودية ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والتسعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: *لماذا خلق الله السموات والأرض في ستة أيام مع قدرته على خلقها في أقل من هذه المدة ؟

    من المقرر عند أهل الإيمان الراسخ والتوحيد الكامل أن المولى جل وعلا قادر على كل شيء ، وقدرته سبحانه ليس لها حدود ، فله سبحانه مطلق القدرة وكمال الإرادة ، ومنتهى الأمر والقضاء ، وإذا أراد شيئاً كان كما أراد وفي

 الوقت الذي يريد ، وبالكيفية التي أرادها سبحانه وتعالى .

وقد تواترت النصوص القطعية من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم على تقرير هذا الأمر وبيانه بياناً واضحاً لا لبس فيه ولا غموض ، ونكتفي هنا بذكر بعض 

الآيات الدالة على ذلك ، فمن ذلك قوله تعالى : ( بديع السموات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ) البقرة / 117 .

قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة ( 1/175 ) : ( يبين بذلك تعالى كمال قدرته ، وعظيم سلطانه ، وأنه إذا قدر أمراً وأراد كونه فإنما يقول له كن _ أي : مرة واحدة _ فيكون ، أي فيوجد على وفق ما أراد كما قال تعالى 

: ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ) يس / 82 ) أ.هـ.

وقال تعالى : ( ...قال كذلك الله يخلق ما يشاء ، إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ) آل عمران / 47 .

وقال تعالى : ( هو الذي يحي ويميت فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ) غافر / 68 . وقال تعالى : ( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ) القمر/50 .

قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسيره هذه الآية ( 4/261 ) : ( وهذا إخبار عن نفوذ مشيئته في خلقه ، كما أخبر بنفوذ قدره فيهم فقال : ( وما أمرنا إلا واحدة ) أي إنما نأمر بالشيء مرة واحدة لا نحتاج إلى توكيد بثانية ، فيكون ذلك الذي نأمر به حاصلاً موجوداً كلمح البصر ، لا يتأخر طرفة عين ، وما أحسن ما قال بعض الشعراء :

إذا ما أراد الله أمراً فإنما *********يقول له كن قولة فيكون ) أ.هـ.

وهناك آيات أخرى تقرر هذا الأمر وتوضحه . فإذا تقرر ذلك فلماذا خلق الله جل جلاله السموات والأرض في ستة أيام ؟ .

أولاً : قد ورد في أكثر من آية في كتاب ربنا أن الله جل وعلا خلق السموات 

والأرض في ستة أيام فمن ذلك قوله تعالى : ( إن ربكم الله الذي خلق 

السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ... ) الأعراف / 54 .

ثانياً :ما من أمر يفعله الله إلا وله فيه حكمة بالغة وهذا من معاني اسم الله تعالى " الحكيم " ، وهذه الحكمة قد يطلعنا الله تعالى عليها وقد لا يطلعنا ، وقد يعلمها ويستنبطها الراسخون في العلم دون غيرهم . غير أن جهلنا بهذه الحكمة لا يحملنا على نفيها أو الاعتراض على أحكام الله ومحاولة التكلف والتساؤل عن هذه الحكمة التي أخفاها الله عنا ، قال الله تعالى : ( لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون ) الأنبياء / 23 .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والتسعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:  وقد حاول بعض العلماء استنباط الحكمة من خلق السموات والأرض في ستة أيام :

1- قال الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن " لآية الأعراف ( 54 ) ( 4/7/140 ) :

( ... وذكر هذه المدة - أي ستة أيام - ولو أراد خلقها في لحظة لفعل ؛ إذ هو 

القادر على أن يقول لها كوني فتكون ، ولكنه أراد :

- أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور .

- ولتظهر قدرته للملائكة شيئاً بعد شيء ....

- وحكمة أخرى : خلقها في ستة أيام ؛ لأن لكل شيء عنده أجلا ، وبيّن بهذا ترك معالجة العصاة بالعقاب ؛ لأن لكل شيء عنده أجلاً ... ) ا.هـ.

2- وقال ابن الجوزي في تفسيره المسمى بـ " زاد المسير " ( 3/162 ) في تفسير آية الأعراف :

(... فإن قيل : فهلا خلقها في لحظة ، فإنه قادر ؟ فعنه خمسة أجوبة :

أحدها : أنه أراد أن يوقع في كل يوم أمراً تستعظمه الملائكة ومن يشاهده ، ذكره ابن الأنباري .

والثاني : أنه التثبت في تمهيد ما خُلق لآدم وذريته قبل وجوده ، أبلغ في تعظيمه عند الملائكة .

والثالث : أن التعجيل أبلغ في القدرة ، والتثبيت أبلغ في الحكمة ، فأراد إظهار حكمته في ذلك ، كما يظهر قدرته في قوله ( كن فيكون ) .

والرابع : أنه علّم عباده التثبت ، فإذا تثبت مَنْ لا يَزِلُّ ، كان ذو الزلل أولى بالتثبت .

والخامس : أن ذلك الإمهال في خلق شيء بعد شيء ، أبعد من أن يظن أن ذلك وقع بالطبع أو بالاتفاق . ) ا.هـ.

3- وقال القاضي أبو السعود في تفسيره عند آية الأعراف : ( 3/232 ) : ( ... وفي خلق الأشياء مدرجاً مع القدرة على إبداعها دفعة دليل على الاختيار ، واعتبار للنظار ، وحث على التأني في الأمور ) ا.هـ.

وقال عن تفسير الآية ( 59 ) من سورة الفرقان ( 6/226 ) :

( ...فإن من أنشأ هذه الأجرام العظام على هذا النمط الفائق والنسق الرائق بتدبير متين و ترتيب رصين ، في أوقات معينة ، مع كمال قدرته على إبداعها دفعة لحكم جليلة ، وغايات جميلة ، لا تقف على تفصيلها العقول ... ) أ.هـ.

وبناء على ما سبق اتضح أن الله جلت قدرته وعَظُم سلطانه له مطلق القدرة ، ومنتهى الإرادة ، وكمال التصرف والتدبير ، وله في كل خلق من خلقه حِكم بليغة لا يعلمها إلا هو سبحانه ، وكذلك اتضح لك بعض الحِكم والأسرار في خلق المولى سبحانه وتعالى السموات والأرض في ستة أيام ، مع أنه قادر سبحانه أن يخلقها بكلمة " كن "وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 

[ الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب – المنجد - لماذا خلق الله السموات والأرض في ستة أيام مع قدرته على خلقها في أقل من هذه المدة ؟ ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والتسعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:  

* التصميم الإلهي الرائع يشهد على قدرة الخالق

اختراع الطائرات اعتمد على تقليد الطيور"محاكاة الطبيعة" تفتح آفاقاً تقنية 

جديدة الطبيعة هي المعلم الأول للإنسان، ومعظم الاختراعات هي في أصلها تقليداً لها. واليوم يعود العلماء لاستلهامها في ابتكاراتهم بعد عقود من العزوف عنها. فما تقدمه الطبيعة من طرق وحلول يمكن استثماره لتحسين المخترعات الحالية.

فقد تعوّد الإنسان على استلهام اختراعاته من الطبيعة. فالملابس مثلا بدأت باتخاذ جلود الحيوانات وفروها نموذجاً لها حتى تطورت لتصل إلى صورتها الحالية. وربما نسي الإنسان ما تعلمه من الطبيعة وأصبح يعتمد على الاختراعات في صورتها الحالية، إلا أن الباحثين عادوا في الآونة الأخيرة إلى الاهتمام بالطبيعة، إذ وجدوا فيها قدرات قد تفيدهم كثيراً في ابتكار تقنيات حديثة. والـ "بيوميميتيك biomimetic" أو علم "محاكاة الطبيعة" أصبح في بؤرة اهتمام عدد كبير من العلماء اليوم، حيث يسعون من خلال هذه التقنية إلى فهم التركيبات الطبيعية لاستخدامها في تطبيقات مفيدة.

     ندوة في ألمانيا حول تقليد الطبيعة أقيمت مؤخراً ندوة في مركز أبحاث النسيج في مدينة دينكندورف في منطقة جنوب ألمانيا حول البيوميتيك وتطبيقاتها الممكنة. وأشهر تطبيقات هذه التقنية هو شريط اللصق (المعروف بفيلكرو Velcro) والذي يستخدم على سبيل المثال في صناعة الأحذية.   فكرة هذا الاختراع البسيط استغرقت من العالم السويسري جورج دي ميسترال ثماني سنوات حتى تمكن من تطبيقها. فكثيراً ما شاهد بذور النباتات الشائكة وهي تلتصق بفرو الكلاب أو بألياف بعض الملابس بمجرد سقوطها من الشجر على السائرين أسفلها. وبعد فترة من التأمل استطاع العالم أن يحول هذه الظاهرة إلى تطبيق علمي نستخدمه في حياتنا اليومية. وقد سهلت هذه الشرائط ذاتية اللصق، التي يمكن لصقها وفكها بسهولة وبسرعة الكثير من الأعمال.

لكن فهم ما طورته وحسنته الطبيعة (تصحيح: إن الله تعالى هو الذي خلق وطور هذه الكائنات من حولنا) خلال ملايين السنين ليس بالأمر السهل كما يؤكد البروفسور توماس شبيك، مدير حديقة النباتات بجامعة فرايبورج والمتحدث عن شبكة المختصين في تقنية "بيوميمتيك" أو محاكاة الطبيعة. ويضيف: إن "البيوميميتك ليس نقلاً كربونياً عن الطبيعة، ولكنه ابتكار جديد مستوحى من أمثلة طبيعية، فهو يمر بعدة مراحل قبل أن يصل إلى المنتج النهائي."

لكل نبات مميزاته التي يمكن التعلم منها تقوم الطبيعة بتطوير ابتكاراتها بطريقة لعبة "الليغو" التي يمارسها الأطفال. عدد قليل من المواد الأولية ينتج عدداً هائلاً من المركبات. بياض البيض مثلاً مكون من عدد قليل من الجزيئات، 20 حمض أميني على وجه التقريب، ولكن يَنتج عبر تنويعاتها المختلفة عدداً ضخماً من المواد. المنسوجات تُصنع بصورة مشابهة: فالخيوط تصنع من الألياف، ومن الخيوط تنتج الأقمشة. وبمشاهدة الطبيعة يجد الإنسان أن الأمر لا يتوقف على سيقان النبات المكونة من الألياف، إذ أن العظام أيضا مكونة من الألياف، وتحليل هذه التركيبات الطبيعية للمواد المختلفة، ثم نقلها وتحويلها لتقنية جديدة يفتح مجالاً كبيراً من التطبيقات.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة 

والتسعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: * محاكاة الطبيعة في نقل المياه

يمكن توظيف البيوميميتيك لتوفير استهلاك المياه: في الوقت الحالي يتعلم الباحثون من الطبيعة كيف تصلح نفسها، كما هو الحال عندما يقطع الشخص إصبعه خطأ أو ينكسر عود النبات. وهو ما أمكن تقليده في المعمل، فأمكن إصلاح ثقوب في أنسجة تصل إلى 5 ملليمترات باستخدام الوسيلة نفسها التي تستخدمها الطبيعة. ويمكن القول إن تقنيات البيوميمتك لن تبدل التقنية المتعارف عليها حالياً، لكنها ستكملها، وستفتح مجالات جديدة تماماً.           فقد يمكن نقل السوائل إلى أعلى بلا مضخات على مثال نبات الليانا المتسلق الذي ينقل المياه حتى مسافة 1 كيلومتر.

قد يساعد تطبيق هذه التقنية في الزراعة على الاقتصاد في المياه المطلوبة ومنع تبديد كميات هائلة منها. وهو ما يؤكده الدكتور توماس شتيجماير من معهد دينكندورف قائلاً: "من الابتكارات المدهشة أنظمة نقل المياه. وهي تمثل تحدياً تقنياً كبيراً، أن نحول هذه الأنظمة القادرة على نقل المياه على ارتفاع 10 متر حتى الآن إلى أنظمة قادرة على نقل المياه على ارتفاع يصل إلى مئة متر، على مثال الطبيعة". هذه الأنظمة ستقلل تبديد المياه وتوفر الطاقة المستخدمة في المضخات.

*الله خالق كل شيء!

من خلال هذه الدراسات وغيرها يمكن أن نؤكد أن الإنسان يأخذ اختراعاته من الطبيعة، وأهم مثال على ذلك الطائرة، فلولا وجود الطيور ربما لم يفكر الإنسان بالطيران أصلاً، ولولا وجود قوانين فيزيائية سخرها الله لم يتمكن الإنسان من استغلال طاقة الهواء لحمل الطائرة، إذاً كل ما نراه من حولنا مسخَّر لخدمتنا، ولذلك يقول تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية: 13]. فهل نتفكر في هذه المعجزات العظيمة؟!

ولو تأملنا الآية الكريمة (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ

 قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد: 16]، نرى فيها إشارة إلى أن كل ما نراه من حولنا هو مخلوق من مخلوقات الله، حتى الطائرة مثلاً هي مخلوق من مخلوقات الله، فالمادة الأولية التي صُنعت منها الطائرة خلقها الله بلا شك، والوقود الذي يسير الطائرة هو من صنع الله، والهواء الذي يحمل الطائرة من صنع الله الذي أتقن كل شيء، وحتى تصميم الطائرة أخذه الإنسان من الطيور وهي مخلوقات في الطبيعة من صنع الله عز وجل، وحتى الإنسان الذي يقود الطائرة هو من صنع الله، إذاً مَن الذي خلق الطائرة الله أم الإنسان؟!

وهنا يتجلى قول الحق تبارك وتعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً 

وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 8]. فالخيل والبغال وغيرها لا يشك أحد أنها من صنع الله، وقوله تعالى: (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) يدل على أن الله هو الذي خلق كل شيء لأن الإنسان حتى هذه اللحظة لم يتمكن من خلق ذرة من العدم!

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة 

والتسعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: والآن أترككم مع روائع التصميم الإلهي في الطبيعة لنرى دقة وجمال صنع الله في مخلوقاته:

صورة لزهرة يظهر من خلالها التداخل الرائع للألوان، إن كل اللوحات التي رسمها الإنسان، وكل الأشكال التي اخترعها هي في الأصل مستوحاة من الطبيعة. يقول عز من قائل: (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) [النحل: 13].

نجمة البحر، انظروا إلى التصميم المحكم لها، وكيف تتناسق الألوان فلا نشعر بأي تناقض أو تشويه، بل نجد اللون الأحمر والأصفر والبرتقالي وحتى الأخضر الداكن من حولها كل ذلك في تناسق بديع يشهد بأن الخالق هو الله وليس الطبيعة الصماء كما يعتقدون!

ربما لا تصدقوا أن هذا الشكل السداسي الرائع هو جزيئة ثلج!!! هكذا تتوضع جزيئات الثلج بنظام بديع ولو درسنا نتف الثلج نلاحظ أنها تأخذ أشكالاً هندسية رائعة... من أين جاء هذا التصميم؟ ألا يشهد بأن هناك صانعاً مدبراً حكيماً عليماً؟ يقول تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [البقرة: 117].

مَن الذي علَّم هذا العنكبوت صنع هذه الشبكة بنظام هندسي متقن؟ وكيف اهتدى لصناعة هذه الخيوط التي تعتبر أقوى من الفولاذ بكثير، انظروا كيف وضع فوق الشبكة شكلاً متعرجاً ليخيف الحشرات الكبيرة من الاقتراب منه!! نريد ممن يعتقدون أن الطبيعة هي التي تطور هذه المخلوقات أن يعرّفوا لنا ما هي الطبيعة التي يتحدثون عنها وأين توجد؟

حتى في تراب الأرض نرى الهندسة الرائعة! فهذه صورة لأرض جافة أخذت هذا الشكل الهندسي، تأملوا هذه الخطوط وتداخلاتها وكأنها لوحة فسيفساء رسمها فنان مبدع! ولكن الله تعالى أودع في الطبيعة أشياء نرى من خلالها قدرة الخالق ليدلنا على أنه خالق كل شيء، فهل ندرك عظمة هذا الخالق الرحيم؟

هذه ليست تلالاً أو ودياناً، إنها سطح جليدي شكلته قدرة الخالق (وليس الطبيعة)، فعندما يتجمد الماء في الشتاء البارد يشكل مثل هذه التلال والوديان بعد تكبير الصورة، وهنا يتجلى قول الحق تبارك وتعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88].

هذه ليست دعاية للشوكولاتة!! إنها ظاهرة طبيعية نراها من حولنا، إنها عبارة عن طين تشكل بهذه الأشكال الهندسية بعد طوفان في إحدى المناطق، لقد رسم لوحة إلهية رائعة تشهد على إتقان ودقة هذه الصناعة، يقول تعالى: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [النحل: 17].

هذه ليست لوحة زيتية وليست صورة بالفوتوشوب، إنها لوحة إلهية تشهد على

 قدرة الله جل جلاله، إنها جزء من زعنفة سمكة تزينها هذه البقع البرتقالية، تأملوا تداخل الألوان وتناسبها مع بعضها وتدرجاتها، أين أنتم أيها الملحدون من هذا التصميم الرائع؟ كل هذه المشاهد نراها من حولنا ثم نرى إنساناً ضعيفاً ينكر وجود الخالق، فلا نملك إلا أن نقول: (أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل: 60].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة

والتسعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: والآن لنطرح هذه الأسئلة على كل ملحد لا يؤمن بكتاب الله أو صدق نبيه عليه الصلاة والسلام:

1- هل لديكم تفسير علمي لوجود التصميم الرائع في الطبيعة؟ اسمعوا الجواب: يقول تعالى: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل: 59].

2- هل يمكنكم أن تخبرونا من الذي خلق الكون ومن الذي خلق الماء الذي هو

 سر الحياة، ومن الذي خلق النباتات من حولنا؟ اسمعوا الجواب في الآية 

التالية: يقول تعالى (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ 

يَعْدِلُونَ) [النمل: 60].

3- هل تفسرون لنا سر الجاذبية الأرضية، وكيف جاءت مناسبة تماماً لحياة المخلوقات على ظهرها؟ ومن الذي ثبت الأرض بالجبال فكانت مثل الرواسي للقشرة الأرضية ولولاها لاضطربت هذه القشرة الضعيفة والرقيقة؟ ومن الذي قدّر هذا النظام المائي الرائع على ظهر الكوكب، ومن الذي خلق لنا هذه المياه العذبة وميَّزها عن المياه المالحة ولولا ذلك لانعدمت الحياة؟ اسمعوا الجواب، يقول تعالى: (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل: 61].

4- من الذي أعطاك القدرة أيها الملحد لتحكم العالم وتسيطر على مقدرات الطبيعة ومن الذي سخر لك هذه الأرض لتعيش فيها وتستمتع بها، ومن الذي أعطاكم كل هذه النعم، إنه الله القائل: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62].

5- هل سألتم أنفسكم كيف تهتدون في ظلمات الليل؟ من الذي سخر لكم المجال المغنطيسي للأرض لتهتدوا به، ومن الذي سخر لكم النجوم لتهتدوا بها، ومن الذي خلق لكم هذه الرياح التي لولاها لما نزلت قطرة مطر، أليس هو القائل: (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل: 63].

6- وأخيراً هناك سؤال لن تجدوا الإجابة عنه إلا بالرجوع إلى خالقكم، فمن الذي خلق الكون وخلق المجرات وخلق الأرض والشمس والقمر، ومن الذي جعل النباتات تثمر وجعل السماء تمطر وجعل في كل شيء دورة مقدرة للماء والصخور والتراب وأنتم ترون كيف يتكرر الخلق ويُعاد أمامكم، فقطرة الماء هي ذاتها تسقط من الغيمة ثم تتبخر ثم تعود للغيوم لتسقط من جديد، إنها إعادة مستمرة للخلق تحدث أمام أعينكم، من الذي قدّر هذه العملية المحكمة؟ اسمعوا: (أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ]النمل: 64].

بعد كل هذه الحقائق، هل ندرك أن كل ما نراه من حولنا هو من صنع الله تعالى؟ إذاً تأملوا معي هذا النص القرآني الرائع: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [لقمان: 10-11].

 [ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي  - التصميم الإلهي الرائع يشهد على قدرة الخالق - بقلم عبد الدائم الكحيل ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة

والتسعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:

* مواقع النجوم آية من آيات الله الخالق

    قال تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (الواقعة:76، 75 ) في هاتين الآيتين الكريمتين يقسم ربنا تبارك وتعالي ـ وهو الغني عن القسم ـ بمواقع النجوم‏,‏ ثم يأتي جواب القسم‏:‏ (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة:80).

 والمعنى المستفاد من هذه الآيات الكريمة:

     أن الله تعالى يخبرنا بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ أقسم قسماً مغلظاً بمواقع النجوم ـ وأن هذا القسم جليل عظيم ـ لو كنتم تعرفون قدره ـ أن هذا القرآن كتاب كريم‏,‏ جمع الفوائد والمنافع‏,‏ لاشتماله على أصول الدين من العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات‏,‏ وغير ذلك من أمور الغيب وضوابط السلوك وقصص الأنبياء وأخبار الأمم السابقة والعبر المستفادة منها‏,‏ وعدد من حقائق ومظاهر الكون الدالة على وجود الله و على عظيم قدرته‏,‏ وكمال حكمته وإحاطة علمه‏.‏ ويأتي جواب القسم‏:‏ أن الله تعالى قد تعهد بحفظ هذا الوحي الخاتم في كتاب واحد مصون بقدرة الله‏(‏ تعالى‏),‏ محفوظ بحفظه من الضياع أو التبديل والتحريف‏,‏ وهو المصحف الشريف‏,‏ الذي لا يجوز أن يمسه إلا المطهرون من جميع صور الدنس المادي‏(‏ أي المتوضئون الطاهرون‏),‏ ولا يستشعر عظمته وبركته إلا المؤمنون بالله‏,‏ الموحدون لذاته العليا‏,‏ المطهرون من دنس الشرك‏,‏ والكفر‏,‏ والنفاق‏,‏ ورذائل الأخلاق‏,‏ لأن هذا القرآن الكريم هو وحي الله الخاتم‏,‏ المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وهو معجزته الخالدة إلى يوم الدين‏,‏ أنزله الله تعالى بعلمه وهو الإله الخالق‏,‏ رب السماوات والأرض ومن فيهن‏,‏ وقيوم الكون ومالكه ‏(‏ سبحانه وتعالى‏),‏ ولذلك يقول‏(‏ عز من قائل‏):‏ (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة) تفسير القسم بمواقع النجوم: الفاء حرف عطف‏,‏ يُعطف بها فتدل على الترتيب والتعقيب مع الاشتراك‏,‏ أو يكون ما قبلها علة لما بعدها‏,‏ وتجري على العطف والتعقيب دون الاشتراك‏,‏ وقد تكون للابتداء‏,‏ ويكون ما بعدها حينئذ كلاماً مستأنفا‏ً,‏ وأغلب الظن أنها هنا للابتداء‏.‏

وأما لا فقد اعتبرها نحاة البصريين حرفاً زائداً في اللفظ لا في المعني‏,‏ بينما اعتبرها نحاة الكوفيين اسماً لوقوعها موقع الاسم‏,‏ خاصة إذا سُبقت بحرف من حروف الجر‏,‏ وهي تأتي نافية للجنس‏,‏ أو ناهية عن أمر‏,‏ أو جوابية لسؤال‏,‏ أو بمعني غير أو زائدة‏,‏ وتارة تعمل عمل إن‏,‏ أو عمل ليس‏,‏ أو غير ذلك من المعاني‏.‏ ومن أساليب اللغة العربية إدخال لا النافية للجنس على فعل القسم‏:‏ لا أقسم من أجل المبالغة في توكيد القسم‏,‏ بمعني أنه لا يقسم بالشيء إلا تعظيماً له‏,‏ كأنهم ينفون ما سوى المقسم عليه فيفيد تأكيد القسم به‏,‏ وقيل‏:‏ هي للنفي‏,‏ بمعني لا أقسم به إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم أصلاً فضلا عن هذا القسم العظيم‏.‏

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة

والتسعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: ومواقع النجوم:

     هي الأماكن التي تمر بها في جريها عبر السماء وهي محتفظة بعلاقاتها المحددة 

بغيرها من الأجرام في المجرة الواحدة‏,‏ وبسرعات جريها ودورانها‏,‏ وبالأبعاد الفاصلة بينها‏,‏ وبقوى الجاذبية الرابطة بينها‏,‏ واللفظة مواقع جمع موقع يقال‏:‏ وقع الشيء موقعه‏,‏ من الوقوع بمعنى السقوط‏.‏ والمسافات بين النجوم مذهلة للغاية لضخامة أبعادها‏,‏ وحركات النجوم عديدة وخاطفة‏,‏ وكل ذلك منوط بالجاذبية‏,‏ وهي قوة لا تُري‏,‏ تحكم الكتل الهائلة للنجوم‏,‏ والمسافات الشاسعة التي تفصل بينها‏,‏ والحركات المتعددة التي تتحركها من دوران حول محاورها وجري في مداراتها المتعددة‏,‏ وغير ذلك من العوامل التي نعلم منها القليل ...!!!

 وهذا القَسم القرآني العظيم بمواقع النجوم يشير إلى سبق القرآن الكريم بالإشارة 

إلى إحدى حقائق الكون المبهرة‏,‏ والتي تقول أنه نظراً للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عن أرضنا‏,‏ فإن الإنسان على هذه الأرض لا يري النجوم أبدا‏ً,‏ ولكنه يري مواقع مرت بها النجوم ثم غادرتها‏,‏ وعلى ذلك فهذه المواقع كلها نسبية‏,‏ وليست مطلقة‏,‏ ليس هذا فقط بل إن الدراسات الفلكية الحديثة قد أثبتت أن نجوماً قديمة قد خبت أو تلاشت منذ أزمنة بعيدة‏,‏ والضوء الذي انبثق منها في عدد من المواقع التي مرت بها لا يزال يتلألأ في ظلمة السماء في كل ليلة من ليالي الأرض إلى اليوم الراهن‏,‏ كما أنه نظراً لانحناء الضوء في صفحة الكون فإن النجوم تبدو لنا في مواقع ظاهرية غير مواقعها الحقيقية‏,‏ ومن هنا كان هذا القسم القرآني بمواقع النجوم‏,‏ وليس بالنجوم ذاتها ـ على عظم قدر النجوم ـ التي كشف العلم عنها أنها أفران كونية عجيبة يخلق الله‏‏ تعالى‏ لنا فيها كل صور المادة والطاقة التي ينبني منها هذا الكون المدرك‏

  ‏ ماهية النجوم ؟ النجوم هي أجرام سماوية منتشرة بالسماء الدنيا‏,‏ كروية أو شبه كروية‏,‏ غازية‏,‏ ملتهبة‏,‏ مضيئة بذاتها‏,‏ متماسكة بقوة الجاذبية على الرغم من بنائها الغازي‏,‏ هائلة الكتلة‏,‏ عظيمة الحجم‏,‏ عالية الحرارة بدرجة مذهلة‏,‏ وتشع كلاً من الضوء المرئي وغير المرئي بجميع موجاته‏.‏ ويمكن بدراسة ضوء النجم الواصل إلينا التعرف على العديد من صفاته الطبيعية والكيميائية من مثل درجة لمعانه‏,‏ شدة إضاءته‏,‏ درجة حرارته‏,‏ حجمه‏,‏ كتلته‏,‏ موقعه منا‏,‏ سرعة دورانه حول محوره‏,‏ وسرعة جريه في مداره‏,‏ تركيبه الكيميائي‏,‏ ومستوي التفاعلات النووية فيه إلى غير ذلك من صفات‏.‏ وقد أمكن تصنيف النجوم العادية على أساس من درجة حرارة سطحها إلى نجوم حمراء ‏(3200‏ درجة مطلقة‏)‏ وهي أقلها حرارة‏,‏ إلى نجوم برتقالية‏,‏ وصفراء‏,‏ وبيضاء مائلة إلى الصفرة‏,‏ وبيضاء‏,‏ وبيضاء مائلة إلى الزرقة‏,‏ وزرقاء ‏(30,000‏ درجة مطلقة‏)‏ وهي أشدها حرارة‏,‏ وشمسنا من النجوم الصفراء متوسطة الحرارة إذ تبلغ درجة حرارة سطحها حوالي ستة آلاف درجة مطلقة‏.‏ والغالبية الساحقة من النجوم‏(90%)‏ تتبع هذه الأنواع من النجوم العادية التي تعرف باسم نجـوم النسـق الأسـاسي(Main sequence),‏والباقي هي نجوم في مراحل الانكدار أو الطمس أو في مراحل الانفجار والتلاشي‏,‏ من مثل الأقزام البيضاء‏,‏ النجوم النيوترونية‏(‏ النابضة وغير النابضة‏)‏ والثقوب السود في المجموعة الأولي‏,‏ والعمالقة الحمر‏,‏ والعمالقة العظام‏,‏ والنجوم المستعرة‏,‏ وفوق المستعرات في المجموعة الثانية‏.

وأكثر النجوم العادية لمعاناً هي أعلاها كثافة‏,‏ وبعضها يصل في كتلته إلى مائة مرة قدر كتلة الشمس‏,‏ وتشع قدر إشعاع الشمس ملايين المرات‏، وأقل نجوم السماء لمعاناً هي الأقزام الحمر(Red Dwarfs),‏ وتبلغ درجة لمعانها أقل من 

واحد من الألف من درجة لمعان الشمس‏.‏ 

 وأقل كتلة لجرم سماوي يمكن أن تتم بداخله عملية الاندماج النووي فيسلك مسلك النجوم هو‏8%‏ من كتلة الشمس ‏(‏ المقدرة بحوالي ألفي مليون مليون مليون مليون طن‏),‏ والنجوم بمثل هذه الكتل الصغيرة‏,‏ نسبيا هي من النجوم المنكدرة من أمثال النجوم البنية القزمة أو ما يعرف باسم الأقزام البنية (Brown Dwarfs)..‏

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة

والتسعون في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:  النجوم تمر بمراحل من الميلاد والشباب والشيخوخة   

والنجوم تمر بمراحل من الميلاد والشباب والشيخوخة قبل أن تنفجر أو تتكدس على ذاتها فتطمس طمساً كاملا‏ً,‏ فهي تولد من الدخان الكوني بتكدس هذا الدخان على ذاته‏(‏بإرادة الخالق سبحانه وتعالى‏)‏ وبفعل الجاذبية فتتكون نجوم ابتدائية(Prostars),‏ ثم تتحول هذه النجوم الابتدائية إلى النجوم العادية(Main Sequence Srars),‏ ثم تنتفخ متحولة إلى العماليق الحمر (Red Giants),‏فإذا فقدت العماليق الحمر هالاتها الغازية تحولت إلى ما يعرف باسم السدم الكوكبية(Planetary Nebulae),‏ثم تنكمش على هيئة ما يعرف باسم الأقزام البيض (White Dwarfs),‏ وقد تتكرر عملية انتفاخ القزم الأبيض إلى عملاق أحمر ثم العودة إلى القزم الأبيض عدة مرات‏,‏ وتنتهي هذه الدورة بالانفجار على هيئة فوق مستعر من الطراز الأول (Type I Super nova Explosion)‏ أما إذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم العادي كبيرة‏( عدة مرات قدر كتلة الشمس‏)‏ فإنه ينتفخ في آخر عمره على هيئة العمالقة الكبار 

(Super giants), ثم ينفجر على هيئة فوق مستعر من الطراز الثاني

(Type II Super nova Explosion),‏ فينتج عن هذا الانفجار النجوم النيوترونية ‏(Neutron Stars)‏ النابضة (Pulsars),‏ وغير النابضة (Non-Pulsating Neutron Stars),‏ أو الثقوب السود (Black Holes)‏أو ما نسميه باسم النجوم الخانسة الكانسة وذلك حسب الكتلة الابتدائية للنجم‏.‏ والنجوم العادية منها المفرد‏(‏ مثل شمسنا‏)‏ والمزدوج (Binary Stars)‏ومنها المتعدد (Multiple Stars),‏ وتشير الدراسات الفلكية إلى أن أغلب النجوم مزدوجة أو متعددة‏,‏ والنجوم المزدوجة تتشكل من نجمين يدوران في مدار واحد حول مركز ثقلهما‏Common Cente of Mass,‏ومن النجوم المزدوجة ما يتقارب فيها النجمان من بعضهما البعض بحيث لا يمكن فصلهما إلا عن طريق فصل أطياف الضوء المنبثق من كل منهما بواسطة المطياف الضوئي (Spectroscope),‏ومن هذه النجوم المزدوجة ما يمكن أن يخفي احدهما الآخر لدرجة الكسوف الكلي‏.‏ والنجوم أفران كونية يتم في داخلها سلاسل من التفاعلات النووية التي تعرف باسم عملية الاندماج النووي(Nuclear Fusion)‏ وهي عملية يتم بواسطتها اندماج نوى ذرات الإيدروجين‏(‏ أخف العناصر المعروفة‏)‏ لتكون نوى الذرات الأثقل بالتدريج وتنطلق الطاقة التي تزيد من درجة حرارة النجم حتى يتحول إلى ما يعرف باسم النجم المستعر(Nova) ‏والعملاق الأحمر ‏RedGiant,‏ أو النجم العملاق الأعظم(Supergiant)‏ وحينما يتحول قلب النجم المستعر إلى حديد تستهلك طاقة النجم‏,‏ وتتوقف عملية الاندماج النووي فيه‏,‏ وينفجر النجم فيتحول إما إلى قزم ابيض‏,‏ أو إلى نجم نيوتروني أو إلى ثقب اسود حسب كتلته الابتدائية فينكدر النجم أو يطمس ضوئه طمساً كاملاً‏.‏ وعند انفجار النجوم تتناثر أشلاؤها ـ ومنها الحديد ـ في صفحة السماء‏,‏ فيبدأ بعض هذا الحديد في اصطياد الجسيمات الأولية للمادة لتكوين العناصر الأعلى في وزنها الذري من الحديد بالتدريج‏.‏ 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة المائة

في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:  النجوم تمر بمراحل من الميلاد والشباب والشيخوخة   

الشمس نجم من نجوم السماء الدنيا الشمس هي النجم الذي تتبعه أرضنا فتدور حولها مع باقي أفراد المجموعة الشمسية‏,‏ وتدور معها حول مركز المجرة‏,‏ وهي أقرب نجوم السماء إلينا‏,‏ ويقدر بُعدها عنا بحوالي مائة وخمسين مليوناً من الكيلو مترات‏,‏ ويقدر نصف قطرها بحوالي سبعمائة ألف كيلو متر‏(6.960*510‏ كيلو متر‏(,‏ وتقدر كتلتها بحوالي ألفي مليون مليون مليون مليون طن‏(1.99*10(27)‏ طن‏),‏ ومتوسط كثافتها‏)1.41‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏(‏ أي ا على قليلا من كثافة الماء‏,‏ وتبدو الشمس لنا قرصا صغيرا في السماء على الرغم من أن حجمها يزيد عن مليون ضعف حجم الأرض نظرا لبعدها الشاسع عنا‏.‏ 

وتقدر درجة حرارة لب الشمس بحوالي‏15‏ مليون درجة مطلقة‏,‏ ودرجة حرارة سطحها حوالي ستة آلاف درجة مطلقة‏(5800‏ درجة مطلقة‏)‏ بينما تصل درجة الحرارة في هالة الشمس‏(‏ أي إكليلها‏)‏ إلى مليوني درجة مطلقة‏,‏ وهذه الدرجات العالية من الحرارة‏,‏ والانخفاض الشديد في كثافة مادة الشمس لا يسمحان للإنسان من على سطح الأرض برؤية الشمس بالعين المجردة‏,‏ ولا باستخدام المناظير المقربة إلا إذا احتجبت الكرة المضيئة للشمس (Photosphere)‏احتجاباً كاملا بالكسوف الكلي لها أو بالطرق المختبرية المختلفة‏,‏ والكثافة في مركز الشمس تصل إلي‏90‏ جراما للسنتيمتر المكعب‏,‏ وتتناقص في اتجاه سطح الشمس لتصبح جزءا من عشرة ملايين من الجرام للسنتيمتر المكعب‏,‏ وتنتج الطاقة في الشمس أساسا من تحول الإيدروجين إلى هليوم بعملية الاندماج النووي‏,‏ وان كانت العملية تستمر بمعدلات بسيطة لتنتج بعض العناصر الأعلى في وزنها الذري وتتكون الشمس بنسبة‏70%‏ إيدروجين‏,28%‏ هليوم‏,2%‏ عناصر أخري‏,‏ والشمس هي مصدر كافة صور الطاقة الأرضية‏.‏ ونظرا لأن غالبية جسم الشمس غازي لا تمسك به إلا الجاذبية الشديدة للشمس فان دورانها حول محورها يتم بطريقة جزئية‏,‏ قلب الشمس‏(‏ حوالي ثلث قطرها‏)‏ يدور كجسم صلب يتم دورته في‏36.5‏ يوم من أيام الأرض تقريبا‏,‏ بينما الكرة الغازية المحيطة بذلك اللب‏(‏ وسمكها حوالي ثلثي نصف قطر الشمس‏)‏ يتم دورته حول مركز الشمس في حوالي‏24‏ يوما من أيام الأرض‏,‏ وعلى ذلك فان متوسط سرعة دوران الشمس حول محورها يقدر بحوالي‏27‏ وثلث يوم من أيامنا‏.‏ وتجري الشمس‏(‏ ومعها مجموعتها الشمسية‏)‏ في صفحة الكون بسرعة تقدر بحوالي‏19‏ كيلو متر في الثانية نحو نقطة في كوكبة هرقل بالقرب من نجم النسر الواقع ‏(Vega)‏ وهي تسمي علميا باسم مستقر الشمس‏,‏ كما تجري الشمس‏(‏ ومعها مجموعتها الشمسية بسرعة تقدر بحوالي‏220‏ كيلو مترا في الثانية حول مركز مجرتنا‏(‏ درب اللبانة‏)‏ لتتم هذه الدورة في‏250‏ مليون سنة‏.‏

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: أقرب كواكب المجموعة الشمسية إلى الشمس هو كوكب عطارد

وأقرب كواكب المجموعة الشمسية إلى الشمس وهو كوكب عطارد يبعد عنها بحوالي‏58‏ مليون كيلو متر‏,‏ وأبعدها عن الشمس وهو كوكب بلوتو يبعد عنها بحوالي ستة آلاف مليون كيلومتر‏.‏ وإذا خرجنا عن نطاق المجموعة الشمسية فان هذه المقاييس الأرضية لا تفي بقياس المسافات التي تفصل بقية نجوم السماء الدنيا عنا‏,‏ فاتفق العلماء على وحدة قياس كونية تعرف باسم السنة الضوئية‏,‏ وهي المسافة التي يقطعها الضوء بسرعته‏(‏ المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية‏)‏ في سنة من سنينا‏,‏ وهي مسافة مهولة تقدر بحوالي‏9.5‏ مليون مليون كيلو متر‏.‏ 

أبعاد النجوم عن أرضنا اكتشف علماء الفلك أن اقرب النجوم إلينا بعد الشمس هو نجم الأقرب القنطوري Alpha

Centauri ‏ يبعد عنا بمسافة ‏ 4.243 ‏ من السنين الضوئية‏,‏ بينما يبعد عنا النجم القطبي بحوالي‏400‏ سنة ضوئية‏,‏ ومنكب الجوزاء يبعد عنا بمسافة‏1600‏ سنة ضوئية‏,‏ وأبعد نجوم مجرتنا‏(‏ درب اللبانة‏)‏ يبعد عنا بمسافة ثمانين ألف سنة ضوئية‏.‏ ومجموعتنا الشمسية عبارة عن واحدة من حشد هائل للنجوم على هيئة قرص مفرطح يبلغ قطره مائة ألف سنة ضوئية‏,‏ وسمكه نحو عشر ذلك‏,‏ وتقع مجموعتنا الشمسية على بعد ثلاثين ألف سنة ضوئية من مركز المجرة‏,‏ وعشرين ألف سنة ضوئية من اقرب أطرافها‏.‏ وتحتوي مجرتتا‏       (‏ درب اللبانة‏ =Milky Way)‏ على تريليون‏(‏ مليون مليون‏)‏ نجم‏,‏ وبالجزء المدرك من السماء الدنيا مائتي ألف مليون مجرة على الأقل‏,‏ تَسبَحُ في ركن من السماء الدنيا يقدر قطرة بأكثر من عشرين ألف مليون سنة ضوئية‏.‏ أقرب المجرات إلينا تعرف باسم سحب ماجيلان Magellanic Clouds‏ تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين ألف سنة ضوئية‏.‏ المجرات تجمعات للنجوم المجرات هي نظم كونية شاسعة الاتساع تتكون من التجمعات النجمية والغازات والغبار الكونيين ‏(‏ الدخان الكوني‏)‏ بتركيز يتفاوت من موقع لآخر في داخل المجرة‏.‏ وهذه التجمعات النجمية تضم عشرات البلايين إلى بلايين البلايين من النجوم في المجرة الواحدة‏,‏ وتختلف نجوم المجرة في إحجامها‏,‏ ودرجات حرارتها‏,‏ ودرجات لمعانها‏,‏ وفي غير ذلك من صفاتها الطبيعية والكيميائية‏,‏ وفي مراحل دورات حياتها‏,‏ وأعمارها‏,‏ فمنها النجوم العادية المفردة‏,‏ والمزدوجة‏,‏ والعديدة‏,‏ والعماليق الكبار والحمر‏,‏ والنجوم القزمة البيضاء والبنية والسوداء‏,‏ والنجوم النيوترونية‏,‏ والثقوب السود‏,‏ وأشباه النجوم وغيرها مما يتخلق باستمرار من الدخان الكوني‏.‏ ومن المجرات ما هو حلزوني الشكل‏,‏ ومنها ما هو بيضاوي‏(‏ إهليلجي‏),‏ ومنها ما هو غير محدد الشكل‏,‏ ومنها ما هو اكبر من مجرتنا بكثير‏,‏ ومنها ما هو في حجمها أو أصغر منها‏,‏ وتتبع مجرتنا عددا من المجرات يعرف باسم المجموعة المحلية Local Group‏ 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: المجرات

وقد يتجمع عدد أكبر من المجرات على هيئة عنقود مجري‏Galactic Cluster

‏كما قد يتجمع عدد من العناقيد المجرية على هيئة عنقود مجري عملاق Galactic Super cluster ‏يضم عشرات الآلاف من المجرات‏.‏ وتتراوح المجرات في شدة إضاءتها بين سحب ماجلان العظيمة‏,‏ وعدد من النقاط الباهتة التي لا تكاد أن تدرك بأكبر المقاريب‏(‏المناظير المقربة‏),‏ وتقع أكثر المجرات ضياء في دائرة عظمي تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا على مستوي مجرتنا‏,‏ وتتراوح المسافات بين المجرات في التجمع المجري الواحد بين المليون والمليونين من السنين الضوئية‏,‏ وتبلغ مائة مرة ضعف ذلك بين التجمعات المجرية التي تعتبر وحدة بناء السماء الدنيا‏.‏ وبالإضافة إلى المجرات وتجمعاتها المختلفة في الجزء المدرك من السماء الدنيا فإننا نري السدم ‏Nebulae, ‏وهي أجسام دخانية تتخلق بداخلها النجوم‏,‏ ومن السدم ما هو مضئ وما هو معتم‏.‏ أشباه النجوم وهناك أشباه النجوم Quasars‏ وهي أجسام ضعيفة الإضاءة‏,‏ ولكنها تطلق اقوي الموجات الراديوية في السماء الدنيا‏,‏ وقد اشتق اسمها باللغة الانجليزية من الوصف ‏Quasi-Srellar Radio Sources ‏أشباه نجوم مصدرة للموجات الراديوية‏,‏ وان كان منها مالا يصدر موجات راديوية (Radio-quietQuasiStellarObjects).‏

 وهي أجرام سماوية تتباعد عنا بسرعات فائقة‏,‏ وتعتبر أبعد ما تم رصده من أجرام السماء بالنسبة للأرض إلى الآن‏.‏ وتبدو أنها حالة خاصة من حالات المادة غير معروفة لنا‏,‏ وتقدر كتلة شبيه النجوم بحوالي مائة مليون ضعف كتلة الشمس‏,‏ وتبلغ كثافته واحدا على البليون من الطن للسنتيمتر المكعب‏(‏ واحد على ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب‏),‏ وتبلغ الطاقة الناتجة عنه مائة مليون مليون مرة قدر طاقة الشمس‏.‏ وقد تم الكشف عن حوالي‏1500‏ من اشباه النجوم على أطراف الجزء المدرك من الكون‏,‏ وكشفت دراستها بواسطة المقربات الراديوية عن عدد من المفاجآت الفلكية المذهلة‏,‏ ويتوقع الفلكيون وجود آلاف من هذه الأجرام السماوية العجيبة‏.‏ من أسباب القسم بمواقع النجوم هذه الصفات المذهلة للنجوم تركها القسم القرآني وركز على مواقع النجوم فقال ربنا تبارك وتعالى‏:‏ (74) فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) ‏[‏ الواقعة‏:75‏ ـ‏76]‏ ولعل من أسباب ذلك ما يلي‏:‏

 أولا‏:‏ أنه نظرا للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عنا‏,‏ فإننا لا يمكن لنا رؤية النجوم من على سطح الأرض أبدا‏,‏ ولا بأية وسيلة مادية‏,‏ وكل الذي نراه من نجوم السماء هو مواقعها التي مرت بها ثم غادرتها‏,‏ إما بالجري في الفضاء الكوني بسرعات مذهلة‏,‏ أو بالانفجار والاندثار‏,‏ أو بالانكدار والطمس‏.‏ فالشمس وهي أقرب نجوم السماء إلينا تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين مليون كيلومتر‏,‏ فإذا أنبثق منها الضوء بسرعته المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية من موقع معين مرت به الشمس فإن ضوءها يصل إلى الأرض بعد ثماني دقائق وثلث دقيقة تقريبا‏,‏ بينما تجري الشمس بسرعة تقدر بحوالي‏19‏ كيلومترا في الثانية في اتجاه نجم النسر الواقع ‏Vega‏ فتكون الشمس قد تحركت لمسافة لا تقل عن عشرة آلاف كيلومتر عن الموقع الذي انبثق منه الضوء‏.‏ 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: نحن من على سطح الأرض لا نري النجوم أبدا‏,‏ ولكننا نري صورا قديمة للنجوم انطلقت من مواقع مرت بها

وأقرب النجوم إلينا بعد الشمس وهو المعروف باسم الأقرب القنطوري يصل إلينا ضوئه بعد‏4,3‏ سنة من انطلاقه من النجم‏,‏ أي بعد أكثر من خمسين شهرا يكون النجم قد تحرك خلالها ملايين عديدة من الكيلومترات‏,‏ بعيدا عن الموقع الذي صدر منه الضوء‏,‏ وهكذا فنحن من على سطح الأرض لا نري النجوم أبدا‏,‏ ولكننا نري صورا قديمة للنجوم انطلقت من مواقع مرت بها‏,‏ وتتغير هذه المواقع من لحظة إلى أخري بسرعات تتناسب مع سرعة تحرك النجم في مداره‏,‏ ومعدلات توسع الكون‏,‏ وتباعد المجرات عنا‏,‏ والتي يتحرك بعضها بسرعات تقترب أحيانا من سرعة الضوء‏,‏ وأبعد نجوم مجرتنا عنا يصلنا ضوءه بعد ثمانين ألف سنة من لحظة انبثاقه من النجم‏,‏ بينما يصلنا ضوء بعض النجوم البعيدة عنا بعد بلايين السنين‏,‏ وهذه المسافات الشاسعة مستمرة في الزيادة مع الزمن نظرا لاستمرار تباعد المجرات عن بعضها البعض في ضوء ظاهرة اتساع الكون‏,‏ ومن النجوم التي تتلألأ أضواؤها في سماء ليل الأرض ما قد انفجر وتلاشي أو طمس واختفي منذ ملايين السنين‏,‏ لأن آخر شعاع انبثق منها قبل انفجارها أو طمسها لم يصل إلينا بعد‏,‏ والضوء القادم منها اليوم يعبر عن ماض قد يقدر بملايين السنين‏.‏

ثانيا‏:‏ ثبت علميا أن الضوء مثل المادة ينحني أثناء مروره في مجال تجاذبي مثل الكون‏,‏ وعليه فإن موجات الضوء تتحرك في صفحة السماء الدنيا في خطوط منحنية يصفها القرآن الكريم بالمعارج‏,‏ ويصف الحركة ذاتها بالعروج‏,‏ وهو الانعطاف والخروج عن الخط المستقيم‏,‏ كما يمكن أن يفيد الصعود في خط منعطف‏,‏ ومن هنا كان وصف رحلة المصطفي صلي الله عليه وسلم في السماوات العلا بالعروج‏,‏ وسميت الليلة باسم المعراج والجمع معارج ومعاريج‏.‏

 وحينما ينعطف الضوء الصادر من النجم في مساره إلى الأرض فإن الناظر من الأرض يري موقعا للنجم على استقامة بصره‏,‏ وهو موقع يغاير موقعه الذي صدر منه الضوء‏,‏ مما يؤكد مرة أخري أن الإنسان من فوق سطح الأرض لا يمكنه أن يري النجوم أبدا‏.‏

ثالثا‏:‏ أن النجوم في داخل المجرة الواحدة مرتبطة مع بعضها بالجاذبية المتبادلة 

بينها‏,‏ والتي تحكم مواقع النجوم وكتلها‏,‏ فمع تسليمنا بأن الله تعالى هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا كما أخبرنا تبارك وتعالي بقوله‏:‏ ( إن اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) [فاطر:41] ‏ويقول ربنا عز من قائل‏:‏ ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحج:65].

 إلا أن الله تعالى له سننه التي يحقق بها مشيئته ـ وهو القادر على أن يقول للشيء‏:‏ كن فيكون لكنه تعالى وضع للكون هذه السنن المتدرجة لكي يستطيع الإنسان فهمها ويتمكن من توظيفها في حسن القيام بواجب الاستخلاف في الأرض‏,‏ فمواقع النجوم على مسافات تتناسب تناسبا طرديا مع كتلها ومرتبطة ارتباطا وثيقا بقوي الجاذبية التي تمسك بها في تلك المواقع وتحفظ السماء أن تقع على الأرض إلا بإذن الله ومن هنا كانت قيمة مواقع النجوم التي كانت من وراء هذا القسم القرآني العظيم‏...!!‏

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: نحن من على سطح الأرض لا نري النجوم أبدا‏,‏ ولكننا نري صورا قديمة للنجوم انطلقت من مواقع مرت بها

رابعا‏:‏ أثبتت دراسات الفلك‏,‏ ودراسات كل من الفيزياء الفلكية والنظرية أن الزمان والمكان شيئان متواصلان‏,‏ ومن هنا كانت مواقع النجوم المترامية الأبعاد تعكس أعمارها الموغلة في القدم‏,‏ والتي تؤكد أن الكون الذي نحيا فيه ليس أزليا‏,‏ بل كانت له بداية يحددها الدارسون باثني عشر بليونا من السنين على أقل تقدير‏,‏ ومن هنا كان في القسم بمواقع النجوم إشارة إلى قدم الكون مع حدوثه‏,‏ وهي حقائق لم يتوصل إليها العلم المكتسب إلا بنهاية القرن العشرين‏.‏ فقد كان اليونانيون القدامى يصرون على أن الأرض هي مركز الكون‏,‏ أو أن الشمس هي مركز الكون‏,‏ وأن كليهما ثابت لا يتحرك‏,‏ غير متصورين وجود أية بنية سماوية إلا حول الشمس‏,‏ وكان غيرهم من أصحاب المدنيات السابقة واللاحقة يؤمنون بديمومة الأرض والنجوم‏,‏ وما بها من صور المادة والطاقة‏,‏ بل ظل الغربيون إلى أوائل القرن الثامن عشر الميلادي يؤمنون بأن النجوم مثبتات بالسماء‏,‏ وأن السماء بنجومها تتحرك كقطعة واحدة حول الأرض‏,‏ وأن الكون في مركزه ثابت غير متحرك‏,‏ ومكون من عناصر أربعة هي التراب‏,‏ والماء‏,‏ والهواء والنار وحول تلك الكرات الأربع الثابتة تتحرك السماوات‏,‏ ثم يأتي القرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة من السنين ليقسم بمواقع النجوم هذا القسم العظيم‏,‏ مؤكدا نسبية وأهمية وتعاظم تلك المواقع‏,‏ وأن الإنسان لا يمكن له رؤية النجوم من فوق الأرض‏,‏ وكل ما يمكن أن يراه هي مواقع مرت بها النجوم‏,‏ ويأتي العلم في نهاية القرن العشرين مؤكدا كل ذلك‏..!!‏

 وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال المهم‏:‏ من الذي علم سيدنا محمدا صلي الله عليه وسلم كل هذه المعارف العلمية الدقيقة لو لم يكن القرآن الذي أوحي إليه هو كلام الله الخالق‏..!!‏؟

ولماذا أشار القرآن الكريم إلى مثل هذه القضايا الغيبية التي لم يكن لأحد علم بها في زمان الوحي ولا لقرون متطاولة من بعد ذلك؟ لولا أن الله تعالى يعلم بعلمه المحيط أن الناس سوف يأتي عليهم زمان يدركون فيه تلك الحقيقة الكونية‏,‏ ثم يرجعون إلى كتاب الله الخاتم فيقرؤون فيه هذا القسم القرآني العظيم‏:‏ فلا أقسم بمواقع النجوم‏*‏ وإنه لقسم لو تعلمون عظيم‏*‏ الواقعة‏:75‏ ـ‏76‏ فيشهدون بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته‏,‏ ويشهدون لهذا النبي الخاتم صلي الله عليه وسلم أنه كان موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏,‏ وأنه عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم كان ـ بحق ـ كما وصفه ربنا تبارك وتعالى‏:‏ (ومَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)) [‏ النجم‏].‏

 وحينما يتم لهم ذلك تخر أعناقهم للقرآن خاضعين بسلاح العلم الكوني الذي كثيرا ما استخدم من قبل ـ كذبا وزورا ـ لهدم الدين‏..‏( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21).[ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي- مواقع النجوم آية من آيات الله الخالق  - الدكتور زغلول راغب محمد النجار ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: 

*معرفة عظمة الله تعالى تملأ القلوب خشية وإجلالا

   إن الإنسان إذا أدرك بفهم ووعي وعقل أن الله سبحانه وتعالى قد أوجده من العدم وليس له شريك في خلقه وإيجاده ونفخ روحه وتحديد صورته وتقدير مصيره ، يشعر بطبيعته وفطرته بعظمة الله تعالى وجلاله وقدرته ومقامه ، ويتطلع إلى معرفة مزيد عن عظائمه وعجائب خلقه ، فكلما تزداد معرفته بعظمة خلقه وأسراره وعجائبه وغرائبه يمتلئ قلبه إيمانا به وخشية وإجلالا لله عز وجل وخلق هذا الكون كله من العدم بأمره وإرادته وحكمته تدبيره ، وإلى هذه الحقيقة يشير القرآن الكريم : “إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون” (الأنفال : 2) .

كيف تستشعر بعظمة الله ؟

   إذا فكر الإنسان في جوانب الخلق الذي تفرد الله سبحانه وتعالى به وأوجده من العدم بمحض فضله وقدرته يستشعر بعظمته وضخامته وقدرته وحكمته ، ويدعو القرآن الكريم الإنسان إلى تأسيس عظمة الله في قلبه بالتفكير في آيات عظمته في خلقه وتدبيره فيقول : “نحن خلقناكم فلولا تصدقون ، أفرأيتم ما تمنون ، أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ، نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين ، على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون ، ولقد علمتم النشأة الأولى فلو لا تذكرون ، أفرأيتم ما تحرثون ، أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ، لو نشاء لجعلناه حطاما فظللتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون ، أفرأيتم الماء الذي تشربون ، أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ، لو نشاء لجعلناه أجاجا فلولا تشكرون ، أفرأيتم النار التي تورون ، أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون ، نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للموقين فسبح باسم ربك العظيم” (الواقعة : 57-74) . وأن هذه الآيات الكريمة كلها تدعو الإنسان إلى التفكير في خلق الله تعالى الأشياء المتصلة مباشرة بحياة البشرية وإبداعها وتقديرها ولم يسبقه أحد إلى إنشاء شيئ منها ولن يستطيعه أحد أن يأتي بمثل ذلك والله سبحانه وتعالى وحده القادر عليه والقائم به .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: خلق السماوات وملايين المجرات

إن الله عز وجل هو وحده الذي خلق السماوات السبع وخلق المجرات بملايينها التي لن يحصيها العادون والعلماء الفلكيون كما قال تعالى : “ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ” (نوح : 15) ، ثم قال :” الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ، فارجع البصر هل ترى من فطور ، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير، ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين واعتدنا لهم عذاب السعير” (الملك : 3-5) . وقال القرآن الكريم عن آيات عظمة خلق الله تعالى الشمس والقمر ومنازلهما “الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ، والقمر قدرناها منازل حتى عاد كالعرجون القديم ، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون” (يس : 28-40) .

وهو الذي خلق النور والظلمات وجعل الليل والنهار سرمدا أو جعل في السماوات وفي المجرات خصائص النور والإضاءة كما قال تعالى : “تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ” (الفرقان : 62) .

*آيات الليل والنهار

ومن إبداع خلقه وعظيم نعمته خلق الليل والنهار مع خصائصها الطبيعية اللازمة لحياة الكائنات وقال تعالى موضحا لعبادة فوائد الليل والنهار لتصريف شؤون حياتهم واستمرار بقائهم وتسيير أمورهم على وجه الأرض : وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ، والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم” (يس : 38 ) ، وقال في سورة الفرقان : “وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا” (47) ، وجاء في سورة يونس قوله تعالى : “هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ” (67) ، وقال تعالى أيضا : “ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله” (القصص :73 ) ، وقد جعل الله تعالى اليل والنهار من عظيم آياته لمخلوقاته إذ قال : “يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار” (النور : 44) .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: 

     الخلق والإبداع دليل على البعث والنشور

إن استشعار المؤمن لآيات خلق السماوات والأرض ومظهرهما وإبداعهما بحيث لم يسبق أحد إلى إنشاء شيئ منه ولن يستطيع أحد على أن يأتي بشيء من مثله ليؤدي حتما إلى تأسيس اليقين في قلبه بأ الذي خلق الكون كله لأول مرة وأبدعه بدون سابق مثال وبدون أي سبق وعون وستر لك ، ولقادر جدا على بعث الخلائق يوم الحشر وإحياء الموتى وعلى أن يسوي بننهم لأن الإعادة أسهل وأهون من البداية والإبداع لأول مرة فقال تعالى : ” أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ، وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم ، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ، الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ، أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم ، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيئ وإليه ترجعون ” (يس : 77-83) ، وهكذا تمتلئ قلوب المؤمنين إيمانا ويقينا واطمئنانا وهكذا باستذكار عظمة خلق الله وضخامة كائناته ! . [ الأنترنت – موقع د محيي الدين الألوائي ]

*نَظْرَةُ تَأَمُّلٍ فِي مَلَكُوْتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ

وقفت مع نفسي وقفة تأمل ، وتدبر ، وتفكر ، والتفكر في خلق الله من أجل العبادات التي غفل عنها الكثيرون ، ولأن التفكير يولد التأمل في خلق الله ، واستشعار عظمته سبحانه وتعالى ..

تأملت في ملكوت السموات والأرض وما فيها من إبداعات حيرت العقول ،

 وترامى تحت عجائبها المفكرون الفحول ، بل عجزت كل الوسائل الدقيقة والتقنية الحديثة أن تصل إلى شأو هذا الكون الفسيح ، المترامي الأطراف فرجع البصر خاسئا وهو حسير .

و ازدادت حيرتي حينما علمت علما يقينا أن في السماء مخلوقات بأحجام عظيمة تفوق الخيال ، وتتجاوز المحيط الفكري ، وحدود الخواطر ، وتيقنت أن هذه 

المخلوقات تسير وفق خطة محكمة ، لا تتعدى حدودها المرسومة لها ، ولا تميل 

عن مسارها .. و زادني دهشة ارتباط هذه المخلوقات العلوية ، ارتباطاوثيقا بحياة

 المخلوقات السفلية الكائنة في هذه الأرض المليئة بالعجائب هي الأخرى .

فبدأت التفكر والتأمل والتدبر في الشمس ، هذا المخلوق العظيم الذي لا غنى للمخلوقات على الأرض من الحرارة والأشعة الصادرة منه ...

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: 

ففوائد الشمس كثيرة لاتعد ولا تحصى ...

ومنها على سبيل المثال لا الحصر ...

أن الشمس تمد الأرض بالدفء مما يجعل حياة المخلوقات على هذه البسيطة ممكنة الحدوث والاستمرار .

وناهيك بالضياء الذي نحتاجه في كل مجالات الحياة وأهمه الخروج إلى السعي وراء أرزاقنا

وأما النباتات وباقي الكائنات الحية فضوء الشمس ضروري لها ومهم لقيامه بعملية التمثيل الضوئي .

والشمس تصدر طاقات هائلة يستغلها الإنسان وكم من دول تولد الكهرباء والطاقات الأخرى مما تصدره الشمس .

ومن الناحية الطبية فإن أشعة الشمس تفيد الجلد في إنتاج الفيتامين ( د ) الضروري لنمو العظم ، وتدور الأرض حول الشمس في عام كامل ، مما يفيد الإنسان في عمل الحسابات الكونية وعد السنين .

وحـرارةُ الشمس تبخر الماءَ فتسوقُ السحاب ، وترفعه فوق الجبال ، وتقـودُه إلى بلد ميت ، فتنبتُ الزرعَ ، وتدر الضرع ، وغير ذلك مما نعلمه ومالا نعلمه 

ومن غير الهواء وحرارة الشمس ما كنا وجدنا حبة قمح ، أو تمرة ، أو شجرة . ولو كانت الشمس دائمة السطوع علينا لاحترقت جميع النباتات ، ولكن تعاقب 

الليل والنهار بانتظام يعمل على تنشيط تكون الغذاء .

{ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } (12) سورة النحل

{ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } (54) سورة الأعراف

{ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } (2) سورة الرعد

وعلمت علما يقينا أن هناك شموسا عملاقة داخل المجرات أكبر من شمسنا هذه كشمس "قلب العقرب" التي يبلغ حجمها أربعمائة مرة من حجم شمسنا ، حسب التقديرات المبنية على العلم والتكنولوجيا الحديثة .

وفي هذه المجرات ملايين الشموس وإن كنا نراها على شكل نجوم نتيجة لبعدها الهائل .

كل هذا الخلق العظيم في سماء الدنيا فماذا تحمل السموات السبع وما فيهن .

فيا لعظمة هذا الكون الفسيح ، ويا لعظمة ما فيه من عجائب لا تحصى ، وأسرار لا تتناهى ...

فغضضت طرفي ، وطويت تفكيري ، أمام كون لا يسعه تفكير مخلوق ، ولا يحيط به عقل إنسان وتلوت قول الله تعالى :

{ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) } سورة الحـج

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: التأمل والتفكرفي الأرض

 ثم عاد التأمل والتفكر من جديد في كوكبنا الذي نعيش عليه ، وهو هذه الأرض

 فجلت بطرفي ، وتفكيري ، في بحارها ، وأنهارها ، وجبالها ، وترابها ، 

وكائناتها الحية المتنوعة ، وكل ما مر بخاطري ، وتفكيري ، وإذا بي أقف أمام خلق يعجز العقل البشري عن إدراك كنهه ، وتقف الأفكار حائرة في عظمة صنعه ، ودقة تنظيمه .

فقلت لنفسي عما ذا تبحثين وفي ما ذا تتفكرين ، أمام ناظريك كون مليء 

بالمخلوقات والكائنات من حيوانات وسوائل ، وجمادات ، والتي لا يمكن 

حصرها ، ولا الوصول إلى قعرها فبصرك كليل ، وفكرك عليل .

فانظري وتأملي في البحار مثلا ، فإنها مليئة بأنواع المخلوقات ، والكائنات ومنها اللؤلؤ ، والمرجان ، وأنواع الأسماك ، بل هناك كائنات أخرى يتغذى عليها الإنسان لا حصر لها ، ومن البحر يستخرج الإنسان الملح الذي لا غنى عنه لأجسادنا حيث أن الملح هو أحد العناصر المهمة لحياة الإنسان ، والحيوان ، وحتى النبات وإني بحاجة إلى حمل بعير من الأوراق لأسطر فيها ما يحمله هذا البحر الهائل من أسرار .

{ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (14) سورة النحل { اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (12) سورة الجاثية.

وحينئذ قلت لنفسي تأملي في الجبال الرواسي التي جعلها الله لتثبيت الأرض

 فإن في باطن صخورها كنوزا ، وثروات عزيزة ، مثل الأحجار الكريمة من الألماس والذهب والمعادن الأخرى كالرصاص ، والنحاس ، والحديد ، والنيكل ، والقصدير والزنك ، التي تدخل في الكثير من الصناعات ومن الجبال نتخذ البيوت التي نسكنها وغير ذلك من النعم التي لا تحصى .{ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (15) سورة النحل{ وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ } (74) سورة الأعراف

{ وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا } (81) سورة النحل

{ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } (68) سورة النحل

وهناك مخلوقات كثيرة ، وعجائب مثيرة ، وأعماقها مهيبة ، فتركت التأمل في الأرض ومافيها من حيوان ، ونبات ، إذ الوصول إلى شأوها ، أو حصرها ، من رابع المستحيلات .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: ألتفكر في الإنسان هذا المخلوق العظيم

وبعد التأمل ، والتدبر ، رجعت إلى نفسي ، وقلت لها ألم تفكري لحظة في الإنسان هذا المخلوق العظيم ، فكري وتأملي فيه ، في تكوينه ، وهيكله ، في حركته وسكونه في ماينطوي عليه من أسرار ، فإنه أعمق من البحار ، وأوسع من امتداد الأرض لن تصلي إلى حقيقته ، بفكر ، ولا سحر ، كفاك هو ، خوضي معركة تأمل في باطنه وظاهره ، في عروقه ، ودمه ، في مخه ، وكبده ، ففيه مجال واسع للتأمل والتدبر هذا الإنسان الذي تهيأت له أسباب الحياة ، فالنبات ، والحيوان ، وسائر المخلوقات مسخرة له ، سواء للتغذية أم الاستخدام ، أم للأمرين معا ، مزود بالعقل ليتصرف تصرفاً مفيداً ، وليتعامل معها بتعقل 

تأملي وتدبري في الإنسان ، لتعرفي حقيقته ، ومن هو ، وكيف جاء إلى هذا العالم وما هو مصيره بعد انتهاء حياته .

فتأملت كثيرا في الإنسان ، وما ينطوي عليه ، وقرأت عنه كثيرا ، ولكن ما زال

 كثير من الغموض يكتنف هذا المخلوق ، ولم أكتف بالتدبر والتأمل ، بل قرأت

 كثيرا عن هذا الإنسان ، وخرجت بحقائق لا يعتورها شك ، ولا ريب .

فجسم الإنسان كما اكتشفه العلماء أعقد آلة ، وأعقد جهاز ، على وجه الأرض فهو يرى بهذا الجسم ، ويسمع ، ويتنفس ، ويمشي ، ويركض ، ويتذوق الأطعمة . ويملك هذا الجسم ـ بمخه وعظمه ، وشحمه ولحمه ، وعضلاته وشرايينه ، وأوردته الدموية ، وأعضائه الداخلية ـ نظاماً دقيقاً وتخطيطاً عجيبا ، وكلما تعمقنا في الدقائق والتفصيلات لهذا النظام ولهذا التخطيط ، قابلنا من الحقائق ما يدهش ذوي العقول . ورغم التباين الذي يبدو للوهلة الأولى بين 

الأقسام ، والأجزاء المختلفة للجسم فإنها تتكون جميعها من اللبنة نفسها ، ألا وهي الخلية .

كل جسم في الإنسان يتركب من الخلايا التي يقارب حجم كل واحدة منها جزءاً من ألف جزء من المليمتر المكعب ، فمن مجموعة معينة من هذه الخلايا تتكون عظامنا ، ومن مجموعات أخرى تتكون أعصابنا وكبدنا ، والبنية الداخلية لمعدتنا وجلدنا وطبقات عدسات عيوننا .

وتملك هذه الخلايا الخواص والصفات الضرورية من ناحية الشكل والحجم والعدد لأي عضو تقوم بتشكيله هذه الخلايا في أي قسم من أقسام الجسم .

فخـلايا الجسم التي تكلفت بقيام مهماتها من وظائف مختلفة ، والبالغ عددها 

تقـريبا ( مائة تريليون خلية ) نشأت وتكاثرت من خلية واحدة فقط ، وهذه الخلية الواحدة والتي تملك نفس خصائص خلايا جسمك ، هي الخلية الناتجة عن اتحاد خلية بويضة والدتك مع خلية نطفة والدك .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: ألتفكر في الإنسان هذا المخلوق العظيم

فهذا الإنسان المكون من عدة كيلوهات حسب حجمه ، وكبر عظمه ، ووفرة 

لحمه تجمع هيكله بأكمله من قطرة ماء واحدة .

ولا ريب أن تطور البنية المعقدة لجسم الإنسان الذي يملك (عقلاًوسمعاً وبصراً ) من قطرة واحدة شيء محير وغير عادي .

ومما لا شك فيه ولا ريب أن مثل هذا النمو ، والتطور ، والتحول ، لم يكن نتيجة مراحل عشوائية ولا حصيلة مصادفات عمياء ، بل هو أثر لعملية خلق واعية وفي غاية الروعة .

ومعجزة خلق الإنسان ، معجزة مستمرة ، وتتكرر مع كل مخلوق بشري على 

وجه هذه البسيطة .

ومن الضروري بيان أن ما ذكر من تفصيل ظهر لنا حول خلق الإنسان لا يشكل إلا جزءا ضئيلا من تفصيلات هذا الإنسان المعجز .

قال تعالى : { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (9) } سورة السجدة ...

سُبْحَانَ رَبِّيْ

بَرْقٌ يَلُوْحُ وَصَوْتُ الرَّعْدِ رَنَّـانُ ** وَصَيِّبُ السُّحْبِ مَالَتْ مِنْهُ أَغْصَانُ

وَالْمَـوْجُ مُرْتَفِـعٌ يَزْهُوْ بِقُوَّتِـهِ ** وَالشَّمْسُ سَاطِعَةٌ يَبْـدُوْ لَهَا شَـانُ

وَالْجِنُّ فِيْ وَكْرِهَا لَمْ تَبْدُ صُوْرَتُهَا ** وَلا بَدَا فِي وُضُوْحِ الشَّمْسِ شَيْطَانُ

وَالأَرْضُ تَهْتَزُّ وَالأَعْـلامُ رَاسِيَـةٌ ** وَالْفِكْرُ فِيْ حِيْـرَةٍ وَالْعَقْلُ حَيْرَانُ

سُبْحَانَ رَبِّيْ عَظِيْمُ الشَّانِ مُقْتَـدِرٌ ** وَرَوْعَـةُ الْكَـوْنِ آيَاتٌ وَتِبْيَـانُ

رُحْمَاكَ رَبِيْ فَإِنِّيْ جِئْـتُ مُعْـتَرِفًا ** بِمَا جَنَتْهُ يَـدِيْ وَالذَّنْبُ خُسْرَانُ

وبعد كل هذه التأملات خرجت بنتيجة حتمية ، وهي أن هناك قدرة إلهية 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: *خلف بدء الخلق وكافة الأحداث .

وأدركت أن الله واجب الوجود ، وأدركت القدرة الإلهية للخالق ، وعظمته وعلمه اللانهائي ، المحيط بالكون ، في السماء وفي الأرض .

وأن خلْق السموات والأرض ، وما أوجد فيهما من مخلوقات تسعى ، لا نعرف

 إلا بعضاً منها ،ولا ندري عما تفرَّق منها في ملكوت الله الواسع إلا النزرالقليل .

فإبداع هذا الكون ، وضخامته الهائلة ، وتناسقه ، وجريانه وفق نظام دقيق ، ينبئ عن عظمة مُبدِعه ، و هذا يهدي المتأمِّل فيها إلى قدرة الله عزوجل ، فتنجذب النفوس إلى الإيمان ، وتتفجَّر ينابيع التسبيح والإقرار بتلك العظمة والقدرة من قلبه على لسانه .

ويدرك المتأمل أن هذا الكون بما فيه لم يُخلق عبثاً ، ولا باطلاً ، فلا يملك الإنسان بعد كلِّ هذه الدلائل إلا أن يتوجَّه إلى خالقه ، ومالكه ، خاشعا متضرِّعاً ، معلناً قناعته بحكمته تعالى في خلق المخلوقات ، قائلاً : { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } (191) سورة آل عمران .

وهذا من أدب المؤمن مع الله ؛ فهو حين يهتدي إلى شيء من معاني إحسانه وكرمه في بديع خلقه ، ويستشعر عظمته ، ينطلق من الإقرار إلى الدعاء ، طالباً من مولاه أن يجنِّبه عذاب النار ، وأن يوفِّقهُ لصالح الأعمال ، فهو سبحانه الذي يقدر على ذلك هو الله وحده لا شريك له الذي له الخلق والأمر .

{ وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) } سورة يونس .

أما من يطلب الخير من غير مولاه فقد خسر خسرانا مبينا ، فما أشقى أولئك الذين أشركوا بالله ، وسلكوا طريق الوثنية ، أشركوا معه في العبادة ما لا ينفعهم ولا يضرهم ‏ وفي ذلك يقول الحق ‏(‏ تبارك وتعالى ‏) :‏{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا } (55) سورة الفرقان ‏.

*أشركوا معه في العبادة من لا يستطيع خلق ذبابة حقيرة ...

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) } سورة الحـج

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العاشرة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: 

إنهم يرون آثار قدرة الله ، وبديع خلقه ، وعظيم سلطانه .

والقرآن الكريم يوجِّه أنظار الناس إلى التأمُّل في عجائب صنع الله ، في الكون وهي مبثوثة في كلِّ الوجود ، فكيف يدعون من لا يستجيب لهم ...

{ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ

 كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } (14)

 سورة الرعد فوقفت بعد هذا كله متأملا في النهاية الحتمية ، وهي الموت الذي لا مفر منه . فهذه الأحياء المبثوثة في كلِّ مكان ، فوق سطح الأرض ، في أعماق البحر ، في أجواء الفضاء ، في الكواكب الأخرى ، والَّتي لا يعلم الإنسان عنها إلا النَّزْرَ اليسـير كلها آيلة إلى الممات والفناء { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } (57) سورة العنكبوت { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } (88) سورة القصص ،ثم يجمع الله ما يشاء منها للمحاسبة ، ومعها خلائق أخرى أربى عدداً وأخفى مكاناً وليس بين بثِّها في السموات والأرض ، وبين جمعها ، إلا كلمة ( كُنْ ) يأمر بها الله عزَّ وجل فإذا هي منصاعة لأمر ربِّها ، فتبارك الله العظيم القدير مالك الملك ذو العزة والجبروت . قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ } (29) سورة الشورى

أَلا إِنَّنـا كُـلَّنـا بائِـدُ ** وَأَيُّ بَنـي آدَمٍ خالِـدُ

وَبَدؤُهُـمُ كانَ مِن رَبِّهِـم ** وَكُـلٌّ إِلى رَبِّـهِ عائِـدُ

فَيا عَجَبا كَيفَ يُعصى الإِله ** أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِد

وَلِلَّهِ فـي كُـلِّ تَحريكَـةٍ ** عَلَينا وَتَسكينَةٍ شاهِـدُ

وَفـي كُـلِّ شَيءٍ لَهُ آيـَةٌ ** تَدُلُّ عَلى أَنّـَهُ واحِـدُ

أَلَهَوْتَ فِيْ الْمَلْهَى الْفَسِيْحْ ** وَنَسِيْتَ مَثْـوَاكَ الصَّحِيْحْ

وَسَهِرْتَ لَيْلَكَ عَـابِثًـا ** وَصَحَوْتَ تُنْشِدُ فِيْ الْمَلِيْحْ

وَبَنَيْتَ قَـصْـرًاشَامِخًـا ** وَنَظَمْتَ فِيْ الْقَصْرِ الْمَدِيْحْ

وَطَرِبْتَ مِـنْ فَـرَحٍ بِـهِ ** وَنَسِيْتَ قَبْرَكَ وَالضَّرِيْـحْ

أَيْنَ الْقُصُوْرُ النَّاطِحَـاتُ ** السُّحْبَ فِي الْجَوِّ الْفَسِيْحْ

أَيْنَ الْحُصُوْنُ وَمَـنْ بِهَـا ** فَالْكُلُّ فِي الْبَيْدَا طَرِيْحْ

ذَهَبُوا كَمَـا ذَهَبَ الأُولَى ** سَبَقُوا فَهَلْ مِنَ مُسْتَـرِيْحْ

أَيَنَـامُ جَفْنُكَ هَـادِئًـا ** وَالْمَـوْتُ يَغْتَالُ الصَّحِيْحْ

دُنْـيَـاكَ ظِــلٌّ زَائِـلٌ ** فَارْجِعْ إِلَى الْعَمَـلِ الرَّبِيْحْ

وَاسْكُبْ دُمُوْعَكَ خَشْيَـةً ** وَاسْهَرْ مَعَ الْجَفْنِ الْقَـرِيْحْ

وَاعْـبُـدْ إِلَهَـكَ مُخْلِصًا ** وَاخْضَعْ بِسَمْعِكَ لِلنَّصِيْحْ ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه[الأنترنت – موقع صبد الفوائد - نَظْرَةُ تَأَمُّلٍ فِي مَلَكُوْتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ - د. عبد الرحمن بن عبد الرحمن شميلة الأهدل ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الحادية عشرة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: * سئل ابن تيمية رحمه الله :‏ هل خلق الله السمـوات والأرض قبـل اللـيل والنهـار أم لا؟

 الإجابة: الحمد لله، الليل والنهار الذي هو حاصل بالشمس هو تبع للسموات والأرض، لم يخلق هذا الليل وهذا النهار قبل هذه السموات والأرض، بل خلق هذا الليل وهذا النهار تبعًا لهذه السموات والأرض، فإن الله إذا أطلع الشمس حصل النهار وإذا غابت حصل الليل، فالنهار بظهورها والليل بغروبها، فكيف يكون هذا الليل وهذا النهار قبل الشمس، والشمس والقمر مخلوقان مع السموات والأرض.‏ وقد قال تعالى :‏‏{‏‏وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏}‏‏ ‏[‏الأنبياء:‏33‏]‏ وقال تعالى:‏ ‏{‏‏لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}‏‏ ‏[‏يس:‏40‏]‏.‏ قال ابن عباس وغيره من السلف:‏ في فلكة مثل فلكة المغزل.‏ فقد أخبر تعالى أن الليل والنهار والشمس والقمر، في الفلك، والفلك هو السموات عند أكثر العلماء، بدليل أن الله ذكر في هاتين الآيتين أن الشمس والقمر في الفلك، وقال في موضع آخر:‏ ‏{‏‏أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}‏‏ ‏[‏نوح:‏15- 16‏]‏، فأخبر أنه جعل الشمس والقمر في السموات.‏ وقال تعالى:‏ ‏{‏‏الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ‏}‏‏ ‏[‏الأنعام:‏1‏]‏، بين أنه خلق السموات والأرض، وأنه خلق الظلمات والنور؛ لأن الجعل هو التصيير، يقال :‏ جعل كذا إذا صيره.‏ فذكرأنه خلق السموات والأرض، وأنه جعل الظلمات والنور، لأن الظلمات والنور مجعولة من الشمس والقمر، المخلوقة في السموات، وليس الظلمات والنور والليل والنهار جسمًا قائمًا بنفسه، ولكنه صفة وعرض قائم بغيره، فالنور :‏ هو شعاع الشمس وضوءها الذي ينشره الله في الهواء، وعلى الأرض.‏ وأما الظلمة في الليل فقد قيل:‏ هي كذلك، وقيل:‏ هي أمر وجودي، فهذا الليل وهذا النهار اللذان يختلفان علينا، اللذان يولج الله أحدهما في الآخر، فيولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، ويخلف أحدهما الآخر، يتعاقبان كما قال تعالى :‏‏{‏‏إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ‏}‏‏ ‏[‏آل عمران:‏190‏]‏، وقال تعالى:‏‏{‏‏لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏}‏‏ ‏[‏يس:‏04‏]‏.‏ 

بين سبحانه أنه جعل لكل شيء قدرًا واحدًا لا يتعداه.‏ فالشمس لا ينبغي لها أن تدرك القمر وتلحقه، بل لها مجري قدره الله لها، وللقمر مجرى قدره الله له، كما قال تعالى:‏‏{‏‏وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏}‏‏ ‏[‏يس:‏37ـ40‏]‏.‏ أي لا يفوته ويتقدم أمامه حتى يكون بينهما برزخ، بل هو متصل به، لا هذا ينفصل عن هذا ولا هذا ينفصل عن هذا، ‏{‏‏كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}‏‏ .‏ فالمقصود أن هذا الليل وهذا النهار جعلهما الله تبعًا لهذه السموات والأرض، ولكن كان قبل أن يخلق الله هذه السموات وهذه الأرض، وهذا النهار كان العرش على الماء، كما قال تعالى:‏‏{‏‏وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء}‏‏ ‏[‏هود:‏7‏]‏.‏ 

وخلق الله من بخار ذلك الماء هذه السموات، وهو الدخان المذكور في قوله تعالى :‏ ‏{‏‏ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ‏}‏‏ ‏[‏فصلت :‏11- 12‏]‏.‏ وذلك لما كان الماء غامرًا لتربة الأرض، وكانت الريح تهب على ذلك الماء، فخلق الله هذه السموات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش، فتلك الأيام التي خلق الله تعالى فيها هذه .‏ [الأنترنت – موقع طريق الإسلام – هل خلق الله السمـوات والأرض قبـل اللـيل والنهـار؟ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء السادس. ابن تيمية ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية عشرة بعد

المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: *قال تعالى : *{أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ 

سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)} [نوح]   

      ينبه سبحانه خلقه إلى دلائل ربوبيته بأدلة مرئية ملموسة أولها تلك السماوات السبع الهائلة التي لم يكتشف منها الإنسان حتى يومنا هذا إلا جزء من السماء الدنيا لم يصل لنهايته بعد , فكيف بسبع سماوات متتالية فوق بعضها؟؟ وهذا يبين عظمة الخالق كما يبين حقيقة الإنسان وفقره إلى الله وحجمه الحقيقي بين مخلوقات الله. وخلق سبحانه في السماء الدنيا قمراً منيراً وجعل الشمس مصباحاً هائلاً يمد ما حوله بالدفيء والضوء , ومن يتدبر يجد أن القرآن فرق بين القمر ككوكب منير وبين الشمس كمصدر ضوء وطاقة. قال تعالى:     { أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)} [نوح] قال السعدي في تفسيره: واستدل أيضا عليهم بخلق السماوات التي هي أكبر من خلق الناس، فقال: { {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} } أي: كل سماء فوق الأخرى. { {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} } لأهل الأرض { {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا } } . ففيه تنبيه على عظم خلق هذه الأشياء، وكثرة المنافع في الشمس والقمر الدالة على رحمته وسعة إحسانه، فالعظيم الرحيم، يستحق أن يعظم ويحب ويعبد ويخاف ويرجى. [الأنترنت – موقع طريق الإسلام - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أَلَمْ 

تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا - أبو الهيثم محمد درويش]

* إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب

    ذكر الله الكواكب كونها زينة للسماء، إذ لولاها، لكانت السماء جرما مظلما لا ضوء فيها، ولكن زينها فيها لتستنير أرجاؤها، وتحسن صورتها، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر. {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ}: من مخلوقات الله العظيمة تلك الأجرام السماوية المختلفة الأحجام و الصفات كالكواكب و النجوم و الشهب و النيازك وغيرها,في فضاء متسع لملايين ملايين الكائنات بملايين ملايين السنوات الضوئية و أحجام لا يستطيع العقل البشري لها وصفاً ولا وصولاً , وصفها خالقها بأنها زينة للفضاء الخارجي  حفظاً للأرض من الشرور , يقذف الله بها مردة الشياطين حتى يفصل بينهم و بين استماع الملأ الأعلى ويدحرهم بها سبحانه. فهل خلق الإنسان أصعب وأشد على الله من خلق هذا الكون الهائل؟؟ سبحان الله وتعالى عما يقول الكافرون المنكرون علوا كبيراً.   قال تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ * فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا 

أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} [الصافات 6-11].  

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد

المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: 

 قال السعدي في تفسيره: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى}  ذكر اللّه في الكواكب هاتين الفائدتين العظيمتين:  إحداهما: كونها زينة للسماء، إذ لولاها، لكانت السماء جرما مظلما لا ضوء فيها، ولكن زينها فيها لتستنير أرجاؤها، وتحسن صورتها، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر، ويحصل فيها من المصالح ما يحصل. والثانية: حراسة السماء عن كل شيطان مارد، يصل بتمرده إلى استماع الملأ الأعلى، وهم الملائكة، فإذا استمعت قذفتها بالشهب الثواقب {مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} طردا لهم، وإبعادا عن استماع ما يقول الملأ الأعلى. {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} أي: دائم، معد لهم، لتمردهم عن طاعة ربهم. ولولا أنه تعالى استثنى، لكان ذلك دليلا على أنهم لا يستمعون شيئا أصلا، ولكن قال: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} أي: إلا من تلقف من الشياطين المردة، الكلمة الواحدة على وجه الخفية والسرقة {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} تارة يدركه قبل أن يوصلها إلى أوليائه، فينقطع خبر السماء، وتارة يخبر بها قبل أن يدركه الشهاب، فيكذبون معها مائة كذبة يروجونها بسبب الكلمة التي سمعت من السماء. ولما بين هذه المخلوقات العظيمة قال: {فَاسْتَفْتِهِمْ} أي: اسأل منكري خلقهم بعد موتهم. {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} أي: إيجادهم بعد موتهم، أشد خلقا وأشق؟. {أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} من هذه المخلوقات؟ فلا بد أن يقروا أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس. فيلزمهم إذا الإقرار بالبعث، بل لو رجعوا إلى أنفسهم وفكروا فيها، لعلموا أن ابتداء خلقهم من طين لازب، أصعب عند الفكر من إنشائهم بعد موتهم، ولهذا قال: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} أي: قوي شديد كقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}.  [الأنترنت – موقع طريق الإسلام - إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب - أبو الهيثم محمد درويش ]

*سئل ابن تيمية رحمه الله تعالى :عـن خـلـق السموات والأرض، وتركيب النيرين والكواكب، هل هي مثبتة في الأفلاك والأفلاك تتحرك بها ؟أم هي تتحرك والفلك ثابت؟ أم كلاهما متحرك؟ وهل الأفلاك هي السموات، أم غيرها؟ وهل تختص النجوم بالسماء الدنيا؟ وهل إذا كان الشمس والقمر في بعض السموات يضيء نورها جميع السموات؟ وهل ينتقلان من سماء إلى سماء؟ وهل الأرضون سبع أو بينهن خلق أو بعضهن فوق بعض؟ وهل أطراف السموات على جبل أم الأرض في السماء كالبيضة في قشرها، والبحر تحت ذلك، والريح تحته؟ وهل فوق السموات بحر تحت العرش؟ 

الإجابة: الحمد لله، هذه المسائل تحتاج إلى بسط كثير لا تحتمله هذه الورقة، والسائل عن هذه المسائل يحتاج إلى معرفة علوم متعددة، ليجاب بالأجوبة الشافية، فإن فيها نزاعًا وكلامًا طويلاً، لكن نذكر له بحسب الحال.‏ 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد

المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان: الأفلاك هل هي السموات أو غيرها؟

أما قوله:‏ الأفلاك هل هي السموات أو غيرها؟ ففي ذلك قولان معروفان للناس، لكن الذين قالوا:‏ إن هذا هو هذا احتجوا بقوله تعالى :‏‏{‏‏ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}‏‏ ‏[‏نوح :‏15- 16‏]‏، قالوا:‏ فأخبر الله أن القمر في السموات. ‏‏ 

وقد قال تعالى :‏‏{‏‏وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ 

يَسْبَحُونَ‏}‏‏ ‏[‏الأنبياء :‏33‏]‏، وقال تعالى:‏ ‏{‏‏لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏}‏‏ ‏[‏يس:‏40‏]‏.‏ فأخبر في الآيتين أن القمر في الفلك، كما أخبر أنه في السموات؛ ولأن الله أخبر أنا نرى السموات بقوله:‏ ‏{‏‏ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ‏}‏‏ ‏[‏الملك:‏ 3- 4‏]‏.‏ وقال:‏ ‏{‏‏أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ‏}‏‏ ‏[‏ق:‏6‏]‏، وأمثال ذلك من النصوص الدالة على أن السماء مشاهدة، والمشاهد هو الفلك، فدل على أن أحدهما هو الآخر.‏ 

وأما قوله:‏ هل الشمس والقمر تحركان بدون الفلك، أم حركتهما بحركة الفلك، ففيه نزاع أيضًا، لكن جمهور الناس على أن حركتهما بحركة الفلك. ‏‏ 

وأما قوله تعالى :‏‏{‏‏وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏}‏‏ فلا يمنع أن يكون ما ذكره من أنهم يسبحون تابعًا لحركة الفلك، كما في الليل والنهار، فإن تعاقب الليل والنهار، تابع لحركة غيرهما، وقوله:‏‏{‏‏ّ كٍلَ فٌي فّلّكُ يّسًبّحٍونّ ‏}‏‏ يتناول الليل والنهار والشمس والقمر، كما بين ذلك في سورة الأنبياء.‏ وكذلك في سورة يس:‏ ‏{‏‏وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ 

يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏}‏‏ ‏[‏يس:‏ 37ـ40‏]‏.‏ 

فتناول قوله:‏‏{‏‏كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏}‏‏ ما تقدم الليل والنهار، والشمس كما ذكر في سورة الأنبياء، وإذا كان أخبر عن الليل والنهار بما أخبر به من أنهما يسبحان، وذلك تابع لحركة غيرهما مثل ذلك ما أخبر به من أن الشمس والقمر يسبحان تبعًا للفلك، وعلى ذلك أدلة ليس هذا موضع بسطها.‏ 

وأما النجوم، فإن الله أخبر أنها زينة للسماء الدنيا، كما قال تعالى :‏‏{‏‏إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ‏}‏‏ ‏[‏الصافات:‏6‏]‏، وقال :‏‏{‏‏وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ‏}‏‏ ‏[‏الملك:‏ 5‏]‏، فقال بعض من قال:‏ إن الأفلاك غير السموات، وإن المراد بالسماء الدنيا هنا الفلك الثامن، الذي يذكر أهل الهيئة أن الكواكب الثابتة فيه، وادعوا أن تلك هي السموات العلى، وأن الأفلاك هي السموات الدنيا، ولكن هذا قول مبني على أصل ضعيف، وأيضًا فإن الذي نشهده هو الكواكب.‏ وقال تعالى :‏‏{‏‏فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ‏}‏‏ ‏[‏التكوير:‏15- 16‏]‏ والخنوس الاختفاء، وذلك قبل ظهورها من المشرق، والكنوس رجوعها من جهة المغرب، فما خنس قبل ظهورها كنس بعد مغيبها، جوارٍ حال ظهورها، تجرى من المشرق إلى المغرب.‏ والشمس والقمر في الفلك، كما أخبر الله تعالى لا تنتقل من سماء إلى سماء.‏ وليست السموات متصلة بالأرض، لا على جبل قاف ولا غيره، بل الأفلاك مستديرة، كما أخبر الله ورسوله، وكما ذكر ذلك علماء المسلمـين وغيرهم، فذكـر أبو الحسين ابن المنادي، وأبو محمد بن حزم، وأبو الفرج بن الجوزي، وغيرهم إجماع المسلمين على أن الأفلاك مستديرة، وقال ابن عباس في قوله:‏ ‏{‏‏كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}‏‏ قال:‏ في فلكة مثل فلكة المغزل، والفلك في لغة العرب الشيء المستدير، يقال:‏تفلك ثدي الجارية إذا استدار.‏ وقد خلق الله سبع أرضين، بعضهن فوق بعض، كما ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من ظلم شبرًا من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة‏"‏‏ وقد ذكر أبو بكر الأنباري الإجماع على ذلك، وأراد به إجماع أهل الحديث والسنة.‏ وتحت العرش بحر، كما جاء في الأحاديث، وكما ذكر في تفسير القرآن، وكما أخبر الله أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء .‏ والعرش فوق جميع المخلوقات، وهو سقف جنة عدن التي هي أعلا الجنة، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه أعلا الجنة، وسقفه عرش الرحمن‏"‏‏ .‏ والأرض يحيط الماء بأكثرها، والهواء يحيط بالماء والأرض، والله تعالى بسط الأرض للأنام، وأرساها بالجبال؛ لئلا تميد، كما ترسي السفينة بالأجسام الثقيلة إذا كثرت أمواج البحر وإلا مادت، والله تعالى :‏‏{‏‏إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا‏}‏‏ ‏[‏ فاطر:‏41‏]‏.‏ والمخلوقات العلوية والسفلية يمسكها الله بقدرته سبحانه وما جعل فيها من الطبائع والقوى فهو كائن بقدرته ومشيئته سبحانه.‏ [الأنترنت – موقع طريق الإسلام - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء السادس.]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد

المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:* والقمر قدرناه منازل

  قال تعالى : {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس 37 – 40] {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} : من آيات الله الدالة على قدرته وحكمته وتدبيره للكون بدقة متناهية , هذا الانتظام والتناسق الدقيق في دورات الحياة ودوران الأفلاك , والذي يظهر جلياً وبدقة متناهية رصدها أهل الفلك و علوم الطبيعة عبر القرون سواء في دقة تعاقب الليل والنهار في أوقات ثابتة عبر قرون من الزمان بلا كلل ولا تغيير , و كذا جريان الأفلاك بقدر في منتهى الدقة ومنها شمس الدنيا و قمرها و مراتبه الدقيقة التي تستخدم في حساب الشهور والأعوام , كل هذا الانتظام الدقيق والمستمر بلا انقطاع ما هو إلا تدبير صاحب القوى والقدر , الذي الذي خلق فسوى وقدر فهدى. قال تعالى : {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس 37 – 40] قال السعدي في تفسيره: أي: { {وَآيَةٌ لَهُمُ} } على نفوذ مشيئة اللّه، وكمال قدرته، وإحيائه الموتى بعد موتهم. { {اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} } أي: نزيل الضياء العظيم الذي طبق الأرض، فنبدله بالظلمة، ونحلها محله { { فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ } } وكذلك نزيل هذه الظلمة، التي عمتهم وشملتهم، فتطلع الشمس، فتضيء الأقطار، وينتشر الخلق لمعاشهم ومصالحهم، ولهذا قال: { {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} } [أي: دائما تجري لمستقر لها قدره اللّه لها، لا تتعداه، ولا تقصر عنه، وليس لها تصرف في نفسها، ولا استعصاء على قدرة اللّه تعالى. { {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ } } الذي بعزته دبر هذه المخلوقات العظيمة، بأكمل تدبير، وأحسن نظام. { {الْعَلِيمُ} } الذي بعلمه، جعلها مصالح لعباده، ومنافع في دينهم ودنياهم. { وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } ينزل بها، كل ليلة ينزل منها واحدة، { {حَتَّى} } يصغر جدا، فيعود { {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } } أي: عرجون النخلة، الذي من قدمه صغر حجمه وانحنى، ثم بعد ذلك، ما زال يزيد شيئا فشيئا، حتى يتم نوره ويتسق ضياؤه. { {وَكُلٌّ} } من الشمس والقمر، والليل والنهار، قدره اللّه تقديرا لا يتعداه، وكل له سلطان ووقت، إذا وجد عدم الآخر، ولهذا قال: { {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} } أي: في سلطانه الذي هو الليل، فلا يمكن أن توجد الشمس في الليل، { { وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ } } فيدخل عليه قبل انقضاء سلطانه، { {وَكُلٌّ} } من الشمس والقمر والنجوم { {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } } أي: يترددون على الدوام، فكل هذا دليل ظاهر، وبرهان باهر، على عظمة الخالق، وعظمة أوصافه، خصوصا وصف القدرة والحكمة والعلم في هذا الموضع.  [الأنترنت – موقع طريق الإسلام - مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - والقمر قدرناه منازل - أبو الهيثم محمد درويش ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد

المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:*{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا}

إنـنـا نحيـا في ملكوت الله، كون محكم بإتقـان؛ كلمـا تأملنـاه رأينـا الجمـال 

والإشـراق والحكمة والعلم. وكمـا أتقن الله مـلكه وأحكم آياته في خلقه ونظـامه بقدرته وعلمـه، فقد أحكم آيات كتابه، وجعلهـا رمـزاً إلى آياته في مخلوقاته بقدرته وعلمه. 

وكما قال الحق أن هذا الكتاب هو آيات تهدينـا إليه، فقد ذكر سبحانه أن في هذا الكون أيضـاً آيــات تبصّرنا به وتدلنا عليه. 

وكمـا أبدع الله في آياته في هذا الكون الذي أبدع خلقه، فكان اسمـاً من أسمائه {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}، كذلك جاء كتابه إعجـازاً لا يقدر أن يأتي بمثله أحد، كمـا وصفه الحق بقوله {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}.  

 ونستعرض في هذا الفصل بعضاً من هذه الآيات بقـوله تعالى في كـتابه العـزيز، من الآية 37 إلى الآية 40 من سـورة يس: {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ.وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ.لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ الْلَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.   

نرى الآية الأولى تصف وصفاً جلياً عملية تعاقب الليل والنهـار، فالأرض في أي لحظة أو توقيت، يكون نصفهـا معرض لأشعة الشمس ونورهـا، والنصف الآخـر يكون بعيداً عن أي شموس أو نجوم أخـرى، فهـو يرقد في ظـلام يشمل الكون كله -كما توحي إليه هذه الآية الكريمة- كحقيقة علمية رآهـا رواد الفضاء مؤخراً، و جاءت بهذا الإعجاز في الآية الكريمة حيث تشير أن الظلام هو الأصل وأن الحادث هو النهـار، ولهذا فإن النهار هو الذي ينسلخ عن الأرض فتنغمر الأرض في ظلام الكون مرة أخرى. فعندمـا تدور الأرض حول محورهـا يبتعد هذا الجزء المنير الذي شمله ضوء الشمس رويداً رويداً فيتحول نصف وجـه الأرض من النهـار إلى الليل، ولن يجد العلماء أيضـاً وصفاً علمياً لهذا التعاقب أدق وأعمق من هذا النص الذي جـاء به القرآن لكريم: {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ}.   وتـضعنـا هذه الآية أمام قاعدة علمية لحساب اليوم الكامل، تبصّرنا بحكمة الخالق وعزّته، وهو الفرق الثابت بين كل انسلاخين للنهار أو زوالين أو غروبين للشمس، فنجد أن هذا الفرق ثابتاً لا يتبدل ولا يتغير مهما تغيرت الفصول والشهور والسنوات، وأيضـاً أمام حقيقة أخرى علمناها مؤخراً، وهي أن حدوث هذا الانسلاخ لا يتأتى إلا إذا كانت الأرض تدور حول نفسهـا في ثبات كامل أمام الشمس، بحيث تنغمس في الظلام عند نهاية النهار، وأنهـا أيضاً تدور بسرعة ثابتة لا تتبدل ولا تتغير رغم تعاقب السنين والقرون والدهور، بحيث لا يسبق الليل النهار كما تعبر عن هذا آية تـالية {وَلاَ الْلَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}، من صنع هذا الثبات لكل شيء في فلكه، للأرض وللشمس ولكل كوكب ونجم، إنـنـا أمام حقائق جاءت بدقة متناهية بحيث تعبر عن آية لا تقبل الشك عن عزة الخالق وقدرته وعظمته، فكيف يتأتى الحفاظ على هذا الفرق الثابت بين الانسلاخين، وعلى هذا الفلك الثابت للأرض -رغم حركتهـا المركبة حول محورهـا المائل وحول الشمس، ومع الشمس ومع سقوطهـا ضمن المجموعة الشمسية بسرعة هـائلة في الفضـاء الهائل من حولنا-. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة عشرة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:*{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا}

  إن هذه الآيات الكونية لا تتأتى إلا بتقدير إله عزيز عليم. كما تنبأنــا الآية التـالية بهذه الأسماء الحسنى لله خالق هذا الإعجاز، عزيز ومنفرد في قدرته وعلمه. إن هذه الدورة المحتومة للأرض حول نفسهـا، وهذا التعاقب لليل والنهـار دون تقديم أو تأخير بهذا الثبات والدقة، قـاد الإنـسـان إلى تعريف الزمان والوقت، حيث قسم الزمـن الذي تدور فيه الأرض حول نفسهـا إلى أربع وعشرين سـاعة، وبهذا استطاع البشر أن ينظموا أوقاتهم وحياتهم، وهل يتأتى هذا الانتظـام من تلقـاء نفسه؟ وإذا تدبرنـا هذه الآية ونظرنا إلى البشر عندما يطلقون عربة صغيرة -يسمّونها بالأقمار الصناعية وهي لا تزيد في وزنها عن أصغر الأحجار على القمر- وتدور حول الأرض لمدة محدودة، ويطلقون معها معدّات لضبط مسارها حول الأرض وتصحيح انحرافاتها الدائمة، ثم نجدهم يعجزون في معظم الأحوال عن الاحتفاظ بهذا المسار لهذا الشيء التافه حجماً ووزناً لأي مدة تزيد عن عدة شهور، لّعلِمنا عزة وعلم الخالق الذي احتفظ بهذا المسار للأرض ولكل كوكب طوال ملايين وبلايين السنين، دون انحراف أي شيء عن مساره، إنه حقاً خالق عزيز عليم.   لقد جاء القرآن بهذه الأدلة من الله الذي يعرف السر في السماوات والأرض، ويوجهنا إلى هذه الحقائق والأسرار بأدق التعبيرات أو الكلمـات، التي نـراهـا أمامنا في هذه الآيات حتى يهدينا إلى عظمته وجلاله، ونـشعر أمامهـا بعظمة قائلهـا وصانعها، ونرى عجزنـا عن أن نأتي بمثلهـا صنعاً وعملا وقولاً، فنهتدي إليه وإلى وحدانيته.   ثم تأتي الآية التالية من هذا الآيات بإعجاز عن حركة الشمس، وكيف جعلها الله في جري دائم حتى تستقر في نهاية الأمر طبقاً لأوامر خالقها {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. لقد اعتقد العلماء في القرن الماضي أن الشمس هي مركز الكون وأنها ثابتة في حجمها وكتلتها ومكانها، وأن كل شيء يتحرك حولها، واعتقدوا ببقاء المادة وعدم نفاذها، واعتقدوا أن للمـادة دورات وللزمان دورات فلا ينتهيان، ولكن تأتي هذه الآية لتبين بهذا النص المعجز منذ 14 قرناً من الزمان، أن ما يجري لكل شيء في الكون يجري على الشمس وعلى المادة وعلى الزمان أيضـاً، فالشمس تجري وتتحرك وتهوى في هذا الكون السحيق، وهي تتوهج الآن ثم سوف تخبو وتستقر بعد حين. فالشمس تتناقص حجماً ووزناً حتى تستقر وتتلاشى بعد حين.    

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة عشرة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:*{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا}

والشمس وهي تجري -أيضاً- فإنه يجري معها أعضاء مجموعتها المرتبطة بها من الكواكب، وكذلك فالشمس تدور حول نفسها وتديرنا حولهـا، فهي تجري وكواكبها يجرون من حولهـا إلى أن تـستـقر حركتها فيستقرون معها، وهذا ما أكده العلم الحديث في مشاهداته الفعلية، وأرضنا التي نعيش عليها ليست إلا كوكباً من كواكب المجموعة الشمسية التي تجري في ركب الشمس وتنقاد معها وفقـاً لتقدير الخالق العزيز العليم، وسوف تستقر حركة الشمس بعد هذا الزمن، وحين تأتي هذه اللحظة سيتوقف الزمـان بالنسبة لأهل وسكان المجموعة الشمسية، ولن يدور الزمـن دورته، ولن تبقى المادة على حالهـا كمـا كان يدّعي المـاديون والكـافرون والملحدون، فللشمس ميقات ستستـــقــر عنده بأمر خـالقهـا وسينتهي عنده كل شيء، هذا مـا أكّده الـعـلم ومـا تـأتي به هذه الآية من خالق الشمس على أن الشمس سوف تستقر بعد هذا الجري الدؤوب، وقد أثبت العلمـاء أن الشمس كرة من غـاز الهيدروجين، وتصل درجة الحرارة في بـاطنهـا إلى أكثر من 15 مليون درجـة، ويحدث بهـا أعقد التفاعلات النووية الاندماجية التي سوف تحولها في النهاية من كرة متوهجة إلى كرة مستقرة، ففي هذه الدرجة تندمج ذرتي الهيدروجين المتوهج وتتحولان إلى ذرة من غاز الهليوم الخامل، ويتحول جزء من كتلتي ذرتي الهيدروجين إلى طـاقة تزيد الشمس تأججـاً و تمنحهـا الطـاقة التي تبعثهـا إلـينـا. وقد حاول الإنسان أن يحاكي ما يحدث في الشمس، ولكنه عجز عن هذا، وأدت أبحاثه في هذا المجـال إلى اكتشافه للقنابل الهيدروجينية التي تنتج كمّاً هائلاً من الطاقة ينشأ عنهـا انفجارات مدمرة، وهكذا لم يتمكن البشر إلا في استخدامها للتدمير وليس لعمارة هذا الكون كما يحدث في شمسنا بأمر الله.   وقد عجز البشر حتى يومنا هذا أن ينتجوا الطاقة الكهربائية باستغلال تفاعلات اندماجية كالتي تحدث في الشمس، وكي ترسل الشمس كل هذه الحرارة فإنهـا تحرق في كل ثانية 600 مليون طن من مكوناتهـا من الوقود الهيدروجيني، وهكذا يتحول غاز الهدروجين بعد احتراقه أو اندمـاجه إلى غاز الهليوم الخامل باستمرار وثبات ودون توقف، على مدى الأيام والقرون والدهور، وينطلق من الشمس مع هذا التحول في كل ثانية كمّاً من الطاقة يكفي ما تحتاجه الأرض لمدة مليون سنة كاملة، ولكن هذا الكمُّ يتوزع على الكون بأكمله ويكون نصيب الأرض من هذا الكمّ قدر محدد لها يكفيهـا دون زيادة أو نقصـان، وهكذا فإن الشمس تتغير و تبدأ من غاز الهيدروجين الذي يجري له أو به هذا الكمّ الهائل من التفاعلات والاندماجات، ثم ينتهي إلى كرة من غاز ساكن أو خامل هو الهليوم، ولا يبقى لها في النهاية وقود يقاوم قوة جذب كتلة هذا الغاز الخامل، فيتقلص نجم الشمس بتأثير وزنه، وتصـير الشمس في النهاية قزماً ساكناً أبيض، أو ثقباً أسود في هذا الكون كما حدث في ملايين النجوم الأخرى، التي كانت مثل شمسنا وجرى لهـا مـا سيجري لشمسنـا بعد فترة قدّرها العلماء بحوالي 500 مليون سنة كي تتحول إلى هذا القزم السـاكن.  

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة عشرة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:*{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا}

 والآن ما الذي يحتفظ للشمس بهذا الجري والتفاعل بهذا الثبات الممتد عبر ملايين السنين التي نشأت أثناءهـا الحياة على الأرض، والتي تكونت خلالها الأرض؟ إن الشمس لو بردت بـأقل عدد من الدرجات عن درجتها الحالية التي تقدر بملايين الدرجات، فسيؤدي هذا إلى انخفاض معدلات الاحتراق بها إلى النصف، وهذا ما يؤكده العلم الحديث، وبهذا تقل الطاقة التي تصل إلى الأرض فتتجمد الأرض، ولو زادت بضع درجات لتضاعفت معدلات الاحتراق وتزيد معها الطاقة التي تصل إلى الأرض فــتـحترق -أيضاً- الأرض، ثم إذا نظرنـا إلى الشمس وهي تحترق وتقل كتلتهـا بملايين الأطنان في كل ثـانية، فلنـا أن نتعجب: هل هذا النقص الدائم في كتلة الشمس له الأثر على أفلاك الكواكب من حولهـا؟     النظريات العلمية تؤكد أن تتأثر هذه الأفلاك فتبتعد الأرض عن الشمس، ولكن لو حدث هذا فستـتجمد الحياة على الأرض، وهذا لم يحدث خلال الملايين من السنين التي هي عمر الأرض. لقد حار العلماء في فهم أسرار هذه الشمس بحيث تظل بهذا الثبات لهـا ولمن حولهـا، وجاء هذا النص من الخالق أنه هو الذي قضى عليهـا بهذا الثبات، فأودع هذا التعبير في كتابه بأرفع المعاني والكلمات {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم}، حقـاً إنه عزيز في قدرته وتقديره، عليم يحيط بعلمه كل شيء.   والعلم لا يستطيع أن يصل إلى سر جري الشمس بهذا الثبات في تفاعلاتها، وفيمن تجريهم حولها، ويأتي كتاب الله ليعلن أن هذا جاء بتقدير إله قدير {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}، هو من صنعه وحده وتقديره وحده وبعلمه وحده، وهذه الكلمات جاءت منه وحده.   ثم نأتي إلى الآية التالية التي تصف إعجاز الخالق في حركة القمر، هذا الكوكب الصغير الذي يدور حول الأرض كتابع مطيع يعكس لها في ظلمة الليل جزءاً من ضوء الشمس الساقطة عليه، وله حركته المعقّدة في الأماكن التي ينزل إليها بحيث تكون له دورة ثابتة، فتتوافق حركته حول الأرض مع حركة الأرض حول نفسه وحول الشمس، بحيث تستغرق كل دورة شهراً كاملاً، يبدأ فيه القمر بدراً ثم يتلاشى شيئاً فشيئاً في توقيتات أو مواقيت محددة، وتتغير أشكال القمر بحسب مواضع نزول أشعة الشمس الساقطة عليه ومـا تحـجبه الأرض عنه من هذه الأشعة، إنهـا حركة مركّبة لا تستطيع أن تسيّرها الصدفة، كيف تسير بهذه الطاعة والدقة المتناهية فتكون لها هذه الأشكال المتدرجة صعوداً أو اتساعـاً وهبوطـاً أو ضيقـاً، و تأتي آيات القرآن معلنة بإعجاز أن هذه الآية المعجزة هي من صنع الله، فيعلمـنـا الله أنه هو الذي قدر للقمر هذه المنازل حتى يصير له هذا الانتظام في كل التوقيتات والأشكال على مدى الشهر الكامل، وفي كل شهر وعلى مدى الدهر كله بقوله سـبحانه {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ}.   

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة عشرة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:* حركة كل شيء في هذا الكون تتم فعلاً بانضباط كامل ومقدر   

  إنه إعلان من الخالق أنه هو الذي دبّر وقدّر للقمر "منازله " بهذه الكلمات

 المعدودة، التي حدد الخالق فيهـا مـا حـار العلماء في تفسيره، و لم يصلوا إلى سرّه عن حركة القمر المعجزة. ثم تأتي الآية بهذه التشبيه المعجز لتصف آخر مراحل القمر عـندما لا يكون في منزل يسمح بسقوط أو وصول ضوء الشمس إليه، فيكون على شكل عرجون النخيل القديم أو اليابس إلى يوشك على الفناء بقول الله سبحانه و تعالى {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ}، أي حتى يتقوّس من القِدم ثم يفنى، ثم يعود كما بدأ إلى منازله مرة أخرى، فـيـسمح لضوء الشمس بالانعكاس عليه ليعاود الظهور إلى أن يعاود الاختفاء، إنهـا دورات لا تحدث إلا بتقدير عزيز عليم تنبئ عنهـا كلمة {عَادَ}، فالعودة تتكرر وتتكرر بتقدير عزيز عليم. أيّةُ دقة علمية هذه، وأي سردٍ لحقائق علمية متكاملة بحيث تظهر الحق وتبدد الحيرة في كل مـا يدور بهذا الإعجاز؟ إنه إعجاز من عند الله.   ثم تأتي الآية الرابعة لتؤكد بإعجاز شامل أن حركة كل شيء في هذا الكون تتم فعلاً بانضباط كامل ومقدر بقول الحق: {لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ الْلَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}، هكذا جاء قول الحق عن هذا الثبات لكل شيء من حولنا في أفلاكه؛ فللشمس أفلاكها الثابتة وللقمر أفلاكه الثابتة، وبالرغم من أن الأرض من توابع الشمس تدور حولهـا وحجم الشمس أو وزنهـا يزيد آلاف المرات عن حجم الأرض ووزنهـا، لكن لا تطغى الشمس على القمر، هذا التابع الضئيل للأرض الصغيرة والتابعة لهـا، فلا تحوّله إليها أو تدركه بقوّتها وحجمها ووزنهـا، وجذبهـا الجبار الذي يتضاءل أمامه جذب الأرض، ليس هناك سبب ألا يحدث هذا إلا أن يكون هناك التزاماً من الشمس والقمـر بالسير والسباحة، أو التسبيح المحدد بالكلمات أو بالحركـات في أفلاك ثـابتة لا حيود عنهـا.   وكذلك فالأرض لهـا تعاقبهـا ودورانها حول نفسـهـا، ولا يختل هذا الدوران مهمـا تعاقبت السنين والقرون، فزمن الدورة أربع و عشرون سـاعة، ولا يأتي ليلين أو نهـارين متعاقبين، بل ليل يعقبه نهـار، ويكوّنان معاً اليوم من أربع وعشرين سـاعة في ثبات تام يعجز عن تخيل أسبابه العقل البشري.     وكذلك الأرض -ويصاحبهـا قمرهـا- تدور دورة كاملة كل سـنة أو كل 365 يومـاً وربع اليوم حول الشمس، لا يتبدّل أو يتغير زمن هذه الدورة على مدى القرون والدهور. وكذلك الشمس -ومعها منظومـتها الشمسية كلهـا بمـا فيهـا الأرض والكواكب الأخرى- تدور حول مركز المجرة مرة كل 200 مليون سنة، ومجرتنا التي تمثل المجموعة الشمسية إحدى أفرادهـا، لهـا أيضـاً دورتهـا حول نفسهـا وحول مركز الكون الذي لا يعرف سـره سوى الخـالق.   والآن، مـن يحفظ هذا الثبات والاستقرار في دورات الشمس والقمر ودورات الليل والنهـار وكل الدورات الأخرى؟ لا تعليل لهذا إلا أن كل هذه السباحة لكل كوكب أو نجم ما هي إلا نوع من أنواع التـســابيح، يسبح بهـا هذا الكون لخـالقه كمـا جـاءت الآية الكريمة { وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }. إنــه تسبيح دائم ومستمـر لكل مـا في هذا الكون، و { كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } و { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ }.   هكذا جاءت كلمات الله معبرة بكل إعجاز عما يعجز الإنسان عن فهم أسبابه في هذا الكون، فتتبدد حيرته عندما يكون القائل هو خالق. هذا الإعجاز الذي أرسل إليه هذا الكتاب رحمة من عنده لهدايتنـا والخروج بنـا من الحيرة والضلال، وإذا أمعنـا التدبّر في كلمة "يسبَحون" بالباء المفتوحة و"يسبِّحون" بالبـاء المشددة والمكسورة، فسنجد أن القرآن قد جـاء بهذه الكلمة الجـامعة لمـا تؤديـه الكواكب والنجوم والشمس والقمر من سباحة منتظمة في أفلاك ثـابتة وأن هذا ليس إلا تسبيح أو طـاعة ملزمة لكل الكواكب والنجوم لخـالقهـا ومسيّرهـا.  

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة عشرة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:* حركة كل شيء في هذا الكون تتم فعلاً بانضباط كامل ومقدر وبدقة  

والسؤال الآن: هل نستطيع كبشر بعد أن علمنا عن الأرض والقمر والشمس والليل والنهـار والأفلاك والمسارات أن نعبّر عن معجزات هذه الأشياء ودلالاتها في بضعة سطـور يفهمها العالم المتعمق بقدر علمه، والإنسان البسيط بقدر نقائه؟ وهذا على مرّ العصور دون توقّف، وبهذا الإعجاز التام دون أن يأتيهـا الباطل في أي من هذه الأزمـان؟ لقد عرضت هذه الآيات الحركات والأفلاك التي تتحرك فيها الأرض والشمس والقمر وأنهـا جميعـاً تدور بإعجـاز إلـه عـزيز عليم؛ تسبيحاً وطاعة له والتزاماً وانصياعاً لأوامره، فلـه وحده النهـار والليل والحركات والسكنات والأقدار والمصائر. إنهـا آيـات إلــه يـرى الكون الذي خلقه كله بـامتداده وجمـاله وإعجـازه وإبداعه، ثم يـركّز أبصـارنـا على ما يمكن أن نراه من هذه الآيات التي تدل كلهـا على جلاله وعظمته، ويراهـا الناس في كل العصور مهمـا بلغ علمهم ورؤاهم، ولهذا تبدأ الآية بـقول الحق {وَآيَةٌ لَّهُمُ}.     إنهـا فقط إحدى الآيـات التي يبصّـرنـا بهـا الخالق في كونـه، ولكن في الكون آيـات وآيــات يجب أن نتدبرهـا حتى نستحق مـا أنعم الله به علينـا من نعمـة العقل والعلم. وتكفي هذه الإشــارة من الخـالق التي جـاءت بهذه السمو وهذا الإعجـاز، {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُون} [ الأنترنت- موقع طريق الإسلام -الاعجاز العلمي في القرآن  {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا}  - د.سلامة عبد الهادي ]

*المجرات تشهد بعظمة الخالق  

مقدمة : نعيش نحن البشر على هذه الأرض التي تنتمي للمجموعة الشمسية، والأرض والمجموعة الشمسية المؤلفة من الشمس وما يدور حولها من كواكب تنتمي إلى المجرة، والكواكب التي تدور حول الشمس تسعة رئيسية، وتقسم إلى مجموعتين: المجموعة الأولى: الكواكب الداخلية وهي: عطارد والزهرة والأرض والمريخ، وتتميز بأنها صغيرة الحجم ومؤلفة بشكل رئيسي من الصخر والحديد، والمجموعة الثانية: الكواكب الخارجية، وهي: المشتري وزحل وأورانوس ونبتون وبلوتون. وتتميز بأنها كبيرة الحجم ومؤلفة بشكل رئيسي من الهيدروجين والهليوم والجليد. والمجرة تحتوي على ملايين النجوم والكواكب، وهنالك أعداد كبيرة من المجرات، وهذا كله في السماء الدنيا، التي قال الله عنها: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} [الملك:5]. فما أعظم هذا الكون العظيم، الذي يشهد بعظمة الخالق العظيم. 

ونود أن نقدِّم تعريفًا للمجرات بإيجاز لنتعرّف على عظمة الخالق المبدع الكبير: المجرةgalaxy: جمعها مجرات، كانت تدل على سكة التبانة، أما حديثا فتستخدم للدلالة أيضًا على المجموعات النجومية الأخرى، وكلمة المجرة معرفة تعني سكة التبانة أيضًا. مجرتنا: سماها بطليموس درب اللبانة، وتسميتنا بالعربية العامية درب التبانة، وهي للدلالة على هذا النظام الخارجي المضيء في الفضاء، وهذا المنظر بالغ في الجمال، وهو غني بالنجوم المرصَّعة له، ولا سيما في بعض المناطق كمنطقة نعيم، ومنطقة الدجاجة، ومنطقة العقرب الرامي. وهي مجموعة نجومية تنتمي إليها المجموعة الشمسية ومعها الأرض وحوالي 100 بليون نجم آخر، وكذلك كميات 

كبيرة من مادة ما بين النجوم. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة عشرة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:* حركة كل شيء في هذا الكون تتم فعلاً بانضباط كامل ومقدر وبدقة  

ومن النجوم ما هو منفرد أو مزدوج، وما هو عديد، كما أن النجوم تكون كذلك 

حشودًا نجومية، جميع هذه الأجسام تكون ما يشبه قرصًا له نواة مركزية تزيد 

فيها كثافة النجوم عن مناطق الحافة. 

موقع الشمس في المجرة: تتواجد الشمس وما يتبعها من الكواكب داخل مجرة سكة التبانة بالقرب من مستوى التماثل أو مستوى المجرة، ولكن إلى الخارج بعيدًا عن النواة، وترى جميع النجوم من الأرض مسقطة على الكرة السماوية، الشيء الذي يتسبب في ظاهرة سكة التبانة الضوئية المعروفة. 

حركة الشمس داخل المجرة: تقوم الشمس بحركة ظاهرية تنشأ من دوران الأرض حول محورها من ناحية وفي مدارها على هيئة قطع ناقص حول الشمس من ناحية أخرى (الحركة المدارية) بالإضافة إلى ذلك فإن الشمس تقوم بحركة حقيقية في مجموعة سكة التبانة، وتتكون الحركة الحقيقية من جزئين: حركة بالنسبة للنجوم الثوابت القريبة وحركة دوران بالنسبة لمركز مجرة سكة التبانة. 

فبالنسبة للحركة الأولى تتحرَّك الشمس بالنسبة للنجوم الثوابت القريبة بسرعة 19,4 كم/ث؛ وبذلك فإنها تقطع في العام ضعف قطر مدار الأرض، واتجاه أو هدف هذه الحركة مستقر الشمس وهو موجود في كوكبة الجاثي. 

وأما الحركة الثانية فتشارك الشمس مع النجوم القريبة في الدوران حول مركز

 المجرة، وفي ذلك تبلغ سرعتها 250 كم/ث وتصنع دورة كاملة حول المركز في 250 مليون سنة، وبسبب قوة كبر جاذبية الشمس فإن المجموعة الشمسية تتماسك مع بعضها وتشارك في هذه الحركة. 

دوران الشمس: تدور الكرة الشمسية حول نفسها أيضًا، أي إنها تدور حول محور يصل بين قطبيها وعموديًا على محور الدوران يوجد مستوى الاستواء الشمسي، الذي يميل على مستوى الاستواء الأرضي بحوالي7, 15ْ. 

ويحدث دوران الشمس حول نفسها في نفس اتجاه دوران الأرض وفي نفس 

اتجاه حركتها في مدارها حول الشمس، وهو يوافق حركة الإلكترونات حول البروتونات في الذرة والجميع بعكس عقارب الساعة، مما يدل على وحدة النظام في الخلق ووحدة الخالق سبحانه وتعالى، وجدير بالذكر أن طواف المسلمين حول الكعبة هو بعكس عقارب الساعة وبذلك اتسقت حركة المؤمن مع حركة الأرض والأجرام السماوية والذرات التي تكونت منها مادة تلك الأجرام في تناسق عجيب يشهد بعظمة الخالق عز وجل. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة عشرة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان:* حجم المجرات:

 كان من المعتقد في الماضي بأن مجرتنا ضخمة فوق العادة، إلا أن هذا الوهم قد تلاشى، صحيح أن حجمها فوق المعدل، لكن من الأكيد أن هناك أنظمة أخرى معروفة تفوقها حجمًا منها لولبة المرأة السلسلة. 

عدد المجرات: درب اللبانة واحدة من مئة مليار من المجرات المشابهة الواقعة في مجال رؤية التلسكوبات الكبيرة الحديثة. 

العناقيد: تتجمع المجرات في كتل تُسمَّى عادة عناقيد، ويحتوي بعضها على مئات الأعضاء، أما مجرتنا فهي عضو في أحد هذه الأنظمة المعروفة إجمالًا بالمجموعة المحلية. 

حركة المجرات: من المسلم به إجمالًا أن الكون يتمدَّد، وأن جميع المجرات خارج المجموعة المحلية تنحسر مبتعدة بسرعات مختلفة، ولكن أعضاء المجموعات المحلية ذاتها لا تبتعد عن مجرتنا، والمجرات كلها تسبح في السماء، وربما تداخلت مجموعة من المجرات أو ما يطلق عليه اسم العناقيد مع مجموعة أخرى تسبح في السماء أيضًا، ثم تنسحب كل مجموعة بنجومها دون أن يحدث أي تخلخل في نظام العناقيد السماوية أو أي تصادم بين النجوم، مما يدل على أن مواقع النجوم من أكثر الأشياء دقة في نظام الكون، ولذلك أقسم الله سبحانه بمواقع النجوم فقال عز وجل: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} وعقَّب على قسمه بقوله: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة:75-76]. 

سعة الكون: الكون الذي نعيش فيه واسع جدًا، وهو بالإضافة إلى ذلك يتوسع ويتمدَّد باستمرار، وقد قال تعالى في هذا الصدد: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47]، وكل هذه المجرات التي تحتوي على النجوم التي تتبعها الكواكب، والكواكب التي تتبعها الأقمار هي بمثابة مصابيح للسماء الدنيا، وقد خلق الله سبع سماوات طباقًا، قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا . وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} [نوح:15-16]. ونسبة كل سماء إلى الأخرى كحلقة في فلاة، ومن فوقها الكرسي الذي وسع السماوات والأرض، ومن فوقه العرش، والله بكل شيء محيط، وعالم العرش لا يعلمه إلا الله، وفيه كنوز، وحوله قناديل معلَّقة تأوي إليها أرواح الشهداء، ولا يعلم عدد هذه القناديل إلا الله، وذكر بعضهم أن السماوات والأرض كلها في قنديل واحد معلَّق تحت العرش، ويحمل العرش ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله، يقول النبي عليه السلام في وصف أحد الملائكة من حملة العرش: «أُذِنَ لي أن أُحدِّث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، أن ما بين شحمة أذنيه إلى عاتقيه مسيرة سبعمائة عام» (رواه أبو داود). فلنعرِف حجمنا نحن أبناء آدم، ولنعرِف أن الكوكب الذي نعيش عليه يكاد يكون لا حجم له في هذا الكون إذا ما قيس بغيره، يقول النبي عليه السلام: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء» (رواه الترمذي، وابن ماجة، والحاكم). ولنتواضع لله في عصر العلم والمعرفة، ولتدفعنا العلوم إلى الإخبات للخالق العظيم، فنحن بالرغم من كل ما توصلنا إليه لم نؤت من العلم إلا قليلا. المصادر: - (الإسلام يتحدى: لـ وحيد الدين خان). - (أطلس العالم، مكتبة الصغار، بيروت). - (الإيمان بالملائكة: لـ عبد الله سراج الدين). - (بهجة المعرفة، موسوعة علمية مصورة، دار المختار، سويسرا). - (مشكاة المصابيح للتبريزي، تحقيق: الألباني، المكتب الإسلامي، دمشق، الطبعة الثالثة، 1405هـ/1985م). - (مع الله في السماء: لـ د. أحمد زكي). - (الموسوعة الفلكية: لـ أ. فايجرت، هـ. تسمرمان، ترجمة: أ. د. عبد القوي عياد، وأ. د. محمد جمال الدين الفندي، الهيئة المصرية العامة للكتاب،). [الأنترنت- موقع طريق الإسلام - المجرات تشهد بعظمة الخالق - الكاتب: محمد رفعت زنجير  ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة عشرة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*خلق الله في قلب ابن آدم قوتان تتصارعان قوة الحق وقوة الهوى

قال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [القصص: 50].

وقال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا } [الفرقان: 43، 44].

قسَّم الله تبارك وتعالى أمر الناس إلى قسمين لا ثالث لهما:

إما الاستجابة لله والرسول - صلى الله عليه وسلم - .. وإما اتباع الهوى.

فكل ما لم يأت به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو من الهوى، ومن اتبع أحدهما لم يمكنه اتباع الآخر، فهما ضدان لا يجتمعان.

والشيطان يطيف بالعبد من أين يدخل عليه، فلا يجد عليه مدخلاً ولا إليه طريقاً إلا من هواه، والذي يخالف هواه يَفْرَقُ الشيطان من ظله.

وإنما تطاق مخالفة الهوى بالرغبة في الله، والرغبة في ثوابه، والخوف من عقابه، والخشية من حجابه، ووجود حلاوة الشفاء في مخالفة الهوى.

والهوى شارع النار الأكبر، ولذلك حذر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - من اتباع الهوى كما

 قال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)} [الجاثية: 18].

وما أطاع أحد هواه قط إلا وجد في نفسه ذلاً، ولا يغتر أحد بصولة أهل الهوى وكبرهم، فهم أذل الناس بواطن، قد جمعوا بين رذيلتي الكبر والذل.

وكل عاقل يأنف أن يكون تحت قهر عدوه، فالشيطان إذا رأى من الإنسان ضعف عزيمة وهمة، وميلاً إلى هواه، طمع فيه وصرعه، وألجمه بلجام الهوى، وساقه حيث أراد على موارد الهلكة.

والهوى ما خالط شيئاً إلا أفسده، فإن وقع في العلم أخرجه إلى البدعة  والضلالة، وصار صاحبه من جملة أهل الأهواء.

وإن وقع الهوى في الزهد أخرج صاحبه إلى الرياء، ومخالفة السنة.

وإن وقع في الحكم أخرج صاحبه إلى الظلم، وصده عن الحق.

وإن وقع في القسمة خرجت عن قسمة العدل إلى الجور.

وإن وقع في العبادة خرجت عن أن تكون طاعة وقربة. وإن وقع في الولاية والعزل أخرج صاحبه إلى خيانة الله والمسلمين،حيث يولي بهواه، ويعزل بهواه.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة عشرة بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*خلق الله في قلب ابن آدم قوتان تتصارعان قوة الحق وقوة الهوى

   فما قارن الهوى شيئاً إلا أفسده، وهو يسري في القلب والأعضاء سريان السم في القلب والأعضاء.

فإبليس حمله هواه على التكبر عن طاعة الله عزَّ وجلَّ لما أمره بالسجود لآدم،

 فطرده الله ولعنه، فهو أشقى الخلق في الدنيا والآخرة.

وآدم حمله الحرص وهوى نفسه على الأكل من الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها طمعاً في الخلود، فكان عاقبة ذلك الهوى والشهوة إخراجه منها إلى دار التعب والنصب.

وفتنة الكفار حين أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً، وابتدعوا في دينه ما لم يشرعه، وحرموا زينته التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، وتعبدوا له بالفواحش، وزعموا أن الله أمرهم بها، واتخذوا الشياطين أولياء من دون الله.

والحامل لهم على ذلك كله الهوى والحب الفاسد، وعليه حاربوا رسله، وكذبوا كتبه، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيله حتى خسروا الدنيا والآخرة.

وقوم نوح اتبعوا أهواءهم وكذبوا رسله، واستكبروا عن الحق، فأغرقهم الله في الدنيا، ولهم النار يوم القيامة.

وقوم عاد لما دعاهم هود إلى عبادة الله وحده سفهوه وكذبوه، فعاقبهم الله بالعذاب الفظيع المستمر، بريح صرصر عاتية، تدمر كل شيء بإذن ربها، فخسروا الدنيا والآخرة. 

وقوم ثمود لما كذبوا رسولهم صالحاً، واستكبروا عن الحق الذي جاء به، عاقبهم الله بالهلاك في الدنيا والآخرة: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ 

(78)} [الأعراف: 78].

ولوط دعا قومه إلى الله، وحذرهم من فعل الفاحشة، وهي إتيان الذكران من العالمين، فكذبوه وسخروا منه، فعاقبهم الله بأن أمر جبريل فرفع بلادهم وقلبها عليهم، ثم أُتبعوا بحجارة من سجيل كما قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ

 مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} [هود: 82، 83].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العشرون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*خلق الله في قلب ابن آدم قوتان تتصارعان قوة الحق وقوة الهوى

وقوم شعيب حملهم على بخس المكيال والميزان فرط محبتهم للمال، وغلبهم الهوى 

على طاعة نبيهم شعيباً حتى أصابهم العذاب.

وفرعون وقومه حملهم الهوى والشهوة وعشق الرئاسة على تكذيب موسى، فعاقبهم الله بالغرق في الدنيا، والإحراق بالنار في الآخرة.

وأهل السبت مسخوا قردة لما خالفوا أمر الله، واتبعوا أهواءهم.

والذي آتاه الله آياته فانسلخ منها، واتبع هواه، فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين.

وقد ذكر الله في سورة الأعراف حال أهل الأهواء والشهوات وما آل إليه أمرهم مفصلاً، فالكفر والهوى أصل كل بلية: {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ

 الْخَاسِرُونَ (178)}[الأعراف].

وكل من بلغته الحجة ثم اتبع هواه فإن الله يرفع عنه ولايته ونصرته كما قال سبحانه: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)} [البقرة: 120].

وقد شبه الله عزَّ وجلَّ أتباع الهوى بأخس الحيوانات.

فشبههم بالكلب تارة كما قال سبحانه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ 

أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف].

وشبههم بالحمر تارة كما قال سبحانه: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)} [المدثر: 49 - 51].

ومن اتبع هواه طبع الله على قلبه كما قال سبحانه: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16)} [محمد: 16].

وملاك الأمر كله الرغبة في الله .. وإرادة وجهه، والتقرب إليه .. والشوق إلى الوصول إليه .. وتحقيق مراده .. والفوز برضاه .. واتباع هداه.

فإن لم يكن للعبد همة إلى ذلك فالرغبة في الجنة ونعيمها، وما أعد الله فيها لأوليائه، فإن لم يكن له همة عالية تدفعه إلى ذلك فخشية النار، وما أعد الله فيها لمن عصاه، فإن لم تطاوعه نفسه على شيء من ذلك فليعلم أنه خُلق للجحيم والسعير لا للجنة والنعيم، ولا يًقْدِر على ذلك بعد قدر الله وتوفيقه إلا بمخالفة هواه.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والعشرون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*خلق الله في قلب ابن آدم قوتان تتصارعان قوة الحق وقوة الهوى

ولم يجعل الله للجنة طريقاً إلا باتباع هداه، ومخالفة العبد هواه، ولم يجعل للنار طريقاً غير اتباع العبد هواه، والإعراض عن هدى مولاه كما قال سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)}[النازعات]

واتباع الهوى يضل العبد عن سبيل الله، ومن ضل عن سبيل الله لم يصل إلى

 نعيم مولاه، وكانت النار مأواه كما قال سبحانه: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } [ص: 26].

ومن نهى نفسه عن الهوى كانت الجنة مأواه، وعاش في هذه الدنيا في جنة عاجلة لا يشبه نعيم أهلها نعيم البتة. بل التفاوت الذي بين النعيمين، كالتفاوت الذي بين نعيم الدنيا والآخرة، وهذا لا يصدق به إلا من باشر قلبه هذا وهذا.

وقلوب أهل البدع، والمعرضين عن القرآن، وأهل الغفلة عن الله، وأهل 

المعاصي في جحيم من العذاب قبل الجحيم الأكبر في النار.

وقلوب الأبرار في نعيم في الدنيا قبل النعيم الأكبر في الجنة كما قال سبحانه: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [الانفطار: 13، 14].

وليس النعيم والجحيم في الآخرة فقط.

بل النعيم والجحيم في دورهم الثلاث كلها:

دار الدنيا .. ودار البرزخ .. ودار القرار في الآخرة.

فهؤلاء الأبرار في نعيم .. وهؤلاء الفجار في جحيم.

وهل النعيم إلا نعيم القلب .. وهل العذاب إلا عذاب القلب.

وأي عذاب أشد من الهم والحزن، والخوف والوجل، وضيق الصدر، وإعراضه عن الله والدار الآخرة، وتعلقه بغير الله، وانقطاعه عن الله.

وكل شيء تعلق به العبد وأحبه من دون الله فإنه يسومه سوء العذاب.

فكل من أحب شيئاً غير الله عذب به ثلاث مرات في هذه الدار.

فهو يعذب به قبل حصوله حتى يحصل، فإذا حصل عذب به حال حصوله بالخوف من سَلبه وفواته أو خرابه، فإذا سُلبه اشتد عذابه عليه.فهذه ثلاثة أنواع من العذاب في هذه الدار.                                                                                                                              وأما عذابه في البرزخ في قبره فعذاب يقارنه ألم الفراق الذي لا يرجى عوده، وألم فوات ما فاته من النعيم العظيم باشتغاله بضده،وألم الحجاب عن الله عزَّوجلَّ ، وألم الحسرة التي تقطع الأكباد.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والعشرون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*خلق الله في قلب ابن آدم قوتان تتصارعان قوة الحق وقوة الهوى

فالهم والغم والحسرة والحزن كل هذه تعمل في نفوسهم نظير ما تعمل الهوام والديدان في أبدانهم، بل عملها في النفوس دائم مستمر حتى يردها الله إلى أجسادها، فحينئذ ينتقل العذاب إلى نوع هو أدهى وأمر، وأشد وأبقى.

إن العبد الذي يخاف مقام ربه لا يقدم على معصية ربه، فإذا أقدم عليها بحكم ضعفه البشري قاده خوف هذا المقام الجليل إلى الندم والاستغفار والتوبة، فظل في دائرة الطاعة.

والخوف من الله عزَّ وجلَّ هو الحاجز الصلب أمام عواصف الهوى العنيفة، ونهي النفس عن الهوى هو الذي يكبح جماح النفس إلى المعصية، فالهوى هو الدافع القوي لكل طغيان، وكل تجاوز، وكل معصية، وهو أساس البلوى، وينبوع الشر، وقل أن يؤتى الإنسان إلا من قِبَل الهوى.

فالجهل سهل علاجه، ولكن الهوى بعد العلم هو آفة النفس التي تحتاج إلى جهاد شاق طويل الأمد لعلاجها: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)} [النازعات].

ولم يكلف الله سبحانه الإنسان أن ينزع من نفسه الهوى، فإن هذا خارج عن طاقته، ولكنه كلفه أن ينهاها ويكبحها ويمسك بزمامها، وأن يستعين في هذا بالخوف من مقام ربه الجليل، وكتب له بهذا الجهاد الشاق الجنة مثابة ومأوى.

ذلك أن الله سبحانه يعلم ضخامة هذا الجهاد، وقيمته في تهذيب النفس البشرية، ورفعها إلى مقامها الأسنى.

إن الإنسان يعلو ويسمو بهذا النهي، وبهذا الجهاد، وبهذا الارتفاع، وليس إنساناً بترك نفسه لهواها، وإطاعة جواذبه إلى دركها.

إن الذي أودع في نفس الإنسان الاستعداد لجيشان الهوى، هو الذي أودعها الاستعداد للإمساك بزمامه، ونهي النفس عنه، ورفعها من جاذبيته، وجعل له الجنة جزاء ومأوى حين ينتصر على هواه ويرقى.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والعشرون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : والحرية نوعان:

الأولى: حرية إنسانية تليق بتكريم الله للإنسان، وهي حرية الانتصار على

 هوى النفس، والانطلاق من أسر الشهوة، والتصرف بها في توازن تثبت معه حرية اختيار الأحسن شرعاً.

الثانية: حرية حيوانية، وهي هزيمة الإنسان أمام هواه، وعبوديته لشهوته، وانفلات الزمام من إرادته، وهي حرية لا يهتف بها إلا مخلوق مهزوم الإنسانية، فهؤلاء وإن حملوا صورة الآدمي في الظاهر فهم هابطون إلى درك الحيوان في الباطن: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)} [الفرقان: 44].

ولكل إنسان مهما كان له هوى شخصي حتى ولو كان طفيفاً، فتلك هي الطبيعة البشرية، ولكن الذي لا هوى له هو الله سبحانه، فهو سبحانه الغني الذي يملك كل شيء، ولا يحتاج إلى أحد، بل كل أحد محتاج إليه في وجوده وبقائه وحركته، فتشريعه سبحانه لا يتم عن هوى، وإنما يتم عن حق وعدل ورحمة وعلم.

وهوى النفس حينما يسيطر على الإنسان يتخذ من العلم والتطور والحرية سبيلاً ومبرراً للخروج عن منهج الله إلى هوى النفس البشرية.

وهل العلم والترقي، والحرية والطمأنينة، والعزة والسعادة إلا في اتباع منهج الله لو كانوا يعلمون؟.

فكما خلق الله كل شيء، وبين للإنسان كل شيء، وسخر له كل شيء في السموات والأرض، كذلك وضع له منهجاً يسير عليه في الحياة فيه تبيان كل شيء يحتاجه، وكما وضع للنبات أوامر، وللكواكب أوامر، كذلك وضع للإنسان أوامر يسير عليها في هذا العالم، ليكون على صلة بخالقه ومولاه.

ولكن لغلبة الهوى تشذ النفس بشهواتها عما سواها من المخلوقات المطيعة.

أفلا يستحي البشر من هذا، يتركون هدى ربهم الذي فيه فلاحهم، ويتبعون هوى أنفسهم الذي فيه هلاكهم، ويشذون بمعاصيهم عن ركب المطيعين؟

{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)} [آل عمران: 83].

أيبتغون غير الله رباً وهو رب كل شيء؟.

{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)} ... [الأنعام: 164].

أيقبلون حكم المخلوق، ويعافون حكم ربهم العدل، الذي له ملك السموات 

والأرض، وله الخلق والأمر وحده، وإليه يرجعون؟.

{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ] [الأنعام: 114].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والعشرون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

واعجباً لهذا الإنسان الغافل عن ربه، الجاهل بدينه وشرعه.

أو لما أعطاه الله من العلم ما يساعده على تسهيل أمور حياته من وسائل النقل والبناء والصناعة والزراعة يجعل هذا سبباً للبعد عن ربه ورفض منهجه؟

{أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)} [المائدة: 74].

أفلا يخجل من ربه كلما أردف عليه النعم زادته كفراً وجحوداً وإعراضاً؟.

إن العلم مع الإيمان يسوق الإنسان إلى كل خير، وإن العلم بلا إيمان يهوي بالإنسان إلى كل شر كما قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا 

عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83)} [غافر: 83].

إن النفس البشرية لها شهوات، وهي تريد أن تنطلق بهذه الشهوات إلى ما تهواه، دون أن يكون لها قيود تحدها.

والله عزَّ وجلَّ قد خلقنا جميعاً، وجعل لنا ديناً واحداً، وهذا الدين يجعل عبادتنا واحدة، وشريعتنا واحدة، وقبلتنا واحدة، وحقوقنا متساوية، فإذا جاء هوى النفس يطلب ما هو حق للغير، جاء عدل الله ومنعه من ذلك.

فإن اعتدى على حق غيره عاقبه، وحينئذ يبحث هوى النفس عمن يبيح له

 ذلك، فيخترع آلهة من دون الله، أو يتصور أو يصور آلهة تبيح له شهوات

 نفسه بلا قيود.

ومن هنا فإنه يريد أن يشكل إلهه على هواه، فيتخذ أحجاراً، أو أصناماً، أو أشياء يسميها هو ولا وجود لها، ويضع لها المنهج الذي تمليه عليه نفسه، مما يحقق رغبته وشهواته، وينسبه إليها وهي غافلة عنه. 

وفي هذه الحالة يكون الإنسان قد ألغى عقله، واتبع هواه، وضل عن الحق: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ 

يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا } [الفرقان:43، 44].

وهذا هو الضلال البعيد الذي ليس بعده ضلال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)} [القصص: 50].

وهو الخسران المبين في الدنيا والآخرة إنه: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ 

لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)} ... [الحج: 12، 13].

فأصل كل شر ومصيبة تقديم الهوى على الوحي .. وتقديم شهوات النفس على

 أوامر الرب كما قال سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ 

أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} ... [النور: 63].

وقد رد الله على الملائكة الرأي كما قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)} [البقرة: 30].

وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ

 اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)} [النساء: 105].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والعشرون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

وما أُخرج آدم من الجنة إلا بتقديم الرأي على النص، والشهوة على الأمر ..   وما لُعن إبليس إلا بتقديم الرأي على النص .. ولا هلكت أمة من الأمم إلا بتقديم آرائها على الوحي .. ولا تفرقت الأمة شيعاً وأحزاباً وفرقاً إلا بتقديم آرائهم على النصوص.

وقد نهى الله عزَّ وجلَّ عن التقديم بين يدي الله ورسوله بأي قول يخالف

 الكتاب والسنة كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ 

وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)} [الحجرات: 1]. 

ومجامع الهوى خمسة أمور جمعها الله في قوله سبحانه: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد: 20].

ومن اتبع هواه وسد على نفسه أبواب الهداية، ولج في دروب الغواية، فإن الله 

لا يهديه، وما ظلمه الله، ولكن هو ظلم نفسه وتسبب لمنع رحمة الله عليه 

باتباع هواه فمن يهديه من بعد الله؟.

{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } [الجاثية: 23].

والله تبارك وتعالى هو الهادي لكل خير، المانع من كل شر، أنزل الهدى وأمرنا

 باتباعه، وحذرنا من مخالفته والتعلق بغيره كما قال سبحانه: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ

 دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي

اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ 

هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)} [الأنعام: 71].

فالقرآن العظيم هو الهدى المشتمل على المطالب العالية في الدنيا والآخرة:

فهو الهادي إلى معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله.

الذي يهدي إلى معرفة جلال الله وجماله، وإنعامه وإحسانه.

ويهدي إلى معرفة رسله وأوليائه وأعدائه، وأوصافهم وأعمالهم.

ويهدي إلى الأعمال الصالحة ويدعو إليها، ويبين الأعمال السيئة وينهى عنها.

ويهدي إلى بيان الجزاء على الأعمال الحسنة والسيئة في الدنيا والآخرة.

فالمؤمنون اهتدوا به فأفلحوا وسعدوا، والذين كفروا أعرضوا عنه فشقوا في الدنيا والآخرة كما قال سبحانه: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)} [الأنعام: 88].

وفي اتباع الهدى السعادة الأبدية والصلاح والفلاح، فما أجدر العاقل باتباع 

الشريعة الكاملة التي تأمر بكل خير، وتنهى عن كل شر، ومخالفة الهوى الذي 

يوقع في كل شر، ويمنع كل خير كما قال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)} [الجاثية: 18].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والعشرون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

اتباع الهوى يضل العبد عن سبيل الله 

واتباع الهوى يضل العبد عن سبيل الله، ويخرجه عن الصراط المستقيم فيقع في العذاب الشديد؛ لأنه ترك الهدى واتبع الهوى كما قال سبحانه: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص: 26].

واتباع الهوى هو إيثار ميل النفس إلى الشهوة والانقياد لها فيما تدعو إليه من معاص الله عزَّ وجلَّ.

وانقياد الإنسان واتباعه للشهوات يجعله في مصاف الحيوانات، ويجلب له الخزي في الدنيا، والعذاب في الآخرة.

وجميع المعاصي تنشأ من تقديم هوى النفس على محبة الله ورسوله، والهوى 

شر داء خالط القلوب، وشر إله عُبد في الأرض.

وخير الناس من أخرج الشهوات من قلبه، وعصى هواه في طاعة ربه، ومن أطاع هواه أعطى عدوه مناه.

والإنسان إذا كان كلما هوى شيئاً رَكِبه، وكلما اشتهى شيئاً أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى، فقد اتخذ إلهه هواه.

وإذا تمكنت الشهوة من الإنسان وملكته وانقاد لها كان كالبهائم أشبه منه بالناس.

وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في الأمر 

ولا يطلبه أصلاً، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، بل يرضى إذا حصل له ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه؛ لأن قصده الحمية لنفسه، أو الرياء ليعظم هو ويثنى عليه، وليس قصده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة 

والعشرون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

وعلاج اتباع الهوى بسبعة أمور:

أحدها: التفكر في أن الإنسان لم يخلق للهوى، وإنما خلق لعبادة الله والنظر في العواقب، والعمل للآجل، فلو كان نيل المشتهى فضيلة لما بخس الإنسان منه وزاد عن حظ البهائم. وفي توفير حظ الإنسان من العقل، وبخس حظه من الهوى دليل على فضل هذا وذاك.

الثاني: التفكر في فائدة مخالفة الهوى من اكتساب الذكر الجميل في الدنيا، وسلامة النفس والعرض، والأجر في الآخرة.

الثالث: التفكر في حقيقة ما يناله باتباعه هواه من اللذات والشهوات، فإن العقل سيخبره أنه ليس بشيء، ولكن عين الهوى عمياء.

الرابع: التدبر لما يحصل له من عز الغلبة إن ملك نفسه، وذل القهر إن غلبته، فمن غلب هواه عز، ومن غلبه هواه ذل.

الخامس: التفكر في عواقب الهوى، فكم فوت من فضيلة، وكم أوقع في رذيلة مع الإثم.

السادس: تصور العاقل لانقضاء غرضه من هواه، فسيرى أن ما حصل له من الأذى يربو على اتباع الهوى أضعافاً مضاعفة.

السابع: تصور عاقبة ذلك في حق غيره، فعندئذ سيرى ما يعلم به عيب نفسه إن هو وقف في ذلك المقام وارتكس في هذه الآثام. {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)} [الأنعام: 119].

فما أسفه عقول البشر حين يتبعون أهواءهم بعد بلوغهم رسالة ربهم: {إِنْ يَتَّبِعُونَ

 إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى } [النجم: 23].

فليتبع العبد هدى ربه، ويحذر من هوى نفسه وهوى غيره، وفي طاعة ربه سعادته ونجاته: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)} [البقرة: 120]. [الأنترنت – موقع الكلم الطيب – آفة الهوى ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة 

والعشرون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* آفة الغفلة مخالفة لحكمة الخلق

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ

 بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)} ... [الأعراف: 179].

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7)} [يونس: 7].

الغفلة أشد ما يفسد القلوب، فالقلب الغافل قلب معطل عن وظيفته، معطل عن الالتقاط والتأثر والاستجابة، تمر به دلائل الإيمان والهدى أو يمر بها دون أن يحسها أو يدركها.

ومن ثم كان الإنذار هو أليق شيء بالغفلة، وتذكير الغافلين بما ينفعهم ليفعلوه، ونهيهم عما يضرهم ليجتنبوه.

والإنذار قد ينفع ويوقظ الغافلين المستغرقين في الغفلة كما قال سبحانه: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)} [يس: 6].

والإنذار لا ينفع قلباً غير مهيأ للإيمان، مشدود عنه، محال بينه وبينه بالسدود والأغلال والأغشية، فالإنذار لا يخلق القلوب، إنما يوقظ القلوب الحية المستعدة للتلقي: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ 

وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)} [يس: 11].

فهذا الصنف من الناس هو الذي يستحق التبشير بعد انتفاعه بالإنذار، فبشره بمغفرة وأجر كريم، المغفرة عما يقع فيه من الخطايا غير مصر، والأجر الكريم 

على خشية الرحمن بالغيب، واتباعه لما أنزل الرحمن من الذكر، وهما متلازمان في القلب، فما تحل خشية الله في قلب، إلا ويتبعها العمل بما أنزل الله، والاستقامة على النهج الذي أراد.

فعلينا أن نعيش في بيئة الذاكرين لربهم، المستقيمين على منهجه، ونصبر على

  ذلك؛ لننال الأجر والثواب من الله، ونحذر من أهل الأهواء والغفلة كما قال سبحانه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)} [الكهف: 28].

فهؤلاء إنما يتبعون أهواءهم، ويحكمون بها بين العباد، فهم وأقوالهم سفه ضائع لا يستحق إلا الإغفال جزاء ما غفلوا عن ذكر الله وتقواه.

فلا تطع أيها المسلم من أغفلنا قلبه عن ذكرنا حين أعرض عن ربه ودينه واتجه

 إلى ذاته، إلى ماله، إلى أبنائه، إلى متاعه، إلى لذائذه وشهواته، فلم يعد قلبه متسعاً للإيمان بالله، وذكر الله، والعمل بطاعة الله.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة 

والعشرون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* آفة الغفلة مخالفة لحكمة الخلق

والقلب الذي يشتغل بهذه الشواغل، ويجعلها غاية حياته لا جرم يغفل عن ذكر

 الله، فيزيده الله غفلة، ويملي له فيما هو فيه، حتى تفلت الأيام من بين يديه، ويلقى ما أعده الله لأمثاله الغافلين، الذين يظلمون أنفسهم وغيرهم.

والإنسان كلما غفل قلبه عن ذكر الله، وجد الشيطان طريقه إليه، فيلزمه

 ويصبح له قرين سوء يوسوس له ويزين له السوء: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ

 نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)} ... [الزخرف: 36].

ووظيفة قرناء السوء من الشياطين أن يصدوا قرناءهم عن سبيل الله، بينما 

هؤلاء يحسبون أنهم مهتدون، وهذا أسوأ ما يصنعه قرين السوء بقرينه: {وَإِنَّهُمْ 

لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)} [الزخرف: 37].

إن حياة المسلم ثمينة كبيرة؛ لأنها منوطة بوظيفة ضخمة، ذات ارتباط بهذا الوجود، وذات أثر في حياة هذا الوجود الكبير، وهي أعز وأنفس من أن يقضيها في عبث ولهو، وخوض ولعب، في غفلة عن ربه، وعن وظيفته.

وكثير من اهتمامات الناس في هذه الأرض تبدو عبثاً ولهواً ولعباً حين تقاس إلى اهتمامات المسلم الناشئة من تصوره لتلك الوظيفة الضخمة، ومن ثم تبدو اهتمامات الآخرين صغيرة هزيلة في حس المسلم المشغول بتحقيق وظيفته

 الكبرى التي كلفه بها من خلقه واستخلفه.

*ألا ما أخطر الغفلة على البشرية!

إن الذي يعيش بلا إيمان بالله، إنما يعيش في بحر الأماني والخوف والاضطراب في كل حين.

وما أشد غرور الكفار حين يعرضون عن ربهم، إنهم يرون أنهم في أمن وفي حماية وفي طمأنينة، وهم يتعرضون لغضب الرحمن، وبأس الرحمن، بلا شفاعة لهم من إيمان ولا عمل يستنزل رحمة الرحمن: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ 

يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20)} ... [الملك: 20].

من الذي ينصرهم من الله غير الله؟ .. ومن الذي يدفع عنهم بأس الرحمن إلا الرحمن؟.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة 

والعشرون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* آفة الغفلة مخالفة لحكمة الخلق

وهذا الرزق الذي يستمتعون به، ويغفلون عن واهبه، وينسون مصدره وخالقه، ثم لا يخشون ذهابه، ثم يلجون في التبجح والإعراض: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)} ... [الملك: 21].

إن رزق البشر وسائر الخلائق كله معقود بإرادة الله في أول أسبابه:

في خلق هذا الكون .. وفي عناصر الجو والأرض .. وهي أسباب لا قدرة للبشر عليها إطلاقاً، فهي أسبق منهم في الوجود، وهي أكبر منهم في الطاقة، 

وهي أقدر منهم على محو كل أثر للحياة حين يشاء الله.

فمن يرزق البشر إن أمسك الله الماء؟ .. أو أمسك الهواء؟ .. أو أمسك العناصر الأولية التي ينشأ منها وجود الأشياء بإذن الله؟.

وآه للعقول التي لا تفقه، والعيون التي لا تبصر .. والآذان التي لا تسمع.

إنه إذا كان خالق الخلق هو الله، وخالق أرزاقهم هو الله، والحافظ لهم هو الله،

 وهم عيال على الله في كل ذلك، فما أقبح العتو والإعراض والنفور من العيال في مواجهة المُطعم الكاسي، الرازق العائل، وهم خِلْو من كل شيء إلا ما يتفضل به عليهم ربهم، وهم بعد ذلك عاتون معرضون نافرون وقحاء: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى 

الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} [الحج: 46].

فما أبعد هذه النفوس عن ربها، وهي تعرض عن الدعوة إلى الله في طغيان عات، وفي إعراض نافر، وتنسى أنها من صنع الله، وأنها تعيش على فضله، وأنها لا تملك من أمر وجودها وحياتها ورزقها شيئاً على الإطلاق.

وبعد هذه الغفلة والشرود والاستكبار: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)} [المائدة: 74].

وإذا استكبر هؤلاء عن الحق، واعتقدوا فوق ذلك أنهم أهدى سبيلاً، وأن ما

 سواهم ضال، فهي الطامة الكبرى، تلك التي ترى الحق باطلاً، والباطل حقاً، والرشد ضلالاً، والضلال رشداً: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)} ... [الملك: 22].

إن الذي يمشي مكباً على وجهه حاله بائسة تعاني المشقة والعسر والتعثر، ولا 

تنتهي إلى هدى ولا خير ولا فلاح، إنها حال الشقي المنكود الضال عن طريق الله المحروم من هداه، الذي يصطدم مع المخلوقات؛ لأنه شذ عنها في طاعة الله، فهي مطيعة لربها وهومخالف لها،يعترضها في سيره،ويتخذ له مساراً غيرمسارها.

فهو أبداً في تعثر .. وأبداً في عناء .. وأبداً في ضلال .. فأنى يهتدي؟.

وفي المقابل حال السعيد المهتدي إلى الله، المتمتع بهداه، الذي يسير في موكب 

الإيمان والتوحيد، والحمد والتمجيد، وهو موكب الوجود كله بما فيه من أحياء 

وأشياء: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا 

يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثلاثون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* آفة الغفلة مخالفة لحكمة الخلق

والله سبحانه هو الذي خلق البشر، ووهبهم وسائل الهدى، وأدوات الإدراك، ولكن أكثرهم غافلون، ومن ثم لم ينتفعوا بها، ولم يكونوا من الشاكرين: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23)} [الملك: 23].

فالله بلا ريب هو الذي خلق هذا الكون، بل خلق كل شيء، وخلق الإنسان، هذه حقيقة تلح على العقل البشري، وتثبت ذاتها بتوكيد يصعب رده.

فالإنسان قد وُجِد، وهو أرفع وأعلم وأقدر ما يعلم من الخلائق، وهو لم يُوجِد نفسه، فلا بدَّ أن يكون هناك ما هو أرفع وأعلم وأقدر منه أوجده.

فلا مفر من الاعتراف بخالق عظيم كبير غني قوي، خلق هذا الكون الهائل العظيم بما فيه الإنسان، والمماراة في ذلك نوع من المماحكة لا تستحق الاحترام: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ 

الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [يس: 81، 82].

فبماذا قابل الإنسان هذه النعم .. نعمة الإنشاء .. ونعمة السمع والبصر والفؤاد، ونعمة الهداية .. ونعمة الحياة .. ونعمة التكريم .. ونعمة الأرزاق؟.

إن الإنسان مع هذه الهبات الضخمة التي أعطاه إياها ربه لينهض بتلك الأمانة الكبرى، لم يشكر ولم يقم بما أوجب الله عليه، وهو أمر يثير الخجل والحياء من الله عند التذكير به.

فكم من إنسان؟ .. وكم من جاحد؟ .. وكم من كافر؟ .. لا يشكر نعمة الله عليه،

 ولا يوفيها حقها لو عاش للشكر دون سواه، قليلاً مما تشكرون.

إن الله سبحانه وتعالى لم ينشئ البشر، ولم يمنحهم هذه الخصائص عبثاً ولا جزافاً لغير قصد ولا غاية، إنما هي فرصة الحياة للابتلاء والعمل، ثم الجزاء في يوم الجزاء: {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)} [الملك: 24].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*إن الدين وأعمال الدين دائماً تتبعها الغفلة لماذا؟.

لأن المنهج الإلهي العدل يقف دائماً أمام شهوات النفس الجامحة، والتي تريد أن تمتلك كل شيء، وتستمتع بكل شيء، من حلال أو حرام، من نافع أو ضار، من طيب أو خبيث: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)} ... [يونس: 92].

أما الدنيا وأعمال الدنيا فالإنسان لا يغفل عنها ولا ينساها أبداً، فإذا تعلم صنع الخبز، وعمل الطعام ونحوهما، فإنه لا ينساهما أبداً، وهما عمليتان منقولتان لنا عن الآباء والأمهات جيلاً بعد جيل فلم ننسهما، ونسينا أوامر الله عزَّ وجلَّ في إصلاح أنفسنا، وإصلاح غيرنا.

والإنسان إنما يقع في المعاصي بسبب الغفلة عن الله .. والغفلة عن أوامر الله .. والغفلة عن عقوبة المعصية في الدنيا والآخرة، وعلاج الغفلة بذكر الله كما قال سبحانه: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)} [الأعراف].

والغفلة عدم إدراك الشيء مع وجود ما يقتضيه :

وعلى قدر ذكر العبد لربه يكون قربه منه، وخوفه منه، وحياؤه منه، ومحبته له، وأنسه به، وعلى قدر غفلة العبد عن الذكر يكون بعده عن الله ووحشته منه، وبين الغافل وبين الله عزَّ وجلَّ وحشة لا تزول إلا بالذكر.

والذين غفلوا عن الله وعن لقائه، ورضوا بالحياة الدنيا عن الآخرة وغفلوا عن آيات الله الكونية، وآياته القرآنية، هؤلاء مأواهم جهنم، لكفرهم وغفلتهم عن 

آيات ربهم كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا

 وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8)} [يونس]. [ الأنترنت – موقع الكلم الطيب - آفة الغفلة مخالفة لحكمة الخلق ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والثلاثون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* خلق الله النفس البشرية آية لعظمته :

قال الله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ 

رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)} [يوسف: 53].

وقال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)} [الشمس].

وقال تعالى: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)} [الفجر].

النفس البشرية فيها خير أصيل، والشر والسوء دخيل، فإذا صادفت هذه النفس من يذكِّرها، فإن فيها استعداداً للاستقامة على طريق الهدى، وإن لم تجد من يذكرها مالت إلى طريق الفجور.

وكل إنسان له نفس واحدة، ولكن لهذه النفس صفات وأحوال تختلف من شخص لآخر، ومن وقت لآخر.

وصفات النفس ثلاث:

إحداها: النفس الأمارة بالسوء التي يغلب عليها اتباع هواها بفعل الذنوب والمعاصي كما قال سبحانه: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)} ... [يوسف: 53].

الثانية: النفس اللوامة، وهي التي تذنب وتتوب، تفعل الخير والشر، لكنها إذا 

فعلت الشر تابت وأنابت، سميت لوامة لأنها تلوم صاحبها على فعل الذنوب كما قال سبحانه: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)} [القيامة: 1، 2].

الثالثة: النفس المطمئنة، وهي التي تحب الخير والحسنات، وتريدها وتفعلها وتبغض الشر والسيئات وتكرهها، قد اطمأنت إلى مولاها، وإلى قضائه وقدره، وإلى دينه وشرعه، وإلى جزائه وثوابه، وصار لها ذلك خلقاً وعادة وملكة، فصارت بذلك راضية مرضية، كما قال سبحانه: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)} [الفجر: 27 - 30].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* خلق الله النفس البشرية آية لعظمته :

وينبغي للعبد أن لا يطمئن إلى نفسه فإن الشر لا يجيء إلا منها، ولا يشتغل

 بلوم الناس، ولكن يرجع إلى الذنوب فيتوب منها، ويستعيذ بالله من شر نفسه، وسيئات عمله، ويسأل الله أن يعينه على طاعته، ويحول بينه وبين معصيته، وبذلك يحصل له الخير، ويندفع عنه الشر.

والذنوب من لوازم النفس، وأعظمها جحود الخالق والشرك به، وطلب النفس أن تكون شريكة لله سبحانه، أو إلهاً من دونه، وكل هذين وقع: فإن فرعون وإبليس كل واحد منهما يطلب أن يُعبد ويطاع من دون الله، وهذا الذي في فرعون وإبليس غاية الظلم والجهل، وفي نفوس سائر الإنس والجن شعبة من هذا .. وهذا.

والله عزَّ وجلَّ إن لم يعن العبد ويهده وإلا وقع في بعض ما وقع فيه فرعون وإبليس بحسب الإمكان.

وإذا هداه الله أعانه على طاعته وترك معصيته، فلم يصبه شر في الدنيا ولا في الآخرة، والعبد محتاج إلى الهدى كل لحظة، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب.

وأحوال النفوس متفاوتة متعددة، والنفوس مشحونة بحب العلو والرياسة، وكل نفس تريد أن تطاع وتعلو بحسب الإمكان، فتجد الإنسان يوالي من يوافقه 

على هواه، ويعادي من يخالفه في هواه، وإنما معبوده ما يهواه ويريده.

فمن وافق هواه كان ولياً وإن كان كافراً، وإن لم يوافقه كان عدواً وإن كان من المتقين، وهذه حال فرعون.

وهؤلاء خاصة الأشراف وذوي المكانة والرياسة يريد أن يطاع أمره بحسب إمكانه كفرعون، وهم وإن أقروا بالله، فإذا جاءهم من يدعوهم إلى عبادة الله المتضمنة ترك طاعتهم عادوه كما عادى فرعون رسول الله موسى - صلى الله عليه وسلم -.

وإن كان مسلماً طلب أن يطاع في أغراضه وما يهوى، وإن كان فيها ما هو ذنب

 ومعصية لله، ويكون من أطاعه أحب إليه وأعز عنده ممن أطاع الله وخالف هواه، وهذه شعبة من حال فرعون، وسائر المكذبين للرسل.

وإن كان عالماً أو شيخاً أحب من يعظمه دون من يعظم نظيره، وربما أبغض غيره حسداً وبغياً، كما فعلت اليهود مع محمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام، ولهذا أخبر الله عنهم بمثل ما أخبر به عن فرعون، وسلط عليهم من انتقم منهم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

 *الأنبياء والرسل دينهم واحد وهو الإسلام

والأنبياء والرسل دينهم واحد وهو الإسلام، وشرائعهم مختلفة، وهؤلاء الرسل يؤمن بعضهم ببعض، ويصدِّق بعضهم بعضاً.

ومن كان من المطاعين من الأمراء والعلماء تبعاً للأنبياء والرسل أَمَر بما أَمَروا به ودعا إليه، وأحب من دعا إلى مثل ما دعا إليه، فإن الله يحب ذلك الشخص، ومن كره أن يكون له نظير يدعو إلى ذلك، فهذا يطلب أن يكون هو المطاع المعبود، وله نصيب من حال فرعون.

ومن طلب أن يطاع مع الله، فهذا يريد من الناس أن يتخذوه من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله، ومن الناس من يحسن إلى غيره ليمن عليه، أو ليجزيه بطاعته له، وتعظيمه إياه، أو نفع آخر.فالمتبع للرسل يأمر الناس بما أمرتهم به الرسل، ليكون الدين كله لله لا له، فإذا أمرغيره بمثل ذلك أحبه وأعانه وسر به.

وإذا أحسن إلى الناس فإنما يحسن إليهم ابتغاء وجه ربه الأعلى، ويعلم أن الله قد

 منَّ عليه بأن جعله مؤمناً محسناً.

والناس ثلاثة أقسام:عبد محض .. وحر محض .. ومكاتب قد أدى بعض كتابته.

فالعبد المحض: هو عبد المال والطين، الذي قد استعبدته نفسه وشهوته، وملكته وقهرته، فانقاد لها انقياد العبد لسيده الحاكم عليه.

والحر المحض: هو الذي قهر شهوته، وملك نفسه، فانقادت معه، وذلت له، ودخلت تحت رقه وحكمه، فهي مملوكة عنده، يأمرها بما شاء مما يرضي ربه، ويمنعها مما يسخط ربه.

والمكاتب: من قد عقد له سبب الحرية، وهو يسعى في كمالها، فهو عبد من وجه، حر من وجه آخر، فهو عبد ما بقي عليه درهم، فكذا المسلم عبد لنفسه ما بقي عليه حظ من حظوظ نفسه.

فالحر مَنْ تَخلَّص من رق المال والطين، وفاز بعبودية رب العالمين، فاجتمعت له العبودية والحرية.

ويتم إصلاح النفوس بأمرين: تكوين القلب .. وتكوين الجسم.

وتكوين القلب: هو بذل الجهد لترسيخ الإيمان واليقين على ذات الله وأسمائه

 وصفاته وأفعاله فيه.

أما تكوين الجسم: فهو استغلاله في السبل التي جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - من السنن والأحكام والآداب، ويتم ذلك بالتعلم ... والتذكير .. وتزكية النفس بالأخلاق الحميدة، وإخلاص العمل لله .. وإبلاغ الناس دين الله ليكون الدين كله لله.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*والنفوس وما تحب تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأولى: نفس سماوية علوية، ومحبتها منصرفة إلى معرفة الله، ومعرفة أسمائه وصفاته، وفعل الفضائل والطاعات، واجتناب الرذائل والمعاصي، وهذه النفس مشغوفة بما يقربها من الرفيق الأعلى، وذلك قُوتُها وغذاؤها وشفاؤها ودواؤها.

الثانية: نفس سبعية غضبية، ومحبتها منصرفة إلى القهر والبغي، والعلو في

 الأرض، والكبر والرئاسة على الناس بالباطل، فلذاتها في ذلك وشغفها به.

الثالثة: نفس حيوانية شهوانية، فهذه النفس محبتها منصرفة إلى المأكل والمشرب، والمنكح والملبس، ونحو ذلك من الشهوات والملاذ.

وربما جمعت بين الأمرين العلو والفساد كما قال سبحانه عن فرعون: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)} ... [القصص: 4].

والحب في هذا العالم دائر بين هذه النفوس الثلاث.

وكل واحدة من هذه النفوس ترى أن ما هي فيه أولى بالإيثار، وأن ما سواه غبن وفوات حظ. فالنفس السماوية العلوية بينها وبين الملائكة والرفيق الأعلى مناسبة طبيعية، بها مالت إلى أوصافهم وأخلاقهم وأعمالهم، فالملائكة أولياء هذا النوع في الدنيا والآخرة.

فالمَلَك يتولى من يناسبه بالنصح والإرشاد، والتثبيت والتعليم، وإلقاء الصواب على لسانه،ودفع عدوه عنه،والاستغفارله إذازل،وتذكيره إذا نسي، وتسليته  إذا حزن،وإيقاظه للصلاة إذا نام عنها،وتحذيره من الدنيا إذا ركن إليهاوهكذا.

والشياطين أولياء النوع الثاني، يخرجونهم من النور إلى الظلمات كما قال سبحانه: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} [البقرة: 257]. فهؤلاء بينهم وبين الشياطين مناسبة طبيعية، بها مالت إلى أوصافهم وأخلاقهم وأعمالهم.

فالشياطين تتولاهم فتؤزهم إلى المعاصي أزاً، وتزين لهم القبائح والمعاصي، وتسهلها عليهم، وتثقل عليهم الطاعات، وتثبطهم عنها، وتلقي على ألسنتهم ألوان القبيح من الكلام، ويبيتون معهم حيث باتوا.

ويشاركونهم في أموالهم وأولادهم ونسائهم، ويأكلون ويشربون معهم، ويجلسون معهم، وينامون معهم. فهؤلاء حياتهم مطابقة لحياة الشياطين: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)} [الزخرف: 36، 37].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة 

والثلاثون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*والنفوس وما تحب تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

وأما النوع الثالث فهم أشباه الحيوان، ونفوسهم أرضية سفلية، لا تبالي بغير شهواتها، ولا تريد سواها، فهي مشغوفة بها، مشغولة بها عن مراد ربها، ملازمة لها إلى حين أجلها: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)} [محمد: 12]. *وعلامات المحبة قائمة بكل نوع بحسب محبوبه ومراده.

وكمال الإنسان إنما هو بالعلم النافع، والعمل الصالح، وهما الهدى ودين الحق، وبتكميله لغيره في هذين الأمرين كما قال سبحانه: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ 

لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 1 - 3].

فكل أحد خاسر إلا من كمل قوته العلمية بالإيمان، وقوته العملية بالعمل الصالح، وكمل غيره بالتوصية بالحق، والصبر عليه.                                     وهاتان القوتان لا تتعطلان في القلب، فإن استعمل قوته العلمية في معرفة الحق، والعملية في العمل به، وإلا استعملها في معرفة ما يليق به ويناسبه ويشتهيه من الباطل.

والإنسان من حيث هو إنسان خاسر إلا من رحمه الله فهداه ووفقه للإيمان والعمل الصالح في نفسه وأمر غيره به.

فالإنسان من حيث هو إنسان ظلوم جهول، كفور كنود، عجول قتور، عارٍ عن كل خير من العلم النافع والعمل الصالح، وإنما الله سبحانه هو الذي يكمله بذلك ويعطيه إياه، فكل علم وعدل وخير فيه فمن ربه لا من نفسه، ولا فلاح له إلا

 بتزكية الله له بالإيمان والعمل الصالح.

فالكمال التام أن يكون الشخص كاملاً في نفسه، مكملاً لغيره، وكماله بإصلاح

 قوتيه العلمية والعملية.

فصلاح القوة العلمية بالإيمان، وصلاح القوة العملية بعمل الصالحات، وتكميله غيره بتعليمه وصبره عليه، وتوصيته بالصبر على العلم والعمل، وهذا نهاية الكمال، وهو ما توج الله به هذه الأمة، ودرجة أهله أعلى الدرجات في الدنيا والآخرة كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)} [طه: 75 - 76].

والإنسان قد يقوم بما يجب عليه في نفسه، ولا يأمر غيره به، فهذا قد ربح الإيمان والعمل الصالح في حق نفسه، وخسر ربح التواصي بالحق والتواصي بالصبر في حق غيره، فصار في خسر.

ولكنه لا يكون من الذين خسروا أنفسهم وأهليهم، فمطلق الخسار شيء، والخسار المطلق شيء آخر، ومن ربح في سلعة وخسر في أخرى فهو ذو ربح، وذو خسر، فهذا نوع خسر بالنسبة لمن حصل ربح ذلك، فهو ناج كما قال سبحانه: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)} [التين].

وقد استثنى الله عزَّ وجلَّ من الإنسان الذي هو في خسر كل من كمل مراتب الكمال الإنساني بإصلاح نفسه، وإصلاح غيره،والإحسان إلى نفسه، والإحسان إلى غيره: بالإيمان .. والعمل الصالح .. والتواصي بالحق .. والتواصي بالصبر.

فهؤلاء الكُمَّل في درجة السابقين .. ومن دونهم في درجة أصحاب اليمين.

ولكل درجات مما عملوا .. {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال: 4].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة 

والثلاثون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*والنفس في الأصل خلقت جاهلة ظالمة.

فهي لجهلها تظن أن شفاءها في اتباع هواها، ولظلمها لا تقبل من الطبيب الناصح، يوضع لها الداء موضع الدواء فتقبله، ويوضع لها الدواء موضع الداء فترده، فيتولد لها من إيثارها للداء، واجتنابها للدواء، أنواع من الأسقام والعلل التي

 تعيي الأطباء، ويتعذر معها الشفاء.

وقد سميت النفس نفساً إما من الشيء النفيس لنفاستها وشرفها، وإما من تنفس الشيء إذا خرج، فلكثرة خروجها ودخولها في البدن سميت نفساً.

وفي النفس ثلاثة دواع متجاذبة:

أحدها: داع يدعوها إلى الاتصاف بأخلاق الشياطين من الكبر والحسد والعلو والبغي والغش والكذب.

الثاني: داع يدعوها إلى الاتصاف بأخلاق الحيوان من الحرص والبخل والشهوة.

الثالث: داع يدعوها إلى الاتصاف بأخلاق الملائكة من الطاعة والعبادة، 

والإحسان والنصح، والعلم والبر، والتسبيح والاستغفار.

والنفس فيها استعداد للخير والشر، وهي بحسب المذكر، ولمن سبق وغلب منقادة مطاوعة:

فترى من الناس من هو شيطان يركض بكل شر وفساد.

ومنهم كالحيوان ليس له هم إلا قضاء شهواته.

ومنهم كالملائكة عبادة لله، وطاعة له، وتسبيح واستغفار، في ليله ونهاره.

والنفس الإنسانية لها قوتان:

إحداهما: القوة النظرية، وكمالها في معرفة الأشياء، وأعلى المعارف معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله.

الثانية: القوة العملية، وكمالها في معرفة الخيرات والطاعات، وأعلاها عبادة الله بالأعمال الصالحة على طريقة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)} [الكهف: 107].

فقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} إشارة إلى كمال القوة النظرية بمعرفة الله.

وقوله: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} إشارة إلى كمال القوة العملية بعبادة الله وإنما تكمل

 الثانية بكمال الأولى. والنفس في علاجها كالبدن في علاجه، فكما أن البدن لا يُخلق كاملاً، وإنما يكمل بالتربية بالغذاء، فكذلك النفس تُخلق ناقصة قابلة للكمال. وإنما تكمل النفس بالتزكية، وتهذيب الأخلاق، والتغذية بالعلم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة 

والثلاثون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :علاج العلة بضدها

وكما أن العلة الموجبة لمرض البدن لا تعالج إلا بضدها، إن كانت من حرارة

 فبالبرودة، وإن كانت من برودة فبالحرارة.

فكذلك الأخلاق الرذيلة التي هي مرض القلب علاجها بضدها، فيعالج مرض الجهل بالعلم، ومرض البخل بالسخاء، ومرض الكبر بالتواضع .. وهكذا.

وكما أنه لا بدَّ من احتمال مرارة الدواء، والصبر عن المشتهيات لصلاح البدن، فكذلك لا بد من احتمال مرارة المجاهدة،والصبر على مداواة مرضى القلب حتى يزكو.

والقلوب جوالة، منها ما يطوف مع البهائم حول الحش، ومنها ما يطوف مع الملائكة حول العرش: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ، وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ، وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } ... [فاطر: 19 - 22].

والله عزَّ وجلَّ جعل في النفس حباً لما ينفعها، وبغضاً لما يضرها.

فلا تفعل النفس مع حضور عقلها ما تجزم بأنه يضرها ضرراً راجحاً.

والبلاء مركب من شيئين: من تزيين الشيطان .. ومن جهل النفس.

فإن الشيطان يزين لها السيئات، ويريها إياها في صور المنافع واللذات والطيبات، ويُغفلها عن مطالعتها لمضرتها.

فيتولد من هذا التزيين، وهذا الإغفال، وهذا الإنساء، إرادة وشهوة، ثم يمدها بأنواع التزيين، فلا يزال يقوى حتى يصير عزماً جازماً يقترن به الفعل، كما زين للأبوين الأكل من الشجرة كما قال سبحانه في تزيين الشيطان للشر: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)} [الأنعام: 43].

وقال سبحانه في تزيين الخير: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)} [الحجرات: 7، 8].

وقال سبحانه في تزيين النوعين: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام: 108].

وتزيين الخير والهدى بواسطة الملائكة والرسل والمؤمنين، وتزيين الشر والضلال بواسطة شياطين الإنس والجن.

وتزيين الشر والضلال إنما يغتر به الجاهل؛ لأنه يُلَبَّسُ له الباطل والضار والمؤذي بصورة الحق النافع. وكما أن للأبدان آفات، فكذلك للنفوس آفات، وترك مداواة ذلك مؤذن بالهلاك. 

[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب - فقه النفوس (خلق الله النفس البشرية آية لعظمته ) ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة 

والثلاثون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*خلق الروح

قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)} [الإسراء: 85].

وقال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ 

مَسْنُونٍ ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [الحجر: 28، 29]. الله تبارك وتعالى هو الذي سوَّى النفس كما سوَّى البدن.

فأخبر أنه سوى البدن بقوله: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)} [الانفطار].

وأخبر أنه سوى النفس بقوله: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)} [الشمس: 7، 8].

فالله عزَّ وجلَّ هو الذي خلق النفس وسواها، وألهمها فجورها وتقواها.

والإنسان مجموع الروح والبدن كما قال سبحانه: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)} [ص: 71، 72].

وباجتماع الروح مع البدن، تصير النفس فاجرة أو تقية، وإلا فالروح بدون البدن لا فجور لها. وقد أفلح من زكى نفسه بحملها على طاعة الله، وخاب من أهلكها وحملها على معصية الله.

والعبد إنما يزكي نفسه بعد تزكية الله لها بتوفيقه وإعانته، ويدسيها بعد تدسيه

 الله لها بخذلانه والتخلية بينه وبين نفسه حينما أعرض عن ربه.

والله عزَّ وجلَّ هيأ الإنسان لقبول الكمال، بما أعطاه الله من الأهلية والاستعداد، التي جعلها كامنة فيه كون النار في الزناد.

فألهمه ربه ومكنه، وعرفه وأرشده، وأرسل إليه رسله، وأنزل عليه كتبه، لاستخراج تلك القوة التي أهله بها لكماله إلى الفعل، فالنفس قابلة للفجور والتقوى لحكمة الابتلاء.

ثم خص الله سبحانه بالفلاح من زكاها فنماها وعلاها بطاعة الله فذلك المتقي.

ثم حكم بالشقاء على من دساها، فأخفاها وحقرها وصغرها وقمعها بالفجور فذلك الشقي. فالطاعة والبر تكبر النفس وتعزها، وتعليها حتى تصير أشرف شيء، وأكبره وأزكاه وأعلاه.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الأربعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*خَلق الروح

والمعصية تذل النفس وتصغرها وتحقرها.

فما أصغر النفس مثل معصية الله، وما كَبّرها وشَرّفها ورَفعها مثل طاعة الله.

والبدن كالقالب بالنسبة للنفس، وهي تأخذ من بدنها صورة تتميز بها عن 

غيرها، ويكتسب البدن الطِيب والخُبث من طِيب النفس وخُبثها، وتكتسب

 النفس الطِيب والخُبث من طِيب البدن وخُبثه.

ولهذا يقال لها عند مفارقة البدن: «أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إلى مَغْفِرَةٍ مِنَ الله وَرِضْوَانٍ» أخرجه أحمد وأبو داود 

والأرواح جنود مجندة، وأنواع مختلفة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الأرْوَاحُ جُنُودٌ 

مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» متفق عليه

وتميز الروح عن الروح بصفاتها أعظم من تميز البدن عن البدن بصفاته.

فالمؤمن والكافر قد يتشابهان كثيراً، وبين روحيهما أعظم التباين، وقلَّ أن ترى بدناً قبيحاً إلا وجدته مركباً على نفس تشاكله، وقل أن ترى آفة في بدن، إلا وفي روح صاحبه آفة تناسبها.

وقل أن ترى شكلاً جميلاً، وصورة حسنة، إلا وجدت الروح المتعلقة به مناسبة له، حسنة مثله.

وإذا كانت الأرواح العلوية وهم الملائكة متميزاً بعضهم عن بعض من غير أجسام تحملهم، وكذلك الجن، فتميز الأرواح البشرية أولى. وأرواح الموتى تتلاقى وتتزاور، وأرواح الأحياء والأموات تتلاقى في النوم، ويكلم بعضها بعضاً، كما تلتقي أرواح الأحياء، وكما تلتقي أرواح الموتى كما قال سبحانه: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الزمر: 42].

فالروح جسم قائم بنفسه، مخالف جوهره جوهر البدن، وهي مخلوقة مدبرة،

وأرواح الأحياء والأموات تتلاقى في البرزخ، فتجتمع وتتحدث، فيرسل الله أرواح الأحياء لتستكمل أرزاقها وآجالها، ويمسك أرواح الأموات.

وموت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها، فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تعدم وتضمحل وتصير عدماً محضاً فهي لا تموت بهذا الاعتبار. فالأرواح باقية بعد خلقها ومفارقة أجسادها في نعيم أو عذاب، حتى يردها الله إلى أجسادها عند البعث.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والأربعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :النفخ في الصور

وموت الأنبياء أنهم غيبوا عنا حيث لا ندركهم، فهم أحياء في قبورهم، كالملائكة

 أحياء موجودون ولا نراهم.

وإذا تقرر أنهم أحياء، وكذلك الشهداء، فحياتهم تختلف عن حياتهم في الدنيا، وواهب الحياة وحده، أعلم بكيفية تلك الحياة.

فإذا نفخ في الصور نفخة الصعق صعق الأنبياء، فالأظهر أنه غشية.

فإذا نفخ في الصور نفخة البعث، فمن مات حيي، ومن غشي عليه أفاق، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ فَأكُونُ 

أوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ جَانِبَ الْعَرْشِ، فَلا أدْرِي: أكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ 

فَأفَاقَ قَبْلِي، أوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللهُ» متفق عليه (1).

وقد وصف الله النفس بالدخول والخروج، والقبض والتوفي، والرجوع والصعود إلى السماء كما قال سبحانه: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ، وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27 - 30].

والروح تعاد إلى الميت في قبره وقت سؤال الملكين له في القبر.

من ربك؟، ما دينك؟، من نبيك؟.

والروح تتعلق بالبدن، وإن بلي وتمزق، ولكنها لا تستقر فيه.

وسر ذلك أن الروح لها مع البدن خمسة أحوال:

أحدها: تعلقها بالجنين في بطن أمه.

الثاني: تعلقها بالبدن بعد خروجه إلى الأرض.

الثالث: تعلقها بالبدن في حال النوم، فلها به تعلق من وجه، ومفارقة من وجه.

الرابع: تعلقها به في البرزخ، فإنها وإن فارقته وتجردت عنه، فإنها لم تفارقه فراقاً كلياً، بحيث لا يبقى لها التفات إليه البتة، فترد إليه عند السؤال في القبر، ووقت سلام المسلم عليه، وهذا الرد لا يوجب حياة البدن قبل يوم القيامة.

الخامس: تعلقها به يوم القيامة، وهو أكمل أنواع تعلقها، ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه.

والنبي - صلى الله عليه وسلم - رأى الأنبياء في السموات، ورأى موسى - صلى الله عليه وسلم - يصلي في قبره،

 ورآه في السماء السادسة، ورأى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - في السماء السابعة مسنداً 

ظهره إلى البيت المعمور، وقبورهم وأبدانهم في الأرض، ولا تنافي في ذلك.

فإن الروح كانت هناك في السماء، ولها اتصال بالبدن في القبر، وإشراف عليه، وتعلق به، بحيث يصلي في قبره، ويرد السلام، وهي في الرفيق الأعلى، ولا تنافي بين الأمرين. إن شأن الأرواح غير شأن الأبدان، فصعودها ونزولها وحركتها أخف من حركة البدن وأسرع.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والأربعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : نعيم وعذاب القبر

والنعيم والعذاب في القبر على البدن والروح معاً، تنعم الروح وتعذب منفردة عن البدن، وتنعم وتعذب متصلة بالبدن.

وعذاب القبر هو عذاب البرزخ، فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه قبر أو لم يقبر، فلو أكلته السباع، أو أحرق حتى صار رماداً، وصل إلى روحه وبدنه من العذاب أو النعيم ما يصل إلى المقبور.

فإن قيل، وقد قيل، وما قيل إلا بسبب الجهل بالله ودينه وشرعه .. عذاب القبر ونعيمه .. وسعته وضيقه .. وكونه حفرة من حفر النار .. أو روضة من رياض الجنة، قد كشفنا القبر وما رأينا ذلك؟.

ولا رأينا الملائكة التي تعذب الكفار؟.

ووجدنا القبر كما حفرناه وقبرناه لم يزد ولم ينقص؟.

وكيف يسع القبر الميت مع من يعذبه أو يؤنسه أو يسأله؟.

ونرى المصلوب على خشبة لا يتحرك ولا يسأل ولا يجيب؟.

وكذلك من أكلته السباع، ومن احترق، ومن تفرقت أجزاؤه؟.

وكيف يسأل من تفرقت أجزاؤه في الرياح والبحار والتراب؟.

فيقال لهؤلاء وأمثالهم: كتاب الله تنزيل من حكيم عليم، والرسل لم تأت بما تحيله العقول، وتقطع باستحالته. بل ما جاء به الرسل قسمان:

أحدهما: ما تشهد به العقول والفطر.

الثاني: ما لا تدركه العقول بمجردها، كأمور الغيب التي أخبروا بها عن البرزخ، واليوم الآخر كالصراط والميزان، والجنة والنار ونحو ذلك.

ولا يكون خبر الرسل محالاً في العقول أصلاً.

وكل خبر يُظن أن العقل يحيله فلا يخلو من أمرين: الأول: إما أن يكون الخبر كذباً عليهم، أو يكون ذلك العقل فاسداً يرى الحق باطلاً، والباطل حقاً، كما قال سبحانه: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)} [سبأ: 6].

الثاني: أن يُفهم عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مراده، من غير غلو ولا تقصير، فلا يحمل كلامه ما لا يحتمله، ولا يقصربه عن مراده مما قصده من الهدى والبيان.

وقد حصل بسبب إهمال ذلك كل بدعة وضلالة ومعصية، مع حسن القصد أو سوء القصد، وما ذاك إلا بسبب سوء الفهم عن الله ورسوله.

والله سبحانه خلق هذا الكون العظيم،وخلق البشر، وشرع لعباده الدين الحق.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والأربعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : وجعل الدور ثلاثاً:

دار الدنيا .. ودار البرزخ .. ودار الآخرة.

وجعل سبحانه لكل دار أحكاماً تخصها، وتناسب أحوالها، وركب هذا الإنسان من بدن وروح.

وجعل أحكام الدنيا على الأبدان، والأرواح تبعاً لها، ولهذا جعل أحكام الشريعة مرتبة على ما يظهر من حركات اللسان والجوارح، وإن أضمرت النفوس خلافه.

وجعل أحكام البرزخ على الأرواح، والأبدان تبعاً لها، فالأبدان في الدنيا ظاهرة، والأرواح خفية، والأبدان كالقبور لها.

والأرواح هناك في القبور ظاهرة، والأبدان خفية في قبورها، تجري أحكام

 البرزخ على الأرواح، فتسري إلى أبدانها نعيماً أو عذاباً، كما تجري أحكام الدنيا على الأبدان، وتسري إلى الأرواح عذاباً أو نعيماً.

وذلك واقع في الدنيا بالنوم، فإن ما يجري على الإنسان في نومه من عذاب أو نعيم، يجري على روحه أصلاً، والبدن تابع له، وقد يقوى حتى يؤثر في البدن، فيرى في نومه أنه قد ضرب، فيقوم وأثر الضرب في جسمه.

وذلك أن الحكم لما جرى على الروح، استعانت بالبدن من خارجه، ولو دخلت لاسيتقظ وأحس.

فإذا كان يوم حشر الأجساد، وقام الناس من قبورهم، صار الحكم، والنعيم والعذاب على الأجساد والأرواح معاً ظاهراً بادياً في كل منهما.

والله عزَّ وجلَّ جعل أمر الآخرة، وما كان متصلاً به كالبرزخ غيباً، وحجب ذلك عن إدراك المكلفين في هذه الدار، وذلك من كمال حكمته ورحمته، وليتميز المؤمنون بالغيب من غيرهم.

فالملائكة تنزل على المحتضر، وتجلس قريباً منه، ويشاهدهم عياناً، وقد يسلمون 

على المحتضر، وقد يرد عليهم بإشارة أو لفظ.

وكذلك النار التي في القبر ليست من نار الدنيا، والخضرة التي فيه ليست من زرع الدنيا، وإنما ذلك من نار الآخرة وخضرتها، فلا يحس بها الأحياء في هذه الدار، لأنهم محجوبون عنها. ولو أطلعنا الله على ذلك لزالت حكمة التكليف، ولما تدافن الناس كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْلا أنْ لا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللهَ أنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْر» أخرجه مسلم ، ورؤية هذه النار أو الخضرة في القبر كرؤية الملائكة والجن تقع أحياناً لمن شاء الله أن يريه ذلك، كما حصل لبعض الناس.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والأربعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

والله عزَّ وجلَّ قد أحدث في هذه الدار ما هو أعجب من ذلك.

فجبريل - صلى الله عليه وسلم - كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في صورة رجل، ويكلمه بكلام يسمعه، ومن إلى جانب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يراه ولا يسمعه.

والجن يتحدثون بيننا بالأصوات المرتفعة، ونحن لا نسمعهم ولا نراهم، وقد نسمع كلامهم ولا نراهم، كما إذ دخلوا في بعض الإنس وتكلموا.

فالله رؤوف بالعباد يخلق حوادث ومخلوقات، يصرف عنها أبصار الناس، حكمة منه ورحمة بهم، لأنهم لا يطيقون رؤيتها وسماعها.

والعبد أضعف بصراً وسمعاً وتحملاً من أن يثبت لمشاهدة عذاب القبر.

وإذا كان العبد يستطيع أن يوسع القبر، ويستره عن الناس، فلا يعلمون منه إلا ما شاء، فكيف يعجز رب العالمين أن يوسعه على من يشاء، ويضيقه على من يشاء، ويستر ذلك عمن يشاء، ويظهره لمن يشاء؟.

والسر في ذلك كله أن النار والخضرة، والضيق والسعة في القبر ليست من

 المعهود في هذا العالم، فلا يمكننا إدراكه.

والله سبحانه إنما أشهد بني آدم في هذه الدار ما كان فيها ومنها، فأما أمر الآخرة، فقد أسبل عليه الغطاء، ليكون الإيمان به والإقرار سبباً لنجاتهم وسعادتهم.

ولا يمتنع على من هو على كل شيء قدير، أن يرد الروح إلى المصلوب والغريق والحريق، ونحن لا نشعر بها.

وكذلك من تفرقت أجزاؤه لا يمتنع على الذي لا يعجزه شيء، أن يجعل للروح اتصالاً بتلك الأجزاء على تباعد ما بينها وقربه، فإنه سبحانه جعل في الجمادات شعوراً، فهي تسبح بحمد ربها، وتسقط الحجارة من خشيته سبحانه: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)} [الإسراء].

وعذاب القبر ونعيمه اسم لعذاب البرزخ ونعيمه، وهو ما بين الدنيا والآخرة، وهذا البرزخ يشرف أهله فيه على الدنيا والآخرة.

وسمي عذاب القبر ونعيمه، وأنه روضة أو حفرة، باعتبار غالب الخلق، وإلا فإن للغريق والحريق والمصلوب، ومن أكلته السباع والطيور، من عذاب القبر ونعيمه ما للمقبور.

ولو عُلق الميت على رؤوس الأشجار في مهاب الرياح، لأصاب جسده نصيبه

 من عذاب القبر ونعيمه بقدرة العزيز العليم، الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. والله تبارك وتعالى جعل لابن آدم معادين وبعثين: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم: 31].

فالبعث الأول: مفارقة الروح للبدن، ومصيرها إلى دار الجزاء الأولى في القبر، وهو الحشر الأول.

والبعث الثاني: يوم يرد الله الأرواح إلى أجسادها، ويبعثها من قبورها إلى مستقرها في الجنة أو النار، وهو الحشر الثاني.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والأربعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :البرزخ أول دار الجزاء

فالأول برزخ بين الدنيا والآخرة، يتنعم فيه المطيعون، ويعذب العاصون، من حين موتهم إلى يوم يبعثون، كما قال سبحانه: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ 

يُبْعَثُونَ } [المؤمنون: 100].

والثاني مكان كمال النعيم، وكمال العذاب، في الجنة أو النار.

فجعلهما الله داري جزاء المحسن والمسيء، ولكن توفية الجزاء إنما يكون يوم المعاد الثاني في دار القرار كما قال سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا

 إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)} [آل عمران: 185].

وقال سبحانه عن الكفار: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر: 46].

وقد اقتضت حكمة الله وعدله، وأوجبت أسماؤه الحسنى وكماله، تنعيم أبدان 

أوليائه وأرواحهم، وتعذيب أبدان أعدائه وأرواحهم، ولما كانت هذه الدار دار تكليف وامتحان لا دار جزاء لم يظهر فيها ذلك جلياً.

وأما البرزخ فأول دار جزاء، وأول منازل الآخرة، فظهر فيه من ذلك ما يليق بتلك الدار، وتقتضي الحكمة إظهاره.

فإذا كان يوم القيامة الكبرى وفى الله أهل الطاعة وأهل المعصية ما يستحقونه من نعيم الأرواح والأبدان وعذابهما.

فعذاب البرزخ ونعيمه أول عذاب الآخرة ونعيمها، وهو مشتق منه، وواصل إلى

 أهل البرزخ هناك، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في المؤمن إذا مات وقبر: «فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إلى الْجَنَّةِ قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ».

وقال في الكافر إذا مات وقبر: «فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إلى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ 

قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ» أخرجه أحمد وأبو داود 

فإذا كان يوم القيامة دخل كل إنسان إلى دار مقامه الأبدي في الجنة أو النار.

فسبحان من له الخلق والأمر، وحكمته منتظمة أكمل انتظام في الدور الثلاث.

أما الأسباب التي يعذب بها أهل القبور:

فإنهم يعذبون على جهلهم بالله .. وإضاعتهم لأمره .. وارتكابهم معاصيه .. فلا يعذب الله روحاً عرفته وأحبته وأطاعته .. ولا بدناً كانت فيه أبداً.

فإن عذاب الدنيا .. وعذاب القبر .. وعذاب الآخرة .. أثر غضب الله وسخطه على من عصاه.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والأربعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :البرزخ أول دار الجزاء

فمن أغضب الله وأسخطه في الدنيا، ومات لم يتب، كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه، فمستقل ومستكثر، ومصدق ومكذب، ومطيع وعاص، وشقي وسعيد.

وسؤال الملكين للميت في قبره عام لكل الناس، المسلم والكافر والمنافق، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، ويضل الله الظالمين كما قال سبحانه: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)} [إبراهيم: 27].

وهو كذلك عام في هذه الأمة، وما قبلها من الأمم.

وسؤال الملكين لا يشمل الأطفال الذين لا تمييز لهم، فإنه لا يسأل عما لم يتمكن من معرفته والعلم به، وهذا بخلاف امتحانهم في الآخرة، لكن قد يراد بعذاب القبر الألم الذي يسري أثره على الطفل فيتألم به، ولذا شرع للمصلي أن يسأل الله أن يقيه ذلك العذاب.

وعذاب القبر نوعان: دائم .. ومنقطع.

فالدائم: هو عذاب الكفار والمنافقين.

والمنقطع: هو عذاب بعض العصاة الذين خفت جرائمهم، فيعذب بحسب جرمه ثم يخفف عنه، كما يعذب في النار مدة ثم يزول العذاب عنه، وقد ينقطع عنه العذاب بدعاء أو صدقة أو استغفار أو ثواب حج ونحو ذلك.

ومستقر الأرواح ما بين الموت إلى يوم القيامة في السماء:

فأرواح السعداء عن يمين آدم في السماء الأولى .. وأرواح الأشقياء عن يساره.

فلا تزال الأرواح هناك حتى يكتمل عدد الأرواح كلها، ثم يعيدها الله إلى الأجساد ثانية.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة الإسراء والمعراج: «فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَإذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ، عَلَى يَمِينِهِ أسْوِدَةٌ، وَعَلَى يَسَارِهِ أسْوِدَةٌ، إذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالابْنِ الصَّالِحِ، قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ، وَهَذِهِ الأسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أهْلُ الْجَنَّةِ، وَالأسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أهْلُ النَّارِ، فَإذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى» متفق عليه 

والأرواح البشرية متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت.

فأرواح الأنبياء في أعلى عليين، وهم متفاوتون في منازلهم.

ومنها أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش، وهي أرواح بعض الشهداء.

ومنهم من أرواحهم نسمة طائر يعلق في أشجار الجنة.

ومنهم من يكون محبوساً على باب الجنة.

ومنهم من يكون محبوساً في قبره.

ومنه من يكون محبوساً في الأرض، لأن روحه سفلية أرضية.

ومنها أرواح تكون في تنور الزناة والزواني.

ومنها أرواح تسبح في نهرالدم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والأربعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : والأرواح البشرية متفاوتة في مستقرها في البرزخ 

فمقر الأرواح مختلف .. أرواح في أعلى عليين .. وأرواح في أسفل سافلين .. كل بحسب عمله.

والأرواح مع كونها في السماء تتصل بفناء القبر وبالبدن منه، وهي أسرع شيء حركة وانتقالاً، وصعوداً وهبوطاً، بعضها مرسل، وبعضها محبوس.

والروح في جسد الإنسان بدار غربة، ولها وطن غيره، فلا تستقر إلا في وطنها، وقد أمرت بمساكنة هذا الوطن الكثيف، وهي تحن إلى وطنها في المحل الأعلى حنين الطيور إلى أوكارها.

وأعظم عذاب الروح انغماسها وتدسيتها في أعماق البدن، واشتغالها بملاذه، وانقطاعها عن ملاحظة ما خلقت له، وما هيئت له، وعن وطنها ومحلها ومنزل كرامتها.

ولكن سكر الشهوات يحجبها عن مطالعة هذا الألم والعذاب، فإذا صحت من سكرها تحسرت على ما فاتها من كرامة الله.

فالمؤمن في هذه الدار سبي من دار الجنة والنعيم إلى دار التعب والعناء، ثم 

ضرب عليه الرق فيها، فكيف يلام على حنينه إلى داره التي سبي منها، وفرق 

بينه وبين ما يحب، وجمع بينه وبين عدوه؟.

فروحه دائماً معلقة بذلك الوطن، وبدنه في الدنيا.

ولهذا كان المؤمن غريباً في هذه الدار، أين حل منها فهو في دار غربة، إلى أن تنقضي ويصير إلى وطنه ومنزله.

والروح نؤمن بوجودها في البدن، ولا نعلم كيفيتها، ولا اختصاص للروح  بشيء معين في الجسد، بل هي سارية في الجسد كله، والحياة مشروطة بالروح، فما دامت فيه كانت فيه حياة، وإذا فارقته الروح فارقته الحياة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والأربعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : الأرواح البشرية متفاوتة في مستقرها في البرزخ

وأرواح الموتى قسمان:

أرواح معذبة .. وأرواح منعمة.

فالأرواح المعذبة في شغل بما هي فيه عن التزاور والتلاقي.

والأرواح المنعمة المرسلة تتلاقى وتتزاور، وتتذاكر ما كان منها في الدنيا، وما يكون من أهل الدنيا.

والأرواح مخلوقة مع الأجساد، والملك الموكل بنفخ الروح في الجسد ينفخ فيه الروح إذ مضى على النطفة أربعة أشهر، وذلك أول حدوث الروح فيه.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْماً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ مَلَكاً فَيُؤْمَرُ بِأرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقال لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأجَلَهُ وَشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ 

الرُّوحُ» متفق عليه

والمؤمنون تفتح لأرواحهم عند الموت أبواب السماء .. وتفتح لأجسادهم أبواب الجنة .. وأما الكفار فلا تفتح لأرواحهم أبواب السماء .. ولا تفتح لأجسادهم أبواب الجنة كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)} [الأعراف: 40].

وأهل الإيمان والعمل الصالح، لما كانت أبواب السماء مفتوحة لأعمالهم حتى 

وصلت إلى الله سبحانه، فتحت لأرواحهم حتى وصلت إليه، وقامت بين يديه، فرحمها وأمر بكتابة اسمها في عليين كما قال سبحانه: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10].

وأهل الكفر لما لم تفتح أبواب السماء لأعمالهم بل أغلقت عنها، لم تفتح لأرواحهم

 عند المفارقة، بل أغلقت عنها.

والفرق بين النفس والروح فرق بالصفات لا بالذات، ولكثرة خروجها ودخولها في البدن سميت نفساً، فإن العبد كلما نام خرجت منه، فإذا استيقظ رجعت إليه، فإذا مات خرجت خروجاً كلياً، فإذا دفن عادت إليه، فإذا سئل خرجت، فإذا بعث رجعت إليه، ولها اتصال بالبدن في القبر.

فالنفس واحدة ولها ثلاثة أحوال:

فتكون أمارة بالسوء تارة كما قال سبحانه: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53].

وتكون لوامة تارة كما قال سبحانه: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)} [القيامة].

وتكون مطمئنة تارة كما قال سبحانه: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)} [الفجر: 27، 28].

وأكثر الناس الغالب عليهم الأمارة .. واللوامة أقل منها .. وأما المطمئنة فهي أقل النفوس البشرية عدداً، وأعظمها عند الله قدراً.

والله تبارك وتعالى اقتضت حكمته أنه لا بد أن يمتحن النفوس ويبتليها، ويظهر

 بالامتحان طيبها من خبيثها، ومن يصلح لموالاته وكراماته ومن لا يصلح،

 وليمحص النفوس التي تصلح له، ويخلصها بكير الامتحان.

إذ النفس في الأصل جاهلة ظالمة .. وقد حصل لها بالجهل والظلم من الخبث ما

 يحتاج خروجه إلى السبك والتصفية .. فإن خرج في هذه الدار .. وإلا ففي كير

 جهنم .. فإذا هذب العبد ونقي أذن له في دخول الجنة. والنفوس البشرية علوية وسفلية .. ومرسلة ومحبوسة .. ولها بعد المفارقة صحة ومرض .. ولذة ونعيم .. وألم أعظم مما كان لها حال اتصالها بالبدن بكثير.فهناك الحبس والألم، والعذاب والعقاب، والمرض والحسرة لبعضها .. وهناك اللذة والراحة، والنعيم والطمأنينة، والسعادة والسرور للبعض الآخر.

وما أشبه حالها في هذا البدن، بحال البدن في بطن الأم، وحالها بعد المفارقة بحاله بعد خروجه من البطن إلى هذه الدار.                                   إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخمسون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

ولكل نفس أربع دور، كل دار أعظم من التي قبلها:

الأولى: في بطن الأم، حيث الحصر والضيق والظلمات الثلاث.

الثانية: دار الدنيا، وهي التي ينشأ فيها الإنسان، ويكتسب فيها الخير والشر، 

وأسباب السعادة والشقاوة.

الثالثة: دار البرزخ، وهي أوسع من هذه الدار وأعظم، بل نسبتها إليها كنسبة

 تلك الدار إلى الأولى.

الرابعة: دار القرار، وهي الجنة أو النار، فلا دار بعدها.

والله جل وعلا ينقلها في هذه الدور طبقاً بعد طبق، حتى يبلغها الدار التي لا يصلح لها غيرها، ولا يليق بها سواها، وهي التي خلقت لها، وهيئت للعمل الموصل لها إليها.

ولها في كل دار من هذه الدور حكم وشأن غير شأن الدار الأخرى.

وقد ذكر الله عزَّ وجلَّ أحكام الأرواح عند الموت بقوله سبحانه: {فَلَوْلَا إِذَا 

بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)} [الواقعة ].

فالناس عند القيامة الصغرى وهي الموت، وعند القيامة الكبرى بعد البعث ثلاثة أقسام:

القسم الأول: مقرب له الروح والريحان وجنة النعيم.

القسم الثاني: مقتصد من أصحاب اليمين، حكم الله له بالإسلام والسلامة من العذاب، فهو في الجنة.

القسم الثالث: ظالم بتكذيبه وضلاله فأوعده بنزل من حميم وتصلية جحيم.

وأما ما يؤيد الله به أولياءه من الروح فهي روح أخرى غير هذه الروح كما قال سبحانه: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22].

وكذلك الروح التي يلقيها الله على من يشاء من عباده هي غير الروح التي في البدن كما قال سبحانه: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ 

يَوْمَ التَّلَاقِ (15)} [غافر: 15]. فالوحي للقلوب بمنزلة الروح للجسد، فكما أن الجسد بدون الروح لا يحيا ولا يعيش، فكذلك القلب بدون روح الوحي لا يصلح ولا يفلح. والقوى التي في البدن تسمى أرواحاً، فيقال الروح الباصر، الروح السامع، الروح الشام، فهذه الأرواح قوى مودعة في الأبدان، تموت بموت الأبدان، وهي غير الروح التي لا تموت بموت الأبدان.

ويطلق الروح على أخص من هذا كله، وهو قوة المعرفة بالله، والإنابة إليه 

ومحبته، وانبعاث الهمة إلى طلبه وإرادته، ونسبة هذا إلى الروح كنسبة الروح

إلى البدن، فإذا فقدتها الروح كانت بمنزلة البدن إذا فقد روحه.

وهي الروح التي يؤيد الله بها أهل طاعته وولايته، ولهذا يقال فلان فيه روح، وفلان ليس فيه روح.فللعلم روح، وللإحسان روح، وللإخلاص روح وهكذا.

والناس متفاوتون في هذه الأرواح، فمنهم من تغلب عليه فيصير روحانياً، ومنهم من يفقدها، أو يفقد أكثرها فيصير أرضياً بهيمياً، أو إبليساً.

 [ الأنترنت – موقع الكلم الطيب - خلق الروح ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والخمسون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق الحيوانات

قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)} [الأنعام: 38].

وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ

 مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ

 عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)} [النور: 45].

الله جل جلاله هو الخلاق العليم، خلق السموات، وملأها بالملائكة التي تسبحه وتقدس له. وخلق الأرض، وخلق منها الإنسان، وجعله خليفة فيها.

وخلق حول الإنسان مخلوقات عظيمة من الحيوانات، تدب على وجه الأرض .. أو تحلق في جو السماء .. أو تسبح في قعر البحر.

وهذه الحيوانات أمم وقبائل، وأنواع وأجناس، وأشكال وألوان، وذكور وإناث.

وهي أعداد هائلة لايحصيها إلا الله الذي خلقها ودبرها، والذي يطعمها ويسقيها،

 وينميها ويعافيها، ويعلم مستقرها ومستودعها.

فهي ساربة منتشرة، في ملكه بأمره سبحانه، تأكل وتشرب من مائدة نعمه الكبرى في هذه الأرض:

فمنها ما يمشي على بطنه .. ومنها ما يمشي على رجلين .. ومنها ما يمشي على أربع .. ومنها ما يطير بجناحيه .. ومنها ما يسبح في البحار والأنهار.وكلها تسبح بحمد ربها طائعة لخالقها، عابدة ساجدة له، حتى تستكمل آجالها، وتستوفي أرزاقها: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)} [النحل]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والخمسون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق الحيوانات

وهذه الحيوانات المختلفة الأجناس والأنواع، والأحجام والألوان ،كل فرد منها معجز في خلقه .. معجز في تصريفه .. معجز في طريقة حياته .. معجز في نموه وتكاثره وولادته .. بحيث لا يزيد جنس عن حدود معينة تحفظ وجوده وامتداده .. وتمنع طغيانه على الأجناس الأخرى طغيان إبادة وإفناء.

فسبحان العليم الحكيم الذي يمسك بزمام الأنواع والأجناس، يزيد فيها وينقص

 بحكمة وتقدير، ويضع في كل منها من القوى والخصائص والوظائف ما يحفظ التوازن بينها جميعاً.

فالإبل والبقر، والغنم والمعز خلقها الله عزَّ وجلَّ لمنافع العباد كما قال سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)} [يس: 71 - 73].

فسبحان العزيز الكريم الذي سخرها للإنسان يأكل من لحومها، ويشرب من 

ألبانها، ويلبس من أصوافها، ويفترش من أوبارها.

وهذه الأنعام قليلة النسل، إذ قلما تلد في السنة إلا واحداً، ولكن الله سبحانه جعل فيها البركة، فهي مع قلتها وكثرة من يأكلها من البشر والسباع إلاأنها أكثر الحيوانات نماءً وكثرةً وبركة ومنافع.

والنسور من الطيور الجارحة الضارية وعمرها مديد، ولكنها في مقابل هذا نزرة قليلة البيض والفراخ بالقياس إلى العصافير.

وكيف يكون الأمر لو كان للنسور نسل العصافير؟.

إنها ستقضي على جميع الطيور، وتحرم منها بقية الأجناس والبشر.

فسبحان من أكثر من هذا، وقلل من هذا لمصالح عباده.

والأسود كذلك في عالم الحيوان كاسرة ضارية، والفهود كذلك والنمور كذلك.

كيف تكون الحال لو كانت تنسل نسل الشياه والضباء؟.

إنها ما كانت لتبقي على لحم تجده من حيوان أو إنسان. 

فسبحان العليم القدير الذي يمسك بزمام مخلوقاته .. فجعل نسل هذه محدوداً بالقدر المطلوب .. وبارك في نسل الضباء والشاء وغيرها من ذوات اللحوم لمصالح ومنافع عباده: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)} [النحل]. والذبابة الواحدة تبيض في الدورة الواحدة بمشيئة الله مئات الألوف، وفي مقابل هذا لا تعيش إلا أسبوعين تقريباً. فكيف لو أفلت الزمام فعاشت الذبابة الواحدة أشهراً أو سنوات؟.

إذاً لكان الذباب يغطي الأجسام والقرى والدور، ويأكل العيون والطعام.

ولكن الحي القيوم العليم بكل شيء أحكم الأمور وفق تقدير محكم، محسوب فيه 

حساب كل الحاجات والأحوال والظروف.

فسبحان الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، كما أحسن خلقه وأتقنه.

وسبحان من خزائنه مملوءة بكل شيء، ولكنه حكيم لا ينزل منه إلا بقدر ما يصلح أحوال البلاد والعباد: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} [الحجر: 21].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والخمسون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : آيات وعجائب في الخلق والتدبير

إنها آيات وعجائب في الخلق والتدبير، والتحريك والتسكين، والإحياء والإماتة في عالم البشر، وفي عالم الحيوان، وفي عالم البر، وفي عالم البحر، وفي العالم 

العلوي، وفي العالم السفلي كما قال سبحانه: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)} [الجاثية: 3، 4]. إنها آيات ناطقة لكل مؤمن يراها ويتدبرها.

واليقين هو الحالة المهيئة للقلوب كي تحس وتتأثر وتنيب.

اليقين بالله الذي يدع القلوب تثبت وتطمئن، وتتلقى كل ما تراه وتسمعه في

 الكون في هدوء ويسر، وفي راحة من القلق والحيرة.

والميكروبات مخلوقات عظيمة هائلة الكثرة، فهي أكثر الأحياء عدداً، وأسرعها تكاثراً، وأشدها فتكاً، لكنها أضعف الأحياء مقاومة، وأقصرها عمراً. 

وهي تموت بالملايين في كل لحظة بسبب البرد، أو الحر، أو الضوء أو عوامل أخرى. ولو كانت قوية المقاومة، أو طويلة العمر لدمرت الحياة والأحياء.

فسبحان من بهرت حكمته القلوب والعقول، ومن دبر خلقه بمشيئته وحده لا شريك له.

وسبحان من خلق هذه الخلائق، وأسكنهم في ملكه، وأطعمهم من رزقه: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ } [الزخرف: 84].

وكل حي وكل كائن من هذه الحيوانات والطيور والحشرات، مزود بسلاح يتقي به هجمات أعدائه، ويغالب به خطر الفناء، في البر أو في البحر، وتختلف هذه الأسلحة وتتنوع. فكثرة العدد سلاح .. وقوة البطش سلاح .. 

وبينهما ألوان وأنواع:

فالحيات الصغيرة مزودة بالسم أو بالسرعة للهرب من أعدائها.

والثعابين الكبيرة مزودة بقوة العضل، ومن ثم يندر فيها السام.

والضباء مزودة بسرعة الجري والقفز.

والأسود والسباع مزودة بقوة البأس والافتراس.

والطيور الجارحة مزودة بمخالب ومناقير تمزق اللحوم.

وبعض الأسماك مزودة بمناشير تذبح من يقترب منها.

وهكذا كل حي من الأحياء الكبار والصغار على السواء.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والخمسون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : آيات وعجائب في الخلق والتدبير 

فسبحان من خلقها، ومن دبر أرزاقها، ومن يسر لها القوة التي تدافع بها عن نفسها. وكل حي مزود كذلك بالخصائص والوسائل التي يحصل بها على طعامه، والتي ينتفع معها بهذا اللون من الطعام، الإنسان والحيوان، والطيور والحشرات، كل خلق الله له ما يناسبه، من الطعام والشراب والسكن.

والحيوانات تحصل على أرزاقها التي قسم الله لها بطرق شتى: فمنها ما يعيش 

على النبات والحبوب كالإبل والبقر والغنم والغزال ونحوها.

ومنها ما يعيش على اللحوم كالحيوانات الكاسرة، والسباع الضارية التي تعيش في

 الفلاة، ولا غذاء لها إلا ما تفترسه من كائنات لا بد من مهاجمتها، والتغلب عليها

 كالأسود والنمور، والضبع والفهد، والذئاب والثعالب.

فهذه قد زودها الله بأنياب قاطعة، وأسنان حادة، وأضراس صلبة.

ولما كانت في هجومها لا بد أن تستعمل عضلاتها، جعل الله لها عضلات قوية، وسلحها بأظفار ومخالب حادة، لتتمكن من الاستيلاء على فريستها، وجعل 

سبحانه في معدتها من الأحماض التي تساعدها على هضم اللحوم والعظام.

فسبحان القائل: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } [طه: 50].

وأما الحيوانات المجترة المستأنسة، التي تعيش على المراعي، فهي تختلف فيما 

زودت به من الآلات، وقد خلق الله أجهزتها الهاضمة بما يتناسب مع البيئة.

فأفواهها واسعة نسبياً، وقد تجردت من الأنياب القوية، والأضراس الصلبة، وبدلاً منها خلق الله لها أسناناً قاصمة قاطعة، فهي تأكل الحشائش والنباتات بسرعة، وتبلعها دفعة واحدة، حتى يمكنها أن تؤدي للإنسان ما خلقت لأجله من خدمات. ولما كانت هذه الحيوانات هدفاً للسباع، فهي تأكل غذاءها بسرعة وتختفي، ثم تهضمه في وقت طويل جداً، فلو لم تكن مجترة، وبمعدتها مخزن خاص، لضاع وقت طويل في الرعي.

فسبحان من خلقها، ووهبها سرعة الأكل، وهداها إلى تخزينه، ومكنها من إعادته بعد أن يصيب شيئاً من الرطوبة، ليبدأ الطحن والمضغ والبلع.

والطيور الجارحة كالبوم والحدأة والصقر، ذات منقار مقوس حاد، على شكل خطاف لتمزيق اللحوم.

بينما الأوز والبط لها مناقير عريضة منبسطة مفلطحة كالمغرفة، توائم البحث عن الغذاء في الطين والماء، وعلى جانب المنقار زوائد صغيرة كالأسنان لتساعد على قطع الحشائش.

أما الدجاج والحمام، وباقي الطيور التي تلتقط الحب من الأرض، فمناقيرها قصيرة مدببة لتؤدي هذا الغرض.

أما منقار البجعة فهو طويل طولاً ملحوظاً، ويمتد من أسفله كيس يشبه الجراب، ليكون كشبكة الصياد، إذ أن السمك هو غذاء البجعة الأساسي.

فسبحان الحكيم العليم الذي يخلق ما يشاء لما يشاء، ويهديه للحصول عليه بما يشاء.

ومنقار الهدهد طويل مدبب، أعد بإتقان للبحث عن الحشرات والديدان التي

 غالباً ما تكون تحت سطح الأرض.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والخمسون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

 آيات وعجائب في الخلق والتدبير

   وإنه ليمكن للإنسان أن يعرف غذاء أي طير من النظرة العابرة لفمه ومنقاره.

أما باقي الجهاز الهضمي للطير فهو غريب عجيب، فلما لم يعط أسناناً، فقد خلق الله له حوصلة وقانصة تهضم الطعام، ويلتقط الطير مواد صلبة وحصى لتساعد القانصة على هضم الطعام. فسبحان رب العالمين، الذي خلق العوالم من الحيوانات التي لا يحصيها ولا يعلمها ولا يرزقها إلا هو:

عالم البهائم والأنعام .. عالم السباع .. عالم الطيور .. عالم الذر .. عالم النحل .. عالم

 النمل .. عالم الجراد .. عالم الحشرات .. عالم الخيل .. عالم الإبل .. عالم البقر .. عالم الغنم .. عالم الدجاج .. عالم الحمام .. عالم الأسماك.

وغيرها من العوالم التي لا يحصيها إلا الله.

فتبارك الله أحسن الخالقين الذي خلق جميع هذه الخلائق، ودبر أمرها، وقسم أرزاقها، وقدر آجالها: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام: 102].

والله تبارك وتعالى خالق كل شيء، خلق جميع هذه الحيوانات والطيور 

والحشرات من ماء كما قال سبحانه: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)} [النور: 45].

فالحيوانات التي تتوالد، مادتها ماء النطفة حين يلقح الذكرالأنثى، والتي تتولد من الأرض كالحشرات، تتولد من الرطوبات المائية بقدرة الله.

وقد تكفل الله عزَّ وجلَّ بأرزاق الخلائق كلهم، البشر والحيوان، والطيور والحشرات، قويهم وضعيفهم، قادرهم وعاجزهم، يسوقهم إلى أرزاقهم، أو يسوق أرزاقهم إليهم: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)} [هود: 6].

ولا يزال الله يسخر لهذه الخلائق أرزاقها في كل وقت بوقته، ولا يمكن أن تهلك دابة من عدم الرزق، بسبب أنها خافية عليه، فهو سبحانه السميع العليم الذي لا يخفى عليه شيء: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)} [العنكبوت: 60].فسبحان خالق هذا الكون العظيم، وما فيه من المخلوقات المختلفة. وهي مخلوقات إلى جانب منافعها، تحمل آيات وعبر، وهي مخلوقة مقدرة، مأمورة مدبرة، صغيرها وكبيرها، ذكورها وإناثها، قويها وضعيفها، كلها في قبضة الله، ونواصيها بيده، وسكنها في ملكه: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)} [هود: 56].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والخمسون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

 آيات وعجائب في الخلق والتدبير

وكل فرد من هذه المخلوقات، قدر الله زمانه فلا يكون إلا فيه .. وقدر مكانه .. وقدر خطاه .. وقدر طعامه .. وقدر أجله .. وقدر كمية أفراده .. وهو محسوب كغيره من المخلوقات والأحداث العظام الضخام: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)} [الشورى: 29]. وهذا العود الأخضر البري النابت وحده هناك في الصحراء، إنه الآخر قائم هناك بقدر، وهو طعام أعده الله للكائنات هناك. 

الله أنبته، وهو يسوق طعامه وشرابه، وهو عبد يؤدي وظيفةً أمره الله بها، ويسبح بحمد ربه في كل حين.

وهذه النملة الساربة، وهذه الهباءة الطائرة، وهذه البهائم السائمة، وهذه الخلية السابحة في الماء، كالأفلاك والأجرام الهائلة سواء:

لها تقدير في الزمان، وتقدير في المكان، وتقدير في المقدار، وتقدير في الشكل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)} [القمر: 49، 50]. وفي خلق الأنعام عبرة، حيث يسقي الله العباد من بطونها المشتملة على الفرث والدم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)} [النحل: 66].

وعالم النحل عالم عظيم عجيب، فقد خلق الله هذه النحلة الصغيرة، وهداها هذه الهداية العجيبة، ويسر لها المراعي، ثم أرجعها إلى بيوتها التي أصلحتها بتعليم الله لها، وهدايته لها.

ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ، مختلف الألوان بحسب اختلاف أرضها ومراعيها، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)} [النحل: 68، 69].

فسبحان الخلاق العليم، الذي خلق كل شيء في السماء والأرض، في البر والبحر، من الجماد والنبات، والإنسان والحيوان.

وكل ناطق وصامت .. وكل متحرك وساكن .. وكل ذكر وأنثى .. وكل ماض حاضر .. وكل معلوم ومجهول .. وكل صغير وكبير .. كل ذلك مخلوق بقدر .. ومصرف بقصد .. ومدبر بحكمة.

لا شيء جزاف، ولا شيء عبث، ولا شيء مصادفة، ولا شيء ارتجال: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ، وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ } [القمر: 49، 50] 

فهو سبحانه لم يخلق السموات والأرض والمخلوقات الأخرى لعباً ولا لهواً، بل خلقها بالحق، وخلقهما مشتمل على الحق، ليعبد الله وحده، وليأمر الله العباد وينهاهم، ويثيبهم ويعاقبهم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والخمسون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

 آيات وعجائب في الخلق والتدبير

ولكن أكثر الناس لا يعلمون، لأنهم لم يتفكروا في خلق السموات والأرض وما فيهما من الخلائق: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)} [الدخان: 38، 39].

والطيور التي تسبح في الفضاء على اختلاف ألوانها وأحجامها وطيرانها، ماذا 

يعرف الإنسان عنها؟.

إنها أمة عظيمة من الأمم، خلقها الله عزَّ وجلَّ، وهي كغيرها مظهر من مظاهر قدرته سبحانه، وأثر من آثار التدبير الإلهي اللطيف: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)} [الملك: 19].

فهذه الآية العظيمة التي تقع كل لحظة، تنسينا بوقوعها المتكرر ما تشي به من قدرة الله وعظمته.

فكم من طائر الآن يطير في السماء؟، وكم من طائر يلقط الحب من الأرض؟.

وكم من طائر يجمع العيدان لعشه؟، وكم من طائر يبيض؟، وكم من طير يخرج من بيضه؟، وكم من طائر يعلم فراخه ويطعمهم؟.

وجميع المخلوقات من جماد ونبات وحيوان، تسبح بحمد ربها، وكل له صلاة وعبادة بحسب حاله اللائقة به، وقد ألهمه الله تلك الصلاة والتسبيح، إما بواسطة الرسل كالجن والإنس والملائكة، وإما بإلهام منه تعالى لها كباقي المخلوقات: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)} [النور: 41].

إن تأمل هذه الطيور السابحة في الفضاء، وهي تصف أجنحتها وتقبضهما في يسر وسهولة، ومتابعة كل نوع من الطير في حركاته الخاصة به لا يمله النظر، ولا يمله القلب، وهو متعة فوق ما هو مثار تفكر وتدبر في خلق الله العجيب الذي يجمع الحسن والجمال والكمال.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والخمسون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

 آيات وعجائب في الخلق والتدبير

إن يد الرحمن تمسك بالسموات والأرض، وتمسك بكل طائر، وبكل جناح،

 والطائر صاف جناحيه، وحين يقبض، ويبصره ويراه وهو معلق في الفضاء.

إن صنع الله كله إبداع وإعجاز، وكل قلب، وكل جيل يدرك منه ما يطيقه، ويلحظ منه ما يراه: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)} [الملك: 19]. فسبحان القوي العزيز، العليم الخبير، الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

إن إمساك الطيور في الجو، كإمساك الدواب على الأرض، كإمساك الشمس 

والقمر، كإمساك النجوم المعلقة في الفضاء، كإمساك السموات والأرض،

 وكإمساك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذن الله، فالله خالقها وحده، وهو الذي يمسكها بقدرته وحده.

فسبحان العزيز الجبار، القوي القهار الذي يمسك كل هذه المخلوقات بقدرته: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)} [فاطر: 41].

فمن هذا ملكه، وهذا خلقه، وهذه قدرته، وهذه رحمته، يجب أن يُطاع فلا يعصى، ويًشكر فلا يكفر، ويُذكر فلا ينسى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21)} [الانشقاق: 20، 21]. {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 23].

[  الأنترنت – موقع الكلم الطيب - خلق الحيوانات ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والخمسون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق النبات

قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي

 ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8)} [الشعراء: 7، 8].

وقال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [فصلت: 39].

الله تبارك وتعالى خلق الأرض، وزينها بما على ظهرها من المياه والنباتات والأشجار، وفرشها بأنواع النبات، وجملها بالزهور، وحملها بالثمار من أجل الإنسان، الذي كرمه الله على سائر المخلوقات.

ووضع المولى الكريم مائدة نعمه عليها، من حلو وحامض، ورطب ويابس، وثمر

 وحبوب، وزرع ونخيل، وعنب وزيتون، وفواكه مختلفة، وأعشاب متنوعة: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)} [عبس].

فجميع الحيوانات والطيور والحشرات وسائر البشر، كلهم يأكلون من هذه المائدة التي خلقها الله، ووضعها لهم على هذه الأرض.

وقد خلق الله سبحانه كل دابة ورزقها، فلا تموت حتى تستوفيه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ

 فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)} [هود: 6].

والله عزَّ وجلَّ أنزل من السماء ماء، فمازج الأرض، فأوجد الله بينهما بسبب هذه الممازجة والمخالطة أنواعاً مختلفة من الثمار والفواكه والحبوب، والزروع والأشجار، وسائر الأغذية والأقوات المختلفة الألوان والأشكال، والأحجام والطعوم كما قال سبحانه: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)} [الحج: 5 - 7]. فسبحان من غير بالماء الأرض المغبرة، حتى صارت مخضرة. وسبحان من زينها بالنبات والأزهار، كما زين الإنسان بالثياب والأخلاق. وسبحان من أنجب منها وأظهر ملايين المواليد من النباتات. ذلك هو الله الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له، فهو خالق كل شيء، كما ابتدأ الخلق، وكما أحيا الأرض بعد موتها،يحيي الموتى،ثم يجازيهم،وهو على كل شيء قدير.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والخمسون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق النبات

وهذه الزروع التي تنبت، والأشجار التي تثمر، آية من آيات الله الباهرة، هو الذي خلقها ونمّاها، وأخرج منها الثمار والحبوب، فلكل نبتة، ولكل شجرة، ولكل ورقة، ولكل ثمرة، أمر من الله بالخلق، وأمر بالبقاء، وأمر بالنفع والضر.

أما دور البشر فهم يحرثون، ويلقون الحب الذي خلقه الله في الأرض التي خلقها الله، ويسقونه بالماء الذي خلقه الله، ثم ينتهي دورهم: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)} [الواقعة ]  إن الحبة أو البذرة تأخذ طريقها إلى الحياة بأمر الله عزَّ وجلَّ .. وتسير فيه سيرة العاقل العارف الخبير بمراحل الطريق .. الذي لا يخطئ مرة كما يخطئ الإنسان في عمله .. ولا ينحرف عن طريقه .. ولا يضل الهدف المرسوم.فسبحان من خلقها، وسبحان من دبرها، وسبحان من كبرها، وسبحان من صورها.

إن يد القدرة الإلهية هي التي تتولى خطاها على طول الطريق في هذه الرحلة العجيبة التي ما كان العقل ليصدقها لولا أنه أبصرها ورآها.

فأي عقل يصدق، وأي خيال يتصور، أن حبة القمح مثلاً يكمن فيها هذا 

العود، وهذا الورق، وهذه السنبلة، وهذا الحب الكثير.أو أن هذه النواة تكمن

 فيها نخلة كاملة سامقة بكل ما تحتويه من جذور وأوراق وثمار وأولاد.

إن العقل لايصدق هذا، لولا أنه يراه يقع بين يديه صباح مساء، ولولا أن هذه القصة تتكرر على مرأى ومسمع من جميع الناس.

إن كل حبة، وكل نبتة، وكل بذرة تنبت وتنمو وترتفع بأمر خالقها، ولو شاء سبحانه لم تبدأ رحلتها، ولو شاء لم تتم قصتها، ولو شاء لجعلها حطاماً قبل أن تؤتي ثمارها. وهي بمشيئة الله تقطع رحلتها من البدء إلى الختام، وتقدم نفسها طعاماً للإنسان، وهو يعصي ربه، ويخالف أمره، بل قد يستعملها في معصيته.

ولكن الله غفور حليم يمنحهم الثمر، ويسمح للنبتة أن تتم دورتها، وتكمل رحلتها: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } [البقرة: 243].

والنبات والحيوان أمم وقبائل، وأشكال وألوان لا يحصيها إلا الله:

فالنبات منه ما هو معمر .. ومنه ما هو حولي .. ومنه ما هو فصلي .. ومنه

 الأبيض والأسود .. ومنه الأحمر والأصفر .. ومنه الأخضر والأزرق .. ومنه

 زهر بلون .. وزهر بلونين .. وزهر بألوان. ومنه حلو .. ومنه مر .. ومنه حار .. ومنه بارد .. ومنه مالح .. ومنه حامض ..ومنه ثمر بنوى .. وثمر بدون نوى. ومنه ثمر ظاهر على الأرض .. ومنه ثمر على رأس الشجر .. ومنه ثمر في باطن الأرض. ومنه ما يتكاثر بالنواة .. ومنه ما يتكاثر بالعروق .. ومنه ما يتكاثر بالأغصان .. ومنه ما هو في البر .. ومنه ما هو في البحر .. ومنه ما هو رطب .. ومنه ما هو يابس .. ومنه ما هو مجموع كالرمان .. ومنه ما هو مفرود كالتمر .. ومنه الكبير .. ومنه الصغير .. ومنه الكروي .. ومنه المستطيل .. ومنه القائم .. ومنه النائم .. ومنه المعلق. إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الستون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق النبات

فسبحان الخلاق العليم الذي خلق هذه المواليد المختلفة من أم واحدة: {سُبْحَانَ

 الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ}[يس: 36].

فما أجهل البشر بخالقهم، وما أجرأ أكثرهم على معصيته: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8)} [الشعراء: 7، 8].والله سبحانه خلق الإنسان من تراب، وأنبته من هذه الأرض، ثم يعيده بعد تمام أجله، ثم يخرجه للبعث كما قال سبحانه: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ، ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا } [نوح: 17، 18]. وقد خلق الله سبحانه أصناف الأشجار والنبات، وزينها بالأوراق والأزهار والثمار.

وجعل الأوراق زينة للأشجار، وستراً ولباساً للثمار، ووقاية لها من الآفات التي تمنع كمالها، ولهذا إذا جردت الشجرة من الورق، ماتت الشجرة، وفسدت الثمرة ولم ينتفع بها.

ويكسو الله عزَّ وجلَّ الأشجار كل سنة لباساً جديداً من الأوراق.

فتبارك الله رب العالمين، الذي يعلم مساقط تلك الأوراق ومنابتها، فلا تخرج منها ورقة إلا بإذنه، ولا تسقط إلا بعلمه: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ 

الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام: 59].

ومع هذا الجمال والزينة، وهذه الثمار المتنوعة، هناك جمال آخر، فلو شاهدها الناس وهي تسبح بحمد ربها، أغصانها وأوراقها، وأزهارها وثمارها، لشاهدوا أمراً آخر، ولرأوا خلقها بعين أخرى، ولعلموا أنها لشأن عظيم خلقت، فهي ساجدة لربها، مطيعة لخالقها الذي: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)} [الإسراء: 44]. فسبحان العزيز الجبار الكريم الرحمن، الذي يسبح له، ويسجد له، ويصلي له، جميع ما في السموات وما في الأرض من الكائنات.

وسبحان من تؤوب له الجبال بالتسبيح، وتهبط من خشيته الأحجار، وتتفجر بالماء من خشيته الصم الصلاب. إن تكون حمل الشجر، وتقلبه من حال إلى حال كتنقل أحوال الجنين في بطن أمه، فبينما ترى الشجرة عارية، إذ كساها ربها بالزهر والورق أحسن كسوة، ثم أطلع فيها حملها ضعيفاً صغيراً.

ثم ساق إليه غذاءه في تلك العروق، فتتغذى به كما يتغذى الطفل من لبن أمه، ثم رباه ونماه حتى استوى وكمل.

فسبحان العليم القدير الذي اخرج ذلك الجني اللذيذ اللين الحلو، من تلك الحطبة الصماء، في تلك الأرض الغبراء، إن الذي أحياها لمحيي الموتى، إنه على كل شيء قدير: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)} [فصلت: 39]. [  الأنترنت – موقع الكلم الطيب - خلق النبات ].          إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والستون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق الليل والنهار

قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ 

يَسْبَحُونَ (33)} [الأنبياء: 33].

وقال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)} [غافر: 61].

الله تبارك وتعالى خالق كل شيء، والسماء والأرض، والشمس والقمر، والليل

 والنهار من أعجب آيات الله سبحانه. ولهذا يكرر الله ذكرها في القرآن، لما تضمنه من الآيات والعبر الدالة على ربوبية الله وقدرته وحكمته.

فانظر كيف جعل الله سبحانه الليل سكناً ولباساً يغشى العالم، فتسكن فيه الحركات، وتأوي الحيوانات إلى بيوتها، والطير إلى أوكارها، وتستجم فيه النفوس وتستريح من كد السعي والتعب.

حتى إذا أخذت منه النفوس راحتها وسباتها، وتطلعت إلى معايشها وتصرفها،

 جاء فالق الإصباح سبحانه بالنهار تقدمه الشمس، فهزم تلك الظلمة، ومزقها

 كل ممزق، وأزالها وكشفها عن العالم فإذا هم مبصرون.

فانتشر الحيوان والإنسان، وتصرف في معاشه ومصالحه، وخرجت الطيور من أوكارها، لتستلم أرزاقها التي قدرها الله لها: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47)} [الفرقان: 47].

فيا له من معاد ونشأة دال على قدرة الله سبحانه على المعاد الأكبر، ومع تكرار ذلك، ودوام مشاهدة النفوس له، صار كالمألوف المعتاد، قل من يعتبر به: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)}

 [يوسف: 105].

وقد خلق الله الشمس، وجعلها علامة على النهار، وخلق القمر، وجعله علامة على الليل، فخلق سبحانه الشمس وأمدها بالنور والنار، ففيها إشراق وإحراق لمصالح العباد والكائنات كما قال سبحانه: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)} [الإسراء: 12].

ولما كان الله عزَّ وجلَّ يحدث عند كل واحد من طرفي إقبال الليل والنهار 

وإدبارهما ما يحدثه، ويبث من خلقه ما شاء، فينشر الأرواح الشيطانية عند إقبال الليل، وينشر الأرواح الإنسانية عند إقبال النهار، فيحدث هذا الانتشار في العالم أثره، شرع سبحانه في هذين الوقتين الصلاتين العظيمتين المغرب والفجر، ليذكر العبد ربه، ويسبحه ويحمده عند حدوث هذا التغير الكوني العظيم. والله تبارك وتعالى هو الذي: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)} [الزمر: 5].                                                                                                     إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والستون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق الليل والنهار

وهو سبحانه الذي جعل الليل والنهار يخلف أحدهما الآخر، فلا يجتمعان أبداً، ولا يرتفعان أبداً، يذكران بعظمة خالقهما وآلائه ونعمه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)} [الفرقان: 62].

وهوسبحانه الذي يأتي بالليل بعد النهار، وبالنهار بعد الليل، ويزيد في أحدهما ما ينقصه في الآخر وبالعكس، ويرتب على ذلك قيام الفصول، ومصالح الليل والنهار، التي تتم بها مصالح العباد: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)} [الحج: 61].

إن السكون بالليل ضرورة لكل حي، ولا بد من فترة من الظلام تسكن فيه الخلايا الحية، ولا يكفي مجرد النوم لتوفير هذا السكون، بل لا بد من ليل، ولا بدَّ من ظلام، فالخلية الحية التي تتعرض لضوء مستمر تجهد ثم تتلف، لأنها لم تتمتع بفترة من السكون والظلام.

ونوم الإنسان انقطاع عن النشاط والإدراك، وهو سر من أسرار تكوين الحي،

 لا يعلمه إلامن خلق هذ الحي، وأودعه ذلك السر، وجعل حياته متوقفة عليه.

وما من حي يطيق أن يظل من غير نوم، فالنوم ضرورة لكل إنسان، وسر من أسرار القادر الحكيم، ونعمة من نعم الله على عباده: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } [الروم: 23].

والله حكيم عليم جعل حركة الكون، موافقة لحركة الأحياء، فكما أودع الإنسان سر النوم والسبات بعد العمل والنشاط، فكذلك أودع الكون ظاهرة الليل، ليكون لباساً ساتراً يتم فيه السبات والانزواء، وظاهرة النهار، ليكون معاشاً تتم فيه الحركة والنشاط كما قال سبحانه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)} [آل عمران: 190].

وقد خلق الله عزَّ وجلَّ السموات والأرض بالحق، لتكون صالحة ومجهزة لحياة هذا الجنس البشري كما قال سبحانه: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44)} [العنكبوت: 44].

وكما جهز الخالق هذه السموات وهذه الأرض بما يصلح لحياة هذا الإنسان، جهز

 كذلك هذا الإنسان باستعدادات وطاقات، وبنى فطرته على معرفته، وترك له

 جانباً اختيارياً في حياته، يملك معه أن يتجه إلى الهدى، فيعينه الله عليه 

ويهديه، أو أن يتجه إلى الضلال، فيمد الله له فيه، وترك الناس يعملون بعد إرسال الرسل إليهم، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً.

يبلوهم لا للعلم فهو يعلم كل شيء، ولكن يبلوهم ليظهر المكنون من أفعالهم، فيتلقوا جزاءهم عليها كما اقتضت إرادة الله وعدله.

فسبحان الذي خلق كل شيء وقدره تقديراً:

خلق الأرض وما فيها .. وخلق السماء ورفعها بلا عمد .. وأمسكها أن تقع على 

الأرض إلا بإذنه .. وخلق الفلك العظيم الذي لا تبدو له حدود معروفة .. 

والذي تسبح فيه ملايين المليارات من الكواكب والنجوم والأجرام التي لا يحصيها إلا الله وحده.

هذه المخلوقات الكثيرة الضخمة، لا يلتقي فيها اثنان، ولا تصطدم منها مجموعة بمجموعة. وكل هذه النجوم، وكل هذه الكواكب، تجري في هذا الفضاء الهائل بسرعات مخيفة، ولكنها في هذا الفضاء الهائل ذرات سابحة متباعدة لا تلتقي ولا تتصادم،لأنها في قبضة الله،خلقها بأمره،تبقى بأمره،وتسير بأمره،وتقف بأمره.

فسبحان من خلقها، وسبحان من دبرها، وسبحان من سيرها، وسبحان من نورها: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام: 102].  [ الأنترنت – موقع الكلم الطيب - خلق الليل والنهار ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والستون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* فقه الحكمة في كل ما خلقه الله وأمر به

قال الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [المائدة: 50].

وقال الله تعالى: {إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)} [يونس: 6].

الله عز وجل خالق كل شيء، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، مقلب القلوب ومصرفها كيف شاء، يفعل ما يشاء بقدرته وهو العزيز الحكيم.

هو الذي جعل المسلم مسلماً .. والمصلي مصلياً .. والمتقي متقياً .. والداعي داعياً.

وجعل أئمة الهدى يهدون بأمره .. وأئمة الضلال يدعون إلى النار بإذنه .. وألهم كل نفس فجورها وتقواها.

يهدي من يشاء بفضله ورحمته، ويضل من يشاء بعدله وحكمته، هو الذي وفق أهل الطاعة فأطاعوه، ولو شاء لخذلهم فعصوه، وحال بين الكفار وقلوبهم فكفروا به، فإنه يحول بين المرء وقلبه، ولو شاء الله لوفقهم فآمنوا به وأطاعوه.

من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، لو شاء لآمن من في

 الأرض كلهم جميعاً، ولو شاء لهدى الناس أجمعين، ولو شاء الله ما اقتتلوا، وما اختلفوا، ولكن الله يفعل ما يريد: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)} [الأنعام: 112].

علم الله كل شيء، وخلق كل شيء، وكتب كل شيء، وشاء كل شيء، هو الخالق وما سواه مخلوق، هو الملك وما سواه مملوك: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف: 54].

وهو سبحانه الحكيم وما سواه محكوم، حكيم في كل ما فعله وخلقه، فمصدر 

جميع ذلك عن حكمة تامة.

وحكمته سبحانه قائمة به كسائر صفاته، وهي الغاية المحبوبة له سبحانه، المطلوبة التي هي متعلق محبته وحمده، ولأجلها خلق فسوى، وقدر فهدى، وأمات وأحيا، وأسعد وأشقى، وأضل وهدى، ومنع وأعطى.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والستون

 بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

في كل ما خلقه الله وأمر به حكمة

ومصدر الخلق والأمر، والقضاء والشرع عن علم الرب وعزته وحكمته، فارتباط الخلق بقدرته التامة يقتضي ألا يخرج مخلوق عن قدرته.

وارتباطه بعلمه التام يقتضي إحاطته به، وتقدمه عليه.

وارتباطه بحكمته يقتضي وقوعه على أكمل الوجوه وأحسنها، واشتماله على الغاية المحمودة المطلوبة للرب سبحانه.

وكذلك أمره سبحانه بعلمه وحكمته وعزته، فهو العليم بخلقه وأمره، الحكيم في

 خلقه وأمره، العزيز في ملكه وسلطانه.

ولهذا كان الحكيم من أسمائه الحسنى، والحكمة من صفاته العلا، والشريعة الصادرة عن أمره مبناها على الحكمة، والرسول المبعوث بها مبعوث بالكتاب والحكمة كما قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [الجمعة: 2].

والحكمة: هي سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهي تتضمن العلم بالحق، والعمل به، والدعوة إليه، فكل هذا يسمى حكمة.

وكما لا يخرج مقدور عن علمه ومشيئته، فكذلك لا يخرج عن حكمته وحمده، وهو سبحانه المحمود على جميع ما في الكون من خير وشر حمداً استحقه لذاته، وصدر عنه خلقه وأمره، فمصدر ذلك كله عن الحكمة.

ففي كل ما خلقه الله وأمر به حكمة، وكله خير من جهة إضافته إليه سبحانه، وأن جهة الشر منه من جهة إضافته إلى العبد كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَبَّيْكَ! وَسَعْدَيْكَ! وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ» أخرجه مسلم

فهذا النفي يقتضي امتناع إضافة الشر إليه سبحانه، فلا يضاف إلى ذاته، ولا

 أسمائه، ولا صفاته، ولا أفعاله.

فذاته سبحانه منزهة عن كل شر .. وأسماؤه كلها حسنى ليس فيها اسم ذم ولا عيب .. وصفاته صفات كمال لا نقص فيها .. وأفعاله كلها حكمة ورحمة ومصلحة وإحسان وعدل لا تخرج عن ذلك ألبتة.

وهو سبحانه المحمود على ذلك كله، فيستحيل إضافة الشر إليه.

وبيان ذلك:

أن الشر ليس هو إلا الذنوب وعقوباتها، وهي شرور النفس، وسيئات الأعمال،

 وهي ذنوب تأتي من نفس العبد.

فإن سبب الذنب الظلم والجهل وهما من نفس العبد.

كما أن سبب الخير الحمد والعلم والحكمة والغنى وهي صفات ذاتية للرب، وذات الرب مستلزمة للحكمة والخير والجود والإحسان، وذات العبد مستلزمة للجهل والظلم، وما فيه من العلم والعدل فإنما حصل له بفضل الله عليه، وهو أمر خارج عن نفسه كما قال سبحانه: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)} [يوسف: 53].

فمن أراد الله به خيراً أعطاه هذا الفضل، فصدر منه البر والإحسان والطاعة.

ومن أراد به شراً أمسكه عنه، وخلاه ودواعي نفسه وطبعه وموجبها، فصدر منه موجب الجهل والظلم من كل شر وسوء وفساد.

وليس منعه لذلك ظلماً منه سبحانه، فإنه فضله، وليس من منع فضله ظالماً لا سيما إذا منعه عن محل لا يستحقه ولا يليق به، ولا يزكو فيه.

وأيضاً هذا الفضل هو توفيقه وإرادته من نفسه أن يلطف بعبده ويوفقه ويعينه، ولا يخلي بينه وبين نفسه، وهذا محض فضله.

والله تبارك وتعالى أعلم بالمحل الذي يصلح لهذا الفضل، ويليق به، ويثمر به، ويزكو به. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والستون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

وهو سبحانه أعلم بمن يعرف قدر هذه النعمة، ويشكره عليها 

كما قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ 

بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)} [الأنعام: 53].

وأصل الشكر: هو الاعتراف بإنعام المنعم على وجه الخضوع له والذل والمحبة، فمن لم يعرف النعمة بل كان جاهلاً بها لم يشكرها.

ومن عرفها ولم يعرف المنعم لم يشكرها أيضاً.

ومن عرف النعمة والمنعم بها لكن جحدها فقد كفرها.

ومن عرف النعمة، والمنعم بها، وأقر بها، لكن لم يخضع للمنعم ويحبه ويرضى عنه

 لم يشكرها أيضاً.

ومن عرف النعمة .. وعرف المنعم بها .. وخضع للمنعم بها .. وأحبه .. ورضي به .. ورضي عنه .. واستعملها في طاعته ومحابه .. فهذا هو الشاكر لها.

فلا بد في الشكر من علم القلب، وعمل يتبع العلم، وهو الميل إلى المنعم ومحبته،

 والخضوع له، والتقرب إليه بما يرضيه.

وكل رجل، وكل امرأة، وكل عبد يتقلب بين نعمة من ربه، وذنب من نفسه.

فعليه أن يحدث للنعمة شكراً، وللذنب استغفاراً، ويبوء إلى الله بنعمته عليه،

 ويبوء بذنبه، ويرجع إليه بالاعتراف بهذا وهذا، رجوع عبد مطمئن إلى ربه 

منيب إليه، فهو معبوده ولا صلاح له إلا بعبادته كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأنَا عَبْدُكَ، وَأنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أنْتَ» البخاري 

    فالخير كله من الله، والنعم كلها من الله كما قال سبحانه: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ  مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54)} [النحل: 53، 54].

فالذي انفرد بإعطائكم ما تحبون، وصرف عنكم ما تكرهون، هو الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له، ولكن أكثر الناس يظلمون أنفسهم، 

ويجحدون نعمة ربهم عليهم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والستون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

والله عزَّ وجلَّ هو الذي يحبب الإيمان إلى العباد، ويزينه في قلوبهم

 بما أودع فيها من محبة الحق وإيثاره، وبما نصب على الحق من الأدلة على صحته، وقبول القلوب والفطر له، وتوفيقهم للإنابة إليه كما قال سبحانه: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)} [الحجرات: 7].

وهو سبحانه الذي كره إليكم الكفر والفسوق والعصيان بما أودع في القلوب من

 كراهة الشر، وعدم إرادة فعله، وما نصبه من الأدلة على فساده، وعدم قبول الفطر له، وبيان أضراره.

فكل فضل ونعمة وخير يحصل للعباد إنما حصل لهم بفضل الله وإحسانه إليهم، لا بحولهم ولا بقوتهم، وهو العليم بمن يشكر النعمة فيوفقه لها، ممن لا يشكرها ولا تليق به، فيضع فضله حيث تقتضيه حكمته: {فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)} ... [الحجرات: 8].

والله عزَّ وجلَّ وإن كان أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، فإنه كذلك أحكم 

الحاكمين، وأعدل العادلين، لا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها، ولا يناقض جوده وكرمه، ورحمته وفضله، حكمته وعدله.

ولو أن أحداً من العقلاء وضع المسك في الحش، أو وضع النجاسة في موضع الطيب، لاشتد نكير الناس عليه، والقدح في عقله، وكذلك لو وضع العقوبة موضع الإحسان، أو وضع الإحسان موضع العقوبة، لسفهوه وقدحوا في عقله، وغير ذلك مما يخل بالحكمة.

فالعليم الحكيم الذي بهرت حكمته العقول والألباب كيف يليق به أن يضع 

الأشياء في غير مواضعها اللائقة بها، أو يمنعها من هو أهل لها؟.

وأجل النعم التي أنعم الله بها على العباد هي نعمة الإيمان بالله، ومعرفته ومحبته وطاعته، والرضا به، والإنابة إليه، والتوكل عليه، ولزوم عبوديته، وهذا كله 

من تمام حكمته ورحمته بعباده.

والله سبحانه من حكمته خلق الأضداد كما خلق الليل والنهار .. والحر والبرد .. والداء والدواء .. والعلو والسفل .. والذكر والأنثى .. واليابس والماء.

وكذلك الأرواح منها الطيب والخبيث .. وكذلك القلوب منها الشريف الزكي ..

 ومنها القلب الخسيس الخبيث.

وهو سبحانه أعلم بالقلوب الزاكية، والأرواح الطيبة، التي تصلح لاستقرار نعم الله فيها، وإيداعها عندها، ويزكو بذرها فيها.

فليس من الحكمة أن يبذر الإنسان البر في الصخور والسباخ، وفاعل ذلك غير حكيم ولا رشيد.

فما الظن ببذر الإيمان والقرآن والحكمة في المحال التي هي أخبث المحال، فهو سبحانه العليم الحكيم، وهو أعلم حيث يجعل رسالته، ويضع أمانته.

وهو سبحانه أعلم بمن يصلح لتحمل رسالته فيؤديها إلى عباده، ويقوم بحقها، ويصبر على أوامره، ويشكره على نعمه، ويعظمه ويتقرب إليه سبحانه، ومن لا يصلح لذلك.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة 

والستون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : الله عزَّ وجلَّ أعلم بمن

 يصلح من الأمم لوراثة رسله

وكذلك الله عزَّ وجلَّ أعلم بمن يصلح من الأمم لوراثة رسله، وإبلاغ دينه، فإن الله نظر في قلوب العباد، فرأى قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - خير قلوب أهل الأرض، فاختصه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد، فرأى قلوب أصحابه خير قلوب العباد فاختارهم لصحبته.

فالله عزَّ وجلَّ إذا علم من محل أهلية لفضله ومحبته، ومعرفته وتوحيده، حبب إليه ذلك، ووضعه فيه، وكتبه في قلبه، وأعانه عليه، ويسر له طرقه، وأغلق 

دونه الأبواب التي تحول بينه وبين ذلك، ثم تولاه بلطفه وتدبيره، فلا يزال يعامله

 بلطف، ويختصه بفضله ورحمته، ويمده بعونه، ويريه مواقع إحسانه إليه، 

وبره به، فيزداد العبد به معرفة، وله محبة، وإليه إنابة، وعليه توكلاً، وله ذكراً.

فهذا القلب الزاكي هو الذي اقتضت حكمة الله وكرمه وإحسانه أن يبذر فيه بذور الإيمان والمعرفة، وأن يسقيه بماء العلم النافع، ليقطف منه صاحبه ثمرة العمل الصالح، وصرف عنه الآفات المانعة من حصول الثمرة.

فأنبتت أرضه الزاكية من كل زوج كريم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ، كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أصَابَ أرْضاً، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ الْمَاءَ، فَأنْبَتَتِ الْكَلا وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أجَادِبُ، أمْسَكَتِ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا.

وَأصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أخْرَى، إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْساً، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أرْسِلْتُ بِهِ» متفق عليه

فشبه - صلى الله عليه وسلم - القلوب بالأرض، والوحي بالماء:

فمن الأرض أرض طيبة قابلة للماء والنبات .. وهذه الأرض بمنزلة القلب القابل

 لهدى الله ووحيه .. المستعد لزكاته فيه .. وثمرته ونمائه .. وهذا القلب خير قلوب العالمين.

ومن الأرض كذلك أرض صلبة قابلة لحفظ الماء .. لكن ليس فيها قوة الإنبات .. فهذه الأرض بمنزلة القلب الذي حفظ الوحي وأداه إلى من هو أفقه منه .. وهذا في الدرجة الثانية.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة 

والستون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

فمنه الإعداد .. ومنه الإمداد .. ومنه التوفيق. 

ومن الأرض كذلك أرض قيعان .. وهي الأرض المستوية التي لا تنبت لكونها سبخة، فإذا وقع عليها الماء ذهب ضائعاً، لم تمسكه لشرب الناس .. ولم تنبت به كلأً .. لأنها غير قابلة.

وهذا حال أكثر الخلق، وهم الأشقياء الذين لم يقبلوا هدى الله، ولم يرفعوا به

 رأساً، ومن كان بهذه المثابة فليس من المسلمين.

والله عزَّ وجلَّ أعلم بمواقع فضله ورحمته وتوفيقه، ومن يصلح لها، ومن لا يصلح

 لها.وحكمته جل وعلا تأبى أن يضع ذلك عند غير أهله، كما تأبى أن يمنعه من

 يصلح له. وهو سبحانه الذي جعل المحل صالحاً، وجعله أهلاً وقابلاً.

فمنه الإعداد .. ومنه الإمداد .. ومنه التوفيق.

فإن قيل فهلا جعل المحال كلها كذلك، وجعل القلوب على قلب واحد؟

قيل هذا القائل من أجهل الناس، وأضلهم، وأسفههم، وأصغرهم عقلاً.

وهو بمنزلة من يقول: لم خلق الله الأضداد؟.وهلا جعلها كلها سبباً واحداً؟.

فلم خلق الليل والنهار .. والشياطين والملائكة .. والحر والبرد .. والداء والدواء .. والروائح الطيبة والكريهة .. والحلو والمر .. والحسن والقبيح .. والذكر والأنثى؟.

ومن له أدنى مسكة من عقل يعلم أن هذا السؤال يدل على حمق سائله، وفساد عقله.

وهل خلق هذه الأشياء المتقابلة إلا موجب ربوبيته وإلهيته، وملكه وقدرته، ومشيئته وحكمته، ومحال أن يتخلف موجب صفات كماله عنها؟.

وهل حقيقة الملك إلا بإكرام الأولياء، وإهانة الأعداء؟.

وهل تمام الحكمة، وكمال القدرة، إلا بخلق المتضادات والمتقابلات والمختلفات، وترتيب آثارها عليها؟.

وهل ظهور آثار أسمائه وصفاته في العالم إلا من لوازم ربوبيته وملكه جل جلاله وعز سلطانه؟.

فهل يكون رزاقاً وغفاراً، وحليماً ورحيماً، ولم يوجد من يرزقه، ولا من يغفر له، ولا من يحلم عنه ويرحمه؟. وهل انتقامه إلا من لوازم ربوبيته وملكه؟.

فممن ينتقم إن لم يكن له أعداء ينتقم منهم؟.

ويري أولياءه كمال نعمته عليهم، واختصاصه إياهم دون غيرهم بكرامته وثوابه.

وليس في الحكمة تعطيل الخير الكثير لأجل شر جزئي يكون من لوازمه.

فالغيث الذي يحيي الله به البلاد والعباد، والشجر والدواب، كم يحبس من مسافر؟، وكم يهدم من بناء؟، وكم يعوق من مصلحة؟.

ولكن أين هذا مما يحصل به من المصالح العظيمة من الإرواء والإنبات والحياة؟.

وهل تلك المفاسد في جنب هذه المصالح العامة النافعة إلا كتفلة في بحر؟.

وهل تعطيله لئلا تحصل تلك المفاسد، إلا موجبٌ لأعظم المفاسد والهلاك والدمار؟.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة 

والستون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

الشمس سخرها الله لمنافع عباده

وهذه الشمس التي سخرها الله لمنافع عباده، وإنضاج ثمارهم وأقواتهم، كم تؤذي بحرّها مسافراً وغيره؟، وكم تجفف رطوبة؟، وكم تعطش من البهائم؟، وكم تحرق 

من نبات أخضر؟. ولكن أين يقع هذا في جنب ما فيها من المنافع والمصالح؟.

فتعطيل الخير الكثير لأجل الشر اليسير شر كثير، وهو خلاف موجب الحكمة الذي تنزه الله سبحانه عنه.

فحقيقة الإنسان أن نفسه جاهلة ظالمة، فقيرة محتاجة للعلم والهدى.

والشر الذي يحصل للإنسان نوعان: عدم .. ووجود.

فالأول: كعدم العلم والإيمان، وعدم الصبر وإرادة الخير، وعدم العمل بذلك.

والثاني: الشر الوجودي: كالعقائد الباطلة، والإرادات الفاسدة.

فذلك من لوازم ذلك العدم، فمتى عدم العلم النافع والعمل الصالح من النفس،

 لزم أن يخلق الشر والجهل وموجبهما ولا بد، لأن النفس لا بد لها من أحد الضدين، فإذا لم تشتغل بالأمر النافع الصالح، اشتغلت بالضد الضار الفاسد.

وهذا الشر الوجودي هو من خلقه تعالى، لأنه خالق كل شيء، لكن كل ما خلقه الله فله فيه حكمة لأجلها خلقه، فلو لم يخلقه فاتت تلك الحكمة.

وليس في الحكمة تفويت هذه الحكمة التي هي أحب إليه سبحانه من الخير الحاصل بعدمها، فإن في وجودها من الحكمة والغايات التي يحمد عليها سبحانه أضعاف ما في عدمها من ذلك.

ومن أرادت من الأرواح الخبيثة السفلية أن تكون مجاورة للأرواح الطيبة العلوية، في مقام الصدق بين الملأ الأعلى، فقد أرادت ما تأباه حكمة أحكم 

الحاكمين، والتي تفرق بين الأبرار والفجار كما قال سبحانه: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)} [الانفطار: 13، 14].

ولو أن ملكاً من ملوك الدنيا جعل خاصته وحاشيته سفلة الناس وسقطهم من أهل الردى والدناءة والقبائح، لقدح الناس في ملكه، وقالوا: لا يصلح للملك، لاختياره ما لا يليق به ولا بملكه.

فما الظن بمجاوري الملك الأعظم، مالك الملوك في داره، وتمتعهم برؤية وجهه، وسماع كلامه، ومرافقتهم للملأ الأعلى، الذين هم أطيب خلقه وأزكاهم وأشرفهم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السبعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

 لايليق بالدرجات العلا، أرواح سفلية أرضية

أفيليق بذلك الرفيق الأعلى، والمحل الأسنى، والدرجات العلا، أرواح سفلية

 أرضية، قد أخلدت إلى الأرض، وعصت ربها، وعكفت على شهواتها 

كالحيوانات والبهائم السائمة.

فلا ترى نعيماً ولا لذةً ولا سروراً إلا بما وافق طباعها من مأكل ومشرب ومنكح، من أين كان؟، وكيف كان؟.

فالفرق بينها وبين الكلاب والحمير انتصاب القامة، ونطق اللسان، والأكل باليد، والمشي على القدمين. أما الطبع بالقلب فعلى شاكلة هذه الحيوانات وطباعها.

بل ربما كانت طباع الحيوانات خيراً من طباع هؤلاء وأسلم وأقبل للخير، ولهذا 

جعلهم الله شر الدواب كما قال سبحانه: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ 

الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22)} [الأنفال: 22].

فهل يليق بحكمة العزيز الحكيم أن يجمع بين خير البرية وأزكى الخلق، وبين شر البرية وشر الدواب في دار واحدة؟.

ويكونون فيها على حال واحدة من النعيم أو العذاب؟.

هذا لا يكون أبداً، وتأباه حكمة أحكم الحاكمين: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)} [القلم: 35، 36].

وهل يليق بحكمة العزيز الحكيم أن يجمع بين المؤمن والفاسق في دار واحدة يوم

 القيامة: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)} [ص: 28].

فالله عزَّ وجلَّ خالق كل شيء، خلق الليل والنهار، والماء والتراب، والحر والبرد، والسهل والحزن، والضار والنافع، والبر والفاجر ونحو ذلك لنعرف كمال قدرته، وكمال حكمته، وكمال رحمته.

فكمال القدرة بخلق الأضداد، وكمال الحكمة بتنزيلها منازلها، ووضع كل منها في

 موضعه، وكمال الرحمة بالانتفاع بها، والاتعاظ بها.

والمؤمن يربط القدرة بالحكمة، فلا يكون شيء إلا بقدر الله ومشيئته وحكمته، وكما لا يخلو مخلوق من علم الله، فكذلك لا يخلو من حكمته.

فكل ما يحصل من النار من نفعها هو من فضل الله ورحمته، وما يحصل بها من شر هو من طبيعتها التي خلقت عليها، والتي لا تكون ناراً إلا بها.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والسبعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : ما يحصل للنفس من خير فهو من فضل الله ورحمته ، وما يحصل لها من شر فهو منها ومن طبيعتها

وكذلك النفس، فما يحصل لها من خير فهو من فضل الله ورحمته، والله خالقها، وخالق كل شيء قام بها، وما يحصل لها من شر فهو منها ومن طبيعتها ولوازم نقصها وجهلها.

فالنفس ليس عندها خير يحصل لها منها بل ذلك إلى الله، والنفس متحركة

 بالذات، فإن لم تتحرك بالخير تحركت بالشر فضرت صاحبها.

والنفس لا تكون إلا مريدة عاملة، فإن لم توفق للإرادة الصالحة وقعت في الإرادة الفاسدة والعمل الضار كما قال سبحانه: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)} [المعارج: 19 - 22].

فخلق الله عزَّ وجلَّ الإنسان على هذه الصفة، ومن كان على غيرها فلأجل ما زكاه الله به من فضله وإحسانه من الإيمان والتقوى.

وخَلقه على هذه الصفة هو من الأمور التي يحمد عليها الرب سبحانه، وهو موجب حكمته وعزته، وهي بالنسبة إلى الخالق سبحانه خير وعدل وحكمة.

وبالنسبة إلى العبد تنقسم إلى خير وشر، وحسن وقبيح، كما تكون بالنسبة إليه طاعة ومعصية، وِبراً وفجوراً.

ولله تبارك وتعالى الحكمة البالغة، والنعمة السابغة، والحمد المطلق على جميع ما خلقه وأمر به، وعلى توفيقه الموجب لطاعته، وعلى خذلانه الموقع في معصيته.

والله عزَّ وجلَّ رحمته سبقت غضبه، وما يحصل للبشر من الضرر والأذى، فله

 في ذلك أعظم حكمة مطلوبة. فكما أن الزارع يحصد الزرع ثم يجعل الحب الطيب في مكان يناسبه، والعيدان والقصب في مكان آخر، فالأول للإطعام والانتفاع، والثاني للإحراق والإتلاف. فكذلك الله تبارك وتعالى بحكمته ورحمته وفضله يجعل في الجنة من كان طيباً، وزرع خيراً، وجنى طيباً، ويجعل في النار من العباد من لا خير فيه، كالعيدان والشوك الذي لا يصلح إلا للنار.  [ الأنترنت – موقع الكلم الطيب  - فقه الحكمة في كل ما خلقه الله وأمر به ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والسبعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : *لماذا خلق الله عز وجل إبليس

تعالى الله وتقدّس ، وتنـزّه أن يخلق شيئا عَبَثاً . فإن الحكيم لا يفعل شيئا عبثاً .

فالله لم يَخلق شرّاً مَحضاً ، أي خالصاً ، فلا يُوجد مخلوق خُلِق لغير حِكمة ، بما في ذلك صغار الحيوانات والحشرات والميكروبات .

وقد تظهر الحكمة في هذا المخلوق لبعض الناس وتخفى على آخرين ، فإذا عُلِمت الحِكمة فبها ونعمت ، وإن لم تُعلم سلّمنا وآمنا بأن الله عليم حكيم .

أما خلق إبليس فقد ذَكَر ابن القيم رحمه الله حِكَماً عديدة في خلق إبليس ، وفي خَلق الكفار ، فقال :

فإن قيل : فإبليس شرٌّ محض ، والكفر والشر كذلك ، وقد دخلوا في الوجود . فأي خير في إبليس ؟ وفي وجود الكفر ؟

قيل : في خلق إبليس من الحكم والمصالح والخيرات التي ترتبت على وجوده ما لا يعلمه إلا الله كما سننبه على بعضه ، فالله سبحانه لم يخلقه عبثا ، ولا قصد بخلقه أضرار عباده وهلاكهم ، فكم لله في خلقه من حكمة باهرة ، وحجة قاهرة ، وآية ظاهرة ، ونعمة سابغة ، وهو وإن كان للأديان والإيمان كالسُّموم للأبدان ، ففي إيجاد السموم من المصالح والحكم ما هو خير من تفويتها ، وأما الذي لا خير فيه ، ولا شرّ فلا يدخل أيضا في الوجود ، فإنه عبث ، فتعالى الله عنه .   وإذا امتنع وجود هذا القسم في الوجود فدخول ما الشر في إيجاده أغلب من الخير أولى بالامتناع ، ومن تأمل هذا الوجود علم أن الخير فيه غالب ، وأن الأمراض - وإن كثرت - فالصحة أكثر منها ، واللذّات أكثر من الآلام ، والعافية أعظم من البلاء ، والغرق والحرق والهدم ونحوها ، وإن كثُرت فالسلامة أكثر ، ولو لم يوجد هذا القسم الذي خيره غالب لأجل ما يعرض فيه من الشر لَفَاتَ الخير الغالب ، وفوات الغالب شرّ غالب ، ومثال ذلك النار ، فإن في وجودها منافع كثيرة ، وفيها مفاسد لكن إذا قابلنا بين مصالحها ومفاسدها لم تكن لمفاسدها نسبة إلى مصالحها ، وكذلك المطر والرياح والحر والبرد ، وبالجملة فعناصر هذا العالم السفلي خيرها ممتزج بشرها ، ولكن خيرها غالب ، وأما العالم العلوي فبريء من ذلك .

فإن قيل : فهلا خلق الخلاّق الحكيم هذه خالية من الشر بحيث تكون خيرات محضة ؟ فإن قلتم : اقتضت الحكمة خلق هذا العالم ممتزجا فيه اللذة بالألم والخير بالشر ، قد كان يمكن خلقه على حَالَةٍ لا يكون فيه شرّ ، كالعالم العلوي ؛ سلمنا أن وجود ما الخير فيه أغلب من الشر أولى من عدمه ، فأي خير ومصلحة في وجود رأس الشر كله ومنبعه وقدوة أهله فيه إبليس ؟ وأي خير في إبقائه إلى آخر الدهر ؟ وأي خير يغلب في نشأة يكون فيها تسعة وتسعون إلى النار وواحد في الجنة ؟ وأي خير غالب حصل بإخراج الأبوين من الجنة حتى جرى على الأولاد ما جرى ولو داما في الجنة لارتفع الشر بالكلية ؟ ...

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والسبعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : *لماذا خلق الله عز وجل إبليس 

ثم قال ابن القيم بعد ذلك : قولهم : " أي حكمة في خلق إبليس وجنوده ؟ "

ففي ذلك من الْحِكَم مالا يحيط بتفصيله إلا الله ، فمنها :

أن يُكمل لأنبيائه وأوليائه مراتب العبودية بمجاهدة عدو الله وحزبه ومخالفته ومراغمته في الله وإغاظته وإغاظة أوليائه والاستعاذة به منه والإلتجاء إليه أن يعيذهم من شرِّه وكيده ، فيترتب لهم على ذلك من المصالح الدنيوية والأخروية ما لم يحصل بدونه - وقدمنا أن الموقوف على الشيء لا يحصل بدونه - .

ومنها : خوف الملائكة والمؤمنين من ذنبهم بعد ما شاهدوا من حال إبليس ما شاهدوه وسقوطه من المرتبة الملكية إلى المنـزلة الإبليسية يكون أقوى وأتَمّ ، ولا ريب أن الملائكة لما شاهدوا ذلك حصلت لهم عبودية أخرى للرب تعالى وخضوع آخر وخوف آخر ، كما هو المشاهد من حال عبيد الملك إذا رأوه قد أهان أحدهم الإهانة التي بلغت منه كل مبلغ وهم يشاهدونه فلا ريب أن خوفهم وحذرهم يكون أشد .

ومنها : أنه سبحانه جَعَلَه عبرة لمن خالف أمره وتكبر عن طاعته وأصرّ على معصيته ، كما جعل ذنب أبي البشر عبرة لمن ارتكب نهيه أو عصى أمره ثم تاب 

وندم ورجع إلى ربه فابتلى أبوي الجن والإنس بالذنب وجعل هذا الأب عبرة لمن 

أصر وأقام على ذنبه وهذا الأب عبرة لمن تاب ورجع إلى ربه فلله كم في 

ضمن ذلك من الحكم الباهرة والآيات الظاهرة .

ومنها :أنه مَحَكّ امتحن الله به خلقه ليتبين به خبيثهم من طيبهم ، فإنه سبحانه خلق النوع الإنساني من الأرض ، وفيها السهل والحزن والطيب والخبيث ، فلا بد أن يظهر فيهم ما كان في مادتهم كما في الحديث الذي رواه الترمذي مرفوعا : إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على مثل ذلك منهم الطيب والخبيث والسهل والحزن وغير ذلك . فما كان في المادة الأصلية فهو كائن في المخلوق منها ، فاقتضت الحكمة الإلهية إخراجه وظهوره ، فلا بُدّ إذاً من سبب يُظهر ذلك ، وكان إبليس مَحَكّا يُميز به الطيب من الخبيث كما جعل أنبيائه ورسله مَحَكّا لذلك التمييز ، قال تعالى : (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ) فأَرْسَلَه إلى المكلفين وفيهم الطيب والخبيث فانضاف الطيب إلى الطيب ، والخبيث إلى الخبيث ، واقتضت حكمته البالغة أن خلطهم في دار الامتحان فإذا صاروا إلى دار القرار يُميز بينهم ، وجعل لهؤلاء دارا على حِدة ، ولهؤلاء داراً على حِدة ؛ حكمة بالغة ، وقُدرة قاهرة .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والسبعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : *لماذا خلق الله عز وجل إبليس

ومنها :أن يظهر كمال قدرته في خلق مثل جبريل والملائكة ، وإبليس والشياطين ، وذلك من أعظم آيات قدرته ومشيئته وسلطانه ، فإنه خالق الأضداد كالسماء والأرض ، والضياء والظلام ، والجنة والنار ، والماء والنار ، والحر والبرد ، والطيب والخبيث .

ومنها : أن خَلْق أحد الضِّدين من كمال حسن ضِدّه ، فإن الضد إنما يَظهر حسنه بِضِدِّه ، فلولا القبيح لم تُعرف فضيلة الجميل ، ولولا الفقر لم يُعرف قدر الغِنى ، كما تقدم بيانه قريبا .

ومنها : أنه سبحانه يُحِبّ أن يُشكر بحقيقة الشكر وأنواعه ، ولا ريب أن أولياءه نالوا بوجود عدو الله إبليس وجنوده وامتحانهم به من أنواع شُكره ما لم يكن ليَحصل لهم بدونه ، فكم بين شكر آدم وهو في الجنة - قبل أن يخرج منها - وبين شُكره بعد أن ابْتُلي بِعَدوه ، ثم اجتباه ربه وتاب عليه وقَبِلَه .

ومنها : أن المحبة والإنابة والتوكل والصبر والرضاء ونحوها أحبّ العبودية إلى الله سبحانه ، وهذه العبودية إنما تتحقق بالجهاد ، وبذل النفس لله ، وتقديم 

محبته على كل ما سواه ، فالجهاد ذروة سنام العبودية ، وأحبها إلى الرب 

سبحانه ، فكان في خلق إبليس وحِزْبِه قيام سوق هذه العبودية وتوابعها التي لا يُحْصِي حكمها وفوائدها وما فيها من المصالح إلا الله .

ومنها : أن في خَلْق من يُضادّ رسله ويكذبهم ويعاديهم من تمام ظهور آياته وعجائب قدرته ولطائف صنعه ما وجوده أحب إليه وأنفع لأوليائه من عدمه ... وأضعاف أضعاف ذلك من آياته وبراهين قدرته وعلمه وحكمته فلم يكن بُدّ من وجود الأسباب التي يترتب عليها ذلك ، كما تقدم .

ومنها : أن المادة النارية فيها الإحراق والعلو والفساد ، وفيها الإشراق والإضاءة 

والنور ، فأخرج منها سبحانه هذا وهذا ، كما أن المادة الترابية الأرضية فيها الطيب والخبيث والسهل والحزن والأحمر والأسود والأبيض ، فأخرج منها ذلك كله حكمة باهرة وقدرة قاهرة وآية دالة على أنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير  وتُنظر بقية كلامه في كتابه النافع الماتع : شفاء العليل .والله أعلم .

رحم الله ابن حزم ، قال ، فَصَدَق .. قال ابن حزم رحمه الله في " الفصل في 

الملل والأهواء والنحل " :اعلموا رحمكم الله أن جميع فرق الضلالة لم يُجرِ الله على أيديهم خيرا ! ولا فَتح بهم مِن بلاد الكفر قرية ، ولا رُفع للإسلام راية ، وما زالوا يَسعون في قلب نظام المسلمين ويُفرِّقون كلمة المؤمنين ، ويَسلّون السيف على أهل الدِّين ، ويَسعون في الأرض مفسدين .

أما الخوارج والشيعة فأمْرُهم في هذا أشهر مِن أن يُتَكَلَّف ذِكْره . وما تَوَصَّلَت الباطنية إلى كيد الإسلام وإخراج الضعفاء منه إلى الكفر إلاّ على ألْسِنة الشيعة . اهـ 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن الرافضة : فهل يوجد أضل من قوم يعادون السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ويُوالُون الكفار والمنافقين ؟!

وقال رحمه الله : الرافضة ليس لهم سعي إلاّ في هدم الإسلام ، ونقض عُراه ،

 وإفساد قواعده . وقال أيضا : ومَن نَظر في كتب الحديث والتفسير والفقه والسير عَلِم أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، وأن أصل كل فِتنة وبَلِية هم الشيعة ومَن انضوى إليهم ، وكثير مِن السيوف التي سُلّت في الإسلام إنما كانت مِن جهتهم ، وعَلِم أن أصلهم ومادّتهم منافقون ، اختلقوا أكاذيب ، وابتدعوا آراء فاسدة ، ليفسدوا بها دين الإسلام .[ الأنترنت – موقع مشكاة -  لماذا خلق الله عز وجل إبليس - عبد الرحمن السحيم ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والسبعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم اللّه على خلقه:

قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ} آدم عليه السلام بدليل قوله: {مِنْ سُلالَةٍ} أي خلاصة {مِنْ طِينٍ} 12 معجون من أنواع تراب الأرض، ولذلك ترى أولاده الأبيض والأحمر والأسود والأصفر وما بينهما، والمؤمن والمنافق والكافر والمرائي والمداهن وما بينهما {ثُمَّ جَعَلْناهُ} أي الإنسان {نُطْفَةً} ماء قليلا نحو النقطة من مائي الرجل والمرأة والمراد نسل آدم، لأنه المخلوق من النطفة لا آدم نفسه {فِي قَرارٍ مَكِينٍ} 13 حصين وهو الرحم لا يتسرب إليه غيرها {ثُمَّ خَلَقْنَا} وسط ذلك الرحم المحرز المصون بتلك {النُّطْفَةَ} فصيرناها {عَلَقَةً} قطعة دم جامد {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ} المذكورة وصيرناها في مقرها {مُضْغَةً} قطعة لحم صغيرة {فَخَلَقْنَا} تلك {الْمُضْغَةَ} نفسها بأن أحلناها {عِظامًا} وعروقا داخل مقرها المذكور {فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْمًا} سترناها به، ولذلك قال كسونا لأن اللحم كالكسوة للعظم والعرق، إذ تتداخل به وتمتد لربط المفاصل بصورة محكمة من فعل الحكيم القدير {ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقًا آخَرَ} بسبب نفخ الروح فيه وصيرورته حيوانا سميعا بصيرا ناطقا بعد أن كان جمادا، فهو مباين لحالته الأولى، ولذلك قال تعالى: {خَلْقًا آخَرَ} وفي العطف بثم المفيدة للتراخي إعلام بأن ما بين كل حالة وأخرى احتياج إلى الزمن، وهو كذلك لما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال حدثنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق «أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه ملك بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فو اللّه الذي لا إله إلا هو إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها».

واعلم أن جملة فيما يبدو للناس لم تكن في هذا الحديث، وإنما هي في حديث آخر رواه البخاري، ولذلك جعلناها بين قوسين، ورويا عن أنس أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال «وكل اللّه بالرحم ملكا فيقول أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد اللّه تعالى أن يقضي خلقها، قال يا رب أذكرا أم أنثى أسقي أم سعيد، في الرزق، في الأجل، فيكتب له ذلك في بطن أمه قال تعالى: {فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ} 14» المبدعين المصورين المقتدرين الموجدين، وقد ذكرنا مراتب الخلق في الآية 64 من سورة المؤمن والآية 14 من سورة الأحقاف المارتين فراجعهما.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والسبعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم اللّه على خلقه:

{ثُمَّ إِنَّكُمْ} أيها الناس {بَعْدَ ذلِكَ} الخلق وخروجكم من الرحم واستيفاء آجالكم في الدنيا {لَمَيِّتُونَ} 15 ومفارقون هذه الأرض التي نشأتم عليها فتدفنون فيها أو فيما فيها {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ} بعد انقضاء أجلكم في البرزخ كما هو مقدر أزلا {تُبْعَثُونَ} 16 أحياء كما كنتم في الدنيا فتساقون إلى الوقف وتحشرون فيه فتحاسبون وتجازون على ما عملتموه الخير بأحسن منه والشر بمثله، فعلى العاقل أن يتهيأ للموت لأن أمراً لا تدري متى يغشاك يجب أن تستعد له قبل أن يفاجئك قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ} سموات سميت طرائق لأنها طرق الملائكة ومتقلباتهم {وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ} 17 لاهين ولا ساهين عن أقوالهم وأفعالهم، بل كنا ولا نزال متيقظين لحفظ أعمالهم ونحصيها عليهم كما نحفظهم في حياتهم حتى يبلغوا أجلهم وما قدر إليهم في الدنيا ويستوفونه كاملا.

قال تعالى: {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ} لحاجة البشر وزروعهم وأنعامهم ومنافعهم {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرض} وجعلناه ينابيع عيونا وأنهارا متنوعة، ونظير هذه 

الآية بالمعنى الآية 22 من الزمر المارة {وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ} 18 كقدرتنا على إنزاله وإسلاكه في الأرض والإعادة أهون من الابتداء لأنه إبداع على غير مثال سابق والإعادة إرجاع الشيء لأصله وهو سهل على كل مبدع 

{فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ}.

19 شتاء وصيفا رطبا ويابسا {وَشَجَرَةً} أنشأناها لكم أيضا {تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ} جبل بفلسطين ملتف بالأشجار وكل ما هو كذلك يسمى سينا {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} الزيت لأن ثمرها الزيتون والدهن يعصر منه فكأنها نبتت به {وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} 20 أدام يصبغ الخبز بصفاره الصافي البديع، قالوا: إن أول شجرة ثبتت في الأرض بعد الطوفان هي الزيتون، وقالوا إنها تعيش ثلاثة آلاف سنة، ويدل على هذا تأخر إعطائها الثمر، والزيتون الموجود الآن بقضاء الزوية يسمّونه الروماني، ويقولون إنهم تلقوه عن أجدادهم الذين لا يعرفون تاريخ زرعه، وإذا أنعم الإنسان النظر فيه يصدق عقلا بأنه من زرع الرومان الذين كانوا في تلك المنطقة لما يرى من كبر أشجاره وتعميرها، ومن موقعه وأرضه واللّه أعلم.

قال تعالى بعد أن عدد هذه الصفات العشر التي ينبغي أن يتحلّى بها الإنسان وبيّن أحوال خلقه ومآلهم وعودهم إلى خالقهم وأفهمهم بأنه كما كان أصل الإنسان من الماء فكذلك الأشجار أصلها من الماء، وبين ما أودعه في السموات والأرض من منافع إليه، ذكر ما خلقه أيضا لأجله فقال: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها} إذ نخرج لكم منها لبنا خالصا، راجع الآية 66 من سورة النحل المارة وقد بين فيها سبب تذكير الضمير هناك وتأنيثه هنا {وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ} جليلة من ثماد ودثار وظلال ولباس وزينة ورياش {وَمِنْها تَأْكُلُونَ} 21 وتشربون أيضا، وقد حذف الشرب لدلالة الأكل عليهَ {وعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} 32 برا وبحرا، 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والسبعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم اللّه على خلقه:

قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَ فَلا تَتَّقُونَ} 13 عقابه، تأكلون رزقه وتعبدون غيره {فَقالَ الْمَلَأُ} أشراف قومه لأن أكثر ما يصيب الضعفاء بذنوب الأكابر لأنهم القادة والسادة وإليهم الأمر والنهي طلبا لما عندهم من المال والجاه، ثم فسر الملأ بقوله: {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا} نوح وقومه الذين يدعونكم إلى عبادة ربهم {إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} بدعوته لتكون الرياسة له عليكم وتكونوا أتباعا له {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ} أن يرسل أحدا لدعوة خلقة إلى عبادته كما يزعم نوح {لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً} يدعونهم إليه لا بشرا مثلنا {ما سَمِعْنا بِهذا} الذي يدعو إليه نوح {فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ} 24 ولم ينقل لنا عنهم أحد شيئا من هذا {إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} فلا تسمعوا قوله أيها الناس اتركوه وشأنه {فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ} 25 موته أو إلى أن يتبين لكم حاله عند صحوه من جنونه فإذا أصر على قوله قتلناه. فلما سمع هذا منهم ويس من إيمانهم دعا ربه بإهلاكهم، فأهلكهم كما قدمنا في القصة الواردة في الآية 26 من سورة نوح المارة.

وفيها ما يرشدك إلى توضيحها في الآية 35 من سورة هود، وقال تعالى حاكيا عن نبيه بما معناه بالآية 37 من سورة الفرقان {قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا} على مرأى منا {وَوَحْيِنا} بكيفية صنع السفينة {فَإِذا جاءَ أَمْرُنا} بعذاب قومك غرقا {وَفارَ التَّنُّورُ} تقدم بيانه ومكانه وكيفية الغرق ومدته ومكان السفينة ومرساها في الآية المذكورة في سورة هود فما بعدها {فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ} من أصناف الحيوان {زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} ومن آمن بك احملهم معك {إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ} فلا تحمله معك وهم زوجته واعلة وابنه كنعان كما مر أيضا هناك {وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا} من قومك {إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} 27 جميعا حيث حق القول عليهم مر تفسير مثلها في الآية 37 من سورة هود أيضا {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} 28 أنفسهم بكفرهم وعصيانهم {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} 29 لأنا ضيوفك فهيئ لنا مكانا، من خيراتك، وكثر لنا نسلنا فيه نكثر من عبادتك، وإنما وصفه بالأخيرية لأن المضيف يكرم أضيافه ويحتاط بأمرهم، ولكن لا يقدر أن يكلأهم في سائر أحوالهم ويدفع عنهم المكاره في تقلّباتهم مثل الإله القادر على ذلك وغيره {إِنَّ فِي ذلِكَ} إنجاء نوح ومن معه وإغراق قومه وابنه وزوجته {لَآياتٍ} عظيمات دالات على كمال القدرة وموجبات العظة والعبرة {وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} 30 الناس ومختبريهم وممتحنيهم بإرسال الرسل لتنظر هل يسمعون لهم او يعرضون عنهم، وهذا بالنسبة للخلق، وأما الخالق فهو عالم بذلك قبل كونه. 

[ الأنترنت – موقع نداء الإيمان  - مطلب مراتب الخلق، وتعداد نعم اللّه على خلقه ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنةوالسبعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* من مراتب الإيمان بالقدر: مرتبة الخلق

 الإيمان بالقدر ركن عظيم من أركان الإيمان، ولا يتحقق إيمان العبد بالقدر ولا يصح ولا يكتمل حتى يؤمن بمراتب القدر الأربعة: يؤمن بمرتبة العلم؛ باعتقاده أن الله يعلم كل شيء، ويؤمن بمرتبة الكتابة؛ باعتقاده أن الله قد كتب كل مقدور للمخلوقات كلها، ويؤمن بمرتبة المشيئة؛ باعتقاده بأن مشيئة الله نافذة وعامة وشاملة لكل شيء، والإيمان بمرتبة الخلق، وهذه المرتبة ستكون موضوع خطبتنا اليوم -بإذن الله-.

عباد الله: وإن من مراتب القدر التي اتفق عليها علماء العقيدة من أهل السنة والجماعة الذي يستمدون عقيدتهم من الكتاب والسنة هي مرتبة الخلق؛ فالمؤمن يعتقد اعتقادا جازما بأن الله سبحانه خالق كل شيء؛ فهو خالق كل عامل وعمله، وكل متحرك وحركته، وكل ساكن وسكنته، ومن ذلك أفعال العباد؛ فلا يقع في هذا الكون شيء ولا يحدث حدث، ولا يتصرف أمر، إلا هو خالقه سبحانه، قال الحكمي في بيان حقيقة الإيمان بمرتبة الخلق: “هُوَ الْإِيمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ -سُبْحَانه وَتَعَالَى- خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَهُوَ خَالِقُ كُلِّ عَامِلٍ وَعَمَلِهِ, وَكُلِّ مُتَحَرِّكٍ وَحَرَكَتِهِ, وَكُلِّ سَاكِنٍ وَسُكُونِهِ, وَمَا مِنْ ذرة في السموات وَلا فِي الأرْضِ إِلا وَاللَّهُ -سُبْحَانه وَتَعَالَى- خَالِقُهَا وَخَالِقُ حَرَكَتِهَا وَسُكُونِهَا, سُبْحَانَهُ لَا خَالِقَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ“.

إخواني الكرام: إن مرتبة الخلق، باعتبارها مرتبة أساسية من مراتب القدر قد دلت عليها النصوص الكثيرة؛ فمن ذلك، قوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)[الأنعام:62]، وكل لفظ من ألفاظ العموم فيعم كل شيء يتطرق إليه احتمال المخلوقية، فيكون الله تعالى هو خالقه، قال السعدي: “هذه العبارة وما أشبهها، مما هو كثير في القرآن تدل على أن جميع الأشياء -غير اللّه- مخلوقة؛ ففيها رد على كل من قال بقدم بعض المخلوقات؛ كالفلاسفة القائلين بقدم الأرض والسماوات، وكالقائلين بقدم الأرواح، ونحو ذلك من أقوال أهل الباطل المتضمنة تعطيل الخالق عن خلقه.

وليس كلام اللّه من الأشياء المخلوقة؛ لأن الكلام صفة المتكلم، واللّه تعالى بأسمائه وصفاته أول ليس قبله شيء، فأخذ أهل الاعتزال من هذه الآية ونحوها أنه مخلوق من أعظم الجهل؛ فإنه تعالى لم يزل بأسمائه وصفاته، ولم يحدث له صفة من صفاته، ولم يكن معطلا عنها بوقت من الأوقات، والشاهد من هذا أن اللّه تعالى أخبر عن نفسه الكريمة أنه خالق لجميع العالم العلوي والسفلي، وأنه على كل شيء وكيل، والوكالة التامة لا بد فيها من علم الوكيل، بما كان وكيلا عليه، وإحاطته بتفاصيله، ومن قدرة تامة على ما هو وكيل عليه؛ ليتمكن من التصرف فيه، ومن حفظ لما هو وكيل عليه، ومن حكمة، ومعرفة بوجوه التصرفات؛ ليصرفها ويدبرها على ما هو الأليق؛ فلا تتم الوكالة إلا بذلك كله، فما نقص من ذلك، فهو نقص فيها”.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والسبعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* من مراتب الإيمان بالقدر: مرتبة الخلق

 ومن الأدلة القوية في القدر ومرتبة الخلق منه، وما يتعلق بأفعال العباد، قول الله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا  تَعْمَلُونَ)[الصافات:96]، قال الطبري وابن كثير: “والله خلقكم وعملكم“، وقال القرطبي: “أي: خلقكم، وخلق عملكم“؛ فعقيدتنا أن الله تعالى خالق أفعال العباد بجميع أنواعها من خير وشر، وهذا ما دل عليها الكتاب والسنة، قال الإمام أحمد في وجوب الاعتقاد بالقدر: “والقدر خيره وشره، وقليله وكثيره، وظاهره وباطنه، وحلوه ومره، ومحبوبه ومكروهه، وحسنه وسيئه، وأوله وآخره من الله قضاءً قضاه وقدراً قدره، لا يعدو واحد منهم مشيئة الله -عز وجل-، ولا يجاوز قضاءه بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له واقعون فيما قدر عليهم لا محالة، وهو عدل منه -عزّ ربنا وجل-“.

عباد الله: لقد بين الله تعالى في كتابه العظيم الواقع العملي للقدر وظهوره في

 مخلوقات الله تعالى بآيات صريحة؛ كما في قوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)[القمر:49]؛ فما معنى هذه الآية العظيمة؟

قال الطبري: “إنا خلقنا كل شيء بمقدار قدرناه وقضيناه “، وقال القرطبي: “الذي عليه أهل السنة أن الله سبحانه قدّر الأشياء؛ أي: علم مقاديرها وأحوالها وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد منها ما سبق في علمه أنه يوجِده على نحو ما سبق في علمه، فلا يحدث حدث في العالم العلوي والسفلي إلا وهو صادر عن علمه تعالى وقدرته وإرادته دون خلقه“، وقال ابن كثير: “ولهذا يستدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة على إثبات قدر الله السابق لخلقه، وهو علمه الأشياء قبل كونها وكتابته لها قبل برئها“، وقال السعدي: “وهذا شامل للمخلوقات والعوالم العلوية والسفلية، أن الله تعالى وحده خلقها لا خالق لها سواه، ولا مشارك له في خلقها، وخلقها بقضاء سبق به علمه، وجرى به قلمه، بوقتها ومقدارها، وجميع ما اشتملت عليه من الأوصاف، وذلك على الله يسير“.

أيها المسلمون: نسمع كثيرا جملة وتؤمن “بالقدر خيره وشره” وهي نص من حديث جبريل في البخاري؛ فما معنى هذه العبارة تحديدا؟ وكيف نفهمها فهماً سليماً دون الطعن بالقدر؟ يقول العلماء: إن وصف القدر بالخير الأمر فيه ظاهر، وأما وصف القدر بالشرّ فالمراد به شرّ المقدور والمفعول لا شرّ القدر الذي هو فعل الله؛ فإن فعل الله -عز وجل- ليس فيه شرّ، كل أفعاله خير وحكمة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح في سنن أبي داود-: “والشّرّ ليس إليك“، وهذا المفعول الذي هو شر قد يكون شراً في نفسه لكنه خير من جهة أخرى، من هنا إياك ثم إياك -أيها المؤمن- أنْ تتهم أقدار الله التي هي أفعاله بأنها شرّ لا حكمة فيها.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثمانون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : * من مراتب الإيمان بالقدر: مرتبة الخلق

  إن فقه القدر وفقه مرتبة الخلق منه توجب علينا الاعتقاد بأن الله يخلق الخير ويخلق الشر، لا كما تزعم القدرية والمعتزلة بأن الله يخلق الخير ولا يخلق الشر، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: “إِنَّمَا جَعَلَهُمْ (القدرية) -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَجُوسًا لِمُضَاهَاةِ مَذْهَبهمْ مَذْهَب الْمَجُوس فِي قَوْلهمْ بِالْأَصْلَيْنِ النُّور وَالظُّلْمَة يَزْعُمُونَ أَنَّ الْخَيْر مِنْ فِعْل النُّور، وَالشَّرّ مِنْ فِعْل الظُّلْمَة، فَصَارُوا. وَكَذَلِكَ الْقَدَرِيَّة يُضِيفُونَ الْخَيْر إِلَى اللَّه تَعَالَى وَالشَّرّ إِلَى غَيْره، وَاَللَّه -سُبْحَانه وَتَعَالَى- خَالِق الْخَيْر وَالشَّرّ جَمِيعًا لَا يَكُون شَيْء مِنْهُمَا إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ فَهُمَا مُضَافَانِ إِلَيْهِ -سُبْحَانه وَتَعَالَى- خَلْقًا وَإِيجَادًا وَإِلَى الْفَاعِلَيْنِ لَهُمَا مِنْ عِبَاده فِعْلًا وَاكْتِسَابًا“.

كما أن اعتقادنا بأن الله خالق الإنسان وخالق أفعاله لا ينفي هذا امتلاك الإنسان للقدرة على الفعل وأنه يفعل الشيء على الحقيقة بإرادته ومشيئته؛ إذ لا يعني كون الله خالقنا وخالق أعمالنا أنه ليس للإنسان قدرة ولا فعل كما تقول به بعض الفرق الضالة، يقول الحكمي في بيان ذلك: “لِلْعِبَادِ قُدْرَةٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَلَهُمْ مَشِيئَةٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى خَالِقُهُمْ وَخَالِقُ قُدْرَتِهِمْ وَمَشِيئَتِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، وَهُوَ تَعَالَى الَّذِي مَنَحَهُمْ إِيَّاهَا وَأَقْدَرَهُمْ عَلَيْهَا وَجَعَلَهَا قَائِمَةً بِهِمْ مُضَافَةً إِلَيْهِمْ حَقِيقَةً، وَبِحَسَبِهَا كُلِّفُوا عَلَيْهَا يُثَابُونَ وَيُعَاقَبُونَ، وَلَمْ يُكَلِّفْهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلا وُسْعَهُمْ وَلَمْ يُحَمِّلْهُمْ إِلَّا طَاقَتَهُمْ، قَالَ تَعَالَى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا 

كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)[الْبَقَرَةِ:286]”.

أيها المؤمنون: إن مقتضى مرتبة الخلق ومرتبة المشيئة الإلهية وإيمانك بهما ومقتضى المشيئة الإنسانية والقدرة الإنسانية وإيمانك بهما يقودنا إلى فقه سليم للقدر؛ خلاصته كما يقول علماء الكتاب والسنة: “أفعال العباد كلَّها من الطاعات والمعاصي داخلةٌ في خلق الله، وقضائه وقدره؛ فقد علم الله -عز وجل- ما سيخلقه في عباده، وعلم ما هم فاعلون، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، وخلقهم الله كما شاء، ومضى فيهم قدره، فعملوا على النحو الذي شاءه فيهم، وهدى الله من كتب لهم السعادة، وأضل من كتب عليهم الشقاوة، وعلم أهل الجنة ويسرهم لعمل أهلها، وعلم أهل النار ويسرهم لعمل أهلها؛ فأفعال العباد هي من الله خلقاً وإيجاداً وتقديراً، وهي من العباد فعلاً وكسباً؛ فالله هو الخالق لأفعالهم، وهم الفاعلون لها، فنؤمن بجميع نصوص الكتاب والسنة الدالة على شمول خلق الله، وقدرته على كل شيء من الأعمال والأوصاف، كما نؤمن بنصوص الكتاب والسنة الدالة على أن العباد هم الفاعلون حقيقةً للخير والشر، وعلى هذا اتفق

 أهل السنة والجماعة” .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثمانون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* من مراتب الإيمان بالقدر: مرتبة الخلق

  لنستمع إلى ابن القيم وهو يبين للمؤمن الطريق القويم في التعامل مع مرتبة الخلق، وفهمها فهما سليما ضمن المراتب الأخرى، بعيدا عن نزغات الفرق وشبهات المضلين، يقول: “ووجدت حزب الله ورسوله وأنصار سنته يثبتون قدرة الله على جميع الموجودات من الأعيان والأفعال ومشيئته العامة، وينزهونه أن يكون في ملكه ما لا يقدر عليه ولا هو واقع تحت مشيئته، ويثبتون القدر السابق، وأن العباد يعملون على ما قدره الله وقضاه وفرغ منه، وأنه لا يشاؤون إلا أن يشاء الله ولا يفعلون إلا من بعد مشيئته، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

والقدر عندهم قدرة الله تعالى وعلمه ومشيئته وخلقه؛ فلا يتحرك ذرة فما فوقها إلا بمشيئته وعلمه وقدرته، ويؤمنون بأن من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأنه هو الذي يجعل المسلم مسلما والكافر كافرا والمصلي مصليا والمتحرك متحركا، وهو الذي يسير عبده في البر والبحر وهو المسير والعبد السائر وهو الهادي والعبد المهتدي، ويثبتون مع ذلك قدرة العبد وإرادته واختياره وفعله حقيقة لا مجازا وهم متفقون على أن الفعل غير المفعول، فحركاتهم واعتقاداتهم أفعال لهم حقيقة وهي مفعولة لله سبحانه مخلوقة له حقيقة، والذي قام بالرب -عز وجل- علمه وقدرته ومشيئته وتكوينه، والذي قام بهم هو فعلهم وكسبهم وحركاتهم وسكناتهم؛ فهم المسلمون المصلون القائمون القاعدون حقيقة، وهو سبحانه هو المقدر لهم على ذلك القادر عليه الذي شاءه منهم وخلقه لهم ومشيئته وفعله بعد مشيئته؛ فما يشاؤون إلا أن يشاء الله وما يفعلون إلا أن يشاء الله”.

أيها المؤمنون: هذا الاعتقاد السليم بمرتبة الخلق وما يسبقها من مراتب القدر الأخرى – مرتبة العلم ومرتبة الكتابة ومرتبة المشيئة- يقود المؤمن إلى التوحيد الخالص، ويخلصه من التوحيد الباطل والشرك المهلك؛ فلا يذهب مع تلك الآراء والأهواء والتفلسفات حول القدر التي تزعم تارة أن الله لا يعلم الشيء إلا بعد حدوثه، أو أن الله لا يشاء كل شيء، ولا يخلق الشر، أو أن العباد مجبورون لا إرادة أو أنهم لا قدرة حقيقة لديهم على الفعل، أو أنه ليس من العدل محاسبتهم على ما قدر عليهم، أو أن الله تعالى لم يخلق أفعال العباد، وغير ذلك من الضلالات التي ترفضها عقيدة أهل السنة والجماعة المستمدة من الكتاب والسنة؛ فالله الله في إيمانك -أيها المسلم- بهذه المراتب الأربعة للقدر وتفقهك في معانيها ودلالاتها وآثارها الإيجابية في حياتك.

[ الأنترنت – موقع ملتقى الخطباء  - الفريق العلمي-  من مراتب الإيمان بالقدر: مرتبة الخلق ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والثمانون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* تأملات إيمانية في اسم الخالق والخلاق والبارئ والمصور

والخلق هو: الإنشاء على مثال لم يُسبق إليه، أحدثه بعد إذ لم يكن.خلق الشمس والقمر، والسماء والأرض، خلق الجبال والوديان، والسهول والبحار.

خلق الأحجار باختلاف أحجامها وأنواعها، وخلق الأشجار باختلاف ثمارها وألوانها.

خلق الإنسان وحفظه في بطن أمه تسعة أشهر، حتى يخرج إلى الدنيا، خلق

 الملائكة والجن والحيوانات والحشرات: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ)[فاطر: 3].

صنف المبدَعات، وجعل لكل صنف منها قدرا، فأوجد فيها الصغير والكبير، والطويل والقصير، والإنسان والبهيم، والدابة والطائر، وغير ذلك من المخلوقات الصغيرة والكبيرة، ما علمنا منها وما لم نعلم: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ)[لقمان: 11].

أرأيت كل هذه المخلوقات؛ كلها كائنة بعد أن لم تكن، والله -جل وعلا- خلقها: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا) [الإنسان: 1].

(قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد: 16].

(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)[غافر: 62].

ومن أسماءه -جل وعلا-: "الخلاق"، يعني الخالق خلقا بعد خلق: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ) [الحجر : 86].

ومن أسماءه -جل وعلا- البارئ والمصور: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ)[الحشر: 24].

فإن سألت عن الفروق بين هذه الأسماء الثلاثة العظيمة، فقد قال بعض العلماء:

 الخالق هو المقدر قبل الإيجاد، وأما البارئ: فهو الموجد من العدم على مقتضى الخلق والتقدير، وليس كل من قدر شيئا أوجده إلا الله [أضواء البيان (8/123)].

وقال بعض العلماء: الخالق هو المنشئ على مثال أبدعه لم يسبق إليه، أحدثه بعد إذ لم يكن [النهج الأسمى، للشيخ محمد الحمود النجدي (1/159)].

وأما البارئ: فهو أخص من اسم الخالق، فالبَرْء خلق على صفة، ولذلك فإن إيجاد العود شيء، وبري العود شيء آخر، إيجاد القلم شيء، وبري القلم شيء آخر، فالخلق شيء، وبرؤهم شيء آخر، ففرق بين البَرء والخلق [انظر: ما نقله النهج الأسمى في ذلك (1/164)].

 والبرء يطلق على مثل الإنسان والحيوان والنسمة.

 فتقول: الإنسان خلقه الله وبرأه، والحيوان خلقه الله وبرأه.

أما في مثل السماء، ففي الغالب لا يقال: برأها الله، وإنما يقال: خلقها الله [انظر: ما نقله في النهج الأسمى (1/164)].

فكل مبروء مخلوق، وليس كل مخلوق مبروءا.

فتأمل -يا رعاك الله- خلق الله -جل وعلا-، ثم تأمل كيف برأ الإنسان والحيوان.

فإذا تأملت في برء الله -جل وعلا- للمخلوقات اندهش عقلك، وزادت عظمت ربك في قلبك، فالبارئ سبحانه فصل بعض الخلق عن بعض، وميز بعضه عن بعض[انظر: للفائدة النهج الأسمى (1/166)].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والثمانون 

بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* تأملات إيمانية في اسم الخالق والخلاق والبارئ والمصور

ثم تأمل -رعاك الله- في خلق الله مرة أخرى؛ لترى كيف صور الله -جل وعلا- هذا الخلق، فمن أسمائه: "المصور".

قال ابن الجوزي -رحمه الله- و"المصور" الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة ليتعارفوا بها، ومعنى التصوير التخطيط والتشكيل" [زاد المسير (8/228)].

قال الشنقيطي -رحمه الله-: "المصور المشكل لكل موجود على الصورة التي أوجده عليها، ولم يفرد كل فرد من موجوداته على صورة تختص به، إلا الله -سبحانه وتعالى-؛ كما هو موجود في خلق الله للإنسان والحيوان والنبات كل في صورة تخصه" [أضواء البيان (8/123)].

قال الخطابي -رحمه الله-: التصوّر التخطيط والتشكيل، ثم قال: وخلق الله -جل وعلا- الإنسان في أرحام الأمهات ثلاث خِلَق: جعله علقة، ثم مضغة، ثم 

جعلها صورة وهو التشكيل الذي به يكون ذا صورة وهيئة يعرف بها، ويتميز بها عن غيره بسماتها: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون: 14] [انظر: النهج الأسمى (1/168)].

فالله -جل وعلا- هو المصور الذي إذا خلق؛ خلق على الشكل الذي يريد: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء)[آل عمران: 6].

(وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ)[التغابن: 3].

قال ابن كثير -رحمه الله-: المصور الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها.

ولما قال الله -جل وعلا-: (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ) [الانفطار: 8].

يعني صرفك وأمالك إلى أي صورة شاء، إما إلى صورة حسنة، أو إلى صورة بعض قرابات الإنسان، أو إلى غير ذلك[انظر: النهج الأسمى (1/168)].

والله -جل وعلا- أمال خلقه وعدَلَهم إلى الأشكال والهيئات التي توافق تقديره، وعلمه وحكمته، وأنشأ خلقه سبحانه على صور مختلفة، وهيئات متباينة من الطول والقصر، والذكورة والأنوثة، كل واحد بصورته الخاصة.

ملايين البشر كل واحد منهم له صورة تختلف عن الآخر؛ في الملامح والسمات، والألوان والهيئات. هذا في الإنسان، فكيف لو رأيت الحيوان، وكيف لو رأيت الملائكة والجان، كيف لو رأيت النبات بأنواعه وأشكاله، فتأمل: كيف توضع الحبة، وتسقى بالماء، والتربة واحدة، والماء واحد؛ فمن الذي يصور شكل النبات، هذه عشبة صغيرة في الأرض، وذاك نبت على ساق، وهذا كرم على عريش، وذاك نخل باسقات. فإذا طلعت الثمرة في أول طورها، فمن الذي يصورها في شكلها، من استدارتها، أو استطالتها، ومن الذي صورها في لونها، فصارت صفراء، أو حمراء، أو سوداء، إنه الله -سبحانه- المصور[انظر: أضواء البيان (8/125)]. فتأمل -يا عبد الله- في مخلوقات الله -سبحانه-، ثم تأمل في أمر أخص وأدق، وهو البرء والتصوير."ثم تأمل بعد ذلك أن الله وحده هو المتفرد بالخلق والإيجاد… والإبداع والتصوير"[انظر: أضواء البيان (8/112)].

تأمل سطور الكائنات فإنها *** من الملك الأعلى إليك رسائل

وقد خط فيها لو تأملت خطها *** ألا كل شيء ما خلا الله باطل

تشير بإثبات الصفات لربها *** فصامتها يهدي ومن هو قائل

[انظر: كتاب جهود ابن القيم في تقرير توحيد الأسماء والصفات (1338)].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والثمانون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* تأملات إيمانية في اسم الخالق والخلاق والبارئ والمصور

قال ابن القيم -رحمه الله-: "البارئ والمصور" تفصيل لمعنى اسم الخالق"

[انظر: كتاب جهود ابن القيم في تقرير توحيد الأسماء والصفات (1344)].

قال القرطبي -رحمه الله-: "المصور" مصور الصور ومركبها على هيئات مختلفة، فالتصوير مرتب على الخلق والبراية وتابع لهما" إلى أن قال: "وقد جعل بعض الناس الخلق، بمعنى التصوير، وليس كذلك، وإنما التصوير آخرا، والتقدير أولا والبراية بينهما"[انظر: الجامع لأحكام القرآن (18/32)]. إذا علمت بأن الله -سبحانه- هو الخالق، فإنك تحبه -سبحانه-، وتذل له غاية الذل.

وإذا علمت بأن الله -سبحانه- هو الخالق، فإن ذلك يستلزم الإيمان بوحدانيته سبحانه، وألوهيته، وإفراده وحده بالعبادة.

وهذا ما احتج الله -عز وجل- به على المشركين الذين يقرون بأنه هو الخالق الرازق وحده، ثم هم يعبدون غيره ممن لا يخلق ولا يرزق؛ فقال سبحانه: (أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [الأعراف: 191].

وإذا علمت بأن الله -سبحانه- هو الخالق، فاعلم أن خلق الله عظيم محكم، فلا يستطيع مخلوق أن يخلق مثله، فضلا عن أن يخلق أفضل منه: (هَذَا خَلْقُ 

اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ)[لقمان: 11].

وقد أثبت الله عجزهم عن خلق؛ خلق ضعيف حقير؛ كالذباب ولو اجتمعوا على ذلك: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ) [الحـج: 73].

وإذا علمت بأن من أسماء الله "الخالق"، فإنك تعلم أن الله -سبحانه- ما خلق الخلق عبثا، وإنما خلقه لغاية عظيمة: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون:

 115-116].

وقال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) [ص: 27].

إخوة الإيمان: تأملوا في هذا الخلق العظيم المحيط بنا من كل ناحية، فالإنسان يعجز في كثير من الأحيان عن معرفة جوانب كثيرة من الأرض التي يعيش عليها، مع أنها صغيرة جدا إذا ما قيست بالنسبة لبقية الكون الفسيح المليء بملايين النجوم المضيئة والشموس والأقمار، والتي يعجز عن حصرها، أو عدها، وهذا كله في السماء الدنيا، التي فوقها ست سماوات طباق، بعضها فوق بعض، وفوقهن جميعا الكرسي، ومن عظمة خلق هذا الكرسي واتساعه أنه يستوعب السماوات السبع والأرض جميعا، قال تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ)[البقرة: 254]. والعرش أعظم من ذلك، والخالق سبحانه فوق العرش، وهو جلت عظمته أكبر من كل شيء وأعظم [انظر كتاب النهج الأسمى (1/173)].

[الأنترنت – موقع الخطباء - تأملات إيمانية في اسم الخالق والخلاق والبارئ والمصور - الشيخ : فهد بن سعد أبا حسين خطيب]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والثمانون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

 * االله خالق كل شيء خالق الأسباب والمسبَّبات

إن أعظم العلوم وأنفعها ما يعود إلى معرفة الله ورسولِه، ما يُعرفُ به الله ورسولُه وما يُعرفُ به سائرُ أصول العقيدة لذلك سمى أبو حنيفة رضي الله عنه علم التّوحيد (الفِقْه الأكبر) ، له في علم التوحيد خمسُ رسائل إحداها الفقه الأكبر ثم معه كتاب العالِم والمتعلّم ثم كتابُ الوصيّة ثم كتاب الفقه الأبسط ثم رسالةٌ أخرى تُسمَّى رسالةَ عثمانَ البَتّي، هذه الرسائلُ الخمس هي من تآليف أبي حنيفة وتسميته لكتابه هذا الذي هو في العقيدة أي في معرفة اللهِ ورسوله وما يتبع ذلك من أصول العقيدة الفِقْهَ الأكبَر دليلٌ ظاهر على أن علمَ العقيدة أشرف من علم الأحكام المسَمَّى بالفقه ثم من أهمِ مسائلِ علمِ العقيدة مسألة خلقِ أفعالِ العباد لأنّ الناسَ فيها على طرفين ووسطٍ فالطّرفان هالكان والناجي هو الوسط وبيانُ ذلك أن أهلَ الحقّ وهم الصحابةُ ومن تبعهُم بإحسان لم يحد عمّا كانوا يعتقدونه إلى غيره أنَّ الله تباركَ وتعالى هو خالقُ كلِ شىء، هو خالقُ أعمال العباد حركاتهم وسكناتهم كما أنّه خالق أجسادهم لا فرق عند أهل الحقّ بين أجسادنا وبين أعمالنا من حيث إنّ كلاً خلقٌ لله تعالى أجسادُنا خلق الله فكذلك أعمالنا أي حركاتُنا وسكناتُنا خلْقٌ لله تعالى لا نخلُق شيئاً من ذلك فأجسادنا ليست مكتسبَةً لنا لا تدخل تحت كسبِ العباد لكنّ أعمالَنا أي حركاتِنا وسكناتِنا داخلةٌ تحت أكسَابنا أي لنَا فيها كَسْب أمّا من حيثُ الخَلْق أي الاحداث من العدم إلى الوجود فهي لله تباركَ وتعالى ليس لنا من ذلك شىء لسْنا مؤثّرين بإيجادها اشتراكا مع الله ولا مستقلّين بإيجادها وتكوينها، حركاتنا وسكناتنا لسنا خالقين لها استقلالاً ولسنا خالقين لها مشاركةً مع الله، بل الله تعالى هو المنفرد بإيجاد حركاتنا وسكناتِنا هذا معتقد أصحاب رسول الله لم يكن بينهم اختلاف في ذلك ثم تبعهم على ذلك جمهور المنتسبين إلى الإسلام ولم يَشِذَّ عن ذلك أي عن هذا المعتقد الذي هو اعتقاد الصحابة إلا طائفتان تنتسبان إلى الإسلام أي تدّعيان ادّعاءً وهم في الحقيقة ليسوا من أهل الإسلام لا حظّ لهم في الإسلام، وأحد هاتين الفِرقتين يقال لها القدريّة ويقال لها المعتزلة والأخرى يُقال لها الجهمية ويقالُ لها الجبريّة. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والثمانون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

 * االله خالق كل شيء خالق الأسباب والمسبَّبات

هاتان الفرقتان المعتزلة والجبرية هما الطرفان المخالفان لأهل الحق الذين هم الوسط فليحذر العاقل من الميل إلى إحدى هاتين الفرقتين اللتين هما طرفان وهما في الحقيقة ليس لهما نصيب في الإسلام وإن انتسبا إليه انتساباً وزعمتا أنهما على الهدى. 

كلٌّ من الفرقتين تزعم انها على الهدى وأنها هي الطائفة المسلمة ومن سواها ليسوا على شىء.

ثم أهل الحق الذين هم الوسط لهم أدلة قرءانية ولهم براهين عقلية، فمن ادلتهم القرءانية قوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ} [سورة فاطر ءاية 3].

الله تبارك وتعالى أطلقَ هذه الآية إطلاقاً لم يقيّدها بالأجسام ولا بالأعمال فأفهمتنا أنه تبارك وتعالى هو خالق الأجسام الصغيرة والكبيرة من العرش إلى الذّرّة، وأنّه هو خالق الحركَات والسَّكنات والنّوايا والإدراكاتِ والعلوم كلُّ ذلك الله خالقُه لا خالق سواه. هكذا تعطي هذه الآية {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ} [سورة فاطر ءاية 3].

كذلك قولُه تعالى: {الله خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ} [سورة الزمر ءاية 62] لأنّ كلمةَ شىء تشمَل الأجرام أي الأجسام والحركات والسكنات والإدراكات والعلوم فإدراكات البشر وغيرِهم من الخلق وعلومُهم مخلوقة لله ليست مخلوقةً للعباد وإن كان ظاهراً يُنْسَب إلى العبد يقال فلان حصَّل علوماً والمعنى عند أهلِ الحق في ذلك أنّه اكتسب نيْلَ هذه العلوم فنالها بخلق الله لا بخلق العبد نفسه كذلك الأسباب العاديّة عند أهل الحقّ لا تخلق شيئاً والأسباب العادية هي هذه الأمور التي جعل الله تبارك وتعالى فيها السَّببيَّة بشىءٍ من الأشياء الماء جعله الله تعالى سبباً للرِّيِّ والخبزُ جعلَه الله سببًا للشِّبع والنارُ جعلها الله تعالى سببًا للإحراق والدواء جعله الله تعالى سببًا للشّفاء ولم يجعلِ الله تعالى هذه الأسبابَ خالقةً للمُسَبَبَّات التي تحدث بعد مباشرتها، الرِّيُّ الذي يحصل بعد شُرب الماء ليس الماءُ يخلُقه كذلك الشِبَع الذي يحصل إثرَ تناول الخبز ليس الخبزُ يخلقُه والشّفاء الذي يحصل إثر تناول الدواء ليسَ الدَّواء يخْلُقُه، فهذا الذي يكون موافقاً للقرءان لأنّ الله تبارك وتعالى لمّا قال: {الله خالق كلِّ شىء} أفهَمنا أنَّ كلَّ هذه الأسباب لا تخلق شيئاً بل الله هو الذي يخلق هذه المسَبَّبات عند تناولها، ونصَبَ الله تبارك وتعالى لعباده دليلاً يَدُلُّ على أن هذه الأسباب لا تخلُق مُسبَّباتها يوجد حيوانٌ يقال له سَمَنْدَل هذا الحيوانُ يتلذَّذ بالنّار ولا تحرقُه ولا تؤثّر فيه وهو مثلُ غيرِهِ من الحيوانات مركبٌ من لحم ودم، حتّى إنّ الفِراء والمناديل المُتَّخذةَ من جلده إذا اتّسَخَت تُطْرَح في النار وحتّى إنّه يُغمَسُ في الزّيت ويُشْعَل ناراً ثم لما ينتهي الزّيت تنطفئ النارُ وتبقَى هذه المناديل وقد ذهب عنها الوسَخ ولم تحترق هذا جعله الله تعالى دليلاً لنا على ان النارَ لا تخلق الإحراق بل الله تعالى هو الذي يخلقُ الإحراق إثرَ ملامسَة النار، أي أن النّار لا تخلق الإحراق بطبيعتها وانّها لا تؤثّر بطبعها في الإحراق أي بدون إرادة الله وخلق الله تعالى لهذا الإحراق، فالله تعالى هو الذي يخلق الإحراق، ليست النار تخلق الإحراق.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والثمانون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

 * االله خالق كل شيء خالق الأسباب والمسبَّبات

وكذلك قصة إبراهيم الخليل عليه السلام دليل على ان النارَ لا تخلق الإحراق لو كانت النار تخلق الإحراق وأنّها بطبيعتها تؤثّر في ذلك لا بمشيئة الله وإرادته لاحترق إبراهيمُ وما خرج سالماً، وإلى وقتنا هذا يوجَد أناسٌ مؤمنون أتقياء أولياء لله تعالى يدخلون النار الموْقَدة فلا تحرقهم ولا ثيابهم يمكثون فيها ما شاء الله، حكى لنا أحدُ شيوخِنا وهو الشيخ محمد سراج رحمه الله تعالى قال كنتُ بالسُّودان في ناحية تُسَمَّى حَلْفا فحصل اجتماع حضره أناسٌ وحضَرَه شخصٌ ينتسب للطريقة القادريّة وشخصٌ ءاخر ينتسب للطريقة التجّانية الشخص المنتسب للطريقة التجانية مُدَّعٍ فارغٌ تبجّح بطريقتِه لأنه تجانيُّ فصار يدعو الناس في هذا المجلس إليها ليدخلوا في هذه الطريقة فاغتاظ هذا الرّجل القادريّ وهو من أولياء الله، غَضِبَ لله تباركَ وتعالى لأنه يعلم أن هذه الطريقة التجانية مخالفةٌ لشريعة الله وفيها دعَاوَى ما أنزلَ الله بها من سلطان من جملتها أنهّم يقولون الواحد بمجرّد ما يأخُذُ طريقتَنا صار افضلَ من القطب من غيرنا، هنا خالفوا كتابَ الله، الله تعالى قال: {إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [سورة الحجرات ءاية 13] هذه الطريقة جعلَتِ الفضلَ بالانتساب إليها ليس بالتقوى، فهذا القادري الذي هو من أولياء الله غضب لله تعالى لأنه وجد هذا يدعو لطريقته الفاسدة فقال لأهل الضيعة يا جماعة امتحنونا ومعروف في تلك البلاد أن الامتحان قد يكون بإيقاد نارٍ عظيمةٍ ثم دخولِ الشخص المُمتَحن فيها فأوقدوا ناراً عظيمة، القادريّ الذي هو من الصادقين من أولياء الله من أهل الكرامات جاءته إشارة أنّ هذه النار لا تؤثّر فيه فدخل فيها فنادى وهو في وسطها هذا التجانيَّ الدّجال قال له تعال ادخل فلم يجرؤ، خرج من هذه القرية وهو مَخْزِيّ، فعرفَ الناسُ أن هذه الطريقة ليست على شىء وأن المنتسبينَ لها كاذبون ليسوا من أولياء الله فهذا الصوفي القادري لم يحترق، وغيرُ ذلك حصل لخلائِقَ لا يُحْصَون انّهم دخلوا النارَ فلم يحترقوا فهذا دليل نصَبَهُ الله تعالى ليزدادَ المؤمِن إيقاناً بأن الله تعالى هو خالق كل شىء هو خالق الاحتراق إثر مماسّة النار ليست النارُ تخلُق الاحتراق، كذلك السَّمُّ الذي هو من شأنه أنّه يقتُل مُتَنَاوِلَهُ في الحال ليس هو خالقَ الموت إثر تناوُلِه بل الله تعالى هو يخلقه فإن لم يشأ الله تعالى في الأزل أن يموت شخصٌ بتناوله للسَّمّ القاتل لا يقتُلُه هذا السَّم لأن الله لم يشأ والسّم لا يؤثّر بطبْعِه الموتَ لمتَناوِله، هذا خالد بن الوليد رضي الله عنه كان بالحِيْرَة وهناك كان كفَّارٌ من كُفّار العجَم فهيَّأوا له سَمًا قاتلاً لسَاعتِه فقال لهم هاتوا فتناولَه وسمَّى الله تعالى فلم يؤثّر فيه شيْئًا بل سالَ العرق على وجهه، على جبهته فلمّا شاهدُوا ذلك أي أنه لم يُمت من هذا السَّمّ هابوه فانقادوا له، هذه دلائل عِيانيّة نصبَها الله تعالى لعباده حتى يزداد المؤمنون إيقاناً بأنه لا خالق إلا الله أي أن الأسبابَ العادية الماءَ والخبزَ والنارَ والدواءَ وغيرَ ذلك من الأسباب العاديّة لا تخلُق مُسبَّباتها وانه لا ضارَّ ولا نافع على الحقيقة إلاّ الله، أي أن شيئاً من الأشياء من الأسباب العاديّة لا يظْهَر منها مسبّباتها إلا أن يكونَ الله شاءَ في الأزل أن يحصُلَ المسبَّب إثر هذا السَّبَب لأنّ السّببَ لا يخلُق ذلكَ المسَبَّبَ إنّما الله هو خالق ذلك المسبّبِ زيادةً في الإيقان بأن الله تعالى هو خالق كلّ شىء وأنَّ الأسباب العاديَّة لا تخلُق إنما الله تعالى يخلق إثر استعمال ذلك المُسَبَّب، فالله تبارك وتعالى قال: {الله خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ} [سورة الزمر ءاية 62] وكلمة شىء ليست خاصة بالأجسام، الكلام يقال له شىء والبَطْشُ أيضاً باليد شىء وتناولُه يقال له شىء واللمح بالبصر يقال له شىء. حتى الأعمال القلبية لها شىء، كلُّ ما دخل في الوجود يقال له شىء، وكلّ موجود أيضاً يقال له شىء. الموجود الأزلي يقال له شىء وهو الله، الله تعالى يُقال له شىء لكن لا بمعنى الحادث الذي دخل في الوجود، بل بمعنى الموجود.اهـ [الأنترنت – موقع االله خالق كل شيء خالق الأسباب والمسبَّبات ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثمانون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*حقيقة الدنيا وحكمة الخالق

من جوامع أعلام الهداية على الطريق للسائرين والمشتاقين إلى الجنة ونعيمها وأحوالهم، معرفتهم بحقيقة الحياة الدنيا، مع تمام الإعراض عنها، والزهد فيها: فمما لا ريب أن الله - تعالى - هو الخالق المعبود، وصاحب الإنعام والجود، ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53]، وقد خلق الله الجن والإنس لحكمة أرادها، وأقدار كتبها، وآجال ضربها، ودور أعدها، ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وخلق الحياة الدنيا لتكون محط ابتلاء واجتباء، ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [هود: 7]. وجعل فيها بقدرته نوازع الخير وأسبابه، ونوازع الشر وأسبابه، وجعل العباد في هذه الدار مخيرين في أعمالهم، واختيار سبيلهم، فمن عمل صالحًا فيها فهو التقي الناجي، ومن عمل السوء، وقارف الشرك والمحرمات، فهي المغبون الخاسر ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46].

قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "إن الدنيا قد ترحلت مدبرة، ألا

وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا،فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل".

وقال ابن القيم - رحمه الله -: "فأول شواهد السائر إلى الله والدار الآخرة أن يقوم به شاهد من الدنيا وحقارتها، وقلة وفائها وكثرة جفائها وخِسّة شركائها وسرعة انقضائها". وما هي إلا ساعة ثم تنقضي ***ويذهب هذا كله ويزولُ 

وقال أيضًا: "لما عرف الموفقون قدر الحياة الدنيا وقلة المقام فيها أماتوا فيها الهوى طلبا لحياة الأبد، ولما استيقظوا من نوم الغفلة استرجعوا بالجد ما انتهبه العدو منهم في زمن البطالة، فلما طالت عليهم الطريق تلمحوا المقصد، فقرب عليهم البعيد، وكلما أمرت لهم الحياة حلى لهم تذكر ﴿ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 103].

ولهذا فأصحاب القلوب الحية الطاهرة، يعلمون حقيقة هذه الدار، ويعلمون أن الدنيا دار ابتلاء ومفر، وليست دار دوام ومقر، فشمروا هممهم، وعرفوا 

سبيلهم، وأصلحوا قلوبهم وسرائرهم وأعمالهم، وأعرضوا عن دار الدنيا إلا فيما ينفعهم في الدار الآخرة عند ربهم، لأنهم استبصروا حقيقة الدنيا وقد بين الله عوارها، وأوضح مكرها بأهلها المغترين بها، ولهذا قال تعالى: ﴿ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾ [البقرة: 200].

وقال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [البقرة: 212]، 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والثمانون 

بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*حقيقة الدنيا وحكمة الخالق

وقال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]. وقال تعالى: ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ [النساء: 77]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 32].

وقال تعالى: ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي

 وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ﴾ [الأنعام: 130]. وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التوبة: 39،38].

وقال تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [الكهف: 45]. وقال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]. وقال الله تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد: 20].

وقال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ

 مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ 

الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ 

وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 15، 14]. وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 25، 24].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التسعون 

بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*حقيقة الدنيا وحكمة الخالق

هذه هي حقيقة الدنيا كما ذكرها الله - تبارك وتعالى - في كتابه، حتى لا يغتر بها 

المتقون والسالكون، ولا يميل إليها المحبون والمشتاقون، لأن نعيم هذا الدار لا يدوم، وإذا دام قليلًا فلا يصفو لأحد، ولا يخلوا من كدر وهم وحزن ونكد، فيوم فيه الفرح والسرور، ويوم تضيق فيه الصدور، ويوم يكون فيه السخاء والغناء، ويوم يكون فيه الفاقة والعراء، ويوم فيه الراحة والبهجة والكثب، ويوم فيه التعب والنصب.

وقد قال ابن القيم: "كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه، وولد لا يعذره، وجار لا يأمنه، وصاحب لا ينصحه، وشريك لا ينصفه، وعدو لا ينام عن معاداته، ونفس أمارة بالسوء، ودنيا متزينة، وهوى مرد، وشهوة غالبة له، وغضب قاهر، وشيطان مزين، وضعف مستول عليه، فإن تولاه الله وجذبه إليه انقهرت له هذه كلها، وإن تخلى عنه ووكله إلى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة"، 

وقال آخر: وما يعمر الدنيا الدنية حازم ***إذا كان فيها عامر العمر يخربُ 

وإن علياً ذمها في كلامه **********وطلقها والجاهل الغر يخطبُ 

وقال أبو العتاهية الشاعر: أرى الدنيا لمن هي في يديهِ 

                          عذاباً كلما كثرت لديهِ 

                         تهين المكرمين لها بصغرٍ 

                    وتكرم كل من هانت عليهِ 

                   إذا استغنيت عن شيءٍ فدعهُ 

                    وخذ ما أنت محتاج إليهِ 

وقال آخر:     لا تلعبن بك الدنيا وأنت ترى 

               ما شئت من عبر فيها وأمثالِ 

وقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعدّ نفسك من أصحاب القبور". [الأنترنت – موقع الألوكة- حقيقة الدنيا وحكمة الخالق - الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والتسعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*"الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ " (الملك: 2).

وجاء الفعل (مات) بمشتقاته وتصريفه فى القرآن الكريم مائة وخمسا وستين(165) مرة، ومن هذه المرات جاء ذكر( الموت) فى خمسة وثلاثين (35) موضعا. ويعرف (الموت) بانه مفارقة الحياة، وهو مصير محتوم على كل حى بتقدير من الله تعالى، لا يستطيع أحد الهروب منه، ولا التقدم أو التأخر عنه. وقد فرضه ربنا تبارك وتعالى على جميع خلقه ليفرق بين خلوده وفناء خلقه، وديمومته(سبحان وتعالى) ومرحلية جميع المخلوقين فى هذه الحياة ، ليتفرد – جل جلاله- بالألوهية والربوبية والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه، وليجبر المخلوقين على الخضوع لجلاله بالموت، مؤكداً له بمحدودية كل منهم بأجله ،لكى تستمر 

الحياة حسب ماخطط- سبحانه وتعالى- جيلا بعد جيل حتى يرث الأرض ومن عليها.

ويعرف (الموت) بمفارقة الحياة بعد توقفها بالكامل، وذلك لأنه ضد الحياة ونقيضها. يقال للحى: (مات) (يموت) و(يمات) فهو (ميت) بتشديد الياء وتسكينها إذا فارقته الحياة. ويستوى فى ذلك المذكر والمؤنث لقول الله تعالى: " لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً ....." (الفرقان: 49).

هذا، وقد يعبر بـ( الموتة الصغرى) عن النوم، وذلك لقول ربنا (تبارك وتعالى):" وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ .. "( الأنعام: 60)،ولقوله ( عز من قائل): " اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَتِي قَضَى عَلَيْهَا 

المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسْمًّى... " (الزمر:42).

وفى قول ربنا وهو أحكم القائلين:{ الذى خلق الموت } ذكر أغلب المفسرين ان من معانيها أنه (تعال) أوجد الخلائق من العدم، واستشهدوا بحديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) الذى رواه قتادة (رضى الله عنه) فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله أذل بنى آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء" (رواه ابن أبى حاتم).

وأشار نفر من المفسرين إلى إختلاف المتكلمين فى (الموت) حيث قال بعضهم:

 إنه أمر موجود مخلوق وهو ضد الحياة، وقال البعض الآخر: إن الموت أمر عدمى فإذا انعدمت الحياة مات المخلوق الحى، وبناء على هذا الفهم اعتبروا (خلق الموت) الوارد فى الآية الثانية من سورة الملك بمعنى (التقدير)، أى أن الله تعالى خلق الحياة لأنه أمر وجودى، وقدر الموت بنهاية تلك الحياة، فإذا جاء أجل النهاية انعدمت الحياة، وقال البعض الأخر: إن (الموت) أمر وجودى كالحياة، أى أنه عند نهاية الحياة يخلق الله شيئا يسمى (الموت)، ويؤكد ذلك حديث ذبح الموت الذى رواه ابي سعيد الخدري( رضى الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال:" يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادى مناد: يا أهل الجنة، فيشربئون وينظرون، فيقول لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت. وكلهم قد رآه .. ثم ينادى : يا أهل النار، فيشربئون وينظرون، فيقول لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت. وكلهم قد رآه ، فيذبح، ثم يقول المنادي: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أه النار خلود فلا موت ثم قرأ( صلى الله عليه وسلم) قول الحق تبارك وتعالى:" وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ " ( مريم:39) "أخرجه البخارى ومسلم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والتسعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*"الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ " (الملك: 2).

العلوم المكتسبة تثبت خلق الموت:

    فى العقود الثلاثة المتأخرة من القرن العشرين أثبتت دراسات الشيفرة 

الوراثية للإنسان أن تقدير الموت مبرمج فيها. وتتكون الشيفرة الوراثية للجين 

من التقاء نطفتى الرجل والمرآة فيتكامل عدد الجسيمات الصبغية إلى (46) وهو العدد المحدد لنوع الإنسان حيث يحمل كل من النطفتين نصف هذا العدد (23 صبغيا فقط) وبتكامل عدد الصبغيات يتحدد كل من الصفات السائدة التى سوف تظهر على الجنين- إن قدر الله تعالى له الحياة-والصفات المتنحية (المستترة) فى شيفرته الوراثية لتظهر فى نسله من بعده، ومن هذه الصفات    ( الأجل) الذى تؤكد الآية القرآنية الكريمة التى نحن بصددها أنه مخلوق .     وفى ذلك يروى الإمام مسلم فى صحيحه عن عبدالله بن مسعود (رضى الله عنه) قال: حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو الصادق المصدوق قال: أن أحدكم يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما ثم يكون فى ذلك علقه مثل ذلك، ثم يكون فى ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه ، وأجله، وعمله وشقي أو سعيد.

وقد أكدت الكشوف العلمية فى دراسات الشيفرة الوراثية للإنسان حقيقة أن الموت مخلوق مع خلق الإنسان، ومبرمج فى داخل كل خلية نووية من خلاياه الحية بدقة بالغة على النحو التالى:

(1) فى سنة (1971م) اقترح العالم الروسى أولو فنيكوف 

(Olevnikov)ضرورة وجود آلة محددة تفسر خروج عملية الانقسام فى الخلايا السرطانية عن السيطرة.

(2) فى سنة (1985م) تم اكتشاف هذه الآلة المحددة التى تفسر خروج عملية الانقسام فى الخلايا السرطانية عن السيطرة وكانت إنزيما خاصا اكتشفه كل من جرايدر ،وبلاكبيرن(Blacburn& Greider) وقد اكتشفت ان هذا الإنزيم يختص ببناء غطاءين طرفيين لكل جسيم صبغى عرف كل منهما بـ الغطاء الطرفى (End Capor Telomere) وانطلاقا من هذا الأسم سمى الإنزيم المتحكم فى بنائه باسم انزيم تيلوميريز (Telomerase)أو الأنزيم البانى للأغطية الطرفية للجسم الصبغى.

(3) فى سنة (1986م) اكتشف هواردكوك ( Howard Cooke) أن طول الغطاءين الطرفيين للجسيم الصبغى يتناقص مع كل انقسام تقوم به الخلية الحية، وان هناك علاقة مطردة بين فقد أجزاء من طول هذين الغطاءين الطرفيين وشيخوخة الخلية، فإذا وصل طولهما الى حد معين ماتت الخلية بعد توقفها عن الانقسام.

وتأكدت هذه النتائج باكتشاف أن طول الأغطية الطرفية فى كل من الخلايا الجذعية (stem Cells) والخلايا المستنبتة من صغار السن أطول منها فى خلايا كل من الكهول والشيوخ من كبار السن، وأن قدرة هذه الخلايا النشيطة على الانقسام تفوق قدرة خلايا كبار السن عدة مرات، ومن هنا أطلق على كل واحد من هذه الأغطية الطرفية للجسيمات الصبغية اسم عداد المضاعفات الانقسامية المتكررة(Replicometer ) أو عداد الأجل (Longivity Meter) مما شجع بعض الباحثين مثل بودنار(Bodnar) على إعطاء إنزيم تيلوميزيز لكبار السن لتأخير الشيخوخة ولكن اتضح ان هناك علاقة بين زيادة هذا الإنزيم فى الخلايا ونشاطها السرطانى.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والتسعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*"الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ " (الملك: 2).

(4) فى سنة (1989م) لاحظ مورين (Morin) ان هناك علاقة واضحة بين

 زيادة إفراز إنزيم التيلوميريز (The Telomerase Enzyme) فى الخلية الحية وبين نشاطها فى الانقسامات غير العادية المتسارعة والمعروفة باسم النشاط السرطانى. وقد مهد ذلك لإمكانية معالجة الأمراض السرطانية بإيقاف نشاط هذا الإنزيم بواسطة عقار مضاد له أو للمورث المتسبب فى إفرازه، ولكن ذلك لم يتم بعد، وإن حاوله شاي(Shay)فى سنة 2001 م بفتح باب استخدام مثبطات انزيم تيلوميزيز لوقف النشطة السرطانية.

وبإثبات خلق الموت مع خلق الحياة ثبت ان الأجل مقدر فى داخل الخلية الحية، وأن كلا من الأمراض والأحداث العارض والشيخوخة وغيرها من الأحداث الحيوية مقدر كذلك ومدون فى الشيفرة الوراثية وذلك بواسطة طول الأغطية الطرفية للصبغيات، وما يفرز من الإنزيم البانى لها مما يحدد عدد مرات

 انقسام كل خلية حية وبالتالى يحدد أجلها.

(5) بمجرد فقد الخلية الحية لقدرتها على الانقسام فإنها تبدأ فى فقد أجزاء من محتواها البروتينى من كل من السائل الخلوى والنواة، وقد تتورم الخلية حتى تنفجر ملقية بمحتوياتها فى الأنسجة المجاورة، وقد تتعرض النواة الى التفتت أو الأنكماش. وينتج ذلك عن فقد غشاء الخلية قدرته على التحكم فى مرور السوائل الى داخل الخلية او الى خارجها، مما يؤدى الى انفجارها وتناثر مكوناتها التى تنفجر هى الأخرى أو تلتهم بواسطة الخلايا المجاورة ، أو يؤدى ذلك الى انكماشها مكونة عددا من الفقاقيع الغازية على سطحها.

وهذه العمليات تتم بدقة فائقة مما حدا بالعلماء الى تسميتها باسم الموت الخلوى المبرمج أو المقدر ( Programmed Cell Death Or PCD) ويطلق عليه باللاتينية اسم(Apoptosis) ، وهى خاصية داخلية فى الخلية الحية توظف لصالح الجسد الذى يحتويها وهو حى، وتحدد أجله عند لحظة الوفاة، وتتم بواسطة عدد من العوامل الخاصة التى تعرف باسم عوامل الأمر بالموت (Apoptosis Inducing Factorsor A.I.F)، ومن هذه العوامل أعداد

 من مواد بروتينية خاصة تختزن فى المسافات بين الطيات الغشائية للمتقدرات.

وهذه العوامل الآمرة بالموت تحدد فى الأيام الأولى من الحمل وفق عدد من القوانين التى يأمر الخالق العظيم ببثها فى الخلايا الحية لحظة خلقها ومنها جسد الإنسان.

(6) بذلك يدب الموت بالتدريج فى خلايا كل جسد حى بدءا من العضيات الدقيقة فى داخل الخلية الى الخلايا ذاتها، ثم الأنسجة فالأعضاء والأجهزة منتهيا بالانهيار الكامل للكائن الحى بالوفاة والتى يعلن عنها طبيا بوقف كل من القلب والرئتين عن العمل والانخفاض الملحوظ فى درجة حرارة الجسم وتصلبه أو تخشبه، وانتشار الزرقة فيه خاصة فى كل من الشفاه الأطراف، وظهور عدد من البقع الدموية على الجلد، وتوقف حركة العينين. وباستخدام الأجهزة المتطورة فى غرف العناية المركزة يمكن استنهاض عمل كل من القلب والرئتين، وعلى ذلك فإن الموت الحقيقى يتحدد بموت الدماغ، والذى من أعراضه الدخول فى إغماء كامل لا فواق منه والموت محدد سلفاً فى لحظة الخلق الأولى للكائن الحى.

(7) ومن قبل الف واربعمائة سنة نزل القرآن الكريم بقول ربنا (تبارك وتعالى):" الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ " (الملك: 2). [ الأنترنت – موقع خلق الموت مع خلق الحياة بقلم : د زغلول النجار ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والتسعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : *الحكمة من الموت

إن الموت مرحلةٌ يمرُّ بها الإنسان، ومنزلة يَرِدُها، وحقيقة لا يتخطَّاها، وكأس يتجرَّعها، ومنهلاً يسقى منه، وللموت حكم كثيرة؛ منها:

1- في الموت يتجلَّى كمال قدرة الله الخالصة - سبحانه - وعظيم حكمته في تصريف أطوار الخلق؛ فهو الذي أنشأ هذا الإنسان من عدم، ثم أوجده طورًا بعد طور، وخلقًا بعد خلق؛ حتى صار بشرًا سويًّا يسمع ويبصر ويعقل، ويتكلم ويتحرك، ويسالم ويخاصم، ويتزاوج ويتناسل، ويعيش على أرض الله، وينال من رزق الله، ثم بعد ذلك كله يُمِيته الله - تعالى - فلا يأكل ولا يشرب، ولا يسمع ولا يبصر، ولا يعقل ولا يتحرَّك، فيزول بعد بقاء، ويفنَى بعد وجود، وكل ذلك بتصريف الله وقدرته، وبالغ حكمته في خلق الأمور المختلفة والأحوال المتضادة، قال - تعالى -: ﴿ فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الواقعة: 86، 87].

تضمَّنت الآيتان تقريرًا وتوبيخًا، واستدلالاً على أصول الإيمان، من وجود الخالق - سبحانه وتعالى - وكمال قدرته، ونفوذ مشيئته وربوبيته، وتصرُّفه في أرواح عباده؛ حيث لا يَقدِرُون على التصرف فيها بشيء، وأن أرواحهم بيده يذهب بها إذا شاء، ويردُّها إليهم إذا شاء، ويخلِّي أبدانهم منها تارة، ويجمع بينها وبينهم تارة"؛ (الثبات على دين الله د: الأمين الصادق: 2/976 - 977).

2- أن الله خلق الموت والحياة ابتلاءً لعباده واختبارًا لهم؛ ليعلم مَن يطيعه ممَّن يعصيه، قال - تعالى -: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2].

3- بالموت تصلُ النفس إلى اليقين، وتتعرَّف على حقيقتها؛ من حيث إنها مخلوقة 

للخالق - سبحانه - وأنها مخلوقة لغاية.

4- لم يخلقِ اللهُ البشرَ في الدنيا على خِلْقة قابلة للدوام، بل جعلهم خلائف في الأرض، يخلف بعضهم بعضًا، فلو أبقاهم لفاتت المصلحة والحكمة في جعلهم خلائف؛ (شفاء العليل لابن القيم: ص 241).

5- في الموت نِعَم عظيمة لا تتأتَّى للناس إلا به، فلولا الموت لما هنأ لهم العيش، ولا طاب في هذه الأرض، ولا وَسِعتْهم الأرزاق، ولضاقت عليهم المساكن والمدن، والأسواق والطرقات.

وهناك حقيقة علمية:

أتدري أخي الحبيب، لولم يخلق الله الموتَ، ماذا كان سيحدث لو تكاثرت ذبابتان دون موتٍ؟!

والجواب: أن الأرض ستمتلأ ذبابًا؛ حتى تتكوَّن طبقة من الذباب سمكها 5 سم تغلِّف الكرة الأرضية كاملة خلال سنتين فقط.

6- الموت يخلِّص المؤمن من نكد هذه الحياة التي حشيت بالغُصَص، وحُفَّت بالمكاره والآلام الباطنة والظاهرة، إلى نعيم لا ينفد، وقرَّة عين لا تنقطع، وسعادة لا تنتهي في ظلال وارفة، وبساتين مؤنقة، وجنات دائمة، مع خيرة الرفقاء، وأطيب الأصفياء"؛ (الثبات على دين الله، د: الأمين الصادق: 2/978).

وجاء في "تفسير ابن كثير" (1/665) عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه قال: "ما من مؤمنٍ إلا والموت خير له، وما من كافرٍ إلا والموت خير له، ومَن لم يصدِّقني؛ فإن الله يقول: ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 198]، ويقول: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [آل عمران: 178]؛ (انظر كتاب: "الإيمان باليوم الآخر" للدكتور علي محمد الصلابي: ص 32 - 33).

  [ الأنترنت – موقع الألوكة - الحكمة من الموت - الشيخ ندا أبو أحمد ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والتسعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*خلق الخلية  أساس معجزة الحياة على الأرض

حديثنا اليوم عن الخلية ( The cell) أساس معجزة الحياة على الأرض ، فالكائنات الحية إما أنها تتكون من خلية أو أكثر خلقت في نظام معجز وتدبير محكم ، هذه الخلية لا تتولد إلاَّ من خلية حية سابقة لها في الخلق والوجود ، وقد فشلت جميع الجهود العلمية المادية في إحداث خلية واحدة ، ففي كل خلية يكمن سر الحياة وعظمة الخالق سبحانه وتعالى وهذا ما سنعيش معه في السطور التالية:

في الماضي كان الماديون الدارونيون أصحاب نظرية الصدفة والعشوائية والطفرة والانتخاب الطبيعي والمنكرون لوجود الله ، كانوا ينظرون إلى سر الحياة 

نظرة قاصرة جاهلة فقسموا الخلايا حسب أهوائهم وقصورهم العلمي إلى خلايا

 بدائية حقيرة ، وخلايا متطورة عظيمة ، ولكن ثبت بالعلم الحديث إن أقل خلية في الوجود تحمل نفس الصفات المعجزة لأعظم خلية من وجهة نظرهم .

فخلية الاميبا أكثر تعقيداً في برمجتها من خلايا مخ أعظم عالم فضاء في العالم ، حيث تعجز خلايا المخ عن تغذية نفسها والتكاثر والتجدد والتكيف بينما خلية الاميبا تغذي نفسها وتجدد أجزائها إذا تلفت وتتكيف بنفسها مع أعتا الظروف البيئية الخارجية بينما تفشل خلايا المخ في القيام بذلك بذاتها .

جميع الخلايا تحتوي على غشاء الخلية يحيط بسائل حيوي عجيب هو 

السيتوبلازم بداخله من خمسة إلى ستة أنواع العضيات الخلوية الرئيسة كل عضي منها أرقى من أعظم مصنع كيماوي عرفته البشرية وأنشأه العلماء على الأرض ، ومن هذه العضيات ، الريبوزومات ( Ribosomcs) والليسوسومات ( Lysosmc) والميتوكوندريات ( Mitochondria) والبلاسيدات ( Plastidcs) والنواة ( Nuclcus) وتحتوي الخلية الواحدة على 2000-3000 مصنع من هذه المصانع العجيبة في حيز قد لا يتجاوز بضعة ميكرونات microns( وهو عبارة عن جزء من ألف جزء من المليمتر أي 10 من المتر ) 

ويقوم العضى أو المصنع في الخلية بعمليات حيوية كيماوية لو أردنا إتمامها خارج

 الخلية لاحتجنا إلى مصنع مساحته أكبر من مساحة أكبر دولة في العالم ويفشل هذا المصنع في إتمام بعض هذه العمليات بنفس الكفاءة التي تتم بها في خلية أمبيبية واحدة في بركة ماء في العلم .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والتسعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*خلق الخلية  أساس معجزة الحياة على الأرض

تحاط الخلية عادة بجدار خلوي ، وتحتوي جميع الخلايا غشاء الخلية ( ccll mcmbranc) . وهذه الغشاء من أكثر المنافذ الحية سراً وغموضاً في الوجود فهو يقف خارج الخلية مكوناً أعتا وأدق نظام عبوري في العلم حيث يمثل الحصن أو القلعة أو منافذ الحدود التي تحمى حياة الكائنات الحية من الخلل والانهيار والموت والدمار .

هذا الغشاء ينفذ بكل دقة تعاليم المرور من الخلية وإليها ، وأي مادة كيماوية أو فيزيائية أو حيوية تحاول عبور هذا الغشاء عليها أن تبرز هويتها الحيوية 

وظيفتها التي استدعيت من أجلها للخلية ، ومدة بقائها في الخلية ، ومساراتها الحيوية ولو اختلت هذه الوظيفة العبورية التنظيمية لغشاء الخلية لهلكت ومرضت ومرض الكائن الحي وهلك ، وقد تهلك جميع المخلوقات الحية إذا فقدت سر الحياة الذي يكمن في هذا النظام المروري الانفاذى لغشاء الخلايا .

وأعجب ما في الحياة والوجود أن المواد الميتة خارج الخلية ( كربوهيدرات – 

دهون – بروتينات – أملاح عندما تعبر غشاء الخلية ويسمح لها بالاندماج مع مكونات الخلية بالسيتوبلازمية وعضياتها الخلوية ، فإن هذه المواد تتحول من مواد ميتة لا حياة فيها إلى عضيات حية تتغذى ، وتتنفس ، وتتألم مصداقاً لقول ربنا سبحانه وتعالى : { وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ الله فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } [الأنعام : 95] .

أما سيتوبلازم ( Cytoplasm) الخلية فهو الوسط الحي الذي شاء الله سبحانه وتعالى أن يحمل سر الحياة في الكائنات الحية والتي عجزت مختبرات العلم الحديث أن تدب الحياة في نفس مكوناته بعد إن عرف تركيبه .               في السيتوبلازم توجد العضيات الحية في تنظيم عجيب وترتيب مبدع ، ونشاهدها تحت المجهر الضوئي وهي تتهادي داخل السيتوبلازم وتتحرك بقوة لا يعرف العلم كنهها إلى الآن . وكل كائن حي مهما صغر فهو جهاز علمي بديع معقد يقوم بجميع الوظائف الحيوية وتؤدي كل خلية عملها الحيوي بدقة متناهية يتضاءل أمامها أقصى ما وصل إليه الإنسان من أجهزة علمية { هَذَا خَلْقُ الله فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } [لقمان : 11] 

- فماذا خلق الدارونيون الماديون ؟!

- وماذا خلق الشيوعيون الملحدون ؟!

- وماذا خلق العابدون لغير الله سبحانه وتعالى ؟!

- وإلى الملتقى بإذن الله مع عضيات الخلية المعجزة التي تسبح في سيتوبلازمها الحي ؟[الأنترنت – موقع هذا خلق الله ـ الخلية  - بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والتسعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*الفطرة التي فطر اللهُ الناسَ عليها.. معناها ومقتضاها 

ورد لفظ الفطرة ومشتقاته في نصوص عديدة من القرآن والسنة، بمعانٍ مختلفة ولكنها متقاربة؛ منها الابتداء، والانشقاق، والخلق الأول للأشياء، وما تكون عليه الشيء في أول أمره قبل أن يتغير. غير أن المعنى المراد عادة بلفظ (الفطرة) هو المذكور في قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [الروم: 30، 31]، وكذلك ما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء) . ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم).

وأيضا عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء. قال زكرياء، قال مصعب: ونسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضة.

وقبل النظر في هذه النصوص ودلالاتها وخلاصاتها في موضوعنا. ننظر أولا في شيء من المعاني اللغوية للفطرة، فإنها حاكمة ومؤثرة في الاستعمالات الشرعية. ثم نقف على أهم أقوال العلماء في “الفطرة التي فطر اللهُ الناسَ عليها”.

الفطرة في اللغة:

قال ابن منظور: “فطر الله الخلق يفطرهم خلقهم وبدأهم. والفطرة: الابتداء والاختراع. وفي التنزيل العزيز: (الحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) / سورة فاطر1/ ، والفطرة : ما فطر الله عليه الخلق من المعرفة به”[  لسان العرب 5⁄56]

وقال الراغب الأصفهاني:

المعنى بقوله: “فَطْرُ اللهِ الخلقَ: هو إيجادُه الشيءَ وإبداعُه على هيئة مترشحة لفعل من الأفعال”[  المفردات 2⁄494]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والتسعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*الفطرة التي فطر اللهُ الناسَ عليها.. معناها ومقتضاها

أقوال العلماء في معنى الفطرة التي فطر اللهُ الناسَ عليها؟

1- ابن عبد البر النمري: الفطرةُ: السلامةُ والاستقامة الأصلية..

“قال أبو عمر: أما اختلاف العلماء في الفطرة المذكورة في هذا الحديث؛ فقالت جماعة من أهل الفقه والنظر: أريدَ بالفطرة المذكورة في هذا الحديث الخلقةُ التي خُلق عليها المولود في المعرفة بربه، فكأنه قال: كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة، يريد خلقة مخالفة لخلقة البهائم التي لا تصل بخلقتها 

إلى معرفة ذلك.

واحتجوا على أن الفطرة الخلقة والفاطر الخالق، بقول الله عز وجل (الحمد لله فاطر السماوات والأرض) يعني خالقهن وبقوله (وما لي لا أعبد الذي فطرني) يعني خلقني، وبقوله (الذي فطرهن) يعني خلقهن. قالوا: فالفطرة الخلقة، والفاطر الخالق.

وأنكروا أن يكون المولود يُفطر على كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار. قالوا: وإنما يولد المولود على السلامة في الأغلب خلقةً وطبعا وبنية، ليس معها إيمان ولا 

كفر ولا إنكار ولا معرفة، ثم يعتقدون الكفر أو الإيمان بعد البلوغ إذا ميزوا.

واحتجوا بقوله في الحديث “كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء — يعني سالمة — هل تحسون فيها من جدعاء، يعني مقطوعة الأذن. فمثَّلَ قلوبَ بني آدم بالبهائم لأنها تولد كاملة الخلق ليس فيها نقصان، ثم تقطع آذانها بعد وأنوفها، فيقال هذه بحائر وهذه سوائب. يقول: فكذلك قلوب الأطفال في حين ولادتهم ليس لهم كفر حينئذ ولا إيمان ولا معرفة ولا إنكار، كالبهائم السالمة. فلما بلغوا استهوتهم الشياطين فكفر أكثرهم وعصم الله أقلهم. قالوا: ولو كان الأطفال قد فُطروا على شيء من الكفر أو الإيمان في أولية أمرهم ما انتقلوا عنه أبدا. وقد نجدهم يؤمنون ثم يكفرون. قالوا: ويستحيل في المعقول أن يكون الطفل في حين ولادته يعقل كفرا أو إيمانا، لأن الله أخرجهم في حال لا يفقهون معها شيئا، قال الله عز وجل (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) فمن لا يعلم شيئا استحال منه كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار.قال أبو عمر: هذا القول أصح ما قيل في معنى الفطرة التي يولد الناس عليها والله أعلم، وذلك أن الفطرةَ السلامةُ والاستقامة، بدليل حديث عياض بن حمار عن النبي عليه السلام حاكيا عن ربه عز وجل: “إني خلقت عبادي حنفاء” يعني على استقامة وسلامة. والحنيف في كلام العرب المستقيم السالم…”[  التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 68 — 71)]

2 – الفطرة هي الإسلام.

“وقال آخرون: الفطرة ههنا الإسلام. قالوا: وهو المعروف عند عامة السلف من أهل العلم بالتأويل؛ قد أجمعوا في قول الله عز وجل (فطرة الله التي فطر الناس عليها) على أن قالوا: فطرةُ الله دين الله الإسلام. واحتجوا بقول أبي هريرة في هذا الحديث: اقرءوا إن شئتم (فطرة الله التي فطر الناس عليها)، وذكروا عن عكرمة ومجاهد والحسن وإبراهيم والضحاك وقتادة في قول الله عز وجل (فطرة الله التي فطر الناس عليها) قالوا: دين الله الإسلام، لا تبديل لخلق الله، قالوا: لدين الله…”[  التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 18⁄77]

“قال أبو عمر: يستحيل أن تكون الفطرة المذكورة في قول النبي صلى الله عليه وسلم “كل مولود يولد على الفطرة” الإسلام؛ لأن الإسلام والإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، وهذا معدوم من الطفل، لا يجهل ذلك ذو عقل. والفطرة لها معان ووجوه في كلام العرب…”[  التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 72)]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والتسعون بعد المائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*الفطرة التي فطر اللهُ الناسَ عليها.. معناها ومقتضاها

3 – ابن تيمية: الحب الفطري والكره الفطري

“الناس إذا قالوا العدل حسن والظلم قبيح، فهم يعنون بهذا أن العدل محبوب للفطرة يحصل لها بوجوده لذة وفرح نافع لصاحبه ولغير صاحبه، يحصل به اللذة والفرح وما تتنعم به النفوس. وإذا قالوا الظلم قبيح فهم يعنون به أنه ضار لصاحبه ولغير صاحبه، وأنه بغيض يحصل به الألم والغم وما تتعذب به النفوس. ومعلوم أن هذه القضايا هي في علم الناس لها بالفطرة وبالتجربة أعظم من أكثر قضايا الطب …

فإن الإنسان من نفسه يجد من لذة العدل والصدق والعلم والإحسان والسرور بذلك ما لا يجده من الظلم والكذب والجهل. والناس الذين وصل إليهم ذلك والذين لم يصل إليهم ذلك يجدون في أنفسهم من اللذة والفرح والسرور بعدل العادل وبصدق الصادق وعلم العالم وإحسان المحسن ما لا يجدونه في الظلم والكذب والجهل والإساءة. ولهذا يجدون في أنفسهم محبة لمن فعل ذلك وثناء عليه ودعاء له. وهم مفطورون على محبة ذلك واللذة به، لا يمكنهم دفع ذلك من أنفسهم، كما فطروا على وجود اللذة بالأكل والشرب والألم بالجوع والعطش”[  الرد على المنطقيين (ص: 423)]

4- ابن قيم الجوزية: الفطرة الحنيفية

“والصحيح من هذه الأقوال ما دل عليه القرآن والسنة: أنهم ولدوا حنفاء على فطرة الإسلام، بحيث لو تركوا وفِطَرَهم لكانوا حنفاء مسلمين، كما ولدوا 

أصحاء كاملي الخلقة، فلو تركوا وخلقهم لم يكن فيهم مجدوع، ولا مشقوق الأذن.

 ولهذا لم يذكر النبي — صلى الله عليه وسلم — لذلك شرطا مقتضيا غير الفطرة، وجعل 

خلاف مقتضاها من فعل الأبوين.

وقال النبي — صلى الله عليه وسلم — فيما يروي عن ربه عز وجل: “إني خلقت عبادي حنفاء، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم”، فأخبر أن تغيير الحنيفية التي خلقوا عليها بأمر طارئ من جهة الشيطان، ولو كان الكفار منهم مفطورين على الكفر لقال: خلقت عبادي مشركين، فأتتهم الرسل فاقتطعتهم عن ذلك، كيف وقد قال: «خلقت عبادي حنفاء كلهم» “؟ فهذا القول أصح الأقوال، والله 

أعلم”[ أحكام أهل الذمة (2/ 1069)]

5- الأمير الصنعاني: التحسين والتقبيح العقليان الفطريان

قال الأمير الصنعاني”… وأهلُ الأقطار قاطبة يمدحون المحسن ويذمون المسيء بعقولهم من دون معرفة الشرائع، بل مَنْ ميز من الصبيان مَدح من أحسن وذم من أساء. وهل مدْحُ أهل الجاهلية لحاتم إلا لإحسانه وكرمه الذي أدركت عقولُهم حسنه ؟ وهل ذموا مادرًا[ مادر: رجل من بني هلال بن عامر بن صعصعة، كان مضربَ الأمثال في شدة البخل واللؤم، فيقال: أبْخَلُ من مادر، أو: ألْأمُ من مادر.]

في جاهليتهم إلا لبخله الذي أدركت عقولُهم قبحه؟ وهل مدحوا محمدًا صلى الله عليه وسلم في جاهليتهم قبل بعثته وسَمَّوْه الصادق الأمين إلا لأنها أدركت عقولُهم حسن الصدق وأنه يُمدَح من اتصف به ؟ وهل ذموا عُرقوبًا إلا لكذبه وخُلْفِ مواعيده الذي أدركوا بعقولهم قبحه؟ ثم جاء الإسلام مقررًا لهذه الفطرة السليمة”[ إجابة السائل شرح بغية الآمل، لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني 1/ 221، تحقيق القاضي حسين بن أحمد السياغي والدكتور حسن محمد مقبولي الأهدل، مؤسسة الرسالة، بيروت – الطبعة الأولى، 1986 ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*الفطرة التي فطر اللهُ الناسَ عليها.. معناها ومقتضاها

6 – ابن عاشور: الفطرة في كل أحوال الإنسان

“والفطرة: ما فُطِر– أي خُلق – عليه الإنسان ظاهراً وباطناً، أي جسدًا وعقلاً. فسَيْرُ الإنسان على رجليه فطرة جسدية، ومحاولة مشيه على اليدين خلافُ الفطرة. وعمل الإنسان بيديه فطرة جسدية، ومحاولة عمله برجليه خلافُ الفطرة. واستنتاج المسبَّبات من أسبابها والنتائجِ من مقدماتها فطرةٌ عقلية. ومحاولةُ استنتاج الشيء من غير سببه – المسمى في علم الجدل بفساد الوضع – خلافُ الفطرة العقلية. والجزم بأن ما نشاهده من الأشياء هو حقائق ثابتة في نفس الأمر فطرة عقلية، وإنكار السفسطائية ثبوتَها خلافُ الفطرة العقلية”[ أصول النظام الاجتماعي لابن عاشور ص 36 .]

والحاصل من كون الشريعة مبنية على الفطرة، وكونِ الإسلام موصوفًا بأنه دين الفطرة هو: ” أن هذا الوصف العظيم صالح لأن يكون الأصلَ العامَّ لفهم 

مناحي التشريع والاستنباط، فهو أَوْلى الأوصاف بأن يجعل أصلاً جامعا لكليات الإسلام… وفي هذا تنبيه للعلماء بأن عليهم أن يسايروا هذا الوصف الجامع ويجعلوه رائدهم وعاصمهم في إجراء الأحكام، بمنزلة إبرة المغناطيس لربان السفينة”[ أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، لابن عاشور ص 42 — 43 أحمد الريسوني ]

الخلاصة:أهم المعاني والأحكام المستخلصة من كل ما تقدم:

1. أن الفطرة هي الصفات الخَلقية الأولية التي منحها الله تعالى للإنسان وغرسها في طبيعته.

2. أن الصفة الفطرية الأساسية الجامعة هي الاستقامة والسلامة.

3. وأن من الفطرة واستقامتِها: التوجه التلقائي إلى الخالق وإلى توحيده (فطرة عَقَدية).

4. ومن الفطرة واستقامتها كذلك: حب الفضائل والمحاسن وكره الرذائل والقبائح (فطرة قلبية وجدانية).

5. ومن الفطرة واستقامتها: الميلُ الأصلي إلى السلوك المستقيم والتصرف والتحدث بصدق (فطرة سلوكية عملية).

6. وصرحت النصوص كذلك بأن كل الناس من جميع الأجناس يولدون على

 هذه الفطرة أول ما يولدون، فهي سنة من سنن الله التي لا تتبدل ولا تتخلف.

7. بعد الولادة والاندماج في الحياة الاجتماعية، تصبح جميع الصفات الفطرية عرضة للتأثيرات السلبية، التي قد تغير منها قليلا أو كثيرا، دون أن تمحوها وتبدلها من أصلها.

8. وبناء عليه، فالفطرة من سنن الله التي لا تقبل الإلغاء والتبديل، لكنها تقبل التغيير وتخضع للتأثير.[ الأنترنت – موقع الفطرة التي فطر اللهُ الناسَ عليها.. معناها ومقتضاها- أحمد الريسوني ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*التدرج في خلق السماوات والأرض

إن خصيصة التدرج وثيقةُ الصلة بالربوبية، فهي سنة الله تعالى في الخلق والتكوين، مع قدرته المطلقة أن يفعل ما يشاء، ويخلق ما أراد بكلمة واحدة، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]، ولكن الحكمة من ذلك أن الله تعالى يعلمنا التدرج في كل شيء؛ ليكون العمل قائمًا على أسس راسخة، ويكون البناء متينًا ومحكمًا، فالإحكام من ثمرات التدرج، يقول صاحب كتاب (من مرتكزات الخطاب الدعوى في التبليغ والتطبيق):

يتدرَّج الخالق القدير على الإنشاء والتكوين، دونما عناء وتعب، ودونما حاجة إلى تخطيط أو تفكير، ولا إلى وقت أو زمن، يتدرج في خلق السموات 

والأرض، ويتدرج في خلق الإنسان، وفي كل ذلك تنبيه للدعاة والمصلحين أنه ما من بناء لا يراعَى فيه التدرج، ولا ينشأ على خطوات ومراحل، إلا انهدم على أهله، وانهدم على صاحبه)[كتاب الأمة العدد 56 للمؤلف عبدالله الزبير ص 115.]

قلت: وفي قوله تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ﴾ [الشمس: 5]، وقوله تعالى:   ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 32]، إشارة واضحة إلى أن السماء لم تخلق في لحظة واحدة وبدون أساس؛ لأنه ما من بناء إلا ويقوم على قواعد ثم تقام الأعمدة، ثم يبنى السقف، وفي ذلك إشارة إلى خلق الأرض أولاً، ثم كان خلق السماء، وتفصيل ذلك في سورة فصلت، يقول - عز وجل -: ﴿ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [فصلت: 9 - 12]، وعادة ما يكون التزيين والتحسين بعد تمام البناء. في الآيات السابقة يُبيِّن الله تعالى أنه لم يخلقِ السمواتِ والأرضَ في لحظةٍ واحدة، ولكن على مراحل، بدليل كلمة (ثم) التي تفيد الترتيب والتراخي، فكان ذلك على تقدير من الله تعالى وعلى تمهُّل.

ويقول الإمام الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآيات:

فذكر أنه خلق الأرض أولاً؛ لأنها كالأساس، والأصل أن يبدأ بالأساس ثم بعده السقف، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 29][ تفسير ابن كثير، مكتبة التراث الإسلامي - حلب 1980م - جزء 4 ص 92.]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*التدرج في خلق السماوات والأرض

ومن هنا يتبين لنا ما يلي:

أولاً: تبين الآيات أن خلق السموات والأرض وإعداد الأرض للحياة الإنسانية تم على مراحل؛ وهي: المرحلة الأولى: خلق الأرض في يومين.

المرحلة الثانية: إعداد الأرض للحياة الإنسانية (خلق الجبال والأنهار، وتقدير الأقوات).

المرحلة الثالثة: خلق السموات.

ثانيًا: تبيَّن مما ذكره ابن كثير - رحمه الله - أن الله تعالى بدأ بخلق الأرض أولاً؛

 لأنها الأساس، والأصل أن يبدأ بالأساس ثم بعده الأعمدة والسقف، وهذا يتفق مع ما يدل عليه قوله تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ﴾ [الشمس: 5]، كما سبق بيانه، وهذا ما توصل إليه العلم الحديث.

إن الأرض هي مركز الكون[ د. زغلول النجار فى مقال جريدة الأهرام 30/12/2002 ص 12؛ حيث أثبت أن الكعبة مركز الأرض، والأرض مركز الكون.]

، ومن هنا تأتي أهمية الأرض، فهي الأهم، فكان البَدْء بالأرض، كذلك فإن المقصود بالأرض في الآية ﴿ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ ﴾ [فصلت: 9]، هي الأرض التي نعيش عليها؛ لأن الألف واللام في (الأرض) هي للعهد[ الإسلام في عصر العلم؛ د. محمد الغمراوي، طبعة 4، 1991م - ص 241.]

، فهي إذًا أرض الدعوة ومحل التكليف، وهذا تدرج.

ثالثًا: قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾، يُبيِّن أن أمر الخلق كان بتقدير، والتقدير والقدرة من صفات الله عز وجل، جاء في مختار الصحاح: "قَدْر الشيء: مبلغه، والقَدَرَ والقَدْر: ما يقدره الله من القضاء، وقَدَرَ الشيء؛ أي: قدَّره؛ مِن التقدير"[ مختار الصحاح ص 460.]

فهذه المعاني لكلمة تقدير تُوضِّح أن عملية الخلق والإعداد كان بتروية وتمهل وإعداد، والبدء بالأهم ثم المهم، وبناء القاعدة ثم الأعمدة ثم السقف، وهذه سِمة 

كل بنيان؛ ليعلمنا الله تعالى الإعداد لكل شيء والتمهل، وكيف يكون البدء والخطوة الأولى ثم التي تليها، وتلك من معاني التدرج.

*الحكمة من خلق السموات والأرض بالتدرج.

إنه ما من بناء محكم يراد له البقاء والنفع، وتمتد جذوره في أعماق الأرض، وترتفع أعمدته في عنان السماء، إلا ويحتاج إلى أمرين:

الأول: الإعداد والإحكام والتمهل.

الثاني: البدء بالأهم ثم المهم.

يقول الله - عز وجل -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 29]، هذه الآية يُفسِّرها قوله تعالى في سورة فصلت:﴿ قُلْ أَإِنَّكُمْ﴾ التي سبق الحديث عنها.

ويقول الإمام الفخر الرازي:

"اعلم أن هذه هي النعمة الثانية التي عمَّت المكلَّفين بأسرهم، وما أحسن ما راعى

 الله - سبحانه وتعالى - هذا الترتيب؛ فإن الانتفاع بالأرض والسماء إنما يكون بعد حصول الحياة[ إشارة إلى الآية السابقة، وهي قوله تعالى: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ﴾ [البقرة: 28].]، فلهذا ذكر الله أمر الحياة أولاً، ثم أتبعه بذكر السماء والأرض"[ مفاتيح الغيب جزء 1 - ص 564.] وجاء بعد قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ ﴾ قولُه تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30]، فجاء خلق الإنسان بعد خلق الأرض، ثم إعدادها للحياة، ثم خلق السموات، فيكون الترتيب كما يلي:1- خلق الأرض.2- خلق الجبال والأنهار وتقدير الأقوات.

3- خلق السماوات.4- خلق الإنسان (خلق من الأرض).

فكان خلق الأرض أولاً، ثم إعدادها للحياة، ثم كان خلق السموات التي تعد

 سقفًا للأرض، ولا يمكن بناء السقف قبل بناء الأساس والأعمدة، ثم كان خلق الإنسان؛ لأنه لا إنسان بغير أرض، ولأن كل ذلك مخلوق من أجله هو، وهذا ترتيب وتقدير من العزيز العليم؛ لنعلم أن التدرج قاعدة ربانية، وطريقة إلهية، وسنة كونية. [الأنترنت – موقع التدرج في خلق السماوات والأرض - د. أمين الدميري ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* الجنة والنار مخلوقتان وموجدتان الآن

المعالم العقدية في الجنة والنار عند أهل السنة

فمن آكد أمور الإيمان ، الإيمان بالجنة والنار .. وأنهما داري الجزاء ومثوى عباد الله عقوبة وثوابا خالدين فيهما أبدا بما كسبت أيدي الناس ..

والجنة هي قمة الفرح والسرور والنعيم الذي لا يدانيه ولا يماثله نعيم ..

والنار هي قمة الذل والبؤس والشقاء والعذاب الذي لا يدانيه عذاب ..

وقد يجمع هذا كله ويصوره أتم تصوير وأبلغه ، ذلك الحديث العظيم الذي رواه مسلم [2807] في صحيحه عن أنس بن مالك قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مربك نعيم قط؟ فيقول لا والله يا رب ، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط ؟ وهل مر بك شدة قط ؟ فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط .

اعتقاد أهل السنة والجماعة في الجنة والنار.

ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة : الإيمان بالجنة والنار وأنهما حق من عند الله ، وأنهما مخلوقتان وموجدتان الآن ، وأن مكان الجنة فوق السماء السابعة وتحت عرش الرحمن ، وأن النار في مكان يعلمه الله ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآهما بعينيه ، وأن الله خلق لكل منهما أهلاً ، وأن لكل واحد في الدنيا منزلان أحدهما في الجنة والآخر في النار ، وأنه حف الجنة بالمكاره وحف النار بالشهوات ، وأنه أعطى النار نفسين في الصيف والشتاء ، وأنهما خالدتان لا يفنيان ، وأنهما عظيمتان في الاتساع وكبر الحجم .. كما نطقت بذلك الأدلة الصحيحة الصريحة

 في القرآن والسنة ..

وهذه نقاط بلغت أربعة عشرة مسألة جمعتها في عجالة عن بعض خصائصهما مشتركة .. لعل الله أن يبصر بها قلوبنا ، فيهدينا إلى العمل للجنة والفرار من النار .. فنقول والله ولي التوفيق والسداد :

1- الجنة والنار حق

كما جاء في الصحيحين [البخاري 1120 ومسلم 199 ] عن ترجمان القرآن من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن ، أنت الحق ، وقولك الحق ، ووعدك الحق ، ولقاؤك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والساعة حق .. الحديث . [ ورواه وأبو داود 766 وابن ماجة 1355 كلهم عن ابن عباس]

وهذا من أساسيات الإيمان وثوابته ، إذ لو لم يكن جنة ولا نار .. لم يكن ليخاف العاصي من عقاب ، ولم يكن ليفرح المطيع بثواب .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* الجنة والنار مخلوقتان وموجدتان الآن

2- وأنهما مخلوقتان وموجدتان الآن

ومن الأدلة على خلقهما ووجودهما أنه تعالى قال عن الجنة : ( وسَارِعُواْ إِلَى

 مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) [آل عمران-133]

وقال عن النار: ( وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) [آل عمران-131]

قال ابن كثير : وقد استدل كثير من أئمة السنة بهذه الآية على أن النار موجودة الآن لقوله تعالى : أُعِدَّتْ .. أي أرصدت وهيئت .. أهـ

وفي المسند والسنن من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

لما خلق الله الجنة قال لجبريل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال أي رب وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها ، ثم حفها بالمكاره ثم قال يا جبريل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال أي رب وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد ..

قال : فلما خلق الله النار قال يا جبريل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال أي رب وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها ، فحفها بالشهوات ثم قال يا جبريل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال أي رب وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها .[ رواه أحمد 8379 بسند حسن وأبو داود 4731 والترمذي2560 والنسائي 3772]

وفي صحيح مسلم [2844 ] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا وجبة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أتدرون ما هذا ؟ قلنا الله ورسوله أعلم ..قال : هذا حجر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفا ، فالآن حين انتهى إلى قعرها . ومعنى أرسله الله في جهنم من سبعين خريفاً : أي أنها مخلوقة موجودة . وهناك كثير من الأحاديث المتواترة في هذا المعنى ..

وقد رأي النبي صلى الله عليه وسلم فيها قصراً لعمر ورأى مناديل سعد وسمع صوت خشخشة بلال في الجنة ورأى عمرو بن لحي يجر قصبه في النار وغير ذلك مما صح ونقل في الأخبار ..

وقد خالفت المعتزلة بجهلهم في هذه المسألة ، وقالوا أن الجنة والنار يخلقهما الله يوم القيامة !!وقد رد عليهم كثير من أئمة أهل السنة وبينوا جهلهم بالآثار والسنن 

3- الجنة فوق السماء السابعة وتحت عرش الرحمن قال تعالى: ( عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ ) [النجم- 15]

وفي صحيح البخاري [ 7423 ] عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة .

فثبت بهذا الحديث أن الجنة تحت عرش الرحمن ..

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* الجنة والنار مخلوقتان وموجدتان الآن

ونربطه بالحديث الآتي في قصة الإسراء في صحيح مسلم [ 162 ] من رواية أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم :.. وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسندا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمارها كالقلال فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة كل يوم وليلة .. الحديث ..وثبت بهذا الحديث أن سدرة المنتهى فوق السماء السابعة ، وعليه فالجنة يقيناً – والعلم الحق عند الله – فوق السماء السابعة وتحت عرش الرحمن كما دل عليه هذين الحديثين .

4- وأن النار في مكان يعلمه الله

أما مكان النار فقيل فيه قوله تعالى : ( كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَآ 

أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ* كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ) [ المطففين ]

قال ابن كثير : والصحيح أن سجيناً مأخوذ من السجن وهو الضيق ، فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق وكل ما تعالى منها اتسع ، فإن الأفلاك السبعة كل واحد منها أوسع وأعلى من الذي دونه ، وكذلك الأرضون كل واحدة أوسع من التي دونها حتى ينتهي السفول المطلق والمحل الأضيق إلى المركز في وسط الأرض السابعة ، ولما كان مصير الفجار إلى جهنم وهي أسفل السافلين كما قال تعالى : ( ثُمَّ رَدَدْنَـٰهُ أَسْفَلَ سَـٰفِلِينَ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ .. ) وقال هاهنا : ( كَلاَّ إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ .. ) وهو يجمع الضيق والسفول كما قال تعالى : ( وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً ) . اهـ

فالحق أنه لم يأت دليل صحيح يعين مكان جهنم الآن ، غير أننا على يقين بأن الله خلقها وأنها موجودة وأنها تأتي يوم القيامة من مكان آخر غير التي ستكون فيه يوم القيامة كما دلت الآيات والأحاديث ..

ولعل عدم إطلاعنا على مكان النار من حكمة الله تبارك وتعالى .. إذ إنه لو علم مكانها يقيناً لما فرح مخلوق على وجه الأرض .. والله تعالى أحكم وأعلم .

5- وأن رسول الله رآهما حقاً

وفي ذلك أحاديث كثيرة .. منها : حديث ابن عباس في قصة الخسوف :

ففي الصحيحين [ البخاري 5197 ومسلم 907] قال النبي صلى الله عليه وسلم : إني رأيت الجنة أو أريت الجنة فتناولت منها عنقوداً ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ، ورأيت النار فلم أر كاليوم منظراً قط ورأيت أكثر أهلها النساء. الحديث .

وفي حديث الإسراء قال النبي صلى الله عليه وسلم : أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل يضع حافره عند منتهى طرفه فلم نزايل ظهره أنا وجبريل حتى أتيت بيت المقدس ففتحت لي أبواب السماء ورأيت الجنة والنار .[ أنظره في صحيح الجامع الصغير للألباني 128 وقد حسنه ]

وفي صحيح مسلم [ 426 والنسائي 1363] من حديث أنس قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا - ثم قال- والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً .. قلنا ما رأيت يا رسول الله ؟ قال رأيت الجنة والنار .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* الجنة والنار مخلوقتان وموجدتان الآن

6- وأنهما تتكلمان وتتحاجان ؛ صح في الحديث أن النار تكلمت واشتكت إلى ربها فقالت : رب أكل بعضي بعضا . كما سيأتي بتمامه ..

وفي الصحيحين [البخاري 4850 ومسلم 2846] من حديث أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين 

والمتجبرين وقالت الجنة فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم ؟ قال الله تعالى للجنة : إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار : إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها .. فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله رجله فتقول قط قط قط .. فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض فلا يظلم الله من خلقه أحدا .. وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا .

7- وأن الله خلق لكل منهما أهلاً كما في صحيح مسلم [2662] عن عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم :

يا عائشة إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها أهلاً وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم .

[ ورواه أبو داود 4701 وابن ماجة 82 والنسائي 1946]

وهذا الحديث مجمل بينه الحديث الصحيح الذي فيه أن أهل الجنة وأهل النار معلومين بأسمائهم وأسماء آبائهم وأسماء قبائلهم وأنهم مكتوبين في كتاب من عند رب العالمين ، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذين الكتابين كما رآهما بعض أصحابه رضي الله عنهم أجمعين ..

ففي المسند من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان ، فقال أتدرون ما هذان الكتابان ؟ فقلنا : لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا ..فقال للذي في يده اليمنى : هذا كتاب من رب العالمين تبارك وتعالى بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً ، ثم قال للذي في يساره : هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً ..

فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلأي شيء إذاً نعمل إن كان أمراً قد فرغ منه ؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سددوا وقاربوا ، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل ، وإن صاحب النار ليختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل ، ثم قال بيده فقبضها ثم قال : فرغ ربكم عز وجل من العباد ثم قال باليمنى فنبذ بها فقال : فريق في الجنة ، ونبذ باليسرى فقال : فريق في السعير 

[ رواه أحمد في المسند وصححه شاكر 6/132 رقم 6563 وصحيح الترمذى2/255 رقم1740 وقال الشيخ أحمد شاكر في شرحه : ظاهر الحديث أنهما كتابان حسيان حقيقيان وهما من عالم الغيب الذي أمرنا أن نؤمن به إيماناً وتسليماً. وراجع كذلك تحفة الأحوذي 6/296 للمباركفوري ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* الجنة والنار مخلوقتان وموجدتان الآن

8- وأن لكل واحد منزل في الجنة وآخر في النار

كما روى ابن ماجة عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

ما منكم من أحد إلا له منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى : أولئك هم الوارثون .

[رواه ابن ماجة4341 وابن أبي حاتم كما عند ابن كثير وصححه الألباني في الصحيحة 2279]

ومعنى الحديث كما هو ظاهر : أن الله كتب لكل واحد من أهل الدنيا منزلان أحدهما في الجنة لو عمل الصالحات ، والآخر في النار لو عمل السيئات ..

فإذا دخل رجل الجنة بقي له بيت في النار فيرثه الكافر .. وإذا دخل رجل النار 

بقي له بيت في الجنة فيرثه المؤمن .. والعلم عند الله ..

فإن قيل : لماذا يخلق الله له منزلان وفي علم الله أنه سيكون في الجنة أو في النار ؟

فالجواب والله أعلم : أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغنا في حديث سيأتي في بعض صور 

نعيم أهل الجنة ، أن المؤمن وهو في الجنة سيرى مكانه في النار لو عمل السيئات فيزداد شكراً على نعمة الله وعلى نجاته من النار ..

وأن الضال سيرى مكانه في الجنة لو كان عمل الصالحات فيزداد حسرة على

 عذابه .. وفي هذين الصورتين زيادة فرح وسرور أهل الجنة وزيادة عذاب

 وحسرة أهل النار .. نسأل الله العافية .

9- وأنه حف الجنة بالمكاره وحف النار بالشهوات ..

في الصحيحين [ البخاري 6487 ومسلم 2823 ] من حديث أبي هريرة قال 

، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره.

وفي رواية مسلم : حفت بدل حجبت .

يقول ابن حجر : وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وبديع بلاغته في ذم الشهوات وإن مالت إليها النفوس والحض على الطاعات وان كرهتها النفوس وشق عليها.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* الجنة والنار مخلوقتان وموجدتان الآن

10- وجعل للنار نفسين في الصيف والشتاء

كما في الصحيحين [ البخاري 3087 ومسلم 615 ، 617 ] من حديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشتكت النار إلى ربها فقالت رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير.

وفي رواية للبخاري : فأشد ما تجدون من الحر فمن سمومها وأشد ما تجدون من 

البرد فمن زمهريرها . وأن الجنة يشتم رائحتها أهل الإيمان والجهاد ..

كما في مسند أحمد [2/194] وسنن الترمذي [3200] والنسائي [ كبرى 8291] بسند صحيح عن أنس قال : غاب عمى أنس بن النضر عن قتال بدر فلما قدم قال : غبت عن أول قتال قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشركين ، لئن أشهدني الله قتالا ليرين الله ما أصنع ، فلما كان يوم أحد انكشف الناس فقال : اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعنى المشركين وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعنى المسلمين ثم مشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ فقال : أي سعد والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد واها لريح الجنة قال سعد : فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال أنس : فوجدناه بين القتلى ، به بضع وثمانون من بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم قد مثلوا به فما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه قال أنس : فكنا نقول : أنزلت هذه الآية ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) [الأحزاب-23] أنها فيه وفى أصحابه .

لأن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف كما في مسند أحمد [4/396] وصحيح مسلم [1902] من حديث أبي موسى مرفوعا : إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف .

فيالها من نعمة يستحقها أهلها ..

11- وأنهما خالدتان لا يفنيان ؛ خلود الجنة مما أجمع عليه العلماء من أهل السنة والجماعة .. وخلود النار كذلك أيضاً لولا قول من قال – كما نسب لشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم - بفنائها وخرابها وخروج أهلها ..

قال الأمير الصنعاني في كتابه الماتع رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار (1/63) عن هذه المسألة الكبيرة والخطيرة :

واستوفى المقال فيها العلامة ابن القيم في كتابه حادي الأرواح إلى ديار الأفراح

 نقلا عن شيخه العلامة شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية فإنه حامل لوائها ومشيد بنائها وحاشد خيل الأدلة منها ورجلها ودقها وجلها وكثيرها وقليلها وأقر كلامه تلميذه ابن القيم وقال في آخرها إنها مسألة أكبر من الدنيا وما فيها بأضعاف مضاعفة هذا كلامه في آخر المسألة في حادي الأرواح وإن كان في الهدي النبوي أشار إشارة محتملة لخلاف ذلك .. اهـ

فالبعض يرى أن موقف ابن تيمية وابن القيم غير واضح في هذه المسألة ، ومنهم من قال أنهما كانا يميلان أولا لهذا القول ..

والحقيقة التي تنتج بالاستقراء لمؤلفاتهما أنهما ليسا بأصحاب هذا القول ، وإن كانت هناك بعض النصوص في كلامهما وتقريراتهما تدل على ذلك ، إلا أن المبهم منها يرد للواضح فيزول الإشكال . وليس ها هنا محل بسط ذلك ..

وحقيقة : أن من يرى أسلوب ابن القيم في الحجاج والتقرير وتوجيه الأدلة في كتابه حادي الأرواح وغيره ، يكاد أن يميل للقول بهذه المسألة ..

ولكن سرعان ما يظهر الحق جليا مع مذهب الجمهور وهو خلود الجنة والنار خلوداً أبدياً لا انقطاع له . وأدلة هذا الأمر كالآتي :

من الآيات في خلود الجنة قوله تعالى :( لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ ) [آل عمران-15]وقوله : ( لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ ) [آل عمران-192]وقوله : ( وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ) [النساء-13]والآيات في هذا المعنى كثيرة ومتنوعة ..

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* الجنة والنار مخلوقتان وموجدتان الآن 

ومن الأحاديث ما رواه مسلم [2837] عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ينادي مناد إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً وإن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبداً .

وحديث الصحيحين في ذبح الموت أمام أهل الجنة وأهل النار وقوله :

يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت .

والأحاديث فيه كثيرة أيضاً ..

وأما الآيات في خلود النار وأصحابها ، فقد قال تعالى : ( خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ ) [البقرة-162]

وقال تعالى : ( إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً

 * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً ) [النساء 168-169]

وقال تعالى : ( وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ) [الجن-22]وقال تعالى : ( إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً ) [الأحزاب 64-65]

وغيرها من الآيات ..

ومن الأحاديث ما ذكرناه أيضاً في قصة ذبح الموت ..

وفي الصحيحين [ البخاري 5778 ومسلم 109 ] عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً .

وإذ ثبت بالأدلة خلود أهل الجنة والنار فمن ذلك قطعاً خلود الجنة والنار ، وهذا أمر بدهي لا يحتاج إلى توضيح .

واعتمد الذين قالوا بفناء النار على ثلاث آيات في كتاب الله ..

وهن قوله تعالى عن الكفار : ( قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ 

رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ ) [الأنعام-128]

وقوله : ( خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ) [هود 106-107] فقالوا : إن هذا الاستثناء يفيد عدم الدوام 

وفي قوله عن الكفار : ( لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً ) [النبأ-23] قالوا الحقبة وقت زمني محدود مهما طال أمده .. واستدلوا بروايات عن بعض الصحابة منها عن الحسن عن عمر قال : لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه 

وعن ابن مسعود قال : ليأتين عليها – أي النار - زمان ليس فيها أحد .

وقد رد الأئمة الأجلة من السلف في رد هذا المذهب على أصحابه في مؤلفات عدة مفردة وفي أخرى في بعض الفصول .. والحق أن الفريق القائل بفناء النار توهموا أدلة في الكتاب العزيز وتأويلها على غير ما أرادوا .. كما أنهم اعتمدوا على آثار واهية يقوونها ببعض الأحاديث الصحيحة وهي في غير ما أشاروا إليه ..كما قالوا في الحديث : إن رحمتي غلبت غضبي .. أن من لوازم ذلك أن تسبق رحمته غضبه على أهل النار فيخرجون منها بعد أن يزول عذابها وينطفئ لهبها ، وقد قرروا ذلك بكلام كثير من جهة النظر ..

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العاشرة بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*وللرد الإجمالي علي أن النار تفنى نقول :

أولاً : الآيتان السابقتان واللتان يحملان الاستثناء المذكور في قوله : ( خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ )

قال الجمهور من علماء التفسير : أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد ممن يخرجهم الله من النار كما وردت بذلك الأخبار الصحيحة المستفيضة ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها ولا محيد له عنها ، وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديماً وحديثاً في تفسير هذه الآية الكريمة 

وهناك قول بأن المدة التي استثناها هي مدة البرزخ في القبور إلى البعث .. ومعلوم أنه عذاب على الكافرين ما دامت السماوات والأرض قبل أن تتبدل ..

كما قال عن فرعون وقومه : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) [غافر-46]

وهو قول وجيه ، وليس هناك مانع من حمل الآية عليه ..

وما قيل في الآية الأولى يقال في الآية الثانية .

وأما الآية الثالثة : وهي قوله : ( لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً ) ففيها أقوال ثلاثة :

القول الأول : ما نقله ابن كثير عن خالد بن معدان قال :

هذه الآية : ( لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً ) وقوله تعالى ( إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ ) في أهل التوحيد . وهو رأي الكثير من السلف أيضاً ..

القول الثاني : وهو أن يكون قوله تعالى : ( لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً ) متعلقاً بقوله 

تعالى : ( لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً ) ثم يحدث الله لهم بعد ذلك عذاباً من

 شكل آخر ونوع آخر . وهذا قاله ابن جرير ..

القول الثالث : أن الأحقاب ليس لها مدة إلا الخلود وإن عرف مقدارها .

قاله قتادة والربيع بن أنس ، وقد روى ابن جرير عن الحسن وقد سأل عن الآية فقال : أما الأحقاب فليس لها عدة إلا الخلود في النار ، ولكن ذكروا أن الحقب سبعون سنة كل يوم منها كألف سنة مما تعدون .

وعن قتادة قال : هو ما لا انقطاع له وكلما مضى حقب جاء حقب بعده .

وقال الربيع بن أنس : لا يعلم عدة هذه الأحقاب إلا الله عز وجل .

ذلك التفسير المختار لهذه الآيات عند جمهور السلف ..

وأما الأثر عن عمر وابن مسعود وغيرهما مما ورد عن الصحابة فإنه لم يصح السند إليهم ، وقد ضعفها جمهور العلماء .

[ وانظر للتوسع السلسلة الضعيفة تحت الحديث 342 وتخريج العقيدة الطحاوية ص 428 ] 

والحاصل أن الجنة والنار خالدتان بأهلهما على الدوام ..

والمسألة منثورة في كتب العقائد والفرق ..ومن قول السفاريني في عقيدته :

واجزم بأن النار كالجنة في *** وجودها وأنها لم تتلف .

وقال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله :

والنار والجنة حق وهما *** موجودتان لا فناء لهما 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الحادية عشرة بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

- مسألة : فيمن دخل الجنة أو النار قبل يوم القيامة

ثبت أنه قد دخل الجنة قبل يوم القيامة نبي الله آدم وأمنا حواء ..

ويؤسس ذلك على خلاف قديم فيما إذا كانت الجنة التي أدخلها آدم هل هي جنة الخلد أم جنة في الأرض ؟ والجمهور على أنها الجنة التي في السماء وهي جنة المأوى ، وأدلة القائلين بأنها جنة أخرى في السماء أو الأرض – على خلاف بينهما - أقوى وأوضح كما ذكرها ابن القيم وابن كثير وغيرهما ..

وما قيل من دخول صاحب يس الجنة كما قال تعالى : ( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ) [يس-26] أو الشهداء عموماً لقوله تعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) [آل عمران-169]

فإنما ذلك بالروح لا بالجسد كما روى مسلم [1887] مرفوعاً قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهداء : أرواحهم في جوف طير خضر ، لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل .

والمعروف والمشاهد أن جثث الشهداء في الأرض ، فثبت بأن المقصود دخول أرواحهم فقط ، كما صح [ من حديث البراء بن عازب رواه أحمد في المسند رقم 18063] أن المؤمن في قبره يبشر بالجنة فيأتيه من نعيمها والكافر يبشر بالنار فيأتيه من لهيبها . وهذا لا يستلزم دخولهم الجنة والنار حقيقة كما هو ظاهر .

وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلها ليلة الإسراء كما رواه البخاري في أول كتاب الصلاة ، وعلى أساس أن جمهور العلماء من السلف والخلف يقولون أن الإسراء بالروح والجسد معاً .

أما دخول النار حقيقة ففيه أحاديث خاصة وعامة ..

فمن الخاصة حديث عمرو بن لحي فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح يجر قصبه في النار ..وحديث المرأة التي دخلت النار في هرة حبستها وهما في الصحيحين .

ومن العام أحاديث كثيرة منها ما جاء عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال 

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

بينا أنا نائم أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا فقالا: اصعد فقلت إني لا أطيقه فقالا إنا سنسهله لك فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا 

بأصوات شديدة قلت ما هذه الأصوات ؟ قالوا هذا عواء أهل النار ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما قال :

قلت :من هؤلاء قالا : الذين يفطرون قبل تحلة صومهم .. الحديث .

[ قال المنذري: رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وصححه الألباني ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية عشرة بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

- مسألة : فيمن دخل الجنة أو النار قبل يوم القيامة

وظاهره أنه رؤيا منامية ، ورؤيا الأنبياء حق ووحي كما ورد .

والأعم من ذلك أيضاً ما جاء في الصحيحين [ البخاري 3241 ومسلم 2738]

 عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اطلعت في الجنة فرأيت

 أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء .

ولا ندري هل دخلها هؤلاء بأجسامهم حقيقة أم لا ..

فالتحقيق في المسألة إن شاء الله :

أنه قد علم يقيناً أن الله خلق الجنة والنار ، وأنهما موجودتان الآن ، وإذا ثبت مما

 نقلناه من أحاديث أن أرواح الشهداء تدخل الجنة وأرواح الكافرين تدخل النار حقيقة ، فدخول أرواح المؤمنين الجنة وأرواح الكافرين النار في صورة من صور البشر التي كانوا عليها ..

كما أفاد كلام ابن القيم في كتابه الروح :

أن الأرواح تأخذ شكل الجسد وهيئته بعد مفارقتها له وأن الله سبحانه سوى نفس الإنسان كما سوى بدنه بل سوى بدنه كالقالب لنفسه فتسوية البدن 

تابع لتسوية النفس .. وساق أدلة قوية على ذلك فليراجعها من أراد الزيادة .

فيكون دخول المؤمن الجنة ودخول الكافر النار بروحه لا بجسده ، وما يقع عليه من نعيم وعذاب يقع على الروح والجسد معا قبل يوم القيامة ، كما رجح 

هذا الأخير جمهور أهل السنة ..

وإذ قد جاء عن رسول الله أنه رأى فيهما أناسا يعذبون وآخرون ينعمون رؤيا عين ، فلابد وأن يكون هذا دخولا حقيقيا للروح في هيئة الجسد ..

ومن حجج الذين أنكروا وجود الجنة والنار الآن وأن الله يخلقهما يوم القيامة أنهم قالوا : كيف يخلقهما وهما معطلتان من أهلهما ؟

فيكون هذا الذي قلناه رداً عليهم وجمعاً بين الأدلة .. والله اعلم .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

12-ما يوجد من الجنة والنار في الدنيا

ثبت أن الحر وشدة البرد وهو الزمهرير من نار الآخرة كما مر معنا في حديث الصحيحين [ البخاري 3260 و 538 ومسلم 617 ] قول النبي صلى الله عليه وسلم عن النار : فأشد ما تجدون من الحر فمن سمومها وأشد ما تجدون من البرد فمن زمهريرها .

ومنه حديث أبي ذر في الصحيحين [ البخاري 3258 ومسلم 616 ] وأبي سعيد في البخاري مرفوعا : أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم .

وثبت كذلك أن الحمى من نار جهنم كما روى البخاري عن عائشة وابن عمر مرفوعا : الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء .[ متفق عليه رواه البخاري 3263 ومسلم 2210]

وصح من حديث أبي هريرة مرفوعا : ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من حر جهنم ، قيل : يا رسول الله ! إن كانت لكافية ؟ قال : فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها .[ رواه مسلم 7344 

وأحمد 8126 والترمذي 2589 ]

أما ما ورد عما هو في الدنيا وأصله من الجنة فكثير ..

منها : أنهار سيحان وجيحان والفرات والنيل ..

كما في حديث أبي هريرة عند مسلم [2839] قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة .

قال الإمام النووي في شرح الحديث بعد أن أثبت أن سيحان وجيحان غير سيحون وجيحون ورد على القاضي عياض في ذلك :

والأصح أن الحديث على ظاهره وهذه الأنهار لها مادة من الجنة ، والجنة مخلوقة

 اليوم عند أهل السنة ، وقد ذكر مسلم في كتاب الإيمان في حديث الإسراء : أن الفرات والنيل يخرجان من الجنة وفي البخاري : من أصل سدرة المنتهى .. اهـ من النووي .

ومنها الحجر الأسود : كما في حديث أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس في الأرض من الجنة إلا ثلاثة أشياء : غرس العجوة وأوراق ( وأواق ) تنزل في الفرات كل يوم من بركة الجنة ، والحجر ( أي الحجر الأسود ) .[ انظر الحديث وتخريجه في الصحيحة رقم 3111 ]

وأما قوله عن الحجر الأسود : وما على الأرض من الجنة غيره [ الصحيحة 3355 ] فقد بين الألباني رحمه الله أن المراد ما على الأرض من الحجارة غيره في الجنة . والله أعلم .

ومنها الركن والمقام : وفيه حديث عن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله تعالى نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب .[ رواه الترمذي 878 وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم : 1633 ]

ومنها قوائم المنبر النبوي وفيه حديثين في المسند :

الأول : عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قوائم منبري رواتب في الجنة .

والثاني : عن سهل بن سعد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : منبري على ترعة من ترع الجنة ، فقلت له ما الترعة يا أبا العباس؟ قال الباب .

[ الحديثان في المسند وصححهما الألباني في الصحيحة برقم 2050 و 2363] والله أعلى وأعلم .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة عشرة بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :خلق الجنة

13- عظم اتساع الجنة والنار

قال تعالى : ( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) [آل عمران-133] وقال تعالى : ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) [الحديد-21]

قال ابن كثير : أي كما أعدت النار للكافرين .. وقد قيل إن معنى قوله ( وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ) تنبيها على اتساع طولها كما قال في صفة فرش الجنة ( بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ) أي فما ظنك بالظهائر ؟

وقيل : بل عرضها كطولها لأنها قبة تحت العرش والشيء المقبب والمستدير عرضه كطوله وقد دل على ذلك ما ثبت في الصحيح : إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة وسقفها 

عرش الرحمن .. الحديث .

وفي صحيح ابن حبان عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أرأيت جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أرأيت هذا الليل قد كان ثم ليس شيء أين جعل ؟ قال : الله أعلم .. قال : فإن الله يفعل ما يشاء .[ أنظره في صحيح ابن حبان 1/306 وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم ورواه الحاكم 1/92 وصححه ]

وعن طارق بن شهاب : إن ناسا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب عن جنة 

عرضها السموات والأرض فأين النار ؟ فقال لهم عمر : أرأيتم إذا جاء النهار أين الليل ؟ وإذا جاء الليل أين النهار ؟ فقالوا : لقد نزعت مثلها من التوراة .

وجاء مثله عن ابن عباس أن رجلا من أهل الكتاب قال : يقولون { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ } فأين النار ؟ فقال رضي الله عنهما : أين يكون الليل إذا جاء النهار ؟ وأين يكون النهار إذا جاء الليل ؟

قال ابن كثير : وهذا يحتمل معنيين :

أحدهما : أن يكون المعنى في ذلك أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء 

النهار أن لا يكون في مكان وإن كنا لا نعلمه وكذلك النار تكون حيث يشاء الله عز وجل وهذا أظهر كما تقدم في حديث أبي هريرة .

الثاني : أن يكون المعنى أن النهار إذا تغشى وجه العالم من هذا الجانب فإن الليل يكون من الجانب الآخر فكذلك الجنة في أعلى عليين فوق السموات تحت العرش وعرضها كما قال الله عز وجل { كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ } والنار في أسفل سافلين فلا تنافي بين كونها كعرض السموات والأرض وبين وجود النار . وقال البغوي : وإنما ذكر العرض على المبالغة لأن طول كل شئ في الأغلب أكثر من عرضه يقول : هذه صفة عرضها فكيف طولها ؟

قال الزهري : إنما وصف عرضها فأما طولها فلا يعلمه إلا الله .

وسئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن الجنة : أفي السماء أم في الأرض ؟

فقال : وأي أرض وسماء تسع الجنة ؟ قيل : فأين هي ؟ قال : فوق السموات السبع تحت العرش . وقال قتادة : كانوا يرون أن الجنة فوق السموات السبع وأن جهنم تحت الأرضين السبع .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة عشرة 

بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :خلق الجنة 

14- مجيء الجنة والنار يوم القيامة

والجنة والنار تأتيات يوم القيامة ، كما قال تعالى :

) وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ([الشعراء 90-91]

فتأتي جهنم يومئذٍ بأمر الله ليعاين الكفار ما كذبوا به من قبل ..

قال تعالى: ) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِين ( [الشعراء-91]) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى ([النازعات-36]) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً ([الكهف-100]

) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ([الفجر-23]

وروى مسلم [ 2842 ] والترمذي [ 2573 ] من حديث عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها .

وأن لها عند الحشر تغيظ وزفير عندما ترى أهلها كما قال تعالى :) إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ( [الفرقان-12]

ومن حديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يخرج عنق من النار يوم القيامة لها

 عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول: إني وكلت بثلاثة : بكل 

جبار عنيد ، وبكل من ادعى مع الله إلهاً آخر ، وبالمصورين .

وفي رواية أخرى صحيحة : وبمن قتل نفساً بغير نفس ، فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم .[ رواه أحمد 11374 و 8411 والترمذي 2574 وصححهما الألباني في الصحيحة ] وتقرب الجنة يومئذٍ ليراها من آمن بها وصدق .. قال تعالى : ) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيد ([ق-31]

وقوله تعالى { وَأُزْلِفَتِ } بمعنى أدنيت وقربت من المتقين ..{ غَيْرَ بَعِيدٍ } بحيث تشاهد وينظر ما فيها ، من النعيم المقيم ، والحبرة والسرور وإنما أزلفت وقربت لأجل المتقين لربهم ، التاركين للشرك ، كبيره وصغيره ، الممتثلين لأوامر ربهم ، المنقادين له . وقيل ) غَيْرَ بَعِيدٍ ( يوم القيامة ليس ببعيد لأنه واقع لا محالة وكل ما هو آت قريب .. والأول هو الأليق بظاهر الآية والسياق . والله أعلم .

الخاتمة : وفيها مجمل وصف الجنة

الجنة هي الدار التي أعدها الله لعباده المتقين .. ولا نستطيع أن نقدر ما فيها من نعيم مقيم غير أننا نقول كما قال ابن القيم في الحادي :

" أنها دار غرسها الله بيده ، وجعلها مقراً لأحبابه وملأها من رحمته وكرامته 

ورضوانه ، ووصف نعيمها بالفوز العظيم ، وملكها بالملك الكبير ، وأودعها جميع الخير بحذافيره ، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص .. " اهـ

فالجنة أرضها وتربتها من المسك والزعفران ، وسقفها تحت عرش الرحمن ، وبلاطها المسك الأزفر ، وحصبائها اللؤلؤ والجوهر ..

وفيها بيوت من قصب وقصور من ذهب وغرف من فوقها غرف مبنية ، وبنائها لبنة من فضة ولبنة من ذهب ، تجري من تحتها الأنهار ، وخيام منصوبة كالدرة المجوفة طولها ستين ميلاً .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة عشرة 

بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :خلق الجنة

ولها ثمانية أبواب ، لكل بابٍ أهل عمل يدخلون منه بفضل ربهم ..

وأما سعة الأبواب فبين المصراعين مسيرة أربعين عاماً ، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام ..

وأما أشجارها فما أكثرها وأبهاها .. فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة ،

 وفيها شجرة طوبى التي يمشي الراكب المسرع في ظلها مائة عام لا يقطعها ..

وثمرها أمثال القلال ألين من الزبد وأحلى من العسل ..

فيها أنهار وعيون ، أنهار من ماء صاف لا يشوبه كدر ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من خمر لذة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفى .

وفيها نهر الكوثر ووصفه يطول مع عيون وماء مسكوب .

وطعامهم فاكهة مما يتخيرون ، ولحم طير مما يشتهون .

وشرابهم من عين التسنيم والزنجبيل والكافور وختامه مسك لذة للشاربين ،

 وآنيتها وأكوابها وصحائفها من الذهب في بياض الفضة وفي صفاء القوارير .

ولباس أهلها السندس والحرير ، وفراشها الإستبرق ، وأسرتها مزررة بالذهب ، وحليتهم الذهب واللؤلؤ وعلى رؤوسهم التيجان .

تعرف في وجوه أهلها النضرة والنعيم والفرح والسرور والجمال والحبور.

هم في الجنان خالدون لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم ..

يسمعون غناء الحور العين .. وكلام رب العالمين .. فهم في روضة يحبرون ..

ولهم الزوجات من الحور العين مع صالح نسائهم من المؤمنين ..

والحور كواعب أترابا يرى مخ سوقهن شفافية وبياضاً وضوءاً ..

بكراً كلهن لم يطمثهن قبلهم إنس ولا جان ، وهن خيرات حسان ..

عرباً متحببات عاشقات مطيعات .. مطهرات من الحيض والنفاس والبول والغائط ، قصرت الزوجة طرفها على حبيبها من أهل الجنة لا تنظر لسواه ..

وخدمهم ولدان مخلدون .. إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤ مكنون ..

وفوق كل هذا النعيم .. يرون رب العالمين ، فيكشف لهم الحجاب ويرونه تعالى

 كما أراد فيخاطبهم بكلامه ، ويرضى عليهم ولا يسخط أبداً ، فينسون كل لذة 

رأوها في الجنة أمام لذة النظر إلى وجهه الكريم ..

وبالجملة : فـ " الجنة لا خطر لها ، هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وفاكهة كثيرة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، في مقام أبدي في دار سلامة ، وخير ونعمة في درر عالية بهية ".[ معناه في حديث مرفوع عند ابن ماجة بسند ضعيف ]

وفي كل هذه الفقرات والكلمات أدلة صحيحة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .

جعلنا الله من أهلها ومن خير سكانها .. اللهم آمين .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .والله أعلى وأعلم ..وأستغفر الله من الخطأ والزلل . [  الأنترنت – موقع الآجري - الموضوع: المعالم العقدية في الجنة والنار عند أهل السنة - أبو عمر عادل سليمان القطاوي ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة عشرة 

بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

  الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً ولا تبيدان

*وقال ابن أبي العز الحنفي : وقوله والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً ولا تبيدان فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق ، وخلق لهما أهلاً ، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلاً منه ، ومن شاء منهم إلى النار عدلاً منه ، وكل يعمل لما قد فرغ له ، وصائر إلى ما خلق له ، والخير والشر مقدران على العباد .

شرح : أما قوله : إن الجنة والنار مخلوقتان ، فاتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن ، ولم يزل أهل السنة على ذلك ، حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية ، فأنكرت ذلك ، وقالت : بل ينشئهما الله يوم القيامة ! ! وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله ، وأنه ينبغي أن يفعل كذا ، ولا ينبغي له أن يفعل كذا ! ! وقاسوه على خلقه في أفعالهم ، فهم مشبهة في الأفعال ، ودخل التجهم فيهم ، فصاروا مع ذلك معطلة ! وقالوا : خلق الجنة قبل الجراء عبث ! لأنها تصير معطلة مدداً متطاولة ! ! فردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب تعالى ، وحرفوا النصوص عن مواضعها ، وضللوا وبدعوا من خالف شريعتهم .

فمن نصوص الكتاب : قوله تعالى عن الجنة : أعدت للمتقين . أعدت للذين آمنوا

 بالله ورسله . وعن النار : أعدت للكافرين . إن جهنم كانت مرصادا * للطاغين مآبا . وقال تعالى : ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى . وقد رأى النبي ﷺ سدرة المنتهى ، ورأى عندها جنة المأوى . كما في الصحيحين ، من حديث أنس رضي الله عنه ، في قصة الإسراء ، وفي آخره : ثم انطلق بي جبرائيل ، حتى أتى سدرة المنتهى ، فغشيها ألوان لا أدري ما هي ، قال : ثم دخلت الجنة ، فإذا هي جنابذ اللؤلؤ ، واذا ترابها المسك وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله ﷺ قال : إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة . وتقدم حديث البراء بن عازب ، وفيه : ينادي مناد من السماء : أن صدق عبدي ، فأفرشوه من الجنة ، وافتحوا له باباً إلى الجنة ، قال : فيأتيه من روحها وطيبها . وتقدم حديث أنس بمعنى حديث البراء . وفي صحيح مسلم ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : خسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ ، فذكرت الحديث ، وفيه : وقال رسول الله ﷺ : رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم به ، حتى لقد رأيتني آخذ قطفاً من الجنة حين رأيتموني تقدمت ولقد رأيت النار يحطم بعضها بعضاً حين رأيتموني تأخرت . 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة عشرة 

بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

  الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً ولا تبيدان

وفي الصحيحين ، واللفظ للبخاري ، عن عبد الله ابن عباس ، قال : انخسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ ، فذكر الحديث ، وفيه : فقالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك ، ثم رأيناك تكعكعت ؟ فقال : إني رأيت الجنة ، وتناولت عنقوداً ، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ، ورأيت النار ، فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع ، ورأيت أكثر أهلها النساء ، قالوا : بم ، يا رسول الله ؟ قال : بكفرهن ، قيل : أيكفرن بالله ؟ قال : يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ، ثم رأت منك شيئاً ، قالت : ما رأيت خيراً قط ! ! وفي صحيح مسلم من حديث أنس : وايم الذي نفسي بيده ، لو رأيتم ما رأيت ، لضحكتم قليلاً وبكيتم كثيراً . قالوا : وما رأيت يا رسول الله ؟ قال : رأيت الجنة والنار وفي الموطأ والسنن ، من حديث كعب ابن مالك ، قال : قال رسول الله ﷺ : إنما نسمة المؤمن طير تعلق في شجر الجنة ، حتى يرجعها الله إلى جسده يوم القيامة . وهذا صريح في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة . وفي صحيح مسلم و السنن و المسند . من حديث أبي هريرة رضي الله عنهما ، أن رسول الله ﷺ قال : لما خلق الله الجنة والنار ، أرسل جبرائيل إلى الجنة ، فقال : اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها ، فذهب فنظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها ، فرجع فقال : وعزتك ، لا يسمع بها أحد إلا دخلها ، فأمر بالجنة ، فحفت بالمكاره ، فقال : ارجع فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها ، قال : فنظر إليها ، ثم رجع فقال : وعزتك ، لقد خشيت أن لا يدخلها أحد ، قال : ثم أرسله إلى النار ، قال : اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها ، قال : فنظر إليها ، فإذا هي يركب بعضها بعضاً ، ثم رجع فقال : وعزتك ، لا يدخلها أحد سمع بها ، فأمر بها فحفت بالشهوات ، ثم قال : اذهب فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها ، فذهب فنظر إليها ، فرجع فقال : وعزتك ، لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها .

ونظائر ذلك في السنة كثيرة .

وأما على قول من قال : إن الجنة الموعود بها هي الجنة التي كان فيها آدم ثم أخرج منها ، فالقول بوجودها الآن ظاهر ، والخلاف في ذلك معروف .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة عشرة 

بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

  الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً ولا تبيدان

وأما شبهة من قال : إنها لم تخلق بعد ، وهي : أنها لو كانت مخلوقة الآن لوجب اضطراراً أن تفنى يوم القيامة وأن يهلك كل من فيها ويموت ، لقوله تعالى : كل شيء هالك إلا وجهه . و كل نفس ذائقة الموت ، وقد روى الترمذي في جامعه ، من حديث ابن مسعود رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله ﷺ : لقيت إبراهيم ليلة أسري بي ، فقال : يا محمد ، أقرىء أمتك مني السلام ، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة ، عذبة الماء ، وأنها قيعان ، وأن غراسها سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، قال : هذا حديث حسن غريب . وفيه أيضاً من حديث أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي ﷺ ، أنه قال : من قال سبحان الله وبحمده ، غرست له نخلة في الجنة ، قال : هذا حديث حسن صحيح ، قالوا : فلو كانت مخلوقة مفروغاً منها لم تكن قيعاناً ، ولم يكن لهذا الغراس معنى . قالوا : وكذا قوله تعالى عن امرأة فرعون أنها قالت : رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة فالجواب : إنكم إن أردتم بقولكم إنها الآن معدومة بمنزلة النفخ في الصور وقيام الناس من القبور ، فهذا باطل ، يرده ما تقدم من الأدلة وأمثالها مما لم يذكر ، وإن أردتم أنها لم يكمل خلق جميع ما أعد الله فيها لأهلها ، وأنها لا يزال الله يحدث فيها شيئاً بعد شيء ، وإذا دخلها المؤمنون أحدث الله فيها عند دخولهم أموراً أخر- فهذا حق لا يمكن رده ، وأدلتكم هذه إنما تدل على هذا القدر . وأما احتجاجكم بقوله تعالى : كل شيء هالك إلا وجهه ، فأتيتم من سوء فهمكم معنى الآية، واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن - نظير احتجاج إخوانكم على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما ! ! فلم توفقوا أنتم لا إخوانكم لفهم معنى الآية ، وإنما وفق لذلك أئمة الاسلام . فمن كلامهم : أن المراد كل شيء مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك ، والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء ، وكذلك العرش ، فإنه سقف الجنة . وقيل : المراد إلا ملكه . وقيل : إلا ما أريد به وجهه . وقيل : إن الله تعالى أنزل : كل من عليها فان ، فقالت الملائكة : هلك أهل الأرض ، وطمعوا في البقاء ، فأخبر تعالى عن أهل السماء والأرض أنهم يموتون ، فقال : كل شيء هالك إلا وجهه ، لأنه حي لا يموت ، فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت . وإنما قالوا ذلك توفيقاً بينها وبين النصوص المحكمة ، الدالة على بقاء الجنة ، وعلى بقاء النار أيضاً ، على ما يذكر عن قريب ، إن شاء الله تعالى .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العشرون 

بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

  الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً ولا تبيدان

وقوله : لا تفنيان أبدا ولا تبيدان - هذا قول جمهور الأئمة من السلف والخلف .

 وقال ببقاء الجنة وبفناء النار جماعة من السلف والخلف ، والقولان مذكوران في كثير من كتب التفسير وغيرها . قال بفناء الجنة والنار الجهم بن صفوان إمام المعطلة ، وليس له سلف قط ، لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان ، ولا من أئمة المسلمين ، ولا من أهل السنة . وأنكره عليه عامة أهل السنة ، وكفروه به ، وصاحوا به وبأتباعه من أقطار الأرض . وهذا قاله لأصله الفاسد الذي اعتقده ، وهو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث ! وهو عمدة أهل الكلام المذموم ، التي استدلوا بها على حدوث الأجسام ، وحدوث ما لم يخل من الحوادث ، وجعلوا ذلك عمدتهم في حدوث العالم . فرأى جهم أن ما يمنع من حوادث لا أول لها في الماضي ، يمنعه في المستقبل ! ! فدوام الفعل عنده على الرب في المستقبل ممتنع ، كما هو ممتنع عنده عليه في الماضي! ! وأبو الهذيل العلاف شيخ المعتزلة ، وافقه على هذا الأصل ، لكن قال : إن هذا يقتضي فناء الحركات ، فقال بفناء حركات أهل الجنة والنار ، حتى يصيروا في سكون دائم ، لا يقدر أحد منهم على حركة ! ! وقد تقدم الإشارة إلى اختلاف النار في تسلسل الحوادث في الماضي والمستقبل ، وهي مسألة دوام فاعلية الرب تعالى ، وهو لم يزل رباً قادراً فعالاً لما يريد ، فإنه لم يزل حياً عليماً قديراً . ومن المحال أن يكون الفعل ممتنعا عليه لذاته ، ثم ينقلب فيصير ممكناً لذاته ، من غير تجدد شيء ، وليس للأول حد محدود حتى يصير الفعل ممكناً له عند ذلك الحد، ويكون قبله ممتنعاً عليه . فهذا القول تصوره كاف في الجزم بفساده .

فأما أبدية الجنة ، وأنها لا تفنى ولا تبيد ، فهذا مما يعلم بالضرورة أن الرسول ﷺ أخبر به ، قال تعالى : وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ ، أي غير مقطوع ، ولا ينافي ذلك قوله : إلا ما شاء ربك . واختلف السلف في هذا الإستثناء : فقيل : معناه إلا مدة مكثهم في النار ، وهذا يكون لمن دخل منهم إلى النار ثم أخرج منها ، لا لكلهم . وقيل : إلا مده مقامهم في الموقف . وقيل : إلا مدة مقامهم في القبور والموقف. وقيل : هو استثناء الرب ولا يفعله ، كما تقول : والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك ، وأنت لا تراه ، بل تجزم بضربه . وقيل : إلا بمعنى الواو ، وهذا على قول بعض النحاة ، وهو ضعيف . وسيبويه يجعل إلا بمعنى لكن ، فيكون الاستثناء منقطعاً ، ورجحه ابن جرير وقال : إن الله تعالى لا خلف لوعده ، وقد وصل الاستثناء بقوله : عطاء غير مجذوذ . قالوا : ونظيره أن تقول : أسكنتك داري حولاً إلا ما شئت ، أي سوى ما شئت ، ولكن ما شئت من الزيادة عليه . وقيل : الاستثناء لإعلامهم ، بأنهم مع خلودهم في مشيئة الله ، لأنهم يخرجون عن مشيئته ، ولا ينافي ذلك عزيمته وجزمه لهم بالخلود ، كما في قوله تعالى : ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلًا ، وقوله تعالى : فإن يشإ الله يختم على قلبك ، وقوله : قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به . 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والعشرون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

  الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً ولا تبيدان

ونظائره كثيرة ، يخبر عباده سبحانه أن الأمور كلها بمشيئته ، ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن . وقيل : إن ما بمعنى من أي : إلا من شاء الله دخوله النار بذنوبه من السعداء . وقيل غير ذلك . وعلى كل تقدير ، فهذا الاستثناء من المتشابه ، وقوله : عطاء غير مجذوذ ، محكم . وكذلك قوله تعالى : إن هذا لرزقنا ما له من نفاد . وقوله : أكلها دائم وظلها . وقوله : وما هم منها بمخرجين . وقد أكد الله خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القرآن ، وأخبر أنهم : لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ، وهذا الاستثناء منقطع ، وإذا ضممته إلى الإستثناء في قوله تعالى : إلا ما شاء ربك - تبين أن المراد من الآيتين استثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود ، كاستثناء الموتة الأولى من جملة الموت ، فهذه موتة تقدمت على حياتهم الأبدية ، وذلك مفارقة للجنة تقدمت على خلودهم فيها .

والأدلة من السنة على أبدية الجنة ودوامها كثيره : كقوله ﷺ : من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس ويخلد ولا يموت . وقوله : ينادي مناد : يا أهل الجنة ، إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً ، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً ، وأن تحيوا فلا تموتوا أبداً . وتقدم ذكر ذبح الموت بين الجنة والنار ، ويقال : يا أهل الجنة ، خلود فلا موت ، ويا أهل النار ، خلود فلا موت .

وأما أبدية النار ودوامها ، فللناس في ذلك ثمانية أقوال : أحدها : أن من دخلها لا يخرج منها أبد الآباد ، وهذا قول الخوارج والمعتزلة . والثاني : أن أهلها يعذبون فيها ، ثم تنقلب طبيعتهم وتبقى طبيعة النارية يتلذذون بها لموافقتها لطبعهم ! وهذا قول إمام الاتحادية ابن عربي الطائي ! ! الثالث : أن أهلها يعذبون فيها إلى وقت محدود ، ثم يخرجون منها ، ويخلفهم فيها قوم آخرون ، وهذا القول حكاه اليهود للنبي ﷺ ، وأكذبهم فيه ، وقد أكذبهم الله تعالى ، فقال عز من قائل : {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون * بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }. الرابع : يخرجون منها ، وتبقى على حالها ليس فيها أحد . الخامس : أنها تفنى بنفسها ، لأنها حادثة وما ثبت حدوثه استحال بقاؤه !! وهذا قول الجهم وشيعته ، ولا فرق عنده في ذلك بين الجنة والنار ، كما تقدم . السادس : تفنى حركات أهلها ويصيرون جماداً ، لا يحسون بألم ، وهذا قول أبي الهذيل العلاف كما تقدم . السابع : أن الله يخرج منها من يشاء ، كما ورد في الحديث ، ثم يبقيها شيئاً ، ثم يفنيها ، فإنه جعل لها أمداً تنتهي إليه .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والعشرون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

  الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً ولا تبيدان

 الثامن : أن الله تعالى يخرج منها من شاء ، كما ورد في السنة ، ويبقى فيها الكفار، بقاء لا انقضاء له ، كما قال الشيخ رحمه الله . وما عدا هذين القولين الأخيرين ظاهر البطلان .

وهذان القولان لأهل السنة ينظر في أدلتهما . فمن أدلة القول الأول منهما : قوله 

تعالى : {قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم} . وقوله تعالى . {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق * خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد} . ولم يأت بعد هذين الاستثناءين ما أتى بعد الاستثناء المذكور لأهل الجنة ، وهو قوله : {عطاء غير مجذوذ }. وقوله تعالى : {لابثين فيها أحقابا} . وهذا القول ، أعني القول بفناء النار دون الجنة - منقول عن عمر ، و ابن مسعود ، و أبي هريرة ، و أبي سعيد ، وغيرهم . وقد روى عبد بن حميد في تفسيره المشهور ، بسنده إلى عمر رضي الله عنه ، أنه قال : لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج ، لكان لهم على ذلك وقت يخرجون فيه ، ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى : لابثين فيها أحقاباً . قالوا : والنار موجب غضبه ، والجنة موجب رحمته . وقد قال ﷺ : لما قضى الله الخلق ، كتب كتاباً ، فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي سبقت غضبي . وفي رواية : تغلب غضبي . رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . قالوا : والله سبحانه يخبر عن العذاب أنه : عذاب يوم عظيم . و أليم . و عقيم . ولم يخبر ولا في موضع واحد عن النعيم أنه نعيم يوم . وقد قال تعالى : عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء . وقال تعالى حكاية عن الملائكة : ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً . فلا بد أن تسع رحمته هؤلاء المعذبين ، فلو بقوا في العذاب لا إلى غاية لم تسعهم رحمته . وقد ثبت في الصحيح تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة ، والمعذبون فيها متفاوتون في مدة لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم ، وليس في حكمة أحكم الحاكيمن ورحمة أرحم الراحمين أن يخلق خلقاً يعذبهم أبد الآباد عذاباً سرمداً لا نهاية له . وأما أنه يخلق خلقاً ينعم عليهم ويحسن إليهم نعيماً سرمداً ، فمن مقتضى الحكمة . والإحسان مراد لذاته ، والانتقام مراد بالعرض . قالوا : وما ورد من الخلود فيها ، والتأبيد ، وعدم الخروج ، وأن عذابها مقيم ، وأنه غرام - : كله حق مسلم ، لا نزاع فيه ، وذلك يقتضي الخلود في دار العذاب ما دامت باقية ، وإنما يخرج منها في حال بقائها أهل التوحيد . ففرق بين من يخرج من الحبس وهو حبس على حاله ، وبين من يبطل حبسه بخراب الحبس وانتقاضه .

ومن أدلة القائلين ببقائها وعدم فنائها : قوله : ولهم عذاب مقيم . لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون . فلن نزيدكم إلا عذاباً . خالدين فيها أبداً . وما هم منها بمخرجين . وما هم بخارجين من النار . لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط . لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها . إن عذابها كان غراماً ، أي مقيماً لازماً . وقد دلت السنة المستفيضة أنه يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله : وأحاديث الشفاعة صريحة في خروج عصاة الموحدين من النار، وأن هذا حكم مختص بهم ، فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم ، ولم يختص الخروج بأهل الإيمان . وبقاء الجنة والنار ليس لذاتهما ، بل بإبقاء الله لهما .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والعشرون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

  الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً ولا تبيدان

وقوله : وخلق لهما أهلاً - قال تعالى : {ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس }

 الآية . وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : دعي رسول الله ﷺ إلى جنازة صبي من الأنصار ، فقلت : يا رسول الله ، طوبى لهذا ، عصفور من عصافير الجنة ، لم يعمل سوءاً ولم يدركه ، فقال : أو غير ذلك يا عائشة ، إن الله خلق للجنة أهلاً ، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ، وخلق للنار أهلاً ، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم . رواه مسلم و أبو داود و النسائي . وقال تعالى : إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً * إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً . والمراد الهداية العامة ، وأعم منها الهداية المذكورة في قوله تعالى : الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى . فالموجودات نوعان : أحدهما مسخر بطبعه ، والثاني متحرك بإرادته فهدى الأول لما سخره له طبيعة ، وهدى الثاني هداية إرادية تابعة لشعوره وعلمه بما ينفعه ويضره . ثم قسم هذا النوع إلى ثلاثة أنواع : نوع لا يريد إلا الخير ولا يتأتى منه إرادة سواه ، كالملائكة ، ونوع لا يريد إلا الشر ولا يتأتى منه إرادة سواه ، كالشياطين ، ونوع يتأتى منه إرادة القسمين ، كالإنسان . ثم جعله ثلاثة أصناف : صنفاً يغلب إيمانه ومعرفته وعقله هواه وشهوته ، فيلتحق بالملائكة . وصنفاً عكسه ، فيلتحق بالشياطين . وصنفاً تغلب شهوته البهيمية عقله ، فيلتحق بالبهائم . والمقصود : أنه سبحانه أعطى الوجودين : العيني والعلمي ، فكما أنه لا موجود إلا بإيجاده ، فلا هداية إلا بتعليمه ، وذلك كله من الأدلة على كمال قدرته ، وثبوت وحدانيته ، وتحقيق ربوبيته ، سبحانه وتعالى .

وقوله : فمن شاء منهم إلى الجنة فضلاً منه ، ومن شاء منهم إلى النار عدلاً منه ، إلخ - مما يجب أن يعلم : أن الله تعالى لا يمنع الثواب إلا إذا منع سببه ، وهو العمل الصالح ، فإنه : من يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما . وكذلك لا يعاقب أحداً إلا بعد حصول سبب العقاب ، فإن الله تعالى يقول : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير . وهو سبحانه المعطي المانع ، لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع .

لكن إذا من على الإنسان بالإيمان والعمل الصالح ، فلا يمنعه موجب ذلك أصلاً ، بل يعطيه من الثواب والقرب ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . وحيث منعه ذلك فلانتفاء سببه ، وهو العمل الصالح . ولا ريب أنه يهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، لكن ذلك كله حكمة منه وعدل ، فمنعه للأسباب التي هي الأعمال الصالحة من حكمته وعدله . وأما المسببات بعد وجود أسبابها ، فلا يمنعها بحال ، إذا لم تكن أسباباً غير صالحة ، إما لفساد في العمل ، وإما لسبب يعارض موجبه ومقتضاه ، فيكون ذلك لعدم المقتضي ، أو لوجود المانع . وإذا كان منعه وعقوبته من عدم الإيمان والعمل الصالح ، وهو لم يعط ذلك ابتلاء وابتداء إلا حكمة منه وعدلاً . فله الحمد في الحالين ، وهو المحمود على كل حال ، كل عطاء منه فضل ، وكل عقوبة منه عدل ، فإن الله تعالى حكيم يضع الأشياء في مواضعها التي تصلح لها ، كما قال تعالى : وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته . وكما قال تعالى : وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين . ونحو ذلك . وسيأتي لذلك زيادة ، إن شاء الله تعالى .[ الأنترنت – موقع شرح العقيدة الطحاوية - المؤلف: ابن أبي العز الحنفي ] إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والعشرون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

   * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كبَدٍ

(الإنسان في كبد) حقيقة قرآنيّة وواقع بشري..إنه الإنسان يعايش الكبد في أطوار حياته كلها, منذ بدأ يخلّق في بطن أمه حتى ينتهي إلى سكرات الموت ومفارقة الحياة..هكذا قدّر الخالق وأخبر "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كبَدٍ" (سورة البلد: 4) أن الخلية الأولى لا تستقرّ في الرحم حتى تبدأ في الكبد والكدح والنصب ليتوفر لنفسها –وبإذن ربّها- الظروف الملائمة للحياة وما تزال كذلك حتّى تنتهي إلى المخرج فتذوق من المخاض حتى إلى جانب الأمّ ما تذوق, وما يكاد الجنين يرى النور حتى يكون قد ضُغط ودُفع حتى كاد يختنق في مخرجه من الرحم, بل ربما اختنق بعض الأجنّة فانتهت حياته بنصب الولادة واختناق المولود. وحين يخرج الجنين للحياة يبدأ الجهد الأشقّ, حيث يتنفس هواءً لا عهد له به, ويفتح رئته لأول مرّة ليشهق ويزفر ويستهل المولود صارخا صرخة النزول الأول في الحياة الجديدة..وتبدأ دورة هضمية ودموية في العمل على غير عادة ويعاني المولود الجديد من كبد إخراج الفضلات حتّى تُرُوِّض أمعاءه على هذا العمل الجديد..وفي هذه المرحلة يكثر الصراخ والعويل حتى وأن قلّب الجنين ذات اليمين وذات الشمال.

وكل خطوة بعد ذلك فيها كبد..فهو يعاني ما يعاني حين يهمّ بالحبو..وأشدّ من ذلك معاناة حين يستعدّ للوقوف والمشي..فهو خائف وجل وهو يقوم ويسقط ويبكي أكثر مما يضحك..وعند بروز الأسنان كبد..هذا فضلا عن كبد الأمراض المعترضة والآفات المصاحبة للنشأة. ويستمرّ الجهد والكفاح والنصب والكبد في مسيرة الإنسان فهو يكابد حين يتعلم ويكابد حين يفكر..وفي كل تجربة جديدة له فيها كبد ونصب. ثم يكبر ويشتدّ عوده وتبدأ رحلة أخرى من المشاق والكبد, ولئن اختلفت الطرق وتنوّعت المشاق فالكلّ في كبد. هذا يكدح بعضلاته, وهذا يكدح بفكره, والفرق هذا يكدح ويبيع نفسه ليعتقها وآخر ليوبقها. هذا يكدح في سبيل الله وذاك يكدح في سبيل شهوة ونزوه, وصدق الله "إن سَعْيَكمْ لَشَتَّى" (سورة الليل: 4) لا يفارق الكبدُ الإنسانَ في أطوار حياته كلها..كبد وكدح في مرحلة الشباب..وكبد من نوع آخر في مرحلة الشيخوخة والهرم..إنه (الكدح) للغنيّ والفقير والذكر والأنثى والسيّد والمسود..وكلّ يعايش نوعا من الكبد. فالفقير الذي يكلف في سبيل الحصول على لقمة العيش أو شدة الحوز أوهمّ الدين وغلبته وقهر الرجال ومطاردتهم قد لا يظنّ أن غيره في كبد. بينما ترى الغنيّ يكابد في تجارته ويفكر في مكاسبه وخسائره..وربما نام الفقير وهو يقظان وأكل الفقير أو نكح أكثر من الغنيّ.. إنه الكبد لا يسلم منه الزعماء والعظماء وأن كانوا في أبراج عاجيه وقصور وخدم وحشم. فا للمسؤوليّة كبدها..وللزعامة والرئاسة ضريبتها..وللأمانات والمسؤوليّة حمالتها. والكبد لا يعفى منه العلماء وأن وصلوا إلى مراتب عليّة في العلم والمعرفة..وهل حصلوا تلك العلوم وحازوا تلك المعارف إلّا على جسور من التعب والكبد والسهر؟ أن نصب العالم كامن في مسؤولياته..فحمل العلم وأداؤه وإبلاغه كلّ ذلك فيه كبد ونصب..والميثاق المأخوذ على أهل الكتاب وزكاة العلم وخشية العلماء لربّهم كل ذلك لا يتأتّى دون نصب وكبد وجدّ ومجاهدة. أين من يسلم من الكبد وأن تفاوت أنواع الكبد؟ لا إله إلا الله قدّر أن يعمّر الكون بالكبد, وشاء أن يقوم سوق الحياة على النصب {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّك كادِحٌ إلى رَبِّك كدْحًا فَمُلَاقِيهِ} سورة الإنشقاق6

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والعشرون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

   * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كبَدٍ

لا يكفي أن نعلم كبد الحياة, وشمولها لبني الإنسان, ولكن المهمّ كيف نتعامل مع هذا الكبد؟ وكيف نستفيد من هذا الكبد, وما نهاية الكبد وثمرته؟ وكيف نخفّف من مكابد الحياة ومشاقها؟ أن المسلم يختلف عن غيره في نوع الكبد وغايته..فهو مأجور على نصبه وهمّه وغمّه ما دام يعبد الله ويخشاه؟ فما يصيبه من نصب ولا وصب ولا همّ ولا غمّ ولا حزن, حتّى الشوكة يشاكها إلّا كفر الله بها من خطاياه. والمؤمن ينصب ويكدح في هذه الحياة ليستريح بعد الممات, إنه يكدح وهو مستيقن بلقاء ربّه, مطمئنّ أنه سيجازي على جهده وعمله..ومن هنا فهو يستحسن من المكابد ما يرفع درجاته, ويتجنب كل كبد ينتهي به إلى الشقاء بعد الشقاء. أما غير المسلم فهو ينصب كغيره في هذه الحياة.ولكن نصبه يستمرّ بعد الممات, فالنهاية مؤلمة والشقاء مستمرّ ولعذاب الآخرة أشقّ. المسلم يستعين على النصب بالصبر والصلاة وحسبك بهما معينا والله يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إن اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (سورة البقرة: 153) ومساكين هم الذين يجزعون ولا يصبرون "فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ" (سورة الماعون: 4-5) وغير المسلم يتضجر ويقلق, ثم يعود للقلق والنصب أن لم تقتل نفسه أو يقتله النصب والقلق "وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكرِمٍ" (سورة الحـج: 18) ولئن تفاوت المسلمون عن غيرهم في الكبد, فالمسلمون أنفسهم متفاوتون في كبدهم, سعيهم شتى وأجورهم وأوزارهم مختلفة, وفرق بين من ينصب ليرتفع درجات وبين من لا يزيده الكبد والنصب إلا خسرانا مبينا.

والاستغفار يخفّف الكبد ويعين على مشاقّ الحياة ويفتح بابا للرزق, وفي الحديث {من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همّ فرجا ومن كلّ ضيق مخرجا ورزق من حيث لا يحتسب} "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكم مِّدْرَارًا. وَيُمْدِدْكمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكمْ أَنْهَارًا" (سورة نوح: 10-12) ومما يخفف الكبد والقلق أن يتصوّر المسلم مهما بلغ به من كبد الحياة ومشا قها أن فيه من هو أشدّ منه قلقا وضيقا, ومهما بلغ في حصول المعالي والمجاهدة في سبيل الدرجات العلى فهناك من سبقه وفُضِّل عليه, فهذا يخفّف من آلامه الدنيويّة وهذا يزيد في سعيه للآخرة. تحتاج الحياة إلى جدّ وحزم وعزم وصدق, وتحتاج مع ذلك إلى أناة ورفق وعدم التعجل وطموحات وآمال وفأل حسن-سيما حين تشتبه الأمور, وتدلهم الخطوب وتنتشر الفتن, وحتّى لا يقع الإنسان ضحية للهوى أو الاستعجال أو العجز والكسل يحتاج إلى هذه الموازنات كلها..ولا يستغني عن دعاء ربّه وتوفيقه له وعونه, وإذا لم يكن عليه عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده ولابد من العفو والصفح والمسامحة والتجاوز. فالخطأ وارد والمسامحة خلق فاضل, والصفح والعفو من أخلاق العظماء. ولابد أن يحصل الخطأ منك أو عليك, وربما نالك من خطأ الأقربين ما يحتاج منك إلى جميل العفو وكريم الصفح وفي التنزيل "وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (سورة التغابن: 14).

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والعشرون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

   * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كبَدٍ

يا أيها القلقون الكابدون استأنسوا بذكر الله على آلام المكابدة, فطالما خاضت ألسنتكم بكل شيء إلّا الذكر وبذكر الله تطمئنّ القلوب, كم يفرّج ذكر الله من كربة ويزيل من غمة, وويل للقاسية قلوبهم, ومساكين من شحّت عليهم ألسنتهم عن ذكر الله, وقلب الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله كمثل الحي والميّت "فَاذْكرُونِي أَذْكرْكمْ" (سورة البقرة: 152). وفي القرآن شفاء لما في الصدور, ونور للقلوب, ولا غرابة أن تكثر هموم الهاجرين لكتاب الله, إنه القرآن هداية وبصائر, ورحمة وذكر, فليكن لك من كتاب الله نصيب, فهو نعيم الأنيس في الوحشة, والرفيق في الخلوة, والصاحب في الغربة. أيها المسلم, كيف يزيد قلقك وأنت تؤمن بقضاء الله وقدره, فما أصابك لم يكن ليخطئك, وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وكيف تضجر ورزقك وأجلك مسطوران في الكتاب – ألا فاعمل فيما يفنى لما يبقى, واصرف همّك للآخرة فهي المستحقّة للعناء, إذ هي دار البقاء. يا أيها العقلاء والاستخارة والاستشارة تخففان من القلق, وهما سبيلان للراحة وحسن المنقلب..إنك تستخير الله العليم الخبير في أمور لا تدري ما نهايتها..وتسلّم الأمر لله في تقدير ما ينفعك في الدنيا والآخرة..أليس ذلك سبيل للراحة والاطمئنان؟ وأنت في الاستشارة تستفيد من عقول الآخرين ولا تُحرم تجارب المجرّبين, وإذا تشابهت ظروف الحياة كان لأهل التجربة رأيهم, وخليق بالعامل أن يستفيد منهم..أنها هدايا بلا ثمن, مكاسب تخفف من المكابد والقلق.

ومع ذلك فالدنيا مركب للسهل والصعب, وميدان للسرور والحزن, وينقلب أصحابها بين الصحّة والسقم, والشباب والهرم, والفقر والغنى, ومن سرّه زمن ساءته أزمان, لا بد من ترويض النفس على إقبال الدنيا بالشكر وإدبارها بالصبر, لا بد من توقع المفاجئات ولابد من الصبر واليقين عند الصدمات.. إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه..ألا فليكن كدحك في مرضات الله, وليكن نصيبك في هذه الدار سبيلا لراحتك يوم تلقى الله.. ألا كم من مغرور وغرّته هذه الحياة فألقته المنايا في مهاوي الردى. وفكر وقدّر فإذا بالروح تبلغ الحلقوم فندم على التفريط ولكن هيهات من التعويض! ألا أن سعيكم لشتّى فانظر أيها العاقل في نوع سعيك, وهل أنت ممن يزرع الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المكر, ويعين على نوائب الحقّ, أم أن سعيك إفساد في الأرض, وظلم للخلق, ونسيان للخالق, ألا فاعلم أن سرّك ونجواك, وظاهرك وباطنك لا يخفى على الله منه شيء "يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى" (سورة طـه: 7) "وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كتَابٍ مُّبِينٍ" (سورة النمل: 75) يا ابن آدم ومهما ابتلاك الله بشيء من رزايا الدهر ومصائب الزمان, فلا تظنّ بربك الظنون السيّئة..فلعلّ الله أراد بك خيرا وأنت لا تشعر, ولعلّ حسناتك قصرت بك عن منزلة عليّة أرادها الله لك فبلغك إيّاها بهذه المصائب. ألا فاصبر واحتسب وفي الحديث "من يرد الله به خيراً يصب منه" رواه البخاري وهذا ابن مسعود _رضي الله عنه_ يدخل على رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وهو يوعك, فقلت: يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا, قال: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم, فقلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال: أجل, ذلك كذلك, ما من مسلم يصيبه أذى-شوكة فما فوقها- إلا كفر الله بها سيّئاته وحطّت عنه ذنوبه كما تحطّ الشجرة ورقها}متفق عليه هكذا يعلّمنا نبيّنا أجر المصائب وعواقب الأذى.. أللهم لا تحرمنا أجرك, وارزقنا الصبر واليقين على أقدارك واجعلنا من سعادة الدنيا إلى سعادة الآخرة, ولا تجعلنا من الخاسرين...[الأنترنت – موقع الإنسان في كبد ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والعشرون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ

خصائص الإنسان من خلال القرآن أنه خُلق عجولاً :

 موضوعنا  اليوم أن الإنسان من خصائصه الخَلْقِيَّة أن الله خلقه عجولاً ، وقد لا ينتبه بعض المؤمنين إلى أبعاد هذه الآيات ، يقول ربنا جلّ جلاله :

﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً﴾[ سورة الإسراء : 11]

خلق الإنسان عجولاًوفي آيةٍ ثانية - الآية الأولى في سورة الإسراء ، والآية الثانية في سورة الأنبياء - يقول الله جلّ جلاله :

﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾[ سورة الأنبياء : 37]

والعَجَلَةُ في تعريفها الدقيق طلب الشيء قبل أوانه .

والتقصير ، والتخلُّف ، والإهمال : طلب الشيء بعد أوانه . والاعتدال ، والالتزام : طلب الشيء في أوانه . فمن تعجَّل الشيء قبل أوانه يوصَف بأنه عجول ، ومن تركه إلى ما بعد فوات الأوان يوصف بالإهمال والتقصير ، ومن 

طلبه في وقته يوصف بالحكمة ، والحكمة ضالة المؤمن .

﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾[ سورة البقرة : 269 ]

و ليست كل سرعةٍ عَجَلَة ، فمن الأمور ما تقتضي أن تُنْجِزَها بسرعةٍ فائِقة ، وليس كل إبطاءٍ تَأَنٍ ، فمن الأمور ما لو أبطأت في إنجازها فقدَت قيمتها، إذاً ليست السُرعة ولا الإبطاءُ مقصودين لذاتهما ، ولكن السرعة والإبطاء أي السرعة عن الوقت المناسب ، والإبطاء عن الوقت المناسب .

الحكمة من خلق الإنسان عجولاً :

لماذا خُلق الإنسان عجولاً ؟ الإنسان أيها الأخوة الأكارم لا يرقى عند الله عز وجل إلا إذا دفع الثمن ، وقد يكون الثمن أحياناً أن تُخَالف طَبْعَك ، فللإنسان طبعٌ ، فإذا ما خالفه شعر أنه قدَّم شيئاً ثميناً ، أودع الله في الإنسان حُبَّ النساء ، إن غضَّ البصر مخالفةٌ للطبع ، وبمخالفة الطبع نرقى عند الله عز وجل ، أودع الله في الإنسان حُبَّ المال ، وكلَّفنا أن نُنْفِقَ المال ، ففي إنفاق المال مخالفةٌ للطبع ، وفي مخالفة الطَبْعِ نرقى عند الله عز وجل ، هناك خصائص كثيرة رُكِّبَت في طباع الإنسان ، فإذا ما خالفها ارتقى عند الله عز وجل ، من هنا قال الله عز وجل :﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ 

الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾[ سورة النازعات : 40-41]

أوامر التكليف تخالف الطباع ولكنها توافق الفطرة :

نهى النفس عن الهوى . لذلك أيها الأخوة الأكارم ؛ أوامر التكليف تُخالف الطِباع ، لكنها توافِق الفِطْرَة ، وفرقٌ كبيرٌ بين الطبع والفطرة ، فطرة الإنسان بُنْيَةُ نفسه ، النفس لا تطمئن إلا بطاعة الله ، لا تستقر إلا أن يرضى الله عنها ، لا تشعر بالأمن إلا إذا لاذت بعظيم ، لا تشعر بالسعادة إذا اتصلت بخالقها ، الأمر والنهي ، أوامر التكليف تتوافق مع فطرة النفس ، لكنها تخالف طَبْعَ الإنسان ، وكأنَّ الطبع أقرب إلى الجَسَد ، وكأن الفطرة أقرب إلى النَفْس . من هذه المقدمة أيها الأخوة ركب الإنسان من طبيعةٍ عجْلَى ، فإذا أراد الآخرة ، إذا أراد الآجلة ، إذا أراد السعادة فيما بعد الحياة ، هذا مخالفٌ لطبعه ، طبع الإنسان يوَدُّ الشيء السريع ، يود الثمرة القريبة ، يود المكاسب الدُنيا ، لكن . .

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾[ سورة الإسراء : 19]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والعشرون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ

فأول شيءٍ في حِكْمَةِ أن الإنسان خلق عجولاً ، أن هذا الخلق بهذه الطريقة هو الذي يرقى به عند الله فيما لو أراد الآخرة ، فيما لو أراد الشيء الآجل ، لو 

أن الله سبحانه وتعالى خَلَقنا نُحِبُّ العاجلة ، وأردنا الآجلة ، لما ارتقينا عند الله عز وجل ، هذه بعض حكم أن الإنسان خلق من عَجَل ، يحب الشيء 

السريع ، يحب الشيء القريب .

خلق الإنسان عجولاً ليجاهد نفسه ويرتقي بها فيما لو أراد الآخرة

  هذه العَجَلَةَ تمثِّل في الإنسان محركاً يحركه نحو هدفٍ ما ، لو أن الأهداف أمامه مرسومة ، وليس عنده دافعٌ يدفعه نحو الأهداف ، يبقى في مكانه ساكناً ، لذلك رُكِّبَ في الإنسان ما وصفه القرآن بأن الإنسان عَجول ، خلق من عَجَل، هذه العَجَلَة بمعنى السرعة ، أي خلق في الإنسان دوافع قوية تدفعه إلى أهدافه ، يمكن أن نُشَبِّهَ هذه الطبيعة في الإنسان - طبيعة العجلة - بأنها محركٌ قوي ،

 هذا المحرِّك أيها الأخوة يحتاج إلى مِقْوَد ، وإلا أهلك صاحبه .

خلق في الإنسان دوافع قوية تدفعه إلى أهدافه

دائماً وأبداً الخصائص التي رُكِّبَت في الإنسان حيادية ، إما أن يرقى بها إلى أعلى عليين ، وإما أن يهوي بها إلى أسفل سافليين ، العقل أداة معرفة الله عز وجل ، مناطُ التكليف ، فإذا أراد الإنسان الدنيا ، يصبح الإنسان كما وصفه الله عز وجل أكثر شيءٍ جدلاً ، يستخدم هذا العقل الذي هو أعظم ما في الكون ، يستخدمه لتبرير أخطائه ، ولتغطية انحرافاته ،ولفلسفة دناءته وشَهْوانيَّته 

خصائص الإنسان حيادية إما أن يرتقي بها أو أن يهوي بها

وكذلك هذه القوة الدافعة التي تجعل الإنسان متحركاً ، يتحرك نحو أهدافه ، هذه القوة الدافعة وصفت في القرآن الكريم بأنها العَجَلَة .

﴿ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾[ سورة الأنبياء : 37] وصفت :﴿خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾﴿وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً﴾

هذه القوة المحركة تحتاج إلى مِقْوَد ، تحتاج إلى منهج ، تحتاج إلى شرع من عند خالق الإنسان ، فما لَمْ يتكامل هذا المقود مع هذه الطاقة ، وهذه القوة 

الدافعة ، يكون الهلاك ، فإذا وصف الإنسان بأنه قد دمَّر نفسه لأنه كان عجولاً ، هذه العَجَلَة لمْ تقترن بمنهج الله عز وجل ، لمْ يستلهم الإنسان أمر الله 

عز وجل ، فعل ما نهى ، وترك ما أمر .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والعشرون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ

الخصائص النفسيّة التي رُكِّبَت في الإنسان لصالحه و صالح سعادته :

بما أن الله سبحانه وتعالى ذاتٌ كاملة . .لو لم يخلق الإنسان عجولاً لفقد الدافع ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾[ سورة الأعراف : 180 ]

إذاً خَلْقُهُ كامل ، والخصائص النفسيّة التي رُكِّبَت في الإنسان لصالح الإنسان ، ولصالح إيمانه ، ولصالح سعادته في الدنيا والآخرة ، فإذا خَلَقَ الله الإنسان من عَجَل فهذه الخصيصة لصالح إيمانه ، ولصالح سعادته ، فإذا لم يكن كذلك ، افتقر الإنسان إلى القوّة المحركة ، افتقر إلى الدافع ، لذلك هذه الصفة العَجْلَى في الإنسان ، قوة الاندفاع هذه تحتاج إلى شرعٍ يسير عليه ، إلى منهجٍ يهتدي به ، إلى سننٍ لا يحيد عنها،هذه تحتاج إلى أمرٍ من عند خالق الكون افعل،ولا تفعل 

ثمار العَجَلَة غير المُتَبَصِّرَة :

1 ـ حبّ الدنيا :

أيها الأخوة الأكارم ؛ من ثمار هذه العَجَلَة غير المُتَبَصِّرَة ، كل إنسان عنده هذا الدافع نحو تحقيق أهدافه ، هذه القوة المحركة إن لم تهتد بهَدْي الله عز وجل ، إن لم تستلهِم خالق الكون ، إن لم تلتزم أمر الله ونهيه ، تصبحُ هذه القوة 

المحركة قوةً مدمِّرة .

العجلة في الإنسان يمكن أن تؤدي إلى هلاكه

مثلٌ بسيط : هذا المحرك الذي صُنِعَ في أرقى معامل المركبات ، صنع ليحرك هذه السيارة ، ليحركها بقوةٍ كبيرة إلى أهدافها السليمة ، النبيلة ، فإذا قاد إنسان 

مركبةً وكان في حالة سكرٍ شديد ، ونزل بالمركبة إلى الوادي ، وأهلك نفسه وأسرته ، نقول : إن العلة في المحرك ؟ لا ، هذا كلامٌ غير صحيح ، العِلَّةُ في أنه أساء استخدام هذا المحرِّك ، أيْ إذا أفضت العجلة التي رُكِّبَت فينا إلى هلاكنا ، فالخطأ ليس في العجلة ، ولكن الخطأ في أن هذه العجلة تحرَّكت من دون مِقْوَد ، من دون شرعٍ يهتدي به الإنسان إلى سواء السبيل ، فلذلك الإنسان كما قال الله عز وجل :

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾[ سورة آل عمران : 14 ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثلاثون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ- ثمار العَجَلَة غير المُتَبَصِّرَة :

هذه الشهوات التي أودعها الله فينا ، ما أودعها فينا إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسموات ، فإذا غَفلنا عن سر وجودنا ، وغَفلنا عن منهج ربنا ، قادتنا هذه الشهوات إلى هلاكنا ، لذلك : أول ثمرةٍ من ثِمار العَجَلَة العمياء غير المتبصرة أن نحب الدنيا .

((حب الدنيا رأس كل خطيئة . . .))[الدر المنثور عن يحيى بن سعد ] ((حبك الشيء يعمي ويصم))[الجامع الصغير عن عبد الله بن أنيس ]

((الدنيا تغر وتضر وتمر))[ ورد في الأثر] ((الدنيا جيفة والناس كلابها))[أبو الشيخ في تفسيره عن علي]((الدنيا دار من لا دار له ، ولها يجمع من لا عقل له))[ أحمد عن عائشة]((فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشدة ، ألا وإن الله تعالى خلق الدنيا دار بلوى ، والآخرة دار عقبى))[ من كنز العمال ]

من غفل عن سر التكليف واتبع شهواته سيهلك في الدنيا والآخرة

فحب الدنيا ثمرةٌ سلبيةٌ من ثمار العجلة التي رُكِّبَت فينا لتكون دافعاً إلى الله والدار الآخرة ، فغفلنا عن منهج الله ، فأصبحت هذه القوة المحرِّكة سبباً لهلاكنا ، ربنا سبحانه وتعالى يقول :﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً﴾[ سورة الإنسان : 27]﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ﴾[ سورة القيامة : 20-21]((حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات))[الجامع الصغير عن أبي هريرة ]

((ألا إن عمل الجنة حزنٌ بربوةٍ ، ألا وإن عمل النار سهلٍ بسهوة))[ من الجامع الصغير عن ابن عباس ]

أول ثمرةٍ إذا غفل الإنسان عن اللهِ ، غفل عن سرّ وجوده ، غفل عن أمانته التي أودعها الله عنده ، غفل عن سرّ التكليف ، غفل عن حقيقته ، أقبل على الدنيا ، فيه دوافع تدفعه نحو شهواته ، فشيء طبيعي جداً أن ينطلق الإنسان إلى تحقيق شهواته إذا غفل عن ربه ، وحينما ينطلق هذه الانطلاقة يأخذ ما له وما ليس له ، يقع في البغي والعدوان ، فيستحق عقوبة الواحد الديَّان ، فيهلك في الدنيا والآخرة .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ- ثمار العَجَلَة غير المُتَبَصِّرَة :

2 ـ طلب الشيء السريع :

شيء آخر : من ثمرات هذه الطبيعة العَجْلَى في الإنسان ، العمياء غير المتبصرة ؛ أنه يطلب الشيء السريع ، يطلب الثمرة غير اليانعة القريبة .

﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ﴾[ سورة الإسراء : 11 ]

المال بدون ايمان ابتلاء من الله عز وجل وطريقك إلى الهلاك

يتمنّى أن يكون غنياً ، وليس في درجةٍ من العِلم تجعله يُنْفِق هذا المال في الوجه الذي أمر الله به ، يتمنّى الغِنَى مع أن الغنى من دون إيمانٍ ، ومن دون اهتداءٍ ربما كان طُغْياناً، وقد وصف النبي عليه الصلاة والسلام المصائب الوبيلة ، فذكر الغنى المُطغي أحدها ، قال :(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا : هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟....))[الترمذي عن أبي هريرة ]

   المال من دون إيمان ، من دون وَرَع ، من دون استقامة ، من دون التزام ،

 مصيبةٌ كبيرة لأنها تُمَكِّنَ الغنيّ من أن يتفلَّت من أوامر الدين ، من أن 

ينطلق وراء شهواته ، من أن يحقق ما كان عاجزاً عن تحقيقه من المعاصي ، لذلك قال تعالى :﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ﴾[ سورة الإسراء : 11 ]

كما لو كان خيراً .﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً﴾[ سورة الإسراء : 11 ]

يا أيها الأخوة الأكارم ؛ قال عليه الصلاة والسلام :(( نعم المال الصالح للمرء الصالح ))[أحمد عن عمرو بن العاص] لأن الإنسان لا تزول قدماه يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع : من هذه الأربع :((عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه 

؟))[الترمذي عن أبي برزة الأسلمي ]

العجلة التي لا ترافقها طاعةٌ لله وبال على صاحبها :

أيها الأخوة الأكارم ؛ آيةٌ ثالثة تتحدث عن طبيعة التَعَجُّل في الإنسان :

﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[ سورة البقرة: 216]

لذلك أيها الأخوة هذه القوة الدافعة التي عبَّر عنها القرآن بالعَجَلَة ، تحتاج إلى عقلٍ وإلى منهجٍ ، فإذا كان معها العقل والمنهج كانت قوةً نافعةً ، قوةً دافعة ، قوةً موصِلَةً إلى الله عز وجل ، أما لو كانت هذه القوة . . تصور مركبةً ذات محركٍ قوي بلا مقود ، إن قلت : إن الحادث حَتْمِيّ ، أنت لست مبالغاً ، لابد من أن تقع هذه المركبة بحادثٍ مهلك ، لأن قوةً تتحرك بلا مِقْوَد ، وهذا شأن الإنسان ، ليس الإنسان كائناً سكونيّاً ، كائناً متحركاً ، ما الذي يحركه ؟ شهواته ، هذه قوة الاندفاع هي ما عبَّر عنه القرآن بالتعجُّل . 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانيةوالثلاثون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ- ثمارالعَجَلَة غيرالمُتَبَصِّرَة : 

إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه

من تطبيقات هذه الطبيعة التي أودعت في الإنسان ، من تطبيقات هذه العَجَلَة العَمْياء غير المتبصِّرة أن الإنسان مثلاً يحب الربح 

السريع ، فيكذب ، ويغش ، ويحتال ، ويدلِّس ، من أجل أن يكون غنياً في

 أقصر وقتٍ ممكن ، حينما يكتشف الناس كذبه ، يكتشف الناس غِشَّه ، يكتشف الناس احتياله ، يَنْفَضِّون عنه ، إذاً هذه العجلة التي لم ترافقها طاعةٌ لله عز وجل كانت وبالاً على صاحبها .

وما من صاحبٍ حرفةٍ أيها الأخوة يستعجل الربح السريع إلا على حساب إخلاصه ، وإلا على حساب إتقانه ، وإلا على حساب نُصْحِهِ للناس ، فإن لم يكن ناصحاً لهم ، ولم يكن متقناً في عمله ، ولم يكن صادقاً ، ولم يكن نافعاً ، عادت هذه العَجَلَة ؛ أيْ طلب الربح السريع في الوقت القصير وبالاً عليه ، فأهلكته في الدنيا قبل الآخرة .

  يا أصحاب الحرف ، دقق في إتقان صنعتك ، أتقن صنعتك ولا تدقق في الكسب الماديّ ، عندئذٍ ترتفع بين الناس ويأتيك المال ، أما إذا جعلت المال نُصْبَ عينيك ، وأردت أن تربح سريعاً على حساب إتقان عملك ، وعلى حساب إخلاصك في عملك ، وعلى حساب خِدْمَةِ الناس ، فعندئذٍ يقع الإنسان في شر عمله . أحياناً يهمل الإنسان بناء نفسه ، يريد مسكناً مريحاً ، دخلاً كبيراً ، عملاً رابحاً ، فيسلك طرائق ملتوية مخالفة للشرع من أجل أن يقطف ثمار الدنيا قبل أوانها ، قبل الوقت المُناسب ، عندئذٍ يهلك نفسه -دققوا - هؤلاء الذين أرادوا الربح السريع ، أو النجاح السريع ، أو العلو السريع ، أو الراحة المبكرة ، هؤلاء شَقوا طوال حياتهم ، الذي يبني نفسه بناءً صحيحاً ، الذي يطلب الشيء في أوانه ، الذي يدفع ثمن نجاحه في الحياة أمداً طويلاً ، هو الذي يقْطِف الثمار .

أحياناً يطلب الإنسان المُتْعَةَ قبل الوقت المناسب التي أباحها الله عن طريق الزواج ، يطلب هذه المُتْعَة قبل أوانها ، قبل الطريق المشروع ، فيقع في شَرِّ عمله ، يقع في حجابٍ بينه وبين الله ، يصبح مقطوعاً عن الله عز وجل ، ينطفئ نوره ، يصبح أعمى القلب ، وربما جاءته الأمراض من كل جانبٍ وهو لا يدري ، لماذا ؟ لأنه تَعَجَّلَ قضاء هذه الشهوة قبل الوقت المُناسب ، وقبل الظروف

 المناسبة . إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثةوالثلاثون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ- ثمارالعَجَلَة غيرالمُتَبَصِّرَة : 

أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً :

  من تعجَّل قضاء شهواته في غير ما أمر الله ، من تعجَّل الربح الوفير في غير الطريق المشروع ، هذا يشقى في الدنيا ويشقى في الآخرة ، ولا أدَلَّ على ذلك من مثلٍ بسيطٍ بسيط موضوعٍ بين أيديكم ، هذا الذي يسرع في قيادة مركبته ، ليصل في وقتٍ مبكر قد لا يصل ، إن هذه السرعة حرمته من تحقيق هدفه ، وحرمته من وجوده ، لأن تصل متأخراً خيرٌ لك من ألا تصل .                إذاً السرعة في قيادة المركبة مثلٌ حِسِّي ، أيْ أنَّ الإنسان إذا تعجَّل أهدافه الدُنيا قبل أوانها ، ومن طرقٍ غير مشروعة ، وبأساليب غير مشروعة ، ربما حرمها في الدنيا قبل الآخرة ،ما من عملٍ أفظع وأبعدعن الإنسانية من أن تقيس بمقياسَيْن :

  هذه العَجَلَة هي التي يُمكن أن تكون أساس الشرور ، أساس المعاصي ، أساس الطُغْيان ، أساس الانحراف ، هل في الإنسان صفةٌ أبشع من أن يقيس بمقياسين ؟ من أن يعيِّر الأشياء بمعيارين ؟ يقيس لنفسه بمقياس وللآخرين بمقياس ؟ ماذا قال عليه الصلاة والسلام ؟ كان مع أصحابه في سفر واضطروا أن يعالجوا شاةً ليأكلوها..

فقال أحد أصحابه : عليّ ذبحها . وقال صحابيٌ آخر : وعليّ سلخها . وقال صحابيٌ ثالث : وعليّ طبخها . فقال عليه الصلاة والسلام : وعليّ جمع الحطب .    قاس نفسه بمقياسٍ واحدٍ مع أصحابه . قيل يا رسول الله : نحن نكفيك ؟ قال : أعلم ذلك ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه .

حينما جاءه أسامة بن زيد " حبُّهُ " قال : يا رسول الله امرأةٌ مخزوميةٌ سرقت – جاء ليشفع لها - قال :( يا أسامة أتشفع في حدٍ من حدود الله ؟! والله لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعت يدها .. إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم إذا كانوا سرق فيهم الشريف تركوه،وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)[البخاري عن عائشة]

 مثلٌ من واقع حياتنا : أنت لك عملٌ ناجح ، وعندك موظَّف ، تريد أن يكون ابنك في أعلى مرتبة ، يحتل أعلى مكان في المجتمع ، يحمل أعلى شهادة ، تُنْفِقُ عليه مبالغ طائلة ، فإذا طلب منك هذا الموظَّف أن يغادر العمل قبل ساعة ليلتحق بمدرسةٍ مسائية ، ورفضت ذلك ، ألم تَقِس الأمور بمقياسين ؟ ألم ترد لابنك مكاناً علياً وعلماً نافعاً ولم ترد لهذا الموظف الضعيف أن ينال شيئاً من العلم ؟ الإنسان إذا قاس الأمور بمقياسين سقط من عين الله ، وسقط من عين المجتمع ، وصار بالتعبير المعاصر عُنْصِرِيّاً ، الذي انحاز انحيازاً أعمى ، ينحاز إلى الباطل ، أو إلى من يلوذُ به بلا تبصُّر ، بلا ميزان ، هذا إنسان ساقطٌ من عين الله عز وجل ، وساقطٌ من عين المجتمع .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعةوالثلاثون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ- ثمارالعَجَلَة غيرالمُتَبَصِّرَة :

الإنسان إن قاس الأمور بمقياسين سقط من عين الله:

  ما من عملٍ أفظع ، وأبشع ، وأبعد عن الإنسانية من أن تقيس بمقياسَيْن ، من أن تقيس الأمور بمعيارَين ، وكلكم يرى ويسمع كم هؤلاء الذي يقيسون بمقياسين ساقطون من نظر الناس .

  يجب أن تُعامل هذا الذي في محلك التجاري ، هذا اليتيم كما تعامل ابنك ، يجب أن تعامل زوجة ابنك ، كما تعامل ابنتك ، يجب أن تعامل أمّ زوجتك كما تعامل أمك ، هذا القياس بمقياسٍ واحد وإلا وقعت في انحيازٍ أعمى ، وهذا بدافع العَجَلَة ، الإنسان إذا اسْتَعْجَلَ المكاسب ، واستعجل النجاح ، واستعجل قضاء شهوته في غير وقتها المُناسب ، وفي غير المكان المناسب ، وفي غير الظروف المناسبة وقع في شر عمله .

  حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزَن عليكم ، واعلموا أن مَلَكَ الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنّى على الله الأماني .

الساعة البيولوجية :

بجوار الغدة النُخامية مجموعة خلايا ، لها خاصِّية عجيبة ، إنها تستشعر الضَوْء الذي يسقط على قاع الشبكية في أثناء النهار ، إذا 

استشعرت هذا الضوْء معنى ذلك أن الوقت وقت نهار ، فإذا غابت هذه الأشعة التي تسقُط على قاع الشبكية ، معنى ذلك عند هذه الخلايا أن الوقت هو وقت الليل . فماذا يكون في النهار من تبدلاتٍ في جسم الإنسان ؟ وماذا يكون في الليل ؟ في النهار أيها الأخوة يزداد استهلاك الجسم للطاقة ، فترتفع درجة حرارته نِصف درجة عن المُعَدَّل الوَسَطِيّ في النهار ، وتنخفض نصف درجة في الليل .

هنالك خلايا في جسم الإنسان تستشعر الوقت تدعى بالساعة البيولوجية

إذاً معدل استهلاك الطاقة يزداد في النهار ، من يشعر الخلايا وخلايا الاستقلاب أن الوقت وقت نهار ؟ هذه الخلايا التي إلى جوار الغدة النخامية ، تستشعر من خلال اقتباسها لقاع العين أن الوقت وقت نهار . وتزداد ضربات القلب في النهار من عشر ضربات إلى عشرين ضربة عنها في الليل ، ويزداد إدرار البول من ضعفين إلى أربعة أضعاف في النهار عنه في الليل ، ومن خلال تسجيل النشاط الكهربائي للدماغ يزداد نشاط الدماغ في النهار ، ويضعُف في الليل ، وتزداد درجة لزوجة الدم في النهار عنها في الليل ، ويزداد عدد كريات الدم البيضاء - كسلاحٍ دفاعيٍ في الإنسان - عنها في الليل ، ما الذي يشعر الجسم أن الوقت وقت نهار ؟ أنت بعقلك تدرك ، ولكن هذه الخلايا التي تتبدَّل وظائفها بين النهار والليل ، أو ترتفع مُعدَّلات وظائفها بين النهار والليل من يشعرها ؟ هذا ما اصطلح عليه العلماء بتسميته " الساعة البيولوجية " ، الساعة البيولوجية مجموعة خلايا إلى جانب الغدة النخامية ، تستشعر ضَوْءَ الشمس الذي يسقُط على قاع الشبكية في النهار ، لذلك إذا عاش الإنسان في ظلامٍ مستمر تَخْتَلُّ وظائفه الحيوية ، لأن هذه الساعة البيولوجية تتعطَّل عن العمل لانعدام وصول الشمس إلى قاع العين .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ

الإنسان إن قاس الأمور بمقياسين سقط من عين الله:

يزداد استهلاك الطاقة في النهار ، بدليل ارتفاع درجة حرارة الجِسم نصف درجة ، تزداد ضربات القلب في النهار من عشر إلى عشرين ضربة عما هي عليه في الليل ، يزداد إدرار البول في النهار من ضعفين إلى أربعة أضعاف ، يزداد نشاط الدماغ الكهربائي في النهار ، تزداد لزوجة الدم في النهار ، يزداد عدد كريات الدم البيضاء في النهار . أما في الليل فيزداد هرمون النمو ، إفراز هرمونات النمو يزداد في الليل ، هرمونات الإخصاب تزداد في الليل ، استهلاك السكر يقلّ في الليل ثلاثين في المئة عما هو في النهار ، فعالية الجهاز التنفُّسي تقل في الليل ثلاثين بالمئة عما هي في النهار ، هذا معنى قول الله عز وجل :﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾[ سورة التين : 4]

هناك ساعة بيولوجية ، هذه الساعة تشعر الأجهزة ، والأعضاء ، والنُسُج ، والخلايا ، والغُدَد أن الوقت وقت نهار فافعلي كذا وكذا ، وامتنعي عن كذا وكذا ، ثم تُشعر هذه الخلايا التي هي الساعة البيولوجية الأعضاء ، والأجهزة ، والُنُسج ، والغدد ، والخلايا أن الوقت وقت ليل فافعليِ كذا وكذا .

﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾[ سورة التين : 4 -5] الأنترنت – موقع موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية]

*{وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ}

     لقد بُعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس أجمعين ليبين لهم هدفا من أهداف بعثته، فقال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"[السلسلة الصحيحة] ، فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم ليريح المظلومين من شبح العنصرية المبنية على اختلاف الأديان والأوطان والألوان والألسنة، فيعلن النبي وهو عربي للبشرية جمعاء "إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، فلا فضل لعربي على أعجمي ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى" [ غاية المرام] ، ويزيع لهم خبر السماء "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"[ الحجرات:13] ، ثم يعرفهم الأصل الذي ينتمون إليه ليلتفوا حوله جميعا "الناس ولد آدم وآدم من تراب"[ السلسلة الصحيحة]، ويزيح ستار الظلم والبغي"إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد" [السلسلة الصحيحة] .

قال تعالى"وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ"( الروم:22)، قال ابن كثير-رحمه الله-يقول تعالى"وَمِنْ آيَاتِهِ" الدالة على قدرته العظيمة "خَلْقُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ" أي خلق السماوات في ارتفاعها واتساعها وسقوف أجرامها وزهارة كواكبها ونجومها الثوابت والسيارات وخلق الأرض في انخفاضها وكثافتها وما فيها من جبال وأودية وبحار وقفار وحيوان وأشجار. وقوله تعالى "وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ" يعني اللغات فهؤلاء بلغة العرب وهؤلاء تتر لهم لغة أخرى وهؤلاء كرج وهؤلاء روم وهؤلاء إفرنج وهؤلاء بربر وهؤلاء تكرور وهؤلاء حبشة وهؤلاء هنود وهؤلاء عجم وهؤلاء صقالبة وهؤلاء خرز وهؤلاء أرمن وهؤلاء أكراد إلى غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى من اختلاف لغات بني آدم واختلاف ألوانهم وهي حلاهم فجميع أهل الأرض بل أهل الدنيا منذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة كل له عينان وحاجبان وأنف وجبين وفم وخدان وليس يشبه واحد منهم الآخر بل لا بد أن يفارقه بشيء من السمت أو الهيئة أو الكلام ظاهرا كان أو خفيا يظهر عند التأمل كل وجه منهم أسلوب بذاته وهيئة لا تشبه أخرى ولو توافق جماعة في صفة من جمال أو قبح لابد من فارق بين كل واحد منهم وبين الآخر" إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ" .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والثلاثون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

"وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ"

وقال القرطبي-رحمه الله-"وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ" اللسان في الفم؛ وفيه اختلاف اللغات: من العربية والعجمية والتركية والرومية. واختلاف الألوان في الصور: من البياض والسواد والحمرة؛ فلا تكاد ترى أحدا إلا وأنت تفرق بينه وبين الآخر. وليس هذه الأشياء من فعل النطفة ولا من فعل الأبوين؛ فلا بد من فاعل، فعلم أن الفاعل هو الله تعالى؛ فهذا من أدل دليل على المدبر البارئ. "إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّلْعَالَمِينَ" أي للبر والفاجر، وقرأ حفص: "لِلْعَالِمِينَ" بكسر اللام جمع عالِم"

وقال الطبري-رحمه الله-ومن حججه وأدلته أيضا علـى أنه لا يُعجزه شيء, وأنه إذا شاء أمات من كان حيا من خـلقه, ثم إذا شاء أنشره وأعاده كما كان قبل إماتته إياه خـلقه السموات والأرض من غير شيء أحدث ذلك منه, بل بقدرته التـي لا يـمتنع معها علـيه شيء أراده، "وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ" يقول: واختلاف منطق ألسنتكم ولغاتها وألْوَانِكُمْ يقول: واختلاف ألوان أجسامكم "إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ" يقول: إن فـي فعله ذلك كذلك لعبرا وأدلة لـخـلقه الذين يعقلون أنه لا يعيبه إعادتهم لهيئتهم التـي كانوا بها قبل مـماتهم من بعد فنائهم.

قدرة الله... وتعدد الألسن:

اللغة هى نسق من الإشارات والرموز، يشكل أداة من أدوات المعرفة، وتعتبر اللغة أهم وسائل التفاهم والاحتكاك بين أفراد المجتمع في جميع ميادين الحياة. 

وبدون اللغة يتعذر نشاط الناس المعرفي. وترتبط اللغة بالتفكير ارتباطًا وثيقًا؛ فأفكار الإنسان تصاغ دومًا في قالب لغوي، حتى في حال تفكيره الباطني. ومن خلال اللغة فقط تحصل الفكرة على وجودها الواقعي. كما ترمز اللغة إلى الأشياء المنعكسة فيها.

واختلف علماء اللغة في تعيين سبب تعدد اللغات فمنهم من قال أن اللغة وضعية (أي: إن كل قوم قد اتفقوا على وضع لفظ معين ليدل على مدلول معين ) وقال آخرون إن اللغة ربانية وليست وضعية أي أن الله قد ألهم كل قوم لغتهم. والقول الراجح قول من قال (( إن الله قد علم كل قوم لغتهم بطريق الإلهام )) ويشهد لذلك ما يلي:

أولاً: قوله تعالى"وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا"(البقرة:31) والمعلوم أن التعليم هنا لم يكن بالإلقاء المباشر كما هو شأن التلميذ مع الأستاذ ، وإنما كان مركوزا بالفطرة والجبلة بإذن الله بحيث يستطيع ادم أن يطلق الأسماء على المسميات بما أتاه الله من استعداد جبلي وهذا الاستعداد موروث من ادم لبنيه ، وذلك ليتيسر لهم ما وجب عليهم من مقتضيات الاستخلاف في الأرض .

ثانياً: قوله تعالى "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّلْعَالَمِينَ"( الروم:22) ووجه الدلالة من الآية أن الله قرن اختلاف الألسنة باختلاف الألوان وقدم على ذلك خلق السموات والأرض، وفي هذه إشارة إلى الناموس الإلهي في خلق السموات والأرض هو نفسه الناموس الذي يحكم الألوان والألسن، وكما أن لون البشرة كامن في الجينات الوراثية  فكذلك الاستعداد للنطق والقدرة على التعبير وإمكان إطلاق اللفظ المعين على المعنى المراد، كل ذلك كامن من اصل الجبلة الإنسانية.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والثلاثون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

"وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ" (إن الله قد علم كل قوم لغتهم بطريق الإلهام)

ثالثاً: جعله سبحانه اختلاف الألسنة في سياق الآيات الربانية الدالة على تفرده بالخلق والتدبير، وهذا يؤكد أن معلم اللغات هو الله تعالى بطريق الإلهام، وإلا لما كان اختلاف اللغات من الآيات الربانية الدالة على تفرده بالخلق والتدبير .

رابعاً: قوله تعالى:"إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّلْعَالَمِينَ"، أي: في خلق السموات والأرض واختلاف الألوان واللغات دلالة على قدرة الله وتفرده بالخلق والإيجاد، ولا 

يدرك سر تلك الدلالة الباهرة إلا العلماء العالمون بأسرار الخلق، ولو أن اختلاف

 اللغات راجعاً إلى البيئة أو الاتفاق لما كان ذلك من آيات الله ولما خص سبحانه العلماء بتلك المعرفة . وتنقسم لغات العالم في الوقت الحالي إلى عائلات لغوية، كاللغات الأفريقية الآسيوية واللغات الهندية الأوروبية، حيث تحوي كل منها عددًا من اللغات ذوات الأصول والخصائص المتشابهة.

ويأتي في مقدمة لغات العالم من حيث عدد المتحدثين اللغة الصينية والعربية والأسبانية والإنجليزية والبنغالية والهندية والبرتغالية والروسية واليابانية على الترتيب، حيث يزيد عدد المتحدثين بهذه اللغات عن المائة مليون نسمة. 

جدول رقم(1) اللغات التي يتحدث بها أكثر من 100 مليون شخص كلغة أم

 

أما اللغات التي يتحدث بها قرابة المائة مليون وأقل فيأتي في طليعتها الألمانية ( 101 مليون) والفرنسية (100 مليون) والپنجابية( 90 مليون) والجاوية( 76 مليون) والكورية (72 مليون) والفارسية ( 71 مليون) والفيتنامية ( 70 مليون) والتيلوغو (69 مليون لغة رسمية في الهند) والماراثية (68 مليون لغة رسمية في الهند) والتاميلية(67 مليون لغة رسمية في الهند) والآردية( 61 مليون) والإيطالية( 60 مليون) والتركية (60 مليون) والامازيغية( 47 مليون لغة غير رسمية في لي دولة ووطنية في المغرب الجزائر ليبيا مالي) والجوجاريتية( 46 مليون لغة رسمية في الهند) والبولندية( 45 مليون) والكردية ( أكثر من 40 مليون لغة رسمية في العراق) والأوكرانية( 39 مليون) والمالايالامية(36 مليون لغة رسمية في الهند) والكانّادية (35 مليون لغة رسمية في الهند في ولاية كارناتاكا) والأوريّا (32 مليون لغة رسمية في الهند في ولاية أوريسّا) والبورمية(31 مليون لغة رسمية في ميانمار) والتايلاندية(35 مليون) والأمهرية(35 مليون) والسندية (54.3 مليون).

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

"وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ"

اختلاف الأجناس والألوان أية ربانية ومداخل ضالة إلى تفرقة عنصرية:  

كان المصريون القُدامى والإغريق والرومان على صلة بأقوام ذوي بشرة قاتمة وشعر أجعد يعيشون في إفريقيا، كما أنهم كانوا يتصلون بأقوام يسمّوْن بذوي البشرة الصفراء في آسيا، لمعظمهم ثنية من جلد جفونهم تمتد إلى الركن الداخلي (الموق) لعيونهم. وهكذا كانت المعلومات المحدودة عن سكان العالم في ذلك الزمان توحي بوجود ثلاثة أجناس من البشر: الأوروبي أو الأبيض، الإفريقي أو الأسْود، الآسيوي أو الأصفر. ثم أصبحت هذه المجموعات تعرف في النهاية بالقوقازية والزنجية والمغولية على التوالي. وقد دأب العلماء سنين كثيرة على محاولة تصنيف جميع العشائر البشرية وفقًا لهذه الأجناس الثلاثة، أو بعض الصور المحوَّرة منها. فقد كانوا يعتقدون أن جميع الناس ينتمون إلى عدد محدود من الأجناس، وأن خصائص كل جنس ثابتة لا تتغير.

وظل العلماء سنوات عديدة يصنفون جميع العشائر البشرية في واحد من أجناس ثلاثة: القوقازي، والزنجي، والمغولي. وتظهر هذه الصور الثلاث الخصائص الجسمانية التي كان يُعتقد أنها تمثل الطراز المميَّز لأفراد كل جنس من هذه الأجناس.                                                               الخصائص القوقازية كان يُعتقد أنها تشمل: بشرة شقراء، وشعرا ناعما فاتح اللون - إما مُرسلاً أو متوجًا. وكذلك كان يُظن أن زرقة العينين ودقة الأنف ورقة 

الشفتين من الخصائص القوقازية.

الخصائص الزنجية كان يُعتقد أنها تشمل: بشرة لونها بني قاتم أو أسود، وشعرًا خشنًا جعدًا أسود اللون. وكذلك كان يُظن أن العينين البنيتين والأنف العريض والشفتين الغليظتين من الخصائص الزنجية.

الخصائص المغولية كان يُعتقد أنها تشمل: بشرة صفراء، وشعرًا خشنًا مرسلا  أسود اللون. وكذلك كان يُظن أن وجود ثنية من الجلد تمتد عبر الركن الداخلي للعين من الخصائص المغولية.

وقد أدَّت الحقبة الرئيسة للكشوف الأوروبية فيما وراء البحار، والتي بدأت في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، إلى زيادة الاتصال بأقوام من حضارات شتَّى، حتى أصبح من الواضح في القرن التاسع عشر الميلادي أنه ليس من اليسير إلحاق معظم سكان العالم بنظام الأجناس الثلاثة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة

 والثلاثون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :"وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ 

وَأَلْوَانِكُمْ"

وكان يُعتقد أن الأجناس الجغرافية قد وجدت بسبب الانعزال الناجم عن المحيطات والجبال والصحاري.وابتدع بعض علماء الإنسان في الخمسينيات من القرن العشرين نظامًا جديدًا لتصنيف الأجناس، وذلك في محاولتهم التوفيق بين نظرية التطوّر والتباين المشاهد بين العشائر البشرية في العالم الحديث، حيث قسَّموا البشر أقسامًا رئيسة، أسموها أجناسًا جغرافية، وكانت هذه الأجناس مجموعات من العشائر التي تسودها مميِّزات متشابهة. وقد اعتمد نظام شائع الاستخدام من تلك الأنظمة تسعة أجناس جغرافية: 1-الأسترالي 2-الآسيوي3- الإفريقي 4-الأوروبي 5-البولينيزي 6-الميلانيزي 7-الميكرونيزي 8-

الهندي 9-الهندي الأمريكي.

ويمكن القول إن تلك الأجناس الجغرافية كانت تنتشر على امتداد مساحات قارية رئيسة وسلاسل جزرية كبرى، ولكنها لم تناظر القارات مناظرة دقيقة. 

فعلى سبيل المثال، شمل الجنس الجغرافي الأوروبي ، عشائر منتشرة في أوروبا، وفي الشرق الأوسط، وشمالي الصحراء الكبرى في إفريقيا، كما شمل أيضًا أقوامًا منحدرة من تلك العشائر في مناطق أخرى من العالم مثل البيض في أمريكا الشمالية وفي أستراليا.

دور لون البشرة في تصنيف الأجناس: وفقًا لنظرية الأجناس الجغرافية، ينتمي الأفراد في الصف العلوي من الصور إلى الجنس الأوروبي، في حين ينتمي الأفراد في الصف السفلي إلى الجنس الإفريقي. بيد أن لون البشرة يتباين تباينًا واسعًا في كل من هاتين المجموعتين

وكان من المعتقد أن الأجناس الجغرافية قد نشأت بسبب الانعزال الناجم من الحواجز الطبيعية مثل المحيطات والجبال والصحارى. واعتمد هذا الرأي على أن هذه الحواجز قد فصلت جماعات من البشر بعضها عن بعض آلافًا عديدة من السنين، وهذا جعل العشائر تتطور في اتجاهات مختلفة. وقد استخدم علماء علم الإنسان مصطلح الأجناس المحلية لوصف الأقسام الفرعية المتميزة من الأجناس الجغرافية. وكان بعض تلك الأجناس المحلية يضم ملايين الأفراد، في حين كان بعضها الآخر يضم جماعات قليلة العدد. وقد استخدم بعض علماء علم الإنسان مصطلح الجُنيْسات أو الأجناس الصغرى للأقسام الفرعية من العشائر التي تعيش في داخل الأجناس المحلية. وقد مثَّل هذا النظام التصنيفي المفصَّل والموسَّع تغييرا جوهريًا في النظرة إلى الأجناس البشرية.

ومؤخرا ظهرت بدائل للتصنيف الجنسي (العرقي)، حيث أقام العلماء التصنيف الجنسي في الماضي على أساس مجموعات من الخصائص الجسمانية كان يفترض أنها تمثل الفرد النموذجي من كل جنس. ولكن كثيرًا من الأفراد الذين كانوا يُصنفون في جنس ما لم تظهر فيهم جميع الخصائص التي كانت تُنسب إلى ذلك الجنس. هذا فضلاً عن أن العلماء الذين أقاموا نظم التصنيف لم يتفقوا دائمًا على ماهية الخصائص التي ينبغي عليهم الاعتداد بها ولا على عددها.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الأربعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

"وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ"

وكذلك كان الرومان يعتقدون كما يعتقدُ اليونان أنهم سادةُ العالم، وأن غيرهم بَرابِرة خَدَمٌ لهم، وكانت قوانينهم تُقر الرِّق، وتُعامل الرَّقيق على أنه متاعٌ، مُدَّعين أن استعباده رحمة به من القتل الذي تتعرض له الحيوانات، وإلى جانب الاسترقاق بالحروب كانوا يَسْتَرقون الفقير إذا عجز عن أداء الدَّيْن، ولم تكن للرقيق حقوق قانونية ولا مدنية، ولا يستطيع أن يُقاضي سَيِّده أو يتظلم من سوء مُعاملته، بل كان لسيِّده الحقُّ في قتله دون مُجازاة، ولم يُخفف من حِدة هذه المُعاملة الدِّين المسيحي الذي اعتنقه الرومان بعد.

وادَّعى اليهود أنهم شعب الله المُختار، وأن الإله الذي يعبدونه لا ينبغي أن يكون معبودًا لغيرهم من الناس الذين كانوا يُطلقون عليهم أُميين، قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤه) ، فكان ردُّ الله عليهم أنهم كغيرهم من خَلْقِه لا يفْضُل أحد على أحد إلا بالعمل فقال تعالى: (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبْكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) (المائدة:18) وكانوا يعتقدون أن غيرهم من الأميين ليست لهم حقوق كحقوقهم، كما حكى الله عنهم بقوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الُأمِّيِّين سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبََ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:75) وكانوا يُبيحون استرقاق من عَداهم عند العَجْزِ عن الوفاء بالدَّيْن، ومَا يزال شعور التَّعالي والتعصُّب العنصري موجودًا لديهم حتى الآن، وكانت قِمته هي الصهيونية بمظاهرها وأساليبها المعروفة التي تتنافى مع الكرامة الإنسانية.

وعلى الرغم من إصدار القرارات ضد التفرقة العُنْصرية في المؤتمرات الدولية المتعاقبة منذ مطلع القرن التاسع عشر، كان آخرها اتفاق عُصْبة الأمم سنة 1926م، الذي وقَّعه ثمانٍ وثلاثون دولة، وعلى الرغم من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أعلنته الأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر سنة 1948م فإن التفرقة العُنصرية مازالت تُمارس في بعض الدول المعاصرة ومن أبرز مظاهرها ما يوجد في أمريكا وجنوب أفريقيا.

ففي الولايات المتحدة الأمريكية الآن حوالي عشرين مليونًا من الملونين، يقطُن أكثرهم في الولايات الجنوبية، وقد قامت حرب أهلية بين الشمال والجنوب 

من سنة 1860م إلى سنة 1865م بزعامة (لنكولن) صاحب فكرة تحرير العبيد، وقد قُتل بيد عنصري مُتعصب يسمى (بوث) في 14 من أبريل سنة1865م ، وكان الجنوب مُصرًا على الإبقاء على التفرقة العنصرية لضمان استخدام الرقيق في مزارعه، وكان الشمال يُصرُّ على تحريره ليتمكن من الهجرة إلى الشمال ويعمل في مصانعه، ومن هنا يعرف أن الهدف من هذه الحرب كان اقتصاديًا استغلاليًا وليس ثورة على الكرامة الإنسانية.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والأربعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

"وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ"

وإذا كانت الحرب قد انتهت بتقرير المساواة فإن التفرقة ما زالت تُمارس عمليًا ومنصوصًا عليها في قوانين بعض الولايات ففي دستور ولاية (مسيسبي) في الفصل الثامن في التربية والتعليم (مادة 207) : "يراعى في هذا الحقل أن يفصل بين أطفال الزنوج، فتكون لكلِّ فريق مدارسه الخاصة" وفي الفصل الرابع عشر (أحكام عامة) مادة 263: "أن زواج شخص أبيض من شخص زِنْجِي يُعد غير شرعي وباطلاً"، بل جاء في قانون هذه الولاية: "أنَّ الذي يُطالب بالمساواة الاجتماعية والتزاوج بين البيض والسود، بالطبع أو النشر أو أية وسيلة، يُعتبر عمله جُرمًا يُعَاقِب عليه القانون".

وهذه التشريعات تُطبق في عدة ولايات أمريكية، كما جاء في تقرير قُدِّم إلى الأمم المتحدة سنة 1947، تحت عنوان (نداء إلى العالم).

على أن الكنيسة نفسها شاركت في إقرار هذا الظلم، فإنَّ للزنوج كنائس خاصة،

 ولا يصحُّ لهم أن يعبدوا ربَّهم في كنائس البيض مع أن الذي خلقهم جميعًا واحد وهو الله سبحانه.  وقد تأسست في الجنوب جمعية (كلوكلوكس كلان ) لإرهاب المُلونين، وانتشرت في جميع أنحاء الولايات المُتحدة، وهي قائمة على أنقاض جمعية لإرهاب الكاثوليك ومَنْع هجرتهم.

  التفرقة العنصرية بين البيض والسود داخل الولايات المتحدة الأمريكية في استخدام المرافق وتوفير الخدمات

وفي جنوب أفريقيا طبقت سياسة الأبارتيد أي التفرقة العنصرية بشكل رسمي 

بجنوب أفريقيا، حيث لم يكن مسموحًا للسود بالعمل إلا في أعمال محددة ومنعوا من حق الانتخاب وحق الملكية إضافة إلى انعدام المساواة بينهم وبين البيض في تقاضي الأجور إضافة إلي عزلهم في المساكن وأماكن العمل والمدارس. وتم توسيع سياسة التمييز العنصري في البلاد، فحكم الأربعة ملايين من العناصر البيضاء بقية السكان من غير البيض والذين قدر عددهم بحوالي 29 مليون، وسلكت الحكومة البيضاء سياسة عزل الأفارقة السود في مناطق خاصة بهم، وتوفير الخدمات العامة لهم كالتعليم والصحة بمعزل عن البيض.

فلسفة الإسلام في رفْضه للتفرقة العُنصرية:

روى الترمذي عن أبي موسى الأشعري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك".

وعلى ذلك فتفاضل الناس إنما يقوم على التقوى وتمايزهم إنما يكون بالعمل الصالح، قال تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"(الحجرات:13)،قال ابن كثير-رحمه الله-"يقول تعالى مخبراً للناس أنه خلقهم من نفس واحدة وجعل منها زوجها, وهما آدم وحواء, وجعلهم شعوباً وهي أعم من القبائل, وبعد القبائل مراتب أخر كالفصائل والعشائر والعمائر والأفخاذ وغير ذلك...وقوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} أي إنما تتفاضلون عند الله تعالى بالتقوى لا بالأحساب، وقد وردت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال مسلم رحمه الله: حدثنا عمرو الناقد, حدثنا كثير بن هشام, حدثنا جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن أبي هلال عن بكر عن أبي ذر رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله»".

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والأربعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

"وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ"

وتتمثل أهم معالم فلسفة الإسلام في نظرته إلى الإنسان ونبذ التفرقة القائمة على

 العرق في التالي:

(أ‌)  قرَّر الإسلام أيضًا أننا مَوْلُودون من أب واحد هو آدم، فنسبنا جميعًا واحدٌ، ونحن إخوة في هذه الأسرة الإنسانية الواسعة، وإذا كان لبعض أفرادها نوع امتياز بلوْن أو شكل أو نشاط فذلك لا يغض من قيمته في أنه يشكِّل ركنًا أساسيًا في تآلف هذه المجموعة وتضامنها في عمارة الكون وتحقيق الخلافة في الأرض، كما يُعَبِّر بعض الكاتبين عن ذلك بقوله: الإنسانية كلُّها حديقة كبيرة تختلف ألوان أزهارها وما يفوح منها من عِطر دون أن يكون للون أو رائحة انفصال عن الآخر في إبراز بهجة هذه الحديقة، قال تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنَهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وِالأرْحَامَ" (النساء:1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله أذهب عنكم عَيْبَة الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مُؤمن تقي، وفاجر شقي، الناس بنو آدم، وآدم خُلق من تراب" رواه أبو داود والترمذي وحسنه.

(ب‌)  قرَّر الإسلام أن الناس جميعًا مخلوقون لخالق واحد هو الله سبحانه، فمبدؤهم منه خَلْقًا، ونهايتهم إليه بعثًا وحسابًا "فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (يس:83) "اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَل مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيءٍ"(الروم:40) ، فهو وحده المُحيي والرازق والمُمِيت والمُعيد للنشور، وكلُّنا مدينون له بهذا كلِّه وليس له شريك فيه، سواء أقرَّ بذلك المؤمنون أم جحد المُلحدون، ومن هنا لا يكون لأحد منَّا فضل على الآخر في هذه النواحي الجامعة لمسيرة الحياة من مبدئها إلى منتهاها وما يجري بينهما.

(ت‌)  جعل الإسلام الناس مُوزعين إلى مجموعات نِسْبية على الرغم من اتفاقهم في هذه الأصول؛ وذلك ليتميز بعضهم عن بعض، ولتعرَف الحقوق وتُحدَّد الواجبات، ويسهل تنظيم أمر الجماعة، فهذا الإجراء تنظيمي بَحْت لا يمس جوهر المساواة الحقيقية في الأصول المذكورة، وهذا التوزيع نِعمة من نعم الله؛ لأنه مُقْتضى النظام، والنظام تستريح له النفس ويطمئن إليه القلب، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)الحجرات:13).

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والأربعون

 بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

"وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ" (فلسفة الإسلام في نظرته إلى الإنسان)

(ث‌) جعل الإسلام هناك تفاوتًا في المُعاملة بين البشر لا على الجِنس أو اللون أو اللسان بل على أساس الكمالات النفسية والأخلاق الطيبة والعمل 

الصالح القائم على الإيمان بالله، فالطبيعة البشرية واحدة، وإن كان هناك اختلافٌ فهو لأمور عارضة كتأثير البيئة ، وعدم إتاحة الفرصة للبعض أن يكمل نفسه، وحارب الإسلام أن يكون هناك تفاوت في المعاملة على غير هذا الأساس، كما تدلُّ عليه آية الحُجرات السابقة، وحديث "من بَطَّأ به عمله لم يُسْرِع به نَسَبُه" رواه مسلم، وحديث "ليس منَّا من قاتل على عَصبية وليس منا من مات على عصبية" رواه أبو داود وحديث "الناس معادِن خِيَارُهُم فِي الجاهلية خِيَارهُم في الإسلام إذا فَقِهوا" رواه البخاري ومسلم.

ويظهر موقف الإسلام جليًا في محاربته للتفرقة العُنصرية في تشريعه الحَكيم لإبطال الرِّق يتمثل في ثلاث إجراءات رئيسة وهي:

(أ‌)     تضييق باب الرِّق الذي كان مُتسعًا جدًا قبل الإسلام، من حَرب وخَطْف وشراء وغير ذلك، وحَصْره في مورد واحدٍ هو الأسْر في الحروب المشروعة إذا رأى الإمام أن يضرب الرِّق على الأسرى، والأسْر مبدأ معمولٌ به قديمًا وحديثًا، وله أثره عند التصالح وتبادل الأسرى، ولم يكن الشراء طريقًا؛ لامتلاك الرقيق إلا في عهد معاوية، كما قال المُحققون.

(ب‌) فتح الأبواب الواسعة لتحرير الرقيق، وإيجاد مَنافذ كثيرة للانطلاق من الرِّق إلى الحُرية، فحثَّت النصوص على العِتق في كثير من الأحاديث، وجعلته كفارة لكثير من الأخطاء، كالقتل الخطأ والإفطار في رمضان والحِنث في اليمين والظِّهار وشجَّع على مُكاتبة الرقيق وتيسير دفع ما يلزمه، وأباح التسري بالإماء دون تحديد بعدد، وليس هذا إطلاقًا للمُتعة الجنسية بل للحصول على حرية الإماء إذا حَمَلْنَ من السادة وولدْن، فإنهن يُعْتَقن بعد موتهم، وكذلك ليسري الدم العربي إلى غيره من الأجناس الأخرى التي كان منها الأسرى.

(ت‌)  الأمر بالإحسان إلى الرقيق حتى تحين الفرصة لعِتقهم، والوصايا في ذلك كثيرة يكفي منها مُراعاة شعوره، فلا يُقال له: عبدي أو أمَتي، بل يُقال فَتاي وفتاتي، كما رواه مسلم، وإكرامه في مَطْعمه ومَلْبسه، كما في الحديث "هُم إخوانكم وخَوْلكم جعلهم الله تحت أيديكُم، فمن كان أخوه تحت يده فليطْعمه مما يأكل، ويلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعيونهم" رواه البخاري ومسلم، وعندما سمع النبي أبا ذر يُعيِّر رجلاً بأمه السوداء قال له: 

"إنك امرؤ فيك جاهلية" .

وهكذا يضرب الإسلام أروعَ الأمثلة في تكريم الإنسان احتراماً لآدميته، وصدق الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ قال: متى استبعدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟.   وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

قائمة المراجع:

(1) مجلة التوحيد، اللجنة العلمية، رسولنا الذي لم يعرفوه ،مجلة التوحيد ، العدد 410 ، 1427 هـ .(2) مجلة اليقظة الكويتية.

(3)www.greenline.com.kw/Journals/meshkat.doc       (4)http://ar.marefa.org

(5)http://www.islamonline.net       (6)http://ar.wikipedia.org

[الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي في القرآن علوم الطب و الحياة وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ - الأستاذ الدكتور/ كارم السيد غنيم ، بقلم/صبحي رمضان فرج - مدرس مساعد-كلية الآداب-جامعة المنوفية-جمهورية مصر العربية]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والأربعون

 بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* قيمة الجمال في القرآن الكريم

الجمال ثالث ثلاثة من القيم التي شغلت الفكر البشري منذ بدأت المسيرة الإنسانية على ظهر الأرض لتحقق الرسالة التي من أجلها خلق الله الإنسان، وهي العبودية الخالصة لله وحده، هذه القيم الثلاثة هي: الحق والخير والجمال.                                                                                   وكان تناول الفكر الإنساني لها وهو بمعزل عن الدين الحقّ منذ فجر الفلسفة اليونانية حتى عصرنا الحاضر مثيراً، مضطرباً، متناقضاً، هزيلاً، تحوّلت معه هذه القيم الثابتة على يديه إلى قضايا نسبية، وهذا شأنُ الفكر الإنساني عندما ينأى عن هداية الدين الحقّ،إذ يتخبّط في غياهب الوهم،ويضلّ بوادي الظنون.

والجمال له جانبان: حسّي ومعنوي، وقد أخفق الفكر الإنساني تماماً في وضع مقاييس ثابتة لكليهما.

لكنّ الذِكر الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يتناول هذه 

القيمة تناولاً محكماً، سديداً، راشداً، ، يجعلها تسهم في سموّ المجتمع البشري، ودفعه إلى تحقيق رسالته الكريمة. ولقد ورد لفظ "جميل" و"جمال" في ثماني آيات من القرآن الكريم، منها موضع واحد عن الجمال الحسّي.

وتحدَّث في المواضع السبعة الباقية عن الجمال المعنوي والخُلُقي.

الجمال الحسّي ظاهر في كلّ مخلوق متناسق، لا عوج في خلقه، ولا اضطراب، ولا تشويه، والله تبارك وتعالى خلق الكون بما فيه ومن فيه على أكمل صورة، وأجملها، وأسماها، وقدّم الله تبارك وتعالى ظواهر هذا الكون الجميل في الكتاب

 العزيز شواهد على قدرته، ودلائل على ربوبيته، وآيات ناطقة بتوحيده.

يقول تبارك وتعالى في الحديث عن الأنعام وما فيها من جمال ومتاع: {ولكُم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون} (النحل:6)، وهذه الآية تقدّم صورة للجمال عندما تحسّ به النفس الإنسانية فيملأ جوانبها سعادة ومسرّة، والجميل في الآية أنّها تقدّم الرواح على السروح، مع أنّ الواقع عكس ذلك؛ وكان هذا لأنّ الإحساس بالجمال والمتعة بالأنعام عندما تعود من المرعى ممتلئة شبعى أكثر من الإحساس بها وهي ذاهبة غرثى. وهذه هي الآية الوحيدة التي تتحدّث عن الجمال الحسّي بلفظ الجمال الصريح. وهُناك آيات أخرى تتحدّث عن الجمال في الكون بغير لفظه.

من ذلك حديث القرآن الكريم عن خلق الإنسان، إذ قال تعالى بعد أن وصف مراحل الخلق التي مرّ بها الإنسان:{ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} (المؤمنون:14)، ولا شكّ في أنّ مخلوقاً لأحسن الخالقين يكون على أرفع مستوى من الجمال والإتقان.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والأربعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* قيمة الجمال في القرآن الكريم

وهُناك آيات أُخرى تكشف عن ظواهر الجمال في خلق الإنسان، وهي تتمثّل في التسوية، والتعديل، والتقويم، فيقول تعالى:{يا أيُّهَا الإنسانُ ما غرّك بربِّك الكَريم* الذي خلقك فسوَّاك فعدلك* في أيّ صورة ما شاء ركّبك} (الانفطار:6ـ8)، ويقول جلّ وعَلا: {لّقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ في أحسَنِ تَقْوِيم}(التين:4).

وفي حديثٍ عن الجمال في السموات والأرض يقول سبحانه: {بديعُ السَّمواتِ والأرضِ} (الأنعام:101}، ومعنى هذا تأكيد جوانب الإبداع في أنحاء الكون الكبير.

وفي موطن آخر يقدّم القرآن صوراً بديعة من جمال الكون، بُرهاناً على البعث، فيقول تعالى: {أفَلَم ينظُروا إلى السَّماء فَوقَهم كَيفَ بَنينَاهَا وزَيّناهَا وما لها من فروج* والأرضَ مددناها وألقينا فيها رَواسِى وأنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوجٍ بَهِيج* تَبصرةً وذِكرَى لِكلِّ عَبدٍ مُنيب* ونَزّلنَا مِنْ السَّمَاء مَاء مُبَارَكَاً فَأنْبَتْنَا بِه جَنّاتٍ وحَبّ الحَصِيد* والنَّخلَ بَاسِقَات لَهَا طَلعٌ نَضِيد* رِزقَاً للعِبادِ وأحْيَيْنَا بِه بَلدةً ميتاً كذلك الخروج} (ق:6ـ11).

فنلمح من مظاهر الجمال التي أبرزتها الآيات كلمة: {وزيّناها} ممَّا يجعل الزينة ـ وهي من أبرز عناصر الجمال ـ عنصراً في بناء الكون، وكذا قوله تعالى:  {وما لها من فروج}، والاتساق والتكامل من مظاهر الجمال، وكذا قوله تعالى:{من كل زوج بهيج} ـ {حبّ الحصيد} ـ {والنخيل باسقات} ـ {طلع نضيد}، وهذه العبارات كُلها تصوّر أنماطاً من الجمال لها مغزاها الكبير.

وهذه الصّور الجمالية في الكون العظيم تردّدت في عدّة آيات، منها قوله تعالي: {الذي خَلَقَ سَبعَ سَمواتٍ طِباقَاً مَا تَرَى في خَلقِ الرَّحْمَنِ من تَفاوُت فارجِع البَصَرَ هَل تَرَى مِنْ فُطُور* ثم ارجِعِ البَصرَ كرَّتين يَنقلِبُ إليكَ البَصُرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِير* ولقد زيّنا السماء الدُّنيا بمَصابيحَ وجَعلنَاها رُجُومَاً للشياطين} (الملك3ـ5). فتناسقُ الخَلقِ، والتنائي عن العَيب، مظهرٌ أصيلٌ للجمال، وتزيين السماء بالنجوم يجعل الجمال هدفاً في الخلق، أشارت إليه الآيات من سورة ق، وأوضحته الآيات من سورة المُلك، كما ذكرته أيضاً هذه الآية: {إنّا زينّا السماء الدنيا بزينة الكواكب* وحفظاً من كل شيطان مارد} (الصافات:6،7).

ومن جمال الحياة الثياب؛ يلبسها الإنسان فتستره وتُجمّله، يقول تعالى: {يا بَنِي آدم قد أنزلنا عليكم لِبَاسَاً يُوارِي سُوءاتِكُم ورِيشَاً ولباسُ التَقوَى ذَلك خيرٌ} (الأعراف:26). وهكذا تختم هذه الآية بما يؤكِّد النّظرَة الإسلامية للجَمال، وهي أنّ الجمال المعنوي والنفسي الماثل في الاستمساك بمنهج الدين أولى بالاعتبار، وأجدر بالحرص عليه والأخذ به.

ومع أنّ المنهج الإسلامي يؤثر الجمال المعنوي، وجمال الحياة الباقية، لكنّه يرعى حاجات الإنسان ومطالبه الغالبة في الدُّنيا، بل يغريه بقضائها إغراءاً مُلحّاً في إطار الطيِّب والحلال الذي يزيد الجميل جمالاً؛ فيقول:{يا بني آدم خُذُوا زِينَتكِم عند كُلِّ مَسجدٍ وكُلُوا واشرَبُوا ولا تُسرفُوا إنّه لا يُحبُّ المُسرفين. قُل مَن حرّم زينةَ اللهِ التي أخرجَ لعبادِهِ والطَيِّبَاتِ مِن الرِزق قُل هِي للذين آمنُوا في الحياةِ الدُّنيا خَالِصَةً يومَ القيامة...} (الأعراف:31،32). إنّ البيان القرآني يعرض الجمال عنصراً 

أساسياً في بناء الكون، ودعامة من دعامات الدين الحقّ وشريعته السمحة.

والنفس الإنسانية الكاملة بإيمانها الصحيح ترى الجمال صفة جوهرية فيها، تنطلق منها إلى آفاق السموّ والكمال البشري.

وهذا يدفعنا إلى تدبّر ما قاله القرآن الكريم في مجال الجمال المعنوي، لقد جاء الجمال المعنوي في القرآن الكريم مقروناً بأنماط شتّى من السلوك البشري، وقد نعجب لبعضها! ما لها وللجمال حتى تقترن به؟! إنّها من ألوان السلوك غير المستحب، ومن أنواع الحلال البغيض عند الله الذي شرعه ليتيسّر للحياة أسباب الجمال!

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والأربعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*لقد اقترن الجمال بالصبر، واقترن بالصفح.

واقترن بسراح المرأة من عصمة الزوجية، واقترن بالهجر.

إنّ الصبرَ من أعظم الصفات التي تزداد بها النفس جمالاً وكمالاً، والصبر الجميل 

هو الذي تزدان النفس فيه باليقين والثقة، وتمتلئ بالأمل، ويغمرها بالرجاء في 

الله، وتكون بمنأى عن الجزع والسخط على القضاء.

وجاء الحديث عن الصبر الجميل في موضعين، كلاهما في سورة يوسف، أولهما: على لسان يعقوب عليه السلام، وقد جاءه أبناؤه يخبرونه بأنّ يوسف أكله الذئب، وبرهنوا على قولهم بدمٍّ كذب على قميصه، وبرغم الفاجعة الرهيبة على قلب الأب المؤمن واجه الأمر بأناة بالغة، وثقة عظيمة، جعلته يحسّ أنّ الأمر على غير ما صوّر أبناؤه، وتذرّع بالصبر الجميل، يقول تعالى على لسانه: {قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبرٌجميلٌ والله المستعان على ما تصفون} (يوسف:18).

وثانيهما: على لسان يعقوب أيضاً، عندما جاءه نبأ احتجاز ابنه الثاني في سجن

 العزيز بمصر، وبرُغم تتابع المحنة، وعمقها في وجدان الشيخ الرسول، لكن مايزال للصبر الجميل الغلبة على مشاعره، فقال: {بل سوّلت لكم أنفسُكم أمراً فصبرٌ جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً إنّه هو العليم الحكيم} (يوسف:83}.

ويقترن الجمال بالصفح، وهو من أسمى الصفات، إذ هو يعني التغاضي عن إساءات الآخرين. وقد طلبه الله تبارك وتعالى من نبيّه في مواجهة المُعرضين المُكذّبين من قومه، مُبيّناً له أنّه صاحب رسالة مُهمّتها الهداية، وعقاب الضّالين مرجعه لرب العالمين،والساعة آتية لاريب فيها، فقال تعالى: {وما خَلَقنَا السَّمواتِ والأرضَ ومَا بَينهما إلاَّ بالحقِّ وإنّ السَّـاعةَ لآتيةٌ فاصفَحِ الصَّفـحَ الجميل} (الحجر:85}.

والصَّفحُ في حدِّ ذاتِه جَميل، وعندما يتّصف بالجمال يكون صفحاً لوجه الله، لا يجعله صاحبه حديثاً يُذكر به بين النَّاس.

وقد نقول: إنّ الجمال في الصبر والصفح قد يكون مألوفاً. لكن ماذا نقول في جمال الهجر وجمال السرح، وهُما لونان من المقاطعة؟! إنّ القرآن بهذا يُعطى بُعداً جديداً للسلوك الإنساني، وأنَّ الجمال مطلوب ومرغوب حتى في السلوك الذي لايخلو من ألم ومُعاناة. لقد أساء المشركون إلى الرسول الكريم، وأمر الله في معاملتهم بالهجر مع الصبر، والهجر قد يتنافى مع مُهمّة الداعية، لكن الهجر الذي أمر الله به نبيّه الهجر الجميل الذي يُشعر المهجور بسوء تصرّفه، وضلال سعيه مع استبقاء البرّ به والودّ له، فقال تعالي:{واصبر على مايقولون واهجرهم هجراً جميلاً} (المزمل:10) .

وسراح المرأة: أن تكون في حلّ من رابطة الزوجية، فهو الطلاق، وهو أبغض الحلال إلى الله، لكنَّه مع وقعه الأليم على النفس عندما يقترن بالجمال نحصل على ثمراته، وننأى عن سوءاته، ويَجْمُل السراح عندما تفارق المرأة بيت الزوجية من غير غبن، أو قهر، أو انتقاص للحقوق، بعيداً عن البغي والعدوان.

وذُكرَ السراحُ الجميل مرَّتين في مُحكم التنزيل، وكلتاهما في سورة الأحزاب،

 أولاهما: في تخيير النبي لزوجاته عندما سألنه التوسعة في النفقة، فقال ربُّ العالمين لنبيّه: {يا أيها النبي قُلْ لأزواجِكَ إن كُنتنّ تُردنَ الحياةَ الدُّنيا وزينتَها فتَعالَين أُمتِعُكن وأسرّحكم سراحاً جميلاً} (الأحزاب:28) .

وثانيتهما: مطالبة الأزواج الذين يطلّقون الزوجات قبل الدخول، بأن يمتّعوا الزوجات، والمُتعة كسوة ملائمة لمكانة المرأة ومستواها الاجتماعي، ثم السراح الجميل دون بغي على الحقوق، وتعقب بالإساءة، فقال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسّوهن فمالكم عليهن من عدّة تعتدّونها فمتِعوهُن وسرِّحوهُن سَراحَاً جَمِيلاً} (الأحزاب:49).

هذا هو حديث الجمال في القرآن الكريم، يُعطى مقاييس ثابتة راشدة للجمال المادي، كما يُعطى أبعاداً جديدة للجمال المعنوي، بحيث يتحرّاه الإنسان في إقباله وإعراضه، في حبّه وكراهيته، في ثوابه وعقابه، في منحه ومنعه. والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

المراجع :1ـ تفسير القرآن العظيم. لابن كثير، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، بدون تاريخ.2ـ في ظلال القرأن. لسيد قطب، الطبعة الثانية، 3ـ المعجزة الكبرى:القرآن. لمحمد أبوزهرة، دار الفكر العربي، القاهرة.4ـ المفردات في غريب القرآن. لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بـ"الراغب الأصفهاني"، 

[  الأنترنت - موقع لها اون لاين - قيمة الجمال في القرآن الكريم -  د. صفاء الدين محمد : باحث وأستاذ بجامعة الأزهر.]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والأربعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الجمال والقبح في ضوء القران الكريم يدل على عظمة خلق الله

المتأمل في القرآن الكريم يجد أن الله تعالى يصف في كتابه العزيز جميع ما صنعه

 بالإتقان فيقول:{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}(النمل:88), كما يضفي على

 جميع ما خلق وصف الإحسان, فيقول: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} (السجدة:7).

وفي موضع ثالث يتحدى أن يثبت أحد أن في أي خلق من مخلوقاته خللًا أو اضطرابًا فيقول سبحانه: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ. ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} (الملك:3-4).

ومن مظاهر الإتقان والإحسان التي عمَت جميع المخلوقات يذكرنا ربنا بنعمة

 الجمال التي أوجد عليها بني الإنسان, فيقول: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (التغابن:3), ويقول في موضع آخر: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ. الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ. فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}(الانفطار:6-8).

وقد أفاض العلماء في ذكر مظاهر هذا الجمال في خلق الإنسان, ومن هؤلاء الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه (مفتاح دار السعادة), ومن بين ما قاله: 

"فانظر كيف حسَن شكل العينين وهيئتهما ومقدارهما, ثم جملهما بالأجفان غطاء

 لهما وسترًا وحفظًا وزينة.. ثم غرس في أطراف تلك الأجفان الأهداب جمالًا وزينة ومنافع أخر وراء الجمال والزينة... ونصب سبحانه قصبة الأنف في الوجه فأحسن شكله وهيأته... وكان وجود أنفين شيئًا ظاهرًا, فنصب فيه أنفًا واحدًا, وجعل فيه منفذين, وحجز بينهما بحاجز يجري مجرى تعدد العينين والأذنين في المنفعة وهو واحد, فتبارك الله رب العالمين, وأحسن الخالقين.

وزين سبحانه الفم بما فيه من الأسنان التي هي جمال وزينة, ورتب صفوفها متساوية الرؤوس, متناسقة الترتيب, كأنها الدر المنظوم بياضًا وصفاء وحسنًا... وزين سبحانه الرأس بالشعر, وزين الوجه بما أنبت فيه من الشعور المختلفة الأشكال والمقادير, فزينه بالحاجبين, وجعلهما وقاية لما ينحدر من بشرة الرأس إلى العينين, وقوسهما, وأحسن خطهما, وزين الوجه أيضًا باللحية, وجعلها كمالًا ووقارًا ومهابة للرجل, وزين الشفتين بما أنبت فوقهما من الشارب وتحتهما من العنفقة". أ.ه بتصرف يسير.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والأربعون

 بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الجمال والقبح في ضوء القران الكريم يدل على عظمة خلق الله

إن الله جمَل الإنسان –إضافة إلى ما ذكره الإمام ابن القيم- بقوامه المعتدل, الذي يتماثل يمينه مع شماله بلا اعوجاج أو انحراف, كما جمله بالسير على قدميه, والأكل بيديه, والتناسق والانسجام بين كل أعضائه, بحيث لا يتخيل أن يكون شكل الإنسان أفضل مما هو عليه, وصدق الله العظيم {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}(التين:4).

ولئن كان الجمال البدني منحة إلهية يتمتع بها بنو آدم –مع اختلاف بينهم بنسب 

متفاوتة- فإنه ليس محلًا لنظر الله تبارك وتعالى, وليس مناطًا لتكريم إنسان عن آخر لكون حظه من الجمال أوفر, أو قدره من الحسن أكثر, ففي الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ" وفي رواية أخرى لمسلم أيضًا: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ".

إن الإنسان إذا تأمل بعين البصيرة في جمال بدنه وحسن صورته سيدرك أنه لا دخل له في اختياره مطلقًا, كما أنه سرعان ما يفقد بريقه إذا كبرت سنه, أو 

ألم به مرض, وأن هذا الجمال طال به العمر أو قصر سوف ينزوي بالموت, ويتحلل الجسد إلى تراب.

ومن هنا تدعونا تعاليم الإسلام إلى حسن أبهى, وجمال أبقى, ألا وهو حسن الأخلاق, وجمال الطباع, ومبعث ذلك كله الروح, التي هي مناط التكريم, وسر التفضيل.

يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه (إحياء علوم الدين): "الخلقُ والخُلقُ عبارتان مستعملتان معًا, يقال فلان حسن الخلق والخُلق, أي: حسن الباطن والظاهر, فيراد بالخلق الصورة الظاهرة, ويراد بالخُلُق الصورة الباطنة, وذلك لأن الإنسان مركب من جسد مدرك بالبصر, ومن روح ونفس مدركة بالبصيرة, ولكل واحد منهما هيئة وصورة, إما قبيحة, وإما جميلة, فالنفس المدركة بالبصيرة أعظم قدرًا من الجسد المدرك بالبصر, ولذلك عظم الله أمرها بإضافتها إليه, إذ قال تعالى: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}(الحجر:28-29) فنبه على أن الجسد منسوب إلى الطين, والروح إلى رب العالمين, والمراد بالروح والنفس في هذا المقام واحد" أ.ه.

وصدق من قال مشيرًا إلى هذا المعنى:

يا خادم الجسم كم تشقى لخدمته           أتطلب الربح مما فيه خسران

أقبل على الروح واستكمل فضائلها         فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

وقال آخر:جمال الروح ذاك هو الجمال         تطيب به الشمائل والخلال 

            ولاتغني إذا حسنت وجوه           وفي الأجساد أرواح ثقال

             زهور الشمع فاتنة ولكن             زهور الروح ليس لها مثال

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والأربعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الجمال والقبح في ضوء القران الكريم يدل على عظمة خلق الله

إن الإنسان شخص وشخصية في وقت واحد, وشخصه هو شكله وهندامه وطوله وعرضه، وأما شخصيته فعقله ونفسه, وبقدر ما في عقله من نضج وفي نفسه من حسن يرتفع قدره أو ينخفض, ويجمل سلوكه أو يَقبح, ولن ينفع صاحب الخلق القبيح أن يكون سمته حسنًا, وخلقته سوية.

وصدق من قال: ليس الجمال بأثواب تزيننا         إن الجمال جمال العلم والأدب

كما أن صاحب الخلق العالي, والهمة الرفيعة لن يضيره أن يبتلى في بعض أعضائه بنقص أو قصور, إذا عاش ينتصر للحق, ويعمل على نشر الفضيلة, وكثيرًا ما نسمع عن محدثين وفقهاء وأدباء ومؤرخين يقال لأحدهم: الأعرج, ولأحدهم: الأعمش, ولأحدهم: الأعور....إلخ, وقد نقش كل منهم بأخلاقه السامية وهمته العالية حروفًا من نور في صفحات التاريخ, وصدق حبر الأمة وترجمان القرآن سيدنا عبد الله بن عباس وقد ابتلي بكف بصره في آخر حياته فقال:   يعيرني الأعداء والعيب فيهمو  ****** وليس بعيب أن يقال ضرير

        إذا أبصر المرء المروءة والوفا   *******فإن عمى العينين ليس يضير

وفي ضوء هذه المعاني تتجلى لنا حقيقة الجمال في حياتنا, فجمال الرجل ليس في بياض بشرته, ولا نعومة شعره, ولا في حسن هندامه, ولا في تناسق 

قوامه, وإنما جماله في رجولته العفيفة, وحرصه على الأخلاق الحميدة, ومن دعائه

 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يشير إلى ما يتزين به الإنسان ويتجمل, قوله: "اللهم زيني بالحلم, وجملني بالتقوى, وأكرمني بالعافية".

وبهذه المناسبة نُذكر بأن جمال المرأة ليس في إبدائها لزينتها, وإنما جمالها في عفتها,

 ونقاء إنسانيتها, ورفعة أخلاقها, وقد روى في هذا أن امرأة مؤمنة كانت تتمتع بالحسن سئلت عن أدوات تجميلها, فقالت: "أستخدم الصدق لشفتي, والإحسان ليدي, والقرآن لصوتي, والاستقامة لقوامي, والرحمة والشفقة لعيني, والإخلاص لله لقلبي". ونصح رجل ابنته فقال:

يا ابنتي إن أردت آية حسن    ***   وجمالًا يزين عقلًا وجسمًا

فانبذي عادة التبرج نبذًا       ***    فجمال النفوس أعلى وأسمى

يصنع الصانعون وردًا ولكن   ***  وردة الروض لا تضارع شكلًا

إن تمتع الإنسان بحسن الخلق نعمة تُذكر لله فتُشكر, ولكنها لن تغني عن الإنسان شيئًا إلا إذا ضم إليها حسن الأخلاق, وجمع ما بين جمال الصورة وجمال الحقيقة, ومن ثم سأل رسولنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربه كما أنعم عليه بحسن الخلق أن ينعم عليه بحسن الخُلق, ففي الحديث الذي رواه أحمد في مسنده: "اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي" ومن دعاء بعض السلف: "اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك".

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخمسون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الجمال والقبح في ضوء القران الكريم يدل على عظمة خلق الله

وليتذكر المسلم أن مقاييس الناس يوم القيامة –جمالًا أو قبحًا- لا تخضع لشيء مما كانوا عليه في الدنيا, وإنما مقاييس ذلك تعود إلى ما قدموه من عمل: إن خيرًا فخير, وإن شرًا فشر.

يقول رب العزة: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ 

أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ}(آل عمران:106-108).فاللهم زيّنا بزينة الإيمان بك, وجمّلنا بحسن التوكل عليك, وبيّض وجوهنا يوم نلقاك.

[ الأنترنت – موقع الجمعية الشرعية - مفاهيم قرآنية -  الجمال والقبح في ضوء القران الكريم يدل على عظمة خلق الله ]

* الحكمة من خلق الخنثى

إن الحكمة العامة من تفاوت العباد بين صحة وسقم، وغنى وفقر، وقوة وضعف، إلى غير ذلك هي الابتلاء، والامتحان، كما قال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ {الأنعام:165}، قال الخازن في لباب التأويل: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ}: يعني أنه تعالى خالف بين أحوال عباده، فجعل بعضهم فوق بعض في الخلق، والرزق، والشرف، والعقل، والقوة، والفضل، فجعل منهم الحسن والقبيح، والغني والفقير، والشريف والوضيع، والعالم والجاهل، والقوي والضعيف، وهذا التفاوت بين الخلق في الدرجات، ليس لأجل العجز، أو الجهل، أو البخل؛ فإن الله سبحانه وتعالى منزه عن صفات النقص، وإنما هو لأجل الابتلاء والامتحان، وهو قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ}: يعني يعاملكم

 معاملة المبتلي والمختبر، وهو أعلم بأحوال عباده. اهـ.

فخلق الخنثى فيه ابتلاء له هل يصبر على ما ابتلي به فيؤجر، أم يسخط على قدر الله فيؤزر، وفيه ابتلاء لغيره من أهل العافية هل يشكرون الله على العافية عندما يرونه، أم يتكبرون عليه، ويطغون بما أتاهم الله من عافية، إلى غير ذلك من أوجه الابتلاء.

فحكمة المفاوتة بين أحوال الخلق هي الحكمة نفسها من أصل الخلق، وهي 

الابتلاء والامتحان، كما قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ 

أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك: 2]، وقال: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود: 7].

ثم إننا ننبه الأخ السائل إلى أن القدر هو سر الله في خلقه، ومسائله من الدقة بمكان؛ ولذلك ضل فيها طوائف كثيرة من الخلق.  

بل يرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن الخوض في القدر، هو أصل الضلالات كلها، حيث قال: الخوض في القدر، أصل كل شبهة في العالم. اهـ.

وقال في تائيته في القدر:

وأصل ضلال الخلق من كل فرقة  *****هو الخوض في فعل الإله بعلةِ

والذي يسع المؤمن هو التسليم والإذعان بأن الله جل وعلا حكيم، لا يخلق ولا يقضي إلا ما له فيه أتم الحكمة، وله عليه أتم الحمد، وأن أفعاله سبحانه دائرة بين العدل والفضل، وأنه سبحانه لا يظلم أحدا، وأن العباد لا يحيطون بحكمته جل وعلا فيما يخلق ويقدر، فإن القدر: سر الله الذي لم يحط به علما سواه.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة 

والخمسون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* القدر هو سر الله في خلقه

   قال الإمام الطحاوي: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرج الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا، أو فكرا، أو وسوسة، فإنه تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه؛ كما قال عز وجل: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. فمن سأل لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب،

 ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين. اهـ.

والعباد وإن ظهرت لهم بعض الحكم من تقدير الله سبحانه لما هو شر في حق بعض الخلق، إلا إنهم لا يحيطون بحكمة الله جل وعلا في ذلك، كما لا يحيطون علما بذات الله سبحانه.

قال ابن تيمية: فكل ما فعله علمْنا أن له فيه حكمة، وهذا يكفينا من حيث الجملة، وإن لم نعرف التفصيل، وعدم علْمنا بتفصيل حكمته بمنزلة عدم علمنا بكيفية ذاته، وكما أن ثبوت صفات الكمال له معلوم لنا وأما كنه ـ أي حقيقة ـ ذاته فغير معلومة لنا: فلا نكذب بما علمناه ـ أي من كماله ـ ما لم نعلمه ـ أي من تفاصيل هذا الكمال ـ ، وكذلك نحن نعلم أنه حكيم فيما يفعله ويأمر به، وعدم علْمنا بالحكمة في بعض الجزئيات لا يقدح فيما علمناه من أصل حكمته، فلا نكذب بما علمناه من حكمته ما لم نعلمه من تفصيلها، ونحن نعلم أن مَن علم حذق أهل الحساب والطب والنحو، ولم يكن متصفاً بصفاتهم التي استحقوا بها أن يكونوا من أهل الحساب والطب والنحو: لم يمكنه أن يقدح فيما قالوه لعدم علمه بتوجيهه، والعباد أبعد عن معرفة الله وحكمته في خلقه من معرفة عوامهم بالحساب والطب والنحو، فاعتراضهم على حكمته، أعظم جهلاً وتكلفاً للقول بلا علم من العامي المحض، إذا قدح في الحساب والطب والنحو بغير علمٍ بشيءٍ من ذلك. اهـ من مجموع الفتاوى. والله أعلم. [الأنترنت – موقع إسلام ويب - الحكمة من خلق الخنثى ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية 

والخمسون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*وقفات قرآنية {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}

قال تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 118-119] قال ابن عجيبة: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً}، متفقين على الإيمان أو الكفران،لكن مقتضى الحكمة وجود الاختلاف...

قال تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 118-119]

قال ابن عجيبة: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً}، متفقين على الإيمان أو الكفران، لكن مقتضى الحكمة وجود الاختلاف؛ ليظهر مقتضيات الأسماء 

في عالم الشهادة؛ فاسمه: الرحيم يقتضي وجود من يستحق الكرم والرحمة، وهم: أهل الإيمان. واسمه: المنتقم والقهار يقتضي وجود من يستحق الانتقام والقهرية، وهم أهل الكفر والعصيان.

قال البيضاوي: وفيه دليل ظاهر على أن الأمر غير الإرادة، وأنه تعالى لم يرد الإيمان من كل أحد، وأن ما أراد يجب وقوعه.

{وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}؛ بعضهم على الحق، وهم أهل الرحمة والكرم؛ وبعضهم على الباطل، وهم أهل القهرية والانتقام. أو مختلفين في الأديان والملل والمذاهب، {إلَّا مَن رَّحِمَ رَبَّكَ}؛ إلا ناساً هداهم الله من فضله، فاتفقوا على ما هو أصل الدين والعمدة فيه، كالتوحيد والإيمان بجميع الرسل وبما جاؤوا به، وهم المؤمنون.

وقوله: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}؛ إن كان الضمير للناس، فالإشارة إلى الاختلاف، واللام للعاقبة، أي: ولتكون عاقبتهم الاختلاف خلقهم، وإن كان الضمير يعود على: {مَن}، فالإشارة إلى الرحمة، أي: إلا من رحم ربك وللرحمة خلقهم. {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} الأزلية على ما سبق له الشقاء، أي: نفذ قضاؤه وَوعيده في أهل الشقاء، أو هي قوله للملائكة: {لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}؛ أي من أهل العصيان منهما، لا من جميعهما [البحر المديد: (3/84)].

قال ابن عاشور: "لما كان النعي على الأمم الذين لم يقع فيهم من ينهون عن الفساد فاتبعوا الإجرام، وكان الإخبار عن إهلاكهم بأنه ليس ظلما من الله وأنهم لو كانوا مصلحين لما أُهلكوا، لما كان ذلك كله قد يثير توهم أن تعاصي الأمم عما أراد الله منهم خروج عن قبضة القدرة الإلهية أعقب ذلك بما يرفع هذا التوهم بأن الله قادر أن يجعلهم أمة واحدة متفقة على الحق مستمرة عليه كما أمرهم أن يكونوا".

ولكن الحكمة التي أقيم عليها نظام هذا العالم اقتضت أن يكون نظام عقول البشر قابلا للتطوح بهم في مسلك الضلالة أو في مسلك الهدى على مبلغ استقامة التفكير والنظر والسلامة من حجب الضلالة، وأن الله تعالى لما خلق العقول صالحة لذلك جعل منها قبول الحق بحسب الفطرة التي هي سلامة العقول من عوارض الجهالة والضلال وهي الفطرة الكاملة المشار إليها بقوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}، لم يدخرهم إرشاداً أو نصحاً بواسطة الرسل ودعاة الخير وملقنيه من أتباع الرسل، وهم أولو البقية الذين ينهون عن الفساد في الأرض.

فمن الناس مهتد وكثير منهم فاسقون ولو شاء لخلق العقول البشرية على إلهام متحد لا تعدوه كما خلق إدراك الحيوانات العجم على نظام لا تتخطاه من أول النشأة إلى انقضاء العالم، فنجد حال البعير والشاة في زمن آدم عليه السلام كحالهما في زماننا هذا، وكذلك يكون إلى انقراض العالم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة 

والخمسون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* *وقفات قرآنية {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}

فلا شك أن حكمة الله اقتضت هذا النظام في العقل الإنساني لأن ذلك أوفى بإقامة مراد الله تعالى من مساعي البشر في هذه الحياة الدنيا الزائلة المخلوطة، لينتقلوا منها إلى عالم الحياة الأبدية الخالصة إن خيرا فخير وإن شرا فشر، فلو خلق الإنسان كذلك لما كان العمل الصالح مقتضياً ثواب النعيم ولا كان الفساد مقتضياً عقاب الجحيم، فلا جرم أن الله خلق البشر على نظام من شأنه طريان الاختلاف بينهم في الأمور، ومنها أمر الصلاح والفساد في الأرض وهو أهمها وأعظمها ليتفاوت الناس في مدارج الارتقاء ويسموا إلى مراتب الزلفى فتتميز أفراد هذا النوع في كل أنحاء الحياة حتى يعد الواحد بألف: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: من الآية 37]. وهذا وجه مناسبة عطف جملة: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} على جملتي {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} ،{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [التحرير والتنوير: (11/349)].

وقال أيضاً: ومعنى كونها واحدة أن يكون البشر كلهم متفقين على اتباع دين الحق كما يدل عليه السياق، فآل المعنى إلى: لو شاء ربك لجعل الناس أهل ملة واحدة، فكانوا أمة واحدة من حيث الدين الخالص.  وفهم من شرط "لو" أن جعلهم أمة واحدة في الدين منتفية، أي منتفٍ دوامها على الوحدة في الدين وإن كانوا قد وجدوا في أول النشأة متفقين فلم يلبثوا حتى طرأ الاختلاف بين ابني آدم عليه السلام لقوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [البقرة: من الآية 213].

وقوله: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} [يونس: من الآية 19]؛ فعلم أن الناس قد اختلفوا فيما مضى فلم يكونوا أمة واحدة، ثم لا يدري هل يؤول أمرهم إلى الاتفاق في الدين فأعقب ذلك بأن الاختلاف دائم بينهم لأنه من مقتضى ما جبلت عليه العقول.

ولما أشعر الاختلاف بأنه اختلاف في الدين، وأن معناه العدول عن الحق إلى

 الباطل، لأن الحق لا يقبل التعدد والاختلاف، عقب عموم {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، باستثناء من ثبتوا على الدين الحق ولم يخالفوه بقوله: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}، أي فعصمهم من الاختلاف.

وفهم من هذا أن الاختلاف المذموم المحذر منه هو الاختلاف في أصول الدين الذي يترتب عليه اعتبار المخالف خارجاً عن الدين وإن كان يزعم أنه من متبعيه، فإذا طرأ هذا الاختلاف وجب على الأمة قصمه وبذل الوسع في إزالته من بينهم بكل وسيلة من وسائل الحق والعدل بالإرشاد والمجادلة الحسنة والمناظرة، فإن لم ينجع ذلك فبالقتال كما فعل أبو بكر رضي الله عنه في قتال العرب الذين جحدوا وجوب الزكاة، وكما فعل علي كرَم الله وجهه في قتال الحرورية الذين كفروا المسلمين. وهذه الآية تحذير شديد من ذلك الاختلاف.

وأما تعقيبه بقوله: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}، فهو تأكيد بمضمون: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}. والإشارة إلى الاختلاف المأخوذ من قوله: {مُخْتَلِفِينَ}، واللام للتعليل لأنه لما خلقهم على جبلة قاضية باختلاف الآراء والنزعات وكان مريداً لمقتضى تلك الجبلة وعالماً به كما بيناه آنفاً كان الاختلاف علة غائية لخلقهم، والعلة الغائية لا يلزمها القصر عليها بل يكفي أنها غاية الفعل، وقد تكون معها غايات كثيرة أخرى فلا ينافي ما هنا قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. لأن القصر هنالك إضافي، أي إلا بحالة أن يعبدوني لا يشركوا، والقصر الإضافي لا ينافي وجود أحوال أخرى غير ما قصد الرد عليه بالقصر كما هو بين لمن مارس أساليب البلاغة العربية.

وتقديم المعمول على عامله في قوله: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} ليس للقصر بل للاهتمام بهذه العلة، وبهذا يندفع ما يوجب الحيرة في التفسير في الجمع بين الآيتين.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة 

والخمسون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* *وقفات قرآنية {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}

ثم أعقب ذلك بقوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} لأن قوله: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}، يؤذن بأن المستثنى منه قوم مختلفون اختلافاً لا رحمة لهم فيه، فهو اختلاف مضاد للرحمة، وضد النعمة النقمة فهو اختلاف أوجب الانتقام [التحرير والتنوير: (11/350)]. 

ولذا كان من أعظم منن الله على عباده هو اجتماعهم على الحق وسيرهم عليه، قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: من الآية 103]، مع ذلك فقد أخبر تعالى أن الاختلاف لا بد من وقوعه ليميز الله الحق من الباطل، فيضل من يشاء عدلاً، ويهدي من يشاء فضلاً، فتظهر من آثار حكمته القدرية نظير ما أظهر لعباده من حكمته الشرعية، قال تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}.

فالمرحوم من عباد الله من لا يوجد الخلاف بينهم: {إِلاَّ مَن رَحِمَ رَبَّكَ}، وأعظم الاختلاف وأشده ما كان عن علم وبصيرة إذ أن مقتضى العلم الاجتماع على الحق فإذا حصل الاختلاف فلا يكون إلا ببغي وظلم ظاهر بين، قال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ . وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 4-5].

ومن هذا المنطلق فإن اختلاف أمة محمد صلى الله عليه وسلم في أمر من أمور الديانة لا يكون إلا مذموماً، قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} [آل عمران: من الآية 105]. ولولا أنه مذموم لما حذرهم منه ونهاهم عنه لاسيما وأن بيانه صلى الله عليه وسلم أكمل البيان وأظهره مما لا يجعل مجالاً للاختلاف كما قال صلى الله عليه وسلم: «تركتكم على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك» (رواه ابن ماجه). وقال ابن مسعود: "ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم طائراً يطير في السماء إلا ذكر لنا منه علماً، وهو كناية عن تمام البيان وكمال وضوحه وظهوره بحيث لم يتبق لأحد بعده حجة أو برهان". ومقتضى النهي عن الاختلاف الأمر بالاتفاق والاجتماع على الحق، قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}، [الاختلاف في أصول الدين أسبابه وأحكامه: (1/3)] 

ينبغي أن يعرف أن الإرادة في كتاب الله على نوعين: أحدهما:

(الإرادة الكونية) وهي الإرادة المستلزمة لوقوع المراد التي يقال فيها: «ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن» (رواه الترمذي وقال حسن صحيح). وهذه الإرادة في مثل قوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: من الآية 125] وقوله: {وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} [هود: من الآية 34]. وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} 

[البقرة: من الآية 253]. وقال تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف: من الآية 39] وأمثال ذلك.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة 

والخمسون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* *وقفات قرآنية {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}

وهذه الإرادة هي مدلول اللام في قوله: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}. قال السلف خلق فريقاً للاختلاف وفريقاً للرحمة، ولما كانت الرحمة هنا الإرادة وهناك كونية وقع المراد بها فقوم اختلفوا وقوم رحموا.

وأما النوع الثاني:

فهو (الإرادة الدينية الشرعية) وهي محبة المراد ورضاه ومحبة أهله والرضا عنهم وجزاهم بالحسنى كما قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: من الآية 185]. وقوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجعَلَ عَلَيكُم مِن حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعمَتَهُ عَلَيكُم لَعَلَّكُم تشكرون} [المائدة: من الآية 6]. وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا . يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 26-28] فهذه الإرادة لا تستلزم وقوع المراد إلا أن يتعلق به النوع الأول من الإرادة [دقائق التفسير الجامع لتفسير ابن تيمية: (2/529)].

قال الإمام الباقلاني: "اعلم أنه لا يجري في العالم إلا ما يريده الله تعالى، وأنه لا 

يؤمن مؤمن ولا يكفر كافر إلا بإرادة الله تعالى، ولا يخرج مراد عن مراده، كما لا يخرج مقدور عن قدرته". وقالت المعتزلة ومن وافقهم من أهل البدع: إن الله تعالى لا يريد إلا الطاعة والإيمان، فأما من كفر وعصى فقد أتى بما ليس بمراد الله تعالى. وقالوا: إن كل واحد يفعل من الأفعال ما لا يريده الله تعالى، حتى انتهى بهم القول إلى: أن البهائم تفعل أفعالاً لم يردها تعالى، وأنه لو أراد فعل غيرها منهم لم يحصل ذلك له وامتنع عليه، سبحانه وتعالى عما يشركون.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة 

والخمسون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* *وقفات قرآنية {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}

ونحن بُراء إلى الله تعالى من جهلهم وبدعهم، ونقول: "إن مذهب أهل السنة والجماعة الذي لدين الله تعالى به أنه لا يتحرك متحرك، ولا يسكن ساكن ولا يطيع طائع، ولا يعص عاص، من أعلى العلى إلى ما تحت الثرى إلا بإرادة الله تعالى، وقضائه ومشيئته".

ويدل على صحة ما قلناه الكتاب والسنة وإجماع الأمة وأدلة العقل.

فأما الكتاب: فأكثر من أن يحصى، لكن نذكر منها ما فيه الكفاية، ويدل العاقل على نظائر من أدلة الكتاب، فمن ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}. وهذه الآية أوضح دليل وأقوم حجة من وجوه عدة:

- أحدها: أنه أخبر تعالى أنه لو شاء وأراد لجعل الناس كلهم أمة واحدة على 

الإيمان أو على الكفر والضلال، وهذا خلاف قول المعتزلة، لأنهم يقولون: إنه ما

 أراد إلا كونهم أمة واحدة على الإيمان، فبطل قولهم ببعض هذه الآية.

- الثاني: أنه قال: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}، فأخبر تعالى أنه خلقهم لما أراد من اختلافهم، وأنه لم يرد أن يكونوا أمة واحدة.

- الثالث: قوله تعالى: {إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ}، فأخبر تعالى أن منهم من رحمه وأراد رحمته دون غيره، فصح أنه لا يكون من عباده ولا يجري في ملكه إلا ما أراده وقضاه وقدره [الإنصاف، الإمام الباقلاني: (1/61)]. [ الأنترنت – موقع طريق الإسلام - وقفات قرآنية {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} -  د.خالد سعد النجار ]

*دعوة للتأمل - دلائل قدرة الله

خلق الله الخالق العظيم البحار والمحيطات لتكون المتنفس لجميع الخلائق على اليابسة وجاء هذا الخلق من الخبير العليم بمقدار و بنسبة ذات حسابات دقيقة حيث تقدر المسطحات المائية بنسبة 71% بينما اليابسة 29% .

وهذه النسبة وضعها الخبير العليم بكل دقة فتلطيف درجة حرارة اليابسة يأتي من نسيم البحر نهاراً وإلا لو عكست النسبة لكانت ذات حرارة شديدة لا يمكن للإنسان أن يعيش فيها ولقد سخر الله العليم الخبير البحار وبما أشارت إليه الآية 14 في سورة النحل «وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون».

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة 

والخمسون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*صدق الله العظيم

وقد جاء أمر التسخير للبحار من الله العلي الكريم حتى تستقيم حياة أهل كوكب الأرض ونتأمل هذه الآيات التي في البحار والمحيطات حيث الآية الأولى هي الحصول على اللحم الطري وهي امن غذائي للعالم وخصوصاً بعد جنون البقر والحمى القلاعية، وبالتالي فإن الحيوانات البرية لا مكان لها في غذاء الإنسان لأنها قاتلة ولم يبق أمامه إلا اللحم الطري الذي يحصل عليه من البحار والمحيطات فيجب علينا أن نشكر الله الشكور.                                                                                 ثم تأتي الآية الثانية وهي الحصول على الحشائش التي تدخل في الكثير من الأدوية لعلاج الكثير من الأمراض التي تصيب الإنسان فيجب علينا حمد الله

 الحميد، ثم تأتي الآية الثالثة وهي الحصول على اللؤلؤ والمرجان لاستخدامهما في الزينة.

وهي تعتبر من أغلى أنواع الزينة ولا يمكن تصنيعها، فهل فكرنا في كرم الله الكريم، ثم تأتي الآية الرابعة في الحصول على خام البترول من البحار والمحيطات، وهذا البترول هو عصب الحياة في هذه الأيام إذ إن جميع أنواع النقل من سيارات إلى سفن إلى طائرات تعتمد في تحركها على خام البترول ومشتقاته وإذا نفد البترول في العالم فالكارثة أمر واقع، فهل فكرنا في نفع الله النافع لنا في جميع ما يسره من خلقه في هذه البحار والمحيطات .

والآية الخامسة هي الحصول على الطاقة الكهربائية من حركتي المد والجزر التي

 تحدث للبحار والمحيطات بفعل حركتي القمر والشمس في عظمة الله العظيم فيما خلق، ثم تأتي الآية السادسة آية نقل التجارة العالمية من خلال الإبحار في هذه البحار والمحيطات، فقد أعلنت المنظمة البحرية أن 80% من التجارة العالمية يتم نقلها عن طريق الرحلات البحرية لسهولة النقل ورخص التكاليف فهل فكرنا في علم الله العليم فقد خلق كل الآيات السالفة الذكر لسعادة 

الإنسان الذي كرمه الله الكريم بكل الخلق المحيط به.

وتأتي الآية الكبرى في أن مياه البحار والمحيطات هي الاحتياطي الاستراتيجي

 للمياه العذبة بوضع المكثفات المائية على شواطئ البحرية للمدن الساحلية، إن الآيات كثيرة ولكن لننتبه إلى الآية 70 من سورة الإسراء.

«ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا» صدق الله العظيم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة 

والخمسون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*صدق الله العظيم

كل شيء خلقه الله العظيم له قوانين تحكمه فعلى سبيل الذكر، الإنسان حينما خلقه الله تعالى وضع له قوانين وعلى رأس هذه القوانين القرآن الذي هو كتاب الله العظيم والمتعبد بتلاوته، فهو كتاب هداية واهتداء وهدية من الله الهادي إلى البشر ولقد حفظه الله من عبث البشر وبما جاء في الآية 9 من سورة الحجر «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» صدق الله العظيم، وبديهياً خلق الله العليم الخبير البحار والمحيطات قبل خلق البشر فوضع لها قانونا فيما بينها - قانون البرزخ.

- وهو القانون الأول الذي يحكم العلاقة المائية بين كل ماءين متجاورين، حيث بين ماء النهر العذب وماء البحر المالح خط فاصل من ماء متوسط بحيث لا يمكن لمياه البحر أن تطغى على مياه الأنهار، وهو ما أشارت إليه الآية 53 من سورة الفرقان « وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا» صدق الله العظيم.

وقد اكتشف حديثا فقط أي من حوالي خمسين سنة فقط هذا البرزخ القائم بين الماءين العذب والمالح، فهل فكر كفار اليوم من أين جاءت هذه الآية الكريمة والتي ذكرت منذ 1400 سنة في كتاب الله الكريم، بل إن البرزخ قائم بين البحرين أي بين بحر مالح وآخر مجاور له مالح أيضاً، ولقد جاءت البعثة العلمية في دراسة بين البحر الأحمر واتصاله ببحر العرب مع المحيط الهندي، فوجدوا انه يوجد فاصل دقيق بين كل منها.

وقالوا إن هذه الفواصل جاءت من اختلاف كثافة بحر، ولكنهم لم يقولوا انه العليم الخبير الذي خلق هذه الفواصل، ولكنهم لا يعلمون أن الله المهيمن على جميع الخلائق قد أشار إلى ذلك في كتابه الكريم في سورة الرحمن 19 و20 «مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان» صدق الله العظيم.

إنها آيات بينات في البحار والمحيطات لمن يريد أن يؤمن بالله ورسله وكتبه، وإلا فإنه سيكون من الخاسرين في الدنيا والآخرة، لقد جاء تسخير الله تعالى للبحار والمحيطات لأهل كوكب الأرض فهي لا تجف ولا تنقص وذلك من زمن قدره 4500 مليون سنة وهو العمر التقريبي لكوكب الأرض، فهل فكر الإنسان كيف يحدث ذلك، وكذلك سخر لنا الشمس التي تعطينا الحرارة والضوء دون فقد منها وهي في طاعة الله باستمرار العطاء.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة 

والخمسون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : كل مخلوق مسخر

وكذلك القمر مسخر فهو مواقيت للشهور والأيام بأوجه القمر المختلفة وبما لا تقدر عليها الشمس التي لا تعطي إلا يوما فقط، لقد سخر الله العلي القدير ما في السموات والأرض جميعا لسعادة وهناء الإنسان وبما جاء في الآية 20 من سورة لقمان «الم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ 

عليكم نعمه ظاهرة وباطنة» صدق الله العظيم.

إذا غضب الله علينا:

إن البحار جندي من جنود الله الأشداء، وهذه البحار تأتمر بأمر الله وحده، وبالتالي هي في طاعة الله وحده، فإذا أصدر إليها الأمر برفع التسخير فتصبح في غير طاعة الإنسان وتنتظر البحار أمر الله بأصغر كلمة علمية وهي «كن» فيكون ما أراد الله تعالى، وعند غضب الله تعالى فسيحق العذاب لأهل كوكب الأرض.

وبذلك تقوم البحار بابتلاع جميع السفن المبحرة في هذه البحار ثم تغطي البحار

 على جميع المدن الساحلية فتغرقها وتغرق أهلها إنه غضب البحار وبما جاءها من

 غضب الله. لقد أقسم الله تعالى بالبحر المسجور كما جاء في الآية 6 سورة الطور «والبحر المسجور» صدق الله العظيم.

ولقد أفاد علماء التفسير بالمسجور أي المشتعل نارا، وهنا لا يدرك الجاهل كيف تعيش النار في البحار، والأمر واضح أمام أعين الجميع بالبراكين البحرية التي تغلي بالنيران وبين الحين والآخر تفيض على البحار وتلقي بالحمم المشتعلة هذا هو الأمر الأول، أما الأمر الثاني فقد أقام الإنسان المنصات البحرية وهي قابلة للاشتعال في أي لحظة يكون فيها أمر الله «بكن» فيكون هذا عن البحر المسجور.

أما عن انفجار البحار وهي علامة كبرى من علامات الساعة وهو ما أشارت إليه الآية 3 من سورة الانفطار «وإذا البحار فجرت» صدق الله العظيم.

إذ أنه بين الحين والآخر تحدث ثورة لمياه البحار فترتفع بقوة وعنف وتبتلع عند هذا الحادث مئات السفن السابحة في منطقة البحار الهائجة، حيث تصبح حالة البحر باسم إعصار الزعزعان ويرتفع فيها الموج لما يزيد على 100 قدم فتتحطم السفن بهذا الإعصار المدمر ويقع البحر في حالة الزعزعان تحت تأثير ثلاثة عوامل.

حيث العامل الأول : هو هجوم رياح الإعصار على البحر فيقلبه ليأتي بقاع البحر إلى أعلى. 

أما العامل الثاني :فهو حالة المد والجزر التي تحرك مياه البحار إلى أعلى في حالة المد ثم إلى أسفل في حالة الجزر. [  الأنترنت – موقع مجلة البيان - دعوة للتأمل - دلائل قدرة الله -  قاسم لاشين]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الستون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*عظمة الله في البحار والعواصف

لقد تجلت عظمة الله تعالى في جميع من في الكون الفسيح ، فهو سبحانه القادر على كل شيء ، رأينا عظمة الخالق جل جلاله في البحر ، وأن البحر جندي من جنود الله ، لا يعصي خالقه طرفة عين .

قال تعالى : { ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ } [ التوبة26 ] .

وقال تعالى :{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }[الفتح7] 

ولعظيم قدر البحر ومنافعه ومخاطره ،ذكره الله تعالى في كتابه ،مفرداً ومثنىً 

وجمعاً كما في الترتيب التالي :

كلمة [ البحر ] ذكرت 33 مرة . كلمة [ البحران ] ذكرت 1 مرة .

كلمة [ البحرين ] ذكرت 4 مرات . كلمة [ البحار ] ذكرت 2 مرتان .

كلمة [ أبحر ] ذكرت 1 مرة .

عندما تكبر فرعون على ربه ، وادعى الألوهية من دون الله ، وقتل الأطفال ، واستحيى النساء ، وعاث في الأرض فساداً ، سلط الله عليه البحر ليبتلعه ، وليكون لمن خلفه آية وعبرة وعظة ، فهرب موسى ومن معه خوفاً من فرعون أن يفتنهم ، وعندما وصلوا إلى البحر ، كان العدو من خلفهم والبحر من أمامهم ، فما كان من موسى إلا أن دعا ربه ، فاستجاب لعباده المؤمنين ، ففلق لهم البحر نصفين ، فساروا وسط البحر لا ماء ولا غرق ، ثم تبعهم فرعون ، داخل البحر ، والأمواج تتلاطم حولهم ، وعلى جنبهم ، فلما نجى موسى ومن معه ، أمر الله البحر أن يطبق على فرعون وشرذمته ، فاستجاب البحر لأمر خالقه وموجده ، فغرق فرعون وجنده ، فكانت آية باهرة عظيمة ، ومعجزة لا ينساها التأريخ أبداً ، قال تعالى : { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى 77 فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ 

بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ 78 وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى 79}[ طه 

وقال تعالى في قصة موت فرعون : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ 90 آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ 91 فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } [ يونس ] .فانظر إلى صورة فرعون وهو جثة هامدة ، أبقاها الله تعالى عبرة للعصاة من بعده ليتعظوا ويتوبوا 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والستون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* البحرجندي يعذب به الله من شاء من عبادة العصاة

البحر ذلكم الجندي الذي يعذب به الله من شاء من عبادة العصاة ، فهذه سفينة ( التايتنك ) الأمريكية ، التي بناها صاحبها وتحدى بها ربه وخالقه أن يغرقها ، فانطلقت في أول رحلة لها عبر البحر ، حاملة على متنها أكثر من 2200 راكب ، وعندما توغلت في البحر أذن الله للبحر أن يلتهمها بمن على متنها ، فاصطدمت بجبل جليدي ، وما هي إلا لحظات حتى وصلت قاع البحر بمن فيها ، فسبحان الله العظيم القوي المتين ، الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، وظهرت عظمته في البحار .

وله يسجد من في البحار ، ويسبحه فيه كل شيء ، حتى الصخرة تسجد لربها ، وانظر إلى هذه الصورة المعجزة الباهرة التي يقول الله تعالى فيها : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } [ الحج18 ] .

أيها العبد : ألم تعلم أن الله سبحانه يسجد له خاضعًا منقادًا مَن في السموات من الملائكة ، ومَن في الأرض من المخلوقات ، والشمس والقمر ، والنجوم والجبال ، والشجر والدواب ؟ والصخور والأحجار ، فلله يسجد طاعة واختيارًا كثير من الناس ، وهم المؤمنون ، وكثير من الناس حق عليه العذاب فهو مهين ، من لا يسجد لله مسكين ضعيف حق عليه العذاب ، وحقت عليه الإهانة والذلة ، وأيُّ إنسان يهنه الله ، فليس له أحد يكرمه ، إن الله يفعل في خلقه ما يشاء وَفْقَ حكمته ، وانظر إلى هذه الصخرة وهي ساجدة لموجدها وخالقها .

قال ذو العظمة والجبروت : { وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن 

دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } [ النحل49 ] .

وقال المتعالي بعظمته ومجده : { وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ } [ الرعد15 ] .

وعندما تبطر الناس على ربهم ، وعصوا أمره ، وتمردوا على أوامره ، فقضوا أوقاتاً عبر شواطئ البحار والأنهار ، في مناظر سخف وفجور ، ومظاهر عُري وفحش ، متحدين ربهم وخالقهم ، أرسل الله جنديه عبر ما يسمى ( مد تسونامي ) فقضى على الملايين من العصاة غرقاً وفقداناً ، وما ظلمهم الله ولكن

 أنفسهم يظلمون .

وبعد هذه الكارثة العالمية ، التي لم يشهد لها التأريخ مثيل ، كتب الله اسمه العظيم على البحر ، ليكون عالقاً في الأذهان ، إنه الله العظيم العلي الكبير ، القوي المتين 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والستون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* عظمة الله وقهره وسطوته وقوته في البحار

تأمل أيها المسلم ، عظمة الله وقهره وسطوته وقوته في البحار ، وكيف أبدى ذلك وطرزه وأبدعه عندما كتب اسمه الجليل سبحانه على البحر تبايناً لقوته وعظمته وعزته ، وبياناً لضعف البشر عن صد ذلك أو الدفاع عن أنفسهم ، إزاء عظمة ربهم ومليكهم وخالقهم ، ولكنها الغفلة والإعراض ، والاستكبار والإباء ، واتباع سبل الشيطان وغوايته وتلبيسه ، قال الواحد الأحد : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الزمر67 ] .

بل تفكر في هذه الصورة ، وكيف أن الله قد أحاط بعباده فلا مفر لهم من دونه إلا إليه ، وكيف أن البحر ربما أغرق البشرية جمعاء إذا هم عصوا أمر الله ، 

وتجردوا عن طاعته :قال تعالى : { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [ الذاريات50 ] .

تذكر أيها العبد عندما ترى هذه الصورة المذهلة المخيفة ، تذكر يوم القيامة وما فيه من أهوال عظام ، وأخطار جسام ، وتأمل قول الله تعالى : فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ{33} يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ 34 وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ 35 وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ 36 لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ 37 وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ 38 ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ 39 وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ 40 تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ 41 أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ 42} [ عبس ] .

تخيل نفسك أيها العاصي المذنب ، أيها المفرط المسوف ، وأنت محاط بالماء من كل ناحية ، ولا ملجأ لك من الله إلا إليه ، عند ذلك تذكر عظمة الله القاهر جل جلاله ، واستسلم له وانقاد ، قال تعالى : { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } [ يونس22 ] .

دولة أمريكا عندما طغت وبغت ، وقتلت وشردت ، واعتدت على بلاد المسلمين الآمنين في أوطانهم ، المطمئنين في بلادهم ، فغارت عليهم ، فنهبت خيراتها ، ورملت نساءها ، ويتمت أطفالها ، عند ذلك أذاقها _ أمريكا _ الله لباس الخوف بما كانوا يصنعون ، نتيجة الغطرسة والعناد ، فعذبهم في عقر دارهم ، فهاج عليهم البحر غيظاً ، وتلاطمت أمواجه غضباً ، فأغرق بعض ولايات تلكم الدولة الكافرة السافرة ، ولا ننسى ما حصل في ( نيوأورليانز ) عندما سلط الله عليهم البحر ، فأغرق من أغرق ، وأفقد من أفقد ، جزاء بما صنعوا ، أغرقتهم الفيضانات ، وشردتهم الأمواج العاتية ، والمياه الهائجة ، فخسرت دولة الكفر مليارات الدولارات ، والجزاء من جنس العمل .

أمواج وظلمات بعضها فوق ، وتأمل هذه الصور لتدرك قوة الخالق وعظمته سبحانه :قال تعالى : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ الأحقاف27 ] .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والستون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* عظمة الله وقهره وسطوته وقوته في البحار

الله جلت عظمته ، وظهرت قوته ، وبانت سطوته يقول للناس ، لقد أهلكنا 

ما حولكم من القرى كعاد وثمود وغيرها قديماً وحديثاً , فجعلناها خاوية على 

عروشها , وبيَّنَّا لهم أنواع الحجج والدلالات ؛ لعلهم يرجعون عما كانوا عليه من الكفر بالله وآياته .

في الصورة التالية والتي أُلتقطت عبر الأقمار الصناعية من الفضاء للفيضان والطوفان الذي أغرق سواحل جنوب شرق آسيا ، يتبين القارئ الكريم مدى غضب أمواج البحر على قوم عصوا الله تعالى ، ومردوا على تعدي حدوده ، منظر مؤلم مخيف ، تخاف منه القلوب المؤمنة ، وترتعد منه فرائص المتقين ، فأين العصاة عن ذلك ، وأين المذنبون عن عظمة من له جنود السموات والأرض ؟ أم عساهم لم يتدبروا قول ملك الملوك ، وجبار الأرض والسماء في قوله تعالى : { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ}[المدثر31 ] 

 

ظلمات بعضها فوق بعض ، أمواج تتلاطم ، وسحب تتلاحم ، وثورة تتفاقم ، قال تعالى : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً } [ الطلاق8 ] .

انظر كيف كان الدمار والخراب ، وتأمل جيداً ماذا أبقى الله تعالى :قال تعالى : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ العنكبوت40 ] .

الماء نعمة عظيمة من نعم المولى جل وعلا ، وهو أساس الحياة ، إذ لا حياة 

بدونه أبداً ، قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً

 فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ } [ الأنبياء30 ] .

من الماء _ مني الرجل _ خلق الله البشر ، وجعل منهم الأصهار والأقارب ، قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً } [ الفرقان54 ] .

فالله جل في علاه ، خلق مِن منيِّ الرجل والمرأة ذرية ذكورًا وإناثًا ، فنشأ من هذا قرابة النسب وقرابة المصاهرة ، وكان ربك قديرًا على خلق ما يشاء .

إنه الله جلت عظمته في البحار ، وظهرت قوته في الأنهار ، وبانت سطوته في

 مياه الأمطار ، يعذب بالماء من شاء من عباده ، مع أنه أساس الحياة ، قال 

تعالى حكاية عن ابن نوح لما كذب أباه واتبع قومه المكذبين ، وأبوه يدعوه للحاق به ، وهو يصر على الكفر والتكذيب ، فأجاب أباه : { قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ } [ هود43 ] .

ابن نوح يقول لأبيه : سألجأ إلى جبل أتحصَّن به من الماء , فيمنعني من الغرق , فأجابه نوح عليه السلام : لا مانع اليوم من أمر الله وقضائه الذي قد نزل بالخلق من الغرق والهلاك إلا مَن رحمه الله تعالى , فآمِنْ واركب في السفينة معنا , ولكن قد سبق أمر الله فحال الموج المرتفع الشاهق بين نوح وابنه , فكان من المغرقين الهالكين ، وهذه نهاية العصاة والمذنبين .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والستون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* عظمة الله وقهره وسطوته وقوته في البحار

أهوال عظيمة ، وأخطار جسيمة تحيط ببني الإنسان إذا عصوا الواحد الديان ، بحار تنفجر ، وأمطار تنهمر ، والله هو الواحد القاهر ، ولا منجى منه إلا بالتوبة والرجوع إليه ، وتأمل أيها المسلم كيف أن الله تعالى ، أهلك قوم نوح بالماء ، بحار من تحتهم ، وأمطار من فوقهم ، فأصبحوا بين العذابين ، قال تعالى مصوراً ما حدث لقوم نوح عليه السلام جراء تكذيبهم وعنادهم : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ 9 فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ 10 فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ 11 وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ 12 وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ 13 تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ 14 وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ 15 فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ 16} [ القمر ] .

ثانيا: عظمة الله في تسيير الرياح العواصف:

ولعل أول مدخل لنا آيات في كتاب الله تعالى تبين مدى صبر الله تعالى على العصاة ، ثم مدى التمادي في الطغيان والظلم والجبروت من قبل العصاة 

لأنفسهم أو لغيره ، متحدين ربهم تعالى الذي خلقهم ورزقهم وأنعم عليهم بشتى صنوف النعم والخيرات ، ومع ذلك فهم يقابلون الإحسان بالإساءة ، والجميل بالنكران ، فحاق بهم غضب الجبار القوي المتين سبحانه ، فسلط عليهم جنداً من جنده ، وهذا الجندي هو الريح والعواصف ، كالتي أصابت قوم عاد ، وفي هذا الزمان أصبحت العواصف من أشد جنود الله تعالى فتكاً بالعصاة والعتاة من بني البشر .

قال تعالى : { مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ آل عمران117 ] .مَثَلُ ما ينفق الكافرون في وجوه الخير في هذه الحياة الدنيا وما يؤملونه من ثواب, كمثل ريح فيها برد شديد هَبَّتْ على زرع قوم كانوا يرجون خيره, وبسبب ذنوبهم لم تُبْقِ الريح منه شيئًا. وهؤلاء الكافرون لا يجدون في الآخرة ثوابًا, وما ظلمهم الله بذلك, ولكنهم ظلموا أنفسهم بكفرهم وعصيانهم .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والستون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

عظمة الله في تسيير الرياح العواصف:

وقال سبحانه وتعالى : { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ

 وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } [ يونس22 ] .

هو الذي يسيِّركم أيها الناس في البر على الدواب وغيرها, وفي البحر في السُّفُن,

 حتى إذا كنتم فيها وجرت بريح طيبة, وفرح ركاب السفن بالريح الطيبة, جاءت هذه السفنَ ريحٌ شديدة, وجاء الركابَ الموجُ _ وهو ما ارتفع من الماء _ من كل مكان, وأيقنوا أن الهلاك قد أحاط بهم, أخلصوا الدعاء لله وحده, وتركوا ما كانوا يعبدون, وقالوا : لئن أنجيتنا من هذه الشدة التي نحن فيها لنكونن من الشاكرين لك على نِعَمك ، فهل يا ترى آمنوا بعد ذلك أم أشركوا ، نكمل قول الله تعالى في هذه الآية : { فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ يونس23 ] .

فلما أنجاهم الله من الشدائد والأهوال إذا هم يعملون في الأرض بالفساد وبالمعاصي. يا أيها الناس إنما وَبالُ بغيكم راجع على أنفسكم, لكم متاع في الحياة الدنيا الزائلة, ثم إلينا مصيركم ومرجعكم, فنخبركم بجميع أعمالكم, ونحاسبكم عليها .

هذا هو واقع الناس اليوم ، بل أشد فمن الناس من لا يعرف ربه لا في الرخاء ولا في الشدة ، لا يعرف ربه لا في الضراء ولا في السراء ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وأكثر واقع الناس اليوم أنهم يعرفون الله تعالى حل الشدة ، فيدعونه متضرعين منكسرين ، فإذا ما ذهبت عنهم الشدة والبأساء إذا يعودون لما كانوا عليه من الذنوب والمعاصي والطغيان والكفر والشر بالله عز وجل ، فما أصبره الله عليهم ، قال صلى الله عليه وسلم : " ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم ليدعون له ولداً ( ويجعلون له نداً ) وإنه ليعافيهم ( ويدفع عنهم ) ويرزقهم ( ويعطيهم ) "        [ أخرجه البخاري ومسلم ] .

فانظر إلى بني آدم ما أكفره وما أفجره .

قال تعالى : { أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً } [ الإسراء69 ] .

أم أمنتم -أيها الناس- ربكم، وقد كفرتم به أن يعيدكم في البحر مرة أخرى، فيرسل عليكم ريحًا شديدة، تكسِّر كل ما أتت عليه، فيغرقكم بسبب كفركم، ثم لا تجدوا لكم علينا أي تبعة ومطالبة؛ فإن الله لم يظلمكم مثقال ذرة ؟

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والستون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

عظمة الله في تسيير الرياح العواصف:

وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً }[الأحزاب9] .

يا معشر المؤمنين اذكروا نعمة الله تعالى التي أنعمها عليكم في "المدينة" أيام غزوة الأحزاب -وهي غزوة الخندق- حين اجتمع عليكم المشركون من خارج "المدينة", واليهود والمنافقون من "المدينة" وما حولها, فأحاطوا بكم, فأرسلنا على الأحزاب ريحًا شديدة اقتلعت خيامهم ورمت قدورهم, وأرسلنا ملائكة من السماء لم تروها, فوقع الرعب في قلوبهم ، وكان الله بما تعملون بصيرًا, لا يخفى عليه من ذلك شيء .

وفي قصة قوم عاد لما كذبوا نبيهم هود عليه السلام ، وقد كان يدعوهم إلى عبادة الله وحده دون سواه ، فعاندوا واستكبروا وطغوا وأكثروا في الأرض الفساد ، فجاءهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ، فأرسل الله عليهم ريحاً شديدة البرودة ، تحمل معها العذاب الأليم ، والنكال الرهيب ، فقال سبحانه : { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ } [ فصلت15-16] .

نعم إنها ريحٌ شديدة البرودة ، عالية الصوت ، في أيام مشؤومات عليهم ؛ ليذيقهم الله عذاب الذل والهوان في الحياة الدنيا, ولَعذاب الآخرة أشد ذلاً وهوانًاً, وهم لا يُنْصَرون بمنع العذاب عنهم .

قال تعالى : { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ الأحقاف24 ] .

فلما رأوا العذاب الذي استعجلوه عارضًا في السماء متجهًا إلى أوديتهم قالوا : هذا سحاب ممطر لنا, فقال لهم هود عليه السلام : ليس هو بعارض غيث ورحمة كما ظننتم, بل هو عارض العذاب الذي استعجلتموه,فهو ريح فيها عذاب مؤلم موجع 

قال تعالى : { وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } [ الحاقة6 ] .

وقال تعالى : { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ}[القمر19 ] 

وقال تعالى : { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ } [ الذاريات41 ] .

في شأن عاد وإهلاكهم آيات وعبر لمن تأمل, إذ أرسل الله عليهم الريح التي لا بركة فيها ولا تأتي بخير.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والستون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*عظمة الله في تسيير الرياح العواصف :

فمن تأمل آيات القرآن الكريم ، وجد أن هناك تنوع وتعدد للعذاب الذي أهلك به الأمم ،كل أمة بما استحقته من جرم،يكال لها من العذاب بقدرجرمها وطغيانها 

قال تعالى : { فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ 

وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ العنكبوت40 ] .

فأخذنا كلا من هؤلاء المذكورين بعذابنا بسبب ذنبه: فمنهم الذين أرسلنا عليهم حجارة من طين منضود, وهم قوم لوط, ومنهم مَن أخذته الصيحة, وهم قوم صالح وقوم شعيب, ومنهم مَن خسفنا به الأرض كقارون, ومنهم مَن أغرقنا, وهم قومُ نوح وفرعونُ وقومُه, ولم يكن الله ليهلك هؤلاء بذنوب غيرهم, فيظلمهم بإهلاكه إياهم بغير استحقاق, ولكنهم كانوا أنفسهم يظلمون بتنعمهم في نِعَم ربهم وعبادتهم غيره .

وفي زماننا هذا كم تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة بآثار الأعاصير التي هي جند من جنود الله تبارك وتعالى ، يرسلها على من يشاء من عباده ، الذين تركوا سبيل الرشاد ، واتبعوا سبيل الغي والفساد ، فأذاقهم الله تعالى العذاب وإهلاك الطغاة ، وتحطيم المقدرات ، وفقدان عشرات الآلاف من العباد ،

 نتيجة كفرهم وطغيانهم .

فهذه دولة الشر الأولى في العالم _ أمريكا _ أصابها من ذلك ما لم يصب أي دولة سواها ، نتيجة العجرفة والعنجهية والتمرد الذي تتخذه ضد دول العالم ولاسيما الإسلامية منها ، فساد ودمار وقتل واغتصاب وإهلاك للحرث والنسل وتدمير وهدم وعاهات وأشلاء ودماء ، فكان المنتقم في ذلك كله رب العباد جل جلاله ، فظهرت عظمته في الريح التي هي خلق من خلقه ، وجند من جنده ، لا تعصي خالقها طرفة عين ولا أقل من ذلك ، بل تذعن للأمر وتستجيب له ، فكان إعصار كاترينا الذي ضرب الولايات المتحدة الأمريكية _ نسأل الله أن يمسح خارطتها من الوجود ويدمرها تدميراً _ إعصار رهيب ، وهول عصيب ، أصاب أمة الكفر والطغيان والغطرسة ، فحدث الهلاك والدمار ، وخراب الاقتصاد ، وتدمير البنى التحتية ، في وجود تظليل للرأي العام ، وتعتيم على الحقائق ، وتزييف لها .

وانظر إلى هذه الصورة كيف تحولت السماء تحولاً عجيباً غريباً ، وغضبت لغضب ربها وخالقها ، حتى أذاقت الكفار ما يستحقون .

وانظر بعينك هذا الهول الفظيع ، والمنظر المريع لذلك الإعصار المخيف .

وتقدر قيمة الخسائر المبدئية للإعصار في الولايات المتحدة بأكثر من 25 مليار دولار ، ويتزايد القلق بشأن الآثار الاقتصادية على قطاع التأمين، الذي يتوقع أن يتكبد خسائر فادحة هي الأكبر في تاريخ هذه الصناعة في الولايات المتحدة والتي تنجم عن كارثة طبيعية ، وقد أدت قوة الإعصار كاترينا إلى إغلاق بعض منصات النفط والمصافي في خليج المكسيك، الأمر الذي أدى إلى قفز أسعار النفط إلى ما فوق حاجز السبعين دولاراً للبرميل الواحد ، ويقول لورانس إيغلز، من الوكالة الدولية للطاقة، إنه لم يفاجأ برد الفعل الصادر عن أسواق النفط . مدينة نيوأورليانز وقد غمرتها مياه الإعصار كاترينا .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والستون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*عظمة الله في تسيير الرياح العواصف :

ثم اتبع النظرة النظرة في الصورة التالية ، سماء حمراء تنذر بوقوع عذاب أليم ، وعقاب جسيم ، جراء التعسف والجبروت الأعمى ، وفي ظل وجود قيادة أمريكية لا تعرف لله طريقاً ، فاتخذت من المسلمين مقصداً ومغنماً ، فعاثت في 

ديارهم الفساد ، فكان العقاب خراب في ديارهم ، وعذاب من ربهم ، فهل يتعظون ؟

هذا هو عقاب من مالت نفسه عن ربه ، واتخذت الشيطان لها ولياً ، وكم أصاب الدول الملحدة والكافرة من قبيل هذه الأعاصير العاتية ، التي تدمر كل شيء بأمر ربها ، فيظنونها ريح فيها خير وتسوق الخير ، وإذا بها تغير عليهم فجأة وتحطم مقدراتهم كما يفعلون بالمسلمين .

قال الله تعالى : { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } [ الأنعام ] .

وقال تعالى : { أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون } [ الأعراف ] .وقال تعالى :{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}[النحل ] 

إن ما نشاهده من هذه الآيات الكونية ، لهي آية من آيات الله ، تجعل المؤمن متصلاً بالله ، ذاكراً له ، شاكراً لأنعمه ، مستجيراً بالله ، خوفاً من نقمته وسخطه ، وهذه النذر والآيات ، لم تستطع أمريكا بقوتها وتقدمها العلمي والتكنولوجي أن تقف أمامها ، ولم تصمد أمام قوة الجبار سبحانه وتعالى ، الذي يسير الكون سبحانه كيف شاء ، والتي قدرته سبحانه أعظم من كل شيء ، وما هي إلا كلمة " كن فيكون " فهل من معتبر ومتعظ ، قال تعالى : { مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [ الحج74 ] ، وقال سبحانه وتعالى : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الزمر67 ] .                                                    وما عظَّم هؤلاء المشركون اللهَ حق تعظيمه; إذ عبدوا معه غيره مما لا ينفع ولا يضر, فسوَّوا المخلوق مع عجزه بالخالق العظيم, الذي من عظيم قدرته أن جميع الأرض في قبضته يوم القيامة, والسموات مطويات بيمينه, تنزه وتعاظم سبحانه وتعالى عما يشرك به هؤلاء المشركون، وفي الآية دليل على إثبات القبضة, واليمين, والطيِّ, لله كما يليق بجلاله وعظمته, من غير تكييف ولا تشبيه .

وما زالت القوات الأمريكية ، والصليب الأحمر ، ومروحيات الجيش الأمريكي ، وخفر السواحل ، تحلق فوق السواحل الجنوبية الشرقية للولايات المتحدة ، في مهمات إنقاذ عاجلة ، وتقييم للأضرار الفادحة ، الناجمة عن أحد أقوى الأعاصير والكوارث ، التي تضرب أمريكا من سنوات عديدة ، حيث ما زال مئات القتلى مفقودين ، ولم تفصح السلطات الأمريكية حتى الآن في الكشف عن الأعداد الحقيقية في قتلى إعصار كاترينا المدمر والهائل ، والذي شبهه كثيرون بإعصار تسونامي الذي ضرب جنوب شرق آسيا ، حيث ما زال الكثير من العالقين في المنازل ، وفوق أسطح المباني ، ولم يتمكن أحد من الوصول إليهم بسبب المياه والرياح الشديدة ، والطرق التي سدتها الأشجار المتساقطة ، التي عرقلت فرق الإنقاذ في الوقت الذي تعطلت فيه خطوط الكهرباء وتوقفت فيه خدمة الهاتف 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والستون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*عظمة الله في تسيير الرياح العواصف :

هذا الإعصار المدمر ، الذي حاصر ساحل الخليج الأمريكي ، وعصف بمدينة 

نيوأورليانز برياح سرعتها 257 كيلوا متراً في الساعة،ودمر المنتجعات والأراضي في ولاية مسيسيبي ، بسيول جارفة وهائلة ، ورياح هادرة مهلكة ، تسحق كل من في طريقها ، وتدمر النوافذ في الفنادق العالية ، وتمزق صالة لويزيانا العملاقة ، وتحاصر الآلاف في أسطح المباني في نيو أورليانز ، بعدما تقطعت بهم السبل بسبب المياه الجارفة والرياح العاتية ، وتتوقف جميع خطوط الكهرباء ، وتتوقف خدمة الهاتف ، وتدمر عشرات المباني ، والمئات من المباني معرضة لخطر الانهيار ، ويعتبر هذا الإعصار من أشد العواصف ضرراً في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية _ زادها الله من العذاب والنكال _ والتي كلفت شركات التأمين أكثر من 26 مليار دولار حسبما قال محللو المخاطر ، وتفيد آخر الإحصائيات الأولية إلى مقتل المئات ، وهؤلاء من الذين تم العثور عليهم ، وما زال الكثير مفقود في أطراف المدينة ، وبعض المناطق التي لا يمكن الوصول إليها ، ولا يُعلم عن سكانها شيئاً ، وما زالت فرق الإنقاذ والكلاب المدربة تبحث في العثور على الجثث المفقودة ، وقد فشلت كثير من طائرات الجيش الأمريكي والتي أسقطت آلاف من أكياس الرمل ، في محاولة بائسة وفاشلة في سد ثغرات الإعصار ، من أجل حماية المدينة ، حيث ارتفعت الأمواج إلى أكثر من تسعة أمتار ليغرق أكثر من 80% كما تقول الأنباء ، وتفيد الأنباء من مصادر طبية على مخاطر في انتشار كثير من الأمراض في الولاية جراء تحلل كثير من الجثث التي غرقت وقذفها الإعصار إلى الشاطئ .

صورة تشيب لها الرؤوس ، وتتقطع لأجلها الأفئدة ، وتموت القلوب الحية من هولها ، خوفاً وفرقاً من الخالق سبحانه . قال تعالى : { وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } [ الإسراء59 ] . نعوذ بالله من غضبه ، نعوذ بالله من سخطه ، نعوذ بالله من عذابه ، نعوذ بالله من عقابه ، ونسأل الله رحمته ومغفرته وعفوه وكرمه ، فهم أهل التقوى وأهل المغفرة .

وصدق الله القائل سبحانه : { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } [ النحل45 ] .

أفأمن الكفار المدبِّرون للمكايد أن يخسف الله بهم الأرض كما فعل بقارون, أو يأتيهم العذاب من مكان لا يُحِسُّونه ولا يتوقعونه .

ومن أصدق من الله القائل سبحانه : { أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } [ الإسراء68 ] .

فلا تغفل أيها المسلم عما يحيط بالكون من انتقام الجبار سبحانه إذا هم عصوا 

أمره ، وتمردوا عليه ، وانخلعوا من العهد الذي أخذه الله عليهم في قوله سبحانه : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}[ الأعراف172 ] 

لا تغفل أيها المسلم إذا رأيت الآيات المعجزة ، والبراهين المذهلة ، والكوارث المدمرة ، والزلازل والبراكين المهلكة ، التي تصيب الدول من حولنا ، لا تغفل حين تعصي الله تعالى ، وتتعدى حدوده ، لا تغفل عن قوله سبحانه : { مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ } [ هود83 ] .

أي معلَّمة عند الله بعلامة معروفة ، لا تشابه حجارة الأرض, وما هذه الحجارة التي أمطرها الله على قوم لوط من كفار قريش ببعيد أن يُمْطَروا بمثلها ، وكذلك غيرهم من الأمم التي تعصي الله وتجاهر بمعصيته ، وتحارب أولياءه ، وتترك سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وتتجه للقوانين الوضعية ، التي وضعها بشر فيه الخطأ والصواب ، وما أكثر خطأه بجانب صوابه ، لتستعيض بها عن القرآن والسنة ، يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ، وفي هذا تهديد لكل عاص متمرِّد على الله .[  الأنترنت – موقع الخطباء  - عظمة الله في البحار والعواصف - كتبه: يحيى بن موسى الزهراني ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السبعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*أودع الله في البحار من النعم ما لا يحصى 

    البحار من النعم الإلهية غير المحدودة التي تفضل بها الله عز وجل على الإنسان، مُسخرة لخدمته، تعين على تنقية الجو وعلى تحرك الرياح وإنزال المطر، وبها الثروات المعدنية، ويمن الله علينا منها بالزينة واللحم الطري.

أودع الله في البحار من النعم ما لا يحصى، فقال سبحانه وتعالى: (وهو الذي

 سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)، «النحل: الآية 14»، ويقول: (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان)، «الرحمن: الآية 22»، وفي هاتين الآيتين إظهار لمدى فوائد البحر، حيث الثروة السمكية إحدى الثروات الطبيعية التي عرفها الإنسان منذ وجوده واستغلها بأدواته البدائية وصولاً إلى السفن العملاقة في الصيد، ليس الأسماك فقط، بل أيضاً القشريات مثل الجمبري والكابوريا والإستاكوزا، ثم الرخويات التي تعد من أكبر الشعب في عالم الأحياء البحرية وأكثرها تنوعاً وربما غنى بالقيمة الغذائية، وتقوم بعض حيواناتها بإنتاج الأصداف التي تستخدم في الصناعات الخشبية والحلي وأدوات الزينة، ثم الإسفنج، وهو الكائن الحي الذي ليس له أعضاء أو أنسجة وله استخدامات ومنافع مبهرة، ومن فوائد البحار أيضاً تلك المواد التجميلية المستخرجة من القاع.

ثروات

ويتم استخراج النفط والغاز الطبيعي من البحار، كما توجد الثروات المعدنية مثل القصدير، والألماس، والبلاتين، والكروم، والزنك، والنحاس، ومركبات الماغنسيوم، وتستخدم كذلك في توليد الطاقة.

ويتطرق القرآن إِلى الفائدة الثالثة في البحار، وهي حركة السفن على سطح مياهها، كوسيلة مهمة لتنقل الإنسان ونقل ما يحتاجه، فيقول: (وترى الفلك مواخر فيه)، ومما يكشف عن عظم نعمة البحار أنها أوسع بكثير من الطرق البرية، وأقل كلفة، أعظم وسيلة نقل للبشر، وذلك بملاحظة كبر السفن المستخدمة في النقل وضخامة ما تحمله.

والنقل البحري عصب الحياة التجارية والاقتصادية لما يتضمنه من نقل البضائع والنفط وحركة التجارة بين دول العالم عبر التاريخ، وأشار القرآن إلى ذلك: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلًا)، «الإسراء: الآية 70»، ويقول تعالى: (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)، «الجاثية: الآية 12»، وقوله عز وجل: (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم)، «الحج: الآية 65»، وكل هذه الآيات وغيرها تبين نعمة الله في تسخير البحار للإنسان واستخدامه لها في النقل والتنقل، وحركة السفن التي تسير في البحر، تحقق مصالح الناس ومنافعهم في شتى المجالات.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والسبعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*أودع الله في البحار من النعم ما لا يحصى

كلمات الله : إن تسيير الفلك في البحر نعمة كبرى فيها منافع عظيمة للعباد، ولذلك يمتن الله على عباده بتسخير البحر المتلاطم الأمواج وتذليله لهم، لركوبه وقضاء مصالحهم بحمله السفن التي تمخره.

والبحار والأنهار تمثل 71 في المئة من مساحة الأرض، تضمن استمرار دورة 

المياه، وضرب الله سبحانه المثل بالبحر في الاتساع والكثرة: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا)، «الكهف: الآية 109».

واستخراج اللحم الطري نعمة عظيمة من الله، حيث جعل البحر مستودعاً لا ينضب لمادة غذائية تعتبر شيئاً أساسياً في حياة معظم الشعوب، يتناولونها من البحر دون أن يخسروا مالاً وجهداً في تربيتها، ولولا ذلك لضاقت معيشة أكثر الناس، حيث إن عليها اعتمادهم في الغذاء وبها يتجرون ويتكسبون، ومن رحمة الله إباحتها حية وميتة في الحل والإحرام، ثم استخراج الحلي فهو نعمة أخرى مما في البحر، من اللآلئ والجواهر النفيسة، سهل الله لعباده استخراجها من الأعماق ليتحلوا ويتجروا.

أما عدم اختلاط الماءين المالح والحلو، فهذه نعمة عظيمة من الله على خلقه إذ بدونها لا تصلح الحياة للكائنات، فهذا الحاجز حتى لا يختلط الماءان فيفسد كل منهما الآخر، والماء الحلو هو ماء الأنهار والعيون وهو العذب الفرات، وأما الماء المالح الأجاج فهو البحار المعروفة ولا تستساغ للشرب، وملوحتها نعمة، فلو كانت حلوة لفسد الهواء وماتت جميع الحيوانات في البر والبحر، فلما كان ماؤها مالحاً كان الهواء دائماً نقياً.

وتتجلى عظمة الخالق في هذا العالم المليء بالعجائب البعيد عنا ولا يعرفه إلا العلماء المتخصصون وبعض هواة الغوص، كائنات ومخلوقات حية عبارة عن لوحات فنية رائعة الجمال، في قيعان البحار والمحيطات، تحوي أنواعاً وأشكالاً بين حيوانات ونباتات، ويعتقد الباحثون أن البحار وطن لنحو مليون نوع من أشكال الحياة الراقية، وصف منها حتى الآن بشكل علمي نحو 250 ألف نوع.

زهور البحر بعض الكائنات الحية أكثر شبهاً بالزهور، لهذا سميت بزهور البحر، يتجمع عدد منها تحت الماء فتكون حدائق فائقة البهاء، أجمل من الحدائق البرية، بزهورها الشفافة واللامعة البديعة التشكيل، ومع كل هذا التقدم العلمي لم 

يكتشف إلا 3 في المئة من أسرار البحار.

هذه النعم توجب على الناس أن يفكروا بالمنعم وكيف سخر لهم هذا البحر مستودعاً لها، وهيأ لهم سبل استخراجها، وتستلزم من العاقل أن يشكر واهبها 

[ الأنترنت – موقع الإتحاد - أحمد محمد (القاهرة) - 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والسبعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*تفسير قوله تعالى : ( مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان )

وردت في القرآن الكريم أربع آيات كريمات تذكر عظيم خلق الله عز وجل لكل من البحرين ، العذب والمالح ، وأنهما من عجيب آياته التي أبدعها سبحانه في هذا الكون ، وهذه الآيات هي: ( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ) الفرقان/53.

ويقول عز وجل : ( أَمَّنْ جَعَلَ الأرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا 

رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) النمل/61.

ويقول سبحانه : ( وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ) فاطر/12. ويقول جل وعلا : ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ . بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ . فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) الرحمن/19-21.

ثانيا : الذي رأيناه عند أكثر أصحاب كتب التفسير أن المقصود بالبحرين هما النوعان المشهوران من المياه الموجودة على وجه الأرض :

النوع الأول : الأنهار العذبة .

والنوع الثاني : البحار المالحة .

والدليل على هذا التفسير قوله تعالى – في وصف البحرين - : ( هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ) فالدليل ينصر ما ذهب إليه الأكثرون ، خلافا لمن قال هما بحران : بحر في السماء ، وبحر في الأرض ، أو بحر فارس والروم ، أو بحر المشرق والمغرب ، أو غيرها من الأقوال الغريبة التي لا يصدق عليها أن أحدها عذب فرات ، والآخر ملحٌ أجاج .

ثالثا : وأما البرزخ المذكور بين البحرين في هذه الآيات ، فللعلماء فيه قولان :

الأول : أن المقصود بالبرزخ الحاجز بين البحرين ( الأنهار والبحار ) هو 

الأراضي الواسعة التي تفصل الأنهار عن البحار ، بحيث لا تختلط المياه فيهما ، بل لكل منهما مجراه ومستقره الذي يستقل به عن الآخر .

وهذا هو التفسير الظاهري الذي وجدناه عند أكثر المفسرين .

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله : " ( وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا ) أي : بين العذب والمالح ، ( برزخا ) أي : حاجزاً ، وهو اليَبَس من الأرض ، 

( وَحِجْرًا مَحْجُورًا ) أي : مانعاً أن يصل أحدهما إلى الآخر " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (6/117)

ويقول أيضا رحمه الله :" قوله : ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ) قال ابن عباس : أي : أرسلهما . وقوله : ( يلتقيان ) قال ابن زيد : أي : منعهما أن يلتقيا ، بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما . والمراد بقوله : ( البحرين ) الملح والحلو ، فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس . ( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ ) أي : وجعل بينهما برزخا ، وهو : الحاجز من الأرض ، لئلا يبغي هذا على هذا ، وهذا على هذا ، فيفسد كل واحد منهما الآخر ، ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (7/492)

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والسبعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*تفسير قوله تعالى : ( مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان )

ويقول العلامة السعدي رحمه الله :

" المراد بالبحرين : البحر العذب ، والبحر المالح ، فهما يلتقيان كلاهما ، فيصب العذب في البحر المالح ، ويختلطان ويمتزجان ، ولكن الله تعالى جعل بينهما برزخا من الأرض ، حتى لا يبغي أحدهما على الآخر ، ويحصل النفع بكل منهما ، فالعذب منه يشربون وتشرب أشجارهم وزروعهم ، والملح به يطيب الهواء ويتولد الحوت والسمك واللؤلؤ والمرجان ، ويكون مستقرا مسخرا للسفن والمراكب " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن " (ص/830)

التفسير الثاني : أن بين البحرين ، العذب والفرات ، حاجزا لا يظهر للعيان، خلقه الله بقدرته ، يمنع به اختلاط الماء العذب بالماء المالح رغم التقاء الماءين في نهاية مصب الأنهار ، نقله القرطبي عن ابن عباس ، وعزاه السيوطي لرواية عبد بن حميد عن قتادة ، انظر " الدر المنثور " (6/371)

قال الإمام القرطبي رحمه الله :" ( وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً ) مانعا من قدرته ؛ لئلا يختلط الأجاج بالعذب . وقال ابن عباس : سلطانا من قدرته ، فلا هذا يغير ذاك ، ولا ذاك يغير هذا ، والحجز المنع " انتهى من " تفسير القرطبي " (13/222)

ويقول العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله :" وهذا الحاجز هو اليبس من الأرض الفاصل بين الماء العذب ، والماء الملح على التفسير الأول .

وأما على التفسير الثاني : فهو حاجز من قدرة الله غير مرئي للبشر " انتهى من " أضواء البيان " (6/66)

ويقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :" جعل الحاجز بين البحرين من بديع الحكمة ، وهو حاجز معنوي حاصل من دفع كلا الماءين أحدهما الآخر عن الاختلاط به ، بسبب تفاوت الثقل النسبي لاختلاف الأجزاء المركب منها الماء الملح والماء العذب . فالحاجز حاجز من طبعهما ، وليس جسما آخر فاصلا بينهما " انتهى من " التحرير والتنوير " (20/13)

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :" وقال بعض أهل العلم : بل البرزخ أمرٌ 

معنوي يحول بين المالح والعذب أن يختلط بعضهما ببعض .

وقالوا : إنه يوجد الآن في عمق البحار عيونٌ عذبة تنبع من الأرض ، حتى إن الغواصين يغوصون إليها ويشربون منها كأعذب ماء ، ومع ذلك لا تفسدها مياه البحار ، فإذا ثبت هذا فلا مانع من أن نقول بقول علماء الجغرافيا وقول علماء التفسير ، والله على كل شيءٍ قدير " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (لقاء رقم/7)

ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :

" البرزخ : إما عازل بينهما ، وإما حاجز بينهما من الأرض ، وهذا من قدرة الله سبحانه وتعالى ، حيث إن هذه البحار تتجاور ويلتقي بعضها ببعض ولا يؤثر بعضها على بعض ، لا المالح ينقلب إلى عذب، ولا العذب ينقلب إلى مالح، بل كل منهما يبقى بخصوصياته " انتهى من " مجموع فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان " (1/179) ولا مانع من اختيار كلا القولين في تفسير الآية ، إذ يصدق كل منهما ولا تعارض بينهما ، فالحاجز يصدق على اليابسة التي فصلت بين الأنهار والبحار ، ويصدق على الحاجز المعنوي ( فرق الكثافة ) الذي يتحدث عنه علماء البحار اليوم ، وهذا من اختلاف التنوع وليس من اختلاف التضاد  يقول الدكتور حسين الحربي : " النوع الأول من الخلاف ، وهو ما إذا كان جميع الأقوال محتملة في الآية ، ونصوص القرآن والسنة شاهدة لكل واحد منها ... – وذكر أمثلة - فمثل هذا الخلاف محتمل ، وكل الأقوال فيه حق ، ولا يدخله ترجيح لكون الأقوال صحيحة ، وجميعها مراد من الآية ، والقرآن يشهد لكل واحد منها " انتهى من " قواعد الترجيح عند المفسرين

 الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب – تفسير قوله تعالى : ( مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ) -  المنجدن " (1/42-45) 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والسبعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*البحار تنطق بعظمة إبداع الخالق

      تنطق “البحار” بحكمة الخالق وحسن تقديره ودقة النظام في الأرض، فهذه البحار تمثل 71 في المائة من مساحة الأرض، وهي بذلك تضمن استمرار دورة المياه وبالتالي الحياة على هذا الكوكب الذي يعد الكوكب الوحيد الذي يوجد به ماء، وضرب الله سبحانه وتعالى المثل بالبحر في الاتساع والكثرة: “قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا” (الكهف:109) وكان نصيب البحر وافرا في الإعجاز الكوني في القرآن الكريم، حيث الفلك التي تجري فيه، وانه المعين الذي لا ينضب لماء السماء “المطر” يقول تعالى: “إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون” (البقرة: 164).

وحركة السفن التي تسير في البحر لتحقيق مصالح الناس وقضاء منافعهم في 

شتى المجالات لآية من الآيات مصداقا لقوله تعالى: “وسخر لكم الفلك لتجري 

في البحر بأمره” (إبراهيم: 32) ثم إن في البحر ثروات وطاقات تنفع البشرية وإنها لمن مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله القائل: “وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين” (الأنعام: 59).

وقد كشف العلم الحديث أن البحار المالحة تختلف في تركيب مياهها وحرارتها وكثافتها، والأحياء المائية بها وقابلية ذوبان الأكسجين، وان المحيط الواسع لا يتكون من بحر واحد بل من بحار مختلفة، وهذه البحار يفصل بين كل منها البرزخ المائي سواء التقى البحران في محيط أو عند مضيق، وأثبتت الصور الحديثة التي التقطتها الأقمار الاصطناعية أن بحار الدنيا ليست موحدة التكوين، وظهر لكل بحر لون مختلف عن الآخر، فبعضها ازرق قاتم وبعضها اسود وبعضها اصفر، وذلك بسبب اختلاف درجات الحرارة بينها، وظهر خط ابيض رفيع يفصل بين كل بحرين ليؤكد العلم الحديث قول القرآن: “مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان” (الرحمن: 19-20).

أما التقاء الماء العذب بالماء المالح، فإنما يشهد لله بطلاقة القدرة وبإتقان الخلق

 وبديع الصنعة يقول سبحانه: “وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا” (الفرقان: 53) وهذه إشارة إلى تدفق النهر إلى البحر. والبحر نعمة مسخرة لخدمة الإنسان، يعين على تنقية الجو وعلى تحرك الرياح وإنزال المطر، وبه الثروات المعدنية ويستثني الله الماء من القوانين ويجعل له قانونا خاصا به عند التجمد، ومن منطلق هذا القانون يمن الله علينا منه باللحم الطري والمراكب والزينة وغيرها.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والسبعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*البحار تنطق بعظمة إبداع الخالق - فوائد البحار

وحول فوائد البحار يقول احمد جلال مرسي - عضو جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة - سخر الله سبحانه وتعالى البحار للإنسان وأودع بها من النعم ما لا يحصى فقال سبحانه وتعالى: “وهو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون” (النحل: 14)، ويقول: “يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان” (الرحمن: 22) وفي هاتين الآيتين إظهار لمدى فوائد البحر حيث الثروة السمكية إحدى الثروات الطبيعية التي عرفها الإنسان منذ وجوده واستغلها بأدواته البدائية وصولا إلى السفن العملاقة التي تستخدم في الصيد، ليس الأسماك فقط، بل أيضا القشريات مثل الجمبري والكابوريا والاستاكوزا، ثم الرخويات التي تعد من اكبر الشعب في عالم الأحياء البحرية وأكثرها تنوعا وربما غنى بالقيمة الغذائية، وتقوم بعض حيواناتها بإنتاج الأصداف التي تستخدم في الصناعات الخشبية والحلي وأدوات الزينة مثل اللؤلؤ، أما المرجان فينتمي إلى شعبة “الجوفمعويات” وهو يشبه الأزهار النباتية ويعيش في مستعمرات معقدة تشبه الأشجار في تفرعاتها حتى أطلق عليها حدائق البحر، كما انه يستخدم كبديل للعظام البشرية، ثم الإسفنج وهو الكائن الحي الذي ليس له أعضاء أو أنسجة وله استخدامات ومنافع مبهرة.

الطاقة والنقل : ويتم استخراج البترول والغاز الطبيعي من البحار كما توجد الثروات المعدنية مثل القصدير والألماس والبلاتين والكروم والزنك والنحاس ومركبات الماغنسيوم وتستخدم كذلك في توليد الطاقة.                      ويعد النقل البحري عصب الحياة التجارية والاقتصادية لما يتضمنه من نقل البضائع والنفط وحركة الصادرات والواردات بين دول العالم عبر التاريخ، وهذا أحد مظاهر التكريم الإلهي للإنسان: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” (الإسراء:70)، ويقول تعالى: “الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون” (الجاثية: 12)، وقوله عز وجل: “ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم” (الحج: 65)، وكل هذه الآيات وغيرها تبين نعمة الله في تسخير هذه البحار للإنسان واستخدامه لها في النقل والتنقل، فيقول سبحانه: “ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور” (لقمان: 31)، فلو اختلت خواص المخلوقات أي اختلال ما جرت الفلك في البحر، مثل كثافة الماء وضغط الهواء والتيارات المائية والهوائية ودرجة الحرارة، وكل ذلك بنعمة الله أيضا بما تحمله من الأقوات والمتاع من بلد إلى بلد لينتفع بها الناس.

أسرار الأعماق : ويكشف القرآن الكريم بعضا من أسرار البحار خصوصاً الكائنة في الأعماق، يقول تعالى: “أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور” (النور: 40)، فيبين الله تعالى في هذه الآية الكريمة قيعان البحار والمحيطات العميقة حيث يزداد الظلام وتسود العتمة الشديدة نتيجة لتراكم الأمواج الهائجة فوق بعضها، وحيث تخيم السحب الكثيفة المعتمة إلى حد انعدام رؤية الأجسام، فيتعذر على الإنسان أن يرى حتى يده التي في جسده، ذلك انه لا هداية للبشر إلا بالنور الإلهي، ويخبر علماء البحار بأن درجة حرارة البحار في الأعماق التي تزيد على الألف متر تتراوح بين 1 و2 درجة مئوية، وهذه الأعماق تتميز بأنها لا تعرف تقلبات الفصول مثلما لا تعرف ضوء النهار ولا تصلها أشعة الشمس. وقد تمكن العلماء من اكتشاف نوع من الأمواج الداخلية العملاقة، غير الأمواج السطحية التي نراها واضحة أمامنا على الشاطئ، وأمكن تصوير هذه الأمواج، ومناطق البحار والمحيطات العميقة تخيم عليها سحب كثيفة دائما وهي معتمة بسبب عمليات التبخير المستمر، وتختفي الألوان واحدا تلو الآخر كلما غاص الإنسان نحو القاع حتى يخيم الظلام الدامس في المناطق اللجية أي العميقة، ولا يستطيع العيش فيها إلا كائنات حية عمياء لا حاجة لها إلى الأبصار مثل الإسفنج. 

[الأنترنت – موقع ستار تايمز - البحار تنطق بعظمة إبداع الخالق ]

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والسبعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الإعجاز الإلهي في خلق الإبل

مقدمة : تميزت الجزيرة العربيــة قديمــاً بحيـوانات عاشت في صحاريها، عاشـرها أهلها وعاشرتهم حيناً من الدهــر وما يزال ، وكـان لها الأثــر في نفوسهـم ، تلك هي الإبل، وكثرة الأسمـاء عنــد أهـل الأصـول تـدل على عظمة المسمى كمـا يقـولـون      

يقول القرطبي رحمه الله :(الإبل أجمع للمنافع من سائر الحيوان,لأنها ضروبة أربعة: حلوبة، وركوبة، وأكولة، وحمولة. والإبل تجمع هذه الخلال الأربع؛ فكانت 

النعمة بها أعم، وظهور القدرة فيها أتم ). فالإبل هو الحيوان الوحيد  الذي يحمل عليه ويؤكل لحمه ويشرب لبنه ! وهي مال العرب بها تمهر النساء ، ومنها غذاؤهم وكساؤهم، وهي التي حملت الفرسان فكانت هزيمة كسرى وفيلته في معركة القادسية ،وحملت المؤن والماء فكانت مأثرة خالد بن الوليد في عبور الصحراء وهزيمة الروم في معركة اليرموك. كما نقلت الحرير والتوابل فكانت قوافل التجارة بين الشرق والغرب،وحملت الحبوب والتمور فكانت تجارة قريش وكانت رحلة الشتاء والصيف ،وحملت الهوادج فكانت راحلة الأمان والهدوء والاطمئنان لنساء الملوك والأمراء.

وهي أنفس أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشيء لأنه ليس هناك أعظم منه , ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلملعَلِيّرضي الله عنه : "فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن تكون لك حمر النعم" وهي الإبل الحمر. فالإبل حيوانات عظيمة الخلق، في معيشتها أسرار، وفي خلقها إعجاز كبير، ولها سلوكيات نادرة وطبائع غريبة قد لا تتوفر في أي مخلوق حي آخر.      

وللإبل نوعان : وحيد السنام (العربي)والجمل ثنائي السنام  •

ولكل واحد من هذين النوعين خصائص وسمات يتشابهان في بعضها ويختلفان في بعضها الآخر، ومما يختلفان فيه الطول والحجم والوزن وطول القوائم وشكل الأخفاف واللون وغيرها من السمات.

زيـنــــــــة الإبـــــــــــل:

1- الرحــل : الرحل هو السرج الذي يوضع على الناقة ليجلس عليه الراكب.

2- الـوضـين : يثبت الرحل على الناقة باستخدام حبل أو رباط مما كان متاحاً 

من المواد , كالصوف أو الشعر وينسج نسجاً .

3- الخطــــام : الخطام :هو المقود الذي يقاد به البعير وتعريفه "ما وضع في أنف البعير ليقاد به "

4- الغبيـــط : الغبيط هو الهودج الذي يجعل على ظهــر البعـير فوق الرحـل ، ويقصد منـه أن تجلس فيـه المرأة وهي في ستر , وقد يسمى هذا الغبيط بالظعائن والظعن  وهذا مشهور في الشعر.

5- الرجـازة والنحـيزة : الرجازة : وهي شعر أو صوف يعلق على الهودج في

 خيوط يزين بها ...أما النحيزةفهي : " نسيجة طويلة يكون عرضها شبراً وعظمة ذراع تعلق على الهودج يزين بها ".( موقع الإبل أسرار وإعجاز :    www.alabeel.com)

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والسبعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الإعجاز الإلهي في خلق الإبل 

 ألفاظ الإبل التي وردت في القرآن العزيز :

1-  الإبل: لقد وقف أهل اللغة على هذه اللفظة فقالوا فيها وأجزلوا فقال أهل

 اللغة : الإبل لا واحد لها من لفظها وهي مؤنثة لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث لها لازم , والجمع آبال .

وقد ورد لفظ الإبلفي القرآن الكريم في عدة مواضع، وبألفاظ مختلفة ، هي : لفظ الإبل الذي ورد في موضعين هما قوله تعالى : [وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ](الأنعام: 144)، وقوله تعالى: [أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ] (الغاشية: 17).

2- الناقة :هي أنثى الجمل, قال أهل اللغة : وهي تدل على المفرد وجمعها نوق،

 أو أنوُقٌ، وأينُق، وأيانِق، و نِياق.

 ولفظ الناقةورد في سبعة مواضع، مرتان في سورة الأعراف، ومرة واحدة في كلٍ السور الآتية: هود - الإسراء – الشعراء- القمر - الشمس•  وكلها تشير إلى ناقة النبي صالح عليه السلام، كما في قوله تعالى: [وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً] {الإسراء:59} ، وقوله تعالى: [هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ] {هود:64}  .

3 - العِير: وقد ورد في القرآن لفظة العير فقد وردت فقط في سورة يوسف 

ثلاث مرات. والعير: القوم معهم حملهم من المِيرَةَ، يقال للرجال وللجمال معاً،

 ولكل واحد منهما دون الآخر(3) .

إذاً  العير هي الإبل التي تحمل الطعام وغيره.

4-  البدن: أما لفظة (البدنة) فقد قال جمهور أهل اللغة وجماعة من الفقهاء:  يقع على الواحدة من الإبل والبقر والغنم، سميت بذلك لعظم بدنها .

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمّ رَاحَ. فَكَأَنّمَا قَرّبَ بَدَنَة ً" الحديث , رواه مسلم .

5 - الجمل  :ورد اسم  الجمل  مفردا بالنص الصريح مرة واحدة في قوله تعالى :

[إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ 

الجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُجْرِمِينَ]{الأعراف:40}

فأما معنى (سَمِّ ) :فهو ثقب الإبرة,  وكل ثقب لطيف في البدن كالأنف أو غير ذلك يسمى سَمّا وجمعه سموم. وجمع السم القاتل سِمام. وأما الخِياط: فإنه المِخْيَط, أي ما يخاط به: وهي الإبرة. قال القرطبي : والجمع من الجمل:جِمال وأجمَال وجِمَالات وجمائل. وإنما يسمى جملاًإذا بلغ أربع سنوات.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والسبعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الإعجاز الإلهي في خلق الإبل

6 - الِهيم : قال الله تعالى:[فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ]{الواقعة:55} 

قال جمهور المفسرين وأهل اللغة:الهيم  هي الإبل العطاش•

7 - البعير : قال أهل اللغة : البعير يشمل الجمل والناقة كالإنسان للرجل والمرأة , وإنما يسمى بعيراً إذا أجذع , والجمع  أبعِرة , وأباعر , وبُعران .

وقد جاء ذكره فقط في سورة يوسف .

8 - الأنعام :وهي : الإبل , والبقر , والغنم ..

قال أهل اللغة : وأكثر ما يقع على هذا  الاسم الإبل .

والأنعام يذكر ويؤنث قال الله تعالى : [مِمَّا فِي بُطُونِهِ ]وقال : [مِمَّا فِي بُطُونِهَا ].

قال الله تعالى : [وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ] {النحل:5}

قال الله تعالى : (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ 

رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) وقال تعالى :[وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ

 الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ] {النحل:7} 

من المعروف  أن الجمل يستطيع أن يسير  مسافة 144 كم  في حوالي 10 ساعات  ويقطع مسافة 448 كم  في حوالي 3 أيام , ويستطيع أن يحمل من 200 – 300 كغ  على ظهره أثناء السفر .

9 - البَحيرة :قال أهل اللغة : وهي ابنة السائبة .

10- السائبة: قال أهل اللغة : الناقة التي كانت تُسَيّب في الجاهلية لنذرٍ أو نحوه .

11 - الوصيلة: روى البخاري عن سعيد بن المسيب قال: الناقة البكر تبكر في

 أول نتاج الإبل بأنثى ثم تثني بعد بأنثى وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بأخرى ليس بينها ذكر .

12 - الحام: فحل الإبل يضرب الضراب المعدودة فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من أن يحمل عليه شيء وسموه الحامي .

قال الله تعالى :[مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ]   (  المائدة:103 )

كان العرب قبل الإسلام قد حرموا أنواعاً من الأنعام  وجعلوها أجزاءً وأنواعاً

وهذه الأنواع الأربعة المشار إليها في الآية السابقة من الأنواع التي ابتدعوها في الأنعام .

13 -  العِشَار: قال أهل اللغة : وهي الناقة التي أتى عليها من وقت الحمل عشرةُ أشهر  . قال تعالى: [وَإِذَا العِشَارُ عُطِّلَتْ ]  ( التَّكوير:4 )

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والسبعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الإعجاز الإلهي في خلق الإبل

الإعجاز الطبي النبوي في مسار العلاج بأبوال الإبل:

إن أول من وصف العلاج بأبوال الإبل رسول الله صلى الله عليه وسلم .وليس مرادنا هنا بسط الكلام عن العلاج بأبوال الإبل ؛ عادة ً يكون مسار العلاج عند الإنسان بدءاً من الاكتشاف ثم التجارب الطبية المعملية  تليها التجارب على حيوانات 

التجارب ثم على الإنسان .

بينما في الطب النبوي  نبدأ من الإنسان ثم على حيوانات التجارب ثم التجارب العملية  لاكتشاف الأسرار والمعلومات الطبية  . 

وهنا السؤال يطرح نفسه هل النبي  صلى الله عليه وسلم كان عنده معمل تجارب أو حيوانات تجارب ؟ بل كيف اكتشف الدواء من أبوال الإبل وغيرها  !.

وبول الإبل فيه إشارة في القرآن الكريم قال الله سبحانه وتعالى :  [أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ

ا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ 

وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ] {يس: 71 – 73  }

فالشاهد كلمة  َمَشَارِبُ وهي بالجمع , قال ابن كثير : " وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ  " أي من الألبان والأبوال لمن أراد التداوي .

لماذا الإبل من بين سائر الحيوانات ؟

قال الله تعالى : (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) قال الله تعالى: [أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ]{الغاشية:17-20}

فالذي تجدر الإشارة إليه في هذا النسق القرآني المعجز هو البدء بلفت أنظارنا إلى قدرة الله في خلق الإبل قبل الإشارة إلى الإعجاز في رفع السماء ونصب الجبال وتسطيح الأرض، وكلها آيات في الخلق والإيجاد والتكوين.

وفي هذه الآيات يتجلى خلق الرحمن سبحانه وتعالى , ويطلب منا الله سبحانه 

وتعالى أن ننظر إلى الإبل ونبدأ في دراستها وما يمكن أن نستفيد منها .

فمعظم المفسرين كانوا يركزون على الشكل الخارجي للإبل فقط, كأذنا الإبل , ومنخراه , وعيناه , وذيله , و قوائمه , ونحو ذلك .

إلا أن  كل خلية في هذا الحيوان تنطق أن الله تعالى هو المبدع وهو الخالق .

ووجد العلماء والباحثين : أن هذا الحيوان العجيب له قدرة أن يعيد امتصاص الماء من الأمعاء والكلى إلى الجسم مرة أخرى ليستفيد منها .

والجمل هو الحيوان الوحيد الذي:ـ يعيش حوالي أسبوعين كاملين بلا ماء ولا

 طعام في بيئة درجة حرارتها 50 درجة مئوية .

ـ يفقد حوالي 25 % ( ربع وزنه ) من وزنه من السوائل من جسمه إذا حرم من الماء دون أن ينفق .

بينما باقي الحيوانات تموت عند فقد 12%  من وزنها من السوائل . (2)

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثمانون بعد

 المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الإعجاز الإلهي في خلق الإبل

وصدق حبيبنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في حديثه : "مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا "

عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيّ أَنّهُ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنِ اللّقَطَةِ؟

 فَقَالَ: "اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمّ عَرّفْهَا سَنَةً، فَإنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإلاّ فَشَأْنَكَ بِهَا". قَالَ: فَضَالّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: "لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذّئْبِ". قَالَ: فَضَالّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: "مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشّجَرَ، حَتّىَ يَلْقَاهَا رَبّهَا". رواه مسلم .

قوله صلى الله عليه وسلم: "معها سقاؤها" فمعناه أنها تقوى على ورود المياه وتشرب في اليوم الواحد وتملأ كرشها بحيث يكفيها الأيام، وأما حذاؤها وهو أخفافها لأنها تقوى بها على السير وقطع المفاوز.فسبحان الله القائل  : [أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ]. معجزة إنتاج الماء من الدهون:

زود الله سبحانه وتعالى هذا الحيوان بسنام حيث تتجمع كمية من الدهن فوق

 سطح الجسم  تصل أحياناً من 100- 120 كيلو غرام  من الدهن حيث 

يتحول الدهن  في السنام لإنتاج ماء وطاقة  , فإذا جاع الحيوان يتحول الدهن

 لإنتاج طاقة في الجسم. أما إذا عطش فيحول هذا الدهن إلى ماء .

ومن المعروف بين الأطباء أن الإنسان إذا صام أكثر من يوم  يبدأ يتحلل الدهن

 في جسمه  فتحدث حموضة في الدم  ثم يدخل الإنسان في غيبوبة إذا طالت فترة الامتناع عن الطعام . أما هذا الحيوان إذا حول الدهن كله إلى ماء أو إلى طاقة فلا تحدث عنده هذه المشكلة أبداً . وأما الحيوانات الأخرى فتمرض بمرض

 يدعى الكيتوزيس نتيجة تحلل الدهون بكثرة .(2)

تبريد المخ : درس العلماء وجه هذا الحيوان فوجدوا فيه: جيوب أنفية ( ممرات 

داخل عظام الوجه) وظلوا يبحثوا عن فائدتها ولماذا تختلف عن باقي الحيوانات 

فوجدوا أن الهواء الساخن يدخل من الأنف ويتم تبريده بمكيف هواء  فيُبِّرد 

الأوعية الدموية وبالتالي يُبِّرد الأوعية الدموية التي تغذي المخ  من أجل أن تحميه من ضربة الشمس فيدخل الدم الشرياني إلى المخ بارداً  فلا يتأثر من

 الهواء الساخن .الإبل ذوات أعناق مرتفعة حتى تتمكن من تناول طعامها من نبات الأرض

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثمانون

 بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الإعجاز الإلهي في خلق الإبل 

عنق الجمل : حيث زوده الله برقبة طويلة تمكنه منتناول طعامه من نبات

 الأرض، كما أنه يستطيع قضم أوراق الأشجار المرتفعة عندما يصادفها .

فرقبة الجمل تعمل طبقاً  لقانون الرافعة : حيث نقطة الارتكاز عند التقاء العنق بالساقين الأماميين ؛فيبدأ الجمل بشد هذه الرقبة  فيخفف الحمل عليه فيستطيع أن يقوم بقدميه الخلفيتين ،وهو يحمل هذه الأثقال وهو الحيوان الوحيد الذي يحمل وهو في حالة الرقود،فيستطيع أن ينهض بالحمل الثقيل ويبرك به .

قال أهل اللغة : بروك الجمل : هو ثبوته وإقامته.

- نـيـــاق مشـهـــورة:

ناقة نبى الله صالح عليه السلام الذي أرسله الله إلى ثمود ,  فهذه ناقة ذكرها قرآن يتلى عبر الأزمان . وناقة رسول الله  صلى الله عليه وسلم " القصواء " .

الانقياد والطاعة :

قال الله سبحانه : [أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا 

مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ]{يس: 71 -72}

قال المفسرون :[وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ  ] أي سخرناها لهم  حتى يقود الصبي الجمل العظيم ويضربه ويصرفه كيف شاء لا يخرج من طاعته. 

المراجع :- القرءان العزيز - صحيح مسلم بشرح النووي -  تفسير القرءان العظيم , للإمام ابن كثير -  معاجم متعددة -  مجلة الوعي الإسلامي  تصدر عن وزراة الأوقاف والشؤون الإسلامية  في دولة الكويت .[ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة - الإعجاز الإلهي في خلق الإبل - إعدادالأستاذ عبد القادر شحرور]   إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والثمانون

 بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الإعجاز العلمي في خلق حاستي السمع والبصر

من نعم الله- تعالى- على خلقه الحواس التي وهبها للإنسان، وفي مقدمتها نعم السمع والبصر والأفئدة، والتى يمنُّ علينا ربنا – تبارك وتعالى - بإنشائها في العديد من آيات القرآن الكريم، وقد جاءت بهذا الترتيب في سبعة مواضع من القرآن الكريم (الإسراء: 37 ،النحل: 78،المؤمنون: 78 ،السجدة :9، 

الأحقاف: 26 مكررة، الملك: 23•

كذلك جاء ذكر كلمة (السمع) بمشتقاتها وتصاريفها في القرآن الكريم (185 مرة، بينما جاء ذكر كلمة (البصر) بمشتقاتها وتصاريفها (148 مرة، وجاء ذكر لفظة الفؤاد بمشتقاتها وتصاريفها (16 مرة، وترافقت كلمتا (السميع) و (البصير) في (38 (آية كريمة، كذلك تلازمت كلمتا (العُمْي) و (الصُّم) في ثماني آيات•

وفي كل هذه الحالات جاء ذكر (السمع) قبل (البصر)، كما جاء ذكرهما قبل الفؤاد، وذلك فيما عدا عدد قليل من آيات العذاب أو الإنذار به، أو آيات 

وصف الكفار والمشركين دون إشارة إلى خلق هاتين الحاستين، أو وصف لوظيفة كلٍ منهما، فتقدم فيها ذكر (البصر) على ذكر السمع•

ولتعليل ذلك قال عدد من المتخصصين، منهم الأستاذ الدكتور صادق الهلالى، ود• حسين اللبيدى، د• عدنان الشريف، د• محمد على البار، د• عبدم المحسى وغيرهم• 

مايل : إنه على الرغم من أن تكوُّن حاستي السمع والبصر متزامنتان تقريباً فى المراحل الجنينية الأولى، إلا أن الأذن الداخلية للحميل تصبح قادرة على السمع في شهره الخامس تقريباً، بينما العين لا تفتح، ولا تتكون طبقتها الحساسة للضوء إلا فى الشهر السابع من عمره، وحتى فى هذا الوقت لا يستطيع الحميل أن يرى لعدم اكتمال تكوُّن العصب البصري ، ولكونه غارقاً في ظلمات ثلاث•

الأصوات بعد بضعة أيام من ولادته، وذلك بعد امتصاص كل السوائل وفضلات الأنسجة المتبقية فى أذنه الوسطى، والمحيطةبعظيماتها• 

أما حاسة البصر  (فتستمر) في النمو عند الوليد حتى سن العاشرة•

إن مراكز السمع لكل أذن موجودة في جهتي المخ، فإذا أصيب الإنسان في أحد

 نصفي الدماغ، فلن يفقد المصاب السمع في أيٍ من أذنيه، وعلى العكس من

 ذلك، فإن كل نصف من نصفي العين الواحدة تقع مراكزه على جهة المخ المعاكسة لها، فإذا ما أصيب الدماغ في أحد نصفيه ضعف البصر في (نصفي عينيه المعاكسين) لجهة الإصابة• (العين الموجودة في النصف المعاكس)•

إن الأحاسيس الصوتية تصل مستوى الوعي عند الإنسان (بأفضل ما تصله) (أفضل مما تصله) عن طريق حاسة أخرى كالبصر؛ وذلك لأن الذاكرة السمعية فى الإنسان أرسخ من الذاكرة البصرية، وتعطي من المدلولات والمفاهيم ما لا 

تعطيه الذاكرة البصرية ورموزها•                                                 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والثمانون

 بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الإعجاز العلمي في خلق حاستي السمع والبصر                                     

العين قبل الأذن في القرآن :

آيت القرآنية دوماً ترتِّب العين قبل الأذن؛ وذلك للسبق المكاني لكلٍ من العينين للأذنين فى موضعهما من وجه الإنسان، بينما تقدم الآيات ذكر حس السمع على حس البصر؛ وذلك لتقدم مركز السمع في فصين جانبيين من المخ، بينما يوجد مركز البصر خلف المخ؛ وذلك لأن وظيفة أعضاء التلقي ومراكز الحس في المخ (وذلك لأن وظيفة أعضاء التلقي) (مكررة) - كالعين والأذن - هي نقل المؤثرات .

الإعجاز العلمي في خلق حاستَي السمع والبصر الحسية إلى مراكزها في المخ حيث تدرك•

يستخدم القرآن الكريم حاستي السمع والبصر، بمعنى ما يحملانه إلى العقل، وما يترتب عليه من الفهم، وتقليب الفكر حتى يصل إلى إدراك ما لا يمكن إدراكه إلا بذلك، ومن هنا كانت الإشارة من بعد السمع والبصر إلى الفؤاد، وهو رابط القلب بالعقل، مما يعين على التفهم والتروي والوصول إلى شيء من الحكمة إذا أحسن الاستخدام، أو إلى الخلط والارتباك وسوء الاستنتاج إن لم يحسن المرء استخدام ما وهبه الله - تعالى - من حواس•

فسواء كان للإنسان أذن تسمع، وعين ترى، أو لم يكن له، فإنه قد يكون سميعاً مبصراً متى كان له فؤاد يتفأت به أموره، وينظر فيها بشيء من التروي والترتيب وحسن الحكم، أما إذا فسد قلبه، أو تلف عقله، فإنه يخرج عن شروط الإنسان المكلَّف، فيسقط عنه التكليف ولو كانت له أذن تتلقى المؤثرات الصوتية، وعين تنظر إلى الأشياء، ولذلك جاءت كلمة الفؤاد في القرآن الكريم دوماً بعد السمع والبصر، بينما تأتي الإشارة إلى القلب بغير ترتيب ثابت•

وتعبير (الفؤاد) يشير إلى عدد من المعاني التي تدور حول العواطف والغرائز والأحاسيس، بينما تعبير (القلب) يشير إلى معاني العقل والتفقه وتقليب الفكر•

إن الرؤى المنامية يسمع فيها النائم الأصوات، ويرى المشاهد بغير وسائط الأذنين والعينين، مما يشير إلى قوى إدراكية أخرى غير أعضاء ومراكز الحس المعروفة•

هذه النقاط تبين بوضوح دقة القرآن الكريم في التمييز بين أعضاء التلقي ـ كالأذن

 والعين ـ ومراكز الإحساس في العقل والقلب، كما تبين الحكمة من تقديم 

العين على الأذن، وتقديم السمع على البصر؛ وذلك لتقدم العين في موقعها المكاني من وجه الإنسان، وتقدم مراكز السمع على مراكز البصر في موقعها المكاني من المخ، (وتقدم مراكز السمع على مراكز البصر في موقعها المكاني من المخ) (مكررة)• هذا بالإضافة إلى مزايا حس السمع على حس البصر، ولأسبقيته في التطور العضوي والأداء الوظيفي•

وهذه حقائق لم تصل إليها العلوم المكتسبة إلا في العقود المتأخرة من القرن 

العشرين، وورودها بهذه الدقة وهذا التفصيل مما يثبت لكل ذي بصيرة أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله، وحفظه بعهده الذي قطعه على ذاته العلية _ ولم يقطعه لرسالة سابقة أبداً _ وحفظه في نفس لغة وحيه (اللغة العربية) على مدى الأربعة عشر قرناً الماضية بكل ما فيه من إشراقات نورانية، وعلوم ربانية، وحقائق كونية، حتى يشهد للرسول الخاتم الذى تلقاه بالنبوة وبالرسالة، وتعهد ربنا- تبارك وتعالى- بحفظ قرآنه الكريم تعهداً مطلقاً، حتى يبقى شاهداً على الخلق أجمعين إلى يوم الدين• [ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي في خلق 

حاستي السمع والبصر -  د . زغلول النجار ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والثمانون

 بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*البعوضة المعجزة الإلهية

إن كثيراً من الناس في هذه الأيام لا يهتم بصغائر الأمور ويهتم بالأمور العظيمة التي تقع بين عينيه مع أن في الصغائر آيات وعبر لأولى الألباب ولعل من آيات الله العظيمة التي ينكرها أو يجهلها كثيرُ من الناس تلكم الدابة الصغيرة التي خلقها الله سبحانه وتعالى وهى أصغر دابة يراها الإنسان بالعين المجردة ، وهى البعوضة . قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ } [ البقرة26 ] .هذه الدابة التي خلقها الله سبحانه وتعالى أثبت العلم الحديث أن لها أمعاء وجهاز تنفسي ومخ وأعصاب ..... إلخ .

عجيب أمر البعوضة : قال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس في هذه الآية 

قال : هذا مثل ضربه الله للدنيا ، أن البعوضة تحيا ما جاعت ، فإذا سمنت ماتت [ تفسير ابن كثير 46 ] .

الإعجاز والتحدي الإلهي : وأنها بقدرة الله سبحانه وتعالى تشعر عندما تقف على أي جسم بسمكة ، وهل هذا الجسم جسم إنسان أو حيوان ، وهذه الدابة لها خرطوم تمتص به غذاءها من الدم ، وهذا الخرطوم مجوف من الداخل ولم يستطع العالم حتى الآن صنع إبرة خياطة مجوفة بهذا الحجم الدقيق .

لله الحكمة البالغة : فسبحان من خلقه بقدرته وعظمته ولعل الغريب في هذا أن

 الله ذكر هذه الدابة في أول القرآن في سورة البقرة : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } [ البقرة26 ] .

فأنكر المرجفون والضالون هذا المثل وقالوا : كيف يذكر الله هذه البعوضة الحقيرة الصغيرة الشأن في القرآن ؟ فرد عليهم الله جل وعلا تكملة للآية الكريمة : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ } .

سبحان الخلاق : فهذه الآيات تدلنا إلى أن جميع مخلوقات الله سبحانه من 

أصغرها إلى أكبرها هي آية دالة على استحقاق الله عز وجل للعبادة دون سواه ، وإن بدت هذه الحشرة تافهة فقد أودع الله سبحانه فيها من آياته وقدرته ما تتحير بها العقول ، فالله سبحانه وتعالى في هذه الآيات لا يستحي أن يضرب مثلاً بالبعوضة ، التي قد يعتبرها بعض الجهال مخلوقاً تافهاً ، لكن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً بها ، وذلك ليدلنا على آيات عظمة خلق البعوضة حتى نكتشف بديع صنع الله تبارك وتعالى في البعوض .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والثمانون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*البعوضة المعجزة الإلهية

فاعلية الإناث : الإناث فقط هي التي تتغذى على الدم أما الذكور فتتغذى على

 الرحيق وعصارات النباتات ، وتأملوا قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً } ، فقال سبحانه : { بعوضة } ، ولم يقل بعوضاً ، لأنه

 البعوضة اسم الأنثى ، فالأنثى لها فاعلية في نقل الأمراض .

تستعمل البعوضة تقنية تجلب الحيرة للعقول فالنظام المعقد المستعمل كالتالي :

عندما تحط البعوضة على الهدف أولاً بشم الدم ومعرفة هل هو مناسب لها أم لا ، فإن لم تجده مناسباً تركته وذهبت تبحث عن غذاء آخر .

بعد أن تتأكد أن نوع الدم مناسب لها تقوم بالبحث عن مكان مناسب رقيق ،

 فيه كمية دم غزيرة ، كالأوردة الشعرية ثم تقوم بتحديد مكان معين بواسطة الشفاه الموجودة في الخرطوم .ثم تقوم ببخ المكان الذي سوف تقوم بشقه بمادة مخدرة أشبه ما تكون بالمخدر الموضعي، ومن المكان المنشق تدخل الإبرة إلى أن تصل إلى العرق وتقوم بعملية مص الدم .

وكما هو معروف عن جسم الإنسان عندما يخرج الدم من مكان وخلال مدة قصيرة وبمساعدة الأنزيمات الموجودة في الجسم يتم تخثر الدم في تلك المنطقة .

إذن هذا الأنزيم يسبب مشكلة كبيرة للبعوضة لأن الثقب الذي أحدثته البعوضة 

في مدة قليلة سينغلق وهذا يعنى أنها لا تستطيع أن تمتص الدم ، ولكن مثل هذه المشكلة لا تواجه البعوضة لأنها تقوم بصنع مادة في جسمها وتفرزها في جسم الإنسان في تلك المنطقة وتمنع من تخثر الدم هناك ، كذلك تقوم هذه المادة بإحداث تهيج في الجلد مما يسبب توارد الدم إليه ، والبعوضة عندما تلدغ الإنسان من مكان معين ، هذا المكان ينتفخ ويشعر الإنسان بحكة ، وسبب ذلك هو الأنزيم الذي قامت البعوضة بإفرازه لمنع التخثر .

بدون شك إن هذه الأعمال كلها تضعنا أمام أسئلة كثيرة منها:

1 -كيف تعرف البعوضة بوجود هذا الأنزيم الذي يُخثر الدم .

2 -كي تبطل البعوضة مفعول أنزيم التخثر بصنع هذا أنزيم الخاص؟ وكيف لها أن تعرف هذه المادة الكيميائية وكيف يحدث كل هذا؟

3 -كيف حصلت على هذه المعلومات؟

4- وكيف تستطيع هذه الحشرة أن تصنع مثل هذا الأنزيم داخل جسمها ثم تقوم بنقلها بواسطة تقنيتها إلى جسم الإنسان؟

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والثمانون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*البعوضة المعجزة الإلهية

والجواب كل هذه الأسئلة سهل بسيط ، فالبعوضة لا تستطيع أن تفعل أي شيء لأنها لا تملك عقلاً مدركاً ولا معلومات حول الكيمياء ولا مختبر لتصنيع هذه الأنزيمات فالحشرة التي نتكلم عنها لا يزيد طولها عن بضع ملمترات وبدون عقل وبدون علم . فالذي خلق الإنسان وخلق هذه البعوضة ، هذه الحشرة غير العادية الخارقة ، وجعلها صاحبة هذا النظام الخارق الذي يصيب الإنسان بالذهول ، فسبحان الذي أودع كل هذه الأجهزة المعقدة في هذا المخلوق الصغير 

قال الزمخشري : يا من يرى مد البعوض جناحه في ظلـمة الليل البهيم الأليل

                 ويرى منـاط عروقه في نحره والمخ من تلك العروق النحـل

                 ويرى خرير الدم في أوصاله متنقلاً من مفـصل في مفصل

                 ويرى ويسمع حس ما هو دونها في قـاع بحر مظلم متهـول

كيفية الإصابة بمرض الملاريا :

ولعل العجيب أيضاً أن دورة انتقال هذا المرض تأتي بدخول حيوان صغير الحجم في معدة نوع معين من هذا البعوض في مناطق من أفريقيا وآسيا وبعض 

الدول الأخرى وهذا الحيوان دقيق جداً لا يرى الملايين منه بالعين المجردة فيتكاثر هذا الحيوان داخل البعوضة وينشأ ملايين من أمثاله فتحمل هذه البعوضة ملايين من هذا الحيوان في أحشائها ولكن لا يصيبها بأذى وعندما تلدغ هذه البعوضة أي إنسان ينطلق هذا الحيوان داخل جدار الخرطوم وليس في التجويف ذاته ويدخل جسم الإنسان وبعدها يصاب الإنسان بما يسمى بمرض الملاريا. أفلا تستحق هذه الدابة الدراسة والأبحاث وأن يهتم بها العلم الحديث فماذا بعد ذلك يقول المرجفون ؟

البعوضة وقناة بنما : قناة بنما ممر مائي يصل ما بين المحيط الأطلسي والمحيط

 الهادئ. وتُعد هذه القناة من أعظم الإنجازات الهندسية في العالم. عملت القناة ـ بعد الانتهاء من شقها عام 1914 م ـ على تقصير مسافة رحلة السفن ما بين مدينة نيويورك وسان فرانسيسكو إلى أقل من 8,370كم. وفي الفترة التي سبقت شق هذه القناة، كان على السفن التي تقوم بمثل تلك الرحلة، أن تبحر حول أمريكا الجنوبية قاطعة نحو 20,900كم.

البعوض جندي لا يُقهر : وانظروا إلى حكمة الله وقوته وجبروته وكثرة جنده ، حيث يقول الله عز وجل : { وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } [ الفتح7 ] ، ويقول سبحانه : { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ } [ المدثر31 ] ، وكيف هذه الدابة الصغيرة التي يحتقرها الناس استطاعت أن تقهر أقوى جيش بدباباته وطائراته ومعداته الحديثة الفتاكة ، وهو جيش أمريكا عندما أرادت أن تحفر قناة في بنما وهي دولة تقع بين المحيط الأطلنطي والمحيط الهادي فأرغمت هذه الدولة التي لا حول لها ولا قوة بالخضوع والموافقة وبدأ الجيش في العمل ، ولكن الله سبحانه وتعالى أمر هذه الدابة بالتحرك فتحركت جيوش من البعوض تهاجم أعتى جيش فأصابته بالأمراض وهزمته بقدرة الواحد الأحد ، ومات عدد كبير من الجنود ، وفر الباقون ، وانسحب الجيش بمعداته وطائراته ، ولم يستطع حفر القناة ، إلا بعقد 

الاتفاقيات والمعاهدات مع صاحب البلد وحفرها أصحابها بأنفسهم .

خضعت منطقة القناة للولايات المتحدة الأمريكية بموجب اتفاقية بين البلدين بدأت من سنة 1978 م وانتهت سنة 1999 م. استعادت جمهورية بنما سيادتها على القناة بعد إدارة الولايات المتحدة الأمريكية لها 85 عاماً . يمر في قناة بنما أربعة عشر ألف سفينة سنوياً .

قامت الولايات المتحدة الأمريكية ببناء قناة بنما بتكلفة بلغت 380 مليون دولار أمريكي تقريبًا. وقد عمل آلاف العمال في هذه القناة لمدة عشر سنوات مستخدمين مجارف البحار وآلات رفع الأتربة، ليشقوا طريقهم عبر الغابات والتلال والمستنقعات.

تأمل وتدبر : فالذي يستصغر الأمور الصغيرة ولا يهتم بها هو في الحقيقة جاهل بمعرفتها لا يعلم من علمها شيء .[ الأنترنت – موقع صيد الفوائد - البعوضة المعجزة الإلهية - يحيى بن موسى الزهراني ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة 

والثمانون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*إعجاز خلق الدماغ

يقول عالم الأعصاب المعروف ديفيد أوتوسون ـ صاحب كتاب علم وظائف الأعصاب ـ في مقدمة كتابه:  "يستحيل على علماء الأعصاب في يوم من الأيام، لا في الوقت الحاضر ولا في المستقبل، أن يسبروا أغوار الدماغ ويكتشفوا أسراره بشكل نهائي وقطعي، وذلك لأن الدماغ البشري لا يستطيع أن يفهم نفسه."

هل من الممكن تفوق الحاسب الآلي على العقل البشري في أدائه في المستقبل؟

قام العالم هانز مورافاك ـ وهو عالم متخصص في علم الأعصاب وعلم الحاسبات في آن واحد ـ بعقد مقارنة بين أحدث الحاسبات في سنة 2000م وبين الدماغ البشري، وهو في مقارنته هذه لم يستقطع جزءً من الدماغ ليقوم بمقارنته مع الحاسبة الآلية الحديثة وإنما لجأ إلى شبكية العين وذلك للتعقيد الشديد لأجزاء الدماغ، اعتماداً على الحقيقة التي تقول بأن شبكية العين هي جزء ممتد من الدماغ إلى مؤخرة العين. وكانت نتيجة المقارنة 

ـ حسبما تمخضت عنه تجربة هذا العالم ـ أن الحاسبة الآلية الحديثة تحاكي في كفاءتها دماغ نملة واحدة، وإذا استمر خط التطور للحاسبات على النحو التصاعدي الحالي فمن المؤمل أن تصل الحاسبة في كفاءتها إلى مستوى دماغ ابسط الزواحف(الوزغ)بعد أربعين سنة أي في سنة 2040م

أما عن الدماغ البشري فلا يستطيع علم الحاسبات في الوقت الحاضر ولا في المستقبل إنتاج حاسبة تساوي في مقدرتها الدماغ البشري، ذلك لأن الدماغ البشري يساوي في كفاءته مليون حاسبة متطورة تعمل في نفس الوقت، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار القدرة الكهربائية المستهلكة من قبل هذه الحاسبات وهي تعمل مجتمعة، فإنها ستستهلك ما يقارب من 100 ألف أمبير، في حين أن دماغا بشريا واحدا يستهلك 6 واط في الدقيقة الواحدة0.1) أمبير).

دقة خلق الألياف العصبية

حاول العلماء في الستينيات من القرن الماضي ـ في مراكز أبحاث العلوم العصبية الأمريكية ـ صناعة أسلاك تضاهي في قابليتها الألياف العصبية، فوجدوا بعد دراسة معمقة دامت سنين طويلة أن مقاومة ليف عصبي واحد بطول متر واحد (أي من الحبل الشوكي إلى أخمص القدم) تساوي مقاومة نظيره من النحاس لكن بطول يساوي المسافة بين الأرض والمريخ عشر مراتأي 10×1300 ألف كم.والإعجاز في ذلك ليس في هذه المقاومة فحسب، وإنما يتجلى في حقيقة أن سلكا بهذه المسافة الكونية لو أرسلت في بدايته إشارة بقوة ألف فولت فإنها ستتبدد في هذه المسافة الطويلة، ولا يصل منها شيئا إلى الطرف الآخر. في حين أن الإشارة التي ترسل من الحبل الشوكي بقيمة 100 ملي فولت  0,1)فولت)ستصل دون أن تفقد شيئا من الطاقة إلى نهاية الليف العصبي في القدم. إن هذه الحقيقة اضطرت هؤلاء العلماء إلى القول باستحالة تقليد ليفاً عصبياً واحداً. لذا لا يمكننا القول بإمكانية تقليد الدماغ بخلاياه وأليافه ووظائفه البالغة التعقيد إلى حد الإعجاز.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة 

والثمانون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*إعجاز خلق الدماغ

 قال تعالى :{هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين."(سورة لقمان: 11]

لا يستطيع أحد من البشر ـ مهما بلغ من درجة العلم وقوة التخيل ـ أن يتصور التعقيد المذهل للدماغ البشري. فقد أجمع العلماء على أن الدماغ هو أعقد مخلوق لله تعالى في هذا الكون، وهذا ما أدلى به عالم الأعصاب المعروف والدر بنفيلد حيث قال "إن الدماغ البشري هو كون صغير، لا يقل في تعقيده عن الكون الكبير. فكما أن الله قد تجلى لخلقه في الكون الكبير، فانه كذلك قد تجلى في هذا الكون الصغير".

إن مستوى تعقيد بنية الدماغ مهولا فعدد الخلايا العصبية في دماغ الإنسان هي عشرة آلاف مليون خلية عصبية، وهو عدد سهل اللفظ لكنه صعب التصور، وهناك في الدماغ خلايا أخرى وظيفتها تغذية وإسناد الخلايا العصبية يبلغ عددها عشرة أمثال الخلايا العصبية )أي 100 ألف مليون خلية(، أما عن الألياف العصبية فيكفي أن نذكر جانبا واحدا لنتصور مدى تعقيدها فمثلا يحتوي الجسم الثـفني (Corpus Callosum) على 300 مليون ليف عصبي، حيث أنه يصل الفص الأيمن بالفص الأيسر من الدماغ، وتبلغ عدد الإشارات العصبية التي تمر خلاله 4 مليارات إشارة في كل ثانية كي يعلم أحد الفصين ما يقوم به الفص الآخر!!!

هناك حقيقة أخرى تدلى على مدى شدة تعقيد الخلايا العصبية وهي أن كل خلية عصبية تتسلم عشرة آلاف اشتباك عصبي يأتيها من مختلف مناطق الدماغ. يستثنى من ذلك الفص الجبهي والمخيخ. ففي الفص الجبهي تتسلم كل خلية أربعين ألف اشتباك عصبي، أما في المخيخ فان نوعاً واحداً من أنواع خلاياه الخمسة، وهي خلايا بركنجي ـ والتي يبلغ عددها 30 مليون خلية ـ تتسلم كل خلية منها مليون اشتباك عصبي!!

الدماغ يسيطر على مختلف وظائف الجسم

 في القرن الثامن عشر الميلادي، كان الاعتقاد سائداً في الأوساط العلمية أن الوظائف موزعة بصورة عشوائية على مختلف مناطق الدماغ، ولا يوجد هناك تقدير أو قانون لذلك. ولكن الأمر قد تغير في منتصف القرن التاسع عشر وما بعده فقد ثبت بالدليل القاطع أن هذه النظرية خاطئة، حيث أن هنالك توزيعاً دقيقاً ومحكماً لمختلف الوظائف على مناطق محددة من الدماغ. فمثلاً وظيفة الفص القحفي ـ الذي يقع في مؤخرة الدماغ ـ هي النظر بالتحديد، ووظيفة الفص الجبهي التفكير واتخاذ القرارات السليمة وجزء من الذاكرة، كما أن فيه الشريط الحركي الذي يسيطر على حركة الشق المقابل من الجسم) الوجه والطرف العلوي والسفلي)، وهكذا بخصوص بقية الأجزاء.  يقول الله عز وجل: "وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً."(الفرقان: من الآية 2) أما بالنسبة للعواطف والمشاعر الإنسانية، كالحب والبغض والفرح والحزن والاطمئنان والقلق وعلاقتها بالدماغفهنالك نظاماً كاملاً في أعماق الدماغ يسمى النظام المحيطي العاطفي 

(Emotional Limbic System) وظيفته الوحيدة هي العواطف والمشاعر.

علاقة الروح والإرادة بالدماغ :

هناك مراحل عديدة لتحديد هذه العلاقة من خلال تطور علم الأعصاب، وهو لا يزال الشغل الشاغل لكثير من علماء الأعصاب، وباختصار شديد نقول أن الروح ـ حسب معطيات العلم الحديث ـ هي التي تهيمن على الدماغ بكل ما تحويه الكلمة من معنى، فهي التي تفهم إشاراته، وهي التي توجهه(أي هي مصدر الإرادة(ليقوم بعمل معين، فالمسألة أشبه ما تكون بالملك والجنود.

وأخيرا فإن أنسب خاتمة هي قول الله تبارك وتعالى: "نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ." (الواقعة:57) نعم .. صدقنا وآمنا بك يا رب، كيف لا ونحن نشاهد عظمة خلقك وبديع صنعك وإعجاز تقديرك؟!!

المصادر :* الكتب العلمية المتخصصة بعلم الدماغ ترجمة الأستاذ الدكتور احمد عدنان أخصائي جراحة الجملة العصبية في مركز العلوم العصبية في بغداد.

[ الأنترنت- موقع معرفة الله  - إعجاز خلق الدماغ - فريق عمل الموقع ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة 

والثمانون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

  * المهمة التي من أجلها خلق القلب واستعماله في هذه المهمة

قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية الحراني قدس الله روحه ونور ضريحه : فصل : ثم إن الله سبحانه وتعالى خلق القلب للإنسان يعلم به الأشياء كما خلق له العين يرى بها الأشياء والأذن يسمع بها الأشياء كما خلق له سبحانه كل عضو من أعضائه لأمر من الأمور وعمل من الأعمال . فاليد للبطش والرجل للسعي واللسان للنطق والفم للذوق والأنف للشم والجلد للمس وكذلك سائر الأعضاء الباطنة والظاهرة .

فإذا استعمل الإنسان العضو فيما خلق له وأعد لأجله فذلك هو الحق القائم والعدل الذي قامت به السموات والأرض وكان ذلك خيرا وصلاحا لذلك العضو و لربه و للشيء الذي استعمل فيه وذلك الإنسان الصالح [ ص: 308 ] هو الذي استقام حاله و { أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } .

وإذا لم يستعمل العضو في حقه بل ترك بطالا فذلك خسران وصاحبه مغبون 

وإن استعمل في خلاف ما خلق له فهو الضلال والهلاك وصاحبه من الذين بدلوا نعمة الله كفرا .

ثم إن سيد الأعضاء ورأسها هو القلب : كما سمي قلبا . قال النبي صلى الله عليه وسلم { إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب } وقال صلى الله عليه وسلم { الإسلام علانية والإيمان في القلب ثم أشار بيده إلى صدره وقال ألا إن التقوى هاهنا ألا إن التقوى هاهنا } 

وإذ قد خلق القلب لأن يعلم به فتوجهه نحو الأشياء ابتغاء العلم بها هو الفكر 

والنظر كما أن إقبال الأذن على الكلام ابتغاء سمعه هو الإصغاء والاستماع وانصراف الطرف إلى الأشياء طلبا لرؤيتها هو النظر . فالفكر للقلب كالإصغاء للأذن ومثله نظر العينين فيما سبق وإذا علم ما نظر فيه فذاك مطلوبه كما أن الأذن كذلك إذا سمعت ما أصغت إليه أو العين إذا أبصرت ما نظرت إليه . وكم من ناظر مفكر لم يحصل العلم ولم ينله كما أنه كم من ناظر إلى الهلال لا يبصره ومستمع إلى صوت لا يسمعه .

وعكسه من يؤتى علما بشيء لم ينظر فيه ولم تسبق منه إليه سابقة تفكير فيه كمن فاجأته رؤية الهلال من غير قصد إليه أو سمع قولا من غير أن يصغي إليه وذلك كله لا لأن القلب بنفسه يقبل العلم وإنما الأمر موقوف على شرائط واستعداد قد يكون فعلا من الإنسان فيكون مطلوبا وقد يأتي فضلا من الله فيكون موهوبا . فصلاح القلب وحقه والذي خلق من أجله هو أن يعقل الأشياء لا أقول أن يعلمها فقط فقد يعلم الشيء من لا يكون عاقلا له بل غافلا عنه ملغيا له والذي يعقل الشيء هو الذي يقيده ويضبطه ويعيه ويثبته في قلبه فيكون وقت الحاجة إليه غنيا فيطابق عمله قوله وباطنه ظاهره وذلك هو الذي أوتي الحكمة .  

     إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التسعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

  * المهمة التي من أجلها خلق القلب واستعماله في هذه المهمة

{ ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا } . وقال أبو الدرداء : إن من الناس من يؤتى علما ولا يؤتى حكما وإن شداد بن أوس ممن أوتي علما وحكما 

وهذا مع أن الناس متباينون في نفس عقلهم الأشياء من بين كامل وناقص وفيما يعقلونه من بين قليل وكثير وجليل ودقيق وغير ذلك .

ثم هذه الأعضاء الثلاثة هي أمهات ما ينال به العلم ويدرك أعني العلم الذي يمتاز به البشر عن سائر الحيوانات دون ما يشاركها فيه من الشم والذوق [ ص: 310 ] واللمس وهنا يدرك به ما يحب ويكره وما يميز به بين من يحسن إليه ومن يسيء إليه إلى غير ذلك . قال الله تعالى : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } وقال : { ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون } وقال : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } وقال : { وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة } وقال

 : { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة } .

وقال فيما لكل عضو من هذه الأعضاء من العمل والقوة : { ولقد ذرأنا لجهنم 

كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها } .

ثم إن العين تقصر عن القلب والأذن وتفارقهما في شيء وهو أنها إنما يرى صاحبها بها الأشياء الحاضرة والأمور الجسمانية مثل الصور والأشخاص فأما القلب والأذن فيعلم الإنسان بهما ما غاب عنه وما لا مجال للبصر فيه من الأشياء الروحانية والمعلومات المعنوية ثم بعد ذلك يفترقان : فالقلب يعقل الأشياء بنفسه إذ كان العلم هو غذاءه وخاصيته أما الأذن فإنها تحمل الكلام المشتمل على العلم إلى القلب فهي بنفسها إنما تحمل القول والكلام فإذا وصل ذلك إلى القلب أخذ منه ما فيه من العلم فصاحب العلم في حقيقة الأمر هو القلب وإنما سائر الأعضاء حجبة له توصل إليه من الأخبار ما لم [ ص: 311 ] يكن ليأخذه بنفسه حتى إن من فقد شيئا من هذه الأعضاء فإنه يفقد بفقده من العلم ما كان هو الواسطة فيه .

فالأصم لا يعلم ما في الكلام من العلم والضرير لا يدري ما تحتوي عليه 

الأشخاص من الحكمة البالغة وكذلك من نظر إلى الأشياء بغير قلب أو استمع إلى كلمات أهل العلم بغير قلب فإنه لا يعقل شيئا ; فمدار الأمر على القلب وعند هذا تستبين الحكمة في قوله تعالى { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها } حتى لم يذكر هنا العين كما في الآيات السوابق فإن سياق الكلام هنا في أمور غائبة وحكمة معقولة من عواقب الأمور لا مجال لنظر العين فيها ومثله قوله : { أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون } وتتبين حقيقة الأمر في قوله : { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } .

فإن من يؤتى الحكمة وينتفع بالعلم على منزلتين إما رجل رأى الحق بنفسه فقبله فاتبعه ولم يحتج إلى من يدعوه إليه فذلك صاحب القلب ; أو رجل لم يعقله 

بنفسه بل هو محتاج إلى من يعلمه ويبينه له ويعظه ويؤدبه فهذا أصغى ف : { ألقى السمع وهو شهيد } . أي حاضر القلب ليس بغائبه . كما قال مجاهد : 

أوتى العلم وكان له ذكرى .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والتسعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

  * المهمة التي من أجلها خلق القلب واستعماله في هذه المهمة

ويتبين قوله :{ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون } { ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون } وقوله :      { ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا } .

ثم إذا كان حق القلب أن يعلم الحق فإن الله هو الحق المبين { فذلكم الله ربكم 

الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال } إذ كان كل ما يقع عليه لمحة ناظر أو يجول في لفتة خاطر فالله ربه ومنشئه وفاطره ومبدئه لا يحيط علما إلا بما هو من آياته البينة في أرضه وسمائه . وأصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد :

ألا كل شيء ما خلا الله باطل  ، أي ما من شيء من الأشياء إذا نظرت إليه من جهة نفسه إلا وجدته إلى العدم وما هو فقير إلى الحي القيوم فإذا نظرت إليه وقد تولته يد العناية بتقدير من أعطى كل شيء خلقه ثم هدى رأيته حينئذ موجودا مكسوا حلل الفضل والإحسان فقد استبان أن القلب إنما خلق لذكر الله سبحانه ولذلك قال بعض الحكماء المتقدمين من أهل الشام - أظنه سليمان الخواص رحمه الله - قال : الذكر للقلب بمنزلة الغذاء للجسد فكما لا يجد الجسد لذة الطعام مع السقم فكذلك القلب لا يجد حلاوة الذكر مع حب الدنيا . أو كما قال .

فإذا كان القلب مشغولا بالله عاقلا للحق متفكرا في العلم فقد [ ص: 313 ] وضع في موضعه كما أن العين إذا صرفت إلى النظر في الأشياء فقد وضعت في موضعها أما إذا لم يصرف إلى العلم ولم يوع فيه الحق فقد نسي ربه فلم يوضع في موضع بل هو ضائع ولا يحتاج أن نقول قد وضع في موضع غير موضعه بل لم يوضع أصلا . فإن موضعه هو الحق وما سوى الحق باطل فإذا لم يوضع في الحق لم يبق إلا الباطل والباطل ليس بشيء أصلا وما ليس بشيء أحرى أن لا يكون موضعا .

والقلب هو نفسه لا يقبل إلا الحق . فإذا لم يوضع فيه فإنه لا يقبل غير ما خلق له . { سنة الله } { ولن تجد لسنة الله تبديلا } وهو مع ذلك ليس بمتروك مخل فإنه لا يزال في أودية الأفكار وأقطار الأماني لا يكون على الحال التي تكون عليها العين والأذن من الفراغ والتخلي فقد وضع في غير موضع لا مطلق ولا معلق موضوع لا موضع له . وهذا من العجب فسبحان ربنا العزيز الحكيم وإنما تنكشف للإنسان هذه الحال عند رجوعه إلى الحق إما في الدنيا عند الإنابة أو عند المنقلب إلى الآخرة فيرى سوء الحال التي كان عليها وكيف كان قلبه ضالا عن الحق . هذا إذا صرف في الباطل .

فأما لو ترك وحاله التي فطر عليها فارغا عن كل ذكر خاليا عن كل فكر فقد كان يقبل العلم الذي لا جهل فيه ويرى الحق الذي لا ريب فيه فيؤمن بربه وينيب إليه . فإن كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء لا يحس فيها من جدع [ ص: 314 ] { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم } وإنما يحول بينه وبين الحق في غالب الحال شغله بغيره من فتن الدنيا ومطالب الجسد وشهوات النفس فهو في هذه الحال كالعين الناظرة إلى وجه الأرض لا يمكنها أن ترى مع ذلك الهلال أو هو يميل إليه فيصده عن اتباع الحق فيكون كالعين التي فيها قذى لا يمكنها رؤية الأشياء .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والتسعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

  * المهمة التي من أجلها خلق القلب واستعماله في هذه المهمة

ثم الهوى قد يعترض له قبل معرفة الحق فيصده عن النظر فيه فلا يتبين له الحق كما قيل : حبك الشيء يعمي ويصم . فيبقى في ظلمة الأفكار وكثيرا ما يكون ذلك عن كبر يمنعه عن أن يطلب الحق { فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون } وقد يعرض له الهوى بعد أن عرف الحق فيجحده ويعرض عنه كما قال ربنا سبحانه فيهم : { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا } ثم القلب للعلم كالإناء للماء والوعاء للعسل والوادي للسيل . كما قال تعالى : { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها } الآية وقال النبي صلى الله عليه وسلم { إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا : فكانت منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فسقى الناس وزرعوا . وأصاب منها طائفة إنما قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما أرسلت به ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به } وفي حديث كميل بن زياد عن علي رضي الله عنه قال : القلوب أوعية فخيرها أوعاها . وبلغنا عن بعض السلف قال : القلوب آنية الله في أرضه فأحبها إلى الله تعالى أرقها وأصفاها . وهذا مثل حسن فإن القلب إذا كان رقيقا لينا كان قبوله للعلم سهلا يسيرا ورسخ العلم فيه وثبت وأثر وإن كان قاسيا غليظا كان قبوله للعلم صعبا عسيرا .

ولا بد مع ذلك أن يكون زكيا صافيا سليما حتى يزكو فيه العلم ويثمر ثمرا طيبا وإلا فلو قبل العلم وكان فيه كدر وخبث أفسد ذلك العلم وكان كالدغل في الزرع إن لم يمنع الحب من أن ينبت منعه من أن يزكو ويطيب وهذا بين لأولي الأبصار .

و ( تلخيص هذه الجملة أنه إذا استعمل في الحق فله وجهان : ( وجه مقبل على الحق ومن هذا الوجه يقال له : وعاء وإناء ; لأن ذلك يستوجب ما يوعى فيه ويوضع فيه وهذه الصفة صفة وجود وثبوت . و ( وجه معرض عن الباطل ومن هذا الوجه يقال له : زكي وسليم وطاهر ; لأن هذه الأسماء تدل على عدم الشر وانتفاء الخبث والدغل وهذه الصفة صفة عدم ونفي .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والتسعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

  * المهمة التي من أجلها خلق القلب واستعماله في هذه المهمة

وبهذا يتبين أنه إذا صرف إلى الباطل فله وجهان كذلك .

( وجه الوجود أنه منصرف إلى الباطل مشغول به .

و ( وجه العدم أنه معرض عن الحق غير قابل له وهذا يبين من البيان والحسن والصدق ما في قوله :

إذا ما وضعت القلب في غير موضع *** بغير إناء فهو قلب مضيع

فإنه لما أراد أن يبين حال من ضيع قلبه فظلم نفسه بأن اشتغل بالباطل وملأ به 

قلبه حتى لم يبق فيه متسع للحق ولا سبيل له إلى الولوج فيه ذكر ذلك منه

 فوصف حال هذا القلب بوجهيه ونعته بمذهبيه فذكر أولا وصف الوجود منه فقال : إذا ما وضعت القلب في غير موضع

يقول إذا شغلته بما لم يخلق له فصرفته إلى الباطل حتى صار موضوعا فيه .    ثم الباطل على منزلتين : ( إحداهما ) تشغل عن الحق ولا تعانده مثل الأفكار 

والهموم التي في علائق الدنيا وشهوات النفس .

و ( الثانية ) تعاند الحق وتصد عنه مثل الآراء الباطلة والأهواء المردية من 

الكفر والنفاق والبدع وشبه ذلك بل القلب لم يخلق إلا لذكر الله فما سوى ذلك 

فليس موضعا له .

ثم ذكر " ثانيا " وصف العدم فيه فقال بغير إناء ثم يقول : إذا وضعته بغير إناء ضيعته ولا إناء معك كما تقول حضرت المجلس بلا محبرة فالكلمة حال من الواضع . لا من الموضوع والله أعلم .

وبيان هذه الجملة - والله أعلم - أنه يقول إذا ما وضعت قلبك في غير موضع فقد شغل بالباطل ولم يكن معك إناء يوضع فيه الحق وينزل إليه الذكر والعلم الذي هو حق القلب فقلبك إذا مضيع ضيعته من وجهي التضييع وإن كانا متحدين من جهة أنك وضعته في غير موضع ومن جهة أنه لا إناء معك يكون وعاء للحق الذي يجب أن يعطاه ; كما لو قيل لملك قد أقبل على اللهو : إذا اشتغل بغير المملكة وليس في المملكة من يدبرها فهو ملك ضائع لكن الإناء هنا هو القلب بعينه وإنما كان ذلك كذلك لأن القلب لا ينوب عنه غيره فيما يجب أن يوضع فيه { ولا تزر وازرة وزر أخرى } .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والتسعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

  * المهمة التي من أجلها خُلق القلب واستعماله في هذه المهمة

وإنما خرج الكلام في صورة اثنين بذكر نعتين لشيء واحد . كما جاء نحوه في قوله تعالى { نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل } { من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان } قال قتادة والربيع : هو القرآن : فرق فيه بين الحلال والحرام والحق والباطل وهذا لأن الشيء الواحد إذا كان له وصفان كبيران فهو مع وصف واحد كالشيء الواحد ومع الوصفين بمنزلة الاثنين حتى لو كثرت صفاته لتنزل منزلة أشخاص . ألا ترى أن الرجل الذي يحسن الحساب والطب يكون بمنزلة حاسب وطبيب والرجل الذي يحسن النجارة والبناء بمنزلة نجار وبناء .والقلب لما كان يقبل الذكر والعلم فهو بمنزلة الإناء الذي يوضع فيه الماء وإنما ذكر في هذا البيت الإناء من بين سائر أسماء القلب ; لأنه هو الذي يكون رقيقا وصافيا وهو الذي يأتي به المستطعم المستعطي في منزلة البائس الفقير . ولما كان ينصرف عن الباطل فهو زكي وسليم فكأنه اثنان .

وليتبين في الصورة أن الإناء غير القلب فهو يقول :

إذا وضعت قلبك في غير موضع

وهو الذي يوضع فيه الذكر والعلم ولم يكن معك إناء يوضع فيه المطلوب فمثلك مثل رجل بلغه أن غنيا يُفرق على الناس طعاما وكان له زبدية أو سكرجة فتركها ثم أقبل يطلب طعاما فقيل له : هات إناء نعطيك طعاما فأما إذا أتيت وقد وضعت زبديتك - مثلا - في البيت وليس معك إناء نعطيك فلا تأخذ شيئا فرجعت بخفي حنين .

وإذا تأمل من له بصيرة بأساليب البيان وتصاريف اللسان وجد موقع هذا الكلام من العربية والحكمة كليهما موقعا حسنا بليغا فإن نقيض هذه الحال المذكورة أن يكون القلب مقبلا على الحق والعلم والذكر معرضا عن غير ذلك وتلك هي الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام فإن الحنف هو إقبال القدم وميلها إلى أختها فالحنف الميل عن الشيء بالإقبال على آخر ; فالدين الحنيف هو الإقبال على الله وحده والإعراض عما سواه . وهو الإخلاص الذي ترجمته كلمة الحق والكلمة الطيبة : " لا إله إلا الله " اللهم ثبتنا عليها في الدنيا والآخرة ولا حول ولا قوة إلا بالله .

 وهذا آخر ما حضر في هذا الوقت والله أعلم وصلى الله على محمد .

[ الأنترنت – موقع إسلام ويب - مجموع فتاوى ابن تيمية -  كتاب المنطق » المهمة التي من أجلها خلق القلب واستعماله في هذه المهمة ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والتسعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الإعجاز في قلب الإنسان

الإنسان هو ذلك الكائن العجيب الحي، فهو مِن أعقد الأحياء على وجه الأرض، وما تزال البحوثُ الطبِّية الحديثة تكشف عن عظمة الخالق جل شأنه، القائل في كتابه: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21].

فالإنسان يتألَّف مِن عدد ضخم مِن الأجهزة أهمها القلب، فهو مِن أعجب الآلات في جسمه، وجاءت العبادات في مجموعها - وعلى اختلاف أنواعها وأشكالها – تهدف إلى تطهير القلب مِن أمراضه، فالقلب هو القائد والآمر والناهي، والأعضاء والجوارح كلها جنودٌ له وخَدَمٌ وأتباع، فالقلب مِضخَّة مزدوجة تضخ الدم الذي يحمل الغذاء والوقود إلى كل خلية أو نسيج وعضوٍ وجهاز، عن طريق شبكة من الأوعية الدموية (أوردة وشرايين)، يزيد طولها على مائة وخمسين كيلو مترًا، والقلب يعمل منذ الشهر الثاني من حياة الجنين، وحتى يأتي أَجَل الإنسان، فإنه لا يغفُلُ ولا يسهو، ولا يقعد ولا يَمَلُّ ولا يشكو، بل يعمل دون راحةٍ ولا صيانة، فإذا سكن وتوقَّف في قفصه واستراح، خلَّف وراءه جثةً هامدة كأنها أعجازُ نخلةٍ خاوية.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائلُ عن القلبِ: ((ألا إن في الجسد مُضغةً، إذا صلَحت صلَح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسدُ كله، ألا وهي القلب))؛ (أخرجه البخاري ومسلم).

وصدق القائل:

دقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلةٌ لهُ:  ******* إنَّ الحياةَ دقائقٌ وثوانِ 

فارفَعْ لنفسِكَ قبلَ موتِكَ ذِكْرَها  *****فالذِّكرُ للإنسانِ عُمْرٌ ثانِ 

معنى القلب طبيًا:

هو عضوٌ عضلي مُجوَّف، صَنَوْبَرِي الشكل، بحجم قبضة اليد، ويزن حوالي 350 جرامًا لشخص يزن 70 كجم، ويمكن لهذا الوزن أن يزداد بزيادة عمله، كما هو عند الرياضيين، مكانُه في الصدر بين الرئتين، فيه أربعةُ تجاويفَ: أُذَينان Atium، وبُطَينان Venticle، مَهمَّتُه الأساسية استقبالُ الدم الوارد من أعضاء البدن المختلفة، وضخُّه إلى الرئتينِ ضمن جهاز الدوران؛ ليتخلص من غاز ثاني أكسيد الكربون، ويُحمَّل بالأكسجين ويعود إلى القلب ثانيةً، ليعيد ضخه إلى سائر الأعضاء مِن أجل تزويدها بعنصر الحياة، وهو الأكسجين اللازم للعمليات الحيوية التي تجري في الأجهزة المختلفة، فالقلب يضخُّ كلَّ يومٍ أكثر من 8000 لتر مِن الدم؛ أي بمعدل 4 إلى 5 لترات في الدقيقة، يمكن أن يزيد إلى ثلاثة أضعاف عند القيام بتمارين رياضية. ويحتوي القلبُ على صِمَامات تعمل على إيقاف تدفُّق الدم نحو الجهة المعاكسة،وتفتح هذه الصِّمامات عند اندفاع الدم، ثم تغلق تلقائيًّا لمنع رجوعِه، وعندما تُغلَق تقوم بصوتِ ضربةِ القلب، وهو الصوت الذي يسمَعُه الأطباء عندما يضعون السماعة على الصدر، ومعدل نبض القلب 70 نبضة بالدقيقة، عند الإنسان البالغ؛ أي ما يعادل 100000 مرة في اليوم.

وتحتاج عضلة القلبِ إلى 7 % من الأكسجين الذي يحمله الدم؛ لإنتاج طاقة الضخ، فإذا نقصت نسبة الأكسجين الواردة إليه، تؤدي إلى نوع من الاستقلاب اللاهوائي، ويَنتُج أَلَمٌ يُعرَف بالذبحة الصدرية anginz pectoris.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والتسعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الإعجاز في قلب الإنسان - القلب وكيس التامور:

قد أثبت البحث العلمي أن عضلة القلب هي أقوى وأمتن عضلة في الإنسان، ومن آيات الله الباهرة أن الله تعالى جعل لهذا القلب كيسًا لصيقًا به هو (الشَّغاف)، مُغلفًا بغِشاء آخر يسمى (التامور)، هذا الكيس يُفرِز مادة تُليِّن حركته؛ لئلا يحتكَّ بالقلب نفسِه، وهو كالزيت في الآلات تمامًا، والشَّغاف غِشاءٌ رقيق جدًّا أملسُ يُغلِّف القلب مباشرة، يعمل مع التامور الذي يُفرِز المادة المليِّنة لسهولة حركة القلب وعدم الاحتكاك أثناء الانقباض والانبساط، ﴿ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [الأنعام: 96].

خصائص تفرَّد بها القلب:

للقلب البشري خصائصُ تفرَّد بها عن بقية قلوبِ الحيوانات، وكذلك عن سائر الأعضاء الأخرى داخل جسم الإنسان؛ منها:

1 - التسيير الذاتي: إن للقلب عُقدًا عصبية مستقلَّة، مكانُها أعلى الأُذَين 

الأيمن، تعلن هذه العقدة عن استقلالِ القلب عن الجهاز العصبي، فتأتَمِر بضرباته وتنتظم بإشارةٍ كهربائية من مركز توليد ذاتي، دون تدخُّل مباشر مِن الدماغ، ولهذا يمكن أن يبقى القلب ينبِضُ لساعات طويلة بعد اقتطاعه مِن الجسم إذا ما وضعناه في وسطٍ مُغَذٍّ.

2 - البِنْية العضلية المتميزة: يتكوَّن نسيج القلب مِن ألياف عضلية مخططة، ومِن المعلوم أن العضلات المخطَّطة هي عادةً عضلاتٌ إرادية؛ أي: يستطيع الإنسان أن يُحرِّكها بإرادته، ومثالُها عضلات الأطراف التي تتحرَّك بإرادتنا، على العكس من العضلات المَلْساء، فهي لا إرادية، ومثالها عضلات الأَمْعاء.

أما عضلةُ القلب فإنها تُخالف هذه القاعدة، فهي عضلة مخططة، ولكنها غير إرادية؛ أي: لا سيطرةَ للإنسان على عملها، فلا يستطيع الإنسان أن يُسيطر على سرعة نبضات قلبه، ولا يَملِك أن يُوقِف قلبه أو يُحرِّكه كما يشاء أو وقتما يشاء، ومِن عظمة الله تعالى وجودُ القلب مدفونًا بين الرئتينِ، وفي القفص الصدري العَظْمي؛ مما يُمثل حمايةً له؛ حتى لا يتأثر بالعوامل الخارجية من الضغط أو اللمس أو الصدمات، فأوجده الله تعالى في صندوقٍ لحمايته، فسبحان الخالق!

3 - خصائص هرمونية: تُشير بعض البحوث الحديثة إلى أن للقلب وظائفَ 

هرمونيةً؛ حيث يُفرِز هرمونًا يُدعَى العالم الأُذيني طارح الصوديوم، وهو هرمون تُفرِزه الخلايا العضلية في الأُذَينين يساعد على تخليص البدن من الصوديوم والماء الفائضين عن حاجة البدن، بالتفاعل مع بقية الهرمونات ذات العَلاقة بهذه العملية، وهي توازن السائل والأملاح، وهي وظيفة حيوية على درجة كبيرة من الأهمية، كما توجد بعض البحوث التي تشير إلى احتمال وجود المزيد من الهرمونات التي يُفرِزها القلب، وتعمَل بدورِها على سيطرة القلب على بقية الأعضاء.

4 - معدل النبضات: تقولُ الإحصاءات: إن أعلى مُعدَّل لنبضات القلب في 

الحيوانات ذوات القلوب، لا يتعدى (4 مليارات نبضة) خلال فترة حياتها، أما الإنسان فإن معدل نبضات قلبه يصل إلى ضعف هذا المعدل؛ أي: حوالي (8 مليارات نبضة)، فهذه الاختلافات الجوهرية هي التي تجعل قلب الإنسان متميزًا عن بقية أعضاء البدن، كما تجعله متميزًا عن قلوب المخلوقات الأخرى، ولله في خلقه شؤون.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والتسعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الإعجاز في قلب الإنسان - تأثير القلب على المخ: 

ذكر الباحثون أربع وسائل يُؤثِّر القلب بها على المخ:

1 - عصبيًّا مِن خلال النبضات العصبية.

2 - كيميائيًّا بواسطة الهرمونات والناقلات العصبية.

3 - فيزيائيًّا بموجات الضغط.

الطاقة بواسطةِ المجال الكهرومغناطيسي للقلب، فالمجال الكهربائي للقلب أقوى 60 مرة مِن المخ، والمجال المغناطيسي أقوى 5000 مرة من المجال الذي يبعثه المخ.

أمراض القلب وكيفية الوقاية منها:

رغم أنه لا يمكنُ حصرُ أنواعِ الأمراض التي تُصِيب قلب الإنسان، فإن هناك

 أنواعًا قليلةً تُشكِّل أغلبية ما تصيب الإنسان؛ وأهمها:

1 - أمراض ناتجة عن التشوُّهات الخَلقية؛ مثل الثَّقْب في القلب، وضيق

 الصِّمَامات، ورباعية فالوت، وتعرض الحامل لأشعة أكس، وغيرها، وذلك 

يسهم إلى حد كبير في إنتاج هذه التشوُّهات في قلب الجنين، وخصوصًا إن كان الحمل في الشهور الثلاثة الأولى.

2 - أمراض ناتجة عن الحُمَّى الروماتيزمية، وهذه تُؤدِّي إلى تشويهِ الصِّمامات وحدوث ضيق أو تهريب وتوسيع الصِّمَام، وأكثر ما تصيب الصِّمام التاجي، ثم 

الأَبْهَر، ويسببها جرثومة ستربمتوكوكس التي تسبب التهاب اللوزتين والحلق، فإذا أهمل علاج التهاب اللوزتين في الأطفال، تتكوَّن في الدم أجسام مناعية تكون مسؤولة عن التفاعل مع الصِّمام وتخريبه، وعند حدوث ذلك يتم علاج اللوزتين 

بالجراحة أو بدواءِ البنسلين.

3 - أمراض ناتجة عن تصلب الشرايين التاجية: الشرايين التاجية هي شرايين صغيرةٌ تتفرَّع مِن الشريان الأَبْهَر، وتنتشر فوق عضلة القلب، لتمدَّها بالدم المليء بالأوكسجين والغذاء، وإذا ضاق أو انسدَّ أحدُ هذه الشرايين، قاست العضلةُ بسبب قلة التروية؛ مما يؤدي إلى إحساس الإنسان بألم وسط الصدر أو الجهة اليسرى أو اليمنى، وكثيرًا ما يمتد إلى الذراع الأيسر أو إلى الرقبة، أو الفك الأسفل، ويشعر المصاب كأنه يختنق، أو يضيق نَفَسُه، وهذا ما يسمي بالخناق الصدري، ويحدث بعد المجهودِ العضلي أو النفسي في أكثر الأحيان، وفي الحالات 

المتقدمة من المرض، وقد يحدث أثناء الراحة، وقد يُوقِظ الإنسانَ مِن النوم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والتسعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الإعجاز في قلب الإنسان 

العوامل التي تزيد من احتمال حدوث تصلب الشرايين التاجية:

1 - التدخين يزيد من احتمال حدوث تصلب الشرايين من 3 - 5 مرات عند 

المدخنين، بالمقارنة مع غير المدخنين، ويمكن علاجها بالكف عن التدخين نهائيًّا، والأحسن عدم تعلُّمِه منذ الصغر.

2 - ارتفاع ضغط الدم، مما يؤدي إلى حدوث جلطة القلب والدماغ، ويعالج الآن بنجاح كبير.

3 - ارتفاع نسبة الكوليسترول والدهون الثلاثية في الدم، ويمكن إبقاؤها طبيعيةً بتجنُّب المأكولات الغنيَّة بالكوليسترول؛ كالدهنيات الحيوانية، والكَبِد، وجلد الدجاج، وصفار البيض.

4 - الانفعال العاطفي وهموم العمل والحياة وأتعابها: وعلاجها هو الإيمان بقدر الله تعالى، والقناعة هي خير كَنزٍ في هذه الحياة والسيطرة على الهموم والأتعاب.

5 - العوامل الوراثية.

6 - عوامل أخرى؛ مثل: مرض السكر، والسِّمنة، والخمول، وقلة النشاط، ويوجد برنامج رياضي يومي منذ الصغر يساعد على تجنُّب السمنة، ويقلل من مستوى الكوليسترول في الدم، ويساعد على تقليل الضغط، والمهم أنه يساعد على ابتعاد الشباب عن التدخين، وكذلك اتِّباعُ نظام غذائي صحي.

القلب في القرآن الكريم:

لقد اهتم القرآن الكريم اهتمامًا خاصًّا بالقلب البشري، فأورد ذكرَه في عشرات

 الآيات، وعدَّه مِن أشرف أعضاء البدن، ونسب إليه الكثير من الوظائف التي نذكر منها:

♦ أن القلب هو الذي يتلقَّى الوحي: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [الشعراء: 193، 194].

♦ والقلب هو موضع الإيمان:﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾ [النحل: 106].

♦ والقلب هو موضع الكفر: ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ﴾ [الأعراف: 101].

♦ وهو موضع الطمأنينة والسكينة: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الفتح: 4].                                                                                         * ♦موضع التدبر والتعقل:﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾[محمد: 24].

القلب في السُّنة المطهرة:

وكما حفَل القرآن الكريم بمكانةِ القلب، فقد حفَلت به السُّنة النبوية أيضًا؛ حيث ورد الكثير من الأحاديث التي تبيِّن وظائف القلب وعَلاقته بالإيمان والكفر والنفاق، فعن النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن، ولا يغُرَّنَّكم هذه المصاحفُ المعلَّقة؛ فإن الله لن يُعذِّب قلبًا وعى القرآن))؛ (أخرجه الدارمي)، وقوله في حديث آخر: ((استفتِ قلبَك...))؛ الحديث

وقال صلى الله عليه وسلم في وسائل تليينِ القلب، وذلك بالإحسان والصدقات، حين جاءه 

رجل يشكو قسوة قلبه، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن أردتَ أن يلينَ قلبُك فأطعِمِ المسكين،

 وامسَح على رأس اليتيم))؛ (أخرجه أحمد والطبراني).

وقولُه صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن قلب إلا بين أصبعينِ من أصابع الرحمن، إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه))، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يا مُثبِّت القلوب ثبِّت قلوبَنا على دينِك))؛ (أخرجه ابن ماجه).

وقال صلى الله عليه وسلم: ((فإن الله لا يستجيبُ لعبدٍ دعاه عن ظهر قلب غافل)).

وهكذا نجد أن السُّنة النبوية - تُؤكِّد كما أكد القرآن مِن قبلُ - أن للقلب وظائفَ أخرى غير وظيفته الظاهرة، والله العليم بأسرار خلقه.

[ الأنترنت – موقع الألوكة - الإعجاز في قلب الإنسان - أ. د. علي فؤاد مخيمر ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والتسعون بعد المائتين في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*فصل في حكمة خلق القلب 

   إن الله سبحانه وتعالى خلق القلب للإنسان يعلم به الأشياء، كما خلق له العين يرى بها الأشياء، والأذن يسمع بها الأشياء، كما خلق له سبحانه كل عضو من أعضائه لأمر من الأمور، وعمل من الأعمال، فاليد للبطش، والرجل للسعي، واللسان للنطق، والفم للذوق، والأنف للشم، والجلد للمس، وكذلك سائر الأعضاء الباطنة والظاهرة‏.‏ فإذا استعمل الإنسان العضو فيما خلق له وأعد لأجله، فذلك هو الحق القائم، والعدل الذي قامت به السموات والأرض، وكان ذلك خيرًا وصلاحًا لذلك العضو ولربه وللشيء الذي استعمل فيه، وذلك الإنسان الصالح هو الذي استقام حاله، و ‏{‏‏أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ‏}‏‏ ‏[‏ البقرة‏:‏ 5 ‏]‏ ‏. ‏‏ وإذا لم يستعمل العضو في حقه، بل ترك بطالًا فذلك خسران، وصاحبه مغبون، وإن استعمل في خلاف ما خلق له فهو الضلال والهلاك، وصاحبه من الذين بدلوا نعمة الله كفرًا، ثم إن سيد الأعضاء ورأسها هو القلب، كما سمى قلبًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب‏"،، وقال صلى الله عليه وسلم "الإسلام علانية والإيمان في القلب‏"‏‏ ثم أشار بيده إلى صدره وقال "ألا إن التقوى ها هنا إلا إن التقوى ها هنا‏". ‏‏ وإذ قد خلق القلب لأن يعلم به فتوجهه نحو الأشياء ابتغاء العلم بها هو الفكر والنظر، كما أن إقبال الأذن على الكلام ابتغاء سمعه هو الإصغاء والاستماع، وانصراف الطرف إلى الأشياء طلبًا لرؤيتها هو النظر، فالفكر للقلب، كالإصغاء للأذن، ومثله نظر العينين فيما سبق، وإذا علم ما نظر فيه فذاك مطلوبة، كما أن الأذن كذلك إذا سمعت ما أصغت إليه، أو العين إذا أبصرت ما نظرت إليه، وكم من ناظر مفكر لم يحصل العلم ولم ينله، كما أنه كم من ناظر إلى الهلال لا يبصره، ومستمع إلى صوت لا يسمعه‏. ‏‏ وعكسه من يؤتي علمًا بشيء لم ينظر فيه ولم تسبق منه إليه سابقة تفكير فيه، كمن فاجأته رؤية الهلال من غير قصد إليه، أو سمع قولًا من غير أن يصغى إليه، و ذلك كله لا لأن القلب بنفسه يقبل العلم، وإنما الأمر موقوف على شرائط واستعداد قد يكون فعلا من الإنسان فيكون مطلوبًا، وقد يأتي فضلا من الله فيكون موهوبًا‏. ‏‏ فصلاح القلب وحقه، والذي خلق من أجله، هو أن يعقل الأشياء، لا أقول أن يعلمها فقط، فقد يعلم الشيء من لا يكون عاقلًا له، بل غافلًا عنه ملغيًا له، والذي يعقل الشيء هو الذي يقيده ويضبطه ويعيه ويثبته في قلبه، فيكون وقت الحاجة إليه غنيًا فيطابق عمله قوله، وباطنه ظاهره، و ذلك هو الذي أوتى الحكمة، ‏{‏‏وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا‏}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 269‏]‏، وقال أبو الدرداء‏:‏ إن من الناس من يؤتي علمًا ولا يؤتي حكمًا، وإن شداد بن أوس ممن أوتي علمًا وحكمًا‏. ‏‏ 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*فصل في حكمة خلق القلب

وهذا مع أن الناس متباينون في نفس عقلهم الأشياء من بين كامل وناقص، وفيما يعقلونه من بين قليل وكثير، وجليل ودقيق، وغير ذلك‏. ‏‏ 

ثم هذه الأعضاء الثلاثة هي أمهات ما ينال به العلم ويدرك، أعنى العلم الذي يمتاز به البشر عن سائر الحيوانات دون ما يشاركها فيه، من الشم والذوق واللمس، وهنا يدرك به ما يحب ويكره وما يميز به بين من يحسن إليه ومن يسيء إليه إلى غير ذلك، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏‏ ‏[‏النحل‏:‏ 78‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏‏ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ‏}‏‏ ‏[‏السجدة‏:‏ 9‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏‏وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا‏}‏‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 36‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏‏وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً‏}‏‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏ 26‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏‏خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ‏}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 7‏]‏‏. ‏‏ وقال فيما لكل عضو من هذه الأعضاء من العمل والقوة‏:‏ ‏{‏‏وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا‏}‏‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 179‏]‏‏. ‏‏ ثم إن العين تقصر عن القلب والأذن، وتفارقهما في شيء وهو أنها إنما يرى صاحبها بها الأشياء الحاضرة والأمور الجسمانية مثل الصور والأشخاص، فأما القلب والأذن فيعلم الإنسان بهما ما غاب عنه وما لا مجال للبصر فيه من الأشياء الروحانية، والمعلومات المعنوية، ثم بعد ذلك يفترقان، فالقلب يعقل الأشياء بنفسه إذ كان العلم هو غذاءه وخاصيته، أما الأذن فإنها تحمل الكلام المشتمل على العلم إلى القلب، فهي بنفسها إنما تحمل القول والكلام، فإذا وصل ذلك إلى القلب أخذ منه ما فيه من العلم، فصاحب العلم في حقيقة الأمر هو القلب، وإنما سائر الأعضاء حجبة له توصل إليه من الأخبار ما لم يكن ليأخذه بنفسه، حتى إن من فقد شيئًا من هذه الأعضاء فإنه يفقد بفقده من العلم ما كان هو الواسطة فيه‏.‏ فالأصم لا يعلم ما في الكلام من العلم، والضرير لا يدري ما تحتوي عليه الأشخاص من الحكمة البالغة، وكذلك من نظر إلى الأشياء بغير قلب، أو استمع إلى كلمات أهل العلم بغير قلب، فإنه لا يعقل شيئًا فمدار الأمر على القلب، وعند هذا تستبين الحكمة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏‏أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا‏}‏‏‏[‏الحج‏:‏ 46‏]‏، حتى لم يذكر هنا العين كما في الآيات السوابق، فإن سياق الكلام هنا في أمور غائبة، وحكمة معقولة من عواقب الأمور لا مجال لنظر العين فيها، ومثله قوله‏:‏ ‏{‏‏أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ‏}‏‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 44‏]‏ ،وتتبين حقيقة الأمر في قوله‏:‏ ‏{‏‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ‏}‏‏‏[‏ق‏:‏ 37‏]‏‏. ‏‏ فإن من يؤتي الحكمة وينتفع بالعلم على منزلتين، إما رجل رأى الحق بنفسه فقبله فاتبعه و لم يحتج إلى من يدعوه إليه، فذلك صاحب القلب؛ أو رجل لم يعقله بنفسه بل هو محتاج إلى من يعلمه ويبينه له ويعظه ويؤدبه، فهذا أصغى فـ ‏{‏‏أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ‏}‏‏ أي‏:‏ حاضر القلب ليس بغائبه، كما قال مجاهد‏:‏ أوتي العلم وكان له ذكرى‏. ‏‏ 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*فصل في حكمة خلق القلب

ويتبين قوله‏:‏ ‏{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ ‏.‏ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ‏}‏‏ ‏[‏يونس‏:‏ 42- 43‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ‏}‏‏‏[‏الأنعام‏:‏ 25‏]‏‏. ‏‏ ثم إذا كان حق القلب أن يعلم الحق، فإن الله هو الحق المبين، ‏{‏‏فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ}‏‏‏[‏يونس‏:‏ 32‏]‏، إذ كان كل ما يقع عليه لمحة ناظر أو يجول في لفتة خاطر، فالله ربه ومنشئه، وفاطره ومبدئه، لا يحيط علما إلا بما هو من آياته البينة في أرضه و سمائه، وأصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد‏:‏ ألا كل شيء ما خلا الله باطل** أي‏:‏ ما من شيء من الأشياء إذا نظرت إليه من جهة نفسه إلا وجدته إلى العدم، وما هو فقير إلى الحي القيوم، فإذا نظرت إليه وقد تولته يد العناية بتقدير من أعطى كل شيء خلقه ثم هدى رأيته حينئذ موجودًا مكسوًا حلل الفضل والإحسان، فقد استبان أن القلب إنما خلق لذكر الله سبحانه؛ و لذلك قال بعض الحكماء المتقدمين من أهل الشام أظنه سليمان الخواص رحمه الله قال‏:‏ الذكر للقلب بمنزلة الغذاء للجسد، فكما لا يجد الجسد لذة الطعام مع السقم، فكذلك القلب لا يجد حلاوة الذكر مع حب الدنيا، أو كما قال‏. ‏‏ فإذا كان القلب مشغولًا بالله، عاقلا للحق، متفكرًا في العلم، فقد وضع في موضعه، كما أن العين إذا صرفت إلى النظر في الأشياء فقد وضعت في موضعها، أما إذا لم يصرف إلى العلم ولم يوع فيه الحق فقد نسي ربه، فلم يوضع في موضع بل هو ضائع، ولا يحتاج أن نقول‏:‏ قد وضع في موضع غير موضعه، بل لم يوضع أصلا؛ فإن موضعه هو الحق، وما سوى الحق باطل، فإذا لم يوضع في الحق لم يبق إلا الباطل، والباطل ليس بشيء أصلا، وما ليس بشيء أحرى ألا يكون موضعًا‏. ‏ والقلب هو نفسه لا يقبل إلا الحق، فإذا لم يوضع فيه فإنه لا يقبل غير ما خلق له، ‏{‏‏ِسُنَّةِ اللَّهِ‏‏ ‏‏وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا‏}‏‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 62‏]‏ وهو مع ذلك ليس بمتروك مخلي، فإنه لا يزال في أودية الأفكار وأقطار الأماني لا يكون على الحال التي تكون عليها العين والأذن من الفراغ والتخلي، فقد وضع في غير موضع لا مطلق ولا معلق، موضوع لا موضع له، و هذا من العجب فسبحان ربنا العزيز الحكيم، وإنما تنكشف للإنسان هذه الحال عند رجوعه إلى الحق، إما في الدنيا عند الإنابة، أو عند المنقلب إلى الآخرة، فيرى سوء الحال التي كان عليها، وكيف كان قلبه ضالا عن الحق، هذا إذا صرف في الباطل‏. ‏‏ فأما لو ترك وحاله التي فطر عليها فارغًا عن كل ذكر، خاليًا عن كل فكر، فقد كان يقبل العلم الذي لا جهل فيه، ويرى الحق الذي لا ريب فيه، فيؤمن بربه وينيب إليه، فإن كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، لا يحس فيها من جدع ‏{‏‏فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ‏}‏‏ ‏[‏الروم‏:‏ 30‏]‏، وإنما يحول بينه وبين الحق في غالب الحال شغله بغيره من فتن الدنيا، ومطالب الجسد، وشهوات النفس، فهو في هذه الحال كالعين الناظرة إلى وجه الأرض لا يمكنها أن ترى مع ذلك الهلال، أو هو

 يميل إليه فيصده عن إتباع الحق، فيكون كالعين التي فيها قذى لا يمكنها رؤية الأشياء‏. 

[ الأنترنت – موقع مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - فصل في حكمة خلق القلب - الجزء التاسع.]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* كيفيّة الحفاظ على نعمة العقل؟

ما هو العقل ؟

العقل :هو مصطلح يستعمل عادة لوصف القدرة على التمييز والادراك واتخاذ القرار بالاستفادة من بيانات للدماغ البشري وخاصة تلك الوظائف التي 

يكون فيها الإنسان واعيا بشكل شخصي مثل : الشخصية، التفكير، الجدل، الذاكرة، الذكاء، التحليل وحتى الانفعال العاطفي يعدها البعض ضمن وظائف العقل.

و رغم وجود فصائل حيوانية أخرى تمتلك بعض القابيات العقلية، إلا أن مصطلح العقل عادة يقصد به المتعلق بالبشر فقط. كما أنه يستعمل أحيانا لوصف قوى خارقه، غير بشرية، أو ما وراء طبيعية.

العقل جهاز أودعه الله في الإنسان ليكشف به بعض الحقائق، هناك معرفة حسية أساسها الحواس الخمس، هذه المعرفة بسيطة، أنت ترى، وتسمع، وتشم، وتلمس، وتشعر، هذه المعرفة الحسية نحن وبقية المخلوقات فيها سواء، لكن هناك معرفة أرقى، أنه أودع الله في الإنسان جهازاً إن رأى الأثر عرف منه المؤثر، وإن رأى التسيير عرف منه المسير، وإن رأى الحكمة عرف منه الحكيم.

فالعقل معرفته أرقى من المعرفة الحسية، فالمعرفة الحسية شيء ظهرت ذاته وآثاره، أداة اليقين بهذا الشيء الحواس الخمس، لكن هناك أشياء عظيمة جداً غابت عنا ذاتها، بقيت آثارها، يأتي دور العقل ليكتشف ذاتاً غابت عينها، وبقيت آثارها.

لذلك الماء يدل على الغدير، والأقدام تدل على المسير، ولا دخان بلا نار، فالعقل معرفته أرقى، أنت بإمكانك من آثار الشيء أن تعرف الشيء...

نعمة العقل

وهب الله سبحانه وتعالى الإنسان العقل، وميّزه به عن سائر المخلوقات، حيث إنّ الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يمتلك العقل والقدرة على التفكير والتحليل، والعقل نعمةٌ كبيرةٌ، تُحمّل الإنسان مسؤوليّة التفكّر في خلق الله تعالى وفي الكون، وتميّز الحق من الباطل، ومعرفة ما يجب فعله وما لا يجب فعله.

ورد لفظ العقل على صيغة الفعل في القرآن الكريم تسعةً وأربعين مرّةً، ومنها قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف: 2]، كما وردت الإشارة إلى العقل بلفظ "الألباب"، وبعدة ألفاظٍ مختلفة، وكلها يدعو الله تعالى فيها الإنسان إلى التفكّر، أي أنّ وظيفة العقل الأساسيّة هي التفكّر والتدبّر.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* كيفيّة الحفاظ على نعمة العقل؟

الإنسان هوَ مخلوقٌ مُكرّم، كرّمهُ الله على غيرهِ من المخلوقات الأخرى وأعطاهُ السيادةَ عليها وميزه بنعمة العقل التي تفرّدَ بها عن غيره، حيثُ سخّرَ لهُ كُلّ شيءٍ لخدمته، فكانَ بهذا العقل الذي منحهُ الله إيّاه هوَ المُستخلف في الأرض لإعمارها وتطويرها والاستفادة من خيراتها الكثيرة، ولولا العقل البشريّ لكانَت هناك أسرار كثيرة دفينةٌ دونَ معرفة حقيقتها وتسخيرها لنفع البشريّة بشكلٍ عامّ.

العقل غريزة أودعها الله في الإنسان تقوم بدورها بتحليل الواقع من خِلال مُدخلات الإنسان الحسيّة المُتمثّلة بجوارحه التي تُعطي تصوّراً عامّاً وتفصيليّاً عن الواقع الذي يعيشه، فالأعضاء والجوارح كُلّها جُنود للعقل ليقوم بالتحليل والخُروج بخُلاصة مُفيدة للإنسان، وفي هذا المقال سنتحدّث عن أثر هذهِ النِعمة العظيمة عليه.

فالإنسان يشكر و يحمد لله الذي أكرم عباده المسلمين بنعمة الإسلام , وأتم عليهم نعمة العقل . ولأن الإسلام أمانة عظيمة . جعل الله العقل شرطا للتكليف الشرعي , وميز به الإنسان عن الحيوان وغيره من المخلوقات, فإذا ابتلى الله أي إنسان بفقدان العقل أسقط عنه التكاليف الشرعية , ورفع عنه القلم , ووصف الذين لا يعقلون بأنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا , فيا لجمال الإسلام ويا لنعمة العقل . اللهم أتمم علينا نعمة الإسلام ومتعنا بنعمة العقل ما حيينا .

فإنَّ مِنْ أفضل نِعَم الله على عباده، نعْمةَ العقل، فلولا العقل لما عرَف الإنسان دينَ الإسلام والنبوة، والخيرَ والشر، والحقَّ والباطل، والمعروفَ والمنكر، قال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [الإسراء: 70]، فالله - تعالى - فضَّل بني آدم على غيرِهم منَ الجمادات، والحيوانات، والنباتات بهذا العقْل. 

قال - تعالى - مادحًا عبادَه أصحاب العقول السليمة: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190]، 

قال ابن كثير: أي العقول التامة الزكية، التي تُدرك الأشياء بحقائقِها على جلياتها، وليسوا كالصمِّ البكم الذين لا يعقلون، الذين قال الله فيهم: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 105- 106].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* كيفيّة الحفاظ على نعمة العقل؟

    تعد نعمة العقل من بين تلك النعم الكثيرة واللامحدودة واليت أنعم بها الله عزوجل على الإنسان ونعمة العقل هي تلك النعمة التي ميز الله عز وجل بها الإنسان عن سائر الكائنات الأخرى وهي من فضل التكريم الرباني للإنسان وهو أيضاً تلك الميزة التي تجعل الإنسان مكلفاً فخطاب التكليف كما هو معروف قد نزل على العقلاء من البشر لأن أساس فكرة التكليف هي أن يميز الإنسان بين الخطأ و الصواب أي أن يكون لديه القدرة على عملية الاختيار و التحديد ثم يكون جزاءه على أساس ما أختاره فالعقل هو من يجعلنا نستطيع التفريق بين الخطأ و الصواب أي ما بين التصرف الخاطئ والتصرف الصحيح وما بين النافع و الضار من الأعمال ، و ذلك عن طريق وظيفة العقل ، وهي التفكير و الإدراك وكان اهتمام الدين الإسلامي بالعقل كبير ، وأكد على ضرورة أن يتم استغلال واستخدامه في طريق الحلال ورضا الله عز وجل بل في التفكير في خلق الله وكونه ، والقرآن الكريم يوجد به العديد من الأيات التي تتحدث عن ذلك ومنها قول الله تعالى جل شأنه ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لأيات لأولي الألباب ) ، و المقصود بأولي الألباب في الأية الكريمة هم أصحاب العقول وأيضاً كان تأكيد الدين الإسلامي على تحريم أي عمل يؤذي العقل ويفقده وظيفته الأساسية أو حتى يؤثر عليها لبعض الوقت مثال تحريم الإسلام لشرب الخمور و المسكرات التي يترتب عليها إيذاء وظيفة العقل في الإنسان والعقب في الجسم البشري يحتاج إلى غذاء يقويه ويعينه على أداء مهامه فكما أن الطعام هو غذاء الجسد البشري فإن العلم هو غذاء العقل ، حيث أنه كلما زاد مقدار العلم لدى الإنسان زاد علمه بالأشياء وطبيعتها وزاد عنصر المعرفة لديه بشكل عام علاوة على اتساع نطاق تفكيره والإبداع لديه ، حيث أن الإبداع مركزه الأساسي هو العقل ، ولذلك كان اهتمام الإسلام وحرصه الشديد على العلم و التعلم ، وبالتالي زيادة الكفاءة العقلية لدى الإنسان ، إذاً فمن الضروري للإنسان أن يقوم بحمد الله عز وجل على نعمه كلها ومنها نعمة العقل والذي يجب علينا أن تقوم بحسن استخدامه في الدنيا لنستطيع من خلاله النجاة في الأخرة . و رغم وجود فصائل حيوانية أخرى تمتلك بعض القابيات العقلية، إلا أن مصطلح العقل عادة يقصد به المتعلق بالبشر فقط. كما أنه يستعمل أحيانا لوصف قوى خارقه، غير بشرية، أو ما وراء طبيعية.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* كيفيّة الحفاظ على نعمة العقل؟

فوائد العقل:

# سبب استخلاف الله تعالى للإنسان

لو لم يكن الإنسان يمتلك عقلاً يدرك فيه حياته وأسباب وجوده لما كان لوجوده في الحياة أي فائدة أو منفعة، فعمارة الأرض واستصلاحها تحتاج دائماً إلى العقل الذي يفكّر في ابتكار الوسائل والطّرق التي تؤدّي إلى ذلك، فالعقل إذن هو

 مظنّة الاستخلاف في الأرض.

# وسيلة للتّمييز بين الحقّ والباطل

فالعقل يميز الصّواب والخطأ والنّافع والضّار، فالإنسان العاقل هو الإنسان الذي يستطيع أن يميّز بين ما هو صواب وحقّ أو ما هو عكس ذلك بسبب أنّ العقل يزوّد الإنسان بالأسباب والأدوات التي تؤدّي إلى إدراك الأمور والقضايا وتمييزها وتحليلها واختيار الأصوب والأصحّ بينها وترجيحه.

# مناط التّكليف

فكثيرٌ من العبادات التي شرعها الله تعالى وأوجبها على النّاس من شروطها أن يكون المسلم عاقلاً بالغاً وغير ذلك من الشّروط مثل الصّلاة والصّوم وغيرها، كما أنّ كثيراً من المعاملات في الحياة والعقود بين النّاس لا تتمّ إلا إذا كان طرفيّ العقد عاقلين مثل الزّواج وعقود المعاملات المختلفة من بيع وإيجار وغير ذلك، فالمجنون غير مكلف بل هو غير مؤاخذ على أفعاله بسبب فقدانه لنعمة العقل، وفي الحديث عمّن رفع عنهم القلم قوله عليه الصّلاة والسّلام .                   # وسيلة الإبداع والاختراع                                                                                         فالعلماء الذين أخرجوا لنا كلّ ما ننتفع به في حياتنا أعملوا عقولهم في العلم وأبدعوا

 حتّى تمكّنوا من ذلك، بل إنّ إنجازاتهم لم تكن إلا بسبب استثمارهم الكامل 

لعقولهم وتفكيرهم وتكريسها في البحث العلمي والتّفكر في نواميس الكون وقوانينه.

# مصدر الحكمة

العقل هو مصدر الحكمة التي تميّز بها الكثيرون عبر التّاريخ، فغير العاقل لا يتصوّر بحال أن يكون حكيماً بسبب أنّ الحكمة تحتاج إلى تبصّر في الأمور وتعقّل مع اختبار لتجارب الحياة وترجيح الصّواب وما يصلح للإنسان في كلّ حين وأوان.

# سبب إنجازات الإنسان

لقد حقق الإنسان عبر التاريخ الكثير من الإنجازات و الإختراعات على مختلف الأصعدة والمجالات، فالأبنية والأنظمة والدول، والكهرباء وحتى النار لم يكن ليتم اكتشافها لولا العقل.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* كيفيّة الحفاظ على نعمة العقل؟

فوائد العقل:

وأيضا توجد أهمية أخرى غير محدودة للعقل في حياة الإنسان ، ومنها :-

أولاً :- العقل هو السبب الرئيسي لاستخلاف الله عز وجل للإنسان في الأرض ، حيث أنه إذا لم يكن لدى الإنسان عقلاً لما أستطاع أن يدرك ماهية حياته أو السبب في وجوده في الدنيا وبالتالي فإن وجوده لن يكون له فائدة فعمارة الأرض و القيام باستصلاحها تحتاج دائماً إلى عقل يفكر في ابتكار الوسائل أو الأساليب التي تمكن من ذلك إذاً فإن العقل هو مظلة الاستخلاف 

في الأرض للإنسان

ثانياً:- العقل هو الوسيلة الرئيسية والتي يتمكن من خلالها الإنسان التمييز بين الحق والباطل والصواب والخطأ فالإنسان العاقل هو من يمتلك تلك القدرة 

الأتية من العقل .

ثالثاً :- العقل في الدين الإسلامي هو مناط التكليف فكثير من العبادات والفرائض التي فرضها الله جل شأنه على الإنسان من أهم شروطها أن يكون العبد المسلم شخصاً عاقلاً وبالغاً مثل الصلاة أو الصوم أو الحج وغيرها من الفرائض والعبادات التي شرعها المولى جل شأنه علاوة على أن العديد من تلك المعاملات الحياتية للإنسان في الدنيا مثال عقود البيع أو الشراء أو الزواج لا تتم إلا إذا كان طرفي العقد عاقلين فالمجنون كما هو معروف غير مكلف أي أنه غير مؤاخذ على تصرفاته أو أعماله ، و ذلك بسبب فقده لنعمة العقل ، حيث كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للتأكيد على ذلك من خلال حديثه الشريف عمن رفع عنهم القلم أي السؤال قوله عليه الصلاة والسلام ( وعلى المجنون حتى يعقل ) .

رابعاً :- يعد العقل هو مصدر أساسي للحكمة و التي تميز بها الكثيرون من البشر عبر التاريخ البشري الممتد فغير العاقل لا يتصور بأي شكل كان أن يبلغ مرتبة الحكمة ، وذلك راجعاً إلى أن الوصول لمرتبة الحكمة هو أمر يتطلب التبصر ، و التعقل بل و التفكر في الأمور والأشياء من جانب الإنسان.

خامساً :- العقل هو ذلك الميزان الإلهي الذي أختص بها الله جل شأنه الإنسان لكي تستقيم حياته ويستطيع العيش في هذه الحياة الدنيا بشكلاَ سليماً ومتوازناً وفيه راحته وصلاحه فمن خلال العقل يستطيع الإنسان أن يقوم ببناء علاقته بالآخرين بوضوح ، والتفكر فيما حوله بشكل جيد علاوة على تمكنه من مراجعة أفعاله أو تصرفاته والتحكم فيها .

سادساً :-  العقل سبب أساسي فيما حققه الإنسان عبر تاريخه البشري من عوامل التقدم والتطور والازدهار بكل أشكاله فمن خلاله أستطاع التوصل إلى العديد من العلوم الإنسانية الهامة والتي أفادته بشكل غير محدود في حياته وفيما يختص بها من أمور عديدة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة بعد 

الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*أثر نعمة العقل على الإنسان:

للعقل آثار عديدة، ونذكر بعضاً منها كما يلي:

الوصول إلى معرفة الخالق عزّ وجلّ من خِلال استخدام العقل البشريّ، الذي بواسطته نتأمّل في عجيب الكون ونتأمّل في مخلوقات الله، التي بثّها في الأرض، وباستخدام العقل يُدركُ الإنسان نواميسَ الكون وقوانينهُ التي تدلّ على وجود الإله الخالق جلَّ جلاله.

العَقل يُمكّن الإنسان من تحقيق المنفعة ودرء المفسدة عنه، حيث إنَّ الشخص العاقل يعرف ما يضرّهُ وما ينفعه، فلا يُقدم على أمر فيه خُطورة عليه، بينما الشخص الذي فقد عقله كالمجنون هوَ بلا شكّ يجهل منفعة ذاته وكثيراً ما يُلحق الأذى بنفسه أو بغيره بسبب ضياع عقله.

التقدّم العِلمي والتكنولوجي الذي نرفأ بظلالهِ اليوم، هوَ من ثمرات وآثار العقل البشريّ على الناس، حيث استطاع الإنسان بفضل العقل البشريّ أن يكتشف الأشياء وأن يفقه الأسرار الكامنة وراءها، وبالتالي قامَ بتوظيف هذهِ الأشياء وهذهِ الحقائق التي توصّل إليها على شكل تطبيقات واكتشافات مهمة سهّلت حياةَ الناس وقدّمت النفع للبشريّة، فمُعظم ما نراهُ اليوم من التكنولوجيا الحديثة هي من ثمرات هذا العقل.

حُصول مكارم الأخلاق من خِلال العقل، فالعقل الراجح هو الذي يدلّ صاحبهُ على طريق الخير والخُلُق الحسن، فالعقل الصائب هوَ رائدُ الإنسان إلى الفضيلة وداعيهِ إلى التحلّي بالسُمعة الطيّبة والخُلُق الرفيع، لأنّهُ يعلم مذمّة الخُلُق الرديء والسُمعة الخبيثة.

تحقيق محبّة الناس، فهذا أثرٌ واضح للعقل، فالناس يُقبلون على الإنسان الذي تتمثّل بهِ رجاحة العقل ورصانة الفِكر، وتراهُم يزهدون في التقرّب من الجاهلين وينأون عنهُم.

الحِكمة من آثار نعمة العقل على الإنسان، فالحكمة لا تخرج الامن عقل واعٍ ورصين، ومن يُؤتَ الحِكمة فقد أُوتيَ خيراً كثيرا.

كيفيّة الحفاظ على نعمة العقل:

الحفاظ على نعمة العقل، مقصدٌ من مقاصد الشريعة الإسلاميّة، لأنّ العقل هبةٌ من الله تعالى، يجب صونها والحفاظ عليها، وقد أمر الله تعالى بالحفاظ على 

هذه النعمة 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة بعد 

الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*أثر نعمة العقل على الإنسان:

ومن أهم طرق الحفاظ على نعمة العقل ما يأتي:

    الابتعاد عن كل ما يسبب الضرر للعقل، وأهمها تجنّب الشهوات والنزوات 

التي تجرّ العقل للدمار والتلف، وتسبب له الأمراض النفسيّة والعصبيّة، وتجنّب كل ما يسبب له الشد العصبي والإرهاق في التفكير، بالابتعاد عن المجتمعات الفاسدة.

عدم شرب الخمر والمشروبات الكحوليّة بكافة أشكالها أبداً، لأنّه يُذهب العقل، وقد حرّمه الله تعالى لهذا السبب.

الابتعاد عن المخدرات بكافة أشكالها، لأنّها تُفسد العقل وتسبب ضعفه وفتوره وتلفه وموت الخلايا العصبيّة.

تجنّب جميع الممارسات التي تُلغي وجود العقل، مثل السحر، والبِدَع، والجري وراء الخرافات، والتقليد الأعمى، وتصديق المشعوذين.

تغذية العلم بالعلم والتفكّر، والسعي في طلب المعلومات ودراستها، والبحث

 والتحليل الدائم، وعدم أخذ المعلومات جاهزة، وطلب المعارف في كافة 

اشكالها، وتثقيف العقل بالقراءة الدائمة للكتب والقصص والروايات.

عدم الإفراط في السهر وقلة النوم، لأنّ العقل يحتاج إلى النوم العميق والكافي كي يكون تفكيره منطقيّاً.

التغذية السليمة التي تحتوي على جميع العناصر المهمّة لعمل العقل، خصوصاً المعادن، والفيتامينات ومضادات الأكسدة، والأحماض الدهنية، وكذلك الإكثار من شرب الماء، ومن الأطعمة المفيدة جداً للعقل كالمكسرات، مثل الجوز، 

واللوز، والبندق، والفستق الحلبي، والفول السوداني، والجوز.

ممارسة التمارين الرياضيّة لتنشيط الدورة الدمويّة في الدماغ، ممّا يساهم في تنشيط العقل وتغذيته.

الابتعاد عن الضغط النفسي والتوتر، ونبذ الغيرة الشديدة والحسد والتشاحن والبغضاء، لأنّ جميعها تسبب انشغال العقل بأشياء لا فائدة فيها وإفساده.

ممارسات الرياضات العقليّة والالعاب التي تحفّز عمل العقل مثل لعبة الشطرنج، وحل الالغاز والكلمات المتقاطعة والتحليل والتركيب والألعاب الإلكترونيّة.

فاتقوا الله عباد الله واستعملوا عقولكم فيما يوصلكم إلى مرضاة الله فالعقل دليل 

التائهين ومرشد الحائرين وغنى الفقراء وسلوةُ المحزونين ودليل الناصحين. يا عباد الله لقد قسم الله العقول بين عباده كما قسم الأرزاق فسعيد مغتبط بعقله وشقي معذب يهديه عقله إلى كل شر.إن العقل من أعظم النعم على العبد فإذا تم العقل تم معه كل شيء وإذا ذهب العقل ذهب معه كل شيء فهو عنوان الرشاد وعمود السعادة.[ الأنترنت – موقع الموسوعة الحرة - أثر نعمة العقل على الإنسان: - وكيفيّة الحفاظ على نعمة العقل ؟ ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة بعد 

الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* لماذا خلق الله الحيوانات الضاره والمؤذيه

(اهميه الحيوانات الضاره والمؤذيه)

يتساءل الكثير من الناس عن الفائدة من خلق الحيوانات المفترسة والضارة المؤذية كالأسد والنمر والضبع والذئب والفيل والخنزير والأفاعى السامة والتماسيح والعقارب والبعوض والذباب والبوم والخفافيش وغيرها .

وأكثر سؤال محير هو لماذا الخنزير وقد حرم الله أكل لحمه على الإنسان في القرأن الكريم بقوله :" إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير " (سورة البقرة/173 ) باعتبارها من خبائث اللحوم أي من اللحوم المضرة والمؤذية لجسم الإنسان وفق قوله تعالى :" ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث " (الأنعام /157) .

الخنزير: رغم منة الخالق ورحمته في الإهتمام بصحة الإنسان بتحريم مايضره وبالتالي تحريم أكل لحم الخنزير ، وقد تبينت أضراره مع تقدم العلم ،إلا أن 

التساؤل يظل قائماً من قبل البعض ،ألا وهو كماذا خلق الله الحيوانات الضاره والمؤذيه ؟  

لماذا خلق الخنزير إذا كان لحمه على هذه الدرجة من الضرر للإنسان ؟

   إنه السؤال الدائم يطرحه بعض المشككين كما يطرحه بعض المؤمنين من باب الفضول لمعرفة سر خلق هذا الحيوان بعد بيان ضرره وفقاً لعقيدة المسلمين بأن الله سبحانه وتعالى لم يخلق شىء في الدنيا أو الكون عن عبث ، فلا بد إذاً من فائدة ما . ومن هنا سأجيب على هذا التساؤل بطريقة مغايرة تماماً عن التبريرات الدينية التي يسوقها الآخرين لعدم الحاجة إليها في مقالنا هذا ، مع تأييدنا لها والتزامنا بها ، بحيث يأتي مقالنا تأكيداً لمضمونها لوضوح الرؤيا في النفع والضرر بما يقنع المتسائلين والمشككين . وسوف أضع كل أنواع التبريرات جانباً لأبين أهمية الخنزير ، حيث يلزم ، في خدمة الإنسان وصحته وسلامة البيئة بما يقتضي عدم قتله أو حجزه لما له من منافع ، خاصة وأننا لم نؤمر بالقضاء عليه بل بالإمتناع عن أكل لحمه ، وبالتالي عدم تربيته أو المتاجرة به ، كما اجتناب الخمرة أو اقتنائها أو المتاجرة بها .

إن الخنزير ، البري منه والمدجن ، هو أحد أهم وأعقد المخلوقات الحيوانية وفق تركيبته الفيزيائية التي تقاوم أعتى الأمراض ، وإن كانت بنيته وسيطة لنقل الأمراض للحيوان والإنسان إلا أنها لاتؤذي الخنزير . وعندما نتعرف على مهماته ووظائفه البيئية التي جبل عليها ، وكأنه آلة مسخرة لنا ، فإننا سنمتنع أخلاقياً ، بما يتجاوز النهي ، عن أكله مع تحريمه على أنفسنا حفاظاً على تواجده في مكانه الملائم لتنفيذ واجباته التي خلق من أجلها لخدمة الإنسان وليس بسبب أضرار لحومه فقط ، بعد أن نسوق بعض الأمثال عن أهمية تلك الوظائف .

وما خبث لحومه وضررها إلا سوى وسيلة لإجبار الإنسان على عدم تناوله ليتركه لمهماته التي خلق من أجلها .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العاشرة بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* لماذا خلق الله الحيوانات الضاره والمؤذيه

(اهميه الحيوانات الضاره والمؤذيه)

فالخنزير هو أقذر الحيوانات القمامة وفقاً لما يلتهمه ، إذ أنه مصمم بصورة رئيسية لأكل الجيف وأكل فضلات الحيوان والإنسان التي كان يخلفها في العراء قبل نشؤ الحضارة ولايزال في بعض المناطق في العالم التي لم تلتحق بالحضارة المدنية

 وما تؤمنه من تسهيلات في خدمة الإنسان للمحافظة على الصحة العامة 

ولنأخذ مثلاً الريف الصيني في مناطق عدة ، في أعالي الصين ووسطها ، حيث سنلحظ وجود تجمعات سكنية ، هي عبارة عن قرى صغيرة مسورة مغلقة ، يقيم سكانها في غرف متراكبة كالخانات مع وجود مخازن بالأسفل وأقبية للحيوانات الداجنة .

ومع توفر الأمن في البلاد وانتهاء الحروب فإن هذه التجمعات السكنية امتدت للخارج ، فاضحت أشبه بالقلاع في وسط المدن . إلا أن مشكلتها ان ليس من مراحيض في غرفها إذ أن ساكنيها يقضون حاجتهم في دلو لكل عائلة يخرجونه كل صباح ويفرغون محتوياته في مزرعة للخنازير بالقرب من البوابة لتكون مصدر طعامه الوحيد ، أما مخلفات المنزل من القمامة من بقايا الخضار فإنهم يطعمونها للحيوانات الأليفة الأخرى كالخيول والبقر . إذ أن فضلات الإنسان من برازه هي المفضلة للخنزير كما فضلات الحيوانات واللحوم الفاسدة والجيف بحيث يأكل جيف فصيلته .

وسبب الإهتمام بتربية الخنازير من قبل الصينين الذين يعتبرون أكبر مستهلك في العالم لها ، ليس رغبة في لحومها فقط بل ولأنها الأوفر اقتصادياً بما أنها لاتأكل أو تطعم إلا الفضلات البشرية ، ولأنها تتوالد اكثر من الحيوانات الداجنة الأخرى ، بحيث يلد الخنزير ثلاث مرات سنوياً بمعدل عشرة إلى عشرين مولوداً في كل مرة بينما البقر أو الضأن لايلد سوى عجل واحد في العام ، ومع ذلك فإن اعداد الضأن في العالم هو ضعفي عدد الخنازير تقريباً التي يقدر مجموعها ب800 مليون خنزير . ومتوسط وزن الخنزير هو 120 كلغ إذا كان يتغذى على فضلات الإنسان وقاذوراته ،بينما إذا أطعم مواداً علفية مركبة فقد يصل وزنه إلى 600 كلغ كما في مزارع الولايات المتحدة الأمريكية .

والمفارقة في هذا الأمر أن الرجل الغربي الذي يهتم بتربية الخنازير ويأكل لحومها ،

 يأنف من أكل الفئران أو الجرذان لأنها تعيش في المجاري التي تحوي فضلات الإنسان ولايجد حرجاً في أكل الخنازير التي تتغذى على هذه الفضلات ؟    إنها مفارقة غريبة ومحيرة ، إلا أنه في واقع الأمر ليس سوى ضحية جهله وضحية المروجين والمتاجرين للحوم الخنازير على مدى التاريخ ، كمن يتناول المخدرات رغم معرفته بضررها وذلك نظراً لنشاط المروجين لها ورعايتها بالزرع والدعايات الكاذبة والخداع ومع ذلك فإن الطب لايستغني عن استعمال بعض أنواعها للتخدير والمعالجة في العمليات الجراحية .                                                                                                                     إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الحادية عشرة بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*(اهميه الحيوانات الضاره والمؤذيه)

وإنه لمن الملفت للنظر أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر ثاني أكبر مستهلك للخنازير في العالم ، فإن بعض المتاجرين بها لايتناولون لحومها ، بل ويحرمونه على أنفسهم ، إلا أن السعي وراء المال هو مايدفعهم إلى التجارة بها .

أما الأضرار التي يسببها لحم الخنزير بتأثيراتها الصحية السلبية وأخطارها ، فلا

 ضرورة للخوض بها او التعريف عليها لأن الجميع يدركها .

ولكن الطريف في الأمر أن تفضيل الصينين لحوم الخنازير على لحوم الضأن والبقر ، فيه رحمة للبشرية ، لكثرة توالدها لأنهم لو تخلوا عنها ورغبوا بلحوم المواشي لانقرضت بفترة وجيزة لكثرة أعدادهم وقد تعدت المليار وثلاثمائة مليون نسمة ؛ كما وأن الهند تشارك في المحافظة على توزان أعداد الأبقار وعدم انقراضها ، وإن عن غير قصد ، وقد بلغوا المليار نسمة تقريباً ،لأن معظمهم يقدس البقرة ويمتنع عن أكل لحومها . علماً بأن تعداد الصين والهند يبلغان معاً ثلث العالم سكانياً أو يزيد .

الفيل : أما الفيل فإن أهميته بالنسبة للبيئة والإنسان والحيوان بالغة جداً ، إذ أنه هو الحيوان الوحيد البارع في شق الطرقات ضمن الغابات ، كما الجرافه الآلية ، لضخامته وقوته بحيث يقتلع الأشجار التي تعترض طريقه لتسهيل مرور قطعانه . كما وأن أهميته القصوى تبرز في معرفته مواقع المياه حتى في باطن الأرض ، حيث تتبعه الحيوانات والوحوش عن بعد وقت الجفاف لعشرات الكيلومترات ، لإنها تدرك تماماً حاجته للماء وتعرف مقصده في ترحاله السريع واندفاعه ، إلى أن يقف فجأة ليبدأ الحفر بقدمه وخرطومه لتنفجر المياه عن بركة واسعة ليشرب منها ويفسح المجال للآخرين بعد الإرتواء .

كما وأن الفيل مهم جداً للآسيوين ، في الهند وكمبوديا وتايلاند وأندونيسيا ، كما بلدان أخرى مجاورة ، حيث يستخدمونه في النقل للحاجات الضخمة ، خاصة لجذوع الأشجار حيث لاتستطيع السيارات الولوج .

الوحوش المفترسة : أما الوحوش المفترسة من أكلة اللحوم ، كالأسود والنمور والفهود والذئاب والضباع ، فإن أهميتها تكمن في أنها تحافظ بما تصطاد من 

الحيوانات العاشبة على توازن الطبيعة النباتي لئلا تتصحر من الرعي الجائر إن

 كثرت أعداد هذه الحيوانات بما يفوق توفر النبات،كما على الصحة العامة في أكلها الجيف. إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية عشرة بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*(اهميه الحيوانات الضاره والمؤذيه) 

الأفاعي والحشرات: أما أهمية الأفاعي السامة فتكمن في انها تحافظ على سلامة سهول الإنسان وبساتينه من الفأر والقوارض التي تتلف المزروعات بشكل بالغ ؛ ودور الأفاعى هو مكافحتها وملاحقتها حتى القضاء عليها ؛ لذا فمن الضروري جداً تواجدها في الحقول والحفاظ عليها . وما على الإنسان سوى أخذ الحيطة والحذر منها في حقوله لتجنبها حتى لايضطر لقتلها لما في ذلك من ضرر على البيئة وعلى مصالحه الزراعية . لأنه لو خلت الحقول المزروعة للقوارض دون وجود الأفاعي لما نعم الإنسان بهذا الأمن الغذائي .وقد أثبت التقدم العلمي وتطوره بأن سم الأفعى مهم جداً لمعالجة الكثير من الأمراض المزمنة . وكذلك فإن كافة الحيوانات والحشرات السامة كالعناكب الكبيرة والعقارب على نفس الأهمية في حقل الطب والمعالجة الدوائية .

اما الحشرات المؤذية كالذباب والبعوض: فإن وجودها ضروري مع ملامستها

 للإنسان لتمنحه المناعة من الأمراض منذ صغره أكثر الأحيان ، وقد خلق الله الطير للحد من تكاثرها .

التماسيح : أما التماسيح فإن أهميتها تكمن في أنها تأكل الجيف من الأنهار التي تتكائر في مياهها عند عبور الحيوانات من ضفة إلى أخرى ، خاصة الأيائل والبقر على أنواعه والحمر الوحشي سعياً وراء العشب حيث يهلك منها الكثير ، لتغرق في مياه الأنهر الجارية التي تشرب منها البشر عند عبورها لبلدانهم . والتماسيح عندما تأكل هذه الجيف فإنها تحافظ على نقاوة المياه ، ولولاها لأضحت المياه ملوثة غير صالحة للشرب .

البوم : أما البوم الذي يتشاءم منه الكثيرون في البلدان العربية دون مبرر ويعمدون إلى قتله . فإهميته تكمن في أن بعضه يعيش داخل المدن والقرى ، ، ليصطاد الفئران التي تستغل ظلمة الليل لتعيث الفساد والخراب حيث يكون البوم في انتظارها ليباغتها ويقضي عليها لسكون طيرانه .

الخفاش : أما الخفاش أو الوطواط فإن غذائه الرئيسي هو البعوض والهوام بحيث يعمل على التهامها بشكل دؤوب . وقد اعترض سكان إحدى الولايات 

الأمريكية قبل أعوام على اتخاذ عشرات الآلآف من الخفافيش ملاذا لها تحت

 أحد الجسور مطالبين بقتلها أو ترحيلها ، إلا أنهم سرعان ماسحبوا شكواهم بعد أن أعلمتهم البلدية أن هذه الحيوانات تأكل يومياً مامجموعه عشرون طناً من الحشرات الطائرة خلال الليل ، معظمها من البعوض .

كان ذلك عرضاً موجزاً لندرك أهمية الحيوان البري والحشرات في التوازن البيئي وبالتالي في خدمة الإنسان[ الأنترنت – موقع لماذا خلق الله الحيوانات الضاره والمؤذيه ]

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*خُلق الكون في خدمة الإنسان

 خلق الله الإنسان على سطح هذه الأرض، ويسر له سبل العيش والحياة فيها، فجعل الأرض وما فيها وما عليها لصالح الإنسان، وأحاطها بنظام كوني يلائم ظروف الحياة عليها.

 فجعل علاقة الشمس والقمر والجاذبية والغلاف الغازي.. إلخ  علاقة مناسبة 

للحياة على الأرض.

 وهيأ للإنسان على سطحها وفي باطنها كلّ مستلزمات الحياة والتطور فيها.. فجعل النبات والحيوان، والبحار والأنهار، والمعادن، كلّها في خدمة الإنسان، ومن أجل توفير مصالحه وتيسير حياته، وأحاطه بالنعم والخيرات، وآتاه من كلِّ ما يحتاج إليه في حياته، دونما نقص، أو خلل في نظام التكوين والعلاقة في عالم الإنسان والحياة.

 وانّ في هذا الإبداع والإتقان لمن يتأمله بوعي وصفاء لدليلاً على دقة التكوين، 

وإتقان نظام الخلق، بحيث لا يشاهدُ خللاً ولا يجد اضطراباً في نظام الحياة، أو في علاقة الإنسان بالطبيعة، فالإنسان يجد كلّ ما يحتاج إليه في هذا الوجود... من طعام، وشراب  وهواء ونور، وحرارة ورطوبة.. إلخ: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنْهَارَ* وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)  (إبراهيم/ 32 – 34).

    كلّ ذلك لئلا يضطرب نظام الحياة، أو يختل مبدأ التكوين الطبيعي لها.. 

فالإنسان يجد في الطبيعة، من الجاذبية وضغط الهواء ونسبة الأوكسجين وعناصر التربة ما يمكنه من العيش وممارسة الحياة بدقة وانتظام.

    ولولا هذا الإتقان والضبط في نظام التكوين لتعذرت الحياة على الإنسان ولاستحال العيش في رحاب الأرض.. وسبحان الله القائل: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) (النمل/ 88).

    ولولا إباحة هذه الأشياء جميعاً للإنسان إباحة تكوينية لكان عسيراً عليه التصرف بها والاستفادة منها ولكن الله بلطفه وعدله وحكمته قد مكن الإنسان من الاستفادة من هذه الموجودات جميعاً، ومنحه القدرة على استثمارها والاستفادة منها، ومن ثم أباحها إباحة تشريعية، بأن جعل للإنسان حقّ الانتفاع بها والاستفادة منها، في الحدود المقررة.

    ومن هذا الترابط بين مبدأي الخلق والتكوين الطبيعي للإنسان والحياة، وحاجة الإنسان إلى الموجودات من حوله، وارتباط كيانه الجسدي والاجتماعي بها من جهة، وبين إعطائه القدرة على الاستفادة من كلِّ موجود يمكنه الانتفاع به من جهة أخرى نستنتج أنّ مبدأ الإباحة هو الأصل في كلِّ مستلزمات الحياة الإنسانية – حسب الرأي المشهور -، وأنّ كلَّ شيء في هذه الحياة مباح للإنسان، ومن حقه أن يمارسه ويستفيد منه إلا ما حرّم عليه.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة عشرة بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*خُلق الكون في خدمة الإنسان

    وما حرم عليه إلّا كلّ ضار بنظام الحياة أو ما كان خطراً عليها، ومتناقضاً مع

 الأساس التكويني لها.

    قال تعالى: (وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ 

أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) (الأنعام/ 119). (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ...) (الأنعام/ 151).

    فالمحرمات في الإسلام هي أشياء معينة ومحددة، وما عداها فقد جعل الإسلام الحياة وما فيها مباحة للإنسان يتصرف بها كيف شاء، ويستمتع بها أنى شاء، وفق نظام ومنهج يحفظ مسيرة الحياة، ويوفر الانضباط والإتزان السلوكي في كلِّ نشاط وموقف إنساني..

لذلك استنكر القرآن مواقف أولئك الذين يضيقون الحياة على أنفسهم وعلى الآخرين ويجعلون ما أحل الله وأباحه للعباد ممنوعاً ومحرماً عليهم، وتساءل مستنكراً هذا التصرف من الإنسان: (قلْ مَنْ حَرّمَ زينَة اللهِ التِي أخرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطيّباتِ مِنَ الرّزق..) (الأعراف/ 32).

    فالإسلام إذن لا يستهدف من وراء مفهوم الحلال والحرام في الحياة حرمان 

الإنسان، وشل طاقاته، وجعله يدور داخل إطار من الزواجر والنواهي السلبية.. بل إنّ موقف الإسلام هو العكس من ذلك تماماً، وكما توضحه الآياتان السابقتان... فانّه يؤمن بإباحة كلّ شيء نافع ومفيد للإنسان ويحرم الضار من الأفعال والمواصفات التي تجلب الخطر أو تؤدي إلى الأضرار واضطراب الحياة الإنسانية.

    وقد أكد القرآن في مواضع كثيرة من بيانه الإلهي الحكيم على هذا المبدأ، وأوضحه بحصره للمحرمات في الخبائث والفواحش والمنكرات، فقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف/ 33) وقال تعالى (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف/ 157).

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة عشرة بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*حصرالله المحرمات في الخبائث والفواحش والمنكرات

    وهكذا تؤكد هذه الآيات بأنّ سبب الحرمة كامن في ذات الموضوعات 

المحرّمة، وليس أمراً اعتباطياً هدفه التضييق والزجر الذي لا غاية ولا مبرر له، وقد ركز القرآن هذه الأسباب في ثلاث صفات أساسية هي:

    الخبث – الفحش – المنكر

    وهذه الأوصاف الثلاثة هي تشخيص لصفة القبح والضرر في الموضوعات المحرمة – سواء المادية منها أو المعنوية.

    وبالعودة إلى قواميس اللغة نستطيع أن نعرف الدلالات الحقيقية لهذه الألفاظ ونعرف من خلالها دواعي التحريم وغاياته.

    فكلمة (الخبيث) تعني في لغة العرب: (ما يكره رداءة وخساسة محسوساً كان أو معقولاً)[1].

    (وخبث وخبثاء وأخباث وخبثة وخبيثات وخبائث: المستكره، النجس،

 كلّ شيء فاسد، - كلّ حرام – وهو مستعار.

    الخبائث: ما كانت العرب تستقذره ولا تأكله، كالأفاعي والخنافس، والخبث ما كان في الذهب والحديد ونحوهما من الغش – ما لا خير فيه.

    أما كلمة فحش فتعني في لغة العرب (ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال).

وأما كلمة منكر فنستطيع أن ندرك معناها إذا عرفنا أنّ العرب – تقول (تنكر الرجل تغير عن حال تسرّه إلى حال يكرهها – تغير عن حاله حتى ينكر -).

    ومن هذا التحليل اللغوي لعناوين المحرمات – الخبائث – الفواحش – 

المنكرات، نعرف أنّ الإسلام لم يحرم بعض الموضوعات المادية.. كبعض المأكولات والمشروبات... أو قسماً من السلوك الإنساني... إلا لأنّها تنطوي على هذه الصفات وتولد الآثار والنتائج الخطرة والضارة بحياة الإنسان.

الهامش:[1] - الراغب الأصفهاني- معجم مفردات ألفاظ القرآن.[ الأنترنت – موقع خُلق الكون في خدمة الإنسان ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة عشرة بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* آيات ورد فيها "الخالق"

قال تعالى : {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ﴿٢٤ الحشر﴾

قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴿٢١ البقرة﴾ قال تعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴿٢٩ البقرة﴾

قال تعالى : {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴿١٠٢ البقرة﴾

قال تعالى : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿١٦٤ البقرة﴾ قال تعالى : {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْخَلَاقٍ ﴿٢٠٠ البقرة﴾

قال تعالى : {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ﴿٢٢٨ البقرة﴾

قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ﴿٤٧ آل عمران﴾

قال تعالى : {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴿٤٩ آل عمران﴾ قال تعالى : {خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴿٥٩ آل عمران﴾ قال تعالى : {أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ﴿٧٧ آل عمران﴾

قال تعالى : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴿١٩٠ آل عمران﴾ قال تعالى : {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿١٩١ آل عمران﴾ قال تعالى : {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا ﴿١٩١ آل عمران﴾ قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴿١ النساء﴾

قال تعالى : {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴿١ النساء﴾

قال تعالى : {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴿٢٨ النساء﴾

قال تعالى : {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ﴿١١٩ النساء﴾

قال تعالى : {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١٧ المائدة﴾

قال تعالى : {بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴿١٨ المائدة﴾ قال تعالى : {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي ﴿١١٠ المائدة﴾

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴿١ الأنعام﴾

قال تعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ﴿٢ الأنعام﴾

قال تعالى : {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴿٧٣ الأنعام﴾

قال تعالى : {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴿٩٤ الأنعام﴾   [الأنترنت – موقع آيات ورد فيها "الخالق" ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة عشرة 

بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*من الأدلة القاطعة على أن الله تعالى هو الخالق

فإن الأدلة على أن الله تعالى خالق الكون كثيرة جداً، ومحل هذه المسألة كتب العقيدة، لكننا نكتفي في هذا المقام بالإشارة إشارة سريعة إلى أربعة أدلة من الكون نفسه تشهد بأن الله تعالى هو الخالق، وقد أشار إليها ربنا في فاتحة سورة الأعلى، حيث قال تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى {الأعلى: 1-3}.

والدليل الأول وجود الخلق، وهو يشهد بوجود خالقه، قال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ

 غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ {الطور: 35}.

والدليل الثاني: التسوية، ومعناه أن الله تعالى خلق الخلق بإتقان بديع، وهذا يظهر مثلاً في جوارحنا، فما من جارحة إلا وأتقنها الله إتقاناً بديعاً حتى تؤدي وظيفتها التي خلقت من أجلها على أكمل وجه، قال تعالى: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ {النمل: 88}.

والدليل الثالث: التقدير، ومعناه أن الله تعالى خلق كل شيء بتقدير وحساب

 وترتيب بحيث يتناسب مع مكان وجوده وزمانه، وبحيث يتلاءم مع غيره من

 الموجودات، قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر: 49}.

ومن الأدلة على ذلك: الشمس، تبعد عنا مسافة لو نقصت لكان من الممكن أن نحترق، ومن ذلك هذا التكامل بين النبات وسائر الحيوان، فالنبات يتنفس ثاني أكسيد الكربون ويخرج الأكسجين، وسائر الحيوان يتنفس الأكسجين ويخرج ثاني أكسيد الكربون.

والدليل الرابع: دليل الهداية، ومعناه أن الله تعالى هدى كل مخلوق إلى ما يصلحه، قال تعالى: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى {طه: 50}.

ومن الأدلة على ذلك: المولود يولد، فيهديه الله تعالى إلى التقام ثدي أمه.

أما جواب سؤال من خلق الله، فجوابه يعرف فيما ذكرناه لك آنفاً من أدلة على أن الله تعالى هو الخالق، فإذا ثبت أنه سبحانه الخالق، فكيف يكون مخلوقاً؟! فهذا أمر محال ولا يقبله عقل أبداً، وقد نقل الحافظ ابن حجر عن الخطابي قوله: على أن قوله من خلق ربك كلام متهافت ينقض آخره أوله، لأن الخالق يستحيل أن يكون مخلوقاً، ثم لو كان السؤال متجهاً لاستلزم التسلسل وهو محال، وقد أثبت العقل أن المحدثات تفتقر إلى محدث، فلو كان هو مفتقراً إلى محدث لكان من المحدثات. انتهى.

واعلم أن الطريق الأمثل للتخلص من هذه الوسوسة التي بدت لنا جلية من خلال طرحك للسؤال هو أن تمتثل لما جاء في صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من

 خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتي يقول: من خلق ربك؟فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته.

وجاء في سنن أبي داود: فإذا قالوا ذلك فقولوا: الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. ثم ليتفل عن يساره ثلاثا وليستعذ من الشيطان. والحديث حسنه الألباني. وجاء في مسند أبي يعلى عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماوات؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الأرض؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله؟ فإذا كان ذلك فليقل آمنت بالله ورسله. والحديث قال فيه الشيخ حسن أسيد: إسناده صحيح.فهذا علاج نبوي كريم ناجع إن شاء الله، ونحن على يقين أنك إذا أخذت به فسيذهب ما بك من وسواس، ولن يرجع إليك إن شاء الله. والله أعلم.[ الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب – من الأدلة القاطعة على أن الله تعالى هو الخالق – المنجد ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة عشرة 

بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الأرض وعلوم البحار : آية اختلاف الليل والنهار في ضوء علوم الفضاء

"يكشف هذا البحث حقائق جديدة في ظاهرة اختلاف الليل والنهار، والتي يعيشها الإنسان يوميا على هذه الأرض، فهي واحدة من اهم الحقائق الكونية التي تشهد على وحدانية الخالق وانه إله كل شيء وخالق كل شيء، يقول تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة: 164]. إن ظاهرة اختلاف الليل والنهار هي نعمة من نعم المولى عز وجل ينبغي التفكر فيها، وهي معجزة إلهية لم يتمكن العلماء من كشف أسرارها إلا في أواخر القرن العشرين، وهذا يشهد على إعجاز هذه الآية الكريمة".

مقدمة : يوجد في القرآن الكريم عدد كبير من الآيات الكونية فيها دلالات بينة على وحدانية الله تعالى وإقامة الحجة على ذلك من خلال التفسير العلمي وهداية للعلماء في أبحاثهم تقودهم إلى الاستنتاجات المقنعة وان الحقيقة الكونية خدمة للبشرية جمعاء تنور طريق الباحثين وتخرجهم من الظلمات إلى النور[1و2 ]، وظاهرة الليل والنهارالتي يعيشها الإنسان يوميٌّا فوق هذه الأرض واحدة من هذه الحقائق الكونية. حقاً، إن القرآن معجزة الدهر، أي معجزة خالدة متجددة يتبين للناس منها على مر الدهور وجه لم يكن تبين وناحية لم يكن أحد يعرفها، فيكون هذا التجدد في الإعجاز العلمي سنداً قوياً للرسالة الإسلامية وكشفاً لكنوز القرآن وبرهاناً على صدق الوحي ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعالمية رسالته. في هذا البحث اود ان ابين الاختلاف بين الليل والنهار في ضوء علم الفضاء، فلو رجعنا لكلام المولى تبارك وتعالى وما ورد عن اختلاف الليل والنهار ذكرها الله في خمس آيات نوردها:

1- (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة: 164].

2- (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي 

الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 190]

3- (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) [يونس: 6]

4- (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [المؤمنون: 80]

5- (وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الجاثية: 5]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة عشرة بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الأرض وعلوم البحار : آية اختلاف الليل والنهار في ضوء علوم الفضاء

     لو تأملنا هذه الايات نجد فيها ارتباط بين اختلاف الليل والنهار والسموات والارض والتي ورد ذكرها في اربعة منها وفيها يخاطب الله سبحانه وتعالى اصحاب العقول والعلماء بأن يتفكرون في هذه الايات ويجدون فيها عظمة الخالق وان هذا الكون لابد من وجود مدبر واحد وقانون واحد يحكمه وهذا عكس ما يدعيه بعض العلماء بفوضوية الكون (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 191]. عند مراجعة المصادر التي فسرت هذه الايات وما تتفق مع العلم الحديث نجد فيها من الاشياء والحجج المقنعة ولكن يمكن اضافة بعض المعلومات التي اجدها متفقة مع هذه الايات والتي تخص علم الفضاء والتي هي جزء من دراستي وللدخول في هذا المجال يجب التعرف على بعض الحقائق التي ورد ذكرها في بعض المصادر.

ما ورد في كتب المفسرين ... واختلاف الليل والنهار

   نوجز بعض ما ورد في تفسير ابن الكثير من سورة البقرة: 164 من قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) تلك في ارتفاعها ولطافتها واتساعها 

وكواكبها السيارة والثوابت ودوران فلكها وهذه الأرض في كثافتها وانخفاضها وجبالها وبحارها وقفارها ووهادها وعمرانها وما فيها من المنافع, واختلاف الليل والنهار. هذا يجيء ثم يذهب ويخلفه الاَخر ويعقبه, لا يتأخر عنه لحظة، وعن ابن أبي حاتم حيث قال: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) [البقرة: 163] فقال كفار قريش بمكة: كيف يسع الناس إله واحد ؟ فأنزل الله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ) إلى قوله: (لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) فبهذا يعلمون أنه إله واحد، وأنه إله كل شيء، وخالق كل شيء. وفي تفسير آل عمران: 190، أن الله تعالى يقول: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أي هذه في ارتفاعها واتساعها، وهذه في انخفاضها و كثافتها واتضاعها، وما فيهما من الاَيات المشاهدة العظيمة من كواكب سيارات، وثوابت وبحار وجبال وقفار وأشجار ونبات، وزروع وثمار، وحيوان ومعادن، ومنافع مختلفة الألوان والروائح والطعوم والخواص، (وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) أي تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر، فتارة يطول هذا ويقصر هذا، ثم يعتدلان ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرا، ويقصر الذي كان طويلا. وكل ذلك تقدير العزيز العليم، ولهذا قال تعالى (لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) أي العقول التامة الذكية التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها، وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون، الذين قال الله فيهم (وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) ثم وصف تعالى أولي الألباب، فقال: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أي يفهمون ما فيهما من الحكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته وعلمه وحكمته واختياره ورحمته. وما ورد في تفسير الطبري عن اختلاف الليل والنهار لا يختلف عن ما ورد في تفسير ابن الكثير بل يؤكد انها نزلت على الرسول لتبين للمشركين ان الله هو خالق كل شيء وهو واحد احد .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العشرون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الحركات النسبية للارض ... واختلاف الليل والنهار

لوصف اي حركة لأي جسم على الاقل هنالك نقطتا مرجع يجب ان تؤخذ 

بالحسبان، فحركة الارض تقارن بالنسبة للشمس اأو للقمر أو للنجوم...الخ. ففي كل حالة تختلف عن الحالة الاخرى اعتمادا على المرجع الذي تقارن به، فالارض كوكب صغير ويمتلك عدة حركات في هذا الكون الواسع وهو جزء من نظام شمسي الذي يدور حول مجرة حلزونية، والمجرة نفسها في حركة تسارعية الى خارج الكون قال تعالى (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى)، ويجدر الاشارة هنا الى ان حركة الارض نسبة للكون صفر اي ان الارض ثابتة نسبة للفضاء الكوني. الفضاء لوحده، مجرد من كل مادة وطاقة، فهو ليس فارغا على اية حال، له كل "قوانين الطبيعة" التي تحكم المادة والطاقة ضمن هذا الكون ان هذه "القوانين" تعتبر الاطار الذي يخلق الفضاء ويعطي هذا الكون شخصيته. فيما يلي ملخص بالعديد من حركات الارض وان هذه الحركات هي نسبة الى اجسام اخرى

* ان الارض تدور حول محورها نسبة للشمس بسرعة 1600 كم في الساعة ويبلغ محيطها 38400 كم وبهذه السرعة تكمل الارض دورة كاملة كل 24 ساعة لذلك فسرعة الدوران هذه في غاية الدقة صنع الله الذي اتقن كل شيء. وان المدار الذي تدور به الشمس يختلف عن المدار الذي تدور به الارض (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس: 40] فسبحان من أنزل القرآن بأعجازه تذكرة لأولي الأبصار... وفيما يلي بعض الايات التي تبين كروية الارض ودورانها حول محورها من خلال الوصف الدقيق لتولد الليل والنهار.

دوران الأرض حول محورها نسبة للشمس ينتج عنه الليل والنهار

(يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً )[الأعراف: 54].

(يغشى الليل النهار )[الرعد: 3].

(يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل )[الزمر: 5].

(يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل )[لقمان: 5].

(وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون )[يس: 37].

وقد وضح المفسرون آية الإغشاء بأنه تعالى يجعل زمن الليل وزمن النهار يتعاقبان بسرعة على الأرض، وآية الانسلاخ بأنه تعالى يفصل أو يزيل النهار من الليل فيدخل الناس في الظلام، والتكوير والإيلاج أنه تعالى ينقص في زمن الليل بقدر ما يزيد في زمن النهار، وبالعكس. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والعشرون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*والايات تشير الى ظلمة الليل ونور النهار 

( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ) [الليل: 1 ـ 2].

( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ) [النبأ: 10 ـ 11].

( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) [يونس: 67].

وإذا استعرضنا لوازم الليل والنهار في علم الطبيعة نجدها ستة وهي، ظلام الليل ونور النهار، مكان حدوث الليل ومكان حدوث النهار، سبب حدوث الليل وسبب حدوث النهار.

* ان تباطأ حركة دوران كوكب الارض نسبة للشمس، فالكوكب يصبح اكثر مستديرا مما يسبب في انكماش محيط خط الاستواء بشكل تدريجي هذا له تأثيرات عميقة على قشرة الارض ومحيطاتها وجوها بينما يتغير شكل الارض بشكل بطيء يقول تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [الرعد: 41] والاية (بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ )[الانبياء: 44]. وان سرعة تعاقب الليل والنهار متغيرة مع الزمن، وتبين علمياً أن هذه السرعة كانت عالية عند بدء خلق الأرض، ثم تناقصت بالتدريج مع مرور الزمن، وما زال هذا التناقص مستمراً بسبب ظاهرة المد والجزر. أن طول اليوم على كوكب الأرض يزداد بمقدار (1......... ثانية) كل قرن، وإذا تدبرنا آيات القرآن الكريم نجد إشارة واضحة وصريحة لهذه الظاهرة في هذه الاية: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم 

مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين)[الأعراف: 54].

* دوران الارض حول الشمس حيث تأخذ الارض 365.25 يوما لاكمال دورة واحدة حول الشمس.

* حركة الارض نسبة الى خلفية النجوم وذلك بترنحه حول محوره وياخذ 26000 سنة لاكمال دورة واحدة.

* حركة الارض نسبة للفضاء نفسه حيث يعتبر ساكنا بالنسبة للكون وهذا ما اشير اليه من قبل العالم مايكلسون اثناء قيامه بتجربة لقياس سرعة الضوء وفي التجارب الاخرى لاوجود لاي حركة بين الارض والفضاء. فيزجيرالد فسر بأن الارض تقلصت فقط بما فيه الكفاية لتعادل حركة الارض المتباعدة خلال الفضاء. اما اينشتاين فجاء بفكرة مختلفة قليلا ولكن الحقيقة المجردة بأن الارض لاتتحرك نسبة الى الفضاء اي ان سرعتها صفر وهذا ما اشار اليه القرآن اذ قال تعالى (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرعد:2] هذه الآية جاءت لتصف حركة الشمس والقمر معا اي ان السرعة النسبية بينهما صفر فسبحان الله اذا تغيرهذا النظام واصبح هنالك سرعة نسبية بين الارض والشمس لاختل النظام واخذت الارض بالابتعاد عن الشمس واصبحت الحياة على الارض غير ممكنة ولكن برحمة من الله تعالى دبر هذا الكون الى ان تقوم الساعة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والعشرون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حركة الارض نسبة للفضاء نفسه

* يميل محور الأرض بمقدار 23.5 على العمود الرأسي على مستوى مدارها حول الشمس، وميل المحور هو السبب في اختلاف زمن الليل وزمن النهار مما يسبب في حدوث فصول السنة الاربعة، الشتاء والربيع والصيف والخريف.

ويقول تعالى في سورة الرعد في وصف المراحل النهائية لخلق الأرض: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الرعد: 2 ـ 3].

* كل الكواكب في المجموعة الشمسية تتحرك تقريبا بنفس السرعة المجرية على الرغم من ان كل كوكب له سرعتة الفردية حول الشمس تختلف عن الكوكب 

الاخر. وكذلك تتذبذب الكواكب في حركتها نسبة للنجوم الاخرى لمجاورة لها اثناء مسيرتها حول درب التبانة.

أن دوران الارض حول محورها ودورانها حول الشمس وميلان محور الارض كل هذه معا كنظام تولد الاختلاف بين الليل والنهار طبقاً للوصف القرآني، أليس هذا إعجاز قرآني.

الانسان والحيوان ... واختلاف الليل والنهار

وردت عبارة الليل والنهار في احدى وعشرون آية من آيات القرآن الكريم ولو تأملنا هذه الاية : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا) [الاسراء: 12]اي ان الله جعل الليل مظلما للنوم والراحة للانسان والحيوان رحمة منه وجعل النهار مضيئأ للعمل وطلب الرزق، وممكن من خلال تعاقب الليل والنهار معرفة الوقت وحساب السنين.

النبات … واختلاف الليل والنهار ، لنتدبر جانباً من الإعجاز النباتي في آية (اختلاف الليل والنهار ) والتي تطرق الى تفسيرها علميا احد الباحثين [5]بما للنهار من أهمية للنبات والتي تكمن في ضوء الشمس وما تمدنا به من حرارة وإشعاعات سخرها الله سبحانه وتعالى لقيام الحياة واستمرارها على كرتنا الأرضية ، بعملية البناء الضوئي (Photosynthesis) يقوم النبات بما أودع الله سبحانه وتعالى فيها من خصائص حيوية بصنع الغذاء. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والعشرون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* اهمية الليل لاستمرار الحياة على الارض

اما اهمية الليل لاستمرار الحياة على الارض، فالعلماء يقسمون تفاعلات البناء الضوئي إلى تفاعلات الضوء وهي التي لا تتم إلا في الضوء (النهار ) وتفاعلات الظلام وهي تتم في الليل. ان اختلاف الليل والنهار طولاً وقصراً نوراً وإظلاماً برودة ودفئاً من أهم عوامل استمرار الحياة على الأرض ففي النباتات الزهرية إذا لم تتكون الأزهار لا تتكون الثمار ولا الحبوب وهذه الأزهار لا تتكون في أي نبات إلا إذا تكونت فيه أولاً مادة كيميائية حيوية تؤدي إلى عملية الإزهار هذه المادة تسمى هرمون الإزهار (lowaring Hormone) وهذه المادة تتكون فقط عندما يختلف الليل والنهار في حياة النبات فتكوين هذا الهرمون متوقف على تتابع فترة الإضاءة وفترة الإظلام ومدة كل منهما واستمرارها، وشدة الضوء والظلام .

تتم داخل خلايا أوراق النبات الخضراء عمليات مقعدة تسمىPhotosynthesis

فقد خلق الله سبحانه وتعالى في المملكة النباتية نباتات تحتاج إلى فترة إظلام

 يومية لا تقل عن عدد معين من الساعات حتى تزهر ولذلك سميت هذه النباتات بنباتات الليل الطويل . وتوجد أيضاً نباتات تحتاج إلى فترة إضاءة يومية لا تقل عن عدد معين من الساعات حتى تزهر ولذلك سميت بنباتات النهار الطويل. إذا نقلنا نبات من نباتات الليل الطويل إلى بيئة فيها النهار أطول فإن هذه النباتات تفشل في تكوين الأزهار والثمار والحبوب .

توجد في الكائنات الحية الأخرى غير النبات كائنات حية لا تنشط إلا في الليل وأخرى لا تنشط إلا في النهار. توجد جراثيم لا تخرج من مكامنها إلا ليلاً وأخرى لا تخرج إلا نهارا. وجد بالتجربة أن طبقة الأوزون تحمي كائنات الأرض من شدة الإضاءة ونوعيتها وزيادة الضوء عن الحد المقدر يؤدي إلى هلاك الكائنات الحية، فعندما زادت كمية الضوء وتغيرت نوعيتها بالنسبة إلى بعض النباتات انخفضت نسبة البروتين فيها 20% عن المعدل ووجد أن الليل ضروري لحماية تلك النباتات والحفاظ عليها من الهلاك [5].

الغلاف الجوي للارض … واختلاف الليل والنهار

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والعشرون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*يقسم الغلاف الجوي للارض الى سبع مناطق هي:

1- طبقة التروبوسفيرTroposphere: هي الطبقة الملاصقة لسطح الأرض، ويبلغ متوسط ارتفاعها حوالي 11كم فوق سطح البحر، وتمتاز هذه الطبقة بوجود بخار الماء وثاني اوكسيد الكاربون وغاز الاوكسجين والنتروجين. تقل درجة حرارة الهواء وكثافته وضغطه والجزيئات الثقيلة كلما 

ارتفعنا إلى الأعلى في هذه الطبقة.

2- طبقة الستراتوسفيرStratosphere: يتراوح ارتفاعها ما بين 11كم و50 كم فوق سطح البحر وتحتوي على طبقة الأوزون حيث له القدرة على امتصاص 99% من الأشعة فوق البنفسجية المهلكة الصادرة من الشمس، ويتراوح ارتفاع غاز الأوزون داخل طبقة الستراتوسفير بين 20 و 30 كم فوق سطح البحر. وتتميز طبقة الستراتوسفير بالاستقرار التام في جوها، حيث ينعدم بخار الماء فيها، وتخلو من الظواهر الجوية.

3- طبقة الميزوسفيرMesophere: هي الطبقة التي تعلو الستراتوسفير، ويتراوح ارتفاعها بين 50 ـ 85 كم، فوق سطح البحر. وتتميز بتناقص مستمر في درجات الحرارة مع الارتفاع فوق سطح البحر، حتى تصبح درجة الحرارة في أعلى هذه الطبقة منخفضة جداً(حوالي 90 درجة مئوية تحت الصفر)، وهي أقل طبقات الغلاف الجوي في درجة حرارتها.

4- طبقة الأيونوسفيرIonosphere: تمتد هذه الطبقة من ارتفاع 85 كيلومتر إلى 700 كيلومتر تقريبا فوق سطح البحر، وتحتوي على كميات كبيرة من الأوكسجين والنيتروجين المتأين والإلكترونات الحرة(بعد تأين جزيئات الأكسجين والنيتروجين المتعادلة بفعل الأشعة السينيةX-ray)، وهي مقسمة إلى ثلاث طبقات داخلية D.E.Fولكل منها خصائصه المميزة، ويتغير سمكها بتغير الليل والنهار وبتغير الفصول والنشاط في الشمس (البقع والانفجاريات الشمسية).

5- طبقات الثرموسفير:Thermosphere: وهي الطبقة الممتدة من ارتفاع 80 كم وحتى 200 كم فوق سطح البحر، ودرجة حرارة هذه الطبقة تتراوح ما بين 180كلفن و1800كلفن، وان سبب هذه الزيارة في درجة الحرارة يعود الى امتصاص المكونات الجوية في هذه الطبقة للأشعة فوق البنفسجية ذات الطاقة العالية (والمسماة XUVأو EUV) وقد تنفذ الجسيمات عالية الطاقة في المجال 

المغناطيسي للأرض، وتتفاعل مع المناطق العليا من الغلاف الجوي مولدة حرارة إضافية.

6- طبقة الإكسوسفيرExosphere: يتراوح ارتفاعها بين 700 كم و35000 كم فوق سطح البحر، وهي قليلة الكثافة لذلك فإن الجزيئات في هذه الطبقة تكون لها حرية في الحركة تسمح بهروبها من الغلاف الجوي للأرض (إذا كانت سرعتها الحرارية أكبر من السرعة الحرجة اللازمة للتغلب على جاذبية الأرض). ومن الطبيعي أن تتركز جزيئات الغازات الخفيفة (مثل الهيدروجين والهليوم) في طبقات الجو العليا، وبسرعات عالية.

7- الماجنتوسفير Magnetosphere: يمتد المجال المغناطيسي للأرض ويشكل غلافاً حولها إلى مسافة 50000 كم ويقوم هذا الغلاف المغناطيسي إما بصد الجسيمات المشحونة القادمة من الفضاء الخارجي، وإما باصطيادها واقتيادها ناحية قطبي الأرض المغناطيسي وقد أطلق على هذه الأحزمة الإشعاعية اسم (أحزمة فان ألن) .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والعشرون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* اختلاف الليل والنهار

ان اية اختلاف الليل والنهار تتجلى في اختلاف مكونات هذه الطبقات من كثافة الكترونية ودرجة حرارة وضغط ما بين الليل والنهار وقد اوضحت الدراسات الحديثة هذا الاختلاف ما بين الليل والنهار وبالاخص ما يتعلق بطبقة الايونوسفير لاهميتها للانسان لاحتواءها على طبقة الاوزون التي تعتبر من نعم الله الكبيرة على الإنسان وسائر المخلوقات بالأرض التي تمتص الاشعة الفوق البنفسجية ذات الطاقة العالية ويمكنها أن تهلك الحياة على الأرض والتي تسبب سرطان الجلد اذا تعرض لها الانسان، وتقسم مناطق الايونوسفير الى عدة طبقات حسب اختلاف الكثافة الالكترونية فيها فهي في النهار ثلاث طبقات Dو Eو Fوتنقسم طبقة F الى طبقتين F1و F2 وان حدود الارتفاعات التقريبية للطبقات عن سطح الارض هي على النحو الاتي والموضحة بالشكل الشكل يبين اختلاف في الكثافة الالكترونية لطبقات الايونوسفير مع الارتفاع بين الليل والنهار

1- طبقة D تمتد من الارتفاع 50 كم الى 90 كم

2- طبقة E وتمتد من ارتفاع 90 كم الى 140 كم

3- طبقة F1 تمتد من ارتفاع 140 كم الى 210 كم

4- طبقة F2 وتمتد الى ما فوق 210 كم

وفي بعض الاحيان في ساعات النهار ترصد طبقة تظهر في طبقة E وتكون متقطعة وهي طبقة Es اما في ساعات الليل فأن كل من الطبقات Dو Eو F1 تستنفذ جزءا كبيرا من الكتروناتها الحرة بسبب عمليات اعادة الاتحاد وتبقى طبقة F2 فقط مما جعل اهميتها بالاتصالات العالية التردد (HF) بكون لها القابلية على عكس الموجات الراديوية بأطوالها الموجية المختلفة (ابتداءا من الملمتر وحتى الكيلومتر) والاية الكريمة تشير الى هذه الظاهرة (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ) [الطارق:11]

المجال المغناطيسي للارض … واختلاف الليل والنهار

تتجلى قدرة الله تعالى بعظمته ورحمته في خلقه بأن جعل لهذه الارض التي نعيش عليها درعا واقيا الا وهو المجال المغناطيسي المحيط بها (طبقة الماجنتوسفير) او ما يسمى بأحزمة فان آلن التي تم اكتشافها في الستينيات من القرن العشرين وهو امتداد لخطوط القوة المغناطيسية الخارجية من الأرض لآلاف الكيلومترات في الفضاء الخارجي المحيط بها، ولا يمكن رؤيتها. وصدق الله العظيم إذا يقول (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرعد:2]. إن ظاهرة اختلاف الليل والنهار هي نعمة من نعم المولى عز وجل ينبغي التفكر فيها، وهذا يشهد على إعجاز هذه الآية الكريمة (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 190].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والعشرون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* اختلاف الليل والنهار

ولدراسة ومعرفة الاختلاف الذي يحدث في هذا المجال المغناطيسي المحيط 

بالارض بين الليل والنهار فمن الضروري ان نتعرف على التأثيرات التي تحدثها 

الشمس على هذا المجال، ولنتطرق بعض الشيء على اهم الظواهر التي يمكن ملاحظتها على سطح الشمس خلال نشاطها المرتفع والمنخفض وهي:

التأججات الشمسية: عبارة عن تدفقات مؤقتة وشديدة من الطاقة، تلاحظ بشكل مساحات مضيئة على سطح الشمس في الاطوال الموجية البصرية، وبشكل انفجارات من الضوضاء عند الاطوال الموجية الراديوية وتبقى هذه التأججات من دقائق الى ساعات.

التأججات الشمسية وفي الإطار توضيح لتفاصيل الانفجار

البقع الشمسية: وهي مناطق داكنة تظهر على سطح الشمس (الفوتوسفير)، والبقعة النموذجية لها مركز مظلم يسمى بمنطقة الظل محاط بمساحة اقل ظلاما مسمى منطقة شبه الظل. والبقع الشمسية تأخذ احجاما مختلفة من نقطة صغيرة الى مائة الف كيلومتر وعددها يختلف من دورة واخرى وتستغرق الدورة تقريبا 11سنة. درجة حرارة البقعة تقريبا 4500 كلفن فهي ابرد من حرارة سطح الشمس بحوالي 1500 كلفن ولهذا تبدو لبقع داكنة، كما في الشكل.

البقع الشمسية

الانقذافات الاكليلية: وهي عبارة عن مادة من غاز مؤين ساخن (البلازمة) تقذف من الغلاف الخارجي للشمس وتنتقل بسرعة من 100-1000 م/ ثانية ويستغرق وصولها للارض عدة ايام وان هذه الايونات الموجبة والسالبة تكون تيار مستمر يطلق عليه بالرياح الشمسية. الرياح الشمسية وما تسببه من اختلاف بين مناطق الليل والنهار على الكرة الارضية   

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والعشرون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الانبعاثات الصادرة من الشمس ذات تأثيرعلى الارض: 

وهي على ثلاث انواع :

1- الاشعة الكهرومغناطيسية وبالاخص الاشعة السينية والفوق البنفسجية 

ذات الطاقة العالية التي تؤدي الى تأين الذرات والجزيئات الموجودة في 

طبقات الجو العليا وتنتقل هذه الاشعاعات الى الارض بسرعة الضوء 

ويستغرق وصولها 8 دقائق. اثناء النشاط الشمسي العالي يزداد تأين الطبقات مما يؤدي الى حدوث تشويش في الاتصالات الراديوية.

2- الجسيمات ذات الطاقة العالية وهي عبارة عن الكترونات وبروتونات ونيوترونات وذرات عناصر خفيفة كالهيليوم والليثيوم مؤينة وهي تهرب من جاذبية الشمس كسحابة عند الانفجارات العنيفة وتسبح في الفضاء حتى تصل الارض، ولا يمكن رصد هذه الجسيمات الا عند القطبين كما هو الحال في الاشعة الكونية التي تخترق المجال المغناطيسي للارض .

تيار البلازما ذات الطاقة المنخفضة وهو ما يعرف بالرياح الشمسية وهي

 في حالة الهدوء تتكون من غاز متأين معظمة غاز الهيدروجين تنتقل من الشمس بسرعة 300-600 كم في الثانية، اما في حالة النشاط الشمسي فتتضاعف كثافة الغاز وتزداد سرعته فهي تستغرق عدة ايام حتى تصل الارض ، ويمكن ان نلاحظ التغيرات التي تحدث في خطوط المجال المغناطيسي الارضي بسبب دخول هذه الانواع من الجسيمات غلاف الارض.           3-التغيرات التي تحدث في خطوط المجال المغناطيسي الارضي عند حدوث العواصف المغناطيسية

عند وصول الرياح الشمسية إلى الأرض تواجه الحقل المغناطيسي للأرض ويبدأ التفاعل بين الرياح الشمسية وبلازما الغلاف المغناطيسي ويتصرّفان كمولّد كهربائي ، ويمكن ان نلاحظ من الشكل بأن أغلب الجسيمات الصغيرة في الرياح الشمسية تنحرف بمسار منحني حول الأرض بسبب هذا الحقل المغناطيسي. وأن هذه الجسيمات تبدأ رحلتها حول الارض بتقوّس وعلى شكل منحني امام الارض وتسمى "صدمة القوس" ويمكن تشبيها بالماء الذي يكون قوّس موجة أمام المركب المتحرك في الماء. ويمكن ان نلاحظ من الشكل بأن الغلاف المغناطيسي شكله غير كروي فالجانب الذي يواجه الشمس منه (النهار) يمتد الى حدود 70000 كم (10-12 من نصف قطر الارض RE)، اما في جهة الارض البعيدة عن الشمس (الليل) فأنها تمتد من (20-25 RE) وعلى شكل ذيل بسبب تدفق الرياح الشمسية. هناك أيضا فجوات في الذيل المغناطيسي ويطلق عليها اسم (المنخفضات troughs)، حيث لا وجود للتدفق المادي في هذه المنطقة، وان هذه المنخفضات تكون متغيّرة في الحجم والموقع اليست هذه معجزة إلهية والتي لم يتمكن العلماء من كشف أسرارها إلا في أواخر القرن العشرين وجل من قائل (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [7].

تعقيب

لقد عكف العلماء والباحثين في مجال دراسة الفضاء على وضع النماذج الرياضية بناءا على المعلومات المأخوذة من الاقمار الصناعية للتنبأ ببعض المعاملات مثل البقع الشمسية والترددات الحرجة للسنوات القادمة وذلك لمعرفة على سبيل المثال مدى التأثير الذي يحدثه النشاط الشمسي على الارض او على رواد الفضاء او على بعض الاقمار الصناعية ومن ثم توخي الحذر واتخاذ ما هو لازم. وبالرغم من ذلك فأن هنالك الكثير والكثير من الامور التي عجز العلماء عن التوصل لتفسير لها كظاهرة الانفجار الشمسي وظهور البقع الشمسية وما يتعلق بها من احداث، لندرك عظمة وقدرة الخالق عز وجل مرة اخرى في تدبير هذا الكون (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَر) [القمر:49،50].بقلم د. نجاة محمد رشيد رؤوف العبيدي - جامعة بغداد/ كلية العلوم/ قسم الفلك والفضاء

المصادر

1- موسوعة الاعجاز العلمي في القرآن والسنة "فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة" بقلم/ هشام طلبة

2- قضايا وآراء، العدد 41853، السنة 1422 هـ، 18 ربيع الاول بقلم الدكتور/ زغلول النجار

3- كتب التفسير لابن الكثير والطبري رحمهما الله.

4- موسوعة الاعجاز العلمي في القرآن والسنة "حركات الارض بين العلم والقرآن" الاستاذ الدكتور/ منصور محمد حسب النبي

5- موسوعة الاعجاز العلمي في القرآن والسنة " هرمون الازهار واختلاف الليل والنهار " الاستاذ الدكتور/ نظمي خليل ابو العطا

6- موسوعة الاعجاز العلمي في القرآن والسنة " والسماء ذات الرجع في ضؤ علوم الفضاء "الاستاذ الدكتور/ مسلم شلتوت

7- http://science.nasa.gov/ssl/pad/sppb/default.htm موقع وكالة الفضاء الامريكية ناسا

[الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي في القرآن الأرض وعلوم البحار آية اختلاف الليل والنهار في ضوء علوم الفضاء - هشام محمد طلبه - بقلم د. نجاة محمد رشيد رؤوف العبيدي - جامعة بغداد/ كلية العلوم/ قسم الفلك والفضاء - آية اختلاف الليل والنهار في ضوء علوم الفضاء ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والعشرون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}

إنها وحوش فضائية حقيقية – نجوم جبارة تفوق أحجامها وبريقها حدود الممكن 

لدى العلماء هذه النجوم يزيد كتلته عن الشمس بحوالي 265مرة

قال الله تعالى:(لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[غافر].

نشر موقع BBC خبراً عن اكتشاف نجم جديد تزيد كتلته عن الشمس بـ 265مرة وإذا علمنا أن الشمس تعادل (1,300,000 قدر الأرض) فتخيل إذاً كتلة هذا النجم.

إليكم نص الخبر ( إنها وحوش فضائية حقيقية – نجوم جبارة تفوق أحجامها 

وبريقها حدود الممكن لدى العلماء.... أحد هذه الأجرام السماوية، ويُعرف بكل بساطة برمز R136a1، يُعد الأضخم حتى الآن.

النجم الذي أمكنت مشاهدته اليوم تناهز كتلته 265 شمسا، لكن الحسابات التي أجريت توحي بأنه قد يكون أضخم عند نشأته. ربما 320 شمسا، كما يقول البروفيسور بول كراوذر من جامعة شيفيلد البريطانية، في حديث لبي بي سي.

وقد تمكن فريق كراوذر من التعرف على مجموعة النجوم العملاقة هذه بفضل الجمع

 بين معلومات استقيت من تلسكوب Very Large Telescope بشيلي، 

وتلسكوب هابل الفضائي.

ودرس الفريق العلمي مجموعتي أجرام سماوية حيث تنتشر غيوم غازية كثيفة وغبار، وحيث تولد أنجم لتسطع بقوة مدةً وجيزة قبل أن تنفجر على شكل سوبرنوفات (انفجارات نجمية) لتنثر مادتها عبر الفضاء.

وتوجد المجموعتان وسط السحابة الماجلانية الشاسعة إحدى المجرات المجاورة

 لمجرتنا والتي تبعد عنا بحوالي 165 ألف سنة ضوئية(الضوء يسير بسرعة 

300.000ميل في الثانية).

وعثر الفريق على نجوم عدة تفوق درجة حرارة سطحها الـ40 ألف درجة، أي أكثر حرارة من سطح الشمس سبع مرات.

وعلى عكس نجمنا الذي يبدو في السماء قرصا واضح المعالم، يظهر أن النجوم الضخمة التي عثر عليها كراوذر وفريقه تفقد كثيرا من مادتها بسبب الرياح القوية الصادرة عن أجوائها المتورمة بحيث تبدو كما لو كان سطحها مجعدا. 

تكبير لصورة مجموعة النجوم RMC 136a حيث عُثر على الأجرام العملاقة

رفع الاكتشاف الحد الأقصى لحجم أكبر جرم سماوي وقد بات من المؤكد أن

 تكَوُّن كواكب في مدار هذه الشموس، أمر مستبعد الوقوع.

ويقول البروفسور كراوذر مازحا يستغرق تكون الكواكب وقتا أطول مما 

يستغرقه ميلاد هذه الأنجم وهلاكها. وحتى في حال وجود كواكب فلن يستطيع

 أي رائد فضاء أن يقيم بها لأن السماء في الليل ستكون مضيئة كما بالنهار."

ويضيف عالم الفضاء قائلا: "وبسبب قرب هذه النجوم بعضها من بعض، فحتى في الليل فسيكون لك أكثر من نجم يسطع بأنواره فوق رأسك."

وقبل اكتشاف فريق كراوذر، كان أضخم جرم سماوي معروف لا تتعدى كتلته 150 ضعف كتلة الشمس. ما يعني أن الاكتشاف الجديد يُثير التساؤل عن أقصى ما قد يكون عليه أكبر جرم سماوي). أنتهى

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والعشرون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}

يقول الشاعر:

لله في الآفاق آيات لعــلّ **** أقلها هو ما إليه هداكا

ولعل ما في النفس من آياته *****عجبٌ عجابٌ لو ترى عيناكا

والكون مشحون بأسرار إذا *****حاولت تفسيراً لها أعياكا

قل للطبيب تخطفته يد الردى ****من يا طبيب بطبه أرداكا

قل للمريض نجا وعوفي بعدما ******عجزت فنون الطب من عافاكا

قل للصحيح يموت لا من علة *******من بالمنايا يا صحيح دهاكا

قل للبصير وكان يحذر حفرةً ******فهوى بها من ذا الذي أهواكا

بل سائل الأعمى خطا بين الزحـ ام **** بلا اصطدام من يقود خطاكا

قل للجنين يعيش معزولاً بلا راعٍ *****ومرعى ما الذي يرعاكا

قل للوليد بكى وأجهش بالبكا ********لدى الولادة ما الذي أبكاكا

وإذا ترى الثعبان ينفث سمه *****فاسأله من ذا با لسموم حشاكا

واسأله كيف تعيش يا ثعبان *******أو تحيا وهذا السم يملأُ فاكا

واسأل بطون النحل كيف تقاطرت ***شهداً وقل للشهد من حلاّكا

بل سائل اللبن المصفى كان *******بين دمٍ وفرثٍ من الذي صفّاكا

وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا ميت ****فاسأله من يا حي قد أحياكا

قل للنبات يجف بعد تعهدٍ *****ورعايةٍ من بالجفافِ رماكا

وإذا رأيت النبت في الصحراء *******يربو وحد فاسأله من أرباكا

وإذا رأيت البدر يسري ناشراً *********أنواره فاسأله من أسراكا

واسأل شعاع الشمس يدنو وهي ****أبعد كل شيء ما الذي أدناكا

قل للمرير من الثمار من الذي *********بالمر من دون الثمار غذاكا

وإذا رأيت النخل مشقوق النوى ********فاسأله من يا نخل شق نواكا

وإذا رأيت النار شب لهيبها *********فاسأل لهيب النار من أوراكا

وإذا ترى الجبل الأشم مناطحاً *********قمم السحاب فسله من أرساكا

وإذا ترى صخراً تفجر بالمياه **********فسله من بالماء شق صفاكا

وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال *********سرى فسله من الذي أجراكا

وإذا رأيت البحر بالماء الأجاج طغى ******فسله من الذي أطغاكا

وإذا رأيت الليل يغشي داجياً **********فاسأله من يا ليل حاك دجاكا

وإذا رأي الصبح يسفر ضاحكاً ********فاسأله من يا صبح صاغ ضحاكا

ستجيب ما في الكون من آياته **********عجبٌ عجابٌ لو ترى عيناكا

ربي لك الحمد العظيم لذاتك ************حمداً وليس لواحدٍ إلاّ كا

يا مدرك الأبصار والأبصار ***********لا تدري له ولكنهه إدراكا

إن لم تكن عيني تراك فإنني **********في كل شيء أستبين علاكا

يا منبت الأزهار عاطرة الشذى ********ما خاب يوماً من دعا ورجاكا

يا مجري الأنهار عاذبة الندى ********ما خاب يوماً من دعا ورجاكا

يا أيها الإنسان مهلاً ما الذي ***********با لله جل جلاله أغراكا

المصادر العلمية:

علماء الفضاء يرصدون "النجم الجبار"

http://www.bbc.co.uk/arabic/scienceandtech/2010/07/100721_space_star_gigantic_tc2.shtml

[ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي -{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثلاثون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* مثل العاجز عن خلق الذباب

قال الله عز وجل:﴿ َيا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ *مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾(الحج: 73- 74).

 أولاً- هذا مثل ضربه الله تعالى لضعف الناس وعجزهم, يبيِّن لهم فيه أنه لا يُقَاسُ المخلوق الضعيف العاجز عن كل شيء بالخالق القوي القادر على كل شيء, ويُجْعَلُ له سبحانه وتعالى نِدًّا ومِثْلاً. ومناسبته لما قبله أن الله تعالى, لما بين من قبلُ أن المشركين يعبدون من دون الله ما لا حجة لهم به, ولا علم ؛ وذلك قوله تعالى:﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾(الحج: 71), ضرب لهم هذا المثل, يدلُّهم فيه على قُبْح دعائهم للذين من دونه جل وعلا وبطْلانه, منبِّهًا على سخافة عقول من يدعونهم, مقرِّرًا ضعف الجميع وعَجْزَهم, محتجًّا عليهم بالعقل الصحيح, ومقتضى الفطرة السليمة. والآية, وإن كانت نازلة في الأصنام- فقد كان العرب- كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما- يطلونها بالزعفران, ورؤوسها بالعسل, ويغلقون عليها الأبواب, فيدخل الذباب من الكُوَى, فيأكله. وقيل: كانوا يضمخِّونها بالطيب, فكان الذباب يذهب بذلك, وكانوا يتألمون, فجعل ذلك مثلاً - إلا أن الحكم عام لسائر المعبودات من دون الله عز وجل.

 وقوله تعالى:﴿ َيا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾ نداء عام للناس كلهم ونفير بعيد الصدى, الغرض منه إخبارهم بضرب هذا المثل:﴿ ضُرِبَ مَثَلٌ ﴾, وأمرهم بالاستماع له:﴿فَاسْتَمِعُوا لَهُ ﴾ وهو مثل عام يضرب, لا حالة خاصة, ولا مناسبة حاضرة. وقوله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾إلى آخر الآية بيان لهذا لمثل, وتفسير له ؛ ونظيره قوله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾(الأعراف: 194). وقيل: المراد بـ﴿ النَّاس ﴾ هنا المشركون الذين عبدوا البشر والحجر من دون الله تعالى, ويدل عليه قراءة الحسن ويعقوب والسلمي وأبي العالية وهارون ومحبوب عن أبي عمرو:﴿ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾,بياء الغائبين مبنيًّا للفاعل, فيكون الخطاب خاصًّا بهم. والظاهر أن الخطاب شامل لجميع الناس ( مؤمنين ومشركين ) ؛ لأنهم هم المأمورون بالاستماع لهذا لمثل. أما المؤمنون فيزدادون بضرب المثل علمًا وبصيرة, وأما المشركون فتقوم به عليهم 

الحجة ؛ لأن حجج الله تعالى عليهم بضرب الأمثال أقرب إلى أفهامهم.

 وقد ورد في الحديث الذي رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه طاف يوم فتح مكة, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال:«يا أيها الناس ! إنما الناس رجلان: مؤمن تقي كريم على الله, وفاجر شقيٌّ هَيِّن على الله ».

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* مثل العاجز عن خلق الذباب

والفرق بين الاستماع, والسماع: أن الاستماع يقال لما كان بقصد ؛ لأنه لا يكون إلا بالإصغاء, وهو الميل. أما السماع فيكون بقصد, وبدون قصد. ويؤيد ذلك قوله تعالى:﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ﴾(الأعراف: 204), إشارة إلى قصدهم إلى ذلك, وميلهم إلى السَّماع الخالي عن القصد. أما الإنصات فهو السكوت مع الإصغاء. ثم بيَّن سبحانه وتعالى المثل الذي أمر الناس كلهم بالاستماع له, وفسَّره بقوله:﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ﴾,فاحتج سبحانه وتعالى على عجز الذين يُدْعَوْنَ من دونه, ومَنْ يَدْعُونَهم كلهم عجزًا مطلقًا, منكرًا عليهم تسويتهم بينهم, وبين الخالق عز وجل في الدُّعاء والتعظيم من وجهين: أحدهما:قوله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ﴾.

والثاني:قوله تعالى:﴿ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ﴾.  وفي هذين الوجهين قال أبو حيان:«وبدأ تعالى بنفي اختراعهم وخلقهم أقل المخلوقات, من حيث إنّ الاختراع صفة له تعالى ثابتة مختصة, لا يشركه فيها أحد, وثنَّى بالأمر الذي بلغ بهم غاية التعجيز وهو أمر سلب الذباب, وعدم استنقاذ شيء مما يسلبهم ».  وقال سيد قطب في الوجه الأول:« وخلق الذباب مستحيل ؛ كخلق الجمل والفيل ؛ لأن الذباب يحتوي على ذلك السر المعجز سر الحياة, فيستوي في استحالة خلقه مع الجمل والفيل ؛ ولكن الأسلوب القرآني المعجز يختار الذباب الصغير الحقير ؛ لأن العجز عن خلقه يلقي في الحس ظل الضعف أكثر مما يلقيه العجز عن خلق الجمل والفيل, دون أن يخل هذا بالحقيقة في التعبير, وهذا من بدائع الأسلوب القرآني العجيب » !

 وقال في الوجه الثاني:« وهذه حقيقة أخرى كذلك, يستخدمها الأسلوب القرآني المعجز. ولو قال:(وإن تسلبهم السباع شيئًا لا يستنقذوه منها ), لأوحى ذلك بالقوة بدل الضعف. 

والسباع لا تسلب شيئًا أعظم مما يسلبه الذباب ! ولكنه الأسلوب القرآني العجيب »!  وبُنَيَ الثاني على ( إِن )الشرطية التي تدل على الإمكان وعدمه  مبالغة في تعجيزهم عن القدرة على ما هو دون الخَلْقِ, وأسهلَ منه. فإذا كانت هذه المعبودات عاجزة عن خلق ذباب واحد, رَغْم اجتماعها له, وتعاونها عليه, وغير قادرة على استنقاذ ما يسلبه الذباب منها, وهو المخلوق الضعيف, فكيف يليق بالعاقل أن يقيسها بالخالق القادر, ويسوي بينها, وبينه في كل شيء ؟ وفي المراد بـ﴿ الَّذِينَ ﴾ ثلاثة أقوال: أحدها: الأوثان التي عبدوها من دون الله, وكانت حول الكعبة, وهي ثلاث مئة وستون صنمًا. 

والثاني: السادة الذين صرفوهم عن طاعة الله عز وجل. 

والثالث: الشياطين الذين حملوهم على معصية الله تعالى. 

وقيل: الأول هو الأَصْوَبُ ؛ لأن الآية نازلة في الأصنام, وكان الذُّبَابَ كثيرًا عند العرب, وكانوا يضمخون أوثانهم بأنواع الطيب, فكان الذُّبَابُ يذهَب بذلك,فلا تقدر الأصنام على استرداده. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والثلاثون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* مثل العاجز عن خلق الذباب 

والظاهر أن الحكم في الآية, وإن كان مختصًّا بالأصنام, فهو عام شاملٌ لكل مَنْ يُدْعَى من دون الله, من أصنام وأوثان, وأشخاص وشياطين, وقيم وأوضاع, مما يسمَّى آلهة, يستنصر بها دعاتها وعابدوها, ويستعينون بقوتها, طالبين منها النصر والجاه والحماية, في كل زمان ومكان.

وفيه إشارة إلى ذم الغالين في أولياء الله تعالى, حيث يستغيثون بهم في الشدة, وينذرون لهم النذور, غافلين عن الله جل وعلا ؛ فهؤلاء الذين يدعونهم آلهة لا يقدرون على خلق ذباب واحد, على صغر حجمه وحقارة شأنه ؛ لأنهم محرومون من القوة, وقد تقدم ذلك قوله تعالى:  ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ *وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾(الحج: 71- 72)  فأخير سبحانه عن هؤلاء الذين يعبدون من دون الله ما لم ينزل به من سلطان إنما يعبدون آلهة من الأصنام والأوثان , ومن شياطين الإنس والجن, لا حول لهم ولا قوة, وهم لا يعبدونها عن علم ولا دليل يقتنعون به ؛ إنما هو الوهم والخرافة, وما لهم من نصير يلجؤون إليه, وقد حرموا من نصرة الله العزيز القدير. 

وأعجب شيء أنهم, وهم يعبدون الباطل, إذا تليت عليهم آيات الله تدعوهم إلى الحق, لا يستمعون إليها , ولا يدفعون الحجة بالحجة ؛ لأنهم يدركون أن ليس لهم ما يدفعون به إلا العنف والبطش, عندما تعوزهم الحجة ويخذلهم الدليل, فتأخذهم العزة بالإثم, ومن ثم يواجههم الله القوي العزيز بالتهديد والوعيد, ويتوعدهم بشر من ذلكم المنكر الذي تنطوي عليه نفوسهم المريضة, وهي النار التي وعدها سبحانه الذين كفروا عامة, وبئست مصيرًا, وهو الرد المناسب لأولئك الطغاة ثم يعقِّب سبحانه على ذلك بهذا المثل الذي يعلن فيه سبحانه للناس جميعًا إعلانًا عامًا مدوِّيًا عن ضعف تلك الآلهة التي تُدعَى من دون الله عز وجل, ويبرز ضعفها في صورة حيَّة معروضة للأسماع والأبصار, ومشهد شاخص متحرك , تتملاه العيون والقلوب, مشهد يرسم الضعف المزري, ويمثله أبرع وأروع تمثيل.

﴿ َيا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن

 يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ *مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾(الحج: 73- 74). والمراد بـ( الدُّعَاءِ )هنا- على ما قال ابن قيم الجوزية- دعاءُ العبادة, المتضمِّن دعاءَ المسألة ؛ إذ الدعاء في القرآن نوعان: دعاء عبادة, ودعاء مسألة.

فدعاء المسألة هو سؤال الله تعالى من خيري الدنيا والآخرة. ودعاء العبادة يدخل فيه كل القربات الظاهرة والباطنة ؛ لأن المتعبد لله تعالى طالب بلسان مقاله وحاله من ربه قبول تلك العبادة والإثابة عليها.                            إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* مثل العاجز عن خلق الذباب

 وكل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء لله تعالى وحده, والنهْيِ عن دعاء غيره, يتناول دعاء العبادة, ودعاء المسألة ؛ كقوله تعالى:﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾(غافر: 14), وقوله تعالى:﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ

أَحَدًا ﴾(الجن: 18). 

وهو في دعاء العبادة أظهر, يدل على ذلك قوله تعالى:﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ *وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾(الأحقاف: 5- 6), ففسَّر دعاءهم بعبادتهم لهم.

 وتنكير لفظ ( الذباب )في قوله تعالى:﴿ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً ﴾ للإفراد. أي: لن 

يخلقوا ذبابًا واحدًا. ويدلك على ذلك أنك إذا قلت: لم أر إنسانًا, أفاد نفيُ رؤية 

واحد معين.

 ويطلَق الذباب على المعروف من الحشرات الطائرة, وعلى النحل, والزنابير, ونحوهما. والذُّبَابُ الحقيقي هو حشرات تنتمي إلى رتبة تسمَّى:( ذوات الجناحين ), وتسمَّى أحيانًا:( ثنائيَّةَ الأجنحة ), ويشبه البعوض في تصنيفه وتركيب جسمه, وفي بعض عاداته ؛ كعادة التقيؤ, وهو اسم جنسٍ, يقع على المذكرِ والمؤنثِ, فيفرَّق بينهما بالوصف, وجمعه في القلة: أَذِبَّة, أصله: أذْبِبَة ؛ كغُرابٌ وأَغْرِبَة, وفي الكثرة: ذِبَّان, بكسر الذال ؛ كغُراب وغِرْبان.

وحكى أبو حيان في البحر ضم الذال.  ولا يقال: ذُبَابَةُ بالتأنيث إلا في الديون,

 لا في الحيوان. يقال: عليه ذُبابةٌ من ديْن, أي: بقيَّة من دين, والجمع: ذُبابات. وذُباب السيف: طرفه الذي يضرَب به.

وذُبابة العين: إنسانُها ؛ إلا أن الجوهري قال: الذُّبَابُ معروف, الواحدة: ذُبَابَة, ولا يقال: ذُبانَة. والصوابُ فيهما: ذُبَابٌ. قال اللَّيْثُ: الذُّبَابَةُ, قاله ابنُ دُرَيْد, هكذا زعمه قوم, ولا أعرف صحَّتها, ورأيت في هامش الصحَاح: قال أبو حاتم: لا يقال ذُبَابَةٌ, بالهاء ؛ وإنما يقال: ذُبَابٌ.

وهو مأخوذ من ( الذَّبّ )بمعنى: الطرد والدفع. أو من ( الذَّبّ )بمعنى: 

الاختلاف. أي: الذهاب والعود, وهو أنسب بحال الذباب, لما فيه من الاختلاف. وقيل: سُمِّيَ الذُّبَابُ ذُبَابًا, لكَثْرَةِ حَرَكَتِه واضْطِرَابِه. والذَّبْذَبَة هي حكاية صوت الحركة للشيء المعلقفي الهواء,ثم استعيرت لكل اضطراب وحركة.          قال تعالى في صفة المنافقين:﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء ﴾(النساء: 143).أي: مضطربين مائلين تارة إلى المؤمنين, وتارة إلى الكافرين. وقيل: سُمِّيَ ذُبَابًا ؛ لأَنَّه كُلَّمَا ذُبَّ, آبَ. أي: كلما طرد, عاد. قال الشاعر: إنَّمَا سُمِّيَ الذُّبَابُ ذُبَابًا... حَيْثُ يَهْوِي وكُلَّمَا ذُبَّ آبَا ويقال: ذَبَبْتُ عن فلان: طردت عنه الذُّبَابَ. والمِذبَّةُ: ما يُذَبُّ به الذُّبَابُ. أي: ما يطرد به.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* مثل العاجز عن خلق الذباب

ثم استعير الذَّبُّ لمجرَّد الدَّفْع, فقيل: ذَبَبْتُ عن فلان. وذَبَّ البعيرُ, إذا دخل ذُبَابُ في أنفه. ويعَد الذُّبَابُ من الحشرات الحقيرة التي يستقذرها الإنسان, ويتقزز منها, وقد حاول القضاء عليها بكل ما أوتي من قوة وحيلة, ومع ذلك فلم يلزم الإنسان في حياته شيء لزومَ الذُّبَابِ له, لا يمتنع عليه شيء من بدنه, ولا من ثوبه, ولا من طعامه, ولا من شرابه, مِلْحَاحٌ يُطْرَدُ فلا ينطرد ؛ ولذلك يقال:« ثلاثة أشياء لا يمكن الإفلات منها: الموت, والضرائب, والذباب».

وقيل: كان اليونانيون القدامى يقدمون العجول قرابينَ للذباب ؛ وكذلك كان يفعل الآشوريون من قبلهم, رجاءَ تجنب أذاه وإزعاجه الذي لا يطاق.     وحُكِيَ أن ذبابًا وقع على أنف الخليفة العباسي المنصور وهو يخطب, فحرك رأسه ؛ ليطرده, وكان الخلفاء لا يحر كون أيديهم على المنابر, فطار حتى سقط على رأسه, فحركها, فطار حتى وقع على عينه, فحرك رأسه, فطار حتى وقع على عينه الأخرى, حتى أضجره, فذبَّه بيده.

فلما نزل, سأل عمرو بن عبيد: لمَ خلق الله الذباب ؟ فقال: ليذل به الجبابرة ! ثم قرأ الآية:﴿ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾(الحج: 74) وتعريف ( الذُّباب ) في قوله تعالى:﴿وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ ﴾ للجنس, ويفيد العموم والاستغراق, وليس تعريفه للعهد.

 والفرق بينهما:أن تعريف العهد لما ثبت في الأعيان. وتعريف الجنس لما ثبت في

 الأذهان. و( السَّلْبُ ), بسكون اللام: اختطاف الشيء من الغير بسرعة, ونزعه منه على القهر.

 يقال: سلبه نعمته سلْبًا. وأما ( السَلَبُ ), بفتح اللام, فهو ما يُسْلَب, والجمع: أسلاب. وكل شيء على الإنسان من اللباس وغيره, وعلى القتيل من السلاح وعدَّة الحرب, فهو سَلَبٌ.

 وفي الحديث:« مَنْ قتل قتيلاً, فله سَلَبُه ». وقوله تعالى:﴿ شَيْئًا ﴾مفعول به ثانٍ لفعل ﴿ يَسْلُبُ﴾, وتنكيره للتقليل, فيدل على تفاهة المسلوب, وعجز المسلوب منه عن استنقاذ ذلك الشيء التافه عَجْزًا مطلقًا. وقيل:( الاستنقاذُ ): استعفالٌ بمعنى: الإفعال.

يقال: أنقذه من كذا. أي: أنجاه منه, وخلَّصه. والظاهر أن الاستنقاذ مبالغة في الإنقاذ ؛ مثل الاستحياء والاستجابة, وهو تخليصُ ما أُخِذَ عنْوَةً, واسترجاعُه من الآخذ بأيِّ وسيلة كانت.

 أما الإنقاذُ فهو تخليصُ الإنسان من وَرْطَةٍ كانَ قد وقع فيها ؛ كما في قوله تعالى:﴿ وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ﴾(آل عمران: 103).  وقال بعضهم: إنما خُصَّ الذباب هنا بالذكر, دون غيره من الحشرات, لأربعة أمور تَخُصُّه: لمهانته وضعفه, ولاستقذاره وكثرته.

وبه يضرَب المثلُ في القَذَر, وفي استطابة النَّتْن, فإِذا عَجزَ الذُّبابُ عن شمِِّ شيءٍ, فهو الذي لا يكون أنتنُ منه. ومن أمثال العرب:« إنه لأَوْهَى من الذُّبَابِ », «أشبه من الذُّبَاب بالذُّبَاب », «ألح من الذُّبَاب », «أَطيش من ذُبَابٍ »,« أجرأ من الذُّبَاب », « أخطأ من الذُّبَاب ».

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* مثل العاجز عن خلق الذباب

والظاهر أن الذُّبَابَ, وإن كان كذلك, فإنه لم يوضع في هذا المثَل في موضع تحقير له, وموضع تصغير ؛ لأن المراد ليس تحقيره, وإنما المراد تحقير الذين يُدْعَوْنَ من دون الله تعالى, وتحقير من يَدعُونهم, ويلتمسون النفع والخير عندهم, وبيان ضعفهم وعجزهم عن خلْق ذُبَابٍ واحد رَغْمَ اجتماعهم له, وعن استنقاذ ما 

يسلبهم الذُّبَابُ من أشياء رغم تفاهتها.

    ومن الخصائص التي يتمتع بها الذُّبَابُ عن غيره من الحشرات أن له خزان وقود دقيق, يوزع الوقود على جميع أجزاء الاحتراق الداخلية بشبكة توزيع دقيقة وعجيبة , وله أجهزة استشعار أدق ركبت بعناية بالغة على جسمه الدقيق النحيل الذي لا يزيد طوله عن مليمترات قليلة, ويكيِّف جسمَه جهازُ تكييفٍ دقيقٍ ذو كفاءة عالية جدًا، ينتشر في كل جزء من أجزائه.

ومنها أن له عيون كبيرة تحتوي على ست آلاف بنية عينية سداسية يطلق عليها

 اسم: العوينات, وتأخذ كل واحدة من هذه العوينات منحى مختلفًا: إلى الأمام, أو الخلف, وفي الوسط, وفوق, وعلى جميع الجوانب, ويمكن أن يرى كل ما حوله من جميع الجهات, وأن يشعر بكل شيء في حقل رؤية زاويته ثلاثمائة وستين درجة, وتتصل ثمانية أعصاب مستقبلية للضوء بكل واحدة من هذه العوينات, وبهذا يكون مجموع الخلايا الحساسة في العين حوالي ثمانية وأربعين ألف خلية, يمكنها أن تعالج مائة صورة في الثانية.

ومنهاأنه يفرز الهواضم على جزئيَّات طعامه ؛ لأنه لا يملك جهازًا هضميًّا معقدًا, فيهضم الطعام في مكانه قبل أن يمتصه بخرطومه, فهو لا يمتصه بخرطومه إلا متحوِّلاً مهضومًا ؛ ولذلك فإنه متى سلب شيئًا وامتصَّه, فقد سلبه متغيِّرًا متحوِّلاً تعجز كل وسائل العلم وأجهزته عن استنقاذه منه ؛ لأنه قد صار مهضومَ طعامِِ ذبابٍ, ولم يعُدْ جزيئةً من سكر, أو زعفران, أو عسل, أو دقيق, أو غير ذلك ؛ وذلك قمة التحدِّي والإعجاز.

 ومنها أنه يتمتع بقدرة فائقة على الطيران لا نظير لها ؛ ففي البداية يقوم بمعاينة الأعضاء التي سيستخدمها في الطيران, ثم يأخذ وضعية التأهُّب للطيران ؛ وذلك بتعديل وضع أعضاء التوازن في الجهة الأمامية, وأخيرًا يقوم بحساب زاوية الإقلاع معتمدًا على اتجاه الريح وسرعة الضوء التي يحددها بوساطة حساسات موجودة على قرون الاستشعار, ثم يطير محلقًا في الفضاء.

وهذه العمليات مجتمعة لا تستغرق منه أكثر من جزء واحد في المائة من الثانية, ويسلك أثناء طيرانه مسارًا متعرجًا في الهواء بطريقة خارقة ؛ كما يمكنه أن يُقلِِعَ عموديًا من المكان الذي يقف فيه, وأن يحط بنجاح على أي سطح بغض النظر عن انحداره أو عدم ملائمته.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والثلاثون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* مثل العاجز عن خلق الذباب

ويستمد الذباب مهارته الفائقة في الطيران من التصميم المثالي للأجنحة ؛ إذ 

تغطي النهايات السطحية والأوردة الموجودة على الأجنحة شعيرات حساسة جدًا، ممَّا يسهِّل عليه تحديدَ اتجاه الهواء, والضغوط الميكانيكية عند الإقلاع, وتنبسط عند الهبوط.

 وعلى الرغم من أنها تقع تحت تحكم الأعصاب في بداية الطيران ؛ إلا أن حركات هذه العضلات مع الجناح تصبح أوتوماتيكية بعد فترة وجيزة.

 تقوم الحسَّاسات الموجودة تحت الأجنحة والرأس بنقل معلومات الطيران إلى الدماغ, فإذا صادف الذباب تيارًا هوائيًا جديدًا أثناء طيرانه, تقوم هذه الحسَّاسات بنقل المعلومات الجديدة في الحال إلى الدماغ, وعلى أساسها تبدأ العضلات بتوجيه الأجنحة بالاتجاه الجديد.

 وبهذه الطريقة يتمكن الذباب من الكشف عن وجود أي حشرة جديدة بتوليد 

تيار هوائي إضافي, والهرب إلى مكان آمن في الوقت المناسب.

 ويحرك جناحيه مئات المرات في الثانية, وتكون الطاقة المستهلكة في الطيران أكثر مائة مرة من الطاقة المستهلكة أثناء الراحة.

 ومن هنا يمكننا أن نعرف أن الذباب مخلوق قوي جدًا ؛ لأن الإنسان يمكنه أن يستهلك طاقته القصوى في الأوقات الصعبة ( الطوارئ ) والتي تصل إلى عشرة أضعاف طاقته المستهلكة في أعمال الحياة العادية فقط.

 يضاف إلى ذلك أن الإنسان يمكنه أن يستمر في صرف هذه الطاقة لبضع 

دقائق فقط كحد أعلى, على عكس الذباب الذي يمكنه أن يستمر على هذه الوتيرة لمدة نصف ساعة ؛ كما يمكنه أن يسافر بهذه الطاقة مسافة ميل, وبالسرعة نفسها.

ومن الخصائص الأخرى التي يتمتع بها الذباب وقوفه على سقف المنزل, فحسب قانون الجاذبية يجب أن يقع إلى الأسفل ؛ إلا أنه خلق بنظام خاص يقلب المستحيل معقولاً ؛ إذ يوجد على رؤوس أقدامه وسادات شافطة, تفرز سائلاً لزجًا, وعندما يقترب من السقف يقوم بمد سيقانه باتجاه السقف, وما إن يشعر بملامسته حتى يستدير ويمسك بسطحه.

 وعنده صلاحية عالية للتحميل بآلاف القنابل الجرثومية الفتاكة المعبأة بجراثيم: شلل الأطفال , وبكتيريا الكوليرا , والجذام , والتدرُّن الرئوي ( السل ) , والتيفوئيد , والباراتيفوئيد , وجراثيم الإسهال , والرمد الصديدي, هذا إلى جانب نقل بيض بعض الديدان والطفيليات.

 ولقد وصل عدد الميكروبات الضارة التي أحصاها أحد العلماء في شعر ذباب واحد إلى ستة ملايين وستين ألف ميكروب. وهناك من العلماء من عثر على خمسين مليون ميكروب على جسم ذباب واحد.

وهناك أعداد أخرى لميكروبات أخرى موجودة داخل جسم الذباب الواحد, وخصوصًا في قناته الهضمية. ومن العجيب أن جسم الذباب يحمل قنابل مضادة لمفعول الجراثيم السابقة, حيث يحمل قنابل الفيروس, ملتقم البكتيريا ( البكتيريوفاج ) الذي يخترق جسم البكتيريا ويتكاثر بالتضاعف داخلها, ثم يفجرها ويحطمها ويقضي عليهما.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والثلاثون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* مثل العاجز عن خلق الذباب

 والأعجب من ذلك كله أن ما كشف عنه العلم الحديث بوسائله العلمية المتطورة, كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر عنه منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة في الحديث الذي رواه البخاري وغيرهبإسناده صحيح,وهو قوله عليه الصلاة والسلام:« إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ, فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ, ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ ؛ فَإِنَّ فِي

 أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً, وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً ». 

وفي رواية أخرى:« إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي طَعَامِ أَحَدِكُمْ أَوْ شَرَابِهِ». وفي رواية ثالثة:« إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي طَعَامِ أَحَدِكُمْ, فَامْقُلُوهُ ؛ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً, وَفِي الْآخَرِ دَوَاء ». 

والمَقْلُ: الغَمْسُ. وقد ذكر الدكتور عبد الباسط محمد السيد رئيس قسم التحليل والجراثيم في المركز القومي للأبحاث في مصر أن مجموعة من العلماء الألمان اكتشفوا في الجناح الأيسر للذباب جراثيم غرام سلبي وغرام إيجابي.

 وفي الجناح جراثيم تسمى: باكتر يوفاج. أي: مفترسة الجراثيم, وهذه المفترسة للجراثيم الباكتر يوفاج, أو عامل الشفاء صغيرة الحجم, يقدر طولها بعشرين إلى خمسة وعشرين ميلي ميكرون, فإذا وقع الذباب في الطعام أو الشراب, وجب أن يغمس فيه ؛ لكي تخرج تلك الأجسام الضدية, فتبيد الجراثيم.

وهذه المضادات واسعة الطيف وقوية التأثير, وشبيهة بالأنتي بيوتك. والآن هناك عدد كبير من مزارع الذباب في ألمانيا, حيث يتم تحضير بعض الأدوية التي تستعمل كمضاد للجراثيم والتي أثبتت فعالية كبيرة, وهي تباع بأسعار مرتفعة في ألمانيا.

ونشرت جريدة ( الأهرام ) في القاهرة في عددها الصادر ( يوم/2 يوليو/1952م ) مقالة للأستاذ ( مجدي كيرلس جرجس ), وهو مسيحي مصري, ورد فيها:«هناك حشرات ذات منافع طبية, ففي الحرب العالمية الأولى لاحظ الأطباء أن الجنود ذوي الجروح العميقة الذين تركوا في الميدان لمدة ما, حتى ينقلوا إلى المشفى, قد شُفِيت جروحهم, والتأَمَت بسرعة عجيبة, وفي مدة أقل من تلك التي استلزمتها جروحُ من نقلوا إلى المشفى مباشرة.

 وقد وجد الأطباء أن جروح الجنود الذين تُرِكُوا في الميدان, تحتوي على 

( يرقات ), وهي بعض أنواع ( الذباب الأزرق ), وقد وجد أن هذه ( اليرقات ) تأكل النسيج المتقيح في الجروح, وتقتل البكتريا المتسببة في القيْح والصَّديد.

وقد استخرجت مادة ( الإنثوين ) من ( اليرقات ) السالفة الذكر, واستخدمت كمرهم رخيص, ملطف للخراريج والقروح والحروق والأورام. وأخيرًا عُرِفَ التركيب الكيميائي لمادة ( الإنثوين ), وحضِّرت صناعيًا, وهي الآن تباع بمخازن الأدوية ».

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* مثل العاجز عن خلق الذباب

 هذا هو الذُّبَابُ خَلْقٌ من خَلْقِ الله جل وعلا, ﴿ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾(لقمان:11). ويقول سبحانه في الحديث القدسي الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده(14/411) عن أبي زُرْعَةَ عن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم:« ومَنْ أظلمُ ممَّن ذهب يخلُق خلْقًا كخلْقي ! 

فلْيخلُقوا ذَرَّةً.

أو فلْيخلُقوا حَبَّةً. أو لِيخلُقوا شَعِرَةً »! وأخرجه الشيخان في الصحيحين, من طريق عُمَارة, عن أبي زُرْعةَ, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: قال الله عز وجل:« ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ؟ فليخلقوا ذَرَّةً. أو: ليخلقوا حَبَّة, أو شَعيرةً» (البخاري:22/ 98، ومسلم:11/27). قيل: إن في ذكر الذَّرَّة إشارة إلى ما له روح, وفي ذكْر الَحَبَّة والشَّعيرَة إشارة إلى ما ينبُت ممَّا يؤكَل. ونسَب الخَلْقَ إليهم على سبيل الاسْتِهْزاء, أو التشبيه فِي الصورة فقط, والمرادُ تعجيزهم تارةً بتكليفهم خَلْقَ حيوان وهو أشدُّ, وتارةً أخرى بتكليفهم خَلْقَ جماد وهو أهون, ومع ذلك لا قدرة لهم عليه, وهو على سبيل الترقِّي فِي الحقارة, أو التَّنَزُّلِ في الإلزام..

وهكذا نرى أن صفة الخَلْقِ المتَّصِفِ بها سبحانه وتعالى, أعظمُ دليل على وحدانية الله تعالى وإلهيَّته, وهي متضمِّنة صفةَ التصوير والعلم ؛ لأن لكل مخلوق صورة تخصه, ولا يكون ذلك إلا عن علم بالغيب والشهادة.

ثالثًا- ثم ختم الله عز وجل ذلك المثل المصور الموحي بهذا التعقيب الموجز:﴿ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾ ؛ ليقرر ما ألقاه المثل من ظلال في النفوس , وما أوحى به من مشاعر إلى القلوب, فسوَّى سبحانه بين الداعي, والمدعو في الضعف والعجز ؛ فالطالب هو الداعي, والمطلوب هو المدعو, إشارة إلى قوله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ﴾, فهو عاجز متعلق بعاجز.

 وهذه الجملة الموجزة أرسلت إرسال المثل ؛ وذلك من بلاغة الكلام !   وقيل: هو تسوية بين السالب, والمسلوب في الضعف والعجز, إشارة إلى قوله تعالى:﴿وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ﴾.

وعليه فالطالب هو الصنم, من حيث أنه لو طلب أن يستنقذ من الذباب ما سلبه منه, لعجز عن ذلك. والمطلوب هو الذباب, من حيث أنه يُطلب من الصنم لاستنقاذ ما سلبه منه.

وقيل: الطالب هو الذباب, يطلب ما يسلبه من الصنم. 

والمطلوب هو الصنم الذي يريد استنقاذ ما سلب منه. والوجه الأول هو الأقرب إلى الصواب, وإن كان اللفظ يتناول الجميع.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* مثل العاجز عن خلق الذباب

فمن جعل العبد المخلوق الضعيف العاجز مع الإله الخالق القوي العزيز القادر،

 وسوَّى بينهما, في المحبة والتعظيم, والدعاء والعبادة, والنَّذْر, ونحو ذلك ممَّا يُخَصُّ به الربُّ جل وعلا, فما عرَفه حقَّ معرفته  ولا عظَّمه حقَّ تعظيمه, ومن عدَل بالله غيره في شيء من خصائصه سبحانه وتعالى, فهو مشرك, بخلاف من لا يعدِل به, وهذا ما أخبر عنه تعالى بقوله:﴿ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾, وهو إخبارٌ عن الكفَّار وذَمٌّ لهم, المرادُ به أن عبادتهم من دون الله تعالى من لا يستحق العبادة استخفافٌ بحق إلهيِّته سبحانه ؛ وذلك أن المعبود أقل درجاته أن يقدر على إيجاد ما ينفع عابده وإعدام ما يضره , وهؤلاء لا يقدرون على خلق ذباب واحد , ولو اجتمعوا كلهم لخلقه , فكيف بما هو أكبر منه ؛ بل لا يقدرون على الانتصار من الذباب, إذا سلبهم شيئًا فيستنفذوه منه.

 فلا هم قادرون على خلق الذباب الذي هو من أضعف الحيوانات , ولا على الانتصار منه واسترجاع ما سلبهم إياه ؛ فلا أعجز منهم ولا أضعف , فكيف يليق بالعاقل أن يقيسهم بالخالق القادر, ويسوِّي بينهم, وبينه في كل شيء ؟ وهذا من أقوى الحجج وأوضحها برهانًا, وفيه تجهيل عظيم لهم, حيث دَعَوْا من دون الله مَنْ هذه صفته.

وحقيقة ﴿ قَدَرُوا ﴾عيَّنوا القَدْر وضَبطوه. وإضافة الحق إلى القدْر ﴿ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ هي من إضافة الصفة إلى الموصوف. أي: ما قدروا الله قَدْرَهُ الحقَّ, فانتصب ( حَقَّ ) على النيابة عن المفعول المطلق المبيَّنِ للنوع. 

وقُرِىءَ:﴿ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدَرِهِ ﴾، بفتح الدال. وقيل: القَدْرُ والقَدَرُ بمعنىً,

 وهو في الأَصْلِ مَصْدرٌ. وقيل: القَدَرُ, بفتح الدال: الاسْمُ, والقَدْرُ, بسكون الدال: المَصْدرُ. والفرق بينهما: أن القَدَرُ يقال لوقتِ الشيء المقدَّر له, والمكانِ المقدَّر له, قال تعالى:﴿ إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾(المرسلات:22).

 وقال:﴿ فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ﴾(الرعد:17). أي: بقدَر المكان المقدَّر لأن يسعها. وقُرِىء:﴿ بِقَدْرِهَا ﴾,بسكون الدال. أي: بتقديرها. والقَدْرُ يقال لمبلغِ الشيْءِ, وتدبيرِ الشيْءِ بالشيْءِ, وقياسِ الشيْءِ بالشيْءِ, وكذلك يقال لتعْظِيمِ الشيء. وقيل: أصل القَدْر: معرفة المقدار بالسَّبْر, ثم استعمل في معرفة الشيء على أتم الوجوه, حتى صار حقيقة فيه. يقال: قَدَرَ الشيْءَ يقدُره, بالضم, قَدْرًا,

 إذا سَبَرَهُ, وأراد أن يعلم مقداره, ثم قيل لمن عرَف شيئًا: هو يقدُر قَدْرَه.

 وإذا لم يعرفه بصفاته, إنه لا يقدُر قدْره. ومن أطاع الله تعالى ولم يعصِه, وشكره ولم يكفر به, وذكره ولم ينسه, وعبده ولم يشرك به, فقد قدَره حقَّ قدْره. أي: عرفه حقَّ معرفته, وعظَّمه حقَّ تعظيمه. أما قوله تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ تعليل لمضمون الجملة قبله, ضمَّنه تعالى صفتين من صفاته, منافيتين لصفات من يدعون من دونه: الأولى: أنه قوي لا يتعذر عليه فعل شيء.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الأربعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* مثل العاجز عن خلق الذباب

والثانية: أنه عزيز لا يقدر أحد على مغالبته. فأي حاجة إلى القول بالشريك, وجعله مثلاً, وندًّا لله تعالى ؟ وفيه من التهديد بالانتقام منهم على وقاحتهم ما فيه ! وفي العدول عن أن يقال:﴿ ما قَدَرتم اللهَ حقَّ قدْره ﴾ إلى أسلوب الغيبة:﴿ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾التفاتٌ, تعريضًا بهم بأنّهم ليسوا أهلاً للمخاطبة, وتوبيخًا لهم, وبذلك يندمج في قوله تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾.

 رابعًا- ومن الأسرار الدقيقة في هذا المثل أن الله عز وجل نفى قدرتهم على خلق الذباب بـ( لن ), فقال سبحانه:﴿ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ﴾, ثم نفى قدرتهم على استنقاذ ما يسلبهم الذباب بـ( لا ), فقال:﴿ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ﴾. وجمهور النحاة والمفسرين على القول بأن ( لن )أخت ( لا )في نفي الأفعال المستقبلة, وأنه لا فرق بينهما في ذلك. وإلى هذا ذهب الزمخشري ؛ لكنه قال:«إلاّ أن ( لن )تنفيه نفيًا مؤكدًا, وتأكيده هنا الدلالة على أن خلق الذباب منهم مستحيل مناف لأحوالهم ؛ كأنه قال: محال أن يخلقوا ».

وعقَّب أبو حيَّان على قول الزمخشري قائلاً:«وهذا القول الذي قاله في ( لن )

هو المنقول عنه: أن ( لن )للنفي على التأييد ؛ ألا تراه فسر ذلك بالاستحالة, وغيره من النحاة يجعل ( لن )مثل ( لا )في النفي ؛ ألا ترى إلى قوله:﴿ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ ﴾(النحل: 17), كيف جاء النفي بـ( لا ), وهو الصحيح ». والتحقيق في هذه المسألة الخلافية: أن الصحيح ليس هو ما ذهب إليه الجمهور, كما قال أبو حيان, وليس هو ما ذهب إليه الزمخشري ؛ وإنما الصحيح هو خلاف ذلك, وبيانه من وجوه:   أحدها: أن ( لا ) تنفي الحال والمستقبل, و( لن ) تنفي المستقبل خاصَّة. تقول:( لا يفعل ) إذا أردت نفي فعله في الحال والمستقبل, فإذا أردت نفي فعله في المستقبل دون الحال, قلت:( لن يفعل ). وذهب الشيخ السهيلي في نتائج الفكر في النحو, وتبعه ابن قيم الجوزية في بدائع الفوائد إلى أن من خواصِّ ( لن ) تخليصها الفعل للاستقبال, بعد أن كان محتملا للحال, فأغنت عن السين وسوف. وهذا يعني: أن قولك:( يفعل ) يحتمل الحال والاستقبال, وأن قولك:( سيفعل ),أو( سوف يفعل )مخلَص للاستقبال, ونفي الأول:( لا يفعل ), ونفي الثاني:( لن يفعل ). وهذا ما نصَّ عليه سيبويه في باب ( نفي الفعل ), فقال:« وإذا قال: سوف يفعل, فإنَّ نفيه: لن يفعل ».

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والأربعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* مثل العاجز عن خلق الذباب

 وحكى عن الخليل قوله في قولهم:( سيفعل ), فقال:«وزعم الخليل أنها جواب:

لن يفعل ».

 والثاني: ومن خواصِّها أيضًا- كما قال الشيخ السهيلي رحمه الله- أنها تنفي ما قرُب, فلا يمتدُّ معنى النفي فيها كامتداد معناه في ( لا ), إذا قلت:( لا يفعل ذلك أبدًا ), فـ( لا ) هي لامٌ بعدها ألفٌ, يمتدُّ بها الصوت ما لم يقطعه تضييق النفَس ؛ فآذن امتداد لفظها بامتداد معناها.

 و( لن ) بخلاف ذلك, فتأمله, فإنه معنى لطيف, وغرض شريف.

والثالث: أن ( لن ) - كما قال الخليل- مركبة من ( لا ), و( أن ), خلافًا لمن قال ببساطتها, ولا يلزم ما اعترض عليه سيبويه من تقديم المفعول عليها ؛ لأنه يجوز في المركبات ما لا يجوز في البسائط.

والدليل على ذلك: أنَّ ( أنْ ) تدل على إمكان الفعل دون الوجوب 

والاستحالة, تأمل قوله تعالى:﴿ أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ﴾(المعارج: 38) تجد فيه أن دخول الجنة ممكن لكل امرئ يطمع في دخولها, وهذا المعنى هو الذي دلت عليه ( أن ) الاستقبالية. فإذا قلت:( لن يدخل اليهود والنصارى الجنة ), دلت ( لن ) على نفي إمكان الدخول الذي دلت عليه ( أن ).

وعلى هذا جاء قوله تعالى:﴿ وَقَالُوْا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى ﴾(البقرة:111). فإذا ثبت ذلك, كان معنى ( لن ) نفيُ الإمكان بـ( أن ). والعرب- كما قال الشيخ السهيلي- إنما تنفي بـ( لن ) ما كان ممكنًا عند المخاطب, مظنونًا أنه سيكون, فتقول له:( لن يكون ), لِمَا ظن أنه يكون ؛ لأن ( لن 

)فيها معنى ( أن ).

 وإذا كان الأمر عندهم على الشك, لا على الظن ؛ كأنه يقول:أيكون, أم لا ؟ قلت في النفي:لا يكون.. وهذا كله مقول ؛ لتركيبها من ( لا )و( أن ).      وعلى هذا جاء قول الله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ﴾(الحج: 73), فنفى سبحانه قدرتهم على خلق ذباب واحد ؛ لأنه في ظنهم أنهم قادرون على خلقه. وأما الذي يكون مستحيلاً استحالة مطلقة فيأتي نفيه بـ( لا )قطعًا ؛ كما أتى في قوله الله تعالى:﴿ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ﴾, فنفى قدرتهم على استنقاذ ما يسلبهم الذباب نفيًا قاطعًا, يدل على استحالة استنقاذ أي شيء مما يسلبه الذباب. ومما يدلك على أن ( لن )ينفى بها ما كان ممكنًا عند المخاطب مظنونًا: أنه سيكون أن الروس الذين يعتقدون أن الحياة جاءت نتيجة تفاعلات طبيعية وقابلات مادية أوجدت تلك الحياة, وأنه لا خالق لهذه الحياة, حاولوا بعد اكتشاف الخلية الواحدة التي هي أصل الخلق أن يخلقوا الحياة بخلق هذه الخلية التي تسمَّى ( الأمييا ),وكانوا حريصين كل الحرص على إثبات أن الحياة, ومن ثم الإنسان, جاء نتيجة تفاعلات كيميائية, فكلفوا أشهر علمائهم في الكيمياء, واسمه ( أوفارين ) مع مجموعة من العلماء أن يخلقوا مادة حيَّة من مواد ميتة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والأربعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* مثل العاجز عن خلق الذباب

 وبعد عشرين عامًا من البحث وقف ( أوفارين ) ؛ ليعلن عجزه, وليؤكد أن خلق الحياة من مواد ميتة لا يدخل في نطاق المعرفة البشرية والقدرة البشرية , وأنه لا يمكن أن تأتي حياة من مواد ميتة. 

وحتى لا يسأل: من أين جاء الإنسان , ومن أين جاءت الحياة ؟ قال: إن الحياة الأولى لعلها جاءت من أحد الكواكب من خارج الأرض, فأحالها إلى المجهول. وقد تلا ذلك عدة محاولات لتقليد الذبابة, ومع ذلك فإنها عجزت عن الوصول إلى المستوى الراقي والمعقد الموجود في الذبابة, وكان البروفيسور ( رونالد فيرينج ) أستاذ الهندسة الإلكترونية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي طموحًا للغاية حينما أخذ على عاتقه تطوير وإنتاج ذبابة آلية تعمل بالريموت, ناعمة وصغيرة, ورشيقة الحركة, وقادرة على المناورة ؛ للاستفادة منها في عمليات الاستطلاع والاستكشاف والبحث والإنقاذ,ومن خلال ما قام به من مراقبة وبحث, تبين له أن جناحي الذبابة الحقيقية يخفقان ( 150 ) مرة في الثانية, وأنها تتحرك في مختلف الاتجاهات, وتهبط وترتفع وتغوص بخفة ورشاقة وحركة سريعة وحيوية مذهلة, وأنها قادرة على الانعطاف الحاد والدوران بزاوية قائمة ( 90 ) درجة خلال اقل من ( 50 ) ميلي ثانية,وهو ما تعجز عنه طائرة ( الشبح ستيلث ) المقاتلة الحديثة, ولو قامت به لتمزقت إلى قطع وشظايا صغيرة.

وقد واجه ( فيرينج ) صعوبات, وتحديات حقيقية ومعقدة في تصنيع وتحضير المكونات المتناهية الدقة والصغر لذبابته الآلية باستخدام أشعة الليزر في الهندسة التقنية والميكانيكا الجزئية الدقيقة وجهاز سريع لتصميم وإنتاج النماذج الأولية,بحيث يسمح له بالقطع والوصل, وترتيب الأجزاء على الكمبيوتر, والقيام بعمليات الفصل والوصل, وإعادة الترتيب والتنظيم تحت المجهر, وفي النهاية كانت هذه المحاولة ( والتي تعد من أفضل المحاولات) ما تزال بعيدة عن الإبداع الموجود في الذبابة الحقيقية, واقتصرت هذه المحاولة على تقليد الأجزاء ذات الصلة الأساسية بقدراتها على الطيران والحركة والمناورة.

  ومما يدلك على أن ( لا )ينفى بها ما كان مستحيلاً ومشكوكًا فيه عند المخاطب: أن الدراسات والأبحاث الحديثة أثبتت أن الذباب قد انفرد عن سائر الحيوان بأنه يفرز الهواضم على جزئيَّات طعامه, فيهضمه في مكانه قبل أن يمتصه بخرطومه, فهو لا يمتصه بخرطومه إلا متحوِّلاً مهضومًا ؛ ولذلك فإنه متى سلب شيئًا وامتصَّه, فقد سلبه متغيِّرًا متحوِّلاً, تعجز كل وسائل العلم وأجهزته عن استنقاذه منه ؛ فإنه قد صار مهضومَ طعام ذباب, ولم يعد جزيئة من سكر أو زعفران أو عسل أو دقيق, أو غير ذلك ؛ وذلك قمة التحدِّي والإعجاز.. 

ومن العجائب أن خلايا التذوق لدى الذباب. أي: التي يتعرف بها على مذاق طعامه موجودة بالجزء السفلي من أرجله بالإضافة إلى فمه.. فتأمل ! وأختم بقول ابن قيم الجوزية:« فتأمل هذا المثل الذي أمر الناس كلهم باستماعه, فمن لم يستمعه, فقد عصى أمره, كيف تضمن إبطال الشرك وأسبابه بأصح برهان, في أوجز عبارة وأحسنها وأحلاها, وأسجل على جميع آلهة المشركين أنهم, لو اجتمعوا كلهم في صعيد واحد, وساعد بعضهم بعضًا وعاونه بأبلغ المعاونة, لعجزوا عن خلق ذباب واحد. ثم بين ضعفهم وعجزهم عن استنقاذ ما يسلبهم الذباب إياه حين يسقط عليهم. فأي إله أضعف من هذا الإله المطلوب, ومن عابده الطالب نفعه وخيره ؟ فأقام سبحانه حجة التوحيد, وبين إفك أهل الشرك والإلحاد بأعذب ألفاظ وأحسنها, لم يستكرهها غموض, ولم يشنها تطويل, ولم يعبها تقصير, ولم تزر بها زيادة, ولا نقص ؛ بل بلغت في الحسن والفصاحة والبيان والإيجاز مالا يتوهم متوهم, ولا يظن ظان أن يكون أبلغ في معناها منها, وتحتها من المعنى الجليل القدر, العظيم الشرف, البالغ في النفع, ما هو أجل من الألفاظ »![ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي - مثل العاجز عن خلق الذباب - إعداد الأستاذ محمد عتوك ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والأربعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*شبهة نزول الحديد من السماء بل معناه خلق  

نص الشبهة حرفياً: قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحديد: 25).

يدعي الإعجازيون بأن القرآن قال بـ"الحقيقة العلمية" أن الحديد أنزل من السماء الى الأرض والدليل قول القرآن "أنزلنا".

ويقولون أن الحديد لم يتكون في المجموعة الشمسية، بل جاء اليها من الخارج! 

ويدعون أن المجموعة الشمسية لم يكن بها ما يكفي من طاقة لظهور عنصر

 الحديد. ولتفنيد هذا الادعاء، سأتناوله من وجهين:

أولا: هل فعلا الحديد لم يكن من العناصر المكونة لكوكب الأرض؟؟

حقائق: 1- عنصر الحديد أكثر العناصر انتشارا في الارض، و يشكل حوالي 35% من العناصر.

7http://www.arc.losrios.cc.ca.us/~jacksoh/Yuba/Lecture 

ونفس الشيء في كواكب المجموعة الأخرى، حيث ينتشر عنصر الحديد انتشارا 

كبيرا بها، فكيف يمكن أن يكون عنصر بهذه الكثرة والانتشار لم يظهر في 

الأرض الا عن طريق هبوطه من الخارج عن طريق النيازك؟

2- اللب الداخلي للأرض يحتوي على الحديد:

http://www.ldgo.columbia.edu/press_releases/song/basic-facts.html

كيف يستوي هذا مع عدم ظهوره في كوكب الأرض الا عن طريق هبوطه بالنيازك؟

والحقيقة أنني بحثت كثيرا في المراجع العلمية عن هذا الادعاء، ولم أر ما يدعمه أبدا.

ثانيا: بغض النظر عن كون الموضوع حقيقة علمية أم لا، تعالوا لنبحث الموضوع 

من الناحية اللغوية والدينية.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والأربعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*شبهة نزول الحديد من السماء بل معناه خلق  

يستند الاعجازيون في هذه الاية على كلمة {انزلنا} بمعنى انها تعني "هبوط" الحديد من الخارج الى الأرض.

و لكن هل تعني ذلك حقا؟ لغويا وسياقيا؟

تعالوا نرَ مواضع أخرى جاءت فيها نفس الكلمة بمعنى الخلق:

تقول سورة الزمر: { وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } (سورة الزمر 6).

يقول ابن كثير في تفسير الآية: وقوله تعالى: { وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ 

} أي وخلق لكم من ظهور الأنعام ثمانية أزواج، وهي المذكورة في سورة الأنعام:{ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ... وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ } (سورة الأَنعام 143 - 144).

فهل هبطت الأنعام أيضا على أرضنا من الخارج؟

بدون حتى النظر الى التفسير، فواضح لأي شخص ان الكلمة "أنزلنا" عند اتيانها في الحديث عن نعمة أو شيء مخلوق للإنسان -وهو الشيء المشترك بين الايات الثلاث- تعني "خلقنا" أو "جعلنا".

اية اخرى جاءت بنفس السياق: { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا } (سورة الأَعراف 26)

وبطبيعة الحال تؤكد جميع التفاسير معنى الخلق لكلمة "انزلنا" في هذه الاية 

أيضا؛ كما يؤكده منطق أي شخص عاقل.

وبالرجوع الى التفسير حول الآية الاصلية محل الحديث المتحدثة عن الحديد؛ يتأكد لنا نفس الشيء.

هل هبط اللباس علينا من الخارج أيضا؟

باختصار قوله "انزلنا" لا تعني الا بكل بساطة: "جعلنا" أو "خلقنا".

كل هذه الامثلة من الغش في معاني اللغة وتحريف الكلمات الى معاني مختلفة تماما عن الحقيقة يوضح لنا كم الكذب والتدليس الذي احترفه مرتزقة العلم هؤلاء، الذين أكاد أجزم انهم لا يؤمنون بحرف واحد مما يلوثون به عقول البسطاء من الناس. متى نفيق من هذه الأوهام ونعلم أنفسنا علما حقيقيا يلحقنا بمؤخرة ركب التطور ؟".

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والأربعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*شبهة نزول الحديد من السماء بل معناه خلق  - الرد على الشبهة:

كل كتب الإعجاز العلمي التي تناولت هذا الموضوع تحدثت عن نسبة الحديد إلى الأرض، وعن وجوده في لب الأرض أكثر بكثير من قشرتها. ولكنهم لتدليسهم وبترهم للنصوص لا يذكرون ذلك!

ولتوضيح الإعجاز العلمي في الآية الكريمة بصورة واضحة، سيتم نقل رأي الدكتور زغلول النجار مطولاً في ذلك.

قال الدكتور زغلول النجار: " بينما لا تتعدى نسبة الحديد في شمسنا ‏0.0037‏%، فإن نسبته في التركيب الكيميائي لأرضنا تصل إلى‏ 35.9 %‏ من مجموع كتلة الأرض، المقدرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طن‏.‏ وعلى ذلك فإن كمية الحديد في الأرض تقدر بأكثر من ألفي مليون مليون مليون طن.‏ ويتركز الحديد في قلب الأرض‏، أو ما يعرف باسم لب الأرض‏، وتصل نسبة الحديد فيه إلى‏90 %‏ ، ونسبة النيكل ‏-وهو من مجموعة الحديد-إلى‏9 %‏. وتتناقص نسبة الحديد من لب الأرض إلى الخارج باستمرار حتى تصل إلى‏5.6 %‏ في قشرة الأرض‏.‏

وإلى أواخر الخمسينيات من القرن العشرين لم يكن لأحد من العلماء إمكانية 

التصور‏-ولو من قبيل التخيل- أن هذا القدر الهائل من الحديد قد أنزل إلى الأرض من السماء إنزالاً حقيقيا‏ًً!‏

كيف أنزل؟ وكيف تسني له اختراق الغلاف الصخري للأرض بهذه الكميات المذهلة؟ وكيف أمكنه الاستمرار في التحرك بداخل الأرض حتى وصل إلى لبها؟ وكيف شكل كلاً من لب الأرض الصلب، ولبها السائل على هيئة كرة ضخمة من الحديد والنيكل، يحيط بها وشاح منصهر من نفس التركيب‏، ثم أخذت نسبته في التناقص باستمرار في اتجاه قشرة الأرض الصلبة ؟

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والأربعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*شبهة نزول الحديد من السماء بل معناه خلق  - الرد على الشبهة:

في أواخر القرن العشرين ثبت لعلماء الفلك والفيزياء‏ الفلكية أن الحديد لا يتكون في الجزء المدرك من الكون إلا في مراحل محددة من حياة النجوم تسمي بالعماليق الحمر‏، والعماليق العظام‏، والتي بعد أن يتحول لبها بالكامل إلى حديد تنفجر علي هيئة المستعرات العظام‏، وبانفجارها تتناثر مكوناتها بما فيها الحديد في صفحة الكون، فيدخل هذا الحديد بتقدير من الله جل جلاله في مجال جاذبية أجرام سماوية تحتاج إليه مثل أرضنا الابتدائية التي وصلها الحديد الكوني‏، وهي كومة من الرماد.فاندفع إلى قلب تلك الكومة، بحكم كثافته العالية وسرعته المندفع بها، فانصهر بحرارة الاستقرار في قلب الأرض وصهرها‏، ومايزها إلى سبع أرضين‏!‏ وبهذا ثبت أن الحديد في أرضنا‏، بل في مجموعتنا الشمسية بالكامل قد أنزل إليها إنزالاً حقيقيا‏.‏

1)‏ إنزال الحديد من السماء:

في دراسة لتوزيع العناصر المختلفة في الجزء المدرك من الكون، لوحظ أن غاز الإيدروجين هو أكثر العناصر شيوعاً إذ يكون أكثر من ‏74 %‏ من مادة الكون المنظور‏، ويليه في الكثرة غاز الهيليوم الذي يكون حوالي‏24 %‏ من مادة الكون المنظور‏، وأن هذين الغازين وهما يمثلان أخف العناصر وأبسطها بناء يكونان معا أكثر من‏98 %‏ من مادة الجزء المدرك من الكون‏، بينما باقي العناصر المعروفة لنا وهي‏(103)‏ عناصر تكون مجتمعة أقل من‏2 %‏ من مادة الكون المنظور‏.

 

‏وقد أدت هذه الملاحظة إلى الاستنتاج المنطقي أن أنوية غاز الإيدروجين، هي لبنات بناء جميع العناصر المعروفة لنا، وأنها جميعا قد تخلقت باندماج أنوية هذا الغاز البسيط مع بعضها في داخل النجوم بعملية تعرف باسم عملية الاندماج النووي تنطلق منها كميات هائلة من الحرارة‏،‏ وتتم بتسلسل من أخف العناصر إلى أعلاها وزنا ذريا وتعقيدا في البناء‏.‏

فشمسنا تتكون أساساً من غاز الإيدروجين الذي تندمج أنويته مع بعضها لتكون غاز الهيليوم ، وتنطلق طاقة هائلة تبلغ عشرة ملايين درجة مئوية‏، ويتحكم في هذا التفاعل‏ -بقدرة الخالق العظيم‏- عاملان هما: زيادة نسبة غاز الهيليوم المتخلق بالتدريج‏، وتمدد الشمس بالارتفاع المطرد في درجة حرارة لبها‏. وباستمرار هذه العملية، تزداد درجة الحرارة في داخل الشمس تدريجيا‏، وبازديادها ينتقل التفاعل إلى المرحلة التالية التي تندمج فيها نوى ذرات الهيليوم مع بعضها منتجة نوى ذرات الكربون‏12، ثم الأوكسجين‏16‏ ثم النيون‏20، وهكذا‏.‏

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعةوالأربعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*شبهة نزول الحديد من السماء بل معناه خلق  - الرد على الشبهة:

وفي نجم عادي مثل شمسنا، التي تقدر درجة حرارة سطحها بحوالي ستة آلاف درجة مئوية‏، وتزداد هذه الحرارة تدريجيا في اتجاه مركز الشمس حتي تصل إلى حوالي‏15‏ مليون درجة مئوية‏ يقدر علماء الفيزياء الفلكية أنه بتحول نصف كمية الإيدروجين الشمسي تقريباً إلى الهيليوم، فإن درجة الحرارة في لب الشمس ستصل إلى مائة مليون درجة مئوية‏، مما يدفع بنوى ذرات الهيليوم المتخلقة إلى الاندماج في المراحل التالية من عملية الاندماج النووي، مكونة عناصر أعلى في وزنها الذري مثل الكربون. ومطلقة كمَّاً أعلى من الطاقة‏.

 ويقدر العلماء، أنه عندما تصل درجة حرارة لب الشمس إلى ستمائة مليون درجة مئوية، يتحول الكربون إلى صوديوم ومغنيسيوم ونيون‏، ثم تنتج عمليات الاندماج النووي التالية عناصر الألومنيوم‏، والسيليكون‏، والكبريت، والفوسفور‏، والكلور‏، والأرجون‏، والبوتاسيوم‏، والكالسيوم على التوالي.، مع ارتفاع مطرد في درجة الحرارة، حتى تصل إلى ألفي مليون درجة مئوية، حين يتحول لب النجم إلى مجموعات التيتانيوم‏، والفاناديوم‏، والكروم‏، والمنجنيز والحديد ‏(الحديد والكوبالت والنيكل‏).

ولما كان تخليق هذه العناصر يحتاج إلى درجات حرارة مرتفعة جداً لا تتوافر إلا 

في مراحل خاصة من مراحل حياة النجوم تعرف باسم العماليق الحمر والعماليق العظام، وهي مراحل توهج شديد في حياة النجوم،‏ فإنها لا تتم في كل نجم من نجوم السماء‏.‏ ولكن حين يتحول لب النجم إلى الحديد فانه يستهلك طاقة النجم بدلاً من إضافة مزيد من الطاقة إليه‏، وذلك لأن نواة ذرة الحديد هي أشد نوى العناصر تماسكاً‏.

وهنا ينفجر النجم على هيئة ما يسمي باسم: المستعر الأعظمـ من النمط الأول أو الثاني حسب الكتلة الابتدائية للنجم‏ ـ‏ وتتناثر أشلاء النجم المنفجر في صفحة السماء، لتدخل في نطاق جاذبية أجرام سماوية تحتاج إلى هذا الحديد‏،

 تماماً كما تصل النيازك الحديدية إلى أرضنا بملايين الأطنان في كل عام‏.‏

ولما كانت نسبة الحديد في شمسنا لا تتعدى‏0.0037 %‏ من كتلتها، وهي أقل بكثير من نسبة الحديد في كل من الأرض والنيازك الحديدية التي تصل إليها من فسحة الكون، ولما كانت درجة حرارة لب الشمس لم تصل بعد إلى الحد الذي يمكنها من إنتاج السيليكون‏ أو المغنيسيوم‏ -فضلاً عن الحديد- كان من البديهي استنتاج أن كلاً من الأرض والشمس قد استمد ما به من حديد من مصدر خارجي عنه في فسحة الكون‏، وأن أرضنا حينما انفصلت عن الشمس لم تكن سوى كومة من الرماد المكون من العناصر الخفيفة‏، ثم رجمت هذه الكومة بوابل من النيازك الحديدية التي انطلقت إليها من السماء، فاستقرت في لبها بفضل كثافتها العالية وسرعاتها الكونية فانصهرت بحرارة الاستقرار‏، وصهرت كومة الرماد وما يزنها إلى سبع أرضين‏:‏ لب صلب على هيئة كرة ضخمة من الحديد‏(90 %)‏ والنيكل‏(9 %)‏ وبعض العناصر الخفيفة من مثل الكبريت‏، والفوسفور‏، والكربون‏(1 %)‏ يليه إلى الخارج‏ لب سائل له نفس التركيب الكيميائي تقريبا‏ًً، ويكون لب الأرض الصلب والسائل معا حوالي‏31 %‏ من مجموع كتلة الأرض‏، ويلي لب الأرض إلى الخارج وشاح الأرض المكون من ثلاثة نطق‏، ثم الغلاف الصخري للأرض‏، وهو مكون من نطاقين‏، وتتناقص نسبة الحديد من لب الأرض إلى الخارج باستمرار حتى تصل إلى ‏5.6 %‏ في قشرة الأرض، وهي النطاق الخارجي من غلاف الأرض الصخري‏.‏

من هنا ساد الاعتقاد بأن الحديد الموجود في الأرض والذي يشكل‏35.9 %‏ من كتلتها لابد وأنه قد تكون في داخل عدد من النجوم المستعرة من مثل العماليق الحمر‏، والعماليق العظام. 

والتي انفجرت على هيئة المستعرات العظام، فتناثرت أشلاؤها في صفحة الكون، ونزلت إلى الأرض على هيئة وابل من النيازك الحديدية‏.

وبذلك أصبح من الثابت علمياً أن حديد الأرض قد أنزل إليها من السماء‏، وأن الحديد في مجموعتنا الشمسية كلها قد أنزل كذلك إليها من السماء‏، وهي حقيقة لم يتوصل العلماء إلى فهمها إلا في أواخر الخمسينيات‏ من القرن العشرين‏.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والأربعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*شبهة نزول الحديد من السماء بل معناه خلق  - الرد على الشبهة:

‏ 2) البأس الشديد للحديد:

الحديد عنصر فلزي شديد البأس‏، وهو أكثر العناصر ثباتاً؛ وذلك لشدة تماسك مكونات النواة في ذرته التي تتكون من ستة وعشرين بروتونا‏ً، وثلاثين نيوترونا‏ً، وستة وعشرين إلكتروناً‏.

ولذلك تمتلك نواة ذرة الحديد أعلى قدر من طاقة التماسك بين جميع نوى العناصر الأخرى‏، ولذا فهي تحتاج إلى كميات هائلة من الطاقة لتفتيتها، أو للإضافة إليها‏.‏

ويتميز الحديد وسبائكه المختلفة بين جميع العناصر والسبائك المعروفة بأعلى قدر من الخصائص المغناطيسية‏، والمرونة -القابلية للطرق والسحب وللتشكل-‏ والمقاومة للحرارة ولعوامل التعرية الجوية‏، فالحديد لا ينصهر قبل درجة‏ 1536‏ مئوية‏، ويغلي عند درجة‏ 3023‏ درجة مئوية تحت الضغط الجوي العادي عند سطح البحر‏، وتبلغ كثافة الحديد ‏7.874‏ جرام للسنتيمتر المكعب عند درجة حرارة الصفر المطلق‏.‏

3)‏ منافع الحديد للناس:

للحديد منافع جمة وفوائد أساسية لجعل الأرض صالحة للعمران بتقدير من الله‏، ولبناء اللبنات الأساسية للحياة التي خلقها ربنا‏ تبارك وتعالى‏،‏ فكمية الحديد الهائلة في كل من لب الأرض الصلب‏ ولبها السائل تلعب دورا مهما في توليد المجال المغناطيسي للأرض‏، وهذا المجال هو الذي يمسك بكل من الغلاف الغازي والمائي والحيوي للأرض‏، وغلاف الأرض الغازي يحميها من الأشعة والجسيمات الكونية، ومن العديد من أشعات الشمس الضارة‏، ومن ملايين الأطنان من النيازك‏، ويساعد على ضبط العديد من العمليات الأرضية المهمة من مثل دورة كل من الماء‏، والأوكسجين‏، وثاني أكسيد الكربون‏، والأوزون

 وغيرها من العمليات اللازمة لجعل الأرض كوكبا صالحا للعمران‏.‏

ومادة الحديد لازمة من لوازم بناء الخلية الحية في كل من النبات والحيوان والانسان، إذ تدخل مركبات الحديد في تكوين المادة الخضراء في النباتات ‏(الكلوروفيل‏)‏، وهو المكون الأساسي للبلاستيدات الخضراء التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي اللازمة لنمو النباتات‏، ولانتاج الأنسجة النباتية المختلفة من مثل الأوراق والأزهار‏، والبذور والثمار والتي عن طريقها يدخل الحديد إلى أنسجة ودماء كل من الإنسان والحيوان‏، وعملية التمثيل الضوئي هي الوسيلة الوحيدة لتحويل طاقة الشمس إلى روابط كيميائية تختزن في أجساد جميع الكائنات الحية‏، وتكون مصدرا لنشاطها أثناء حياتها‏، وبعد تحلل أجساد تلك الكائنات بمعزل عن الهواء تتحول إلى مختلف صور الطاقة المعروفة‏: (القش‏، والحطب‏، والفحم النباتي‏، والفحم الحجري‏، والغاز الفحمي والنفط‏، والغاز الطبيعي وغيرها‏)، والحديد يدخل في تركيب بروتينات نواة الخلية الحية الموجودة في المادة الحاملة للشفرة الوراثية للخلية ‏(الصبغيات‏)‏، كما يوجد في سوائل الجسم المختلفة‏، وهو أحد مكونات الهيموجلوبين، وهي المادة الأساسية في كرات الدم الحمراء‏، ويقوم الحديد بدور مهم في عملية الاحتراق الداخلي للأنسجة والتمثيل الحيوي بها‏.‏ ويوجد في كل من الكبد‏، والطحال والكلى‏، والعضلات والنخاع الأحمر‏، ويحتاج الكائن الحي إلى قدر محدد من الحديد إذا نقص تعرض للكثير من الأمراض التي أوضحها فقر الدم، والحديد عصب الصناعات المدنية والعسكرية، فلا تكاد صناعة معدنية أن تقوم في غيبة الحديد‏".‏ أ.هـ 

بهذا يتبين أن في الآية الكريمة إشارات كثيرة في الإعجاز العلمي لم يذكرها في نقده، لماذا؟

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والأربعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*شبهة نزول الحديد من السماء بل معناه خلق  - الرد على الشبهة:

أما عن اختلاف النزول مع نزول الأنعام واللباس (وهي بمعنى الخلق) فجواب

 ذلك: إن لفظ النزول تكرر في القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة مرة، ليس كلها

 بمعنى الخلق، بل أكثرها بمعنى النزول.

ولا مانع في أن تكون نوعاً من البلاغة، مجازاً مرسلاً علاقته السببية، فيكون: "

 تفسير إنزال أزواج الأنعام في قوله تعالى: "وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ" [الزمر: 6]، بإنزال الماء على وجه الأرض؛ لأنها لا تعيش إلا بالنبات، والنبات لا يقوم إلا بالماء، وقد أنزل الماء فكأنه أنزلها ".

وكذا قوله تعالى: "وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا" [غافر: 13]: أي مطراً هو سبب الرزق. 

وقوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا" [النساء: 10] أي: ما يسبب دخولهم النار.

وقال: ابن فارس في الصاحبي في فقه اللغة، ص106: "جاز أن يقول: "أنزل"؛ لأن الأنعام لا تقوم إِلاَّ بالنبات، والنبات لا يقوم إِلاَّ بالماء، والله جلّ ثناؤه ينزل الماء من السماء. قال: ومثله "قَدْ أنْزِلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسَاً" [الأعراف: 26]، وهو جلّ ثناؤه إنما أنْزَلَ الماء، لكن اللباس من القطن، والقطن لا يكون إِلاَّ بالماء. قال: ومنه قال جلّ ثناؤه: "وليَسْتَعْففِ الَّذِين لا يجدون نكاحاً" [النور: 33] إنما أراد -والله أعلم- الشيء يُنْكَحُ بِهِ من مَهْر ونَفقة، ولا بد للمتزوج بِهِ منه".[ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي - شبهات وردود حول الاعجاز شبهة نزول الحديد من السماء- الأنترنت -   إعداد الأستاذ عبد الرحيم الشريف]

الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي - الأدلة العقلية للقراَن الكريم في إثبات الخلق والتوحيد والبعث .

معجزة خلق الإنسان هي من أعظم المعجزات الدالة على وجود خالق عليم قادر على بعث الناس وخلقهم من جديد يوم القيامة - أ د/مصطفى عبد المنعم - الأستاذ بكلية الطب – جامعة طيبة المدينة المنورة

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخمسون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

الرد على الملحدين الذين ينكرون الخلق والبعث والحساب

لا شك أنه قد بذلت جهود حثيثة على مدار التاريخ الإسلامي في الرد على أهل الكتاب وإثبات فساد عقيدتهم والتحريف الذي في كتبهم ،كان منها جهود العلامة ابن حزم في كتابه الرائع (الفصل في الملل والنحل) وكتاب العلامة رحمة الله هندي (إظهار الحق) وكتاب العلامة الشيخ أبو زهرة (محاضرات في النصرانية) ثم الجهود المباركة التي أحياها الشيخ أحمد ديدات ومن بعده خليفته الرائع الدكتور ذاكر نايك والذي هو ظاهرة فذة قلما تتكرر في الزمان ومع ذلك فيكاد يكون غير معروف في العالم العربي المسلم.

هذا غيض من فيض من جهود المسلمين الحثيثة في مخاطبة وجدال أهل الكتاب كما أمر الله تعالى: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْـزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْـزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (العنكبوت/46)

ولكن في المقابل لا نجد هناك جهوداً مشابهة قد توجهت لخطاب الكفار من

 الملحدين الذين ينكرون الخلق والبعث والحساب واللأدريين الذين يشكون في الأمر ولا يوجد لديهم.. حسب زعمهم.. دليل يحسم مسألة الإيمان والكفر. ولعل السبب في ذلك أن بعض المسلمين قد ظنوا أن هذا النوع من الكفر كان ممثلاً في كفار قريش ولم يعد له وجود في هذا الزمان.. ولكن الحقيقة أنهم مازالوا موجودين بل يقدر عددهم.. ويا للعجب.. بنحو نصف سكان الأرض.. بعضهم ملحدين (Atheists) وبعضهم شاكين أو لا أدريين (Agnostics) والتقدير المتداول لعددهم في دولة مثل الولايات المتحدة يبلغ نحو 10% من السكان علماً بأن بعض من ينتسبون بحسب ولادتهم إلا عائلات مسيحية أو يهودية هم في الحقيقة من أحد هذين النوعين وهم لا يخجلون من ذكر عقيدتهم إذا سئلوا عنها إعمالاً لحرية الفكر والعقيدة التي نشئوا عليها كما يزعمون. والدارس للشبهات الواهية لكلتا الطائفتين (الملحدين واللأدريين) يجد أن هناك ملاحظات تتعلق بعقيدتهم والجدال معهم نذكرها فيما يأتي:

1- أنه لا فرق بين الشبهات التي أثاروها والشبهات التي كان يثيرها كفار مكة.

2-أنهم ليس لهم كتاب لتوضح لهم فساده ولا يؤمنون بكتابك لتستدل عليهم 

به. فليس هناك بديل عن محاججتهم بالأدلة العقلية.

3- أن القراَن الكريم قد ذكر عموم حججهم مع الرد العقلي عليها فهو خير معين على جدالهم بالأدلة الدامغة.

ولا شك أن العقيدة السليمة هي أساس الدين. و أن اعتماد القراَن الكريم للأدلة العقلية في محاججتهم وعدم اكتفائه بتقرير الحق والإعراض عما هم عليه من الباطل لهو منهج جدير بالدراسة واستخلاص العبر والدروس.  

  إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والخمسون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

الرد على الملحدين الذين ينكرون الخلق والبعث والحساب  

ونورد هنا الأدلة العقلية التي ساقها القراَن الكريم للرد على ثلاثة مسائل هي في الحقيقة جوهر العقيدة ألا وهي مسائل الخلق والوحدانية والبعث. ونورد فيه المباحث الآتية:

أولاً: أدلة الخلق

ينكر الملحدين أن هناك خالقاً قد خلقهم، ويتوقف اللأدريين في المسألة ويدعون أن الأمر محتمل ولكن لايوجد دليل يحسم المسألة، والله تعالى يرد على هؤلاء وأولئك بقوله تعالى في اَية جامعة معجزة: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ، أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) (الطور/35-36)

ثلاث حجج عقلية يواجه بها القراَن الكريم كلتا الطائفتين فيخيرهم بينها جميعا :

1- هل خُلقتم من لا شيء، وهل يمكن إعطاء مثال على شيء في الوجود وجد من لا شيء. إن هذا أصلاً بخلاف قوانين الكون التي نحيا عليه.

2- هل أنتم خالقون لأنفسكم.

3- هل أنتم الذين خلقتم السموات والأرض.

إن العقل السليم لا يستطيع بحال أن يجيب بإجابة تخالف النفي (لا) على الأسئلة الثلاثة. فإن لم تكن خُلقت من لا شيء، ولا أنت الذي خلقت نفسك، ولا أنت الذي خلق السموات والأرض، فإن هناك خالقاً لهذا الكون، أظهر لنا في جميل صنعته كمال قدرته، وخلق الكون على بناءٍ واحد ليقر بوحدانيته، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لنعرفه بأسمائه وصفاته، وتودد إلينا وهو الغني عنا، وأخبرنا بفرحه بنا إن عصينا فتبنا فأنبنا، فهل نرغب عن هذا الرب الخالق البارئ المصور ونحيا في أوهام الخيالات لنصحو على الحسرة والندم.

ثانياً: أدلة وحدانية الله تعالى

إن الخالق الكريم الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد قد رد في كتابه العظيم رداً حاسماً ينير العقول ويأخذ بالألباب على من أدعى أن هناك آلهة غير الله تعالى لها في الكون نصيب وفي تدبيره منزلة، وذلك من وجهين:

الأول: أن من يدعي ذلك عليه أن يأتي بالدليل، وهيهات قال تعالى:

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلا غُرُورًا) (فاطر/40)

فهي دعوى بلا برهان، وطلب البرهان من المخالف هي قاعدة قرآنية مضطردة يجب إتباعها مع أصحاب الدعاوى.

والثاني: هو دعوة أصحاب العقول السليمة إلى تصور نتيجة هذا الزعم الفاسد:

(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ )(الأنبياء/22)

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والخمسون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

الرد على الملحدين الذين ينكرون الخلق والبعث والحساب  

ولك أن تقلب الأمر على كل وجه في هذا الكون لترى ببصيرتك صور هذا 

الفساد لو ادعينا جدلاً حدوث هذا الفرض المستحيل.

والجميل، أنه كلما تقدم الإنسان في العلم، ظهرت دلائل جديدة للوحدانية، وكأن لهذه الصفة الجليلة طابعاً يطبع كل ذرات الكون وكل خلايا المخلوقات الحية بخاتم التوحيد. ألسنا نرى الوحدانية في قوانين علوم الحياة سواء في قوانين الخلية 

أو قوانين المادة الوراثية كذلك في قوانين الفيزياء من الذرة إلى المجرة.

ففي قوانين علم الحياة: بنيت جميع الكائنات الحية على قاعدة الخلية وبنيت جميع

 المادة الوراثية من أربعة أحرف حتى بات العلماء ينقلون الجينات من نبات إلى

 آخر أو حتى من نبات إلى حيوان؟ وما ذلك إلا لأن الخالق واحد.

وفي قوانين الفيزياء: كل ذرات الكون قد بنيت على نسق واحد. من أبسط الذرات التي يدور فيها إليكترون واحد حول بروتون واحد إلى أثقل الذرات المعروفة وكل قوانين الفيزياء ثابتة على امتداد الكون حتى بات من الممكن 

حساب كل مسألة في الكون بنفس القوانين.

ويزداد الأمر وضوحاً حين يضرب الله تعالى المثل (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ

 شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ 

أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (الزمر/29)

ماذا لو كان إله الشمس غير إله الأرض، وحاشا لله، فأقام لها قوانين لا نفهمها أو بَدّلَ اليوم لها قانون غير قانون الأمس، ألم تكن الحياة على الأرض 

لتضطرب ثم تنعدم، وهل يترك خالق الأرض خالق الشمس يعبث بأهل 

الأرض أم يتقاتل الجبابرة فيهلك الخلق مثل خرافات وأساطير آلهة اليونان في القديم. وكيف كان لخالق الأرض أن يقول في كتابه لأهل الأرض (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ) (الرحمن/5) إن لم يكن له الخلق والأمر وليس معه في الكون

 شريك ولا نصير. ولذلك فقد نفى الله تعالى كل شبهه في هذه الآية المعجزة:

رب الأرض يطالب بعبادتك له بحق أنه خلقك ورزقك وسخر لك ما في الأرض جميعاً، ورب الشمس يطلب منك عبادته أكثر من رب الأرض لأنه لو حرمك ضوء الشمس لهلكت. أرأيت نعمة التوحيد ونعمة أن الله واحد لا شريك له في خلقه ولا في ملكه (الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)(العنكبوت/63)

إن الأمر في ذاته مع أنه دليل على الوحدانية فإنه نعمة تستحق الشكر، لأن الله تعالى ليس له ولد ولا شريك ولا ولي من الذل، وأنظر إلى هذا القيد المبهر (من الذل) ليخرج منه أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين يحبهم ويحبونه، أّذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين. أليس هذا الإله بمستحق للتفرد بالعبادة والتودد بالحب.

(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ) (الإسراء/111)

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والخمسون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

الرد على الملحدين الذين ينكرون الخلق والبعث والحساب  

وقد تكررت آيات القراَن الكريم التي تقرر الوحدانية في النفوس وتنزع أدني شبهة قد تطرأ على ذهن أحد من البشر بدلالة تفرد الله تعالى بالخلق والأمر وعدم إدعاء أحد أنه خلق في هذا الكون شيئاً:

فقد رد الله تعالى علي كل من ادعي وجود الشريك بما لا يستطيعون له جواباً

 ويستحقون على فعله عقاباً، قال تعالى:

فنعتهم بالظلم ووصف حالهم بأنهم ليس لهم برهان ولا دليل على ما يفترون.

قال تعالى (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ

 لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) (الرعد/16) ، وقال تعالى :

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي

 السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الأحقاف/4) وقال تعالى : (إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ) (النجم/23) وقال تعالى : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ 

فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ) (المؤمنون/117)

ثالثا:أدلة البعث في القراَن الكريم

لا شك أن التكذيب بالبعث كان من أكثر الشبهات لدى الكافرين ومن أشد 

العقبات التي واجهها الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة الإسلامية.. وكان للكفار مواقف متباينة من هذا الأمر العظيم حالت بينهم وبين الإسلام، ولهذا فقد أطال القراَن الكريم في الرد عليهم وإثبات حتمية القيامة.. وقد تنوعت أساليب القراَن الكريم لإقامة الحجة على المخالفين.. فإذا استحضرنا ما سبق ذكره من أن أكثر من نصف سكان الأرض الآن لا يؤمنون ببعث ولا حساب، علمنا مدى أهمية دراسة منهج القراَن الكريم في إثبات حتمية البعث ومحاولة تدبر هذه الآيات الكريمة لنقيم عليهم الحجة، ولعل الله تعالى أن يهدي بنا رجلاً واحداً فنفوز في الدنيا والآخرة. ولأن القراَن الكريم قد أطال في بيان هذه المسألة، فسنتناولها بشيء من التفصيل، وسنبدأ بإذن الله ببيان موقف الكفار من قضية البعث وأسبابه ثم نوضح الدلائل التي ساقها القراَن الكريم لحسم هذه القضية من الناحية العقلية.

أولاً: مواقف الكافرين من البعث منذ زمن التنزيل :

موقف الكافرين من البعث كان دائما هو الإنكار والتعجب والتكذيب.

(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيد) (ق / 1- 3).

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والخمسون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

الرد على الملحدين الذين ينكرون الخلق والبعث والحساب  

ثانياً: أسباب موقف الكافرين

أسباب ذلك الموقف فقد عددها القراَن الكريم :

1- الشهوة وحب التنعم بملذات الدنيا بلا رقيب ولا حسيب: (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ) (الأنعام/29)

(إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (المؤمنون/ 37)

(وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ ).(الجاثية/24)

كانت الشهوة وحب التنعم بملذات الدنيا بلا رقيب ولا حسيب هي قائدهم في هذا الاعتقاد الفاسد... فالقيامة معناها الحساب على أعمال الدنيا والتقيد بالقوانين التي سيضعها من سيحاسبك، وهم قطعا لا يحبون من ذلك شيء. ولذلك فالله تعالى الذي خلق الإنسان وركب فيه الشهوة لم يحرمه منها بإطلاق وإنما هداه لما يصلح هذه الشهوة لما ينفعه في الدنيا والآخرة وربط ذلك بعبادة الله تعالى قال سبحانه:

(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) (الأعراف/32) فنبه الله تعالى الكافرين أن إيمانهم لا يحرمهم من التمتع بالدنيا بل هو الذي سيضع لهم القوانين التي تجعلهم يتمتعون بها من غير ضرر في الدنيا ثم في الآخرة نعيم مقيم وجنات تجري من تحتها الأنهار وما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

2- الشك: (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ) (الجاثية/ 32).

إن أمور العقيدة لا تبنى إلا على يقين.. وادعاؤهم (الشك) في أمر يقيني لم يكن ليغني عنهم شيئاً.

ويرد الله تعالى عليهم بدعوة للتأمل في ملكوت السموات والأرض ليحدث 

اليقين بطلاقة قدرة الله تعالى في الخلق والبعث، قال تعالى (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) (إبراهيم/10)

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة

 والخمسون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

الرد على الملحدين الذين ينكرون الخلق والبعث والحساب  

3- الإعراض عن دلائل قدرة الله المطلقة في الكون وأنه على كل شيء قدير:(وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) (يس/78)

أي من يستطيع ذلك، إعراضاً منهم عن دلائل قدرة الله تعالى، وقياسهم قوة الله على قوتهم بجهلهم وعدم إذعانهم لحقائق الكون. وقد عرض الله تعالى في الآية سبب هذا الزعم الفاسد وهو عدم التفاتهم إلى عظيم صنعة الله في خلقه لهم (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) وهذا النسيان إنما هو إعراضاً منهم عن تلك القدرة في الخلق التي تدحض شبهتهم في قدرة الله تعالى على إعادتهم وبعثهم بعد الموت.

وقد عرض القراَن الكريم شبهة جهلهم بقدرة الله في موضع اَخر لافتاً نظرهم إلى قدرة الله الظاهرة في الكون والتي تدل على طلاقة قدرته القاهرة والقادرة على بعثهم بعد الموت، قال تعالى:

(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) (سبأ / 7- 9).

إن هذا الخلق العظيم يحمل دلالة طلاقة قدرة الله تعالى الذي لا يعجزه شيئ في الأرض ولا في السماء.

بل هون الله عليهم الأمر فقال تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) (غافر/ 57) فكيف نشاهد الآيات العظيمة في هذا الكون المشاهد، والذي تتجلى لنا في كل يوم في زمن العلم المزيد من دلائل عظمة خلقه، ثم نشك في آية أقل منها وهي الخلق أو البعث.

4- التقليد الأعمى للأمم الكافرة التي سبقتهم:قال تعالى: (بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) (المؤمنون: آية 81- 83).إنه التقليد المذموم من كل وجه، والذي قام على غير دليل ولا برهان ولا كتاب مبين.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة

 والخمسون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

الرد على الملحدين الذين ينكرون الخلق والبعث والحساب  

5- الجدال باستحالة جمع أجزاء الإنسان بعد تحللها وتشتتها في باطن الأرض:

يدعي المجادلون أن الأجسام بعد موتها تتحلل إلى مكوناتها الأساسية التي قد تغيب في باطن الأرض أو تدخل في تركيب نبات يعود ليأكله حيوان.. إلى آخر تلك السلسلة الجدلية التي قد يفترضها المعاندون المكذبون فيستحيل جمع ذلك 

المتناثر من عهد اَدم إلى قيام الساعة في زعمهم (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (الرعد/ 5) (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) (سبأ/ 7) (وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ ) (السجدة/10) أي إذا تحللت أجسامنا وتاهت دقائقها في غيابات الأرض، فيكف تجمع لنبعث من جديد؟

والله تعالى يرد عليهم بدليل علمه المحيط سبحانه فيقول تعالى:

(قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) (ق/4)

والحقيقة أن هذه الآية هي من فيض كرم الله تعالى علينا في كتابه الكريم، حيث يأخذنا في رحلة في ملكوت السموات والأرض نستصحب فيها طلاقة قدرة الله المعجزة التي تحفظ على الإنسان بعد موته مواضع غيابات دقائق جسمه مهما طال العهد ومهما تعقد الأمر. ومن رحمة الله بنا أنه لم يفصل لنا أكثر من ذلك لأن عقل الإنسان قد يقضى الساعات الطوال وهو يتأمل هذه الآية الكريمة التي لا تنقضي عجائبها، فكيف لو زاد التفصيل بما لا تحتمله عقولنا؟

ثالثاً : أدلة القراَن الكريم على البعث:

1- دليل عدم عبثية الخلق:

قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} (المؤمنون / 115).

انظر إلى المخ البشري كيف خلق الله فيه مائة وعشرين مليار خلية عصبية ترتبط كل خلية في المتوسط بنحو عشرة آلاف خلية أخرى في ترابط معجز

هذا دليل عقلي.. إن هذا الخلق العظيم لا يمكن أن يكون عبث .. فكيف تكون نهايته إلى تراب.. فيتساوى الصالح والطالح.. القتيل والقاتل.. الظالم والمظلوم.. فيكون الأمر عبث.. بل ويكون مدعاة للفساد في الأرض.. إن عدم العبثية في الخلق تستوجب أن تكون هناك قيامة يحاسب فيها الناس على أعمالهم. أنظر إلى أي جهاز من أجهزة الجسم لتجده ليس بعبث، انظر إلى المخ البشري كيف خلق الله فيه مائة وعشرين مليار خلية عصبية ترتبط كل خلية في المتوسط بنحو عشرة آلاف خلية أخرى في ترابط معجز ليتم الشعور بالإبصار والسمع والشم واللمس وكذلك لتكون هناك قدرة على الكلام والحركة والتفكير والإدراك وتخزين ملايين الكلمات والصور والأسماء والأماكن والروائح والقدرة على تذكرها فور رؤيتها ولو بعد سنين، ومن الناس من يُسَخِرَ ذلك العطاء المبهر في الطاعة ومنهم من يسخره في المعاصي.. منهم الأنبياء والصديقين والشهداء وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي.. ومنهم هتلر وقارون وهامان.. ثم بعد ذلك يموت الإنسان ، وينتهي الأمر، فيتساوي الأخيار والفجار!؟ أليس هذا عبث؟ لقد شنع الله تعالى على من هذا ظنه

قال تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (الجاثية آية 31)

وقال تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا 

الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَا تَتَذَكَّرُونَ) (غافر آية 58)

وقال تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) (السجدة آية 18).

وقال تعالى: (أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً )(القيامة / 36).

أي يترك هملاً وهو الذي خلقه الله تعالى بعنايته منذ كان نطفة فعلقة ثم سواه الله تعالى فجعل منه الذكر والأنثى، فإذا كان منذ بداية حياته في عناية الله ورعايته، فكيف يهمل في اَخرها؟وعقَب الله تعالى على هذه الاَيه الكريمة {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} (المؤمنون / 115).

بهذا التعقيب الرائع في قوله سبحانه (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) (المؤمنون / 116).

لقد نزه الله تعالى نفسه في أول الآية بقوله سبحانه ( فتعالى) فباعد بينه وبين ما يدعون بالباطل، ثم دعانا لاستحضار اسمين من أسمائه الحسنى (الملك الحق) فالملك هو الذي يضع القوانين لا أنتم والحق منزه عن باطلكم وعما تصفون.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة

 والخمسون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

الرد على الملحدين الذين ينكرون الخلق والبعث والحساب  

2- دليل الخلق الأول:

قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (الروم/27)

إن الذي يخلق شيئاً أول مرة يقدر على إعادته.. بل هو على إعادته أقدر. وكلٌ عليه هين سبحانه..

وقال تعالى في الرد على المكذب المعاند:

(وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) (يس/78)

أي لم يعتبر بخلق الله تعالى له على قدرته على إعادته بعد موته

وقال تعالى في سورة الحج في رد واضح صريح على من ينكر البعث:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ). (الحج / 5- 7).

لقد استحضر القراَن الكريم سؤال من يشك في البعث (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) وجعل الإجابة هو الواقع الذي لا يملك أحد إنكاره من مراحل الخلق المعجز في الأرحام (فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً) وتبعها بمراحل حياة الإنسان في هذه الأرض (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) ويختم الآية بهذا التقرير الحاسم (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ). فلا حجة لمعاند أن يتبرأ من دليل يحمله في نفسه من يوم خُلق إلى يوم يموت يشهد لله بأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير.

ويعاود القراَن الكريم التذكير بهذه الحقيقة الدامغة مرة بعد مرة فيقول تعالى:

(وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَوَلا يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا) (مريم/66- 67)

فلماذا ينسى الإنسان خلقه هو مع علمه أنه خلق من شيء لا يذكر.

وقال تعالى: (وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً ، أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) (الإسراء/ 49-51).

إن الإنسان قد يغفل عن شيئ غائب عنه، ولكن كيف يغفل عن دليل يحمله بين جنبيه طوال حياته.

إن التعقيد في خلق الإنسان لهو من أعظم الأدلة على وجود إله مبدع عليم يستحق العبادة

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والخمسون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

الرد على الملحدين الذين ينكرون الخلق والبعث والحساب  

3- دليل قدرة الله تعالى في خلق الإنسان:

قال تعالى: (أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَه بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) (القيامة/3-4) إن الناظر في عجيب صنعة الله في كل جزء من أجزاء الجسم البشري، لا بد وأن يقر لله تعالى بكمال القدرة وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير.

4- دليل إخراج الحي من الميت والميت من الحي:

قال تعالى: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ) (الروم/ 19)

في الاَية دليلان، نتعامل أولاً مع الأول منهما وهو إخراج الحي من الميت والميت من الحي: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيّ). كإخراج الجنين الحي من داخل القشرة الصماء الميتة لبيض الكثير من الكائنات، وإخراج الأشجار والأزهار من حبة صماء لا يبدو عليها أثر الحياة. فهذه الأمور العجيبة تظهر طلاقة القدرة الإلهية وهي دليل عقلي للمتأمل على البعث بعد الموت ولذلك قال تعالى في نهاية الاَية الكريمة (وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ)

قال الله تعالى:(ُيخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ)

5- دليل إحياء الأرض الميتة بعد موتها:

قال تعالى: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ) (الروم/ 19)

قد يعتبر البعض أن الاَية تحمل دليلاً واحداً ولكنهما تحمل دليلان إذ الواو في قوله تعالى (وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) للمغايرة بين ما قبلها وما بعدها، وهذه الآية المبهرة، وهي إحياء الأرض بعد موتها، ساقها القران الكريم مرة بعد مرة للدليل على البعث بعد الموت، فكما كان التعقيب في نهاية هذه الآية بقوله تعالى (وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) فقد عرض الله تعالى هذا الدليل في قوله تعالى في سورة الحج: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ). (الحج / 5- 7).

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والخمسون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

الرد على الملحدين الذين ينكرون الخلق والبعث والحساب  

6- دليل خلق السموات والأرض:

قال تعالى: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً) (الإسراء / 97- 99).

وقال تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (غافر/57) وقال تعالى: ( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (يس/81-83) لما أخبرنا الله تعالى أن خلق السموات والأرض أكبر من خلقنا، فلا عجب أن يقدر على أن يخلق مثلهم أو يعيد خلقنا أو أن يفعل في ملكه ما يشاء.

إن خلق السماوات والأرض لهو من أعظم الأدلة على وجود خالق قادر على بعث الناس يوم القيامة

7- دليل التاريخ في قصص القراَن الكريم عمن أماتهم الله ثم أحياهم في هذه الدنيا:وهي خمس قصص كلها في سورة البقرة:

1- عقاب الله تعالى لبني إسرائيل على طلبهم رؤية ذاته تعالى بالموت ثم بعثهم

 بعد ذلك : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ، ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة/ 54-55).

2- قصة البقرة التي أحيا الله لهم ببعضها القتيل بعد موته:

(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ، قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ، قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ، قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) (البقرة/ 68-71)

3- قصة الملأ من بني اسرائيل الذين خرجوا من ديارهم مخافة الموت فأماتهم الله تعالى ثم بعثهم بعد ذلك: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ) (البقرة/ 243)                                           إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الستون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

الرد على الملحدين الذين ينكرون الخلق والبعث والحساب  

4- قصة عزير الذي مر بالقرية وتساءل كيف يحييها الله تعالى:

(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ 

قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ 

وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة/ 359).

5- قصة طير إبراهيم:

(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة: آية 360)

رابعاً: دروس مستفادة من أدلة البعث في القراَن الكريم:

1- المتأمل في الأدلة التي ساقها القراَن الكريم في قضية البعث يجد أن واحد منها فقط .. وهو الخاص بالقصص القرآني .. هو الذي يمكن أن يرفضها الملحد، لأنه لا يؤمن ابتداءً بالقراَن الكريم فكيف يؤمن بما جاء فيه من أخبار عن أقوام سابقين هي من أنباء الغيب قال تعالى (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ) (هود /49). ولهذا فالمؤمنون بالكتاب العزيز هم فقط الذين ينتفعون بهذا القصص القرآني فيكون إيمانهم بالغيب سبباً في انتفاعهم بهداية القراَن الكريم قال تعالى: (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ 

الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) (البقرة/1-3)

2- عموم الأدلة التي ساقها القراَن الكريم . هي أدلة عقلية.. وليست نصوصاً أو أخباراً. بل هي من باب الجمع بين الشيء ولازمه.

• فلازم عدم عبثية الخلق وجوب القيامة، وقوله تعالى (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون/115) أسلوب استنكار على من يظن غير ذلك.

• ولازم أن الله هو الذي خلقنا أول مرة أنه قادر على إعادتنا، فإقرار الناس لا 

يختلف على أن إعادة صنع الشيء أهون على الصانع من صنعه أول مرة، فكيف بالله أحسن الخالقين.

• ولازم أن الله تعالى خلقنا في هذه الصنعة المبهرة هو قدرته على إعادة خلقنا متى شاءْ وكيف شاء.

• ولازم أن الله تعالى يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي قدرته تعالى على إخراجنا أحياء من الأرض الميتة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والستون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

الرد على الملحدين الذين ينكرون الخلق والبعث والحساب  

• ولازم أن الله تعالى يخلق النبات الحي في الأرض الميتة إذا نزل عليها الماء، هو قدرته سبحانه على أن يخرج الإنسان حيا من باطن الأرض الميتة، بل ويحمل مع هذا صورة تقريبية عن (كيفية) هذا الإخراج بدليل قوله تعالى (وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ).

• ولازم أن الله تعالى خلق ما هو أعظم من خلق الإنسان وهو السموات والأرض، هو قدرته سبحانه على أن يتصرف بمن هو أقل من ذلك شأناً في الخلق - وهو الإنسان – مختلف أنواع التصرف من الخلق والإماتة والبعث.

3- تنوعت أساليب القراَن الكريم بسطاً لأنوار أدلته لتناسب حالات الظلمة المتنوعة التي يحياها المكذبين بالبعث.. فما زال الناس – على تقدم حضارتهم المادية - على حال المكذبين في زمن التنزيل. فمنهم المؤمن بخلق الله له ولكن لا يؤمن بالبعث والحساب، ومنهم المكذب بالخلق والبعث جميعاً، ومنهم الشاك الذي لا ينكر إمكان الخلق والبعث ولكنه لا يرى- حسب فهمه- دليلاً قاطعاً على ذلك فيريح عن نفسه تبعة التكاليف.فتنوعت الأساليب في القراَن الكريم مثلماً تنوعت الأدلة:

• فأحياناً يعرض القراَن الكريم مسألة ثم يعقب عليها للتنبيه أنها دليل على 

البعث كقوله تعالى (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) (القيامة/40).

• وأحياناً يعرض القضية ابتداءً ثم يجيب عليها بعرض الأدلة كقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ). (الحج/ 5)

• وأحياناً ينكر على المعرضين عن الدلائل المبهرة لحقائق الكون وظنهم المريض

 بعدم البعث (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)( المؤمنون/115).

• وأحياناً يُذكَِر بسخريتهم من البعث (وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ

الْحِسَابِ ) (ص/16).

• وأحياناً يتعجب من قولهم (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (الرعد/ 5).

• وأحياناً يهدد ويتوحد عسى أن يفيق الغافل وينتبه المُعرض (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) (يس/63-64).

4- احتلت حقائق الخلق في علم الأجنة وجسم الإنسان والكون واسطة العقد 

في الدلائل التي ساقها القراَن الكريم على البعث.. ففي علم الأجنة يقول تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) (يس/ 77- 79). وفي بديع خلقه في دقائق جسمه يقول تعالى (أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَه بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) (القيامة/ 3-4) وفي عظيم خلق الله تعالى في كونه يقول تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً) (الإسراء / 97- 99).

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والستون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

الرد على الملحدين الذين ينكرون الخلق والبعث والحساب  

5- استحالة العبثية في خلق الكون هو أحد الأدلة العقلية التي ساقها القراَن 

الكريم دليلاً على حتمية البعث. ولاستكمال إيضاح منهج العبثية عند الملحدين واللأدريين في هذا العصر، فإنهم جميعاً مجتمعين على اتخاذ نظرية التطور حقيقة علمية، فهي دينهم الذي لا يتخلون عنه. ورغم الشبهات التي في هذه النظرية فهي عندهم أرسخ دليلا من حقائق دلائل الخلق والوحدانية والبعث التي تحيط بنا في كل ناحية من نواحي الحياة وفي كل لحظة من لحظات العمر. وما ذلك إلا لأن تلك النظرية عندهم تعني أن وجود الكائنات الحية هو صورة من صور العبث، وأنها قد أتت في أول الأمر بطريق الصدفة وتطورت إلى ما هي عليه بلا عقل يوجهها ولا هدف تسعى إليه وبذلك فلا فضل لأحد عليهم في وجودهم ولا هم مدينون لأحد فيستحق أن يحاسبهم على أعمالهم، ورغم اعترافهم بإبهار تركيب الجسم الإنساني، إلا أنهم يعتبرون ذلك قد تم بلا قصد ، حتى يقول كبير الملحدين في هذا العصر البروفسير ريتشارد داوكنز الأستاذ الحالي بجامعة أكسفور ما حاصله أن الإنسان قد تم تكوينه عن غير قصد بفعل الطبيعة التي أنتجته وكأنها صانع ساعات أعمى (Blind watchmaker) فالأمر عندهم ليس فيه قصد ولا تقدير بل هو عبث، والاَيه الكريمة (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون/115) تنفي العبثية وتثبث ما يستتبع ذلك من وضع القانون الحق في الدنيا والبعث الحتمي بعد الموت للحساب وفق هذا القانون، تعالى الله عما يصفون.

6- إن الغرور بالباطل في مجال العلم والعقل هي سمة لأولئك المعاندين، كما أن الجدال هو سمتهم الملازم، لذلك، فمع أهمية القيام بواجب الدعوة، إلا أنه يجب ألا يتصدى لهم إلا الراسخون في العلم، حيث سيرمونه بوابل من الشبهات التي لا تنتهي إلا أن يشاء الله. وحبذا لو كان هذا التصدي من جانب هيئات فإن كان ولا بد، فأفراد ممن عاشوا معهم وخالطوهم وعلموا حقيقتهم الخاوية. ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال/42).

و نكتفي بهذا القدر المختصر في هذه المسألة، رغم أنه في كتاب ربنا وسنة نبينا وكتاب كوننا ما فيه المزيد من الأدلة التي لا تجعل لملحد مطعناً ولا لشاك موطنا، كما تجنبنا نقل جهود علمائنا قديماً وحديثاً في شرح هذه الآيات خشية الإطالة من جانب ولشدة وضوح الآيات في هذا الباب من جانب آخر. والهدف هو فتح الباب لمزيد التأمل في منهج القراَن في هذه المسائل التي هي أصل الإسلام وجوهر العقيدة ثم الانتفاع بهذا المنهج في دعوة الملحدين واللأدريين رغم شدة جدالهم بالباطل وانتقالهم من الغرور بباطلهم إلي التهكم على ديننا وذلك من باب إبراء الذمة والإعذار إلى الله تعالى (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) (الأعراف/ 164). ونختم بقوله تعالى (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (النمل/ 93) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 [الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي - شبهات وردود حول الاعجاز شبهة نزول الحديد من السماء- الأنترنت -   إعداد الأستاذ عبد الرحيم الشريف] 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والستون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الفردية الدامغة والزوجية البالغة

هذا بحث يحمل عنوان (الفردية الدامغة و الزوجية البالغة) و يتناول الزوجية و الفردية في القرءان من منظور علمي جديد. فإن كان هناك إحسان فمن الله و إن كان هناك تقصير فمن نفسي, وأبدأ بحول الله و قوته فأقول إن الله عز وجل يقول في محكم التنزيل:

"وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *  فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ*  وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ*"  (الذاريات49, 50, 51).

و يقول تعالى:"فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ"  (الشوري 11).

و يقول تعالى:"مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ"   (المائدة 75) و الإعجاز في هذه الآيات أن كل ما دون الله فهو زوج والله هو الفرد ولا فرد سواه فهو سبحانه ليس كمثله شيء في هذه الفردية. فلا يليق بصاحب الفكر السليم السوي أن يعبد الزوج و لا يعبد الفرد.

أقوال اللغويين:

كلمة زوج من لسان العرب للعلامة بن المنظور:

زوج: الزَّوْجُ: خلاف الفَرْدِ. يقال: زَوْجٌ أَو فَرْدٌ، كما يقال شَفْعٌ أَو وِتْرٌ . وقال تعالى: وأَنبتنا فيها من كل زوجٍ بَهيج؛ وكل واحد منهما أَيضاً يسمى زَوْجاً، ويقال: هما زَوْجان للاثنين وهما زَوْجٌ، كما يقال: هما سِيَّانِ وهما سَواءٌ؛ ابن سيده:الزَّوْجُ الفَرْدُ الذي له قَرِينٌ. والزوج: الاثنان. وعنده زَوْجَا نِعالٍ وزوجا حمام؛ يعني ذكرين أَو أُنثيين، وقيل: يعني ذكراً وأُنثى. ولا يقال: زوج حمام لأَن الزوج هنا هو الفرد، وقد أُولعت به العامة. قال أَبو بكر: العامة تخطئ فتظن أَن الزوج اثنان، وليس ذلك من مذاهب العرب، إِذ كانوا لا يتكلمون بالزَّوْجِ مُوَحَّداً في مثل قولهم زَوْجُ حَمامٍ، ولكنهم يثنونه فيقولون: عندي زوجان من الحمام، يعنون ذكراً وأُنثى، وعندي زوجان من الخفاف يعنون اليمين والشمال، ويوقعون الزوجين على الجنسين المختلفين نحو الأَسود والأَبيض والحلو والحامض. قال ابن سيده: ويدل على أَن الزوجين في كلام العرب اثنان قول الله عز وجل: {وأَنه خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والأُنثى} ؛ فكل واحد منهما كما ترى زوج، ذكراً كان أَو أُنثى

- كلمة فرد من لسان العرب للعلامة بن المنظور:

فرد: الله تعالى وتقدس هو الفَرْدُ، وقد تَفَرَّدَ بالأَمر دون خلقه.. والفرد:الوتر، والجمع أَفراد وفُرادَى، على غير قياس، كأَنه جمع فَرْدانَ. ابن سيده: الفَرْدُ نصف الزَّوْج، والفرد أَيضاً: الذي لا نظير له، والجمع أَفراد. يقال: شيء فَرْدٌ وفَرَدٌ وفَرِدٌ وفُرُدٌ وفارِدٌ..                      إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والستون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الفردية الدامغة والزوجية البالغة

أقوال المفسرين: أولاً: في قوله تعالى*"وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ" * (الذاريات 49, 50, 51).

"ومن كل شيء خلقنا زوجين" أي جميع المخلوقات أزواج سماء وأرض وليل 

ونهار وشمس وقمر وبر وبحر وضياء وظلام وإيمان وكفر وموت وحياة وشقاء وسعادة وجنة ونار حتى الحيوانات والنباتات ولهذا قال تعالى"لعلكم تذكرون" أي لتعلموا أن الخالق واحد لا شريك له(ابن كثير). "ومن كل شيء خلقنا زوجين" لتعلموا أن خالق الأزواج فرد، فلا يقدر في صفته حركة ولا سكون، ولا ضياء ولا ظلام، ولا قعود ولا قيام، ولا ابتداء ولا انتهاء؛ إذ عز وجل وتر"ليس كمثله شيء" [الشورى: 11]. (القرطبي). (ومن كل شيء) متعلق بقوله خلقنا(خلقنا زوجين) صنفين كالذكر والأنثى والسماء والأرض والشمس والقمر والسهل والجبل والصيف والشتاء والحلو والحامض والنور والظلمة (لعلكم تذكرون) بحذف إحدى التاءين في الأصل فتعلموا أن خالق الأزواج فرد فتعبدوه(الجلالين).

عن مجاهد{والشفع والوتر} قال: الوتر: الله، وما خلق الله من شيء فهو شفع.وقال آخرون: عني بذلك الخلق، وذلك أن الخلق كله شفع ووتر. و ذكر أن الحسن قال في قوله:{من كل شيء خلقنا زوجين} [الذاريات: 49] السماء زوج، والأرض زوج، والشتاء زوج، والصيف زوج، والليل زوج، والنهار زوج، حتى يصير الأمر إلى الله الفرد الذي لا يشبهه شيء(الطبري).

"ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين" أي الجئوا إليه واعتمدوا في أموركم عليه"إني لكم منه نذير مبين". (ابن كثير).

قوله تعالى:"ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين" أي فروا من معاصيه إلى طاعته. وقال الحسين بن الفضل: احترزوا من كل شيء دون الله فمن فر إلى غيره لم يمتنع منه. وقال سهل بن عبدالله: فروا مما سوى الله إلى الله. "إني لكم منه نذير مبين" أي أنذركم عقابه على الكفر والمعصية. (القرطبي).

(ففروا إلى الله) أي إلى ثوابه من عقابه بأن تطيعوه ولا تعصوه(إني لكم منه نذير

 مبين) بين الانذار(الجلالين).

ثانياً: في قوله تعالى"فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ"  (الشوري 11).

"جعل لكم من أنفسكم أزواجا"أي من جنسكم وشكلكم منة عليكم وتفضلا جعل من جنسكم ذكرا وأنثى "ومن الأنعام أزواجا" أي وخلق لكم من الأنعام ثمانية أزواج وقوله تبارك وتعالى"يذرؤكم فيه" أي يخلقكم فيه أي في ذلك الخلق على هذه الصفة لا يزال يذرؤكم فيه ذكورا وإناثا خلقا من بعد "ليس كمثله شيء" أي ليس كخالق الأزواج كلها شيء لأنه الفرد الصمد الذي لا نظير له"وهو السميع البصير". (ابن كثير). "جعل لكم من أنفسكم أزواجا" قيل معناه إناثا. وإنما قال:"من أنفسكم" لأنه خلق حواء من ضلع آدم. وقال مجاهد: نسلا بعد نسل."ومن الأنعام أزواجا" يعني الثمانية التي ذكرها في"الأنعام" ذكور الإبل والبقر والضأن والمعز وإناثها."يذرؤكم فيه" أي يخلقكم وينشئكم"فيه" أي في الرحم. وقيل: في البطن. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والستون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الفردية الدامغة والزوجية البالغة

والذي يعتقد في هذا الباب أن الله جل اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحسنى أسمائه وعليّ صفاته، لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يشبه به، وإنما جاء مما أطلقه الشرع على الخالق والمخلوق، فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقي؛ إذ صفات القديم جل وعز بخلاف صفات المخلوق؛ إذ صفاتهم لا تنفك عن الأغراض والأعراض، وهو تعالى منزه عن ذلك؛ وكفى في هذا قوله الحق:"ليس كمثله شيء". وقد قال بعض العلماء المحققين: التوحيد إثبات ذات غير مشبهة للذوات ولا معطلة من الصفات. وزاد الواسطي رحمه الله بيانا فقال: ليس كذاته ذات، ولا كاسمه اسم، ولا كفعله فعل، ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ؛ وجلت الذات القديمة أن يكون لها صفة حديثة؛ كما استحال أن يكون للذات المحدثة صفة قديمة. (القرطبي).

(جعل لكم من أنفسكم أزواجا) حيث خلق حواء من ضلع آدم(ومن الأنعام أزواجا) ذكورا وإناثا(يذرؤكم) بالمعجمة يخلقكم(فيه) في الجعل المذكور أي يكثركم بسببه بالتوالد والضمير للأناسي والأنعام بالتغليب(ليس كمثله شيء) الكاف زائدة لأنه تعالى لا مثل له(وهو السميع) لما يقال(البصير) لما يفعل (الجلالين).

ثالثاً: قوله تعالى"مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ" (المائدة75 ) و قوله تعالى" كانا يأكلان الطعام" أي يحتاجان إلى التغذية به وإلى خروجه منهما فهما عبدان كسائر الناس وليسا بإلهين كما زعمت فرق ثم قال تعالى" انظر كيف نبين لهم الآيات" أي نوضحها ونظهرها " ثم انظر أني يؤفكون" أي ثم انظر بعد هذا البيان والوضوح والجلاء أين يذهبون وبأي قول يتمسكون وإلى أي مذهب من الضلال يذهبون. (ابن كثير).

قوله تعالى: "كانا يأكلان الطعام" أي أنه مولود مربوب، ومن ولدته النساء وكان يأكل الطعام مخلوق محدث كسائر المخلوقين؛ ولم يدفع هذا أحد منهم، فمتى يصلح المربوب لأن يكون ربا؟! وقولهم: كان يأكل بناسوته لا بلاهوته فهذا منهم مصير إلى الاختلاط، ولا يتصور اختلاط إله بغير إله، ولو جاز اختلاط القديم بالمحدث لجاز أن يصير القديم محدثا، ولو صح هذا في حق عيسى لصح في حق غيره حتى يقال: اللاهوت مخالط لكل محدث. وقال بعض المفسرين في قوله: "كانا يأكلان الطعام" إنه كناية عن الغائط والبول. وفى هذا دلالة على أنهما بشران. (القرطبي).

"كانا يأكلان الطعام"كغيرهما من الناس ومن كان كذلك لا يكون إلها لتركيبه وضعفه وما ينشأ من البول والغائط (انظر) متعجبا (كيف نبين لهم الآيات) على وحدانيتنا (ثم انظر أنى) كيف (يؤفكون) يصرفون عن الحق مع قيام البرهان (الجلالين).

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والستون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الفردية الدامغة والزوجية البالغة

وجه الاعجاز:

ينبغي الإشارة إلى أن جميع المواد المعروفة في عالمنا مؤلفة من عناصر والعناصر تتكون من ذرات مكونة من جزئيات صغيرة وكثيفة تشمل البروتون والنوترون وتحيط بها الالكترونات الأقل وزنا بكثير. ولذرة الهيدروجين وهي الأبسط،

 إلكترون واحد يدور حول الجسم الذي لا يشمل الا بروتون واحد.

وفي بعض التفاعلات النووية والعمليات المشعة، ينتج جزيء يكون له نفس وزن وخصائص الإلكترون، على سبيل المثال، لكن مع شحنة كهربائية موجبة عوضا عن الشحنة السالبة التي يتميز بها الالكترون العادي، ويسمى الجزيئ المضاد بوزيترون. إذن مادام الشيء دخل فيه عنصر فيصبح هذا الشيء – مهما بلغ-  زوجا لأنه حوي داخله إلكترون و بوزيترون.

كان أول اكتشاف للبوزيترون في عام 1932 من قبل الدكتور كارل اندرسون

العوالم التي خلقها الله سبحانه هي عالم الإنس و عالم الجن و عالم الملائكة وعالم الحيوان وعالم النبات و عالم الجماد و لا يخرج شيء من مخلوقات الله, فيما نعلم, عن هذه العوالم. وأي مكون من مكونات هذه العوالم مادام قد دخل فيه عنصر فهو زوج. فمثلاً الإنسان و الحيوان تدخل فيهما عناصر عن طريق الطعام؛ والنبات تدخله العناصر عن طريق الامتصاص من التربة, و الجماد مهما كان (هواء, معدن, خشب.........إلخ) فهو يتكون من عناصر وكل عنصر كما نعرف يتكون من ذرات وكل ذرة تحتوي على عدد متساو من إلكترونات سالبة و بوزيترونات موجبة, والإلكترون و البوزيترون  جسيمان متساويان في الكتلة و متضادان في الشحنة كما بينا سابقاً. إذن يستحيل أن يعتبر الواحد من الإنسان أو الحيوان أو النبات أو الجماد فردا بل زوج بكل تأكيد. 

أما عالم الملائكة فهم مخلوقون من نور, وقد ورد في الصحيح:"خلقت الملائكة من نور، وخلقت الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم" (رواه مسلم وأحمد عن عائشة رضي الله عنها)، والنور كما نعرف فهو ضوء و الضوء يتكون من فوتونات و بالرغم من أن الفوتونات غير مشحونة إلا أنه عندما يفني الفوتون ويتلاشي فإنه يتحول إلي إلكترون و بوزيترون؛ و الملائكة ليسوا مخلدين فإنهم سيموتون و يفنون "وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (القصص 88). حتي إن ملك الموت سيأمره الله تعالى بأن يقبض نفسه فيمتثل لأمر الله. وبذلك تنطبق الزوجية علي عالم الملائكة أيضاً. أما عالم الجن فخلقوا من مارج من نار "وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ" (الرحمن 15) و النار تنتج من إحتراق عناصر فهذا العالم الجني تنطبق عليه الزوجية أيضاً لأنه دخله عناصر هذا بالإضافة الي أن الجن يأكلون الطعام. عن أبي هريرة رضي الله عنه:أنه كان يحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم إداوة لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها، فقال: (من هذا). فقال: أنا أبو هريرة، فقال:(ابغني أحجارا أستنفض بها، ولا تأتيني بعظم ولا بروثة). فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي، حتى وضعت إلى جنبه، ثم انصرفت، حتى إذا فرغ مشيت، فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال:(هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نصيبين، ونعم الجن، فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعاما).رواه البخاري.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالسابعة والستون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الفردية الدامغة والزوجية البالغة- الله هو الفرد وما دون الله فهو زوج

الله جلت ذاته و صفاته هو الواحد الأحد الفرد الصمد (الذي لاجوف له) , الذي لم يدخل فيه شيء و لم ينفصل عنه شيء. أي لم يدخل فيه سبحانه عناصر, إذن فالله هو الفرد وما دون الله فهو زوج و لذلك سبحانه و تعالى لا يشاركه في الفردية أحد وبذلك يكون سبحانه و تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. و أنا أري – مع كامل تقديري لما قاله المفسرون - أنه سبحانه و تعالى ليس كمثله شيء في هذه الفردية حيث وضحنا أن مادون الله فهو زوج وليس كما قال المفسرون السابقون بأنه سبحانه ليس كمثله شيء بمعني أنه ليس كذاته ذات و لا كصفاته صفات, نعم أنا أقول أنه سبحانه ليس كذاته ذات ولا كصفاته صفات ولكن بالنسبة للصفات فالله يسمع وأنت تسمع, أي نعم إن سمعك ولا شك لن يكون كسمع الله ولكن هناك اشتراك في الصفه حتى وإن كان الفارق لا يقارن و لكن الاشتراك في الصفة موجود, وكذلك صفة العلم حيث يقرر سبحانه بنفسه في القرءان الكريم"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا" (الإسراء85) فالله عليم والإنسان أعطاه الله بعض العلم, و إن كانت هذه الصفات جميعها هي من عطاء الله, ولكن هناك اشتراك في هذه الصفات بين الله تعالى و بين مخلوقاته. و تظل الصفة الوحيدة في كونه سبحانه ليس كمثله شيء ولا يشاركه فيها أحد من خلقه هي أنه الفرد وما دونه فهو زوج. ولذلك يأتي مباشرة بعد اّية "ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون" (الذاريات 49) اّية "ففروا إلي الله إني لكم منه نذير مبين" (الذاريات 50) نعم فهذا غاية التناسق و الانسجام القرءاّني, نعم يجب أن نفر إلي الفرد ولا نعبد الزوج. فكيف بالله يعبد الزوج من دون الله الفرد. ولذلك هنا تأتي آية في منتهي البلاغة حينما أخبر الله سبحانه و تعالى عن السيد المسيح وأمه عليهما السلام "ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون" (المائدة 75). إذن فالقرءان عبر عن السيد المسيح بتعبير غاية في الدقة و الإقناع بأن المسيح كان يأكل الطعام ومادام كذلك فهو قد دخل فيه عناصر و العناصر تتكون من ذرات  والذرات بها عدد متساو من الإلكترونات سالبة و البوزيترونات موجبة, و بالتالي يكون السيد المسيح زوج وليس فرد فكيف يقبل الإنسان علي نفسه أن يعبد الزوج. و هذه قضية منطقية علمية لا تحتاج إلي كون الإنسان معتنقاً ديانة معينة كي يقتنع بها فهي تخضع للعقل و المنطق, و إلا سيصبح الإنسان ,إذا عبد الزوج, قد ألغي عقله و منطقه و علمه. و ما ينطبق علي من يعبدون السيد المسيح في هذا الصدد فإنه ينطبق علي من يعبدون البقر أو النار أو من يعبدون أشخاصاً يعظمونهم أو من يعبدون الملائكة أو من يعبدون الجن فكل هؤلاء أثبتنا في حقهم الزوجية. إذن وبلا شك أن الله ليس كمثله شيء في كونه فرد و ما دونه فهو زوج.  ولذلك يأتي قول الله سبحانه " لعلكم تذكرون" وجملة لعلكم تذكرون هنا جاءت في موضعها, نعم لكي نتذكر دائماً أن مادون الله فهو زوج.

هذه الحقائق العلمية لم تكن معروفة قبل أربعة عشر قرناً, و لم يعرف الكثير منها إلا في القرن الماضي و القرن الحالي ولكن الدراسات العلمية الحديثة كشفت الكثير من الحقائق الناصعة التي تبين بكل وضوح و جلاء الإعجاز العلمي في الآيات البينات التي توضح أن الله سبحانه وتعالى خلق من كل شيء زوجين اثنين, و يظل سبحانه وتعالى الفرد وحده لا شريك له في الفردية, فسبحان الله القائل "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (فصلت 53).

المراجع:1- القرءان الكريم.2- صحيح مسلم للإمام مسلم.3- صحيح البخاري لإمام البخاري.4- الجامع لأحكام القرءان الكريم للقرطبي.5- مختصر تفسير بن كثير للصابوني.6- تفسير الجلالين للإمامين جلال الدين السيوطي و جلال الدين المحلي.7- جامع البيان عن تفسير آي القرءاّن للإمام الطبري.

8- لسان العرب للعلامة ابن المنظور.9- مقالة من موقع السفير علي الإنترنت عن تطور النموذج الذري. مشاركة: الكون/ مـن الـذرة إلـى الـمجرة.

10- بحث عن أشعة جاما من الإنترنت للمهندس / إبراهيم معوضة. مشاركة: الكون/ مـن الـذرة إلـى الـمجرة.11- أعداد مجلة الإعجاز العلمي في القرءان و السنة[ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي - الفردية الدامغة والزوجية البالغة - د/ فراج محمد خليل محمد ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالثامنة والستون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* أنظروا كيف تمر (الجبال) مرور(السحاب)

    يقول الحق تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل : 88 ] سُجل مؤخرا وبتقنيات فنية عالية شريط علمي جديد  يوضح كيف  كانت تتحرك الجبال على سطح الأرض منذ ملايين السنين، وفق ما يُعرف بـ ( تزحزح القارات ) نظرية الانجراف القاري. الإنسان ومن خلال عمره القصير في هذه الحياة لن يستطيع أن يمسك  وهو يرى تحرك تلك الجبال الصخرية..، ولكن  بتطورات العلم الحديث  ووسائله استطاع الإنسان أن يمتلك رؤية أخرى وهي رؤية علمية مكنته -كما سترون من خلال هذا الشريط-  كيف أن تلك الجبال الصخرية تحركت في نظام بديع وتداخلت في ما بينها كما يتداخل ويمر السحاب أمامنا في السماء!! حدث ذلك منذ ملايين السنين.. وما زال حتى الآن يحدث .. تمر تلك الجبال مرور السحاب !! ولكننا لا نشعر بها !! 

شاهد الشريط :

   تُعد هذه الاكتشافات العلمية الحديثة آية من آيات الله العظيمة في أنفسنا وفي الآفاق، يرينا الله إياها بيانا لكل حق وحقيقة، مصداقا لقوله تعالى :(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ 

أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت : 53].

مرور الجبال آية من الآيات العظيمة التي تُظهر عظمة صنع الله في خلقه، فالآية الكريمة جاء موضعها في متتاليات الآيات من نفس السورة تأكد نفس المعنى ونفس الحقائق التي ذهبنا إليها،   حيث نلاحظ أن متتاليات الذكر بالقرآن الكريم كثيرا ما تأتي على سياق : آيات الوعيد والإنذار بيوم القيامة الساعة وأهوالها..، تتبعها آيات تُذكر بعظمة الخلق وصنع الله، تليها آيات أخرى تذكر بأهوال اليوم الموعود.. وهكذا . وإذا تتبعنا موضع آية (مرور الجبال سنجدها) سنجدها تتبع نفس الإعجاز في متتاليات الذكر، يقول الحق تعالى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) [النمل:83ـ 87].

 1ـ نجد أن الآيات (83 - 85) تستعرض أحداث يوم الحشر والحساب، يقول الحق تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ 

يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85)}.

 2ـ الآية التي تليها ( الآية 86) تستعرض آية من آيات عظمة خلق الله وصنعه: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)}.

 3 ـ الآية التي تليها تعود لتستعرض مشاهد أخرى من أهوال يوم القيامة: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)}.

 4 ـ وتعود الآية التي تليها -آية مرور السحاب-  لتستعرض لنا جانب آخر من عظمة صنع الله في خلقه، والعجيب أن نفس الآية الكريمة حملت تلك الدلالات وذلك الإعجاز بقوله تعالى (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)، يقول الحق تعالى ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) 

مراجع :  Earth 100 Million Years From Now الشريط العلمي ( لتحرك الجبال )

http://www.youtube.com/watch?v=uGcDed4xVD4&feature=player_embedded

مصدر  ( الشريط ) من الموقع العلمي ( الكلمات لها دلالة )

http://www.lesmotsontunsens.com/la-tectonique-des-plaques-en-video-8605

نظرية ( انجراف القارات ) ـ ويكيبيديا

http://fr.wikipedia.org/wiki/Wikip%C3%A9dia:Accueil_principal

[الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي - أنظروا رحمكم الله تعالى كيف تمر (الجبال) مرور(السحاب) - بقلم وديعة عمراني - باحثة إسلامية ـ كلية العلوم]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالتاسعة والستون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* آيات الله فى الافاق - الكون {بديع السماوات والأرض}

    كما هو معلوم فإن كل صانع يضع في صنعته علامات ودلائل تدل عليه؛ حتى لا يدعي أحدٌ أنه هو المصنّع زوراً وعدوناً، مثل العلامة التجارية وغيرها من وسائل الحفاظ على الحقوق الادبية، كذلك الله سبحانه وتعالى -وله المثل الأعلى- أودع في مخلوقاته دلائل وعلامات تدل عليه، ومن أهم العلامات التي تدل عليه سبحانه: إتقان الصنعة، وتفردها عن المشابهة بصناعة مثلها، فمن أحب أن يعرف عجزه ويعرف عظمة الخالق سبحانه فليحاول أن يأتي بصنعة تشبه صنعته سبحانه.

 قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج : 73].

ويقول سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن 

دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ) [الشورى : 29]. ويقول سبحانه وتعالى: (وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [الجاثية : 4].

ويقول سبحانه وتعالى: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) [الأنعام : 38]. فمن كانت كذلك صنعته وقدرته كان أحق بالعبادة ممن سواه، وكان أحق أن يتبع شرعه، لذلك أخوتي أدعوكم وأدعو نفسي إلى التأمل في خلق الله تعالى تأمل عقل واعي يريد الحقيقة فيتبعها.

قال الله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة : 164].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السبعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* آيات الله فى الافاق - الكون {بديع السماوات والأرض}

 يقول الشاعر:

لله في الآفاق آيات لعــلّ *** أقلها هو ما إليه هداكا

ولعل ما في النفس من آياته *** عجبٌ عجابٌ لو ترى عيناكا

والكون مشحون بأسرار إذا *** حاولت تفسيراً لها أعياكا

قل للطبيب تخطفته يد الردى *** من يا طبيب بطبه أرداكا

قل للمريض نجا وعوفي بعدما *** عجزت فنون الطب من عافاكا

قل للصحيح يموت لا من علة *** من بالمنايا يا صحيح دهاكا

قل للبصير وكان يحذر حفرةً *** فهوى بها من ذا الذي أهواكا

بل سائل الأعمى خطا بين الزحـ *** ــــام بلا اصطدام من يقود خطاكا

قل للجنين يعيش معزولاً بلا راعٍ *** ومرعى من الذي يرعاكا

قل للوليد بكى وأجهش بالبكا *** لدى الولادة ما الذي أبكاكا

وإذا ترى الثعبان ينفث سمه *** فاسأله من ذا بالسموم حشاكا

واسأله كيف تعيش يا ثعبان *** أو تحيا وهذا السم يملأُ فاكا

واسأل بطون النحل كيف تقاطرت *** شهداً وقل للشهد من حلاّكا

بل سائل اللبن المصفى كان *** بين دمٍ وفرثٍ من الذي صفّاكا

وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا ميت *** فاسأله من يا حي قد أحياكا

قل للنبات يجف بعد تعهدٍ *** ورعايةٍ من بالجفافِ رماكا

وإذا رأيت النبت في الصحراء *** يربو وحد فاسأله من أرباكا

وإذا رأيت البدر يسري ناشراً *** أنواره فاسأله من أسراكا

واسأل شعاع الشمس يدنو وهي *** أبعد كل شيء ما الذي أدناكا

قل للمرير من الثمار من الذي *** بالمر من دون الثمار غذاكا

وإذا رأيت النخل مشقوق النوى *** فاسأله من يا نخل شق نواكا

وإذا رأيت النار شب لهيبها *** فاسأل لهيب النار من أوراكا

وإذا ترى الجبل الأشم مناطحاً *** قمم السحاب فسله من أرساكا

وإذا ترى صخراً تفجر بالمياه *** فسله من بالماء شق صفاكا

وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال *** سرى فسله من الذي أجراكا

وإذا رأيت البحر بالماء الأجاج طغى *** فسله من الذي أطغاكا

وإذا رأيت الليل يغشي داجياً *** فاسأله من يا ليل حاك دجاكا

وإذا رأي الصبح يسفر ضاحكاً *** فاسأله من يا صبح صاغ ضحاكا

ستجيب ما في الكون من آياته *** عجبٌ عجابٌ لو ترى عيناكا

ربي لك الحمد العظيم لذاتك *** حمداً وليس لواحدٍ إلاّكا

يا مدرك الأبصار والأبصار *** لا تدري له ولكنهه إدراكا

إن لم تكن عيني تراك فإنني *** في كل شيء أستبين عُلاكا

يا منبت الأزهار عاطرة الشذى *** ما خاب يوماً من دعا ورجاكا

يا مجري الأنهار عاذبة الندى *** ما خاب يوماً من دعا ورجاكا

يا أيها الإنسان مهلاً ما الذي *** بالله جل جلاله أغراكا

اللهم نوّر قلوبنا بنور القرآن الكريم[ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي - آيات الله فى الافاق - الكون" بديع السماوات والأرض- فراس نور الحق - مدير موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ]]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالواحدة والسبعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً

جبل الله الإنسان على الضعف، كما قال تعالى: ( وخلق الإنسان ضعيفا) ( النساء  28) وهذا الضعف يشمل الضعف النفسي، والضعف البدني ... والمصدق لقول خالقه والعالم به إذا نظر متفكرا في نفسه والناس من حوله لتأكد من حقيقة مكنون شعور الضعف بنفس الإنسان... فالإنسان على يقين بينه وبين نفسه من حقيقة قلة " ... بل ربما انعدام "... حوله وقوته أمام وفي مواجهة ما يحيط به من آيات وجنود الله كالسماء والأرض والجبال ... وكالزلازل والبراكين ... وكالرعد والبرق والريح ... وكالأعاصير والصواعق وفيض الماء... بل أمام وفي مواجهة ما يبدو أصغر مثل العقر واللدغ والافتراس ... الخ.

قال تعال:(يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) (النساء: 28).

 هكذا يقرر الله تعالى هذه الكلية العاملة الشاملة لكل إنسان، إن كل إنسان خلق ضعيفاً....

 خلق ضعيفا في نشأته قال تعال: ( من أي شيء خلقه من نطفة خلقه) نطفة صبابة من الماء المهين.

وخلق ضعيفاً في علمه: قال تعال:(وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) (الإسراء:85).

 فعلمه قليل ومحفوف بآفتين جهل قبل العلم ونسيان بعده فهو لا يعلم المستقبل حتى في تصرفات الخاصة: قال تعال:(وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) (لقمان:34 ). وخلق ضعيفا في تصرفه وإدراكه فقد يتصور البعيد قريبا والقريب بعيدا والنافع ضارا والضار نافعا ولا يدرك النتائج التي تتمخض عن تصرفاته. 

(الشيخ محمد بن صالح العثيمين)

إن الضعف الإنساني سمة تلازم الإنسان من لحظة البداية في خلقه … هل تَذكَّر الإنسان ذلك؟ هل فكر الإنسان في أصل تكوينه ؟ إنه تراب الأرض! هل أدرك الإنسان أنه خُلق من عدم ولم يكن شيئاً ؟ هل فكر الإنسان بالقدرة التي أوجدته من العدم وكَّونته من التراب ؟ هذا هو الأصل الإنساني الضعيف! هل فكر الإنسان لحظة واستشعر مراحل ضعفه ووهنه ؟ 

الإنسان هذا المخلوق العجيب هو صنعة الله تعالى المحكمة الدقيقة هذا الإنسان 

الذي يبدو للوهلة الأولى في منتهى البساطة مشتمل على كل أشكال التعقيد، إنه يبدو قوياً مخيفاً مع أنه في حد ذاته ضعيف في كل جانب من جوانب شخصيته ضعفاً لا يوازيه شيء سوى ما يدعيه من القوة والعزة والسطوة. 

وقد لخّصت لنا هذه الكلمات القرآنية الثلاث جوهر الإنسان، لكن دون أن تضع لنا الإصبع على مفردات ذلك الضعف ومظاهره ليظل اكتشافها التدريجي عبارة عن دروس وعظات مستمرة تذكر الإنسان بحقيقته، وسوف ينفذ العمر دون أن نحيط بحقيقة أنفسنا.                                                  إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالثانية والسبعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً - ومن مظاهر ضعفنا:

-أن التقدم المعرفي الكبير مازال محدوداً إلى يوم الناس هذا، فهناك أجزاء من أجسامنا مازالت مناطق محرّمة، فعلم الدماغ مازال علم إصابات أكثر من

أن يكون علم وظائف وتشريح، ومركبّات الأنسجة والسوائل المختلفة في أجسامنا وتفاعلها مع بعضها مازال الكثير منها مجهولاً، فإذا ما دلفنا إلي مناطق المشاعر والإدراك وصلاتها وتفاعلاتها بالجوانب العضوية، وجدنا أن كثيراً مما لدينا ظنون وتخرصات أكثر من أن يكون حقائق

فإذا ما خطونا خطوة أخرى نحو العالم الوجداني والروحي وجدنا أنفسنا في متاهات وسراديب، حتى إن الفردية لتطبع كل ذرة من ذرات وجودنا المعنوي، مما يجعل إمكانات الفهم ووضع النواميس والنظم العامة أموراً قليلة الفاعلية محدودة النجاح. 

-إن الباحثين في مجالات علوم الإنسان يجدون الطرق متشعبة ملتوية كلما 

تقدموا نحو الأمام، على حين أن الباحثين في علوم الطبيعة يستفيدون من أنواع التقدم المعرفي الأفقي في إضاءة ما بقي مظلماً من مسائل الطبيعة والمادة. وتقدّس الله تعالى إذ يقول: ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) (الإسراء: 85).

ويزداد ظهور ضعف الإنسان حين يدخل الإنسان في صراع بين عقله ومشاعره حيث يجد نفسه عاجزاً عن دفع مشاعره والخلاص من وساوسه والتغلب على مخاوفه أو معرفة مصدرها في بعض الأحيان، ليدرك المرة تلو المرة أنه مع طموحه إلى السيادة على الأرض وغزو الفضاء قاصر عن السيطرة على نفسه

إن فاعلية كل رأي ودقته ينبعان من مجموعة العمليات التي يستند إليها فحين تكون تلك العمليات ظنية وعائمة فإن آراءنا الطبية والنفسية سوف يظل كثير منها هشاً ونسبي الصواب 

- هذا الإنسان الضعيف لا يستطيع أن يجزم بشيء مقطوع من حوادث المستقبل، فمهما أدرك المرء الظروف والعوامل والمؤثرات التي تحيط به لم يستطع أن يعرف ماذا سيحدث له بعد شهر أو يوم أو ساعة، وأعظم أطباء الدنيا لا يستطيع ضمان استمرار حياته أو حياة غيره ساعة من زمان، ومن ثمّ فإن القلق والخوف من المستقبل هما الهاجس الجاثم فوق صدر الإنسان الحديث الذي فقد الإيمان (1).

إذا كان الإنسان على ما ذكرنا من العجز والقصور فإن عليه أن يخضع لقيوم السموات والأرض خضوع العارف بضعفه المدرك لعظمة خالقه متخذاً من ذلك باباً للأوبة والتوبة الدائمة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالثالثة والسبعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً - ومن مظاهر ضعفنا:

الإنسان جسد ضعيف محدود القدرات والإمكانيات، حواسه مقيدة محدودة، فهو ذو بصر محدود، إذ لا يمكنه الرؤية إلا في حدود مكونات الضوء

لا يمكن للعين الرؤية إلا في حدود مكونات الضوء الأبيض والأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي والبنفسجي، وما ينتج عن اختلاطها ببعضها من ألوان متعددة، أما ما تعدى حدود ذلك من موجات ضوئية فلا يستطيع الإنسان أن يميزها، فالأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية ( أشعة إكس ) وأشعة جاما وغيرها لا تدركها العين البشرية، بينما تستطيع بعض الطيور والحيوانات أن ترى الأشياء عن طريق الأشعة تحت الحمراء مثلاً، مما يمنحها القدرة على الرؤية في الظلام الدامس.

له عينان فقط وبالمقارنة بالحيوانات والحشرات والطيور فإن المعروف أن عدد عيون الحيوانات تتراوح بين عينين إلى عدة آلاف، فالعنكبوت مثلاً له ثمانية عيون، ومع ذلك فبصره ضعيف جداً بالنسبة لغيره.

وأما بالنسبة للسمع فإن الأذن البشرية ذات إمكانيات محدودة، حيث لا تستطيع الأذن البشرية تمييز الأصوات ذات التردد أو الذبذبات التي تقل عن حوالي عشرين ذبذبة في الثانية، أو التي تزيد عن حوالي عشرين ألف ذبذبة في الثانية، كما أن قوة الصوت أو شدته تؤثر تأثيراً ضاراً على أذن الإنسان إذا تعدت حدوداً معينة.

وتستطيع معظم الحيوانات أن تسمع الأصوات التي يكون كثير منها خارج المدى المسموع بواسطة الأذن البشرية، فالكلب مثلاً يستطيع أن يسمع الأصوات ذات التردد المنخفض بواسطة أجزاء حساسة عند الخطوط الجانبية من جسمه، وتستطيع الأسماك في الأحواض الزجاجية أن تسمع صدى حركتها منعكساً على زجاج الحوض فلا ترتطم به.

للخفاش قدرة على استقبال الموجات الصوتية ذات الترددات العالية

كما تتميز الطيور عموماً بسمع حاد قوي، أما الخفاش فلديه قدرة خاصة على استقبال الموجات الصوتية ذات الترددات العالية (ultrasounds) بواسطة أذنيه الكبيرتين، واللتين تتحركان في مختلف الاتجاهات بصورة مستمرة كأنها جهاز رادار يبحث عن تلك الموجات الصوتية. (2)

إن الإنسان هو أضعف المخلوقات من حيث القوة العقلية والجسمانية، يحس بهذه الحقيقة في قرارة نفسه وحين يستعرض مشوار حياته منذ خلقه من الماء المهين مروراً بالحمل والمخاض وخروجه طفلاً ضعيفاً يستمد العون والمساعدة من غيره. [أنظر جريدة " العالم الإسلامي " السعودية – العدد (1383).]

(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم : 54]).

في الآية الكريمة يشير الحق سبحانه وتعالى إلى صفة الضعف تلك الصفة التي

 تلازم الإنسان طوال حياته وهى السمة المميزة للإنسان في مقتبل العمر وفى خريف حياته.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالرابعة والسبعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً - ومن مظاهر ضعفنا

وسبحان الخالق العظيم جعل مشوار حياة الإنسان يبدأ بالضعف وينتهي به 

حتى وإن كان في ريعان شبابه وقمة عنفوانه فهو ضعيف.

إنه صريع أمام دوافع النوم (الموتة الصغرى) لا غلبة له عليه يطرحه أرضاً حتى وإن كانت قوة تصارع وتقهر العتاة.

أليس الإنسان ضعيفاً حتى في أوج قوته، وها هو المرض في أوهن أشكاله 

ومسبباته يقهر الإنسان ويوهن صحته ويحد من نشاطه وقد ينال من جسده ويضعف من قوته فيصبح عاجزاً لا يقوى على رعاية نفسه ؟ أليس المسلم ضعيفاً أخي المسلم حتى في لحظات ومراحل القوة والغطرسة التي قد تخدع أكثر الناس

 وتحيد به عن سواء السبيل ؟.

ونحن نتأمل صفة الضعف التي تلازم الإنسان فإننا لا نرى سوى سبيل واحد فريد هو مصدر كل قوة حقيقية وهو مبعث كل طمأنينة. وهو المصدر المنيع الذي يدافع عن النفس ويحميها من كل خطب وضلال وهوان. إنه الإيمان بالله.. فهو القوة الحقيقة في النفس البشرية ومادون ذلك فهو ضعف وهوان وإن كان ظاهره القوة.

تأمل أخي المسلم مرحلة الطفولة لحظة خروج الإنسان للحياة ثم طفلاً رضيعاً 

يستمد الغذاء والعون من أمه.

إنها لحظات الضعف والوهن الغامر الذي مر به كل مخلوق وأولهم الإنسان.

تذكر أخي الشاب المسلم هذه اللحظات وأرجع شريط مسيرة حياتك وتخيل 

كيف كنت لا تقوى على الحركة والجلوس والمشي ولا تقدر على التعبير والنطق

 ولا تدرك أسباب الحياة وحركتها...

تفكيرك محدود وقوتك ضعيفة وعزمك واهن وإرادتك تابعة وتطلب العون والمساعدة ثم تدرجت في قدراتك وتطور نموك وارتقت مفاهيمك واتسع إدراكك واشتد عودك وانتصب قوامك والتفت عضلاتك وتكونت شخصيتك وأصبحت رجلاً يتمتع بالقوة وتحتل مكانة وتتبوأ مركزاً مرموقاً أو تتحمل أعباء وتدير حركة الحياة وتعمر الأرض.

هل فكرت أخي المسلم كيف كنت ؟ وإلى أين أصبحت ؟ وهل استحضرت

 حقيقة كيف كنت ؟ وأين أصبحت ؟

أخي المسلم عليك أن تستلهم من مسيرة حياتك وتأخذ العبرة من لحظات الضعف التي كنت بها قبل أن تصبح رجلاً قوياً. فتكرس قوتك وتسخرها لعبادة الله وطاعته وتنتهز لحظات القوة لكي تؤدى واجب الطاعة والعبادة للخالق الذي أمدك بالقوة ووهبك العقل والفكر والبصيرة.

فلا تضيع قوتك التي سوف تزول لا محالة في هوى النفس وشهواتها ولا تفنى هذه القوة في معصية الله وفى غير ما أُهلت له.

تذكر أخي المسلم أن لحظات حياتك عجلة دائرة فأنت بين ضعف وقوة وعجز وقدرة. (جريدة " العالم الإسلامي " – السعودية – العدد "1389" ).

خلق الله تعالى آدم من تراب من عناصر الأرض... من الحديد والكالسيوم 

والماغنسيوم والكربون وغيرها. واختار له الصورة التي أراده عليها وبث فيه الحياة وزوده بمواهب وطاقات تساعده على إعمار الأرض واستخراج مكنوناتها.  وزوده بالعقل والسمع والبصر وشرع له المنهج الذي تستقيم به حياته وأمره بالسير في هذا الطريق وتجنب إغراءات الشيطان ونزعات النفس حتى لا يضل.

ولنرجع إلى جسم الإنسان لنرى ما قالت وما أثبتت المعامل: 

إن جسم الإنسان العادي يحتوى على مائة وأربعين رطلا من الماء ومن الدهون ما يكفي لصنع سبع قطع من الصابون ومن الرصاص ما يكفي لصناعة ستة آلاف قلم رصاص ومن الملح ما يملأ ملعقة صغيرة ومن الفسفور ما يكفي لصناعة ألفين ومائتي عود ثقاب ومن الماغنسيوم ما يكفي لجرعة من الأملاح الملينة. ومن الحديد ما يكفي لصنع مسمار طويل ومن البوتاسيوم ما يكفي لقدح زناد مدفع من مدافع الأطفال ومن السكر ما يملأ زجاجة عادية.

هذا هو الإنسان. خلق من تراب فإذا مات عاد إلى الأرض وتحلل جسمه إلى هذه العناصر ودخل في تركيب أجسام أخرى حيوانية ونباتية(3).

وهكذا يُولد الإنسان متجها إلى نهايته. فكل دقيقة تمر تدنيه من أجله لا ينحرف

 عن هذه الغاية أبداً ولا يتخلف عن موعدها. أنفاسُُ معدودة وخطواتُُ

 محدودة فإذا اكتمل العدد كانت النهاية... ويُسدل الستار على إنسان كان...

الهوامش:(1) موقع صيد الفوائد من مقال( وخلق الإنسان ضعيفاً ) أ.د. عبدالكريم بكار-بتصرف(2)موقع موسوعة الاعجاز العلمى فى القرآن والسنة من مقال-محدودية حواس الانسان-بتصرف(3) من مقال –وفى أنفسكم أفلا تبصرون- للدكتور محمد السقا عيد[ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي - وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً - د. محمد محمد السقا عيد]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والسبعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* شرح دعاء (للَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ 

الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي...) الحديث

  قوله: ((وبقدرتك على الخلق)) : توسل لكمال قدرته النافذة على جميع المخلوقات: إنسها، وجنّها، وملائكتها، وهذا توسل بصفة القدرة بعد صفة العلم، أرجَى في قبول الدعاء واستجابته؛ لأن التوسل بأسماء اللَّه وصفاته كما سبق مراراً هو أكبر الوسائل التي يرجى معها استجابة الدعاء.

((وينبغي أن يعلم أن الحاجات التي يطلبها العبد من اللَّه تعالى نوعان:

   النوع الأول: ما عُلِم أنه خير محضٍ، كسؤال خشيته من اللَّه تعالى, وطاعته

 وتقواه، وسؤال الجنة، والاستعاذة من النار, فهذا يطلب من اللَّه تعالى بغير تردد، ولا تعليم بالعلم بالمصلحة؛ لأنه خير محض.

النوع الثاني: ما لا يعلم هل هو خير للعبد أم لا، كالموت والحياة، والغنى والفقر، والولد والأهل، وكسائر حوائج الدنيا التي يجهل عواقبها، فهذه لا ينبغي أن يُسأل اللَّه منها إلا ما يعلم فيه الخيرة للعبد؛ لأن العبد جاهل بعواقب الأمور، وقد تضمّن الدعاء في هذا الحديث النوعين معاً؛ فإنه لما سأل الموت والحياة قيّد ذلك بما يعلم اللَّه تعالى أن فيه الخيرة لعبده, ولما سأل الخشية وما بعدها مما هو خير صرف جزم به، ولم يقيّده بشيء))

ولهذا ينبغي للعبد أن يفقه في باب الدعاء، ما يدعو به؛ لأنه يدعو رب الأرض والسموات، فينبغي أن يتخيَّر لمولاه أجمل الألفاظ، وأحسن المعاني، وأنبل الأماني.[  الأنترنت – موقع الكلم الطيب – شرح دعاء(للَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي...) الحديث ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة 

والسبعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*{ ما خلقكم ولا بعثكم إلا كَنَفْسٍ واحدَةٍ } لقمان/28

لقد كانت كلمةُ حقٍّ من الله تعالى حين قال الله العزيز الحكيم للملائكة: {إنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَليفة} [البقرة من الآية:30]، وبهذا بدأ الله تعالى خلق الإنسان من عناصر الكرة الأرضية: {مِنْها خلقناكُمْ وفيها نُعيدكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارةً أُخْرى} [طه:55]، وقال الله تعالى: {وَاللهُ أنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَبَاتاً} [نوح:17].

والآيات عن معجزة بدء خلق الإنسان ثم معجزة الخروج عديدةٌ، ومتنوعة الأسلوب في القرآن الكريم وتكرارها لنفس الهدف تذكرة وموعظة للناس أجمعين ولكن أكثر الناس لا يعلمون كما ذكر الله تعالى في مواضع كثيرة من القرآن الكريم.

وابتداءُ الخلق هو من إرادة الله ومشيئته فهو الذي رفعَ السماء ووضعَ الميزان وخلقَ الموت والحياة والزمان والأكوان والحيوان والأنام، فخلق الأنام جزء من خلق الله البديع الكبير المتعال، قال الله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ} [السجدة:7].

وقال تعالى: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثمَّ مِنْ نُطفةٍ ثمَّ مِنْ علقةٍ ثمَّ يُخْرجُكُمْ طفلاً ثمِّ لتَبْلغوا أشُدَّكُمْ ثمَّ لِتَكُونُوا شُيوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغوا أجَلاً مُسَمًّى ولَعَلَّكُمْ تَعْقِلون} [غافر:67].

وقال تعالى: {وَلقدْ خلقْنا الإنْسَانَ مِنْ سُلالةٍ مِنْ طِين} [المؤمنون:12]، وقال تعالى: {إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكون} [آلِ عمران:59].

وقال تعالى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثمَّ مِنْ نُطفةٍ ثمَّ جَعَلَكُمْ أزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنْثَى ولا تَضَعُ إلا بِعِلْمِهِ ومَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ ولا يَنْقُصُ مِنْ عُمُرِهِ إلا فِي كِتابٍ إنَّ ذَلكَ على اللهِ يَسيْر} [فاطر:11]. وقال تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أهُمْ أشَدُّ خَلْقاً أمْ مَنْ خَلَقْنا إنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ}[الصافات:11].

وقال تعالى: {إذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ} [ص:71].

وقال في سورة الحجر: {وَلقدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون} [الآية:26]. وفي سورة الحجر أيضاً: {وَإذْ قَال رَبُّكَ للمَلائِكَةِ إنِّي خالقٌ بَشَرَاً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حّمَإٍ مَسْنونٍ} [الآية:28]. وقال تعالى: {خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخَّارِ} [الرحمن:14]. وقال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذي خَلَقَ الأزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الأرضُ ومِنْ أنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يِعْلَمُون} [يس:36].

وقال الله تعالى: {هُوَ الذي خلقكُمْ مِنْ طينٍ ثمَّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثمَّ

 أنْتُمْ تَمْتَرون} [الأنعام:2]، وقال تعالى: {وَمِنْ آياتِهِ أنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثمَّ إذَا أنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُون} [الروم:20].

هذه الآيات إقرار هادئ يقيني من الله تعالى في خلق البشرية من الأرض واستمرارها على النحو الذي فطرها عليه، وهذه الآيات فيها العظمة والإقرار الرباني الصادق وليس فيها نبرة التحدي، وإنما الموعظة والدليل بأسلوب رقيق يراعي الفهم والإدراك فمن يَعبد الإنسانُ إلا الذي خلقه فأحسن خلقه!

وهذه هي الفطرة السوية فالإنسان بحاجة إلى قوةٍ عظمى يستنير بها في روحه 

وقرارة نفسه العميقة، فمهما بلغ من القوة والجبروت فإنه ضعيف أمام الحياة والموت والبلاء والدوائر، فقد خلق الله القوي الحكيم الإنسانَ من ضعف حيث قال تعالى: {يُرِيْدُ اللهُ أنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيفاً} [النساء من الآية:28]، وقال تعالى: {اللهُ الذي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قوةً ثمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وهُوَ العليمُ القَدِيْرُ} [الروم:54]، وقال تعالى: {إنَّ الإنْسانَ خُلِقَ هَلوعاً} [المعارج:19].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة 

والسبعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*ومن بعض دلالات خلق الإنسان:

- التأكيد الواضح الناصع على خلق الإنسان من عناصر الأرض في مواضع متناثرة قيِّمة في القرآن الكريم المحكم الآيات.

- لقاء الروح والجسد فالروح من أمر الله في السماء والجسد من الأرض بأمر

 الله أيضاً، وهذا التمازج العجيب معجزة كبرى من معجزات وضع الميزان في

 السماوات والأرض.

- السلالة والتسلسل في الخلق : فقد وضع الله الناموس حين جعل الخليفة في الأرض من جسد واحد صوَّره ونفخ فيه من روحه فجعله نفساَ واحدة بعد التصوير وإعمال المورثات لأجل الاستمرار والتسلسل ثم خلق منها زوجها وبث منهما البشرية جمعاء في علاقات إنسانية على مدى الحياة، وما توصل له العلم اليقيني من علم الأحياء والهندسة الوراثية دلائل إضافية على عظمة الخلق والخالق. وأسلوب القرآن أسلوب معجز بحد ذاته من كامل الزوايا في الموعظة والمواضيع والتراكيب والدلالات والتنظيم والتأثير اللفظي والقلبي، إن كان ذلك في الترغيب والترهيب أو في التذكير أو في الأحكام أو في العبر والقصص وإلى ما هنالك من الصفات والمواضيع.

لقد أقرَّ الله تعالى وأكَّد أن الغاية من الخلق واضحة جلية والهدف من خلق الإنسان ليس عبثياً وأضاف أن الإنسان في بدء ثم حياة ثم خروج وعودة إلى الله الرحمن الرحيم شديد العقاب، وأنَّ العبادة هي أصل ثابت من أصول الوجود، قال الله تعالى: {أفَحَسِبْتُمْ أنَّمَا خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وأنَّكُمْ إليْنا لا تُرْجَعُون} [المؤمنون:115]، وقال تعالى: {يَا أيُّها النَّاسُ أُعْبُدوا رَبَّكُمْ الذِي خَلَقَكُمْ والذينَ مِنْ قبْلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة:21]، وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلَّا لِيّعْبُدُونِ} [الذاريات:56].

وفي الآيات التالية مثلاً يعرض الله أسلوب التحدي في الخلق والبعث ومن يتحدى الكونَ ومن فيه سوى خالقُهُ ومليكُهُ ربُّ الأرباب، قال الله تعالى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إنَّ اللهَ سَمِيْعٌ بَصِيْرٌ} [لقمان:28]، فلِمَنْ يكذِّب بالبعث والنشور أمَّنْ يستهزئ بآيات الله في النشأة الآخرة والمعاد هذه صاعقة من الله تعالى، وهي حجة عظيمة لمن وعاها ويسَّر له الله فهمها، فطوبى لِمَنْ صدَّق وثبت.

نعم، لقد جزم الله بأنَّ ذلك على الله يسير. نعم؛ الخلق كله بداية ونهاية كنفس واحدة عند الله تعالى فهذا هو التحدي الكبير فله الكبرياء في السماوات 

والأرض وهو العزيز الحكيم، والله يسمع ما تقولون ويبصر ما تفعلون وليس في الكون سواه من يخلق ويبعث ويحاسب فيعاقب أشدَّ العقاب ويجزي بالإحسان إحساناً.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة 

والسبعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*ومن بعض دلالات خلق الإنسان:

فهو الأحد ليس له ندٌّ وليس له شريك في الملك والخلق والبعث، قال سبحانه وتعالى : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم:40]، وقال تعالى: {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثمّ يُعِيدُهُ قُلْ اللَّهُ يَبْدَؤُا الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيْدُهُ فَأَنَّئ تُؤْفَكُونَ} [يونس:34].

وقال تعالى: {أمْ خُلِقوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُون} [الطور:35]، وقال تعالى: {أفَمَنْ يَخْلُقُ كمَنْ لا يَخْلُقُ أفَلا تَذَكَّرُون} [النحل:17].

وفي سورة لقمان قال تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيْمٍ . هَذا خَلْقُ اللهِ فَأرُونِي مَاذا خَلَقَ الذِيْنَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ في ضَلالٍ مُبِينٍ} [لقمان:10-11].

وعلى نفس النسق وفي ثلاثة مواضع من سورة ق؛ ذكر الله تعالى كم هو يسير 

عليه سبحانه الخلق والحشر فقال تعالى: {أَفَعَيِيْنَا بِالخَلْقِ الأوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق:15]، وقال تعالى: {وَلقَدْ خَلقْنا السَّماواتِ والأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38]، وقال تعالى: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلكَ حَشْرٌ عَليْنا يَسِيْرٌ} [ق:44]، وفي السياق نفسه قال تعالى في سورة مريم: {قَالَ كَذَلكَ قَالَ رَبُّكَ هَوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} [مريم:9].

وقد ذكر الله تعالى بدء الخلق ثم أنه هو يعيده ولا أحد غيره يستطيع إعادة الخلق، بل أضاف ذكر سهولة الخلق وإعادته عليه سبحانه وتعالى، وذلك في مواضع متباينة من القرآن الكريم، فقد قال تعالى في سورة الروم: {وَهُوَ الذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أهْوَنُ عَليْهِ وَلَهُ المَثَلُ الأعْلى في السَّمَاواتِ والأرْضِ وَهُوَ العَزيزُ الحَكِيْمُ} [الروم:27]، وقال في سورة النمل: {أمَّنْ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ومَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أإلَهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل:64].

وقال تعالى: {اللهُ يَبْدَأ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الروم:11].

وقال تعالى: {أوَلَمْ يَرَوْا كيْفَ يَبْدَئُ اللهُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إنَّ ذَلكَ عَلى اللهِ يَسيْرٌ}

 [العنكبوت:19]، وقال أيضاً في سورة العنكبوت: {قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ بَدَأ الخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأةَ الآخِرَةَ إنَّ اللهَ عَلى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت:20].

وقال تعالى: {إلِيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقَّاً إنَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيْدُهُ لِيَجْزِيَ الذيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالقِسْطِ وَالذيْنَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيْمٍ وَعَذَابٌ أليْمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} [يونس:4]، وقال تعالى: {إنَّهُ على رَجْعِهِ لقادِرٌ} [الطارق:8]. وقال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيها نُعِيْدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْناكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِيْنَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيْكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والسبعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*ومن بعض دلالات خلق الإنسان:

لو نظرنا إلى الآيات وتمعّنا في ورودها في القرآن الكريم لوجدنا أنها تذكرة وحجة

 وبرهان، ثم إنها التحدي من الله ذي الجلال والإكرام فله وحده الكبرياء في السماوات والأرض، وهو الذي تحدى البشر والأكوان أنَّ وعده الحق وأنه هو المعيد للخلق كما بدأه وهو عليه هيِّن، قال تعالى: {يوْمَ نَطْوي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ للكتُبِ كما بَدَأنا أوَّلَ خَلْقٍ نُعيدُهُ وَعْداً عَليْنا إنَّا كُنَّا فاعِليْن} [الأنبياء:104].

وقد ذكر الله تعالى في لهجة التحدي العكسي أن الإنسان خصيم مبين، وفي هذا الشأن تِبيان لطبيعة الإنسان والتخيير الذي وضعه الله في فطرة الإنسان وكيانه، فهذا هو الإنسان الذي لم يكن شيئاً مذكوراً ثم كان نطفة صغيرة لا حياة فيها، ثم مضى أطواراً ليُصبح في أحسن تكوين يتحدى خالقه بالكفر والعناد بخياره وملكاته، فقد قال تعالى: {خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإذَا هُوَ خَصِيْمٌ مُبِيْنٌ} [النحل:4]، وقال تعالى: {أوَلَمْ يَرَ الإنْسانُ أنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإذا هُوَ خَصِيْمٌ مُبِيْنٌ} [يس:77].

فالله هو الذي خلق الإنسان وهداه النجدين فكان خصيماً مبيناً إلا من رحم الله وهدى، وتلك هي قصة محيرة لأصحاب العقول المسطحة في أن الله الخالق قد خلق مخلوقاً من نطفة أمشاج صغيرة ليكون له خصماً بيّناً مجاهراً، فكيف يستقيم الأمر على هذا والقدرة بالغة عند الله أمرها في أن تكون ما تريد أن تكون، ولكن الحكمة عظيمة وبالغة والابتلاء لا يتم إلا بالأضداد أحياناً، قال تعالى: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْني النُّذُرُ} [القمر:5]، ولكن في البداية وفي النهاية وما بينهما من هو مالك الملك! هو الله العزيز الجبار المقتدر ذو الطول القوي المتين.

ولهجة الإنذار والتحدي واضحة جلية لكل ذي عقل أو بصيرة وهم من رحم الله من العباد على أن يتفكروا في خلق الإنسان، قال الله تعالى: {وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ للمُوقِنِينَ . وَفِي أنْفُسِكُمْ أفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:20-21]، وعلى ما لها من دلالات ذات أطر متعددة ومتباينة منها الأساس في الوجود من عدم الوجود وفي الخلق في التركيب العنصري والبيولوجي والمورثات والاستقلابات وفي الحواس وفي النفسيات والسرائر وفي الطباع وإلى ما هنالك من معجزات الخلق ودقائق الأمور وعمومها في خلق البشرية واستمرارها الفطري.

استحوذ الخلق والبعث والنشور والرجوع إلى الله تعالى على مساحاتٍ واسعة من القرآن الكريم، فهي إذاً معجزة الإحضار للبشرية جمعاء لا تأخير ولا تبديل ولا استثناء، فلا يجلّي الساعة لوقتها إلا لله تعالى، يا لهول الموقف، {يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيْدٌ} [الحج:2].                                                                               إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثمانون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*ومن بعض دلالات خلق الإنسان:

والآيات كثيرة؛ منها ما ورد في القرآن الكريم قال تعالى: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بالْحَقِّ ذَلكَ يَوْمُ الخُرُوْجِ} [ق:42]، وقال تعالى: {ونُفِخَ فِي الصُّور فإذَا هُمْ 

مِنَ الأجْدَاثِ إلَى رَبِّهم يَنْسِلون} [يس:51]، وقال تعالى: {وَإنْ كُلٌّ لمَّا جَمِيعٌ لدَيْنا مُحْضَرُون} [يس:32]، وقال تعالى: {إنْ كَانَتْ إلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإذا هُمْ 

جَمِيعُ لَدَيْنا مُحْضَرُون} [يس:53]، وقال تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّوْرِ فَتَأْتُونَ أفْوَاجاً} [النبأ:18].

وكلمة الرجوع إلى الله تعالى واشتقاقاتها واردة في القرآن الكريم بكثرة وهي أساس من أسس التوعية والموعظة الربانية وأن هناك عودة حتمية لله الواحد القهار فلا عبثية في الموضوع على الإطلاق، فـ{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة من الآية:156]، فمرة {إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الروم من الآية:11]، وهي مبني للمجهول ومرة مبني للمعلوم ومرة {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ} ومرة {رَاجِعُونَ}، فسبحان الله مالك الملك ربّ العالمين.

وما أكثر المواضع التي ذكر الله تعالى بدء الخلق والخلق واستمراره ثم إنهاءه إلى الحياة الآخرة، وقد حازت قضية الخلق على حصة كبيرة ومهمة في القرآن الكريم؛ فهي الأساس والأصل في الوجود ولولا الوجود لكان العدم ولكان الله من الأزل إلى الأبد في شؤون شتى لا علم لأحدٍ بها لا تُعدّ ولا تحصى.

قال تعالى: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29]، وقال تعالى: {لا يُسْألُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ} [الأنبياء:23].

فمشيئته سبحانه فوق كل شيء، قال الله تعالى: {إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ

 جَدِيدٍ . وَمَا ذَلِكَ عَلى اللهِ بِعَزِيزٍ} [فاطر:16-17]، وقال تعالى: {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أسْرَهُمْ وإذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً} [الإنسان:28]، وقال تعالى: {ألمْ تَرَ أنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِالحَقِّ إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأتِ بِخَلْقٍ جَديْدٍ . ومَا ذَلِكَ عَلى اللهِ بِعَزِيْزٍ} [إبراهيم:19-20]، وهكذا قال الله تعالى: {يُذْهِبْكُمْ} بمنتهى التصريح الواضح الهادئ دون التحدي الصارخ بكلمة مثل يُدَمِّركم أو ينسفكم نسفاً، واللبيب يفهم والواعي يعرِف أن مشيئة الله ماضية فوق كل شيء وهو الذي يقول للشيء كن فيكون ونواميس الله ووعوده حاضرةٌ ثابتة إلا ما شاء وأمر به من المعجزات.

وهناك آيات أخرى عديدة في ماهية الخلق وتبعاته وما يترتب عليه منها قوله تعالى: {فأمَّا عادٌ فاسْتَكْبَرُوا في الأرْضِ بغَيْرِ الحقِّ وَقَالوا مَنْ أشدُّ منَّا قُوَّةً أوَلَمْ يَرَوْا أنَّ اللهَ الذي خَلَقَهُمْ هُوَ أشدُّ مِنْهُمْ قوَّةً وَكانوا بآياتِنَا يَجْحَدُون} [فصلت:15].

وقوله تعالى: {وقالوا لِجُلودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالوا أنْطَقَنا اللهُ الذي أنْطَقَ كلَّ شيءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ وإليْهِ تُرْجَعون} [فصلت:21].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثمانون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*ومن بعض دلالات خلق الإنسان:

وقوله تعالى: {أفَعَييْنَا بِالْخَلْقِ الأوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيْدٍ . وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوُسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أقْرَبُ إليْهِ مِنْ حَبْلِ الوَريْدِ} [ق:16-17]. وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهَ فَأنَّى يُؤْفَكُون} [الزخرف:87].

وقوله تعالى: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُون} [الجاثية 4].

وقوله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون} [الذاريات:49].

وقوله تعالى: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنْكًمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيْرٌ} [التغابن:2]، وقوله تعالى: {خَلَقَ الإنْسَانَ} [الرحمن:3]، وقوله تعالى: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ} [الواقعة:57]، وقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ} [الملك:2]، وقوله تعالى: {ألا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيْفُ الخَبِيْرُ} [الملك:14].

وقوله تعالى: {كَلا إنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ} [المعارج:39].

وقوله تعالى: {يَا أيُّهَا النَّاسُ إنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ البَعْثِ فَإنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ إلَى أجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لَتَبْلُغُوا أشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إلَى أرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْلًا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإذَا أنْزَلْنَا عَلَيْها المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وأنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيْجٍ} [الحج:5].

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدوا لآدَمَ فَسَجَدوا إلا

إبْليسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِديْنَ} [الأعراف:11]، وقوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ 

أطْوَاراً} [نوح:14]، وقوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى} [القيامة:38]، وقوله تعالى: {هَلْ أتَى على الإنْسانِ حِيْنٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاَ مَذْكُوراً . إنَّا خَلَقْنا الإنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيْراً} [الإنسان:1-2].

وقوله تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِيْنٍ} [المرسلات:20]، وقوله تعالى: {أفَرَأيْتُمْ مَا تُمْنُونَ . أأنْتُمْ تَخْلُقُوْنَهُ أمْ نَحْنُ الخَالِقُونَ} [الواقعة:58-59]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِيْنٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِيْنٍ . ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أنْشَأْنَاهُ خَلقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أحْسَنُ الخَالقين} [المؤمنون:12-14].

وقوله تعالى: {مِنْ أيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ . مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} [عبس:18-19]، وقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ مِمَّ خُلِقَ . خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق:5-6]، وقوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاواتِ والأرْضَ بِالحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فأحْسَنَ صُوَرَكُمْ وإليهِ المَصِيْرُ} [التغابن:3]، وقوله تعالى: {ولقدْ خلقْناكُمْ ثمَّ صوَّرْناكُمْ ثمَّ قلنا للملائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبليسَ لمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف:11].              إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والثمانون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*ومن بعض دلالات خلق الإنسان:

وقوله تعالى: {لقدْ خَلَقْنا الإنسانَ في أحْسَنِ تَقْويْم} [التين:4]، وقوله تعالى: {الذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار:7]، وقوله تعالى: {الذي خَلَقَ فَسَوَّى} [الأعلى:2]، وقوله تعالى: {واللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون} [الصافات:96]، وقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4]، وقوله تعالى: {إقْرَأْ بِاسْمِ 

رَبِّكَ الذي خَلَقَ . خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:1-2].

وقوله تعالى: {وقالوا أئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرْضِ أئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيْدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِروْن} [السجدة:10]، وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذيْنَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيْدٍ} [سبأ:7].

وقوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيْمٌ . قُلْ يُحْيِيْهَا الذِي أنْشَأهَا أوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيْمٌ} [يس:78-79]، وقوله 

تعالى: {قَالَ يَا إبْليسُ مَا مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أسْتَكْبَرْتَ أمْ كُنْتَ

 مِنَ العَاليْن} [ص:75]، وقوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالوا إئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أإنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيْداً} [الإسراء:98].

وقوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَها وَأنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ لا إلهَ إلَّا هُوَ فَأنَّى تُصْرَفُون} [الزمر:6]، وقوله تعالى: {واللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إلَى أرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إنَّ اللهَ عَليْمٌ قَدِيْرٌ} [النحل:70]. وقوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أئِذا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أإنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيْداً} [الإسراء:98]، وقوله تعالى: {وعُرِضُوا على رَبِّكَ صَفّاً لقدْ جِئْتُمُونا كما خَلَقْناكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ ألَّنْ نَجْعَلَ لكُمْ مَوْعِداً} [الكهف:48]، وقوله تعالى: {خُلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُريْكُمْ آياتي فَلا تَسْتَعْجِلون} [الأنبياء:37].

وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيْراً} [الفرقان:54]، وقوله تعالى: {َوإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَتَهُمْ وَأشْهَدَهُمْ عَلى أنْفِسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالوا بَلى شَهِدْنَا أنْ تَقُولوا يَوْمَ القِياَمَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هّذا غَافِليْن} [الأعراف:172]. وقوله تعالى: {يَا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثيْراً وَنِساءً واتَّقُوا اللهَ الذي تَسَاءَلونَ بِهِ والأرْحامَ إنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقيباً} [النساء:1]، وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أنْشَأكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُون} [الأنعام:98].

وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إليْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيْفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أثْقَلَتْ دَعَوُا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِريْن} [الأعراف:189]، وقوله تعالى: {وَخَلَقْنَاكُمْ أزْوَاجاً} [النبأ:8]. وقوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأنْثَى} [الليل:3]، وقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إليْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} [الروم:21]، وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ والجِبِلَّةَ الأوَّلِيْن} [الشعراء:184]. وقوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُوْنِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ لا إلَه إلا هُوَ فَأنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر:6]، وقوله تعالى: {اللهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِيْنَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ التِي قَضَى عَلَيْها المَوْتُ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إلَى أجَلٍ مُسَمَّىً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر:42].                                            إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والثمانون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*ومن بعض دلالات خلق الإنسان:

وفي مقارنةٍ عظيمة بديهيةٍ بالضرورة قارن الله تعالى خَلْقَ السماوات والأرض بخلق الإنسان الذي هو -على أهميته بالنسبة للبشر- جزء يسير منهما، فأكد أنَّ خلْقَ السماوات والأرض هو المعجزة الأكبر على الإطلاق بوجودهما ودلالاتهما وآثارهما الواضحة المحسوسة بالحواس والإدراك وكذلك المتخَيلة عند العقل البشري الواسع بقدر فهو المحدود أصلاً بما خلقه الله تعالى فالله أكبر وأوسع وأجلّ، قال الله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاواتِ والأرْضِ أكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ولَكِنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [غافر:57]، وقال تعالى: {مَا أشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَا خَلْقَ أنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّيْنَ عَضُداً} [الكهف:51]، وقال تعالى: {فَاطِرُ السَّمَاواتِ والأرض جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجاً وَمِنَ الأنْعَامِ أزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيْهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ} [الشورى:11].

وكذلك في سورة الجاثية: {وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاواتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الجاثية:22].

والآيات في هذا السياق كثيرة ومتنوعة الأسلوب والدلالات الفرعية في هذا المضمار وهي تربو على مائةٍ وأربعين موضعاً فهو الذي خلقهما بالحق وهو العزيز الحكيم.

إضافة إلى ذلك ذكر الله تعالى في مواضع عدة من القرآن الكريم أنه الخالق لكل شيء على الإطلاق وبلا استثناء فهو الخالق الأوحد الأحد الصمد الوكيل على كل شيء، حيث قال تعالى في سياق آيات عديدة أنه خلق كل شيء وهذا كلام جامع لا استثناء فيه ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال تعالى: {بَدِيْعُ السَّمَاواتِ والأرْضَ أنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَليْمٌ} [الأنعام:101]، وقال تعالى: {ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إلَهَ إلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيْلٌ} [الأنعام:102].

وقال أيضاً في سورة الرعد: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأنْفُسِهِمْ نَفْعَاً وَلا ضَرًّا قلْ هَلْ يَسْتَوي الأعْمَى وَالبَصِيْرُ أمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أمْ جَعَلُوا لِلهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ} [الرعد:16].

وقال تعالى: {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلَّ شَيْءٍ وَكِيْلٌ} [الزمر:62]، وكذلك قال تعالى: {ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إلَهَ إلا هُوَ فَأنَّى تُؤْفَكُونَ} [غافر:62].

ثم يقول الله تعالى مالك يوم الدين وبعد أن أوجد البشرية أنه هو القاهر فوق عباده في موضعين اثنين في القرآن الكريم كما ورد في سورة الأنعام: {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكيمُ الخَبِيْرُ} [الأنعام:18]، وقال تعالى: {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَليْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إذَا جَاءَ أحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام:61].

وهي العودة الحتمية إلى الله التي لا مفر منها لأي أحد ممن هباه الله روحاً على هذه الأرض، وعلى هذا وفي الختام نورد قول الله تعالى: {كلّْ نفسٍ ذائقةُ المَوْتِ ونَبْلوَكُمْ بالشَّرِّ والخَيْرِ فتنةً وإلَيْنَا تُرْجَعُون} [الأنبياء:35].

 [ الأنترنت – موقع {إلا كَنَفْسٍ واحدَةٍ}   ريان الشققي ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والثمانون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حتى يأتي الإيمان في حياتنا ويزيد لابد من العلم بأمور:

.الأول: أن نعلم ونتيقن أن الله وحده خالق كل شيء.

فالعرش شيء، والكرسي شيء، والجنة شيء، والنار شيء، والسماوات شيء 

والأرض شيء، والله خالق كل شيء. والشمس شيء، والقمر شيء، والنجوم شيء، والهواء شيء، والسحاب شيء، والله وحده خالق كل شيء. والنبات شيء، والحيوان شيء، والإنس شيء، والجن شيء، والملائكة شيء، والجبال شيء، والبحار شيء، والله خالق كل شيء. والدنيا شيء، والآخرة شيء، والله خالق كل شيء: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [62] لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [63]} [الزُّمَر

نتكلم بذلك، ونسمعه، ونفكر به، وننظر في الآيات الكونية، والآيات القرآنية، نظر اعتبار وتفكر، حتى يرسخ الإيمان في قلوبنا، ونعرف ربنا، ويزيد إيماننا، وقد    أمرنا الله عز وجل بذلك: قال الله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ [101]} [يونس:101]. وقال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [24]} [محمد:24].

وقال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [124]} [التوبة:124].

.الثاني: أن نعلم ونتيقن أن الله وحده خلق المخلوقات كلها: وخلق فيها الأثر.

خلق الشمس وخلق فيها الأثر وهو النور.. وخلق الحيوان وخلق فيه الأثر وهو 

الحياة، وخلق النبات وخلق فيه الأثر وهو الثمر.. وخلق النار وخلق فيها الأثر وهو الإحراق. وخلق العين وخلق فيها الأثر وهو البصر.. وخلق الأذن وخلق فيها الأثر وهو السمع.. وخلق اللسان وخلق فيه الأثر وهو الكلام..

فكل مخلوق له من الله ثلاثة أوامر: أمر من الله بالخلق، وأمر بالبقاء، وأمر بالنفع والضر، فالله وحده الذي يملك الخلق والأمر.

قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [الأعراف: 54].

.الثالث: أن نعلم ونتيقن أن الله وحده هو الذي يملك جميع المخلوقات، فلا يخرج 

منها ذرة عن ملكه وتدبيره. فالسماء والأرض بيده، والإنس والجن بيده، والملوك والأمراء بيده، والأقوياء والضعفاء بيده. فالله وحده هو الذي يتصرف في ملكه وخلقه، ويدبر الأمر كله في العالم العلوي والسفلي، حسب علمه وحكمته كيف شاء. فقد يخلق الشيء ويسلب أثره بقدرته، فقد توجد العين ولا تبصر، والأذن ولا تسمع، واللسان ولا يتكلم، والنار ولا تحرق، والبحر ولا يغرق، والشجرة ولا تثمر، وقد فعل ذلك سبحانه؛ لأنه العليم القدير الذي يتصرف في الخلق كيف شاء، الملك {الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [المُلك: 1].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسةوالثمانون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حتى يأتي الإيمان في حياتنا ويزيد لابد من العلم بأمور : معرفة الرب :

كمال العبادة مبني على كمال الإيمان، وكمال الإيمان مبني على كمال معرفة الرب العظيم بأسمائه وصفاته. وبعض القلوب تتأثر بالشيء أكثر من خالق الشيء، فتتعلق بالشيء وتغفل عن خالق الشيء.

والواجب على العبد صفاء الفكر الذي ينقله من المخلوقات إلى الخالق، ومن

 الصور إلى المصور، ومن الدنيا إلى الآخرة.

وبهذا النظر والفكر والتدبر يصل إلى ربه الذي خلقه وصوره فيعبده وحده لا شريك له. قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ [31] فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [32]} [يونس:31- 32].

الرابع: أن نعلم ونتيقن أن خزائن كل شيء عند الله وحده لا شريك له، فنسأله 

وحده، ولا نلتفت إلى غيره. فهو الملك الغني الكريم الرحيم، وخزائنه مملوءة لا تنقص أبداً ؛ خزائن الطعام والشراب.. وخزائن الحبوب والثمار.. وخزائن الأموال والمعادن.. وخزائن المياه والبحار.. وخزائن الرياح والجبال.. وخزائن النبات والطير والحيوان ، وخزائن الرحمة والهداية.. وخزائن السلامة والعافية، وخزائن الأمن والتوفيق.. وخزائن العلم والإيمان، وخزائن الأخلاق والتقوى.. وغير ذلك مما لا يحصيه إلا الله.فكل ما نحتاجه.. وكل ما نريد.. نطلبه من الله.. ونسأله إياه.. فهو سبحانه الكريم الصمد، قاضي الحاجات، ومجيب الدعوات، وخير المسؤولين، وأجزل المعطين، وأكرم الأكرمين.لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.

قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [21]} [الحِجر:21]. وقال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [186]} [البقرة:186].

فمعرفة هذا كله يؤثر في القلب، ويزيد فيه الإيمان، ويحرك الجوارح لطاعة الملك القدوس السلام. وكلما تكرر على القلب ازداد نوره، ونبتت فيه شعب الإيمان، فأقبل على طاعة ربه، وابتعد عن معاصيه.

هذا بالنسبة للمخلوقات، أما بالنسبة للأحوال فلابد من العلم بما يلي:

أن نعلم ونتيقن أن خالق جميع الأحوال هو الله وحده لا شريك له.

فخالق الليل والنهار هو الله.. وخالق النور والظلام هو الله.. وخالق الحياة والموت هو الله.. وخالق الأمن والخوف هو الله.. وخالق الصحة والمرض هو الله.. وخالق الغنى والفقر هو الله.. وخالق الفرح والحزن هو الله.. وخالق الضحك والبكاء هو الله.. وخالق الهداية والضلالة هو الله.. وخالق السعادة والشقاوة هو الله.                   

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والثمانون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حتى يأتي الإيمان في حياتنا ويزيد لابد من العلم بأمور :

فهذه الأحوال وغيرها خلقها الله وحده لا شريك له.

قال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [3]} [يونس: 3].

وقال الله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى [43] وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا [44] وَأَنَّهُ

 خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى [45] مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى [46] وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ 

الْأُخْرَى [47] وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى [48]} [النجم:43- 48].

أن نعلم ونتيقن أن الله وحده هو الذي يدبر الأمر، ويصرِّف جميع هذه الأحوال حسب حكمته وعلمه.

فلا يتبدل فقر الإنسان بالغنى إلا بأمر الله.. ولا يتبدل المرض بالصحة إلا بأمر الله.. ولا يتبدل الضحك بالبكاء إلا بأمر الله.. ولا تتغير العزة بالذلة إلا بأمر الله.. ولا تتغير الضلالة بالهداية إلا بأمر الله.. ولا يتبدل الكفر بالإيمان إلا بأمر الله.. ولا يتبدل الخوف بالأمن إلا بأمر الله، ولا يتبدل الحر بالبرد إلا بأمر

 الله.. وهكذا.. فتأتي الأحوال كلها بأمر الله سبحانه، وتزيد بأمره، وتنقص بأمره، وتزول بأمره.

فإذا عرف القلب ذلك، طلب تغيير الأحوال ممن خلقها وملكها وهو الله وحده لا شريك له، فعبد ربه وحده بما شرعه رسوله.

قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران:26]. وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ } [آل عمران: 154].

أن نعلم ونتيقن أن خزائن كل شيء عند الله وحده لا شريك له فالله هو الغني الحميد، فعلينا أن نسأله ونطلب منه أن يعطينا ما ينفعنا، ويمنع عنا ما يضرنا؛ لأنه الملك الكريم القادر، وخزائنه لا تنقص أبداً، الرب الصمد الذي صمد لجميع حوائج الخلق، وهو أكرم الأكرمين، فلندعوه ونسأله.

عَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فِيمَا رَوَى عَنِ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنَّهُ قال: «يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَلا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، فَاسْتَغْفِرُونِي أغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُونِي، فَأعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْألَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أدْخِلَ البَحْرَ، يَا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ» أخرجه مسلم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والثمانون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

 *فقه العلم بقدرة الله:

الله جل جلاله هو الرب الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلا، العليم بكل شيء،

 المحيط بكل شيء، القادر على كل شيء، هو الذي خلق السماوات والأرض، وهو الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض، وهو الذي خلق الشمس والقمر والنجوم، وخلق التراب والنبات والحيوان والإنسان، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد،ويدبرالأمر،حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم هو الملك،وكل ما سواه مملوك له.

وهو الغني، وكل ما سواه فقير إليه.

وهو القادر، وكل ما سواه عاجز.

فالله وحده هو القادر على كل شيء، وقدرة الله مطلقة.

يخلق ما يشاء، ويفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لأنه الملك الذي يملك كل شيء، ولا يعجزه شيء. أحياناً يعطي ويرزق بالأسباب، كما جعل الماء سبباً للإنبات، والتقاء الذكر بالأنثى سبباً للإنجاب، والنار سبباً للإحراق.

ونحن في دار الأسباب، فنأخذ بالأسباب المشروعة، ولا نتوكل إلا على الله.

وأحياناً الله يعطي ويرزق بدون الأسباب، يقول للشيء كن فيكون، كما رزق مريم طعاماً بلا شجر، وابناً بلا ذكر.

وأحياناً الله يستعمل قدرته بضد الأسباب، كما جعل النار برداً وسلاماً على 

إبراهيم عليه السلام، وكما نجى موسى عليه السلام والمؤمنين معه، وأغرق فرعون وقومه في البحر، وكما نصر موسى عليه السلام بأسباب الذلة، وخذل فرعون بأسباب العزة. وكما نجّى يونس عليه السلام في ظلمة بطن الحوت والبحر، وإذا عرف القلب أن الله على كل شيء قدير، وأن كل ما سواه عاجز فقير، وأنه الملك الذي يملك كل شيء، آمن به، وعظمه وكبره، وحمده وشكره، ودعاه وسأله.

قال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [62] لَهُ مَقَالِيدُ 

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [63]} [الزُّمَر:62- 63].وقال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [82]} [يس:82].وقال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [12]} [الطلاق:12].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم                              

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثمانون

 بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

.فقه معرفة علم الله:

الله تبارك وتعالى هو وحده العليم بكل شيء.يعلم عدد الذرات والنجوم، وعدد الأرواح والملائكة، وعدد الطير والحيوان، وعدد الإنس والجن. ويعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وكل ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار.لا تواري منه سماء سماءً، ولا أرض أرضاً، ولا جبل ما في وعره، ولا بحر ما في قعره، ولا صدر ما في قلبه.

ويعلم سبحانه وحده ما يقع في كل لحظة من النيات، والأقوال والأعمال، والحركات والسكنات، والتصرفات، والآثار، والكلمات والأنفاس.

ويعلم جل جلاله كل شيء.القريب والبعيد.. والظاهر والباطن.. والقليل والكثير.. والكبير والصغير.. والمؤمن والكافر.. والصادق والكاذب، والبر والفاجر..

والسر والجهر.. والغيب والشهادة.

والله جل جلاله أحاط علمه بكل شيء، أحاط علمه بالبشر وحركاتهم.. فهم في قبضته وتحت تصرفه. لا ينامون ولا يقومون إلا بإذنه.. ولا يتحركون ولا يسكنون إلا بإذنه.. ولا يطيعون ولا يعصون إلا بعلمه.. وعليهم ملائكة يحصون ما عملوه من خير أو شر. فالله سبحانه هو العليم بكل شيء، وكل علم في العالم من علمه، وسع علمه جميع خلقه، فلا يفلت عن علم الله شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يمكن ستر النوايا عليه، ولا إخفاء الكيد عنه، ولا ستر الشرك والنفاق عنه.

فكل شيء معلوم لعلام الغيوب.

وإذا تغذى القلب بهذا العلم، وهذه المعرفة، أناب إلى ربه، وخضع له، ووقف ببابه، واستحيا منه، وعبده وأطاعه.

قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [29]} [آل عمران:29].

وقال الله تعالى: {يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [16]} [لقمان:16].

وقال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [59]} [الأنعام:59].

وقال الله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ [38]} [إبراهيم:38].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم                              

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والثمانون

 بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

.فقه العلم برحمة الله:

الله تبارك وتعالى هو الرحمن الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء خَلَقه في 

السماء والأرض، وفي الدنيا والآخرة. ورحمة الله تتجلى على الخلائق عامة، وعلى البشر خاصة، تتجلى ابتداءً في وجود البشر أنفسهم.. وفي تكريم بني آدم على العالمين.. وفي تسخير ما في هذا الكون العظيم من النعم والأرزاق لهم.. وفي هداية الإنسان للإيمان الذي يسعد به في دنياه وأخراه.. وفي تعليم الإنسان ما لم يعلم.. وموالاة إرسال الرسل إليه بالهدى كلما نسي أو ضل.

وتتجلى في مجازاة العبد على السيئة بمثلها، ومجازاته على الحسنة بعشر أمثالها.. إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة. وتتجلى في محو السيئة بالحسنة.. وفي تبديل سيئات من تاب حسنات.. وفي تجاوز الله عن السيئات التي عملها العبد بجهالة ثم تاب.. وفي ملء سماواته بالملائكة الذين يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض.

وتتجلى كذلك في أن ربنا كتب على نفسه الرحمة، فهي على الخلق عامة، وعلى بني آدم خاصة، وعلى المؤمنين بشكل أخص.

وتتجلى كذلك في إكرام المؤمنين بدخول الجنة، ووقايتهم من النار.

وإذا عرف القلب هذه العناية العظيمة من الرب بالإنسان، وعرف إحسان المولى الكريم، وعلم مقدار 

رحمة أرحم الراحمين، وأدرك هذا التحنن والتحبب، والعطف والتلطف، من المولى لعباده، عرف عظمة رحمة رب العالمين.

فآمن بربه.. وأقبل على عبادته، وسارع إلى طاعته، واستحى من معصيته، لمعرفته بكمال علمه وعظمته وجزيل نعمه.

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [70]} [الإسراء:70].

وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ 

السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [78]} [النحل:78].

وقال الله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [54]} [الأنعام: 54].

وقال الله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [2]} [فاطر:2].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم                              

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التسعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

.فقه العلم بعظمة الله:

الله تبارك وتعالى وحده هو العلي العظيم.

العظيم في ذاته.. العظيم في أسمائه وصفاته.. العظيم في خلقه وأمره.. العظيم في دينه وشرعه.. العظيم في ملكه وسلطانه.. العظيم في عدله وإحسانه.. العظيم في ثوابه وعقابه.. هو العظيم الذي لا أعظم منه، الكبير الذي لا أكبر منه، القوي الذي لا أقوى منه، العليم الذي لا أعلم منه، الرحمن الذي لا أرحم منه، الغني الذي لا أغنى منه، الهادي الذي لا أهدى منه، اللطيف الذي لا ألطف منه، القدير الذي لا أقدر منه.

هو الأول فليس قبله شيء.. وهو الآخر فليس بعده شيء.. وهو الظاهر فليس فوقه شيء.. وهو الباطن فليس دونه شيء.

وهو عالم الغيب والشهادة، وعالم السر والجهر، الذي يعلم ما كان وما يكون وما سيكون، ولا يعزب عنه مثقال ذرة.

وهو الخالق العظيم الذي خلق العرش والكرسي، وخلق السماوات والأرض، وخلق الدنيا والآخرة.

خلق أعظم شيء وهو العرش.. وخلق أصغر شيء وهو الذرة.. وخلق كافة المخلوقات بينها، لتدل على عظمته وكمال قدرته.

وإذا أخذنا خلقاً واحداً من أضعف المخلوقات وأصغرها وهو الذرة، وجدنا أن الخالق العظيم ملأ به الكون كله.

فذرات الغرفة كالذرة بالنسبة لذرات البيت.. وذرات البيت كالذرة بالنسبة

 لذرات المدينة... وذرات المدينة كالذرة بالنسبة لذرات الدولة.. وذرات الدولة كالذرة بالنسبة لذرات القارة..

وذرات القارة كالذرة بالنسبة لباقي الأرض.

وذرات الأرض كلها كالذرة بالنسبة لذرات الجو.. وذرات الجو كالذرة بالنسبة لذرات السماوات السبع.

وذرات السماوات والأرض كالذرة بالنسبة لذرات الجنة والنار..

وذرات الدنيا والآخرة كالذرة بالنسبة لذرات الكرسي.. وذرات الكرسي كالذرة 

بالنسبة لذرات العرش العظيم..

وكل ذرة من هذه الذرات التي لا يحصيها إلا الله لها من ربها أمر بالإيجاد.. وأمر بالبقاء.. وأمر بالحركة والسكون.. وأمر بالصعود والهبوط.. وأمر بالنفع والضر.

وهذه الذرات كلها الله يعلمها ويعلم مكانها ويراها، ولا يخفى عليه منها ذرة واحدة في جميع ملكه العظيم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم                              

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

.فقه العلم بعظمة الله:

فهذه عظمة الله وقدرته في خلق واحد من أضعف المخلوقات وهو الذرة، فكيف بعظيم الكائنات الأخرى كالسماوات والأرض، والجبال والبحار.. والحيوان والنبات، والشمس والقمر، والنجوم والملائكة.. والكرسي والعرش.

وكم تكون عظمة العظيم العزيز الجبار المتكبر الذي خلقها وصورها.

فما أعظم ملكه.. وما أعظم خلقه.. وما أعظم أمره.. وما أوسع علمه.. وما أعظم قدرته، وما أوسع رحمته.. وما ألطف تدبيره.. وما أحسن خلقه.

وإذا عرف القلب عظمة الله وجلاله، آمن به، وخشع له، وأناب إليه، وأحبه، وعبده، وأطاعه.

قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ

 وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [255]} [البقرة:255].

وقال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [22] هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ 

الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [23] هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ 

الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [24]} [الحشر:22- 24].

وقال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ 

وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [67]} [الزُّمَر:67].

وقال الله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [61]} [يونس:61].وقال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [102]} [الأنعام:102].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم                              

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانيةوالتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

.محركات القلوب إلى الله:

الخلائق كلها مفتقرة إلى الله في خلقها وبقائها وأعمالها.

فهو الذي خلق السماوات والأرض وما فيهن، وهو الذي يرزق العباد، ويجيب المضطر، ويفرج الكربات، ويكشف السوء، ويرحم خلقه.

العزيز الكريم الذي لا تسكن الأرواح إلا بحبه، ولا تطمئن القلوب إلا بذكره،

 ولا تزكوا العقول إلا بمعرفته، ولا يحصل شيء إلا بإذنه، ولا يُدْرَك محبوب إلا بتيسيره، ولا تُنال سعادة إلا بطاعته.

ومحركات القلوب إلى الله ثلاثة : المحبة.. والخوف.. والرجاء.

فالمحبة لله تلقي العبد في السير إلى محبوبه، وعلى قدر قوتها وضعفها يكون سيره إليه. والخوف من الله يمنعه من الخروج عن طريق المحبوب، وعلى قدر قوته وضعفه يكون سيره إلى الله.

والرجاء يقوده إلى لزوم طريق محبوبه، وعلى قدر قوته وضعفه يكون سيره إلى

 الله. فهذه أصول محركات القبول إلى الله، وأقواها المحبة.. وأصل ذلك كله العلم بالله وأسمائه وصفاته.

فمن لم يكن عنده محبة تبعثه على طلب محبوبه ومولاه، فعليه بكثرة ذكر الله؛ لأن كثرة ذكره تُعلِّق القلب به، ومطالعة آلائه ونعمائه وإحسانه.

وكذلك الخوف من الله تحركه معرفة عظمة الله وجلاله، وكبريائه وقوته، ومطالعة آيات الوعيد، وأهوال يوم القيامة.

وكذلك الرجاء يحركه معرفة سعة حلم الله وعفوه وكرمه ورحمته، ومطالعة آيات

 الوعد بالخير والجنة. وإذا تحركت القلوب إلى الله اعتصمت به، وتوكلت عليه، وأحبته، وأطاعته، وعبدته.

قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [28]} [الرعد:28]. وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [41] وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [42]} [الأحزاب:42].

وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [21] الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [22]} [البقرة:21- 22].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم                              

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

.تفاضل أهل الإيمان:  .أقسام أهل الإيمان: أهل الإيمان ثلاثة أقسام:

.الأول: الملائكة: وهؤلاء إيمانهم ثابت لا يزيد ولا ينقص، فهم لا يعصون الله ما

 أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، وهم درجات.

.الثاني: الأنبياء والرسل: وهؤلاء إيمانهم يزيد ولا ينقص، لكمال معرفتهم بالله، وهم درجات.

.الثالث: سائر المؤمنين: وهؤلاء إيمانهم يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وهم درجات.

.درجات الإيمان:

الإيمان له بداية، وليس له نهاية، وهو متفاوت بحسب العلم بالله وأسمائه وصفاته

 وأفعاله، والعلم بخزائنه ووعده ووعيده، والعلم بملائكته وكتبه ورسله، والعلم بقضائه وقدره، والعلم بدينه وشرعه، وثوابه وعقابه. ومثقال ذرة من إيمان يحصل بها المسلم على السعادة في الدنيا،وعشر جنان في الآخرة، فهذا أدنى أهل الجنة.

وأعلاهم من يحصل على نعيم لم تره عين،ولم تسمعه أذن،ولم يخطرعلى قلب بشر.

فأول درجات الإيمان تقود المسلم لعبادة ربه وطاعته وحمده.

ولحسن المعاملة مع من فوقه أو مثله من الناس، يحتاج إلى إيمان أقوى يحجزه عن الظلم لغيره.

ولحسن المعاشرة مع من دونه، يحتاج إلى إيمان أقوى يحجزه عن الظلم لمن دونه، كالرجل مع أهله، والحاكم مع رعيته.

وهكذا.. كلما زاد الإيمان، زادت الطاعات، وقلّت المعاصي، وصار العبد يؤدي حق الله وحقوق عباده.

وكلما زاد اليقين زاد العمل الصالح، وتنوع، واستمر، وصار صاحبه حسن الخلق مع الخالق ومع المخلوق.

فهذا بأرفع المنازل في الدنيا والآخرة.

قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [69] ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [70]} [النساء:69- 70].

وقال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [285]} [البقرة:285]. [ الأنترنت – موقع نداء الإيمان - حتى يأتي الإيمان في حياتنا ويزيد لابد من العلم بأمور]                         إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم                              

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* تسخير ما في الكون للإنسان

 كرم الله تعالى الإنسان بتسخير الكون له، وتسخير ما فيها لمنفعته وتمكينه من دوره الذي خلقه من أجله، حيث سخر له ما هو أكبر منه خلقاً كالسماوات والأرضين، وأعظم منه جسماً كالأنعام، وغير هذا كثير ومختلف. وإن كل ما أوجد في هذا العالم فإنما أوجده لأجل الإنسان. كما قال تعالى ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ ﴾[1].

يقول ابن كثير: يعدد تعالى نعمه على خلقه بأن خلق لهم السموات سقفاً محفوظاً والأرض فرشاً ﴿ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ﴾[2]، ما بين ثمار وزروع مختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح والمنافع وسخر الفلك بأن جعلها طافية على تيار ماء البحر تجري عليه بأمر الله تعالى وسخر البحر لحملها ليقطع المسافرون بها من إقليم إلى إقليم آخر لجلب ما هنا إلى هناك وما هناك إلى هنا وسخر الأنهار تشق الأرض من قطر إلى قطر رزقاً للعباد من شرب وسقي وغير ذلك من أنواع المنافع ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ﴾[3] أي يسيران لا يفتران ليلاً ولا نهارًا[4].

وقال تعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾[5].

يقول الطبري[6] في تفسير هذه الآية: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ﴾ من شمس وقمر ونجوم ﴿ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ من دابة وشجر وجبل وجماد وسفن لمنافعكم ومصالحكم ﴿ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ يقول تعالى ذكره: جميع ما ذكرت لكم أيها الناس من هذه النعم نعم عليكم من الله أنعم بها عليكم وفضل منه تفضل به عليكم وجميعها منه ومن نعمه فلا تجعلوا له في شكركم له شريكا بل أفردوه بالشكر والعبادة وأخلصوا له الألوهة فإنه لا إله لكم سواه[7].

وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾[8]. وقال الإمام الرازي[9] في تفسير هذه الآية: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ ﴾ أي ذلل لكم ما فيها فلا أصلب من الحجر ولا أحد من الحديد ولا أكثر هيبة من النار، وقد سخرها لكم وسخر الحيوانات أيضاً حتى ينتفع بها من حيث الأكل والركوب والحمل عليها والانتفاع بالنظر إليها[10].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم                              

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* تسخير ما في الكون للإنسان

وقال الشيخ السعدي في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا

 فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾[11]، وهذا شامل لأجرام السماوات والأرض ولما أودع الله فيهما من الشمس والقمر والكواكب والثوابت والسيارات وأنواع الحيوانات وأصناف الأشجار والثمرات وأجناس المعادن وغير ذلك مما هو معد لمصالح بني آدم ومصالح ما هو من ضروراته، فهذا يوجب عليهم أن يبذلوا غاية جهدهم في شكر نعمته وأن تتغلغل أفكارهم في تدبر آياته وحكمه، وكل ذلك دال على أنه وحده المألوه المعبود الذي لا تنبغي العبادة والذل والمحبة إلا له وأن رسله صادقون فيما جاءوا به، فهذه أدلة عقلية واضحة لا تقبل ريباً ولا شكا[12].

وكرم الله تعالى الإنسان حين مهد له الأرض، وجعلها صالحة للحياة بما خصها الله تعالى بهم من هواء وماء وغير ذلك من أسباب الحياة. قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾[13].

قال الإمام الشوكاني: «أي: سهلة لينة تستقرون عليها، ولم يجعلها خشنة بحيث يمتنع عليكم السكون فيها والمشي عليها»[14].

وقال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية: هو الذي سخر لكم الأرض وذللها، لتدركوا منها كل ما تعلقت به حاجتكم، من غرس وبناء وحرث، وطرق يتوصل بها إلى الأقطار النائية والبلدان الشاسعة، ﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ﴾ أي: لطلب الرزق والمكاسب. ﴿ وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ أي: بعد أن تنتقلوا من هذه الدار التي جعلها الله امتحاناً، وبلغة يتبلغ بها إلى الدار الآخرة، تبعثون بعد موتكم، وتحشرون إلى الله، ليجازيكم بأعمالكم الحسنة والسيئة[15].

فآيات عديدة تتحدث عن الماء وكونه سبباً للحياة، وجوده ضرورة، توزيعه في الأرض بهذه الصورة رحمة من الله تعالى وفضل كبير، يقول الله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ﴾[16].

وارتباط الماء بالإنبات والإثمار الذي هو طعام الإنسان وماشيته، ارتباط واضح 

ذكره القرآن في أكثر من آية، نذكر منها قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾[17] وقال تعالى: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾[18].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم                              

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* تسخير ما في الكون للإنسان

وأما ما يتعلق بالليل والنهار ذكره القرآن إما بصيغة التسخير وإما بذكر الغاية من هذا التسخير، قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ﴾[19].

قال ابن كثير: «يمتن تعالى على خلقه بآياته العظام، فمنها مخالفته بين الليل والنهار، ليسكنوا في الليل وينتشروا في النهار للمعايش والصناعات والأعمال والأسفار، وليعلموا عدد الأيام والجمع والشهور والأعوام، ويعرفوا مضي الآجال المضروبة للديون والعبادات والمعاملات والإجارات وغير ذلك؛ ولهذا قال: ﴿ لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ أي: في معايشكم وأسفاركم ونحو ذلك ﴿ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ﴾ فإنه لو كان الزمان كله نسقاً واحداً وأسلوباً متساوياً لما عرف شيء من ذلك»[20].

هكذا سخر له في السموات والأرض لخدمته. وأما ما ذكرناه هي مجرد أمثلة تؤكد

 ما ذهبنا إليه من أن الله تعالى يسر للإنسان سبيل حياته زماناً ومكاناً، وإلا فآيات التسخير كثيرة وفوائدها جمة.

ب: تكريم الإنسان بالجوارح والحواس:

لقد وضح لنا القرآن الكريم بأن الله تعالى خلق الإنسان على هذه الصورة البديعة وزوده بما ركب فيه من حواس وجوارح وغرائز وغير ذلك ليتمكن بكل هذه القوى من القيام بما وكل إليه من رعاية مسؤولياته وتكاليفه. كما قال تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾[21]، قال الإمام النسفي[22]: «في

 أحسن تعديل لشكله وصورته وتسوية أعضائه»[23].

في تفسير هذه الآية: ومنها تبدو عناية الله بخلق هذا الإنسان ابتداء في أحسن تقويم. والله سبحانه أحسن كل شيء خلقه. فتخصيص الإنسان هنا وفي مواضع قرآنية أخرى بحسن التركيب، وحسن التقويم، وحسن التعديل.. فيه فضل عناية بهذا المخلوق لذلك أبين فيما يلي حديث القرآن الكريم عن الحواس والجوارح التي وهبها الله تعالى للإنسان وزوده بها وكونها سبباً من أسباب المسؤولية. وهذه الجوارح والحواس هي الألسن والشفاه والأفواه والعيون والآذان والوجه والأيدي والبطن والأرجل والرأس والفروج وغير ذلك مما كمل

 الله به تعالى الإنسان وأعده لتحمل المسؤولية.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم                              

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* تسخير ما في الكون للإنسان

فكل جارحة وحاسة في الإنسان تتعلق بها أمور كثيرة من الواجبات والمندوبات والمكروهات والمحرمات وغير ذلك، فاللسان مثلا يتعلق به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقراءة في الصلاة وذكر الله تعالى وغير ذلك مما هو واجب أو مندوب، وكما يتعلق به من المحرمات والمكروهات فالقذف وشهادة الزور والكذب والغيبة والنميمة وغير ذلك ولذلك نجد القرآن الكريم في مقام التذكير الإنسان بنعم الله تعالى عليه يقول: ﴿ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴾[24] وأمرنا بالصدق في القول بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾[25] وتوعد من يقول الكذب بلسانه ونهى عن ذلك فقال: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾[26] ويقول مهددا أصحاب الإفك الذين افتروا الكذب على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها[27]: ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾[28]. وغير ذلك من الآيات التي تتحدث عن اللسان وما يتعلق به من أحكام بل جعل الله تعالى الألسن شاهدة على أصحابها يوم القيامة يقول تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[29].

كما يتعلق بالأفواه والبطون كثير من الأحكام فكل أمر من الله تعالى بالأكل من الطيبات الحلال، وكل نهي يتعلق بالأكل من الخبيث الحرام، إنما يقصد به الفم والبطن يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾[30] ويقول ناهيا عن أكل الحرام: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾[31].

كما يذكر القرآن الكريم في كثير من الآيات السمع والبصر أو الآذان والعيون ويبين أن الإنسان بهاتين الجارحتين يتوصل إلى الاعتبار بما في الكون من علامات ودلائل على وحدانية الله تعالى، كما جعل الله تعالى السمع والبصر والفؤاد سبباً مؤدياً إلى شكر الله تعالى يقول الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾[32]. كما أعلن القرآن الكريم عن ندامة الكفار وحسرتهم يوم القيامة بسبب عدم استعمالهم جوارحهم في طاعة الله تعالى في قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾[33].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم                              

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* تسخير ما في الكون للإنسان

وكذلك نعى الله تعالى على من لا ينتفعون بهذا الحواس والجوارح في الهداية إلى ربهم ومثلهم بالأنعام في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾[34]، كما وصف الله تعالى المنافقين والكفار بالصم والبكم والعمى لأنهم لم يستعملوا حواسهم في عبادة الله والإيمان به يقول تعالى: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾[35].

وقد جعل الله تعالى الإنسان مسؤولا عن هذه الجوارح يوم القيامة وعن إستعمالها فيما شرع الله تعالى كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾[36]. فالله تعالى خلق هذه الجوارح في الإنسان ليقوى بها على القيام برعاية مسؤولياته وتحقيق مكانته في الحياة الدنيا، فكلما تكاملت في الإنسان هذه الجوارح أصبح متحملا لجميع التكاليف وإذا سلبت منه إحدى هذه الجوارح والحواس خفف عنه ما يتعلق بها من أحكام وتكاليف، وذلك من فضل الله تعالى ورحمته بعباد حيث لم يكلفهم إلا على قدر طاقتهم كما بين ذلك في قوله: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾[37]، وقال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾[38]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾[39].

ومن مظاهر اليسر أن الله تعالى رخص للمريض والمسافر الفطر في رمضان، واكتفى منهما بالقضاة في أيام الصحة والإقامة بل اسقط فريضة الصوم على من لا يطيقه في قوله تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾[40]، كما أباح للحاج المريض أو من به أذى من رأسه أن يحلق ويفدي بصيام أو صدقة أو نسك يقول تعالى: ﴿ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾[41].

كما رفع الله تعالى الحرج والإثم عمن ترك الجهاد لعماه أو عرجه أو مرضه يقول تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [42].

فتبين من كل ما سبق أن الحواس والجوارح التي زود الله تعالى في الإنسان من أسباب تكليفه ومن عوامل قيامه بتبعاته ومسؤولياته، فإنها القوى التي يتمكن بها من أداء التكاليف التي كلفها الله تعالى وحملها للإنسان، وبذلك يظهر رحمة الله تعالى بالإنسان حيث لم يحمله عسرا بل جعل الأمانة والمسؤولية والتي حمله إياها وأناط به رعايتها والقيام بها وفق طبيعته ومطابقة لتكوينه وخلقه.

 [ الأنترنت – موقع الألوكة - تسخير ما في الكون للإنسان - سجاد أحمد بن محمد أفضل ] إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم                              

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : والسماء والطارق

   ويبدو ـ والله أعلم ـ أن المقصود بالطارق هو النجم الراديوي من مثل النجوم 

النيوترونية النابضة‏ ,‏ وأشباه النجوم‏ ,‏ وكل واحد من هذين النوعين من أجرام السماء يطلق كمية هائلة من الأشعات الراديوية التي تطرق صفحة الغلاف الغازي للأرض بطرقات متلاحقة تشبه صوت ضربات الطارق على الباب‏ ,‏ وتثقب صمت هذا الغلاف الغازي بنبضاتها السريعة المترددة‏ .‏ وكل من النجوم النيوترونية وأشباه النجوم من مراحل احتضار النجوم وانكدارها التي لم تكتشف إلا في الستينيات من القرن العشرين‏ (1963‏م بالنسبة لأشباه النجوم‏ , 1968‏م بالنسبة للنجوم النيوترونية النابضة‏) .‏ وسبق القرآن الكريم بالإشارة إلى هذه الطوارق‏ (النجوم الراديوية‏)‏ من قبل ألف وأربعمائة سنة لهو بحق من الشهادات الناطقة بأن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏ ,‏ بل هو كلام الله الخالق‏ ,‏ الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله‏ (صلى الله عليه وسلم‏) ,‏ وحفظه بعهده الذي قطعه على ذاته العلية‏ ,‏ وحفظه حفظا كاملا‏:‏ حرفا حرفا وكلمة كلمة وآية آية‏ ,‏ وسورة سورة‏ ,‏ في نفس لغة وحيه‏ (اللغة العربية‏)‏ على مدى الأربعة عشر قرنا الماضية‏ ,‏ وتعهد سبحانه بحفظ كتابه الخاتم‏ (القرآن الكريم‏)‏ إلى ما شاء الله حتى يكون حجة على الناس كافة بعد انقضاء النبوة وانقطاع الوحي السماوي عن الأرض‏ 

وتبدأ سورة الطارق بقسم من الله‏ (تعالى‏)‏ ــ وهو الغني عن القسم ــ يقول فيه

 ‏:‏ " وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ . ‏ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ . ‏النَّجْمُ الثَّاقِبُ‏" (الطارق‏:1‏-‏3) 

و‏(‏السماء‏)‏ لغة اسم مشتق من‏ (السمو‏)‏ بمعني الارتفاع والعلو‏ .‏ وعلى ذلك فإن‏ (سماء‏)‏ كل شيء أعلاه‏ ,‏ ولذلك قيل‏:‏ كل ما علاك فأظلك فهو سماء‏ ,‏ ويقال‏:‏ فلان لا‏ (يُسامى‏)‏ أي‏:‏ لا يُبارى‏ ,‏ وقد علا من‏ (ساماه‏)‏ أي الذي باراه‏ ,‏ ويقال ‏: (تساموا‏)‏ أي تباروا في اكتساب المعاني‏ (عادة‏) .‏ 

ولفظة‏ (السماء‏)‏ في العربية تذكر وتؤنث‏ ,‏ وإن اعتبر تذكيرها شاذا‏ ,‏ وجمعها‏ (سماوات‏)‏ و‏(‏أسمية‏)‏ و‏(‏سماو‏)‏ و‏(‏سمي‏) ,‏ وإن كان أشهرها ذيوعا هو‏ (سموات‏)‏ الذي جاء بالقرآن الكريم‏ .‏ وانطلاقا من هذا التعريف قيل لسقف البيت‏ (سماء‏)‏ لارتفاعه‏ ,‏ وقيل للسحاب‏ (سماء‏)‏ لعلوه‏ .‏و‏(‏السماء‏)‏ هي كل ما يقابل الأرض من الكون‏ ,‏ والمراد بها ذلك العالم العلوي من حول الأرض‏ ,‏ الذي يضم مختلف الأجرام السماوية من الكواكب‏ ,‏ والكويكبات والأقمار‏ ,‏ والمذنبات‏ ,‏ والنجوم‏ ,‏ والبروج ومختلف تجمعاتها‏ ,‏ وغير ذلك من مختلف صور المادة والطاقة‏ (الواضحة الجلية‏ ,‏ أو المستترة الخفية‏)‏ المنتشرة بينها وفي كل من المكان والزمان المحيطين بنا من السماء الدنيا‏ ,‏ أما باقي السماوات السبع فلولا أن الله‏ (تعالى‏)‏ قد أخبر عنها في محكم كتابه‏ ,‏ ولولا أن خاتم أنبيائه ورسله‏ (صلى الله عليه وسلم‏)‏ قد جابها في ليلة الإسراء والمعراج ما كان أمام الإنسان من سبيل إلى التعرف عليها‏ .‏ وقد خلق الله‏ (تعالى‏)‏ السماوات ـ وهو خالق كل شيء ـ ورفعها بعمد غير مرئية‏ ,‏ وجعل لها عمارا من الملائكة‏ ,‏ ومما لا نعلم من الخلق غيرهم‏ ,‏ وحرسها من كل شيطان مارد من الجن أو الإنس‏ ,‏ فهي محفوظة بحفظه‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ إلى أن يرث الكون بجميع من فيه وما فيه‏ .‏

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

  بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :والسماء والطارق

وقد جاءت لفظة السماء في القرآن الكريم في ثلاثمائة وعشرة موضعا‏ ,‏ منها مائة

 وعشرون بالإفراد‏ (السماء‏) ,‏ ومائة وتسعون بالجمع‏ (السماوات‏) ,‏ كذلك جاءت الإشارة إلى البينية الفاصلة للسماوات عن الأرض بتعبير‏ (السماوات والأرض وما بينهما‏)‏ في عشرين موضعا من تلك المواضع مما يؤكد مركزية الأرض من السماوات‏ ,‏ وهو ما لا تستطيع العلوم المكتسبة أن تقول فيه شيئا بالإثبات

 أو النفي‏ .‏ ويقدر علماء الفلك قطر الجزء المدرك من السماء الدنيا بأكثر من أربعة وعشرين بليونا من السنين الضوئية ‏(24‏ بليون‏*9 ,5‏ مليون مليون كيلو متر‏) ,‏ وهذا الجزء دائم الاتساع إلى نهاية لا يعلمها إلا الله‏ (سبحانه وتعالى‏) ,‏ وبسرعات لا يمكن للإنسان اللحاق بها‏ ,‏ وذلك لأن سرعة تباعد المجرات عنا وعن بعضها البعض تقترب أحيانا من ثلاثة أرباع سرعة الضوء المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية‏ .‏

والجزء المدرك من السماء الدنيا يضم ما بين مائتي ألف مليون مجرة وثلاثمائة ألف مليون مجرة من أمثال مجرتنا‏ (سكة التبانة أو درب اللبانة أو الطريق اللبني والتي تضم أكثر من مليون مليون نجم كشمسنا‏) ,‏ وبعض هذه المجرات أكبر من مجرتنا كثيرا‏ ,‏ وبعضها أصغر قليلا‏ ,‏ وكما أن لشمسنا توابع من الكواكب والكويكبات‏ ,‏ والأقمار والمذنبات‏ ,‏ وغير ذلك من الأجرام‏ ,‏ فلابد أن يكون لكل نجم من بلايين البلايين من نجوم السماء الدنيا توابعه‏ ,‏ وتترتب النجوم بتوابعها في المجرات‏ ,‏ وتترتب هذه في التجمعات المحلية‏ ,‏ والتي تترتب بدورها في الحشود المجرية‏ ,‏ ثم في تجمعات محلية للحشود المجرية‏ ,‏ ثم في حشود مجرية عظمي‏ ,‏ ثم في تجمعات محلية للحشود المجرية العظمي إلى ما هو أكبر من ذلك حتى نهاية السماء الدنيا التي لا يعلمها إلا الله‏ (سبحانه وتعالى‏) .‏

من هنا كانت أهمية القسم بالسماء في مطلع سورة الطارق لأن الله‏ (تعالى‏)‏ غني عن القسم لعباده‏ .‏

وتعطف الآية الأولي من سورة الطارق على القسم بالسماء قسما آخر بالطارق‏ .‏ و‏(‏الطارق‏)‏ اسم فاعل من الطرق بمعني الضرب بشدة‏ ,‏ وأصل‏ (الطرق‏)‏ الدق‏ ,‏ ومنه سميت‏ (المطرقة‏)‏ التي يطرق بها‏,‏وجمع‏ (الطارق‏) (الطرق‏)‏ و ‏(‏الإطراق‏) ,‏ ومؤنثه‏ (الطارقة‏) ,‏ وهي أيضا الداهية‏ ,‏ وجمعها‏ (الطارقات‏)‏ و‏ (الطوارق‏) .‏ و‏(‏طرق‏)‏ الحديد أي مدده ورققه‏ ,‏ وهذا هو الأصل‏ ,‏ ولكن استخدمت اللفظة مجازا لتدل على (الطريق‏)‏ أي السبيل‏ .‏ 

لأن السابلة تطرقه بأقدامها‏ ,‏ ثم صارت اسما لسالك الطريق باعتبار أنه يطرقها بقدميه أيضا‏ ,‏ ولفظة‏ (الطريق‏)‏ تذكر وتؤنث‏ ,‏ وجمعها‏ (أطرقة‏)‏ و‏ (طرق‏) .‏

كذلك استخدم لفظ‏ (الطريقة‏)‏ بمعني الوسيلة أو الحالة‏ ,‏ واستخدم‏ (الطرق‏)‏ و ‏(‏المطروق‏)‏ للإشارة إلى ماء المطر الذي‏ (تطرقه‏)‏ الإبل بأقدامها بعد سقوطه على الأرض‏ .‏ واستخدم لفظ‏ (الطارق‏)‏ على سبيل المجاز للتعبير عن كل من جاء بليل‏ ,‏ فسمي قاصد الليل‏ (طارقا‏)‏ لاحتياجه إلى طرق الأبواب المغلقة‏ .‏   يقال‏: (طرق‏)‏ فلان القوم‏ (طرقا‏)‏ و‏ (طروقا‏)‏ أي ‏:‏ آتاهم ليلا‏ .‏ ويؤيده قول رسول الله‏ (صلى الله عليه وسلم‏) ( ...إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن ) ثم اتسع هذا الاستعمال المجازي ليشمل كل ما ظهر بليل‏ ,‏ وقيل‏ :‏ إنما سمي النجم‏ (طارقا‏) ,‏ لأنه يرى بالليل‏ ,‏ ويختفي بالنهار‏ .‏ ثم زيد في توسيعه حتى أطلق لفظ‏ (الطوارق‏)‏ على الصور الخيالية البادية لبعض الناس بالليل‏ ,‏ و ‏(‏طريقة القوم‏)‏ و‏ (‏طرائقهم‏)‏ أماثلهم وخيارهم‏ ,‏ و ‏(‏الطرائق‏)‏ و‏ (الطرق‏)‏ هي الفرق‏ ,‏ و‏(‏الطرق‏)‏ أيضا هو الضرب بالحصى وهو من الكهانة والتكهن‏ ,‏ و‏(‏الطراق‏)‏ هم المتكهنون‏ ,‏ و‏(‏الطوارق‏)‏ هن المتكهنات‏ .‏

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

  بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :والسماء والطارق

والوصف القرآني بـ‏ (الطارق‏)‏ ينطبق على نجوم في صفحة السماء الدنيا تعتبر مصادر للإشعاع الراديوي المنتظم الذي يطرق غلافنا الغازي بشدة‏ .‏        ومن أهمها النجوم النيوترونية النابضة‏ (النابضات أو النوابض‏)‏ وهي نجوم ذات أحجام صغيرة‏ ,‏ ولكنها ذات كثافة وجاذبية فائقة‏ ,‏ تدور حول محورها بسرعات عالية جدا لتتم دورتها فيما يتراوح بين واحد من ألف من الثانية وبضع ثوان معدودة في الدورة الواحدة‏ ,‏ مطلقة كميات هائلة من الموجات الراديوية وغيرها 

من صور الطاقة ولذلك تعرف باسم النوابض الراديوية ‏

(The Radio Pulsars) .‏ وقد يصل عدد نبضاتها إلى قرابة الألفين ‏(1968)‏ نبضة في الثانية‏ .‏ 

ويعتقد أن النابض الراديوي يطلق نبضة واحدة من تلك النبضات أو الموجات الراديوية في كل دورة كاملة حول محوره‏ .‏ ومن رحمة الله بنا أن أقرب النوابض الراديوية إلينا يبعد عنا بمسافة خمسة آلاف من السنين الضوئية‏ ,‏ ولو كان على نصف هذه المسافة منا لكان لنبضاته المتسارعة آثارها المدمرة على الأرض‏ .‏ ومن مصادر الإشعاع الراديوي المتميز أيضا ما يعرف اليوم في علم الفلك باسم أشباه النجوم‏(The Quasars) ,‏ وهي أجرام سماوية متناهية البعد عنا‏ ,‏ وضعيفة الإضاءة جدا‏ (ربما لبعدها الفائق عنا‏)‏ ومنها ما يطلق أقوي الموجات الراديوية‏ ,‏ التي تصل إلى الأرض‏ ,‏ ولذا تعرف باسم أشباه النجوم المصدرة للموجات الراديوية‏ .‏ وأشباه النجوم هي أجسام ذات كثافة رقيقة جدا تقدر بحوالي واحد من ألف تريليون من الجرام للسنتيمتر المكعب‏ ,‏ وهي تتباعد عنا بسرعات فائقة‏ ,‏ وتعتبر أبعد ما قد تم رصده من أجرام السماء بالنسبة لنا حتى اليوم‏ ,‏ وتبدو وكأنها على أطراف الجزء المدرك من السماء الدنيا تطرق أبوابها بنبضاتها لتوصل إشاراتها الراديوية إلينا كطرقات منتظمة على الغلاف الغازي للأرض‏ ,‏ وقد تم الكشف عن حوالي ألف وخمسمائة من أشباه النجوم على أطراف الجزء المدرك لنا من الكون‏ ,‏ ويتوقع الفلكيون وجود آلاف أخري منها لم تكتشف بعد‏ .‏

وكل من النجوم النيوترونية النابضة وأشباه النجوم الراديوية يعتبر من أهم المصادر الراديوية التي تمطر سماء أرضنا بنبضاتها المتلاحقة وبسرعاتها الفائقة‏ ,‏ وكأنها الطرقات المدوية التي تقطع صمتها‏ ,‏ وتثقب تماسكها وظلمتها ومن هنا كان الاستنتاج بأنها المقصودة بتعبير الطارق النجم الثاقب والله‏ (تعالى‏)‏ أعلم‏ .‏           إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

  بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :والسماء والطارق

وبعد القسم بكل من والسماء والطارق‏ ,‏ وفي القسم بهما تفخيم لشأنهما لدلالة كل منهما على بديع صنع الله الخالق في الكون‏ ,‏ وعلى إحاطة علمه‏ ,‏ وكمال حكمته‏ ,‏ وعظيم قدرته‏ ,‏ بعد ذلك مباشرة تتوجه الآية الثانية من هذه السورة المباركة إلى خاتم الأنبياء والمرسلين‏ (صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏)‏ بالسؤال التالي‏ :‏ "وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ" والسؤال كما هو موجه إلى رسول الله‏ (صلى الله عليه وسلم‏)‏ موجه إلى كل قارئ للقرآن الكريم‏ ,‏ ومعناه ‏:‏ أي شيء وصل إلى إدراكك عن الطارق؟ لأنه لم يكن لأحد من الخلق قبل الستينيات من القرن العشرين إلمام بشيء عن هذه الأجرام السماوية العجيبة التي ترسل بموجات من الأشعات الراديوية إلى سماء الأرض تطرق صفحتها كما يطرق قادم بليل الباب المغلق كي يفتح له‏ ,‏ ولذلك فسرت الآية الثالثة طبيعة هذا الطارق بقول ربنا‏ (تبارك وتعالى‏) : ‏" النَّجْمُ الثَّاقِبُ ‏"‏ أي الذي يثقب صمت السماء بطرقاته المنتظمة‏ ,‏ السريعة‏ ,‏ المتلاحقة‏ ,‏ أو يثقب ظلمة السماء بما ينفثه فيها من مختلف صور الطاقة الأخرى المصاحبة للموجات الراديوية‏ ,‏ فحدد صفة الطارق بأنه نجم‏ ,‏ وأنه ثاقب‏ ,‏ وهاتان صفتان تتطابقان مع كل من النجوم وأشباه النجوم الراديوية والتي لم تدرك إلا في أواخر الستينيات من القرن العشرين‏ ,‏ وسبق القرآن الكريم بالإشارة إليها هو من معجزاته العلمية القاطعة بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏ ,‏ والشاهدة للنبي والرسول الخاتم الذي تلقاه‏ (صلى الله وسلم وبارك عليه‏)‏ بصدق النبوة‏ ,‏ وربانية الرسالة‏ .‏

وبعد ذلك يأتي جواب القسم‏ :‏ " إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ "‏ (الطارق‏:4) .‏ أي أن كل نفس عليها من الله‏(تعالى‏)‏ حافظ من الملائكة موكل بها‏ ,‏ يحفظها بأمر الله‏ (سبحانه وتعالى‏) ,‏ ويحفظ عنها أعمالها‏ ,‏ وأقوالها بأمر الله كذلك‏ ,‏ ويحصي عليها ما تكسب من خير أو شر‏ ,‏ في مراقبة دائمة من لحظة الرشد إلى لحظة الممات‏ ,‏ وعدي اسم الفاعل‏ (حافظ‏)‏ بحرف الجر‏ (على‏)‏ ليفيد معني القيام الشامل‏ ,‏ والإحصاء التام‏ .‏ و‏(‏لما‏)‏ تستعمل علما للظرف‏ ,‏ والتشديد في‏ (لما‏)‏ فيه‏ (ما‏)‏ زائدة للتوكيد‏ ,‏ و‏(‏إن‏)‏ مخففة من الثقيلة‏ (إن‏) ,‏ واسمها محذوف‏ .‏

ولتأكيد هذه الحقيقة الغيبية دعت الآيات بعد ذلك الإنسان إلى النظر في أول نشأته حتى لا يطغيه شيء من الكبر أو التعالي على الخلق‏ ,‏ وحتى يعلم أن من أنشأه هذه النشأة قادر على أن يجعل عليه حافظا من الملائكة‏ ,‏ وقادر على إعادة بعثه بعد موته‏ ,‏ وعلى محاسبته وجزائه في يوم تكشف كل المكنونات مما أسر في القلوب من العقائد والنيات‏ ,‏ وما أخفي من الأعمال والأقوال والتصورات‏ ,‏ وابتلاء السرائر هو الكشف عن خفاياها وإظهارها مهما أخفيت فتقول‏ : "‏ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ.خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ . يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ . إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ . يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ .فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ  "‏ (الطارق‏:5‏-‏10) .‏

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

  

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

وخلق الإنسان ‏: " مِن مَّاءٍ دَافِقٍ . يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ‏"‏         من الحقائق العلمية التي لم تكشف عنها العلوم المكتسبة إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏ ,‏ وورودها في سياق الاستشهاد على حتمية البعث والرجوع إلى الله‏ (تعالى‏)‏ هو من قبيل تأكيد طلاقة القدرة الإلهية على تحقيق ذلك في وقت لا يمتلك الإنسان قوة في نفسه ولا يجد له ناصرا من حوله يمكن أن يتصوره عونا له في الامتناع عن قدر الله‏ .‏

ثم تتبع الآيات بقسمين آخرين من الله‏ (تعالى‏)‏ ـ وهو الغني عن القسم لعباده ـ يقول فيهما ‏:‏ " وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ‏ . وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ  "‏ (الطارق‏:12,11)‏ ورجع السماء هو قدرتها على إرجاع النافع المفيد من مختلف صور المادة والطاقة التي ترتفع إليها من الأرض إلى ذلك الكوكب المبارك مرة أخرى وذلك من مثل‏:‏ صدي الصوت‏ ,‏ المطر‏ ,‏ الرجع الحراري بعد غروب الشمس‏ ,‏ الغبار المرتفع بواسطة الرياح‏ . .‏ موجات البث الإذاعي والتلفازي وغيرها‏ ,‏ وقدرة سماء الأرض أيضا على إرجاع الضار المهلك من صور المادة والطاقة التي تهبط من السماء في اتجاه الأرض إلى السماء مرة أخري وذلك من مثل‏:‏ الزائد من حرارة الشمس الذي ترده السحب‏ ,‏ والأشعة فوق البنفسجية وتردها طبقة الأوزون‏ ,‏ والأشعة الكونية ويردها كل من النطاق المتأين وأحزمة الإشعاع الموجودة فيه وغيرها‏ ,‏ وتحصي العلوم المكتسبة اليوم أكثر من عشر صور لرجع السماء بشكليه الداخلي العائد إلى الأرض‏ ,‏ والخارجي المندفع بعيدا عنها جمعتها هذه السورة الكريمة في كلمة واحدة هي‏ (الرجع‏) .‏

والقسم بـ‏ (والأرض ذات الصدع‏)‏ يشمل انصداع التربة عن النبات وعن أجساد الأموات يوم البعث‏ ,‏ كما يشمل شبكة الصدوع التي تحيط بالأرض إحاطة كاملة والتي يشبهها العلماء باللحام على كرة التنس‏ ,‏ ممتدة لعشرات الآلاف من الكيلومترات في مختلف الاتجاهات‏ ,‏ وبأعماق تتراوح بين ‏60‏ كم‏ , 65‏ كم في صخور قيعان جميع محيطات الأرض وقيعان أعداد من بحارها‏ ,‏ وبين ‏100‏ كم‏ , 150‏ كم في صخور اليابسة لتشكل صمام أمن للأرض تنطلق منه الطاقة الزائدة عن حاجتها والناتجة من تحلل العناصر المشعة الموجودة في داخل الأرض‏ .‏ ولولا تلك الشبكة الهائلة من الصدوع والمتصلة ببعضها البعض وكأنها صدع واحد لانفجرت الأرض على هيئة قنبلة ذرية كبيرة منذ اللحظة الأولي لتيبس قشرتها ومن هنا كانت أهمية ذلك الصدع لاستقامة وجود الأرض وجعلها صالحة للعمران والحياة‏ ,‏ ولذلك جاء هذا القسم الإلهي المغلظ به ـ والله‏ (تعالى‏)‏ غني عن القسم لعبادة ـ جاء القسم تنبيها لنا إلى أهمية الأمر المقسم عليه الا وهو صدع الأرض‏ .‏ ويأتي جواب القسم بقول ربنا‏ (تبارك وتعالى‏) :

" إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ . ‏ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ "  (الطارق‏:13‏-‏14)‏ أي أن القرآن الكريم المشتمل على هذه السورة المباركة‏ ,‏ وعلى ما جاء فيها من أمور الغيب‏ ,‏ وحقائق الكون‏ ,‏ هو‏ (قول فصل‏)‏ يفصل بين الحق والباطل‏ ,‏ بل هو الفصل ذاته‏ ,‏ الذي ليست فيه شائبة من شوائب الهزل‏ ,‏ لأنه قاطع في فصله‏ ,‏ جاد‏ ,‏ حازم في حكمه‏ ,‏ وكيف لا يكون كذلك وهو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله‏ ,‏ وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه‏ (اللغة العربية‏) ,‏ وحفظه حفظا كاملا على مدى الأربعة عشر قرنا الماضية‏ ,‏ وتعهد بهذا الحفظ الإلهي إلى قيام الساعة‏ ,‏ في زمن ضياع كل أصول صور الوحي السابقة ضياعا تاما‏ ,‏ وتعرض ما بقي منها من ذكريات إلى قدر من التحريف الذي أخرجها عن إطارها الرباني‏ ,‏ وجعلها عاجزة كل العجز عن هداية أتباعها الذين تسببوا في أغلب الحروب والمآسي والكوارث والانهيارات الإنسانية التي عانت منها البشرية كلها‏ ,‏ ولا تزال باسم أديانهم‏ ,‏والدين منهم بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب‏ 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

  

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة بعد 

الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :نهاية سورة الطارق

وتختتم سورة الطارق بأمر من الله‏ (تعالى‏)‏ إلى خاتم أنبيائه ورسله‏ (وللقلة التي آمنت به في مكة المكرمة‏ ,‏ بل وللمؤمنين به من بعد ذلك في مختلف بقاع الأرض وحتى قيام الساعة‏)‏ وقد كان‏ (صلى الله عليه وسلم‏)‏ وكان المؤمنون به ـ ولا يزالون ـ يعانون كيد الكفار والمشركين ومؤامراتهم الحقيرة ودسائسهم الخفية والمعلنة‏ ,‏ فتأمرهم الآيات أن يمهلوا الكافرين قليلا‏ ,‏ ولا ييأسوا من النصرة عليهم‏ ,‏ لأن عقاب الله‏ (تعالى‏)‏ واقع بهم لا محالة‏ ,‏ وانتقامه منهم نازل بهم دون أدني شك‏ .‏ فالله القادر‏ ,‏ القاهر‏ ,‏ العزيز‏ ,‏ الجبار‏ ,‏ المنتقم‏ ,‏ يقابل كيد الكافرين الهزيل بكيد منه متين‏ ,‏ وشتان بين كيد الكفار والمشركين والطغاة المتجبرين في الأرض مهما تعاظم‏ ,‏ وكيد رب العالمين الذي لا راد له ولا دافع‏ ,‏ والله يمد لأعدائه من قبيل استدراجهم ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر من حيث لا يعلمون فيهلكهم كما أهلك أمثالهم من قبل‏ ,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏ (تبارك وتعالى‏)‏ في ختام سورة الطارق‏ :‏ " إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً . ‏وَأَكِيدُ كَيْداً . فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً "‏ (الطارق‏:15‏ ـ‏17) .‏

وهذا الخطاب الإلهي إلى رسول الله‏ (صلى الله عليه وسلم‏)‏ وإلى جميع المؤمنين به في زمانه ومن بعده إلى يوم الدين فيه من دواعي التثبيت على الحق‏ ,‏ والتطمين بالنصر والتمكين‏ ,‏ ومن مبررات التهوين من كيد كل الطغاة المتجبرين في الأرض مهما تعاظم كيدهم‏ ,‏ وعلا صوتهم لأنه كيد واهن مؤقت إلى حين‏ ,‏ وفي كل ذلك ما يدفع المؤمنين في كل زمان ومكان إلى اليقين في قدرة الله الغالبة لكل قدرة‏ ,‏ والاعتماد عليه وحده دون غيره‏ ,‏ بعد الأخذ بكل ما في الإمكان من أسباب‏ ,‏ والثقة بنصره لعباده المؤمنين لأن بيده وحده مقاليد كل شيء‏ ,‏ وهو‏ (تعالى‏)‏ وحده رب هذا الكون ومليكه‏ ,‏ ومدبر أموره ومصرف شؤونه‏ ,‏ لا شريك له في ملكه‏ ,‏ ولا منازع له في سلطانه‏ ,‏ ولا شبيه له من خلقه‏ ,‏ ولا حاجة به إلى أحد‏ ,‏ ولا إلى الصاحبة والولد‏ ,‏ وكيده متين‏ ,‏ وكيد أعدائه واهن ضعيف حزين أمام سلطان رب العالمين‏ .‏

من الدلالات العلمية للآيات القرآنية الثلاث :

أولا‏ :‏ في قوله تعالى ‏: ‏" فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ " ‏:‏

جاءت الإشارة إلى خلق الإنسان في أكثر من مائة موضع في القرآن الكريم منها‏ :‏

(ا‏)‏ ما جاء في خلقه من تراب‏ (آل عمران‏:59 ,‏ الحج‏:5 ,‏ الروم‏ ,20 ,‏ فاطر‏:11 ,‏ غافر‏:67 ,‏ الكهف‏:37) .‏

و‏(‏ب‏)‏ ما جاء في خلقه من طين‏ (الأنعام‏:2 ,‏ السجدة‏:7 ,‏ الأعراف‏:12 ,11 ,‏ الإسراء‏:61 ,‏ ص‏:71‏ ـ‏76) .

و‏(‏جـ‏)‏ ما جاء في خلقه من سلالة من طين‏ (المؤمنون‏:12‏ ـ‏14) .‏

و‏(‏د‏)‏ ما جاء في خلقه من طين لازب ‏(‏الصافات‏:11) .‏

و‏(‏هـ‏)‏ من صلصال من حمأ مسنون ‏(‏الحجر‏:26‏ ـ‏33) .‏

و‏(‏و‏)‏ من صلصال كالفخار‏ (الرحمن‏:14) .‏

و‏(‏ز‏)‏ من الأرض ‏(‏طه‏:55 ,‏ النجم‏:33 ,‏ نوح‏:18 ,17 ,‏ هود‏:61) .‏

و‏(‏ح‏)‏ من ماء مهين‏ (المرسلات‏:20) .‏

و‏(‏ط‏)‏ من ماء دافق‏ (الطارق‏:6) .‏

و‏(‏ي‏)‏ من الماء‏ (الفرقان‏:54) .‏

و‏(‏ك‏)‏ من نطفة‏ (النحل‏:4,‏النجم‏:45‏ ـ‏47,‏القيامة‏:37‏ ـ‏40,‏عبس‏:17‏ ـ‏19) .‏

‏(‏ل‏)‏ من علق‏ (العلق‏:2 ,1) .‏

‏(‏م‏)‏ من النفس أو الأنفس‏(النساء‏:1,‏الأعراف‏:189,‏الروم‏:21,‏الزمر‏:6 ,‏ لقمان‏:28) .‏

وهذه كلها مراحل في الخلق من لدن أبينا آدم‏ (عليه السلام‏)‏ إلى آخر إنسان‏ ,‏ وهي مراحل يتمم بعضها بعضا‏ ,‏ وتشهد لله الخالق‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ بطلاقة القدرة‏ ,‏ وبديع الصنعة‏ ,‏ وإحكام الخلق‏ ,‏ ولذلك قال‏ (تعالى‏) :‏" وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ‏" (الذاريات‏:21)‏ .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

  

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة بعد 

الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :نهاية سورة الطارق

وهذه المراحل تؤكد في نفس الوقت حقارة نشأة الإنسان الأولي التي لا تزول 

عنه إلا بالارتباط الصادق بخالقه وعبادته بما أمر‏ ,‏ وبالقيام بواجبات 

الاستخلاف في الأرض بحسن عمارتها وإقامة عدل الله فيها‏ .‏

وتذكير الإنسان بحقارة نشأته الأولى لجام فطري لغروره واستعلائه ومحاولاته لتجاوز حدوده‏ ,‏ بحكم أنه مخلوق ذو إرادة حرة‏ .‏

وفي تذكير الإنسان بحقارة نشأته الأولي بهذا التفصيل الذي فصله الله‏ (تعالى‏)‏ لنا في محكم كتابه حد من نزغات الشيطان التي تسول للإنسان أحيانا حب الخروج عن حقيقة الخلق والدينونة لله الخالق بالغرق في أو حال الخلق العشوائي كما نادت به فكرة التطور العضوي‏ ,‏ أو الشرود بالخيال الجامح كتصور أبوين لآدم‏ (عليه السلام‏)‏ دون أدني حجة منطقية‏ .‏ وقضية الخلق بأبعادها الثلاثة‏:‏ خلق الكون‏ ,‏ خلق الحياة‏ ,‏ وخلق الإنسان من القضايا الغيبية التي إذا دخلها الإنسان بغير هداية ربانية من القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة دخل نفقا مظلما لا يخرج منه أبدا مهما كان بيديه من الشواهد الحسية ولذلك قال ربنا‏ (جل شأنه‏) :‏ " مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً "‏ (الكهف‏:51) .‏

ولذلك فصل القرآن مراحل خلق الإنسان في أكثر من مائة آية قرآنية وأمرنا في هذه السورة المباركة بالنظر في مم خلقنا‏ ,‏ وفسره بالماء الدافق الذي يخرج من بين الصلب والترائب‏ ,‏ وفسره في مقام آخر بالماء المهين حتى لا يركب الغرور أحدا من المخلوقين‏ .‏

ثانيا‏ :‏ في قوله تعالى ‏:‏ " خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ " :‏

في الوقت الذي ساد الاعتقاد بأن الجنين يتخلق من دم الحيض فقط‏ ,‏ أو من ماء الرجل فقط‏ ,‏ نزل القرآن الكريم بقول الحق‏ (تبارك وتعالى‏)‏ مقررا أن الإنسان " خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ "‏ (الطارق‏:6) .‏

وأخرج الإمام أحمد في مسنده‏:"‏ أن يهوديا مر برسول الله‏ (صلى الله عليه وسلم) وهو يحدث 

أصحابه‏ ,‏ فقالت قريش‏:‏ يا يهودي إن هذا يزعم أنه نبي‏ .‏ فقال‏:‏ لأسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي‏ ,‏ فقال‏:‏ يا محمد‏!‏ مم يخلق الإنسان؟ فقال رسول الله‏ (صلى الله عليه وسلم‏) :‏ يا يهودي ‏:‏ من كل يخلق‏,‏من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة‏ ‏" 

ولم تعرف هذه النطف إلا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين‏ ,‏ حين علم دورها في تخلق الإنسان‏ .‏

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

  

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة بعد 

الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : سورة الطارق

ومن الواضح أن كلا من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة قد مايزا بين 

نطف التكاثر والماء الذي يحملها‏ ,‏ فيقول ربنا‏ (تبارك وتعالى‏)‏ في محكم كتابه عن

 الإنسان‏ : ‏" أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى‏ . ‏ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى .

 ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى.فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى . أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أن يُحْيِيَ المَوْتَى "‏ (القيامة من36-40) .

وفي الحديث الشريف جاء قول رسولنا‏ (صلى الله عليه وسلم‏) : "‏ ما من كل الماء يكون الولد‏ ,‏ وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء ‏" (أخرجه مسلم‏) .‏

من ذلك كله يتضح أن الماء الدافق الذي يخلق منه الإنسان يقصد به ماء كل من الرجل والمرأة‏ ,‏ وسمي دافقا لأن كلا منهما‏ ,‏ يخرج من مصدره متدفقا‏ .‏ فماء الرجل يخرج من غدتيه التناسليتين‏ (أي من خصيتيه‏)‏ وهما الغدتان المسئولتان عن تخلق النطف‏ (الحيوانات المنوية أو الحيامن‏)‏ وعن إفراز هرمونات الذكورة‏ ,‏ وهما في الرجل يوجدان خارج الجسم في كيس الصفن وذلك لأن حرارة الجسم العالية‏(37‏ درجة مئوية في المتوسط‏)‏ لا تسمح بتخلق النطف‏ .‏ والخصية غدة بيضية الشكل‏ ,‏ مكونة من مجموعة من الفصوص التي يصل عددها إلى الأربعمائة‏ ,‏ وفي كل واحد منها ثلاثة أنابيب منوية دقيقة وملتفة على ذاتها‏ ,‏ يبلغ طول كل منها حوالي نصف المتر مما يصل بطولها الإجمالي إلى أكثر من خمسمائة متر‏ ,‏ وهي مكدسة في حيز لا يزيد علي‏60‏ ملليمترا مكعبا‏ .‏ وفي هذه القنوات تتولد النطف وتفرز هرمونات الذكورة‏ ,‏ وبتقلصات كل من جدار الحويصلة المنوية والقناة القاذفة للمني مع تقلصات عدد من عضلات الجهاز التناسلي بأمر من الجهازين العصبيين الودي واللا ودي يندفع السائل المنوي عبر الإحليل وهو يحوي في كل دفقة أكثر من مائتي مليون حيمن‏ (حيوان منوي‏) ,‏ لا يصل منها إلى البييضة إلا بضع مئات قليلة‏ ,‏ ويهلك أغلبها في طريقه إليها ولا يلقحها إلا حيوان منوي واحد‏ .‏ وهذا الاختيار لا يتحكم فيه إلا إرادة الخالق‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ من لحظة اختيار الزوجين‏ ,‏ إلى لحظة الإخصاب لبييضة محددة بحيوان منوي محدد‏ ,‏ يحمل كل منهما صفات محددة قدرها الخالق‏ (سبحانه‏)‏ سلفا بعلمه وحكمته وقدرته‏ .‏

أما ماء المرأة فهو الماء المحيط بالبويضة في داخل حويصلتها المعروفة باسم حويصلة جراف‏ ,‏ فإذا انفجرت الحويصلة تدفق هذا الماء يدفع بالبييضة إلى بوق قناة الرحم التي تعرف أيضا باسم قناة فالوب حيث تلتقي بالحيمن المقسوم لإخصابها وتكوين النطفة الأمشاج‏ .‏

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

  

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة بعد 

الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : سورة الطارق

والغدتان التناسليتان في المرأة هما المبيضان القابعان في حوضها في حفرتين صغيرتين كل واحدة منهما على جانب من جانبي الحوض‏ ,‏ وكل مبيض عبارة عن غدة شبه مستديرة‏ (في حدود‏35‏ مم‏*25‏ مم‏)‏ تقع بالقرب من بوق قناة الرحم‏ ,‏ ومثبتة في موضعها بعدد من الأربطة‏ ,‏ وكل مبيض يتكون من نسيج ليفي غني بأوعيته الدموية يعرف باسم سداة المبيض ويحيط بها عدد من الحويصلات المبيضية المعروفة باسم حويصلات جراف‏ ,‏ تحتوي كل منها على بييضة واحدة محاطة بكمية من الماء الأصفر‏ ,‏ وعدد البييضات في جنين الأنثى يتراوح بين أربعمائة ألف وستة بلايين بييضة‏ ,‏ لا يبقي منها عند سن البلوغ سوي بضعة آلاف قليلة‏ ,‏ تنمو منها حويصلة واحدة في كل شهر طوال الفترة التناسلية للأنثى من سن البلوغ إلى سن اليأس بمجموع لا يتعدى الأربعمائة بييضة على طول هذا العمر‏ .‏ وأكثر من ‏50%‏ من عمليات الإخصاب تسقط قبل أن تعلم المرأة أنها قد حملت‏ ,‏ ولا يستمر إلى نهاية فترة الحمل أكثر من حوالي ‏22%‏ وفي ذلك يقول رسول الله‏ (صلى الله عليه وسلم‏) "‏ إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله ملكا فقال‏ :‏ يا رب مخلقة أم غير مخلقة؟ فإن قال ‏:‏ غير مخلقة مجتها الأرحام دما "‏ (أخرجه ابن أبي حاتم‏) ‏

ويقول الله‏ (تعالى‏) : " اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ "‏ (الرعد‏:8)‏ .

وماء المرأة الدافق يخرج مرة واحدة في كل شهر من الحويصلة الحافظة له عندما 

يدفع المبيض بتلك الحويصلة من حافته إلى بوق قناة الرحم فتنفجر عند تمام نضجها‏ ,‏ ويندفع ماؤها الأصفر اللون متدفقا بالبييضة إلى داخل قناة الرحم تماما كما يتدفق ماء الرجل بالجيامن فكلاهما ماء دافق كما قررت الآية السادسة من سورة الطارق‏ ,‏ وكما قال رسول الله‏ (صلى الله عليه وسلم‏)‏ في الحديث الذي رواه ثوبان‏ (رضي الله عنه‏) : " ماء الرجل أبيض‏ ,‏ وماء المرأة أصفر "‏ (صحيح الإمام مسلم‏) .‏

وهذا الماء الدافق عند المرأة يختلف عن سوائل المهبل‏ ,‏ وهي سوائل لزجة‏ ,‏ تسيل ولا تتدفق‏ ,‏ تفرزها مجموعة من الغدد المتصلة بالمهبل وهي سوائل مطهرة للجهاز التناسلي للأنثى ولا دخل لها بتكوين الجنين‏ .‏

"وقد سألت إحدى النساء المسلمات‏ (واسمها أم سليم‏)‏ رسول الله‏ (صلى الله عليه وسلم‏)‏ قائلة‏ :‏ يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق‏ ,‏ هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال‏ (صلى الله عليه وسلم‏) : ‏" نعم إذا رأت الماء‏ ‏" ‏(‏أخرجه كل من الإمامين البخاري ومسلم‏) .‏

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

  

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة بعد 

الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : سورة الطارق

وعلى ذلك فإن في قول ربنا‏ (تبارك وتعالى‏)‏ عن الإنسان‏ : "‏ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ "‏‏ سبق علمي للمعارف المكتسبة بأكثر من ثلاثة عشر قرنا‏ ,‏ ولا يمكن لعاقل أن يتصور له مصدرا غير الله الخالق‏ (سبحانه وتعالى‏) .‏

ثالثا ‏:‏ في قوله تعالى‏ : ‏" يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ‏"

تتكون الغدد التناسلية في كل من الرجل والمرأة‏ (الخصيتان والمبيضان‏)‏ مما يعرف باسم الحدبة التناسلية والتي تقع بين صلب الجنين‏ (أي عظام ظهره الفقارية أو عموده الفقاري‏) ,‏ وترائبه‏ (أي عظام صدره أو ضلوعه‏)‏ وتنزل الخصيتان بالتدريج حتى تصلا إلى خارج الجسم‏ (كيس الصفن‏)‏ في أواخر الشهر السابع من عمر الحميل‏ .‏ وينزل المبيضان إلى حوض المرأة في نفس الفترة تقريبا ويبقيان في داخل الحوض‏ .‏ وتبقي تغذية تلك الغدد التناسلية الذكرية والأنثوية بالدم والسوائل اللمفاوية والأعصاب من مركزي نشأتها من موقع الحدبة التناسلية بين الصلب والترائب طيلة حياة أصحابها‏ ,‏ ومن هنا تأتي ومضات الإعجاز العلمي فيهذه الآيات الثلاث التي يقول فيها ربنا‏ (تبارك وتعالى‏) : "‏ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ . خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ .‏ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ "‏ (الطارق‏:5‏-‏7)‏

في التأكيد على خلق الإنسان من مائي الرجل والمرأة‏ ,‏ وأن كلا من المائين يخرج دافقا مندفعا‏ ,‏ وأن كليهما يخرج من بين الصلب والترائب لنشأة الغدد التناسلية في كل من الرجل والمرأة من نفس هذا الموقع‏ ,‏ واستمرار تغذيتها طيلة حياتها بالدماء والسوائل الليمفاوية والأعصاب من الموقع ذاته‏ ,‏ مما يجعل هذا الماء يخرج فعلا من بين الصلب والترائب‏ .‏

ورحم الله فضيلة الإمام الشيخ أحمد مصطفي المراغي الذي أدرك ببصيرته هذا السبق القرآني المعجز فكتب في تفسيره الصادر من قبل سبعين سنة تعليقا على هذه الآيات جاء فيه ما يلي‏ :‏

وإذا رجعنا إلى علم الأجنة وجدنا في منشأ خصية الرجل ومبيض المرأة ما يفسر لنا هذه الآيات التي حيرت الألباب‏ ,‏ وذهب فيها المفسرون مذاهب شتى على قدر ما أوتي كل منهم من علم‏ ...‏ ذاك أنه في الأسبوع السابع من حياة الجنين في الرحم ينشأ فيه ما يسمي جسم وولف وقناته على كل جانب من جانبي العمود الفقري‏ .‏ ومن جزء من هذا تنشأ الكلي وبعض الجهاز البولي‏ ...‏ ومن جزء آخر تنشأ الخصية في الرجل والمبيض في المرأة‏ .‏

فكل من الخصية والمبيض في بدء تكوينهما يجاور الكلي ويقع بين الصلب والترائب‏ ,‏ أي ما بين منتصف العمود الفقري تقريبا‏ ...‏ ومقابل أسفل الضلوع‏ .‏ ومما يفسر لنا صحة هذه النظرية أن الخصية والمبيض يعتمدان في نموهما على الشريان الذي يمدهما بالدم‏ ...‏ وهو يتفرع من الشريان الأورطي في مكان يقابل مستوي الكلي الذي يقع بين الصلب والترائب‏ ,‏ ويعتمدان على الأعصاب التي تمد كلا منهما‏ . . .‏ وتتصل بالضفيرة الأورطية ثم بالعصب الصدري العاشر وهو يخرج من النخاع من بين الضلع العاشر والحادي عشر‏ ...‏ وكل هذه الأشياء تأخذ موضعها في الجسم فيما بين الصلب والترائب‏ .‏ فإذا كانت الخصية والمبيض في نشأتهما وفي إمدادهما بالدم الشرياني‏ ..‏ وفي ضبط شؤونهما بالأعصاب‏ ,‏ قد اعتمدتا في ذلك كله على مكان في الجسم يقع بين الصلب والترائب‏ ,‏ فقد استبان صدق ما نطق به القرآن الكريم وجاء به رب العالمين‏ ,‏ ولم يكشفه العلم إلا حديثا بعد ثلاثة عشر قرنا من نزول ذلك الكتاب العزيز‏ .

 [الأنترنت – موقع الدكتور زغلول النجار- " فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ .‏ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ . يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ " (الطارق 5-7 ).]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

  

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة بعد 

الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*حكمة التوازن في خلق الكون وفي سنن الله الثابتة

   التـوازن ليس في فطرة الإنسان وحده. ولكن التوازن قائم في خلق الله كله، قائم في الكون كله: في السموات والأرض، في النجوم والشمس والقمر، في الجبال والوديان، في اليابسة والبحار، في الرياح والأمطار، في الثروات الموزعة في الأرض. إنه يكشف لنا دقّة التوازن وعدالته في حكمة ربانية بالغة، وإعجاز رباني بالغ.

 لقد خلق الله الكون كله سمواته وأرضه على موازنة ربانية وحكمة بالغة، لتكون

 مسخّرة للإنسان وحياته وهدايته:

(ألم تروا أن الله سخّر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علمٍ, ولا هدى ولا كتاب منير) [لقمان: 20]

فهذه حكمة ربانية. أنّى التفتنا في هذا الكون نرى الآيات البينات. ويعرض القرآن الكريم في معظم سوره آياته المبثوثة في الكون ليتدبّرها الإنسان ويخشع أمام عظمة الخالق الذي لا إله إلا هو، ويرى عظمة التوازن في كلِّ ما خلق 

الله:(قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك ربٌّ العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين. ثم استوى إلى السماء وهي دخانٌ فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين. فقضاهنّ سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينّا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم)[فصّلت: 9ـ12]

وتمتدٌّ الآيات الكريمة تكشف لنا صوراً شتى من التقدير الرباني المعجز:

(وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزِّله إلا بقدر معلوم) [الحجر: 21]

(.. وكلّ شيء عنده بمقدار) [الرعد: 8] (إنا كلّ شيء خلقناه بقدر) [القمر: 49]

 وخلق الله في الكون متقن غاية الإتقان، مقدّر أعظم التقدير، على أحسن تقويم: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) [التين: 4] (الذي أحسن كلَّ شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين) [السجدة: 7] (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرٌّ مرَّ السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون) [النمل: 88] وهكذا نرى خلق الله كله: تقدير وتقويم وإحسان وإتقان، يحمل دقة الموازنة في كل أمر.

 الهواء وتركيبه ونسبة كل غاز فيه، حركة الأرض ودورانها وبعدها وموقعها بالنسبة لسائر النجوم والكواكب، النجوم والكواكب والمجرّات في كونٍ, ممتد لا ندرك أطرافه ولا نهايته. الجبال الراسيات، البحار والأنهار، الليل والنهار. وبتلاوة كتاب الله يظل المؤمن مع عظمة هذا التوازن الذي يقوم عليه الكون. إنه الحقّ! واستمع إلى هذه الآيات البيّنات:

(تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً. الذي له ملك السموات والأرض ولم يتَّخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيءٍ, فقدّره تقديراً) [الفرقان: 1، 2]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

  

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العاشرة بعد 

الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*حكمة التوازن في خلق الكون وفي سنن الله الثابتة

وتدبّر هذه الآيات الكريمة:

(سبحَان الذي خلـق الأزواج كُلَّها مِمَّا تُنبِتُ الأرضُ ومِن أنفُسِهم وَمَمَّا لا يعلمون. وآيةٌ لَّهُمُ الليلُ نَسلخُ مِنه النهار فإذا هُم مُظلِمون. والشمس تجرِي لمُستقَرٍ, لها ذلك تقدير العزيز العليم. والقمر قدَّرناه منازل حتى عاد كالعُرجون القديم. لا الشمس ينبغي لها أن تُـدرِك القمر ولا الليلُ سابقُ النّهارِ وكُلُّ في فلكٍ, يسبحُون) [يس: 36 ـ 40] ونلمح التوازن هنا في كلمة: " الأزواج   ، تجري لمستقرٍّ لها، قَدّرناه منازل، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر... "

(الله يَعلمُ ما تحمِلُ كُلٌّ أنثى ومَا تَغيضُ الأرحَامُ وَمَا تَزدَادُ وكلّ شَيء عِندهُ بمِقدَارٍ,) [الرعد: 8] وما تغيض الأرحام وما تزداد، وكل شي عنده بمقدار، تحمل كل ظلال التوازن.

(والأرض مَدَدناها وألقينا فِيها رواسي وأنبتنا فيها من كُلِ شَيء موزون. وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم لهُ برازقين. وإن من شيءٍ, إِلا عندنا خزائِنه وما نُنزِلُه إلا بقدرٍ, مّعلومٍ,. وأرسلنا الرياح لواقِح فأنزلنا من السماء ماءً فأسقيناكمـوه وما أنتم له بِخازنين. وإنـا لنحنُ نُحيي ونُمِيت ونحن الوارِثُون. ولقد عَلِمنا المستقدمين مِنكم ولقد علِمنا المستأخرين. [الحجر: 19-24]

 جولة واسعـة تعرض التوازن في الكون والحياة حتى شملت الموت والحياة، والمستقدمين والمستأخرين. وفي مد الأرض توازن، وفي إرساء الجبال، وفي كل ما تنبت الأرض، وكلٌّ شيء موزون. وعند الله خزائن كلِّ شيء وما ينزله إلا بقـدر معلوم، وبقـدرٍ, يحفظ التـوازن ويُمضي سنن الله في الكون. ونلاحظ هنا عظمة الشمول في إِعجاز التعبير القرآني: \" وإن من شيء إلا عندنا خزائنه... \". والموت والحياة يمضيان على سنن لله في كل ما فيها من توازن: \" وإنا لنحن نحي ونميت ونحن الوارثون \".

 يمضي القرآن الكريم يعرض لنا صوراً متعددة من آيات الله البينات في هذا التوازن في خلقه كله. وتمضي جهود الإنسان تضرب في آفاق الحياة لتكتشف آية بعد آية، وسنّة بعد سنّة، وتوازناً يمسكه توازن.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

  

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الحادية عشرة بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*حكمة التوازن في خلق الكون وفي سنن الله الثابتة

وجولة قرآنية أخرى:

(الرحمن. علم القرآن. خلق الإنسان. علّمه البيان. الشمس والقمر بحسبان. النجمُ

 والشجر يسجُدان. والسماء رفعها ووضع الميزان. ألا تطغوا في الميزان. وأقيموا 

الوزن بالقسط ولا تُخسرُوا الميزان. والأرض وضعها لِلأنام) [الرحمن: 1-10]

" الشمس والقمر بحسبان " توازن محسوب وتقدير معلوم. إنه تقدير رباني ونقله واسعـة ": والسماء رفعها ". 

ولكنه رفـع على تقديـر وحساب: " ووضع الميزان. ألا تطغوا في الميزان.. ". هذا التوازن الذي جعله الله من سننه ومشيئته في الكون كله، كيف يخرج عنه الإنسان بسلوكه وعمله... ؟ فكان أمر الله إليه: " ألا تطغوا في الميزان... " وسنعود لهذه الآيات الكريمة مرة أخرى.

وإِنا لَنَرى التوازن والحكمة البالغة في سنن الله الثابتة في الكون والحياة:

لقد قدّر الله سنناً ماضية في الكون والحياة، جعلها الله ثابتة رحمة منه بعباده، حتى يتعرَّفوا عليها حيناً بعد حين، فيروا التوازن والحكمة البالغة فيها: (سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً) [الأحزاب: 62] (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجلٌ مسمى عنده ثم أنتم تمترون) [الأنعام: 2]

وأيضاً:(كلٌّ نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة وإلينا ترجعون) [الأنبياء: 35]

(وكذلك نولّي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون) [الأنعام: 129]

(ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون) [الأنعام: 131]

وآيات بيّنات كثيرة تكشف لنا دقّة السنن الربانيّة وثباتها وعدالتها وموازنتها على حكمة ربانية بالغة. ولولا ثباتها لما عرفها الإنسان، ولا استقامت له حياة. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

  

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية عشرة بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*حكمة التوازن في خلق الكون وفي سنن الله الثابتة

ولا يستطع الإنسـان أن يقيـم موازنة له في حياته إلا إذا عرف السنن الربانيّة واستجاب لها دون أن يُصادمَها.

1ـ التوازن في سنّة الله في الحياة والموت:

 لقد كان من أهـم مظاهر التوازن في هذا الكون، سنّة الله في الحياة والموت، وبين الحياة الدنيا والآخرة، على حكمة ربّانية بالغة:

(تبارك الذي بيده الملك وهو على كلّ شيء قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور. ) [تبارك: 1، 2]

 فالحياة الدنيا دار ابتلاء وتمحيص، حتى تقوم الحجّة يوم القيامة على كل إنسان أو تقوم له. وعلى أساس ذلك يمضي الإنسان في حياته فإما إلى جنّةٍ, وإما إلى نار.

(كلٌّ نفس ذائقة الموت وإنما توفّون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور. ) [آل عمران: 185]

 هذه هي الدنيا، دار ابتلاء، ومتاع الغرور، ولعب ولهو، وزينة وتفاخر لا بقاء له. والآيات الكريمة والأحاديث الشريفة كثيرة تلحٌّ بهذه القضية كأساس للتصوّر الإيماني: (وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون) [الأنعام: 32]

 وهكذا قدّر الله الحياة الدنيا والآخرة على أعظم تقدير وأحكمه وأعدله فجعل الحياة الدنيا مرحلة انتقال أو مرور إلى دار الخلود. وجعل في الحياة الدنيا مهمة على الإنسان أن يوفي بها. وأمانة عليه أن يؤديها، وعبادة عليه أن يقوم بها، وخلافة عليه أن ينهض لها لعمارة الأرض بحضارة الإيمان وبشرع الله ودينه. فما يصيب الإنسان من بلاء فإنه بما كسبت يداه لا يظلمه الله أبداً:

(إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون) [يونس: 44]

(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) [الشورى: 30]

وتتوالى الآيات لتفصّل في هذه القضية أوسع تفصل ولتلحَّ بها كلَّ الإلحاح. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

  

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*حكمة التوازن في خلق الكون وفي سنن الله الثابتة

وإذا كانت سنن الحيـاة الدنيا تمضي بقدر من الله على أدقّ موازنة وأعدلها، فإنَّ

 الدار الآخرة كذلك يمضي بها قدر الله على أدق موازنة وأعدل تقدير، حيث

 توضع الموازين القسط ولا تظلم نفسٌ شيئاً:

(ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تُظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبَّة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) [الأنبياء: 47]

وكذلك: (والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خَفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) [الأعراف: 9، 8] يحاسَب الإنسان يوم القيامة على ما عمل في الحياة الدنيا، وعلى مدى وفائه 

بالعهد الذي أخذه الله منه في عالم الغيب، وعلى مدى وفائه بالعبادة والأمانة

 والخلافة والعمارة! ولا يمكن للإنسان أن يقيم موازنة أمينة عادلة في حياته إذا كان لا يعرف مهمته في الحياة الدنيا، ولا يعرف كيف يكون مصيره في الآخرة.

2ـ الموازنة أساس الوفاء بالأمانة والعهد:

 إن الله - سبحانه وتعالى- جعل للإنسـان مهمّة يؤديها ويوفي بها في الحياة الدنيا، وسيحاسَب على أدائها ومدى الوفاء بها يوم القيامة، كما ذكرنا قبل قليل. فالقضية الأساسية هي الوفاء بالعهد مع الله والأمانة التي حملها الإنسان والمهمّة التي خُلق الإنسان للوفاء بها في الحياة الدنيا.

 إن هذه المهمّة هي تكاليف ربّانيّة تمثل أساس العهد والأمانة والعبادة. تكاليف يجب على الإنسان أن يقوم بها ويؤديها ويوفي بها.

 والله هو الذي قدَّر التكاليف وفرضها على عباده، وهو الذي قدَّر الليل والنهار والوقت كله، وهو الذي قدّر وُسعَ الإِنسان بعامَّة، ووُسع كلِّ إنسان، وهو الذي قدّر أحداث الحياة وسنن الابتلاء في الواقع، قدّر ذلك كله أدقَّ تقدير وأعدله. وبالإضافـة إِلى ذلك، فإن الله - سبحانه وتعالى- وفَّر برحمته لعباده كلّ العوامل التي تُعينهم على الوفاء حتى لا يبقى لأحد عذر في نقض عهد أو نكوص عن الوفاء أو كفر وضلال، وفتنة وفساد، أو الإدبار عن المهمة التي خُلِق للوفاء بها،

 أو عدم إقامة الموازنة في حياته.

 وجاءت سنن الله في هذه الحياة الدنيا تبتلي الإنسان وتمحّصه حتى يُجلى أمره وتقوم الحجة له أو عليه. ومن خلال هذا الابتلاء من الله يُخيّل لبعض 

الناس أن هناك عقبات تصدٌّهم عن الوفاء بالعهد والأمانة، والعبادة والخلافة، وعمارة الأرض بحضارة الإيمان، أو الموازنة في أمور حياتهم. كلاّ! إِنها ليست 

عقبات تصدٌّ عن الوفاء بالعهد ولكنها ابتلاء وتمحيص ليرى الله من يعدل بالموازنة.

 من أجـل ذلك تصبح مسؤولية الإنسان بعامّـة والمؤمن بخاصة أن يقيـم \"

 الموازنة الأمينة \" في حياته بين مختلف التكاليف الربانيّة التي تمثل حقيقة العهد مع الله، وحقيقة العبادة والأمانة، والخلافة والعمارة، من خلال سنّة الابتلاء.

 فتصبح \" الموازنـة الأمينة \" أساساً في حياة المؤمن وفي ممارسته الإِيمانيّة، وفي ممارسة منهاج الله في الواقع البشري، عن إيمان صادق وتوحيد صاف وعلم صادق بمنهاج الله يَرُدّ إليه الواقع لِيُفهمَ من خلاله. [الأنترنت – موقع مداد - حكمة التوازن في خلق الكون وفي سنن الله الثابتة - عدنان علي رضا النحوي]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة عشرة بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*"كن فيكون".. مبدأ الخلق.. لا يكتمل الإيمان إلا باليقين به

« إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (يس: 82).. هكذا خلق الله تعالى الكون، بأمره يكن، وبأمره لا يكون، فهو مبدأ الخلق ذاته، لذلك لا يكتمل إيمان امريء مسلم إلا باليقين بذلك، وبأنه عز وجل هو الخالق الأوحد لهذا الكون الكبير يسيره كيف يشاء ولحكمة يراها هو سبحانه، قال تعالى: «وَمَا 

أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ» (القمر: 50).

وعلى الرغم من اختلاف الأديان وحتى مع إنكار الملحدين لا تجد أحدًا ينكر وجود خالق لهذا الكون، حتى الملحدين يعلمون في قرارة أنفسهم أنفسهم أنهم يجادلون فقط، وأنه لا يمكن لهذا الكون أن يستقيم إلا بوجود خالق ومنظم له يدير شئونه ويعلم خباياه وأسراره.

لذلك يروى أن حبرًا من أحبار اليهود جاء إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، وقال له: يا محمد 

إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على

 إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك،

 فضحك رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر ثم تلى صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» (الزمر: 67).

ومن ينظر إلى السموات والأرض والجبال والأرض، لا يمكن أن يتخيل أنها صنع الطبيعة كما يقول المجادلون والسفسطائيون، بل ورائها خالق عظيم، قال تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ» (ق: 38)، خصوصًا أنه سبحانه وتعالى قال وكأنه يتحدى عدم إثبات عكس ذلك، كيف خلق الإنسان والخلق.

بل ووضع بعض الآيات التي تحتاج لتفسيرات وتأويلات عديدة مازال يحتار فيها العلماء، قال تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» (المؤمنون: 12 – 14). [الأنترنت- موقع افهم دينك صح -"كن فيكون".. مبدأ الخلق.. لا يكتمل الإيمان إلا باليقين به -  عمرو خالد ]                           إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة عشرة بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*الكلام على وصف الله تعالى بأنه أحسن الخالقين

من الأصول المهمة في فهم ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في باب أسماء الله وصفاته ، أن نعلم أن هذه الأسماء والصفات أطلقت على ما يفهم الناس من لغة العرب ، التي بها نزل الخطاب ، وأن من ضرورة خطاب الناس بلسانهم ولغتهم التي يعرفونها أن يعبر عما ينسب إلى الله تعالى من الأسماء والأوصاف والأفعال ، بألفاظ تستعمل في حق خلقه ، ويفهمها الناس من لغتهم ، وإلا لم يمكنهم فهم المراد من ذلك ، لكن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أن يكون ما يسمى به الخلق ، أو يوصفون به ، مشابها لما في حق الله .

قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله :

" وكل من فهم عن الله خطابه يعلم أن هذه الأسامي ، التي هي لله تعالى 

أسامي ... قد أوقع تلك الأسامي على بعض المخلوقين ، ليس على معنى تشبيه

المخلوق بالخالق ، لأن الأسامي قد تتفق وتختلف المعاني ؛ فالنور وإن كان اسمًا لله ، فقد يقع اسم النور على بعض المخلوقين ، فليس معنى النور الذي هو اسم لله في المعنى مثل النور الذي هو خلق الله ... وربنا جل وعلا الهادي ، وقد سمى بعض خلقه هاديًا ، فقال عَزَّ وجَلَّ لنبيه :(إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) فسمى نبيه هاديًا وإن كان الهادي اسمًا لله عَزَّ وجَلَّ.

والله الوارث ، قال الله تعالى : ( وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) ، وقد سمى الله من

 يرث من الميت ماله وارثًا ، فقال عَزَّ وجَلَّ : ( وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ) .

فتفهّموا ـ يا ذوي الحجا ما بينت في هذا الفصل ، تعلموا وتستيقنوا أن لخالقنا عَزَّ وجَلَّ أسامي ، قد تقع تلك الأسامي على بعض خلقه في اللفظ ، لا على المعنى ، على ما قد بينت في هذا الفصل من الكتاب و السنة ولغة العرب " . انتهى من "التوحيد"، لابن خزيمة (1/56).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" واذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه ، وما 

هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم ؛ فمعلوم أن هذا موجود وهذا موجود ، ولا يلزم من اتفاقهما فى مسمى الوجود ، أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا ؛ بل وجود هذا يخصه ، ووجود هذا يخصه ، واتفاقهما فى اسم عام ، لا يقتضي تماثلهما فى مسمى ذلك الاسم عند الإضافة والتخصيص والتقييد ، ولا في غيره .

فلا يقول عاقل ، إذا قيل ان العرش شيء موجود وأن البعوض شيء موجود : أن هذا مثل هذا لا تفاهما فى مسمى (الشيء) و(الوجود) ... ، بل الذهن 

يأخذ معنى مشتركاً كلياً هو مسمى الاسم المطلق ، وإذا قيل هذا موجود وهذا

 موجود ، فوجود كل منهما يخصه لا يشركه فيه غيره ، مع أن الاسم حقيقة 

في كل منهما . ولهذا سمى الله نفسه بأسماء ، وسمى صفاته بأسماء ، وكانت تلك الاسماء مختصة به إذا أضيفت إليه ، لا يشركه فيها غيره .

وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم ، مضافة إليهم ، توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص ، ولم يلزم من اتفاق الاسمين ، وتماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص : اتفاقهما ، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص ، فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص فقد سمى الله نفسه حياً فقال : ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) ، وسمى بعض عباده حياً ، فقال : ( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ) ، وليس هذا الحي مثل هذا الحي ؛ لأن قوله (الْحَيُّ) اسم لله مختص به ، وقوله : ( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ) اسم للحي المخلوق مختص به ، وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص ، ولكن ليس للمطلق مسمى موجود فى الخارج ، ولكن العقل يفهم من المطلق قدراً مشتركاً بين المسميين ، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق ، والمخلوق عن الخالق .

ولا بد من هذا في جميع أسماء الله وصفاته : يفهم منها ما دل عليه الاسم 

بالمواطأة والاتفاق ، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه سبحانه وتعالى . " انتهى من "التدمرية" (20-22) .

ثانياً:إذا فهمنا هذه القاعدة المهمة في باب أسماء الله وصفاته ، تبين لنا أن الله 

جل جلاله هو الخالق حقيقة لكل ما في الكون ، لا يشركه في ذلك أحد من خلقه ، 

وأن تسمية بعض خلقه بالخالقين ، لا يعني أنه شريك لله في شيء من خلقه ، أو شبيه له في صفة من صفاته ، بل هذا جار على ما هو معروف من لغة العرب ، من تسمية بعض أفعال المخلوقين "خلقا" .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة عشرة بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*الكلام على وصف الله تعالى بأنه أحسن الخالقين

وقد اختلف أهل العلم في قوله تعالى عن نفسه المقدسة : ( فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) المؤمنون /14،وقوله سبحانه :( أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ  الْخَالِقِينَ ) الصافات / 125 .

فقيل : المعنى : أحسن الصانعين . قال مجاهد : يصنعون ويصنع الله ، والله خير الصانعين ."تفسير الطبري" (19 / 19) ورجحه ابن جرير رحمه الله ، وقال : " لأن العرب تسمي كل صانع خالقاً ، ومنه قول زهير:وَلأنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ وَبَعْـ ـضُ القَوْمِ يخْلُقُ ثمَّ لا يَفْرِي"تفسير الطبري" (19 / 19)

وقال القرطبي رحمه الله :" ( أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) : أتقن الصانعين . يقال لمن صنع شيئاً : خلقه . ولا تُنفى اللفظة عن البشر في معنى الصنع ؛ وإنما هي منفية بمعنى الاختراع وإيجاد من العدم " انتهى من "الجامع لأحكام القرآن" (12 / 110)

وقال ابن القيم رحمه الله :" (الخالق والمصور ) : إن استعملا مطلقين غير مقيدين لم يطلقا إلا على الرب ، كقوله : ( الخالق البارئ المصور) وإن استعملا مقيدين أطلقا على العبد ، كما يقال لمن قدَّر شيئا في نفسه ، أنه خلقه . قال :

وَلأنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ وَبَعْـ ـضُ القَوْمِ يخْلُقُ ثمَّ لا يَفْرِي

أي : لك قدرة تُمضي وتنفذ بها ما قدَّرته في نفسك ، وغيرك يقدِّر أشياء وهو عاجز عن إنفاذها وإمضائها ، وبهذا الاعتبار صح إطلاق خالق على العبد في قوله تعالى : ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) ؛ أي : أحسن المصورين والمقدرين ، والعرب تقول : قدرت الأديم ، وخلقته : إذا قسته لتقطع منه مزادة أو قربة ونحوها . قال مجاهد : يصنعون ويصنع الله والله خير الصانعين . وقال الليث : رجل خالق ،أي : صانع ،وهن الخالقات : للنساء .وقال مقاتل: يقول تعالى :  هو أحسن خلقاً من الذين يخلقون التماثيل وغيرها ، التي لا يتحرك منها شيء .

وأما البارئ : فلا يصح إطلاقه إلا عليه سبحانه ؛ فإنه الذي برأ الخليقة وأوجدها بعد عدمها " انتهى من "شفاء العليل" (ص 131) ، وينظر : "أضواء البيان" ، للشنقيطي (26 / 41) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ما ورد من إثبات خلق غير الله ، كقوله

 تعالى : ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) ، وكقوله صلى الله عليه وسلم في المصورين: ( يقال لهم أحيوا ما خلقتم ) فهذا ليس خلقاً حقيقة ، وليس إيجاداً بعد عدم ، بل هو تحويل للشيء من حال إلى حال ، وأيضاً ليس شاملاً ، بل محصور بما يتمكن الإنسان منه ، ومحصور بدائرة ضيقة ؛ فلا ينافي قولنا : إفراد الله بالخلق " انتهى ."القول المفيد" (1 / 1-2) .

ومن ذلك يتبين أن هذه الآية الكريمة ، وما يشابهها، ليس فيها شيء من تشبيه

 أحد بالخالق سبحانه ، فيما يختص به من صفة الخلق ، أو غير ذلك من 

الصفات ، وأن ما سمي به المخلوق من أسماء الخالق ، فإنما تحمل على ما يليق بالمخلوق ، وأما أسماء الله تعالى وصفاته ، فهي على ما يليق بكماله ، وجماله ،

 وجلاله : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) .

وهذا هو عين ما تدل عليه سورة الإخلاص :( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) . فليس لله من خلقه ، شبيه ، ولا مثيل ، ولا ند ، ولا نظير . وهذا أصل محكم في دين الله ، لا يعارضه ، ولا يشكل عليه شيء من نصوص الكتاب والسنة. والله أعلم                                                   [ الأنترنت – موقع سؤال وجواب- المنجد - الكلام على وصف الله تعالى بأنه أحسن الخالقين ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة عشرة بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*وفي أنفسكم أفلا تبصرون: الأسنان.

     لقد تميز الدين الإسلامي على غيره من الأديان السماوية بحث أتباعه على أن لا يكون إيمانهم بالله إيمانا تقليديا أو شكليا، حيث ينشأ الأبناء على دين أبائهم، ويقومون بعمل شعائره إما تعصبا أو تحت تأثير المجتمعات التي يعيشون فيها، فيصدق بذلك قول الله فيهم {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)} الزخرف.

 ولهذا نجد أن القرآن الكريم يذخر بالآيات القرآنية التي تحث المسلمين وغيرهم من البشر على التيقن من وجود الله عز وجل من خلال النظر والتفكر في ما خلق الله سبحانه وتعالى من أشياء فقال عز من قائل: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)} الأعراف.

وعلى الرغم من أن الله سبحانه وتعالى قد أمر البشر في التفكر في كل شيء تقع عليه أعينهم في هذا الكون إلا أنه سبحانه قد خص عدد كبير من الأشياء بالاسم لتكون مجالا للنظر والتفكر؛ ومن هذه الأشياء ما جاء في قوله سبحانه: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ(21)} الذاريات. إن في تركيب جسم الإنسان وغيره من أجسام الكائنات الحية من التعقيد وحسن التصميم ما ينفي نفيا قاطعا ما يدعيه الملحدون من أن هذه الأجسام قد صنعت بالصدفة، بل على العكس من ذلك فإن تصنيعها يحتاج لصانع لا حدود لعلمه وقدرته. لقد أكد الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة من سورة الذاريات على أنه يوجد في جسم الإنسان وبالطبع في بقية أجسام الكائنات الحية آيات -أي معجزات باهرة- يمكن أن يستدل عليها أي إنسان عاقل مهما بلغت درجة علمه.

إن كل ما يحتاجه الإنسان لكي يكتشف هذه المعجزات في تركيب جسمه هو النظر إلى أعضاء جسمه ومكوناتها إذا كانت ظاهرة، والقراءة عنها إذا كانت 

باطنة، ومن ثم التفكير في مواصفاتها والوظيفة التي تقوم بها، والطريقة التي 

تعمل من خلالها، والتساؤل فيما إذا كان بالإمكان أن تكون على غير الصورة 

التي هي عليها، أو أن تكون أفضل مما هي عليه.

 ومع التأكيد مرة أخرى على أن الإنسان مهما بلغت درجة تعليمه قادر على اكتشاف المعجزات الموجودة في بعض أجزاء جسمه خاصة الظاهرة منها، إلا أنه كلما ازداد علم المرء بتركيب جسمه كل ما تكشفت له معجزات كثيرة لا يمكن الاهتداء إليها لغير المتعلم؛ مصداقا لقوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} الزمر. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة عشرة بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*وفي أنفسكم أفلا تبصرون: الأسنان.

وفي سلسلة المقالات هذه سأعمل إن شاء الله على بيان بعض أوجه الإعجاز في تركيب مختلف مكونات أعضاء جسم الإنسان، مبتدئين بالظاهر منها، راجيا أن تكون بابا يدخل منه القارئ إلى عالم التفكر في مكونات أجسامهم؛ ليستيقن أنها خلقت من قبل صانع لا حدود لعلمه وقدرته، وهذا هو الهدف الذي أمر الله من أجله البشر في التفكر في أنفسهم في قوله سبحانه: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ(21)} الذاريات.

لا يكاد يمر يوم على الإنسان البالغ إلا ويقوم بتنظيف أسنانه بالفرشاة أو بالمسواك، وغالبا ما ينظر إليها ويتفقدها من خلال المرآة؛ ليتأكد من نظافتها، ولكن من المؤسف أن أكثر الناس لا يتفكرون في هذه الأسنان، وما في خلقها من عجائب. إن في تركيب وترتيب الأسنان في الإنسان وفي غيره من الكائنات الحية من أوجه الإعجاز ما يقنع أي إنسان عاقل مهما بلغ مستوى تعليمه؛ بأنه لا يمكن أن تكون قد صنعت إلا من قبل صانع لا حدود لعلمه وقدرته.

إن الوظيفة الرئيسية للأسنان في جميع الكائنات الحية هي أنها أحد أعضاء الجهاز الهضمي؛ حيث تقوم بتقطيع الطعام إلى قطع صغيرة، ومن ثم طحنها ومضغها بشكل جيد ليسهل إدخالها من خلال المريء إلى المعدة، ومن ثم إلى بقية أعضاء الجهاز الهضمي. ولكي نبرز أوجه الإعجاز في تصميم الأسنان عند الإنسان سنثير في عقل القارئ بعض التساؤلات التي ستقوده إذا ما حاول الإجابة عليها إلى التيقن من أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تكون قد صنعت بالصدفة كما يدعي الملحدون.

 إن أوجه الإعجاز هذه ستكون جلية واضحة فيما لو كلفنا لجنة من ألمع أطباء 

الأسنان في العالم أن يعملوا على إيجاد تصميم جديد للأسنان؛ بحيث يتفوق على التصميم الحالي في أداء وظيفته. إن أول ما ستناقشه اللجنة بالطبع هو عدد الأسنان اللازمة في كل فك، فهل العدد الحالي مناسبا أم يلزم زيادته مع تصغير أحجامها بالطبع لكون طول الفكين ثابتا؟ أو يلزم تقليص العدد إذا ما وجد أن بعضها زائدا عن الحاجة؟

أما القضية الثانية التي سيناقشونها بعد أن تم تحديد العدد فهي تحديد أشكال هذه الأسنان فهل يمكن أن تكون على شكل واحد وبنفس الحجم أم يلزم اختيار أشكال مختلفة حسب موقع السن على الفك؟

أما القضية الثالثة فهي الطريقة التي سيتم من خلالها تحديد أحجام هذه الأسنان وضمان تركيبها في أماكنها دون مشاكل.

أما القضية الرابعة فهي طريقة تصنيع القوالب التي ستستخدم لصب هذه الأسنان، على افتراض أنهم وجدوا أشكالا جديدة غير الأشكال التي هي عليها.

وستناقش اللجنة قضايا أخرى كثيرة كالمواد التي ستستخدم في تصنيع هذه الأسنان وطرق تثبيتها في الفك وتحديد لونها. وقبل بيان أوجه الإعجاز في الأسنان سنعطي نبذة سريعة عن أعدادها وأنواعها وترتيبها عند الإنسان البالغ.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة عشرة بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*وفي أنفسكم أفلا تبصرون: الأسنان - أسنان الإنسان:

يبلغ عدد الأسنان في الإنسان البالغ اثنين وثلاثين سنا، نصفها مثبت على عظام الفك السفلي والنصف الثاني على الفك العلوي. ونظرا للتماثل بين أسنان الجزء الأيمن والجزء الأيسر من كل فك فإنه يوجد ستة عشر شكلا مميزا للأسنان، وإذا ما افترضنا وجود بعض التماثل بين أسنان الفك السفلي وما يقابلها في الفك العلوي فإن عدد الأشكال سيتقلص إلى ثمانية أشكال مميزة، تم تقسيمها حسب الوظيفة التي تقوم بها إلى أربعة أنواع وهي: القواطع (شكلين)، والأنياب (شكل واحد)، والنواجذ (شكلين)، والأضراس (ثلاثة أشكال).

وإذا ما ضربنا كل من هذه الأنواع بأربع فإنه سيوجد في فم الإنسان ثمانية قواطع وأربعة أنياب وثمانية نواجذ واثنا عشر ضرسا.

ويوجد للقواطع والأنياب جذر واحد، بينما يوجد جذر أو جذرين للنواجذ، وما 

بين جذرين وأربعة جذور للأضراس تختلف من إنسان إلى إنسان تبعا للجينات التي يحملها.

وتستخدم القواطع (الثنايا) لقطع أو قضم جزء صغير من قطعة طعام كبيرة كما نفعل عند أكل بعض أنواع الفواكه والخضروات في غياب السكاكين، بينما تستخدم الأنياب لتمزيق بعض أنواع الطعام كاللحوم. وأما النواجذ (الضواحك) فتستخدم لتكسير أو تهشيم قطع الطعام الصلبة، بينما تستخدم الأضراس (الطواحن) لتفتيت وطحن لقم الطعام لتصبح على شكل معجون طري يسهل بلعه.

إن أول أوجه الإعجاز في خلق الأسنان هو في طريقة ترتيبها، فهذا الترتيب 

البديع ينفي نفيا قاطعا أن يكون ذلك قد تم بالصدفة، فبعملية حسابية تسمى التباديل يمكن أن نحسب عدد المحاولات التي تلزم الصدفة لكي تهتدي للترتيب الصحيح. وينص قانون التبادل على أن عدد الترتيبات التي يمكن أن ترتب فيها مجموعة من الأشياء المختلفة وليكن عددها (س) هو ما يسمى بمضروب العدد (س) ومضروب العدد هو الرقم الناتج عن ضرب العدد المعني في العدد الذي دونه، ثم الذي دونه، وهكذا حتى نصل للرقم واحد، فمضروب العدد أربعة مثلا يساوي 24 وهو حاصل ضرب أربعة في ثلاثة في اثنين في واحد. ويبلغ عدد الترتيبات المحتملة للأسنان عند الإنسان (2.63 ×1035) وهو مضروب العدد اثنين وثلاثين وهو عدد الأسنان. ولو افترضنا جدلا أن كل محاولة لترتيب الأسنان تتم في عام واحد فقط، وهذا أقل بكثير مما يلزم فعليا فإن عدد المحاولات التي يمكن إنجازها على مدى عمر الكون هو (13× 109) فقط وهو عدد لا يذكر مع عدد المحاولات المطلوبة. وإذا ما علمنا أن هناك عشرات الآلاف من أنواع الكائنات ذات الأسنان فإن منتهى الجحود وقلة العقل أن يدعي مدعي أن ترتيب أسنانها على الوجه المطلوب قد تم بمحض الصدفة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العشرون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*وفي أنفسكم أفلا تبصرون: الأسنان - أسنان الإنسان:

أما وجه الإعجاز الثاني فهو تصميم الأشكال المناسبة للأسنان لكي تقوم بالوظائف التي صممت من أجلها على الوجه الأكمل. ومرة أخرى نقول أن منتهى 

الجهل أن يدعي الملحدون أن الصدفة قد عرفت أنواع الطعام الذي سيأكله كل نوع من أنواع الكائنات ذات الأسنان ومن ثم قامت بتصميم أطقم أسنانها بما يتناسب مع أنواع الطعام هذه. وبما أن الإنسان هو الوحيد بين الكائنات الحية الذي يتميز بتعدد أنواع طعامه فإن أسنانه تتطلب تصميما خاصا فيحتاج أشكالا مختلفة من الأسنان بعضها للقطع، وأخرى للتمزيق والتكسير والطحن.

ولنفترض جدلا أن الصدفة قد اهتدت لتحديد الوظائف التي ستقوم بها الأسنان، فأنى لها أن تهتدي للشكل المناسب للسن لكي يقوم بالوظيفة التي سيقوم بها فكم من المحاولات تحتاج حتى ينتج بالصدفة هذا الشكل المناسب! فأسنان القواطع يجب أن تكون مستطيلة وحادة الأطراف لكي تتمكن من تقطيع الطعام أما الأنياب فيجب أن تكون أطرافها مدببة وبارزة عن ما يجاورها من أسنان لكي تتمكن من تمزيق الطعام الذي يصعب قطعه أما النواجذ والأضراس فيجب أن تكون أطرافها مستعرضه ومقعرة بعض الشيء لكي تتمكن من تكسير وطحن الطعام. ومن عجائب تصميم أشكال الأسنان أن القواطع الأمامية العلوية أعرض من السفلية مما أدى إلى حدوث إزاحة بين كل سن على الفك العلوي عن السن الذي يناظره في الفلك السفلي وهذا ضروري لكي تستقر الرؤوس البارزة للأنياب فيما بين الأسنان وإلا لما انطبقت أسنان الفكين على بعضها.

أما وجه الإعجاز الثالث فهو اختيار المادة التي تصنع منها الأسنان بحيث لا تتآكل

 أو تتكسر لفترة تمتد على مدى عمر الكائن، وخاصة أنها تستخدم في كل يوم. فالإنسان على سبيل المثال يستخدم أسنانه لقطع وتمزيق وطحن الطعام لمدة ساعة كل يوم، تتعرض الأسنان خلالها إلى مختلف أشكال الإجهادات الميكانيكية، وإلى جانب ذلك تتعرض لمختلف أنواع المواد الكيميائية التي يحتويها الطعام وما يفرزه الفم من مواد هاضمة بسيطة، ناهيك عن التفاوت في درجة حرارة الطعام والشراب، الذي يعمل على تمدد وتقلص مادة الأسنان. بل إن الأخطر من كل ذلك على الأسنان هو تكاثر البكتيريا على أسطح هذه الأسنان خاصة بوجود بقايا الطعام، حيث تقوم البكتيريا بإفراز مختلف المواد السامة والأحماض التي تعمل على تخريب الأسنان.

وعلى الرغم من كل ذلك فإن هذه الأسنان تستمر في أداء وظيفتها لما يقرب من مائة عام؛ إذا ما اتخذت بعض الإجراءات البسيطة للحفاظ عليها بعد كل 

استعمال لها.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والعشرون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*وفي أنفسكم أفلا تبصرون: الأسنان - أسنان الإنسان:

أجزاء السن: تتكون السن من ثلاث طبقات وهي: طبقة اللب الداخلية، تليها طبقة العاج، ومن ثم طبقة المينا الخارجية، ويتم تغذية السن من خلال أوعية دموية تتخلل اللب، إلى جانب وجود الأعصاب التي تربط الأسنان بمراكز الحس في الدماغ؛ لكي تحس بمقدار الضغط الواقع عليها، وبدرجة حرارة الطعام والشراب. وتعتبر طبقة المينا الخارجية أشد الطبقات صلابة وهي أشد مكونات الجسم قساوة، بل هي من بين أشد المواد قساوة في الطبيعة، وهي مادة بلورية تتكون من الكالسيوم والفسفور وآثار من بعض المعادن. وللتدليل على صلابة المينا وخصائصها الأخرى نذكر أن المواد الصناعية التي تستخدم كبديل عنها في حالة خرابها كالبورسلان والفضة والذهب وخليط الزئبق مع بعض المعادن (الملغم) لا تضاهيها من حيث الصلابة، وكذلك مقاومتها لتأثير مكونات الطعام والشراب واللعاب. أما طبقة العاج فهي مادة عظمية وبصلابة بقية عظام الجسم، ولكنها أقل صلابة من المينا، حيث تعمل على امتصاص الإجهاد العالي 

الواقع على المينا مما يحول دون انكسارها.

أما معجزة المعجزات فهي أن الأسنان لا تحتاج إلى قوالب لتصنيعها كما يفعل البشر، بل إن كل سن من هذه الأسنان يبدأ تصنيعها من خلية واحدة فقط، كما هو الحال مع كامل جسم الإنسان الذي يبدأ تصنيعه أيضا من خلية واحدة. وعلى العكس من بقية أعضاء جسم الإنسان والتي يكتمل تصنيعها والإنسان في بطن أمه، فإن الأسنان يتم تصنيعها بعد ميلاده، حيث يبدأ تصنيع الأسنان اللبنية في نهاية عامه الأول، والأسنان الدائمة بعد عامه السادس، ويكتمل تصنيعها مع سن البلوغ. ويمكن للمرء أن يشاهد هذه المعجزة الربانية من خلال مراقبة أسنان إخوانه أو أبنائه وهي تنبت في اللثة فتشقها كما تشق النبتة تراب الأرض، ثم تنمو شيئا فشيئا إلى أن يكتمل تصنيعها، ثم تتوقف تماما عن النمو. لقد تم توزيع الخلايا التي يبدأ منها تصنيع الأسنان على محيط الفكين بشكل بالغ الدقة، بحيث يأخذ كل سن مكانه الصحيح، دون أن تتصادم مع بقية الأسنان.

 ولقد حدد الله سبحانه وتعالى على الشريط الوراثي الذي في داخل هذه الخلايا البرامج التي تنتج عند تنفيذها الأسنان بأشكالها المطلوبة ابتداء من خلية 

واحدة. فبعض الخلايا تصنع القواطع، وبعضها الأنياب، وبعضها النواجذ 

والأضراس، وقلما تخطأ هذه الخلايا فتنبت الأنياب أو القواطع في أماكن الأضراس، ولو أن عملية تصنيع الأسنان هذه قد وكلت للبشر لتكررت مثل هذه الأخطاء بشكل كبير. بل إن الأعجب من ذلك أن كل إنسان له أشكال أسنان تختلف عن الآخر ولكن برامج التصنيع لجميع أسنانه قد تم إحكامها بحيث تنتج أسنانا متناسقة مع بعضها البعض. ويمكن لمن عنده خلفية في تصميم القطع الميكانيكية باستخدام الحاسوب أن يدرك مدى التعقيد الموجود في برامج تصنيع الأسنان المكتوبة على الشريط الوراثي، فهذه البرامج يجب أن تحتوي على كامل أبعاد السن ليس الخارجية فحسب بل أبعاد كل طبقة من طبقاتها، إلى جانب مواصفات المواد المستخدمة لبناء هذه الطبقات.

إن رأس الإنسان يكاد يتصدع عندما يفكر مليا في عملية تصنيع 

السن ابتداء من خلية واحدة، فهذه الخلية تنقسم ملايين المرات بحيث توضع كل خلية في مكانها الصحيح في جسم السن، وبحيث يكون نوع الخلية مناسبا للمكان التي هي فيه. ومما يثير الدهشة أن الأسنان المصنعة بهذه الطريقة الربانية تأخذ شكلها النهائي المطلوب ولكن بحجم صغير، ومع نموها يزداد حجمها بنفس النسبة مع احتفاظها بشكلها الأصلي، وهذا أيضا يتطلب درجة عالية من التنسيق بين الخلايا عند انقسامها في المواقع المختلفة، بحيث ينقسم كل منها بقدر محدد يتناسب مع نسبة النمو في ذلك الموقع.

إن أكثر ما حير العلماء في هذه الطريقة الربانية هو في تصنيع طبقة المينا، حيث

 أنها مصنوعة من مادة غاية في الصلابة، فكيف يتسنى لها أن تنمو بشكل بطيء ومن ثم تأخذ شكلها النهائي بمنتهى الإتقان. ويتبين لنا مدى صعوبة تصنيع هذه الأسنان عندما نشاهد الجهد الذي يبذله طبيب الأسنان ومختبرات تصنيع الأسنان عند تركيب سن صناعي مكان السن الطبيعي، وصدق الله العظيم القائل في محكم تنزيله: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)} لقمان.

المراجع:1- القرآن الكريم. 2- مواقع متفرقة على الإنترنت.[الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي- وفي أنفسكم أفلا تبصرون: الأسنان - الدكتور منصور العبادي أبو شريعة ]

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والعشرون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*- الحُبُك: صور كونية تسبح الله

طرح العلماء سؤالاً عن شكل الكون: ما هو شكل كوننا الذي نعيش فيه؟ فبعدما اكتشفوا أن مجرتنا ليست هي الوحيدة في الكون، وجدوا أن الكون مليء بالمجرات، وأن هذه المجرات تصطف على ما يشبه خيوط النسيج!

المجرة هي: تجمع من النجوم يحوي أكثر من مئة ألف مليون نجم، ومجرتنا هي مجرة

 درب التبانة وتحوي هذا العدد الهائل من النجوم، ولو نظرنا إلى السماء في ليلة صافية فإن معظم النجوم التي نراها تنتمي إلى هذه المجرة ولكن هذه المجرة ليست هي الوحيدة في الكون إنما هنالك أكثر من أربع مئة ألف مليون مجرة!

هذه المجرات تتوضّع كما كان يعتقد العلماء عشوائياً يعني ظل الاعتقاد السائد أنها تتوضع عشوائياً وليس هناك أي نظام يربط بينها، ولكن في العام الماضي قام علماء من الولايات المتحدة الأمريكية ومن كندا ومن ألمانيا بأضخم عملية حاسوبية على الإطلاق كان الهدف من هذه العملية معرفة شكل الكون ولكن هذه المهمة تطلبت تصميم كمبيوتر عملاق هو السوبر كمبيوتر.

السوبر كمبيوتر هو جهاز كمبيوتر عملاق يزن أكثر من مائة ألف كيلو غرام وهذا الجهاز يحتاج إلى مبنى ضخم وتكاليف باهظة والعجيب أن سرعة هذا الجهاز في معالجة المعلومات أو البيانات أنه ينجز في ثانية واحدة ما تنجزه الحاسبات الرقمية العادية في عشرة مليون سنة، فتأملوا معي ضخامة هذا الجهاز الذي سموه العلماء بـ (سوبر كمبيوتر).

لقد أدخل العلماء عدداَ ضخماً من البيانات حول هذا الكون فأدخلوا بياناتٍ حول أكثر من عشرة آلاف مليون مجرة وبيانات حول الدخان الكوني وبيانات 

حول المادة المظلمة في الكون وبقي هذا الكمبيوتر العملاق وعلى الرغم من سرعته الفائقة بقي شهراً كاملاً في معالجة هذه البيانات وكانت الصورة التي رسمها للكون تشبه تماماً نسيج العنكبوت.

إن الذي يتأمل هذه الصورة وما فيها من نسيج محكم يلاحظ على الفور أن المجرات لا توضع عشوائياً إنما تصطف على خيوط طويلة ودقيقة ويبلغ طول الخيط الواحد مئات الملايين من السنوات الضوئية، عندما رأى العلماء هذه الصورة أدركوا على الفور وجود نسيج محكم في السماء فأطلقوا مصطلح (النسيج الكوني). بدأ العلماء بعد ذلك بدراسة تفاصيل هذا النسيج وبدؤوا يصدرون أبحاثاً ومقالاتٍ حول هذا النسيج ومن أهمها مقالة بعنوان(كيف حُبِكَت الخيوط في النسيج الكوني) وقد لفت انتباهي في هذا البحث أن هؤلاء العلماء يستخدمون الكلمة القرآنية ذاتها يستخدمون كلمة Weave باللغة الإنكليزية وهي تماماً تعني حبك، وأدركت مباشرة أن هذه الآية تصوّر لنا تماماً هذا النسيج في قوله تعالى (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ).

يقول الإمام الزمخشري رحمه الله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ : إذا أجاد الحائك الحياكة قالوا ما أحسن حبكه).

إذاً الإمام الزمخشري تحدث عن نسيج تم حبكه بإحكام. والإمام القرطبي تناول هذه الآية أيضاً وقال فيها: (ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه يقال منه حبَك الثوب يَحبِكُه حَبكاً أي: أجاد نسجه)، ولكن الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى له تفسير جميل وعجيب ويطابق مئة بالمئة ما يقوله اليوم علماء الغرب! فالإمام ابن كثير يقول: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ أي: حُبكت بالنجوم، ولو تأملنا المقالات الصادرة حديثاً عن هذا النسيج نلاحظ أن العلماء يقولون: إن الكون حُبك بالمجرات.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والعشرون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*- الحُبُك: صور كونية تسبح الله

تحدث العلماء عن هذا النسيج طويلاً، ووجدوا بأن هذا النسيج هو نسيج 

مُحكم لأننا إذا تأملنا صورة النسيج الكوني نلاحظ أن لدينا كل خيط توضع عليه آلاف المجرات ولا ننسَ أن كل مجرة فيها مائة ألف مليون نجم وهي تبدو في هذه الصورة كنقطة صغيرة لا تكاد ترى فالنقاط الصغيرة في هذه الصورة النقاط المضيئة هي مجرات، ونلاحظ أن هذه المجرات تصطف على خيوطٍ دقيقة جداً وكل خيط يبلغ طوله ملايين بل مئات الملايين من السنوات الضوئية والسنة الضوئية!!

إن هذا النسيج يتحدث عنه علماء الغرب بقولهم إن خيوطه قد شُدّت بإحكام مذهل أي أنه نسيج وأنه محكم وهو أيضاً متعدد، يعني هذا النسيج الكوني لا يتألف من طبقة واحدة، إنما هنالك طبقات بعضها فوق بعض ولو تأملنا الصور التي رسمها السوبر كمبيوتر لهذا النسيج وما فيه من تعقيد وإحكام مُبهر نلاحظ أن الله تبارك وتعالى قد أحكم صناعة هذا النسيج بشكل يدلّ على أنه عز وجل قد أتقن كل شيء، كيف لا وهو القائل: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88].

السنة الضوئية: هي ما يقطعه الضوء في سنة كاملة، فالضوء يسير بسرعة تبلغ ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية الواحدة، ففي سنة كاملة يقطع مسافة تساوي: سنة ضوئية واحدة. إن مجرتنا والتي تحوي أكثر من مائة ألف مليون نجم يبلغ قطرها أو طولها مائة ألف سنة ضوئية أي أن الضوء يحتاج حتى يقطع مجرتنا من حافتها إلى حافتها مائة ألف سنة كاملة، فتأملوا كم يحتاج الضوء ليقطع الكون من حافته إلى حافته والعلماء يقدرون حجم هذا الكون بحدود ثلاثين ألف مليون سنة ضوئية، طبعاً هذا الكون المرئي وما بعد هذا الكون لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى.

لو تأملنا كلمة (الحُبُك) نلاحظ أنها تتضمن عدة معانٍ: الشد، والإحكام، والنسيج، وأيضاً تتضمن معاني الجمع لأن كلمة الحبك جاءت بالجمع وليست بالمفرد، يعني الله تبارك وتعالى لم يقل (والسماء ذات الحبيكة الواحدة) بل قال (الحُبُك) وكلمة الحبك هي جمع لكلمة (حبيكة) ولذلك فإن الله تبارك وتعالى قد جمع في كلمة واحدة عدة معانٍ لهذا النسيج، فالنسيج قد يكون محكماً أو هزيلاً وقد يكون قوياً وقد يكون ضعيفاً وقد يكون مفككاً أو مترابطاً، ولكن كلمة (الحبك) تعني النسيج المحكم، و(حَبك) تعني أنه أتقن وأحكم صناعة هذا النسيج وهذا ما يقوله العلماء اليوم يؤكدون أن النسيج الكوني ليس نسيجاً عادياً، إنما هو نسيج محكم وقد شُدّت خيوطه بإحكام.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والعشرون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

*- الحُبُك: صور كونية تسبح الله

ومن هنا نستطيع أن نستنج أن الله تبارك وتعالى قد أودع في كل كلمة من كلمات كتابه معجزة مبهرة، ففي كلمة واحدة هي كلمة (الحُبُك) تتجلى أمامنا معجزة عظيمة، هذه المعجزة العظيمة تتضح أمامنا من خلال أن الله تبارك وتعالى عبّر بكلمة واحدة عن حقيقة هذا النسيج، بينما العلماء يستخدمون كلماتٍ متعددة حتى يصلوا إلى النتيجة ذاتها.

من الأشياء الغريبة التي لاحظتها أننا لو جئنا بمقطع من دماغ إنسان مثلاً وقمنا بتكبير خلايا الدماغ العصبية نلاحظ أن الصورة الناتجة صورة نسيج الدماغ تشبه تماماً صورة النسيج وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن الخالق واحد: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الزمر: 62].لماذا ذكر الله تبارك وتعالى هذه الحقيقة في كتابه المجيد؟!

نعلم أن علماء اليوم يندفعون باتجاه اكتشاف أسرار الكون ودافعهم في ذلك حب الفضول وحب المعرفة، ولكن القرآن لا نجد آية واحدة إلا ومن وراءها هدف عظيم. فلو تأملنا سلسلة الآيات في قوله تعالى: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) [ الذاريات: 7-9] والإفك هو الكذب، أي أن هؤلاء الذين يفترون على الله كذباً ويقولون إن هذا القرآن ليس من عند الله إنما كلامهم مضطرب ولا يستقيم أبداً، ولو تأملنا سلسلة الآيات نلاحظ أن الله تبارك وتعالى يقول بعد ذلك: (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) [الذاريات: 20-23].

وهنا نصل إلى الهدف من هذه الحقيقة الكونية: (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)، أي: أيها الملحدون المشككون بكتاب الله تبارك وتعالى كما أنكم لا تشكون أبداً في رؤيتكم لهذا النسيج المحكم، وكما أنكم لا تشكُّون في أنكم تنطقون، كذلك ينبغي أن تدركوا وتتأكدوا أن هذا الكلام هو كلام الله تبارك

 وتعالى، لأنه لا يمكن لبشر أن يتنبأ بالبنية النسيجية للكون قبل أربعة عشر قرناً.

[ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي- الحُبُك: صور كونية تسبح الله - إعداد المهندس عبد الدائم الكحيل ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والعشرون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* تصرفات الجنين داخل الرحم

تبدأ حياة الجنين بالتقاء البويضة بالحيوان المنوي لتبدأ انقسامات الخلايا فيزداد 

عددها وتتشكل الأعضاء وتبدأ بأداء وظائفها مكونة بذلك مخلوق بشري متواضع الحجم معقد التطور و التصرفات يأخذ من الرحم محل إقامة له حتى يحين موعد التقائه بالعالم الخارجي !! 

ومع تقدم العلم وتطور أجهزة الأشعة التليفزيونية و خاصة رباعية الأبعاد أصبح من الممكن الاجابة علي كثير من الأسئلة بخصوص حياة الجنين داخل رحم الأم فقد فتح جهاز الالتراساوند الرباعي الأبعاد نافذة إلى رحم المرأة لكشف أسرار ذلك الكائن البشري و الإجابة على الكثير من التساؤلات التي تحيط به و التي أذهلت العلماء لفترة طويلة من الزمن وأثارت فضول الآباء :متى تبدأ حركة الجنين ؟ و ما هي أشكال هذه الحركة؟ ومتى تشعر بها الأم؟ وهل للجنين حواس؟هل يشعر بالألم؟ هل ينام؟ هل يحلم؟ هل لديه قدرة على التعلم وهل لديه ذاكرة؟ وهل استثارة الجنين ظاهرة صحية؟ كثير من الأسئلة التي لم يكن ممكنا الإجابة عليها لولا التطورات الهائلة التي طرأت على أجهزة الالتراساوند .

تبدأ حركات الجنين الأولى- والتي تمكن الأطباء من مراقبتها- مابين الأسبوع السابع ومنتصف الأسبوع الثامن وهي بالطبع حركة غير محسوسة لدى الأم . وعبارة عن حركة فجائية تستمر من ثانية إلى ثانيتين وكأنها انتقال لجسم الجنين ككل و الذي يبلغ طوله(2سم) تقريبا في تلك الفترة من مكان لآخر ويسبق حركة الجنين هذه نبضات قلبه التي يمكن مراقبتها خلال الأسبوع السادس تقريبا. ومن هذه اللحظة تبدأ حياة الجنين العملية في رحم أمه وفي كل يوم ينمو به الجنين تزداد حركاته تعقيدا وتتوظف أعضاؤه تدريجيا. هذه الحركات تأخذ أشكالا متعددة وقد ظن العلماء لفترة طويلة من الزمن بأن هذه الحركات تبدأ كردود فعل غير أنه تبين أنها تبدأ كحركات تلقائية وعفوية غير مخطط لها وقد تكون هذه الحركات الابتدائية التي سبق الحديث عنها لمرة واحدة أو كحركات متتالية يفصلها ثوان عن بعضها البعض, وتتطور ليبدأ الجنين بضم وفرد جذعه وبعد ذلك ضم وفرد أطرافه و تحريك جسمه ككل بدون وضوح لحركة الأطراف. وهذه الحركة الإجمالية للجسم تزداد قوة من الأسبوع الثامن - حيث تبدأ- حتى الأسبوع الثاني عشر فتتراوح بين القوة و الضعف. إلا أن أعظم ما يميزها أنها تعطي إيحاء بالثقة العالية التي يحتفظ بها هذا المخلوق الصغير لنفسه دائما.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والعشرون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* تصرفات الجنين داخل الرحم

ومن الحركات الطريفة التي يمكن مراقبتها و التي تبدأ مع الأسبوع التاسع , الحازوقة(Hiccup) و التي يصاحبها انقباض في الحجاب الحاجز يمكن أن يراقبه الأطباء بحركات البطن والصدر, وعادة تتكرر الحازوقة عند الجنين بفترات زمنية متقاربة و ثابتة ونادرا ما تحدث لمرة واحدة فقط.

أما حركات الفم فهي متنوعة و في غاية الروعة تبدأ بتحريك الفك بفتحه وإغلاقه وحركات شبيهة للمضغ منذ منتصف الأسبوع العاشر تقريبا ومن ثم التثاؤب في منتصف الأسبوع الحادي عشر و الذي يبدأ بفتح الجنين لفمه وإرخاء اللسان للأسفل و يبقى على هذا الوضع لمدة (ثانية إلى ثمان ثواني ) حتى يعود لوضعه الطبيعي وقد يتساءل البعض ما الذي يجعل الجنين يتثاءب؟!

إن السبب الذي يدفعنا نحن البالغين والأطفال للتثاؤب هو نفسه الذي يدفع هذا المخلوق الذي لا يتجاوز طوله السنتميترات القليلة للتثاؤب كذلك , وهو نقص الأكسجين المغذي للدماغ في حالات النعاس و الملل وقليلا ما يرتبط بالإرهاق .فيقوم الجسم بحركة لا إرادية للفم لتهيئة فرصة لاستنشاق أكبر نسبة أكسجين. والتثاؤب ظاهرة قد ترتبط ببعض الحالات المرضية كفقر الدم , وبذلك هي صفة مشتركة بين الأجنة الأصحاء وغير الأصحاء.

 أما المص والبلع فيمكن ملاحظته في منتصف الأسبوع الثاني عشر وعندها يمكن مراقبة الجنين وهو يمص إصبعه أو يضع يده على وجهه و يفرد ويضم أصابعه ويضع يد فوق الأخرى ويحرك بقدميه, ويتحرك بحركات بهلوانية و يمارس تمارينه الرياضية في محاولة منه لجذب انتباه أبويه وليوصل رسالةصغيرة من محيطه الصغير بأنه إنسان بشخصية منفردة و احتياجات خاصة , حتى قبل أن يتم الثلث الأول من الحمل . وكلما اقترب الجنين من النهاية كانت تصرفاته أقرب ما يكون لتصرفات حديث الولادة. وبالرغم من كل هذه الحركات و المشاكسات التي تبدأ في عمر رحمي صغير جدا إلا أن الأم لا تشعر بها إلا مابين الأسبوع السادس عشر و العشرين تقريبا. وما تشعر به الأم يشكل نسبة لا تذكر من حركات الجنين الذي ينام و يستيقظ ويمارس نشاطاته و يتحرك بمعدل خمسين حركة /ساعة بل أنه يمر بمراحل النوم التي نمر بها فهو يشعر بالنعاس ويغرق بنوم عميق يحلم خلاله بأحلام تجعله يبتسم أو يمتعض وفي كثير من الأحيان يغضب بل و يعقد حاجبيه , وهذا نراه في النوم واليقظة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والعشرون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* تصرفات الجنين داخل الرحم

إن مراحل النوم هذه تتمحور و تأخذ شكلها النهائي مع تطورات الدماغ عند الجنين حتى تصبح مع اقتراب موعد الولادة متطابقة لتلك التي عند حديث الولادة. ويجدر بالذكر أن الجنين في الأسبوع (32) تقريبا ينام بنسبة 85-90% من يومه. بقي أن نقول أن حركات الجفون عند الجنين تظهر بين الأسبوعين الثامن عشر و العشرين إلا أن مراقبتها ليس بالأمر السهل, مما صرف اهتمام معظم الأطباء عنها.

أما السؤال الأكثر تعقيدا هو هل يحس الجنين وهل يمتلك الحواس التي نمتلكها ؟! بعد الأبحاث التي أجراها العلماء جاءت الإجابة بنعم.

وأول حاسة تبدأ عند الجنين هي حاسة اللمس , والإحساس باللمس يبدأ بالوجه في الأسبوع السابع تقريبا لينتقل بعدها تدريجيا لباقي أعضاء الجسم فنجد الجنين يلمس وجهه بيده ويتلمس جسده. ومع الأسبوع الرابع عشر تتشكل مستقبلات التذوق عند الجنين فنجده يمص ويبلع بل و الأغرب من ذلك أنه يراوح في سرعة بلع السائل الأمنيوسي بناء على النكهة التي تكون غالبة على هذا السائل والتي تأخذ طابعها من تغذية الأم. وقد وجد العلماء أن البلع يكون أنشط للمذاق الأحلى!! انه حقا مخلوق يستحق الاحترام.

أما حاسة السمع عند الجنين فتبدأ أبكر مما يظن الجميع , حيث تبدأ في الأسبوع السادس عشر بالرغم من أن الأذن نفسها تأخذ شكلها النهائي في الأسبوع الرابع و العشرين. ومن ذلك نستنتج أنه عندما يحين موعد الولادة يمتلك الجنين قدرة سمعية مطابقة تقريبا لقدرتنا نحن البالغين على السمع .. اكتسبها من خبرته العريقة التي مارسها ما يقارب الستة أشهر سمع من خلالها نبضات قلب أمه و تدفقات الدم وكل ما كان يصله عبر جدار البطن والرحم إضافة إلى صوت المعدة والأمعاء فهو محيط مزعج . ويمكن أن تراقب الجنين على جهاز الالتراساوند وهو يهتز بقوة للمنبهات الصوتية القوية بل إنه يولد وهو يفضل صوت أمه وقد سجلت حالات كان نبض الجنين يتباطىء بها عند سماع صوت أمه أو عند سماع قصة يميزها بصوت مألوف لديه فهو لا يسمع فقط بل يميز الأصوات كذلك وهذا برهان أن ملكة التعليم تتشكل عند الإنسان قبل أن يعانق العالم الخارجي , وكذلك الذاكرة .

وهذه الاستنتاجات خرج بها العلماء من المراقبة الطويلة للأجنة ضمن الأبحاث, إضافة لمراقبة تصرفات الخديج , حيث وجدوا ردود فعل للصوت لدى خديج بالأسبوع الرابع والعشرين. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والعشرون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* تصرفات الجنين داخل الرحم

حاسة البصر هي آخر الحواس تشكلا عند الجنين وقد اختبر علماء اليابانيين هذه الحاسة بتسليط ضوء شديد على بطن الأم وقد سجلوا استجابة من الجنين . غير أن معظم العلماء حذروا من إجراء تلك التجارب على الأجنة أو الخدج قبل أن يكون الجنين جاهزا لاستقبال مثل هذه المؤثرات و المنبهات . بل عزى بعضهم التلف الذي يصيب شبكية العين عند الخدج و الذي يعزيه الأطباء منذ زمن طويل لتركيز الأكسجين العالي الذي يزود به الخديج أن سببه الفعلي هو تعرض الخديج لدرجات عالية من الضوء هو غير مجهز فعليا لاستقبالها في هذه المرحلة العمرية.

فدماغ الجنين مثلا في عمر6 أشهر من الحمل لا يكون مجهزا لاستقبال أو ترجمة الإشارات التي ترسلها العين مما يؤثر على تطور الدماغ عند الجنين.

 والعلماء بشكل عام ضد المؤثرات الخارجية فوق المتوقعة بأنواعها السمعية , البصرية أو الحسية . والتي تتجاوز حدود الأحاديث القصيرة الهادئة و رواية القصص لفترات قصيرة . لأن كل هذه المؤثرات تؤثر على نمط حياة الجنين من حيث النوم و اليقظة مما يؤثر على تطور الدماغ و الأعصاب و بالتالي يعطي نتائج عكسية للنتائج التي يتوقعها الأبوين كازدياد التطور الذهني للجنين في المستقبل . و الطريقة الأمثل لتحقيق هذا الهدف هو توفير بيئة رحمية للجنين خالية من المواد السامة لأم بدون ضغوطات نفسية وتحصل على تغذية سليمة . وقد أثبت العلماء أن نسبة الذكاء عند الأطفال تتأثر بالبيئة الرحمية أكثر مما تتأثر بالعامل الوراثي .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والعشرون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* تصرفات الجنين داخل الرحم

هل يشعر الجنين بالألم؟

أما الإحساس بالألم فإنه - على غير المتوقع - يتشكل عند الجنين بسن مبكرة و يلاحظ الأطباء ذلك من خلال سحب السائل الأمنيوسي و الذي يتم به إدخال إبرة للرحم فإذا ما وخزت الإبرة الجنين عرضيا فإن الجنين ينسحب بسرعة في محاولة للهرب و الأكثر من ذلك أنه قد يهاجم الإبرة مرة ثانية ليدافع عن نفسه وقد تبين ارتفاع في هرمون بيتا- اندورفينز - وهو الهرمون المسئول عن تفاعل الجسم مع الضغوطات و التهديدات إلي (6) أضعاف بالإضافة إلى تسارع في التنفس عند تعرض الجنين لجسم حاد . وهذه نتيجة تجارب قام بها العلماء بلندن ليثبتوا أن الجنين يشعر بالألم بعد أن أنكر جراحي الأجنة ذلك لوقت طويل من الزمن .بقي أن نقول أنه قد تم تسجيل حالة بكاء لخديج في الأسبوع الثالث و العشرين .

وهناك رأي آخر يقول بأن الجنين لايشعر بالألم:فقدأكد الدكتور"كلارك روزين" الباحث الأمريكي في دراسة له نشرتها "مجلة الرابطة الطبية الأمريكية" أن ردود الفعل العصبية واستجابات التوتر الهرمونية الموجودة في مرحلة مبكرة في مراحل نحو الجنين لا تعتبر دليلاً جليًا أو كافيًا على إدراك الألم، مشيرًا إلى أن وظيفة إدراك الألم لا تبدأ قبل الفترة الثالثة (آخر ثلاثة أشهر) من الحمل.

ورغم أنه أعلن أن المعلومات المتوفرة حاليًا حول هذا الموضوع لا تزال شحيحة، ولكنه يؤكد أن الإحساس بالألم يتطلب الإدراك الواعي بعامل حسي غير مستحب، وهذا لا يمكن أن يحصل إلى حين نمو بعض الأنسجة التي تصل بين المِهاد البصري في المخ ولحاء المخيخ خلال فترة الجزء الثالث من فترة كامل الحمل.

وعادة لا تظهر هذه الوصلات العصبية إلا بحلول الأسبوع الثالث والعشرين من الحمل، وربما لا تبدأ في التشكل إلى إلا بحلول الأسبوع الثلاثين. وفقًا لما أورده موقع "سيريانيوز الإلكتروني" . ومن جهته أكد البروفيسور البريطاني "تشارلز روديك" أن نتائج البحث الأمريكي متناسقة مع ما هو معروف حتى الآن عن الآلام التي يشعر بها الجنين، مضيفًا أنه كي يشعر الجنين بالألم يجب أن تكون المنظومة العصبية الأساسية موجودة لديه وتعمل.

ويبدو أن هذا البحث قد تلقفته العديد من الأيادي التي تطالب بعمليات الإجهاض بحجة أن الجنين في الشهور الأولى لا يشعر بالألم، إلا أن قدرة الضحية على الإحساس بالألم ليست هي ما يجعل القتل شيئًا يلقى المعارضة بل إنه انتهاك لأبسط حقوق الفرد الإنسانية ألا وهو الحق في الحياة.(مفكرة الاسلام)

من كل ما ذكر أصبح كل ما نراه عبر جهاز الالتراساوند رباعي الأبعاد مفسر 

وواضح فلهذا الصغير شخصية مستقلة لها بصمات خاصة تعطي إيحاء عما سيكون في مستقبله البعيد. و أجمل ما يمكن أن يراه المرء على جهاز الالتراساوند رباعي الأبعاد توائم في حالة وفاق يداعب أحدهم وجه الآخر أو يوقظ أحدهم الآخر أو حتى يضرب أحدهم الآخر .. إنه عالم مليء بالأسرار .

يقول الله تعالى في كتابه العزيز:(وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [الجاثية : 4] وقال تعالى اللَّهُ :(الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ )[الروم : 54]

وقال الله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت : 53].

المصادر:

http://www.layyous.com/root%20folder/ultrasound_photosar.htm(1) (2)مفكرة الإسلام (3)موقع أخبار العالم     

[ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي- تصرفات الجنين داخل الرحم …….عالم من الأسرار - د. محمد محمد السقا عيد   ]                    

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثلاثون بعد 

الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : * تمدد الكون

أحدث الاكتشاف الرهيب الذي توصل إليه العالم الفلكي الأمريكي أدوين هابل عام 1929م إلى إحداث تغيير كبيرفي علوم الفضاء. وبسبب هذا الاكتشاف سمي منظار ناسا الشهير فيما بعد باسم (هابل) نسبة إلى هذا العالم.

فبينما كان أدوين هابل يراقب النجوم بمنظاره... اكتشف أن لون الطيف الصادر من هذا النجم يتحول إلى اللون الأحمر ومعنى هذا حسب نظريات علم الفيزياء الفلكية astrophysics أنه عندما ينقلب لون الطيف الصادر من جسم سماوي (سوبر نوفا) إلى الأشعة الحمراء... فإن هذا يعني أن النجم يبتعد عن الأرض وأما إذا كان هذا النجم يقترب من الأرض فإن الطيف يظهر اللون الأزرق وكان هذا أول اكتشاف لهابل من ناحية حركة النجوم .

وتابع هابل أبحاثة، فاكتشف أن النجوم لا تبتعد عن الأرض فحسب، بل يبتعد بعضها عن بعض .. بما يشبه البالون عند نفخه، أي أنك إذا رسمت نقاطا على البالون ثم نفخته تجد ان النقاط المنتشرة على سطح تبتعد بعضها عن بعض بما يجعلنا نتصور أن الكون كله يشبه ذلك البالون... وهذا يدل على أن هذا الكون في تمدد دائم كل ثانية...

توصل أدوين هابل بعد ذلك إلى أن الكون يتمدد باستمرار وبسرعة متزايدة. واكتشف أيضاً أن المجرات التي ولدت تبتعد عن مركز الانفجار الأول وكذلك تبتعد عن بعضها البعض. هذا الاكتشاف دفع ببعض العلماء الفلكيين الآخرين إلى التساؤل حينذاك حول صحة هذا الاكتشاف وظن معظمهم بأن هابل قد أخطأ. فالفكرة كلها بدت صعبة التصديق لأن ذلك يستوجب الكثير من التغيير في طريقة التفكير التي كان يتبعها العلماء في نشأة الكون وأن الكون ثابت.

وليس هذا فحسب بل إن الكون يتمدد بسرعة تزيد باطراد... على عكس ما كان يتوقع علماء الفيزياء المتأثرين بقوانين الجاذبية.. إلى أن اقتنعوا بوجود مادة 

سوداء في الكون لا يرونها وأنها هي السبب وراء تزايد سرعة التمدد...

فهل أخبر القرآن عن ذلك؟

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : * تمدد الكون

نعم، لقد أخبر القرآن ذلك... اقرأ في سورة الذاريات هذه الآية الكريمة، يقول الحق تبارك وتعالى: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (سورة الذاريات:47)

"And the heaven we constructed with strength and indeed we are its expanders"

إن كلمة موسعون تعني الاستمرارية أي أنها دليل على أن الكون مستمر في 

التمدد. في حين أن العلماء ما زالوا أمام ثلاث نظريات إحداها تقول بأن كثافة المادة (الكتلة/ الطاقة) في الكون أقل من القيمة الحرجة وبالتالي فإن المجرات افتكت من قوة الجاذبية مما يعني أن الكون سيتمدد إلى ما لا نهاية. فما هي هذه القيمة الحرجة للكثافة؟ إنها تساوي 10 مرفوع للقوة (-29 ) جرام / سم مكعب أي ما يساوي خمس ذرات هيدروجين في المتر المكعب. وهذا يعد قليلا بالنسبة لكثافة الماء التي تساوي 500 بليون بليون بليون ذرة هيدروجين في المتر المكعب.

وأما النظرية الثانية فتقول إن كثافة المادة في الكون تساوي القيمة الحرجة وفي هذه الحالة فإن الكون يتمدد بفعل الانفجار الكوني الأول إلا أنه سيتباطأ إلى أن يصبح معدل التمدد صفرا وهذه تسمى نظرية الكون المسطح.

والنظرية الثالثة فتقول إن كثافة المادة في الكون هي أكبر من الكثافة الحرجة 

وبالتالي فإن قوة الجاذبية ستتغلب وسيبدأ الكون بالانكماش إلى أن يحصل الانكماش الأول أو ما يمكن التعبير عنه بلغة القرآن بالرتق بعد الفتق.

غيّر قانون تمدد الكون الذي اكتشفه أدوين هابل الطريقة التي كان علماء الفلك والفيزيائيون يفكرون بها، حيث كان الجميع ينظر إلى الكون أنه ساكن بما فيهم أينشتين، الأمر الذي دعاه إلى وضع ثابت التثاقل( عجلة التثاقل) في قانون النسبية العام كاحتياط أن يظهر شيء جديد يغير هذا القانون. وبعد اكتشاف هابل أن الكون يتمدد الكون، كان لابد لأينشتين أن يمحو ثابت التثاقل من قانونه، وقال في هذا الشأن أن "هذه أول مرة أندم فيها على خطأ كبير".

ومن منطلق أن الكون يتمدد... فإنه قابل للانكماش لأن أي شيء قابل للتمدد.. هو قابل للانكماش.. مما يدعونا، من حيث الحساب الكمي(Quantum Mech.) ، أن نعتقد أن الكون كان يوما حجمه مساو للصفر. ومن نفس القانون الكمي لابد وأن تكون طاقتها تساوي اللانهائية.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية 

والثلاثون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : * تمدد الكون

وهناك عدة أدلة دامغة تؤيد نظرية الانفجار الكوني العظيم وتجعلها حقيقة كائنة وهي :الدليل الأول

أثبت العلماء بما لا يدع مجالا للشك أن الكون آخذ في الاتساع عن طريق ما يعرف بالإزاحة الحمراء (Red Shift) لأطياف المجرات. وأن سرعة ارتداد المجرات يزداد كلما بعدت عنا، حتى أن سرعة أشباه المجرات "الكوازرات" تبلغ سرعة ارتدادها حوالي تسعة أعشار سرعة الضوء.. أي قرابة 270.000 كيلو متر في الثانية الواحدة. وإذا كان إثبات أن الكون يتسع يُعد أعظم كشف في القرن العشرين، فإن سبب الاتساع مازال يحير العلماء مع أن الأمر هين إذا اندرج تحت قدرة الله الذى يقول: ((وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)) (الذاريات:47). وبما أن الكون يتسع باستمرار منذ نشأته وحتى الآن فلابد أنه كان في بدايته مضموما؛ أي رتقا.الدليل الثاني الإشعاع الكوني الميكرويفي (Cosmic background Radiation) الذي تم رصده.

وهذا الإشعاع مصدره الانفجار العظيم. إنها بقايا أصلية تمثل عينة من الانفجار الكوني الأول.

وأخيرا، يقول تعالى: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) (فصلت:53).

لقد وعد الحق تبارك وتعالى أن يري الإنسان.. في حال المستقبل آياته ومعجزاته في هذه الكون (الآفاق)، وكذلك في نفسه لأن قوته العظمى تكمن في هذين: آفاق الكون، والنفس البشرية.

لقد وعد الله عبده أن يريه ما كان قد أخفاه عنه في الأيام الخالية.. الذي كان قد بلغ من البعد ما كاد به أن يخفي.. وما كان القرب ما كاد الا يري.

وإن هذه الآيات الإعجازية.. في الآفاق.. قد كانت كائنة، منذ بداية الكون والخلق، أي منذ الانفجار الكوني الأول(Big Bang) ولكنها أغشيت عن أبصارنا.. حتى جاء وقت الاكتشافات العلمية.. فواكب ظهور ووضوح الآية القرآنية الإعجازية مع اكتشاف الآية الكونية.. وذلك حين ظهر التلسكوب في عام 1609م.. وبهذا أرانا الله بوعده الحق الذي كان خفي علينا رؤياه.. فيما مضى.. وهذه التي أشار الحق اليها بكلمة"في الآفاق".

[ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي- تمدد الكون - د. حامد الحامد ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة

والثلاثون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* من آيات الله في النمل

قال الله تعالى:(قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) صدق الله العظيم

في هذه الآية الكريمة يأمر الله الإنسان أن ينظر إلى السماوات والأرض ليرى العديد والعديد من آيات إعجاز الله الخالق المصور في مخلوقاته. 

وفى هذه المقالة سوف نلقى الضوء عن آيات الله في حيوان صغير جدا وضعيف وبعض الناس يستهينون به. انه حيوان من شعبة مفصليات الأرجل  phylum: Arthropoda ويتبع طائفة الحشرات Class: Insecta.

من منا لم يشاهد هذه الحشرة الصغيرة وهى تمشى في صفوف منظمة بحثا عن الغذاء ومن منا لم يشاهدها وهى تتعاون مع بعضها البعض في حمل حشرة ميتة تفوق حجمها عشرات المرات. هل عرفتوا أحبائي في الله هذه الحشرة ؟؟؟؟؟؟ إنـــــها حشرة النمل :

والتي خصص الله سبحانه وتعالى سورة بأكملها لهذا المخلوق ليتعلم منه الإنسان العديد والعديد من الدروس والعبر ومن أهمها الحياة الاجتماعية التي يتعاون فيها الأفراد مع بعضهم البعض ونتعلم أيضا حب العمل والإخلاص فيه والنظام والنظافة والتفاني من اجل الآخرين ونتعلم منه محاربة الأعداء والدفاع عن أفراد مملكتها. ( ما هذا كل هذا نتعلمه من هذا المخلوق الصغير الضعيف؟ نعم أحبائي لا تتعجبون !! وأكثر من ذلك بكثير) سبحانه وتعالى (الذي أحسن كل شيء خلقه)  السجدة: 7.

النمل يمثل حوالي 20% من الكائنات الحية على كوكب الأرض ويوجد حتى عام 2006 حوالي 11.844 نوع معروف من النمل معظمه يعيش في المناطق الحارة. وظهر النمل منذ حوالي 92 مليون سنة فهو من أقدم الكائنات الحية على وجه الأرض. ويعيش النمل في أعشاش ويختلف شكلها ومكان تواجدها بناء على نوع النمل. وأعشاش النمل قد تصل إلى 40قدم تحت سطح الأرض وقد تمكن العلماء الأوروبيين باكتشاف مستعمرة هائلة للنمل تمتد لآلاف الأميال من ايطاليا إلى شمال غرب أسبانيا(1). 

 ويتغذى النمل على الحشرات الميتة و الندوة العسلية لحشرة المن والعسل وبعضها يتغذى على بذور النباتات. ويحتاج النمل في غذائه إلى المواد الكربوهيدراتية والبروتين وخاصة البروتين الذي تحتاجه الملكة لإنتاج كمية كبيرة من البيض وأيضاً لنمو يرقات النمل. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة

والثلاثون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* من آيات الله في النمل

وهنا سؤال: هل اعترض احد منكم طريق مجموعة من النمل وهي تسير في طريقها من مصدر الغذاء إلى عشها وشاهد رد فعل هذا النمل  وماذا يفعل في هذا الموقف ؟؟؟؟؟؟؟

إن النمل يقوم بإفراز مواد كيمائية تسمى ( الفرمونات) لها رائحة مميزة لكل مملكة 

نمل تقوم الشغالات بإفرازها إثناء سيرها على الأرض وعن طريقها تسير باقي أفراد النمل.

فلو أن هناك مجموعة من النمل تسير من عشها nestتجاه مصدر الغذاء foodفإننا نلاحظ أن النمل يوزع نفسه كالأتي, اكبر الشغالات حجما تتقدم المسيرة من بداية مصدر الغذاء وأخرى في مؤخرة المسيرة بالقرب من العش لتحمى باقي أفراد النمل التي تسير في صفين احديهما في اتجاه العش والأخر في اتجاه الغذاء حول مصدر الفرمون. وعندما نعترض طريق النمل بعقبة ما نجد أن النمل يفقد كمية كبيرة من الهرمون الموجود على طريق سيره ولهذا يقسم نفسه إلى مجموعتين: مجموعة تسير يمين العقبة بزاوية مائلة قيمتها 60 درجة والمجموعة الثانية تسير يسار العقبة بنفس قيمة الزاوية بعد ذلك يقوم النمل بتركيز الفرمون من جديد في اتجاه واحد ويسيروا جميعهم في هذا الاتجاه بعيدا عن العقبة بزاوية مائلة 60درجة.

من علم هذه الحشرة الصغيرة هذا السلوك وهذا التخطيط المنظم انه الخالق سبحانه وتعالى إن قوله الحق عندما قال تعال: ( ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) طه:50 أي سوى خلق كل دابة ثم هداها لما يصلحها وعلمها إياه.

هيا بنا نقترب سوياً من مملكة النمل ونتعرف على كل فرد من أفرادها والأعمال التي يقوم بها كل فرد منهم :-

1- الملكة: Queen

وهى اكبر الأفراد حجما والملكة الحديثة النمو لها زوجين من الأجنحة وبعد التلقيح 

تقوم بنزع أجنحتها وتظل بدون أجنحة  وفى هذه الحالة نجدها تشبه 

الشغالات فيما عدا أنها اكبر حجما منها. وتعيش الملكة من 10: 20 سنة 

ووظيفتها إنتاج البيض ورعاية الأطوار اليرقية وتغذيتهم. إن هذه الحشرة الصغيرة 

تعلمنا كيف نعتني بأبنائنا ونحافظ عليهم ونرعاهم سبحان الله الذي علمها كل هذه الأشياء.

2- الذكور: Males 

وهى تلي الملكات في الحجم ولها أيضا زوجين من الأجنحة ووظيفتها تلقيح الأنثى ثم تموت بعد التلقيح مباشرة. ويعيش الذكر أسابيع قليلة .

3- الشغالات: Workers 

اقل حجما من الذكور وعديمة الأجنحة وهى عبارة عن  إناث عقيمة وتقوم الشغالات بجميع المهام من حراسة العش وتنظيف وجمع الغذاء وتخزينه وعمل العشوش  وبعضها يقوم بالفلاحة ونجد أن بعض الشغالات تكون اكبر حجما من باقي الشغالات وذات فكوك قوية  تسمى العساكر  Soldiersتقوم بالدفاع عن باقي أفراد المملكة من أي عدو خارجي. وتعيش الشغالات من سنه إلى 5 سنوات.

قال تعالى: ( ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم) هود: 56

صدقت يا الله فهذه الحشرة الصغيرة عرَّفها الخالق عز وجل المهام التي يقوم كل فرد من أفرادها بها.                                                                                                                                                                                           إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة

والثلاثون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* من آيات الله في النمل

هيا بنا أحبائي في الله نرى عظمة الخالق أكثر  ونقول معا سبحانك يا الله عندما نتعرف معا على اجزاء جسم النمل.

أولا: الرأس  Head 

وهى المنطقة الأمامية من الجسم وتحمل الرأس زوج من قرون الاستشعار 

(Antennae) وهى أعضاء حسية مسئولة عن الشم وتذوق الطعام حيث 

تقوم النملة بتحريك قرون الاستشعار ناحية الأرض لتتحسس الأرض  وتدفعهم في الغذاء لتشم رائحته كما أنها تهتدي إلى مكان الغذاء عن طريق قرون استشعارها.

يوجد أيضا في مقدمة الرأس أجزاء فم النمل وهى من النوع القارض حيث تتكون من زوج من الفكوك العليا القوية الحادة المسننة ويوجد على حافتها مجموعة من الشعرات وتستخدم النملة هذه الفكوك في طحن وتفتيت الغذاء كما أنها تستخدمها في حمل الصغار من مكان لمكان آخر في العش وأيضا في رأس نملة مكبرة بالمجهر الإلكتروني فسبحان الله

محاربة الأعداء وبعض الأنواع تستخدمها في بناء العشوش عن طريق استخدامها 

في حفر الأرض لعمل الإنفاق. ويوجد أسفل هذه الفكوك زوج آخر من الفكوك تسمى الفكوك السفلى والتي تساعد الفكوك العليا في تفتيت الغذاء وتستخدمها أيضا في تنظيف أرجلها الأمامية (كيف يتم ذلك؟) عن طريق مجموعة من الأمشاط موجودة على سطح الفك السفلى فتقوم النملة بإدخال رجلها الأمامية بين حافتي الفكين السفليين وتمررها بينهم وبذلك تنظف رجليها بما يعلق بها من أتربة أو قاذورات قبل دخولها إلى العش. بالإضافة للفكوك يوجد أيضا شفة عليا وشفة سفلى تساعد الفكوك في إسناد الطعام وإدخاله إلى فتحة الفم.

كما يوجد على منطقة الرأس زوج من العيون المركبة التي تتركب من عدد من العدسات الموجودة بجانب بعضها والتي يختلف عددها باختلاف أنواع النمل فهي تتراوح من 6: 1000 عدسة. بذلك نجد أن النمل له قوة أبصار قوية يميز بها الأشياء الثابتة والمتحركة.

صدق الله  القدير الحسيب عندما قال تعالى ( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) النحل:88

ثانيا: الصدر: Thorax Alitrunk or هي المنطقة التي تلي الرأس مباشرة 

وتتكون من ثلاث حلقات تتمفصل مع بعضها البعض وتحمل كل حلقة زوج من أرجل المشي  والتي تستخدمها أيضا في الإمساك بالغذاء وتنظيف قرون الاستشعار وذلك بتمرير قرن الاستشعار بين الزوج الأول من الأرجل والتي يوجد عليها العديد من الشعرات التي تعمل على تنظيف قرن الاستشعار. كما يوجد على الحلقة الثانية والثالثة في كلا من الذكور والملكات زوجين من الأجنحة تستخدمها في الطيران.

ونجد أن نهاية منطقة الصدر عبارة عن منطقة ضيقة مكونة من قطعة واحدة أو قطعتين ومتصلين بمنطقة البطن هذه المنطقة الضيقة تسمى (الخصر) Petioleوسبحان الله الخالق الذي أتقن صنعه نجد أن منطقة الخصر تسهل على النمل انثناء جسمه بمرونة وسهولة وهو موجود داخل أنفاقه تحت الأرض وكذلك تسهل عليه المرور بين الشقوق الضيقة بسهولة ويسر.

 يوضح شكل الرأس على اليسار وشكل الفكوك العليا على يمين الصورة في نوعين من النمل من منا لم يسمع عن المضادات الحيوية ضد الميكروبات البكتيرية والفيروسية والفطرية والتي يقوم الإنسان بتصنيعها !!! هل تصدقوا أحبائي في الله أن النمل يقوم بإنتاج مضادات حيوية مطهرة ضد البكتريا والفطريات والفيروسات  ؟؟؟؟؟ نعم إنها تنتجها من غدة تسمى (Metapleural gland)موجودة على جانبي الحلقة الثالثة للصدر ويعمل إفرازها على قتل أي ميكروب موجود داخل أعشاش النمل.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة

والثلاثون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : 

* من آيات الله في النمل

ثالثا: البطن  Abdomen:  Gaster

وهى آخر منطقة في الجسم وتتكون من عدد من الحلقات المتداخلة مع بعضها بشكل تلسكوبي ونجد أن أكثر الحلقات اتساعاً هي المنطقة الوسطية حيث يوجد الجهاز الهضمي في هذه المنطقة. ونجد أن نهاية البطن في الشغالات تنتهي  بتركيب يشبه الإبرة يسمى اللاسعة Stiger  تستخدمها في الدفاع عن نفسها ضد أعدائها وبعض الأنواع لا يوجد بها هذا التركيب ولكن توجد غدة تسمى غدة السم في نهاية البطن ولها فتحة تقوم الشغالة بحقن السم من خلال هذه الفتحة إلى أي حيوان صغير يقوم بمهاجمة العش وهذا السم يعمل على قتل الحيوان ثم تقوم بسحبة وإدخاله إلى العش للتغذية عليه.

قال تعالى: (حَتَّى إِذَا  أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا  يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)  النمل:18

لقد توقفت أمام هذه الآية الكريمة وتعجبت كثيرا وسالت نفسي أسئلة كثيرة:  كيف عرفت هذه النملة سيدنا سليمان وجنوده؟ وكيف شعرت بوجودهم هل هي حاسة الإبصار القوية أم حاسة السمع أم الاثنين معا؟ وما هذا الذكاء الذي تتمتع به هذه النملة ؟ هل لها مخ تميز به وتعرف أن سليمان وجنوده سوف يدوسونهم وهم لا يشعرون ؟ هل هذه النملة لها قلب وينبض بسرعة من شدة خوفها من هذا الموقف؟ هل تتنفس هذه النملة وسرعة تنفسها زادت من شدة خوفها؟؟؟؟!!!!!

لقد توصل العلم إلى إجابات هذه الأسئلة عندما أوضح العلماء  أن النمل له قوة سمع قوية عن طريق وجود مجموعة كبيرة من الخلايا تسمى (Chordotonal organs) والتي تنتشر على قرون الاستشعار والأرجل والرأس والصدر وعن طريقها يسمع النمل أي اهتزازات أو تحركات على المكان الذي يسير عليه وبهذا فقد عرفنا أن هذه النملة شعرت بتحركات سيدنا سليمان وجنوده على الأرض بالإضافة إلى رؤيتها لهم بأعينها المركبة.

كما أن للنملة جهاز عصبي يتكون من مخ  brainموجود في منطقة الرأس ثم يتفرع منه حبل عصبي والذي يمتد إلى باقي أجزاء الجسم حيث يستقبل المخ أي مؤثرات عصبية حسية خارجية من خلال قرون الاستشعار وينقلها إلى داخل الجسم. كما يوجد للنمل قلب (heart) نابض عبارة عن أنبوبة صغيرة تمتد من نهاية الرأس حتى منطقة البطن ويحتوى جدار هذه الأنبوبة على عضلات لها القدرة على الانقباض والانبساط لتدفع الدم إلى باقي أجزاء الجسم وينظم عملية مرور الدم مجموعة من الفتحات تسمى صمامات تتحكم في مرور الدم.

كما أن للنمل جهاز تنفسي عبارة عن مجموعة من التفرعات الأنبوبية تسمى 

القصبات الهوائية والتي تمد جسم النملة بالأكسجين حيث يتم دخوله من خلال فتحات على جانبي جسم النملة ويخرج ثاني أكسيد الكربون من خلال تلك الفتحات أيضا. لا تتعجبوا أحبائي في الله انه الله القادر على كل شيء والذي أتقن صنع كل شيء خلقه(  هو الله الخالق المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما فى السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم)  الحشر:24  صدق الله العظيم

المراجع:

1-http://iridia.ulb.ac.be/~mdorigo/ACO/RealAnts.html

http://en.wikipedia.org/wiki/Eusociality2-

http://members.fortunecity.com/phylcage3-

2- http://tolweb.org/onlinecontributors/app?service=external/ViewTreehouse&sp=l2482#basic

[الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي- من آيات الله في النمل - بقلم مروة عزمى مختار جنينة - مدرس مساعد بقسم الحيوان الزراعي بكلية الزراعة جامعة المنصورة- مصر]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة

والثلاثون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الساعة البيولوجية في الحيوانات والحشرات

قال تعالى :( قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى {49} قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) قال المفسرون على الآيات :

ربكما : أي رب موسى وهارون (رب العالمين سبحانه وتعالى ) .

خلقه : صورته اللائقة بخاصتة

هدى : أرشده إلى ما يصلح له.

في هذه الآيات الكريمات يقرر القرآن الكريم في إعجاز يأخذ بالألباب أن الله 

سبحانه وتعالى هو الذي أعطى كل شيء (من إنسان ونبات وحيوان وكائنات حية دقيقة وجماد) صورته اللائقة بخاصته ثم أرشده إلى ما يصلح له.

وسوف نتناول في هذه المقالة أحد أوجه الإرشاد الربانية للكائنات الحية إلى ما يصلح من شأنها ألا وهي الساعة البيولوجية.

لقد قضى مايكل ميناكر Michael Menakerمن جامعة فرجينيا سنوات في دراسة الساعة البيولوجية في بعض الكائنات الحية. فوجد أن الحيوانات التي درسها (السناجب Hamsters، الضفادع Frogs، الاجوانا Iguana(من الزواحف) يوجد بها خلايا تعمل كالساعة Clock cells، وتقع في شبكية العينRetina، وقام بجمع هذه الخلايا وحفظها حية في محاليل مغذية، وبدأ يلاحظ دقاتها أو إيقاعاتها الزمنية.

ماذا وجد؟ وجد أنها تسلك سلوكاً متشابهاً في كل هذه الحيوانات، فتساءل: ما الذي تستفيده هذه الحيوانات من معرفة الوقت؟

والإجابة بسيطة: من مصلحة هذه الحيوانات أن تعرف الوقت مهما كان موقعها في سلم الحياة والرقى، هذه الحيوانات تحاول دائما أن تجد فريستها مع عدم وقوعها فريسة لغيرها، كما أن بعضها يجد الليل مناسبا للبحث عن الطعام والاختباء بعيدا عن أعين الأعداء، وهذه تعرف بالحيوانات الليليةNocturnal يقول  الله تعالى: ( وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم) سورة الأنعام الآية 13.

والبعض الآخر يجد الليل مظلماً بارداً لا يصلح للصيد فيفضل قضاؤه في النوم حتى يستطيع أن يستيقظ مبكراً للبحث عما كتبه الله له من رزق في هذا اليوم الجديد، وهذه تعرف بالحيوانات النهارية Diurnal والإنسان يقع ضمن هذه الفئة الأخيرة.

(وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم000) سورة الإسراء، الآية 12.(وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا )سورة النبأ، الآية 10، 11

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة

والثلاثون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الساعة البيولوجية في الحيوانات والحشرات

التنبؤ عند الحيوانات

  من مصلحة الحيوانات كذلك أن تتنبأ Predictأو تتوقع التغيراتالبيئية، وتستعد لها أفضل من أن تتفاعل معهاReact بعد حدوثها. فمثلا التناسل في كثير من الأنواع يحدث في أوقات محددة خلال العام. فالنباتات تنتج حبوب اللقاحPollen  في الوقت الذي تنشط فيه الملقحات Pollinators،والحيوانات تلد عند اعتدال الجو وتوفر المرعى الأخضر.والفترة الضوئيةPhotoperiod هي التي تحكم التناسل في هذه الأنواع، خاصة في المناطق البعيدة عن خط الاستواءEquator حيث يحدث اختلاف واضح في طول الليل والنهار في المواسم المختلفة. والأغنام في البلاد الشمالية مثل بريطانيا مثلاً موسمية التناسل Seasonal breeder حيث تدخل موسم التناسل عندما تبدأ الفترة الضوئية في النقصان، ويكون ذلك في بداية فصل الخريف ومن هنا جاءت التسمية  Short-day breeders(أي الحيوانات التي تتناسل في النهار القصير)

وعلى العكس منها أنواع أخرى من الحيوانات مثل الخيل الموسمية تدخل موسم التناسل عندما تبدأ الفترة الضوئية في الازدياد (الربيع) أي أنهاLong-day breeders ، والهدف في كلا الحالتين واحد: الولادة في الوقت المناسب. وتجدر الإشارة إلى أن طول فترة الحمل تبلغ حوالي خمسة شهور في الأغنام، 11 شهرا في الخيل. وإذا عرفنا أن هناك أنواعاً من الحيوانات مثل الكلاب والذئاب والثعالب والدببة تتناسل مرة واحدة في العام لأدركنا أهمية معرفة الوقت بالنسبة لهذه الأنواع، إنه مسألة حياة أو موت بالنسبة لها، لأنها إذا لم تتناسل في هذه الفترة المحدودة والتي تستمر لبضعة أيام فقط خلال العام كله، فإن عليها أن تنتظر عاما آخر إذا كان في العمر بقية. مع العلم بأن الأنثى في الحيوانات لا تقبل الذكر في أي وقت، وإنما في وقت محدد من الدورة التناسليةEstrous cycle ، ويكون بغرض إخصاب البويضات.

 والحشرات التي تتميز بالبيات الشتوي مثل الذبابة المنزلية، والخنفساء المرقطة،

 وبعض أنواع الفراشات والبعوض، قبل دخولها في البيات الشتوي، فإن دم اليرقة أو العذراء أو الحشرة الكاملة - أيا كانت - ينتج مواد تسمى جليكولاتGlycols تشبه المواد المانعة للتجمدAntifreeze  . هذه المواد

نوع من أنواع الخنافس يقوم بالبيات الشتوي تحت الثلج هي التي تمكن الحشرات من تحمل البرد القارص. ويعتقد العلماء أن إنتاج الجليكولات يبدأ عندما تقل الفترة الضوئيةPhoto-period  أي عندما يبدأ طول النهار في النقصان، وذلك في الخريف وبداية الشتاء. ويقل إنتاج الجليكولات بعد انتهاء الشتاء وقدوم الربيع حيث تستبدل بالدم الطبيعي، ويستعد الدب لبياته الشتوي بابتلاع كميات كبيرة من الطعام في أواخر فصل الصيف لتخزينه في جسمه على هيئة دهن، وحينما يحل الشتاء ويندر الطعام، يذهب الدب للنوم في أحد الكهوف أو الحفر الجليدية التي يكون قد أعدها لنفسه. 

والطيور المهاجرة تبدأ في تخزين الطعام في أجسامها لتسمن قبل موعد هجرتها بأسابيع. والجراد   Locustsيهاجر في أسراب كبيرة في مواعيد محددة إلى أماكن بعيدة، وهجرته ليست بسبب الجوع أو ندرة الغذاء، فقد يهاجر من أرض ذات غذاء وفير، ولكن الوقت قد حان للهجرة، وبعد وصوله إلى غايته في الوقت المحدد أيضا فانه يقضى على كل مظاهر الحياة النباتية في المكان الجديد شر قضاء. 

    أنظر إلى النحلةHoneybee أيضا لتعرف أهمية الوقت بالنسبة لها لقد علمها الخالق جل شأنه أن تضبط الوقت بدقة متناهية، فإذا ما وجدت زهرة متفتحة أثناء رحلتها للبحث عن الطعام وحطت رحالها عليها لتمتص منها الرحيق، فإنها تسجل الوقت والمكان بدقة متناهية، وفى اليوم التالي يتلقى مخها إشارة بأن الوقت قد حان وأن عليها زيارة تلك الزهرة لجمع الرحيق، ولو فرض ولم تجد رحيقا في اليوم التالي فإنها تسجل ذلك في مخها أيضا، وتذهب إلى زهرة أخرى وتسجلها عندها، وفى النهاية يتكون لديها سجل تفصيلي عن هذا الحقل الذي تطير إليه يوميا لجمع الرحيق منه، فالوقت كل شئ في حياتها.

 النحلة أيضا لتعرف أهمية الوقت بالنسبة لها لقد علمها الخالق جل شأنه أن تضبط الوقت بدقة متناهيةوقد استنتج العلماء أن الساعة البيولوجية لابد وأن تكون قديمة قدم الحياة نفسها وأن الخالق العظيم قد وهبها لجميع المخلوقات، كل وما يناسبه من الساعات، ولم يحرم منها كائن من كان حتى، ولو كان هذا الكائن وحيد الخلية، كما اعترفت بذلك الأبحاث الحديثة. وهذا إن دل فإنما يدل على أهمية الوقت في حياتنا وحياة جميع الكائنات الحية. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالتاسعة

والثلاثون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*حتى النبات لديه ساعة بيولوجية

رغم أن النباتات تبدو ساكنة وصامتة، إلا أن بداخلها ساعة بيولوجية تدق على مدار 24 ساعة يومياً مثلها مثل الحيوانات والحشرات،هذا ما أكتشفه الباحثون خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وفى دراسة نشرت في عدد ديسمبر 2002 من مجلة فسيولوجيا النباتPlant physiology   ، تقول أنه كما يحتاج البشر إلى ساعة توقظهم من نومهم وتنظم لهم مواعيدهم، كذلك النباتات تحتاج إلى من يخبرها بموعد شروق شمس الصباح حتى تهيئ نفسها، وتستعد للقيام بمهامها. ويتم ضبط الساعة النباتية بها بحيث تعطى إنذاراٍ للنبات في فترة الضحى بأن يستعد لضوء الشمس الشديد، وينشط العمليات التي تقوم بالتمثيل الضوئي وتصنيع الغذاء. هذا ما يقوله أوتار ماتو  Autar K. Mattooالإخصائى في فسيولوجيا النبات في معمل بحوث الخدمات الزراعية، ويضيف أن ساعة

النبات تتحكم في إنزيم يقوم بتحوير أو تعديل بروتين يسمىD1 هذا البروتين

 مهم جداً في عملية التمثيل الضوئي  Photosynthesis ، وهى العملية التي تستخلص بها النباتات الضوء وتستخدمه في تحويل ثاني أكسيد الكربون والماء والعناصر المعدنية الذائبة في التربة إلى غذاء. وحينما يتحدD1  مع الفوسفور ينتج بروتين معدل في البلاستيدات الخضراءChloroplasts  فى النبات، ويعتقد العلماء أن البروتين المعدل يجبر النبات على تعديل التمثيل الغذائي بحيث يحمى نفسه من الضوء الشديد. وهذه نعمة من نعم الخالق عز وجل على النبات لأن جذوره مثبته في الأرض ولا يستطيع الحراك أو الفرار عندما ترتفع حرارة الشمس ويشتد لهيبها. ويقول ماتوMatto عندما يتعرض النبات للأشعة فوق البنفسجيةU.V.  بكثافة شديدة فإنه ينتج جزيئات تسمى فلافونويداتFlavonoids تعمل بمثابة مصفاة وقائية أو مرهم ضد الشمسSunscreen ، وعندما يحل الغروب تتوقف الساعة في النبات، وقد ينام النبات كما يفعل البشر. والساعة النباتية يتم التحكم فيها بالجينات والبروتينات مثل ساعة البشر تقريباً. ويقول ماتو أن هذه الدراسة قد تساعد العلماء على اكتشاف الطرق التي يمكن بها مساعدة النباتات على إنتاج غذاء أكثر وبكفاءة أكبر. أننا عندما ننظر إلى الآلية التي تعمل بها ندرك مدى الروعة والدقة والتعقيد الذي إن دل فإنما يدل على إبداع الخالق { صنع الله الذي أتقن

 كل شئ إنه خبير بما تفعلون}

المصادر:

1-الساعة البيولوجية ....كيف تعمل وكيف تؤثر فى صحة الإنسان وحياته ؟ الأستاذ الدكتور/ مسعد شتيوى . مجلة أسيوط لدراسات البيئة

2- شبكة مصر اليوم 3- منتديات شبكة أوز

http://www.ars.usda.gov/aboutus/50th/conference/bio/bio.AutarMattoo.htm

[الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي- آيات الله فى الافاق - الحيوان الساعة البيولوجية في الحيوانات والحشرات - د. محمد محمد السقا عيد ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالأربعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* خلق الإنسان تقدير وقصد

ارتبط موضوع أصل الحياة والإنسان في تاريخ العلوم بالداروينية نسبة إلى 

دارون في كتابه "أصل الأنواع" الذي صدر في منتصف القرن التاسع عشر وقال فيه بتطور أنواع الأحياء بآليات افترضها مضمونها الصدفة, وخالفته الكشوف العلمية لاحقا فغير أنصاره الملامح تحت اسم الداروينية الجديدة مع استمرار الحفاظ على مضمون الصدفة, ويفترض سؤال اتفاق علماء الطبيعة عليها ابتداء فيقول: (هل هناك اتّفاق بين المختصين في العلوم وبين علماء الإسلام في مسألة أصل الإنسان؟), ولكن لم يتفق المختصون عليها بحيث يصادم علماء الإسلام الواقع إذا خالفوهم, ومستعينا بالله تعالى أوجز القول في ضوء ثوابت علم الأحياء Biology وعلم تاريخ الإنسان Anthropology مبينا أن النقطة الجوهرية هي رفض فلسفة الحدوث ذاتيا صدفة مهما كانت كيفيات تقدير الخلق وفق ما يكشفها العلم, وأن تدرج التنويع ليس بالضرورة تطورًا, وذلك في النقاط التالية:

(1) معجزة التنويع في الخلق:

هل تصدق أن هذا البيت المنظم الأثاث بنى نفسه ورتب الأثاث نفسه صدفة!!

أعلن مِندل عن اكتشاف قوانين الوراثة عام 1865 فمهد لولادة علم الوراثة 

Genetics في أوائل القرن العشرين, وقبل نشوء علم الوراثة ومعرفة دور

 الجينات في الحفاظ على صفات النوع وراثيًا رأى لامارك Lamarck عام 1809 أن أفراد الكائنات الحية تنقل السمات التي اكتسبتها في حياتها إلى الأبناء، فالزرافة مثلا تطورت عن طريق إطالة أعناقها شيئاً فشيئاً عندما كانت تحاول الوصول إلى الأغصان الأعلى، ولم يدرك دارون كذلك آلية الحفاظ على توريث صفات النوع وإن تنوعت الأفراد فافترض تغيره ذاتيا صدفة لأسباب خارجية عزاها إلى الطبيعة, ولكنها لا تمتلك إرادة واعية لتقرر ما ينفع وتنسق العمل بين الأعضاء وبين الذكر والأنثى فلا بد إذن من قوة عليا مدبرة, ومن المسلمات عند العقلاء أن البيت المرتب الأثاث لا يبني نفسه وينظم أثاثه ذاتيا وأنه لا بد من إرادة واعية بنته ورتبته, ولكن الفلسفة المادية Materialism أفرزت نظرية التطور عام 1859 مخالفة أبسط المسلمات عندما افترضت أن الفوضى Chaos يمكن أن تصنع نظاما وأن الترتيب يوجد ذاتيا صدفة, فجوهرها في تفسير معجزة تنوع الأحياء هو إبداعات الصدفة ولذا من الأولى كشف القناع بتسميتها "نظرية الصدفة", ولكن أدى اكتشاف تركيب الحمض النوويDNA  البالغ التعقيد ليحافظ على سمات أسلاف كل نوع ويورثها للنسل إلى نقض قواعد نظرية دارون من الأساس, ومع ذلك استمر ترويجها مما يعكس غرضا عقائديا أكثر من كونها اهتمامات علمية بحتة.

وتدّعي الداروينية Darwinism أن الحياة بدأت بخلية تكونت صدفة من مركبات غير عضوية في ظروف أولية للأرض, ولكن لم ينجح أبداً أي شخص في تكوين تركيب خلوي واحد من مواد بسيطة ولا حتى في أكثر المختبرات تطوراً, والخلية أكثر تعقيدا وروعة في أداء وظائف الحياة مما كان يظن دارون في القرن التاسع عشر فهي تحتوي على محطات لتوليد الطاقة ومصانعَ مدهشة لإنتاج الإنزيمات والهرمونات اللازمة للحياة ونظم نقلٍ وخطوطَ أنابيب معقدة لنقل المواد الخام والمنتجات ومختبرات بارعة ومحطات تكرير تحلل المواد الخام إلى أجزائها الأبسط وبروتينات حراسة متخصصة تغلف أغشية الخلية لمراقبة المواد الداخلة والخارجة وبرنامج بالمعلومات الضرورية لتنسيق الأعمال في وقتها, فهل يُبني هذا كله ذاتيا صدفة!.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالواحدة والأربعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* خلق الإنسان تقدير وقصد

وقد رأى البعض بحساب الاحتمالات أنه أيسر لقرد يعبث بمفاتيح آلة كاتبة أن يصنع قصيدة صدفة من صنع بروتين واحد صدفة فما بالك بالنظام والتخطيط والتصميم البديع الذي نراه في كل الكائنات الحية وجميع التكوينات في الكون أجمعه, ووفق الموسوعة العلمية البريطانية فإن اختيار كل الأحماض الأمينية Amino Acids وهي أساس تكوين البروتينات لتكون عسراء الاتجاه صدفة بلا تدخل واع أشبه بقذف عملة معدنية في الهواء مليون مرة والحصول دائماً على نفس الوجه!, ونشأة خلية حية واحدة من ذاتها يعد احتمالا مستحيلا مثل احتمال قيام القرد بكتابة تاريخ البشرية كله على آلة كاتبة بلا أخطاء, ويعني هذا أن خلية حية واحدة تتحدى مقولة الصدفة, وقد بين السير فِرِد هويل Sir Fred Hoyle  في مقالة نشرت عام 1981 أن احتمال ظهور أشكال الحياة صدفة يقارن بفرصة قيام سيل يمر بساحة خردة بتجميع طائرة بوينج 747 صالحة للطيران, والنتيجة التي يقود إليها العلم والمنطق وليس الإيمان فحسب هي أن كل الكائنات الحية قد جاءت بتخطيط واعي وقصد أكيد, ومن يظل معتقدا في عصرنا بالفلسفة المادية بعدما دحضها العلم في مجالات علمية شتى عليه ألا يحسب نفسه من المحققين, قال ماكس بلانك: "ينبغي على كل من يدرس العلم بجدية أن يقرأ العبارة الآتية على باب محراب العلم: (تَحلَّى بالإيمان)", وقال الدكتور مايكل بيهي: "على مدى الأربعين سنة الماضية اكتشف علم الكيمياء الحيوية.. أسرار الخلية، وقد استلزم ذلك من عشرات الآلاف من الأشخاص تكريس أفضل سنوات حياتهم.. وقد تجسدت نتيجة كل هذه الجهود المتراكمة.. لدراسة الخلية.. في صرخة عالية واضحة حادة تقول: التصميم المبدع! والتصميم الذكي المبدع يؤدي حتماً إلى التسليم بوجود الله"*.

والتبصر في الأسماك والنباتات والحشرات والطيور وحيوانات البر وهي غافلة عنه يعني وجود توجيه وقصد لم تفرضه ضرورة وإنما أملته إرادة عليا تعلم بكل شيء فأعدت للحدث قبل وقوعه, فأقدام البط تمتلك غشاء منذ خروجه من البيض وليس وليد محاولة العوم, والثدي يمتلئ بلبن سميك Colostrum قبيل ولادة الجنين وكأنه على علم مسبق بموعد الولادة, ولا يقل التصميم الذكي في خلية أميبا عن التصميم في خلق فيل فهي تقوم على ضآلتها بنفس الوظائف؛ بل كلما دقت الصنعة اتضح الإبداع وتجلى الإعجاز, فلا يهم إذن هل هو تطوير أم تنويع طالما أدرك النبيه التوجيه والقصد, فهل طال أنف الفيل تطويرا أم تنويعا ليصنع خرطوم كبير قادر على مسك الأشياء!, وهل اختارت بطانة المعدة إفراز حامض ليهضم الغذاء قبل أن تمتصه الأمعاء!, وهل طورت الشجرة نفسها لتسقط الأوراق قبل فصل الشتاء فتحافظ على الغذاء أم هو التقدير والقصد!, وقد وصف تشاندرا كراماسنغي الحقيقة بقوله: "تعرض دماغي لعملية غسيل هائلة كي أعتقدَ أن العلوم لا يمكن أن تتوافق مع أي نوع من أنواع الخلق المقصود.. (ولكني الآن) لا أستطيع أن أجد أية حجة عقلانية تستطيع الوقوف أمام وجهة النظر المؤمنة بالله.. الآن ندرك أن الإجابة المنطقية الوحيدة للحياة هي الخلق وليس الخبط العشوائي غير المقصود", وطريق معرفة آلية التنويع هو البحث العلمي, ولكن بدء النشأة وتجددها في الأحياء والوظائف المحددة لكل تركيب خلوي وانسجام كل عضو مع مثيله وتناسب كل زوج مع بيئته ونظيره هو عند النابهين دليل أكيد على الخلق والتوجيه مهما كانت الكيفيات, وهذا ما يعلنه القرآن الكريم ولا يصعب إدراكه حتى على البسطاء: "سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَىَ. الّذِي خَلَقَ فَسَوّىَ. وَالّذِي قَدّرَ فَهَدَىَ" الأعلى 1-3.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالثانية والأربعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* خلق الإنسان تقدير وقصد

وتحت ضغط الحقيقة أقرت مصطلحات علمية مبدأ الخلق مثل التصميم الذكي 

Intelligent Design والكون الذكي Intelligent universe والتطور المبرمج Programmed Evolution والتطور الموجه بوعي Rational Directed Evolution وكلها تفصح عن تنظيم وتوجيه بلا فوضى وإنما تقدير Predestination فتعلن أن العلم يقود للإيمان, قال الفيزيائي هاوكنج Hawking: "ليس كل تاريخ العلم إلا التحقق التدريجي من أن الأحداث لم تقع بطريقة اعتباطية بل تعكس ترتيب ونظام ضمني أكيد"(1), وقال: "طالما أن للكون بداية (واحدة أكيدة) فحتما لا بد من خالق (واحد)"(2), وقال الشيخ جوهري: "هذا النظام الجميل شاهد عدل على إله نظمه بعلمه وأحكمه بقدرته فإن هذا العالم المشاهد لا يمكن أن يصدر إلا عن إرادة لأن المادة عمياء جاهلة والجاهل لا يعطي علما"(3), والقرآن الكريم يدعو لتأمل تلك الحقيقة وراء الخلق: "أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِيءُ اللّهُ الْخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ إِنّ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ. قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمّ اللّهُ يُنشِىءُ النّشْأَةَ الاَخِرَةَ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" العنكبوت 19و20.

(2) لطمات في تاريخ الداروينية:

دلت أقدم المتحجرات Fossils التي بلغ عمرها حوالي 600 مليون سنة على

 أن الحياة ظهرت بأشكال عديدة فجأة حتى وصف ظهورها بالانفجار Explosion, وظهرت بهيئات بسيطة أولا من اللافقاريات Invertebrates ولكنها معقدة التركيب ابتداء بحيث امتلك بعضها عيون ذات عدسات كالفقاريات Vertebrates, ولا يعلم أحد حتى اليوم على وجه اليقين كيف ظهرت هذه الأنماط المعقدة دون أسلاف سابقة انحدرت منها, ومع هذا التنويع الهائل لا يمكن تفسير نشأة أشكال الحياة إلا بخطوات مقررة مسبقا في سجل خطة الخلق محددة الخطوات عند نشأة الكون نفسه بلا سبق مادة منذ نحو: 10-15 بليون سنة.

وطبقا للداروينية تكونت للأسماك أقدام بدل الزعانف وخرجت للبر لتكون البرمائيات ثم الزواحف ثم الطيور والثدييات, ولكن الفك السفلي للثدييات 

يتكون من عظمة أما في الزواحف فتوجد ثلاث عظام صغيرة على جانبي الفك السفلي, وكل الثدييات لديها ثلاث عظام في أذنها الوسطى هي المطرقة 

والسندان والرِّكاب بينما توجد عظمة واحدة في الأذن الوسطى لدى كل الزواحف, فإذا كان عدد العظام مقياسا للتطور فأيهما أكثر تطورا: ذوات العظام الثلاثة أم العظمة الواحدة أم أن الكل مؤهل في أقصى درجات الكمال بما يناسبه والتسلسل في ظهور الكائنات وانقراضها ما هو إلا تجدد في الإبداع بروعة مذهلة!.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالثالثة والأربعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* خلق الإنسان تقدير وقصد

وكانت الضربة القاصمة للداروينية مع اكتشاف توريث صفات Traits كل نوع بما يحفظ خصائصه, وفي محاولة يائسة افترضت عام 1941 الطفرة Mutation ضمن النظرية التركيبية الحديثة للتطور The Modern Synthetic Evolution Theory, وسميت فرضية التطور البطيء التدريجي نتيجة تراكم تغييرات جينية باسم "الدارونية الجديدة New Darwinism", ولكن ثبت أن الطفرة لم تأت بكائن جديد وإنما بمسخ عقيم إذا لم تكتف بتخريب وظائف الجينات في الحامض النووي الذي يحفظ الصفات, وقد باءت كل المحاولات بفشل ذريع حتى في الإتيان بميزة نافعة واحدة جديدة, فأُدخلت الطفرات على ذبابة الفاكهةDrosophila  جيلاً بعد جيل لأكثر من خمسين سنة فلم ينتج سوى التشوهات ولم تخرج ذبابة واحدة قط بصفة واحدة جديدة محمودة، وأما نتيجة إحداث الطفرات على الإنسان فالمثال الحي ما حدث للسكان الأبرياء في هيروشيما وناجازاكي عام 1945 حيث لم يكتسب ناج بعد إلقاء القنبلتين النوويتين أي صفة وراثية محمودة سوى التشوهات التي طالت الأجنة في بطون الأمهات وإصابة مختلف الأعمار بالسرطان, وفوق ذلك لم يعثر على أي من الأشكال الانتقالية التي من المفترض أن تدعم التطور التدريجي, وكشف التشريح المقارن كذلك أن الأنواع التي يفترض أنها تطورت بعضها من بعض تتسم بسمات تشريحية بعيدة الاختلاف مما يستبعد الانتقال التدريجي, ولذا استبدل بفرضية التطور بقفزات كبيرة متفرقة في بداية السبعينيات.

فاقترح بعضهم على سبيل المثال أن أول طائر خرج من بيضة إحدى الزواحف كطفرة هائلة؛ أي نتيجة صدفة ضخمة حدثت في التركيب الجيني, ولكن 

الطفرات لا تؤدي سوى إلى تلف المعلومات الوراثية ومن ثم فإن الطفرات الكبيرة لن ينتج عنها إلا تلفيات كبيرة، ولكن هل نشأت الحياة ذاتها كطفرة 

فجائية كبيرة! وهل نشأ الكون ذاته كذلك كطفرة ضخمة!, ومضمون الداروينية الجديدة تراكم طفرات عشوائية في التركيب الجيني تدريجيا أو فجائيا ويتم انتقاء سمات أنفع بآلية الانتقاء الطبيعي كأساس للتطور!, ولكنها بوجهيها كالدارونية القديمة تماما لم تكن نظرية علمية أبداً بل كانت مبدأ فلسفي يروج للإلحاد بخفاء حذر, ولو صح الانتقال التدريجي أو الفجائي في نشأة الأنواع فلن يكون ذلك مصادفة بل كعمليات خلق موجهة بوعي.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالرابعة والأربعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* خلق الإنسان تقدير وقصد

(3) التزوير في تاريخ الداروينية:

يقوم الداروينيون بإعادة البناء بالرسوم أو النماذج استناداً إلى بقايا المتحجرات باستخدام التخمين، ويمكنك أن تشكل من جمجمة نموذجا بملامح شمبانزي أو بقسمات فيلسوف ولذا لا تحظى بأي قيمة علمية وإن ضللت العامة, وتعد الرسوم الثلاثة المختلفة لمتحجرة القرد الأفريقي الجنوبي القوي )Australopithecus robustus(  Zinjanthropus  مثالاً شهيراً لمثل هذا التزييف.

ومع ذلك فإن هذه الحيل تبدو بريئة إذا ما قورنت بأعمال التزييف المتعمدة التي ارتكبت في تاريخ الداروينية, فلا يوجد دليل حفري موثوق على وجود حلقة وسيطة بين الإنسان وأقرب الثدييات شبها, فادعى تشارلز داوسون عام 1912 الحلقة المفقودة بعثوره على جزء من جمجمة وعظمة فك داخل حفرة في بيلتداون بإنكلترا فسماه إنسان بِلتْداون Piltdown Man, وعرضت العينة في المتحف البريطاني بزعم أن عمرها خمسمائة ألف سنة وكُتب عنهما ما لا يقل عن خمسمائة رسالة دكتوراه، ولم تكتشف الخدعة إلا عام 1949 عندما اختبر المتحف عمرها بطريقة الفلورين فتبين أن الجمجمة عمرها نحو خمسمائة سنة والفك حديث العهد يرجع لقرد والأدوات الحجرية الموضوعة معهما مقلَّدة فأعلنت الفضيحة عام 1953 على الجمهور.

وفي عام 1922 أعلن مدير المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي عن عثوره على ضرس متحجرة في نبراسكا  يحمل صفات مشتركة بين الإنسان والقرد، فسماه البعض إنسان نبراسكا كما أُعطي له في الحال اسماً معقدا صعب النطق حتى يضفي نوعا من العلمية هو هسبيروبايثيكوس هارولدكوكي Hesperopithecus Haroldcooki, واستناداً إلى الضرس الأوحد رُسمت الرأس وأعيد بناء الجسد تخمينا بل تم رسمه مع زوجته, ولكن في عام 1927 عُثر على أجزاء أخرى من نفس الهيكل العظمي وتبين أن ذلك الضرس الأوحد يخص نوعاً منقرضاً من الخنازير البرية يسمى بروثينوبس Prosthennops.

وشجرة عائلة الإنسان المزعومة تمتد إلى القرد الأفريقي الجنوبي Australopithecus, ومنه نشأ الإنسان مستخدم الأدوات Homo habilis ثم الإنسان منتصب القامة Homo erectus, وأخيرا ظهر الإنسان العاقل Homo sapiens, وأما التصورات الحديثة بنشأة الإنسان في غير أفريقيا أو أنه عاش بجانب القرد الأفريقي فهي دليل على التخبط, والطريقة التي تتحرك بها القردة أسهل وأسرع وأكفأ من مشية الإنسان على قدمين فهو لا يستطيع أن يتحرك بالقفز بين الأشجار, ووفقاً لمنطق نظرية التطور كان حرياً به من هذا الجانب أن يتطور ليصبح من ذوات الأربع, وتبلغ أنواع القردة أكثر من ستة آلاف نوع لم يتبق منها اليوم سوى حوالي مئة وعشرين نوعاً فقط وتمثل البقية المنقرضة مصدراً ثرياً لتزييف الحقائق, والمتحجرات التي يدّعى أنها أسلاف للإنسان فإنها إما تخص قرودا منقرضة أو تخص أجناساً بشرية قديمة عاشت حتى فترة قريبة ولها نفس الهيئة والصفات الجسدية لبعض المجتمعات البشرية اليوم, وفي البحث الحديث الذي أجري في عام 1994 حول قنوات التوازن في الأذن الداخلية تم تصنيف القرد الجنوبي والإنسان مستخدم الأدوات ضمن فئة القردة بينما صُنّف الإنسان منتصب القامة ضمن فئة البشر, وأشهر العينات المكتشفة في أفريقيا ونسبت زورا للإنسان منتصب القامة هي تلك التي عُثر عليها قرب بحيرة توركانا في كينيا ثم تبين لاحقا أنها لغلام في الثانية عشر من عمره لذا سميت متحجرة غلام توركانا Turkana Boy, وما سموه بالنياندرتاليين Neanderthals هم جنس بشرى قد أثبتت الكشوف أنهم  كانوا يدفنون موتاهم ويصنعون الآلات الموسيقية, وإذا كانت سعة الجمجمة معيارا للذكاء فالإنسان الكرومانيوني Cro-Magnon أكثر ذكاء من الإنسان حاليا لأن سعة جمجمته أكبر*.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالخامسة 

والأربعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* خلق الإنسان تقدير وقصد

(4) فلسفة استعمارية:                                                                                                                                   افترض داروين صراع قاس من أجل البقاء في الطبيعة تزول معه أشكال ضعيفة لم تتكيف مع بيئتها تتولد ذاتيا دوما وتبقى أخرى نجحت الصدفة في إبداعها بطريقة أحكم, وبذلك يكون التطور سلسلة من المنتخبات تميزت فيها الأنواع عبر حلقات وسيطة عديدة, ولذا كان العنوان الكامل لكتابه الأول الذي نشر عام 1859 واشتهر باسم "أصل الأنواع" هو: "أصل الأنواع بواسطة الانتقاء الطبيعي أو الحفاظ على الأجناس المفضلة في الصراع من أجل الحياة The Origin of Species by Means of Natural Selection or the Preservation of Favoured Races in the Struggle for life", ولكن علم الأحافير قد قدم ضربات أليمة لفرضية دارون فقد استنفذ الجهد ولم يعثر على أي حلقة وسيطة قط وفعل علم الأحياء نفس الشيء ولم يعثر على كائن واحد قط من أصغر خلية إلى أكبر حيوان غير متكيف مع بيئته تشريحيا ووظيفيا وسلوكيا. 

وفي كتابه الثاني "سلالة الإنسان The Descent of Man" قدم دارون عام 1871 مزاعم حول تطور الإنسان من كائنات شبيهة بالقرود, فبدأ البحث والتنقيب ليس عن متحجرات فحسب بل عن سلالات بشرية حية تمثل الحلقات الوسيطة, فقام أحدهم عام 1904 في الكونغو باصطياد رجل أفريقي متزوج ولديه طفلين، وبعد تقييده بالسلاسل ووضعه في قفص كالحيوان نُقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث تم عرضه على الجمهور في إحدى حدائق الحيوان تصحبه بعض القردة بوصفه أقرب حلقة انتقالية للإنسان الغربي الأبيض, وأخيرا انتحر الرجل المسالم الذي كان يسمى بلغته المحلية أوتا بينجا Ota Benga بمعنى: الصديق*, وليس من قبيل الصدفة أن يُكتب في بروتوكولات حكماء صهيون العبارة التالية: "لاحظوا هنا أن نجاح دارون Darwin.. قد رتبناه من قبل والأمر غير الأخلاقي لاتجاهات هذه العلوم في الفكر الأممي (غير اليهودي) سيكون واضحاً لنا على التأكيد"(4), والزعم بصراع حضارات الأجناس البشرية ليس إلا غرضا استعماريا يتخفى بعباءة علمية زائفة ومضمونه تمييز عنصري, وهو جد الزعم بالإنسان الأمثل Superman سليل الإنسان الغربي الأبيض الذي يسود وتنقرض بقية الشعوب أو تصبح له عبيد, وما زالت البشرية تدفع ثمنا باهظا نتيجة لهذه الأفكار الزائفة التي جعلت دولا معاصرة تمارس همجية الغاب بادعاءات كاذبة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالسادسة 

والأربعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* خلق الإنسان تقدير وقصد

 (5) رأي الكنيسة:                                                                                                                                      اعتمادا على سفر التكوينgeneses  رفضت الكنيسة الداروينية ليس لسبب تجاهل تدبير الله فحسب وإنما لمصادمة نصوص يستحيل حملها على التطور تدل على أن آدم هو اسم أول إنسان على الأرض وأنه خلق مباشرة من ترابها بلا أطوار تسبقه: "وجبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسا حيّة" تكوين 7, وأنه فقد ضلعا خُلقت منه امرأته مباشرة: "فأوقع الرب الإله سباتا على آدم فنام فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحما وبني الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم" تكوين 21و22, ولذا اختارت الكنيسة رفض التطور بحزم وإلا شككت في صحة التدوين.

 (6) رأي الباحثين المسلمين:

رفض جُل الباحثين المسلمين الداروينية إجمالا باعتبارها أحد شباك الإلحاد كما يُرفض الطعام كله إذا خالطه سم, قال الدكتور أحمد أبو خطوة: "نحن كمسلمين لا نتفق إجمالا مع نظرية التطور إن لم تُدخل في اعتبارها القدرة والمشيئة الإلهية" (5), واكتفى البعض برفض الصدفة وتوقفوا في إمكان الأطوار المقدرة كتفسير للتنويع الهائل في أشكال الكائنات الحية على الأرض, فوافقوا نظريات حديثة تجعل التقدير أساسا للتطور إن صح كمقولة التطور الموجه بوعي Rational Directed Evolution وتجنبوا الخوض فيما لم يفصل فيه العلم بعد؛ فقد جاء في فتاوى الأزهر: "ورد أن اللّه خلق الإنسان نوعا مستقلا لا بطريق النشوء والاشتقاق من نوع آخر، وإن كان كلا الأمرين من الجائز العقلي الذي يدخل تحت قدرة اللّه تعالى، قال بعض العلماء: إنه لا يوجد فى النصوص أن الله خلق الإنسان الأول من تراب دفعة واحدة أو بتكوين متمهل على انفراد فسبيل ذلك التوقف وعدم الجزم بأحد الأمرين حتى يقوم الدليل القاطع عليه فنعتقده ما دام أن الذي فعل ذلك كله هو الله تعالى, ثم إن النواميس المذكورة فى مذهب داروين ظواهر واضحة في الكون ولا حرج في اعتقادها ما دام أن الله هو الذي خلقها ووجهها فهي لا تحقق وجودها من نفسها: {ذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمْ لآ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ خَالِقُ كُلّ شَيْءٍ} الأنعام 102، فهو خالق المادة والنواميس"(6), "(ولكن) قولهم إن المخلوقات خُلقت عشوائيا بغير تدبير سابق وعلم محكم يرده قول اللّه سبحانه {إِنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} القمر 49"(7).                                                                                                                                            وقال الأستاذ محمد إسماعيل إبراهيم: "يقرر العلم الحديث أن الحياة ظهرت على هذه الأرض أول ما ظهرت على شواطئ المسطحات المائية حيث يتكون بجوارها الطين الذي نشأ منه.. النبات فالحيوان فالإنسان وأن هذا التطور في حالات الطين وأشكاله.. حدثت عبر ملايين السنين حتى أثمرت.. وكان أكمل وأكرم ثمره من ثمارها في النهاية هو الإنسان, والقرآن الكريم لم يبين لنا كيف تفرعت هذه الشجرة حتى كان الإنسان أحد فروعها ولكنه أشار في أكثر من آية إلى الصلة الوثيقة بين الإنسان وعالم الأحياء الناشئ من الماء الممزوج بالتراب, ففي قوله تعالى: "وَاللّهُ خَلَقَ كُلّ دَآبّةٍ مّن مّآءٍ" النور 45, وقوله سبحانه: "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلّ شَيْءٍ حَيّ" الأنبياء 30؛ دلالة قوية على أن الأحياء كلها ومنها الإنسان مخلوقة من مادة واحدة هي الماء"(8),

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالسابعة 

والأربعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* خلق الإنسان تقدير وقصد

وقال سيد قطب: "شطر الآية.. "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلّ شَيْءٍ حَيّ" الأنبياء 30؛.. يقرر.. حقيقة.. أن الماء هو مهد الحياة الأول.. وأقصى ما يُقال.. إن نظرية النشوء والارتقاء لدارون وجماعته لا تعارض مفهوم النص القرآني في هذه النقطة بالذات"(9).

وساق البعض نقولا عن علماء مسلمين تصرح بأن التدريج مع التنويع وتطور الأشكال ظاهرة واضحة في الكون ولا تُعارض أن الله تعالى هو المدبر وإنما تُبين كيف بدأ الخلق, فغاية الوجود معرفة الله وعبادته ولذا كانت الوجهة منذ خلق الكون والأرض هي إيجاد الإنسان صاحب الفكر ليقوم بالمهمة, والتطوير دليل على التقدير وإلا ما كانت الوجهة دائما نحو الأرقى, قال ابن خلدون: "أنظر إلى عالم التكوين كيف ابتدأ من المعادن ثم النبات ثم الحيوان على هيئة بديعة من التدريج, آخر أفق المعادن متصل بأول أفق النبات مثل الحشائش وما لا بذر له وآخر أفق النبات مثل النخل والكرم متصل بأول أفق الحيوان مثل الحلزون والصدف.., ومعنى الاتصال في هذه المكونات أن آخر أفق منها مستعد بالاستعداد الغريب لأن يصير أول أفق الذي بعده واتسع عالم الحيوان وتعددت أنواعه وانتهى في تدريج التكوين إلى الإنسان صاحب الفكر"(10), وقال البروسوي: "يكون الإنسان في زمرة الجمادات وأول نعمة عليه أن الله تعالى كرمه فنقله من عالم الجماد إلى عالم النبات ثم عظم شأنه فنقله من عالم النبات إلى عالم الحيوان فجعله حساسا متحركا بالإرادة ثم نقله إلى عالم الإنسان فجعله ناطقا وهى نعمة أخرى أعظم مما سبق"(11), وفي تفسير الميزان: "العناية الإلهية تهدي أنواع النبات والحيوان إلى كمال خلقها وغاية وجودها"(12).                                                                                                                                           ولكن علماء الإسلام لم يستخدموا كلمة التطور Evolution على نحو ما تعنيه في الداروينية وإنما بمعنى الترقي المتدرج في التنويع بيانا لوحدانية الله تعالى وقدرته, فوحدة الخلق في الأصل والطبيعة دليل على وحدانيته وطيف التدرج الواسع في التنويع دليل على قدرته تعالى, قال جوهري: "سنة التطور والارتقاء .. تجري عليها الطبيعة في جميع أركانها من الذرة.. إلى النظام الشمسي"(13), و"سنة الكون الترقي من أسفل إلى أعلى"(14).. "لا يُخلق الأعلى إلا بعد خلق الأدنى فلم يُخلق الحيوان إلا بعد خلق النبات ولم يُخلق الإنسان إلا بعد خلق الحيوان", ولكن "شعار الكون هو ذا: الوحدة في التفنن, فإن صعدت في سلم العوالم وجدت وحدة النظام والخلقة مع تفنن لا يعرف حده في تلك الأجرام الفلكية, وإن أجلت بنظرك في مراتب الحياة من (أدنى) الكائنات إلى أعلاها وجدت وحدة التناسب والتسلسل, كذلك القوى الطبيعية كلها صادرة بالتسلسل عن قوة أصلية واحدة"(15), وقد "خلق اللهُ العالم من مادة واحدة ليستدلوا على (وحدانيته) وقدرته"(16), وفي بيان الحكمة وراء خلق الجنين الإنساني في أطوار قال ابن عاشور: "التطور هو مقتضى الحكمة وهي من شؤون العلم وإبرازُه على أحكم وجه هو من أثر القدرة" , و"الأطوار دالة على حكمة الخالق وعلمه وقدرته فإن تطور الخلق.. والذاتُ واحدة.. دليل على تمكن الخالق من كيفيات الخلق والتبديل في الأطوار"(18), وقال سيد قطب: "ليس هناك ما يمنع من وجود أنواع من الحيوان في أزمان متوالية بعضها أرقى من بعض بفعل الظروف السائدة في الأرض ومدى ما تسمح به من وجود أنواع تلائم هذه الظروف السائدة حياتها ثم انقراض بعضها حين تتغير الظروف السائدة بحيث لا تسمح لها بالحياة, ولكن هذا لا يحتم أن يكون بعضها متطوراً من بعض"(19).

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالثامنة 

والأربعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* خلق الإنسان تقدير وقصد

وتجنب آخرون المأثور وسلكوا مسلك التأويل على وجه غير شائع في التفسير بغير جزم, فقالوا مثلا: الزواحف تمشي غالبا على بطنها كالتمساح لثقله وتمشي الطيور على رجلين والثدييات على أربع؛ فإذا كان هذا هو ترتيب خلق أنواع الحيوان قبل الإنسان فهو نفس الترتيب مع بيان وحدة الأصل في قوله تعالى: "وَاللّهُ خَلَقَ كُلّ دَآبّةٍ مّن مّآءٍ فَمِنْهُمْ مّن يَمْشِي عَلَىَ بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مّن يَمْشِي عَلَىَ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مّن يَمْشِي عَلَىَ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللّهُ مَا يَشَآءُ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" النور 45, ولم يقل القرآن بأن الطين أصل مباشر للإنسان بل جعله بداية فحسب: "الّذِيَ أَحْسَنَ كُلّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِن طِينٍ" السجدة 7، ولم يعتمد القرآن رواية الضلع المفقود وإنما أفاد اصطفاء آدم كالأنبياء من بين أقوامهم وبقية الأجناس مما يحتمل أنه نبي جد رأس أمة: "إِنّ اللّهَ اصْطَفَىَ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ" آل عمران 33, وفي قوله تعالى: "إِنّ مَثَلَ عِيسَىَ عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ" آل عمران 59؛ قد يقال أن عيسى كآدم وكانت نشأته مباشرة فكذلك يجب أن تكون نشأة آدم من التراب مباشرة, ولكن لا توجد دلالة صريحة على خلق آدم فجأة وإنما المقام بيان للاقتدار فالمثلية في الاقتدار وظاهر المعنى أن الذي قدر على إيجاد آدم من تراب رغم الفرق الشاسع بينهما أهون عليه خلق عيسى نظيره بلا أب, وتقدير خلق آدم أطوارا يعمق الفرق ويبين القصد ويجلي الاقتدار, والقول بخلق الإنسان أطوارا يفيد أن خلقه هو المقصود على طول أطوار خلق العالم, ولذا يرجعه القرآن عند التفصيل إلى صلصال أو طين لازب, وفي قوله تعالى: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مّنْ حَمَإٍ مّسْنُونٍ" الحجر 26؛ الحمأ المسنون أشبه ما يكون بصخر ناري طحنته السنون وكلها أحوال مرت بها الأرض, وعندما يحدثك القرآن قائلا: "خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ" العلق 2؛ فلا يعني خلق الجنين مباشرة مما يماثل علق البرك وكذلك النوع, وقوله تعالى: "خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ" الأنبياء 37؛ يرجع الإنسان للحالة الأولى للكون حيث لم تكن مادة وإنما موجة أو اهتزازة تتردد في عجل كتعبير عن الشيء بلازمه, والمقام يتعلق بمادة خَلقه وطبيعته بعكس السائد أنه وصف لخُلُقه وطبعه نحو قوله تعالى: "وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً" الإسراء 11, ولكن الفيزياء نجحت بالفعل في إثبات توحد معظم القوى وتسعى جاهدة لإثبات توحدها جميعا في حالة سميت بالتوحد الكبير super unification أساسها قوة واحدة سميت بالقوة الكبرى Super Force قد نشأت منها كل القوى والمواد وتطورت أشكال الذرات والمجرات وأخيرا ظهر الإنسان, وفي قوله تعالى "مّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلّهِ وَقَاراً. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً" نوح 13و14؛ قالوا: لا قيد يخصص الوصف بأطوار الجنين وظاهره مجموع النوع الإنساني منذ كان نباتا خاصة مع الاستطراد بعده بآيتين: "وَاللّهُ أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرْضِ نَبَاتاً" نوح 17, قال الجاعوني: "الكلام مسوق سوق الحقيقة من غير تشبيه واستعارة.. (و)استدلّ بها (الشيخ الوائلي) على أنها قد تشير إلى خلق الإنسان التدريجي من طور إلى آخر.. (وقال) هذه النظريّة أي تطوّر النبات إلى حيوان ثمّ إلى إنسان.. إذا قلنا.. عفوًا (أي ذاتيا صدفة؛ فهي) مرفوضة من أساسها.. (لأنه) لا شيء عفوًا بل بإرادة الله, (و)إذا قلنا.. (بتقدير) الخالق.. لا عفوًا فلا ضير من ذلك"(20), ومجمل القول أنه لو ظهر يوما ما بمعزل عن الداروينية دليل يرجح التطور بتقدير الله فالإسلام لا يصادم حقيقة مطلقًا أما اليوم فالدليل مفقود, والاستنصار لنشأة الإنسان خاصة من الحيوان بلا دليل علمي يؤيد تحوله ولا قرينة صارفة لظواهر المأثور سيظل كذلك ادعاء محل شك, ويسبق القرآن في بيان أول حالة للكون دليلا على الوحي وتأكيدا لخلق الإنسان بتقدير وقصدمهما كانت الكيفيات كحلقة متميزة من جملة حلقات موجهة بوعي منذ البدء؛ وذلك وفي قوله تعالى: "خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ" الأنبياء 37. [ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي- خلق الإنسان تقدير وقصد - د. محمد بن إبراهيم إبراهيم دودح ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالتاسعة 

والأربعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* ماء الكمأة شفاء للعين

روى البخاري ومسلم عن سعيد بن زيد قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الكمأة من المن و ماؤها شفاء للعين) . و الكمأة جمع مفردها كمء، وقيل الكمأة تطلق على الواحد و على الجمع، كما جمعوها على أكمؤ . وسميت بذلك لا ستتارها ، يقال : كمأ الشهادة إذا كتمها .

وروى الترمذي عن أبي هريرة أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: الكمأة جدري الأرض، فقال النبي صلى الله عليه و سلم:( الكمأة من المن وماءها شفاء للعين و العجوة من الجنة و هي شفاء من السم). وهو حديث حسن .

وقد أخرج الترمذي في جامعة بسند صحيح أن أبا هريرة قال: (أخذت ثلاثة 

أكمؤ أو خمساً أو سبعاً فعصرتهن فجعلت ماءهن في قارورة فكحلت بها جارية ليفبرئت) .

قال ابن حجر: قوله (من المن) على ثلاثة أقوال: أحدها أن المراد أنها من المن الذي أنزل على بني إسرائيل، و شبه به الكمأة بجامع ما بينها من  وجود كل منهما بغير علاج. والثاني أنها من المن الذي أمتن الله به على عبادة من غير تعب. ويؤكد الخطابي هذا المعنى أي لأنها شيء تنبت من غير تكلف ببذر أو سقي. ثم أشار إلى أنه يحتمل أن يكون الذي أنزل على بني إسرائيل كان أنواعاً منها ما يسقط على الشجر ومنها ما ينبت في الأرض فتكون الكمأة منه وهذا هو القول الثالث و به جزم الموفق البغدادي.

قال إبن الجوزي: و المراد بكون مائها شفاء للعين قولان أصحهما أنه ماؤها حقيقة.

 إلا أن أصحاب هذا القول اتفقوا على أنه لا يستعمل صرفاً في العين بل يخلط في الأدوية التي يكتحل بها، أو أنها تؤخذ فتشق و توضح على الجمر حتى يغلي ماؤها ثم يؤخذ الميل فيجعل في ذلك الشق و هو فاتر فيكتحل بمائها. وبعد أن يورد ابن حجر قول ابن الحوزي يرد عليه فيقول: وفيما ادعاه ابن الجوزي من الاتفاق على أنها لا تستعمل صرفاً نظر. فقد حكى عياض تفصيلاً وهو 

إن كان لتبريد العين من حرارة بها فتستعمل مفردة وإن كان لفير ذلك فتستعمل مركبة وبهذا جزم ابن العربي!

وقال الغافقي: (ماء الكمأة اصلح الأدوية للعين إذا عجن به الإثمد واكتحل به فإنه يقوي الجفن ويزيد الروح الباصر حدة وقوة ويدفع عنها النوازل). وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: (إن ماءها شفاء للعين مطلقاً فيعصر ماؤها فيجعل في العين منه، وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من كان عمي وذهب بصره حقيقة فكحل عينه بماء الكمأة مجردة فشفي وعاد إليه بصره) قال ابن حجر تعليقاً على قول النووي: (وينبغي تقييد ذلك بمن عرف من نفسه قوة اعتقاد في صحة الحديث النبوي والعمل بما جاء به).

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخمسون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* ماء الكمأة شفاء للعين

وذكر الزرقاني أن المتوكل أمير المؤمنين رمد، ولم يزدد باستعمال الأدوية إلا رمداً فطلب من أحمد بن حنبل إن كان يعرف حديثاً في ذلك، فذكر له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين) فأرسل المتوكل إلى طبيبه يوحنا بن ما سويه وطلب منه أن يستخرج له ماء الكمأة فأخذ الكمأة فقشرها ثم سلقها فأنضجت أدنى النضج ثم شقها وأخرج ماءها بالميل فكحل به عين المتوكل فبرأت في الدفعة الثانية فعجب ابن ماسويه وقال: اشهد أن صاحبكم كان حكيماً، يعني النبي صلى الله عليه وسلم

والكمأة نباة فطري وتشبه في شكلها البطاطا مع اختلاف في اللون إذ تميل إلى اللون البني الغامق، وهي لا ورق لها ولا جذع، تنمو في الصحارى وتحت أشجار البلوط وليس في تركيبها ماء اليخضور Chlorophylوتكثر في السنوات الماطرة وخاصة إذا كان المطر غزيراً أول الشتاء فتنمو في باطن الأرض وعلى عمق 15ـ 20 سم وحجمها يختلف ما بين الحمصة وحتى البرتقالة ولها رائحة عطرية، وهي غنية بالبروتين إذ تبلغ نسبته فيها 9% وعلى النشويات والسكريات بنسبة 13% وعلى كمية قليلة من الدسم تبلغ 1% كما يتضمن بروتينها بعض الحموض الأمينية الضرورية لنمو الخلايا.

وتحتوي الكمأة على الفسفور والبوتاسيوم والصوديوم والكالسيوم. كما أنها غنية بالفيتامين ب1 أو الريبوفلافين الذي يفيد في هشاشة الأظافر وسرعة 

تقصفها وتشقق الشفتين واضطراب الرؤية وتعتبر الكمأة وغيرها من الفطور مواد رئيسية في موائد الغرب يصنعون منها الحساء ويزينون بها موائدهم. والكمأة 

مع ذلك تفوق جميع أنواع الفطور الأخرى في قيمتها الغذائية وذات خواص مقوية.

ولعل الأمطار المبكرة في شهري تشرين الأول والثاني مصحوبة مع الرعد ثم أمطار آذار الربيعية الرعدية ضرورية لتأمين موسم جيد للكمأة على أن يرافق هذه الأمطار ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة في طبقات الجو العليا ينجم عنها تمدد في الغيوم يؤدي إلى احتكاك شديد ينتج عن البرق والرعد وأمطار عاصفية. والرعد الذي هو شرارات كهربائية عنيفة ترفع درجة الحرارة حولها إلى ما يقرب من 3000 درجة مما يتحول الآزوت الحر إلى حمض الآزوت، يتحول في التربة التي يصلها مع الأمطار إلى نترات تستفيد منه الكمأة لأنها تحتاج إلى نوعية خاصة من الأسمدة الآزوتية.

ولعل هذه النترات الضرورية لنمو الكمأة هي هبة السماء إلى الأرض. ولقد حاول الأوربيون زرع الكمأة فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً. ونظراً لأنها تكثر مع الرعد فقد كانت العرب تسميها ببنات رعد وهي كثيرة بأرض العرب وخاصة في مصر وبلاد الشام.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والخمسون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* ماء الكمأة شفاء للعين - الكمأة لمعالجة الحثر أو الرمد الحبيبي Trachoma:

وفي المؤتمر العالمي الأول عن الطب الإسلامي[1] ألقى الدكتور المعتز بالله المرزوقي  محاضرة عن نتائج معالجته لآفات عينية مختلفة بتقطير ماء الكمأة في العين ولقد تم استخلاص العصارة المائية منها في مختبر فيلانوف بأوديسا، ثم تم تجفيف السائل حتى يتمكن من الاحتفاظ به لفترة طويلة، وعند الاستعمال تم حل المسحوق في ماء مقطر لنصل إلى نفس تركيز ماء الكمأة الطبيعي وهو ماء بني اللون له رائحة نفاذة.

ولقد اضيف ماء الكمأة إلى مستعمرات جرثومية فلم يكن له أي تأثير. كما جرب معالجة حالات من الساد Cataractلفترة طويلة فلم تحدث أية استجابة إلا أن النتائج الجيدة سجلت في معالجة الحالات متطورة من الحثر (التراخوما) حيث تم تشخصيها عند 86 طفلاً تم تقسيمهم إلى مجموعتين: مجموعة عولجت بالأدوية المعتادة (قطرات ومراهم مضادة للحيوية أي كورتيزونية) ومجموعة ثانية أضيف ماء الكمأة إلى تلك المعالجات حيث تم تقطير ماء الكمأة في العين المصابة 3مرات يومياً ولمدة شهر كامل، وكان الفرق واضحاً جداً بين المجموعتين وذلك بالنسبة لسير الآفة ونتائج المعالجة.

ففي معظم الحالات المعالجة بقطرات ومراهم المضادات الحيوية والكورتيزونية فإن الشفاء يحصل ولكنه يترافق غالباً مع تليف في ملتحمة الجفون، الأمر الذي يندر حصوله عند المجموعة الدموية إلى طبيعتها. وهذا تطور كبير في معالجة هذا المرض العنيد. فتقطير ماء الكمأة يمنع حدوث التليف في ملتحمة الجفن المصاب بالتراخواما وذلك بالتدخل إلى حد كبير في تكوين الخلايا المكونة للألياف. وقد يكون ذلك نتيجة لمعالجة التأثير الكيماوي للسموم الفيروسية المسببة للآفة والتقليل في زيادة التجمع الخلوي في نفس الوقت يؤدي إلى منع النمو غير الطبيعي للخلايا البطانية للملتحمة حيث يزيد من تغذيتها عن طريق توسيع الشعيرات الدموية فيها ولما كانت معظم مضاعفات الحثر Trachomaنتيجة التليف فإن ماء الكمأة يمنع بدون شك حدوث هذه المضاعفات.

وإن هذه الحقائق العلمية الواضحة تبين لنا إعجاز الطب النبوي الذي ألهمه الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم قبل ظهورها بأربعة عشر قرناً.

مراجع البحث

1ـ ابن الأثير الجزري: في كتابه (جامع الأصول في أحاديث الرسول e).

2ـ ابن القيم الجوزية: في كتابه (الطب النبوي).

3ـ ابن حجر العسقلاني: في كتابه (فتح الباري على صحيح البخاري).

4ـ الإمام النووي: في كتابه (شرح صحيح مسلم).

5ـ تيسير أمارة الدعبول وطافر العطار في مقالتهما (العسل والكمأة وأمراض العيون). مجلة طبيبك، إيلول 1978.

6ـ المعتز بالله المرزوقي: في محاضرة له بعنوان (الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين). من مواد المؤتمر العالمي الأول عن الطب الإسلامي، الكويت  ـ 1981.

7ـ محمود ناظم النسيمي: في كتابه (الطب النبوي والعلم الحديث) ج3 طبعة 3 ـ 1991.

8ـ عبد الله المصري: مقالة (هلي مكن زراعة الكمأة في سوريا) مجلة الإرشاد الزراعي ـ دمشق، العدد 56 لعام 1964.

[ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي- ماء الكمأة شفاء للعين - الدكتور محمد نزار الدقر]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالثانية والخمسون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* آيات ا لله في البيانات في المورثات

إن خلية في جسدنا تتكاثر بالانقسام و لابد من نسخ الحامض النووي (DNA) الذي داخل نواة الخلية عند الانقسام ، و عملية الانقسام هذه تتم وفق نظام دقيق لا قصور فيه ، يصيب الإنسان بحالة انبهار ، فجزيئة ( DNA) تشبه سلماً حلزونياً يحتوي على ثلاثة مليارات حرف تعد مركزاً للمعلومات ،  و يأتي أنزيم اللولب ( هليكاز) إلى موقع الانقسام عند بداية عملية الانقسام فينقسم السلم الحلزوني (DNA) إلى شريطين بعد حل اللولب المزدوج ، و يتم انفصال الشريطين عن بعضهما بكسر الروابط الهيدروجينية الموجودة بين القواعد المزدوجة في الشريطين ، و في النهاية يفترق وجهاً ( DNA) عن بعضها البعض بشكل " هيلكس " الذي دخل في بعضهم البعض .

يقوم (DNA) بوظيفة في الوقت المناسب و دون تأخير و بغير تخاذل أو إهمال ، و دون أدنى خطأ يذكر ، كما لا يصاب (DNAبأي ضرر و لو بسيط ، أما الآن فلقد جاء دور أنزيم DNA POLYMERASE بوليميراز فوظيفته تكمله

 و جهي الـ (DNA) اللذين انقسام إلى شريطين بشريط آخر لجعلها وحدة متكاملة .

الأنزيم المكون من ذرات الذي يتوقع أن يكون له عقل و علم ووعي يستطيع أن يثبت المعلومات اللازمة التي تأتي بها من أماكنها في الخلية وصفها في موقعها الصحيحة لتكملة النصف الثاني ، و يكون (DNA) خلال هذه العملية دقيقاً كل الدقة حيث لا يوجد أدنى خطأ خلال العملية و بدقة متناهية جداً يثبت ثلاثة مليارات حرف الواحد وراء الآخر ، و في نفس اللحظة يقوم أنزيم بوليميراز آخر نفس العملية لتكمله النصف الآخر (DNA) بينما يحدث كل هذا تمسك أنزيمات الربط (DNA) من أطرافها لكي لا يحدث اختلاط بين جزأين

 منفصلين في شريطي (DNA) .

كما نرى فإن كل أنزيم يعمل من خلال تنظيم عسكري صارم جداً خلال عملية استنساخ (DNA) الذي يحتاج إلى العقل و العلم للقيام بهذه العملية الدقيقة .

هل لكم أن تتصورا القيام بنسخ كتاب يحتوي على ثلاثة مليارات حرف عن طريق الآلة الكاتبة من غير أن يحدث خطأ في حرف من الحروف ؟ طبعاً هذا مستحيل ... فبدون شك لا بد أن يحدث خطأ في النسخ و لو بسيط .

و على الرغم من ذلك فإن أنصار النظرية الدارونية يزعمون أن العمليات التي

 تقوم بها الأنزيمات و مليارات المعلومات الموجودة في (DNA) خلال الاستنساخ و التنظيم الهائل الذي لا خلل فيه يتم بمحض المصادفة العشوائية ، إن اعتقاد أنصار النظرية بمثل هذه الظنون التي لا يصدقها عقل حدث ضخم مثير للاهتمام بل إنه خارق للعادة . و نحن نجد أن السبب الوحيد لإيمانهم بهذه المعتقدات الخاطئة العمياء ، و نشرها هو تمسكهم بالإلحاد و تمردهم على الاعتراف بوجود الله ومشيئته .[ المصدر : كتاب السلوك الذكي لدى الخلية  تأليف هارون يحيى  ].[ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي- آيات ا لله في البيانات في المورثات ]

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالثالثة والخمسون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الخالق يتجلى والملحدون يتخبطون

يحلم الدارونيون والملحدون أن ينتزعوا الإيمان بالله الخالق العليم الخبير مدبر الأمر من نفوس المؤمنين الموحدين، لذلك نراهم يحاولون محاولات مستميتة في 

إثبات إمكانية خلق جزئ حيوي ودب الحياة فيه، وهذه المحاولات بدأت منذ أن ظن الفلاسفة أنهم قادرون على تحويل التراب إلى ذهب، ووجدوا أن 

الأمر في منتهى الصعوبة، والأمر مستحيل مع الكائنات الحية، فقد ينجح الإنسان في تكوين جزئ بروتين من خاماته الأولية كما فعل (ميلر) منذ عشرات السنين، وقد يستطيعون بناء غشاء صناعي شبه منفذ، وقد يستطيعون بناء بعض القواعد النيتروجينية كالموجودة في جزئ الحمض النووي (DNA) , وهذا أمر وارد وغير متعذر , ولكن المستحيل والمتعذر أن تدب الروح في هذا الجزيء، وأن تجعل الغشاء الصناعي شبه المنفذ تجعله اختياريا إراديا كما هو الحال في غشاء الخلية الحية الذي يختار ما تحتاج إليه الخلية من الوسط الخارجي ويدخله إلى الخلية ضد ممال التركيز، لأن هذه العملية تحتاج إلى خلية حية وطاقة حيوية والدليل على ذلك أنه بمجرد موت الخلية الحية يفقد الغشاء الخلوي النفاذية الإختيارية فتدخل المركبات والمواد إلى الخلية وتخرج منها من دون حسيب أو رقيب من الخلية وتموت الخلية، وهذا ما تفعله المطهرات والمعقمات الكيمياوية وغيرها فإنها تعمل على إتلاف النفاذية الإختيارية لغشاء الخلية الحية فتموت الخلية. لذلك نحن لا ننبهر من خلق الجزيئات وتكوينها، ولا نشك في عقيدتنا عندما يفعل الباحثون ذلك , ففي تاريخ علوم الحياة آلاف التجارب القادرة على فعل ذلك فمضادات الحيوية الصناعية تقليد لمضادات الحيوية الناتجة من الكائنات الحية، والروائح الصناعية تقليد للروائح الحيوية التي ينتجها النبات والحيوان والكائنات الحية الدقيقة، ولذلك يقول الله تعالى:(ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ{14}) (المؤمنين/14).

الخالق يتجلى والملحدون يتخبطون

فالخلق الآخر هنا هو دب الروح في الجنين وهذه هي العملية الفاصلة بين خلق الله أحسن الخالقين وبين خلق البشر للأشياء والمركبات والجزيئات الكيمياوية والفيزيائية، وقد فطن علماء الخلية لهذه الحقيقة العلمية منذ فجر التاريخ الحقيقي في مجال علم الخلية فقالوا: (إن الحياة لا تتولد إلا من الحياة) يعني لا نستطيع دب الحياة والروح في أي جزئ ميت إلا إذا أخذناه من خلية حية، كأن تولد نوعا جديدا من البكتيريا بخلط جينات أنواع مختلفة منه، ومن دون استخدام الخلية الحية لن يستطيع أحد أن يدب الحياة الحقيقة في أي جزئ ميت، هذه بدهيات العلم وأسس علم الأحياء التي دَرسناها ودرّسناها لطلابنا عشرات السنين , والتي عملنا وتعاملنا معها في بحوثنا في مجال الكائنات الدقيقة عشرات السنين لتخليق جزيئات حيوية ومضادات للحياة جديدة من الكائنات الحية الدقيقة. أما قول المرجفين كما ورد في مقال لأحد الشيوعيين نقلا عن الدكتور (فينتر): (كثير من الناس يستنكرون مثل هذا المخطط لأنه الخطوة النهائية للعلماء ليلعبوا دور الإله) انتهى , هذا كلام لا يمت للعلم بصلة فهل مجرد ترتيب محتويات القواعد الوراثية (الأدنين والجوانين والثيمين والسيتوسين) هي الخطوة النهائية ليلعبوا دور الإله؟ أنظروا إلى الجهل في كلمة (الخطوة النهائية) إنه التدليس العلمي فبدلا من أن يقول هي الخطوة الأولى يقول هي الخطوة النهائية، الله سبحانه وتعالى يتحداهم ويعجزهم ويقول لهم: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ) (الحج/73). إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالرابعة والخمسون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الخالق يتجلى والملحدون يتخبطون

الله سبحان وتعالى تحدى الخلق كلهم أن يخلقوا ذبابة واحدة و( لَن ) في الآية السابقة جازمة وقاطعة فالذين يظنون من الشيوعيين العرب أنهم سيحفظون عليهم ماء وجوههم بعد فشل الشيوعية الإلحادية لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له من كل أنحاء العالم، لم يقل الله لن يخلقوا جزيئا ولكن قال ذبابا تدب فيه الحياة ويتوالد بالجزيئات الوراثية وهذا التحدي قائم إلى يوم الدين في كتاب الله، الله سبحانه وتعالى يتحداهم أن يخلقوا ذبابا ونحن نتحداهم أن يخلقوا ذبابا لأننا نثق في الخالق وفي كتاب الله المعجز وفي حدود المخلوق وقدرة الخالق سبحانه وتعالى. اسمعوا إلى الكلمات غير العلمية الواردة في مقال أحد الشيوعيين العرب الذي يحاول زرع الشك في نفوس الناس أن للكون خالقا عليما خبيرا مدبرا قال: (ولنقرأ معا على سبيل المثال بعض ما جاء في المجلات والدوريات العلمية والانترنت) وعندما نقرأ الهوامش التي استند إليها الكاتب تجد العجب العجاب وهو الغياب شبه التام للمجلات والدوريات العلمية وقد ذكر موقع BBC وجرائد الجارديان والعلم اليومية وكلها مصادر لا ترقى إلى مستوى المصادر العلمية المحكمة والمعتمدة في عالم العلوم. أما محاولته الإيهام بأن نظرية التطور صحيحة فيكفي أنها منذ عشرات السنين لازالت وستظل نظرية حائرة تبحث عن دليل علمي ويلفق لها أنصارها الأدلة ولكن للأسف ولدت هذه الفكرة ميتة، وقد ماتت منذ زمن بعيد، ومحاولة إلباسها ثوب العلمية محاولة أخرى فاشلة فالنظرية تقوم على المصادفة والعشوائية في الخلق والتطور بالطفرة (وهي عشوائية أيضا). والانتخاب الطبيعي وهو خرافة فلسفية والجزيء الوراثي DNA قائم على الحكمة والتدبير والإتقان والتنظيم والإبداع، وهي صفات في حد ذاتها تقضي على نظرية المصادفة والعشوائية الداروينية وهذا ما فندناه منذ ثلاثين عاما في كتابنا (نظرية التطور بين المؤيدين والمعارضين) وما فندته أيضا عشرات الأدلة والكتابات العلمية الداحضة لنظرية المصادفة والعشوائية الداروينية. يقول الكاتب الشيوعي إن الباحثين يقولون: (نحاول خلق نظام جديد للحياة) وعندما نقرأ كل المحاولات الواردة في المقال نجدها محاولات تقليد فاشلة لجزيئات الحياة مثل الجزيء الوراثي والريبوسومات والأغشية الخلوية والتكاثر الحيوي وكلها موجودة في الحياة منذ بدء الخليقة فأين نظامهم الجديد في الحياة؟ وقد امتلأ المقال بكلمات: (محاولات، يعتقدون، نحاول) وكلها عبارات غير علمية وغير قاطعة. أما تهليل الكاتب بقول الباحثين بكلمة تركيب نفسها بنفسها في الريبوسومات وقال: (لاحظوا: نفسها بنفسها أي من دون تدخل أي قوة ميتافيزيقية خارجية) وإذا كان الكاتب لا يؤمن بوجود خالق عليم خبير مدبر للكون فعليه أن يعلم أننا نؤمن بالله وملائكته وكتبه واليوم الآخر والجنة والنار والموت والبعث والحساب وكما قال تعال: (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ{77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ{78} قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ{79}) (يس/77-79) ثم يتبع الله تعالى الآيتين السابقتين بحقيقة علمية غاية في الإعجاز والإبداع فقال سبحانه: (الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ{80} أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ{81} إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ{82} فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{83}) (يس/80-83). وقد أثبت العلم الحديث أن الخضر أو اليخضور أو الكلوروفيل في النبات هو المصدر الحيوي للنار على الأرض , وفي هذا إفحام علمي للدارونيين والشيوعيين ولكن أكثرهم لا يعلمون.                        

مازلت أتحدى كل الشيوعيين والملحدين أن يأتوا بدليل علمي واحد وقاطع 

يثبت نظرية التطور، والتحدي مازال قائما بإذن الله، لا نريد نظريات ولا نريد محاولات وفلسفات ولكن نريد أدلة علمية قاطعة , ومطلوب أيضا أن يلزم كل كاتب تخصصه وما يفهم فيه حتى يكون علميا يفهم حقيقة ما يكتبه، أما محاولات النقل الأعمى من المواقع الالكترونية من دون خلفية علمية أكاديمية يغرق الإنسان بها بين الغث والسمين، والعلم والخرافة والصحيح والخاطئ، فهذا لا يليق بأهل العلم والعلماء , والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يحذرنا من ذلك فيقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من الناس ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) رواه البخاري ومسلم والترمذي. فالذي يتكلم في غير تخصصه العلمي الدقيق وبغير علم ودراية ضال ومضل وفي الحديث السابق تقدير للعلماء والعلم والتخصص ولكن أكثر الناس لا يعلمون، فمتى نتعلم ألا نكتب إلا فيما نفهم، ولا نعلم إلا ما نتقن؟! [الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي- الخالق يتجلى والملحدون يتخبطون - الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى - أستاذ علوم النبات في الجامعات المصرية سابقاً] 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالخامسة والخمسون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* هل توصلت العلوم الحديثة إلى ما يؤيد الدين في أن الكون حادث غير سرمدي؟

قام فضيلة الدكتور محمد دودح الباحث المتفرغ في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن بالرد فقال :

 منذ القدم كان هذا الكون العجيب الممتد حولنا محط تساؤل الإنسان 

وفضوله، ومن بين الأسئلة: كيف ظهر هذا الكون إلى الوجود؟, هل هو حادث أم أزلي ؟, وما عمره؟, هذه بعض الأسئلة التي كانت دوما محل جدل بين المؤمنين بمبدأ الخلق والملحدين الذين ادعوا عدم احتياج الكون إلى خالق لأن المادة أزلية بزعمهم.

 ولم يفت المفكرين المسلمين بيان تلك المسألة ودفع وهم أزلية المادة والجواب على الاعتراضات الفلسفية, فقالوا بأن الذات العلية أزلية لا يحدها حادث عارض كالزمان أو المكان, لأن الزمان مبني على حركة الأجرام وتغير المكان بانتظام, والحركة وليدة الحدوث ولا بد لها من قدرة أوجدتها وحفظت النظام, قال ابن تيمية رحمه الله: "الليل والنهار وسائر أحوال الزمان تابعة للحركة فان الزمان مقدار للحركة والحركة قائمة بالجسم المتحرك"، "وأما قدم شيء من العالم فلا دليل لكم عليه بل دليلكم يدل على نقيضه فإنه لو كان المفعول مقارنا للفاعل لزم ألا يحدث في العالم شيء"، بينما قال أبو حامد الغزالي رحمه الله بأن الكون حادث وأنه لم يكن قبله زمان, أي أن بدء الزمان والمكان قد وقع مع خلق الكون؛ لأن الزمان مرتبط بالحركة، ولو تصورنا أن كل شيء في هذا الكون قد سكن وتوقف إذن لتوقف الزمان، أي لم يَعُد هناك زمان, وهكذا فمن الخطأ توهم وجود زمان قبل خلق هذا الكون, وعندما أشارت النظرية النسبية إلى أن الزمان بُعْد رابع كالطول والعرض والارتفاع كان بديهيا عدم وجوده في عالم لم تخلق بعد أبعاده الأخرى, وقد تجمع اليوم من الأدلة العلمية ما يكفي للقطع بخلق الكون منذ عدة مليارات من السنين وأن سرمدية المادة وهم والدليل العلمي يدفعه, ولذا قد تلاشت الآن تماما فرضية الحالة المستقرة Steady State للكون التي تقول بأن الكون لا مولد له, أي أنه لا نهائي في الزمان والمكان, رغم أنها كانت نظرية مقبولة في الأوساط العلمية حتى منتصف القرن العشرين.

 كم هو عمر الأرض؟ وما هو عمر الكون؟

 هناك عدة طرق لتقدير العمر مثل معدل تزايد ملوحة البحار لتقدير عمر البحار ومعدل تحلل المواد المشعة لتقدير عمر القشرة الأرضية وعمر النيازك والأحجار القمرية, وأما تقدير عمر الكون فيعتمد على معدل تباعد المجرات أو "ثابت هابل", وعلى هذا الأساس يقدر عمر الكون بمليارات السنين, وباستخدام أدق الأجهزة في قياس قيمة ثابت هابل تقديره حاليا حوالي: 24 (30-20) كم/ ثانية مما يعطي عمرا للكون حوالي: 12.5 (10-15) مليار سنة (عمر الكون = سرعة الضوءثابت هابل×مليون).

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالسادسة والخمسون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :* هل توصلت العلوم الحديثة إلى ما يؤيد الدين في أن الكون حادث غير سرمدي؟

   الحقيقة أن مجرد اكتشاف الإنسان لظاهرة الإشعاع كان كافيا لدفع وهم أزلية المادة تهربا من الإقرار ببدء الخلق الذي يقطع بوجود الخالق وقدرته وأزليته وحده، لأنه ما دامت الشمس وجميع النجوم الأخرى مشتعلة وتبعث الإشعاعات؛ إذن فلا بد من وجود بداية لها لأنها لو كانت أزلية لنفد وقودها منذ مليارات السنين.

وهكذا ساهم علم الفيزياء Physics في توجيه ضربات أليمة للملحدين قبل أن يوجه لهم الضربة القاضية بتأكيد بدء الخلق, ولا يمكن تجاهل دور علم الفلك Astronomy, فكليهما قد ساهم بطريقة أو أخرى في معرفة العديد من خصائص الأجرام السماوية البعيدة بما يدفع أزلية الكون، فقد كشف "فاستو مالفن سليفر" عام 1913م أن بعض الأجسام السماوية التي كان يعتقد سابقًا أنها غبار كوني تبتعد عنا بسرعة 1800كم/ ثانية، وقد عرف من بعد أن تلك الأجسام لم تكن إلا مجرات, ثم أعلن إدوين هابل عام 1929 قانونه القائل بأن المجرات (خارج مجموعتنا المحلية) تبدو منحسرة بسرعة تتناسب طرديًّا مع بعدها, وكان مغزى هذا الاكتشاف مفاجأة كبيرة للعلماء، لأنه يعني أن الكون قد عانى من التوسع عند نشأته, وبسبب حدية سرعة الضوء لا يعني أنه يتوسع الآن لأن الضوء القادم يحتاج لأزمنة تتناسب مع الأبعاد, فيحتاج الضوء القادم من القمر حوالي 1 ثانية, ومن الشمس حوالي 8 دقائق ومن أقرب نجم حوالي 4.3 سنة ومن أبعد ما يمكن رصده سيحتاج باستخدام أكبر وحدة للزمن عمر الكون أي حوالي 50 سنة من سنوات الشمس (حوالي 250 مليون سنة من سنوات الأرض).

وعماد نظرية الانفجار العظيم هو أن انفجارًا قد وقع للمادة الأولية للكون مما أدى لتوسعة ومن ثم برودته, وفي اللحظات الأولى من عمر الكون كانت درجة الحرارة هائلة نتيجة لتجمع المادة, وقد سادت فيها الجسيمات الأولية التي تمثل لبنات الذرات، ثم وجدت الذرات ومنها تألف الغبار الكوني الذي نشأت منه فيما بعد المجرات, ولو شغَّلنا الفيلم عكسيًّا فمن الضروري إذن أن الكون كله كان متركزًا في البدء في نقطة صغيرة ولكنها قد جمعت كل كتلة الكون الحالي, وبسبب الانضغاط الهائل كانت البداية ذات حرارة هائلة لا تبلغها اليوم أعظم النجوم, ومع كل درجة حرارة يصدر إشعاع ذي طول موجي محدد يميزها, فلو كان هذا التصور صحيحا فلا بد من إشعاع يغمر الكون كله الآن يعكس تلك الحرارة الهائلة, وهو ما كشفه بالفعل بنزياس وولسون عام 1965, وتأكد وجود هذا الإشعاع عندما أرسلت مؤسسة (ناسا) الأمريكية لأبحاث الفضاء قمرًا صناعيًّا عام 1989م, وبهذا أصبحت نظرية الانفجار العظيم BIG BANG مقبولة لدى معظم العلماء وأساسها تجمع مادة أولية في حيز صغير, ولك أن تواصل تشغيل الفيلم عكسيا حتى تصل إلى لحظة "الإبداع العظيم" التي لا يسبقها سوى انعدام المادة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالسابعة والخمسون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :* هل توصلت العلوم الحديثة إلى ما يؤيد الدين في أن الكون حادث غير سرمدي؟

إن وهم أزلية المادة لا مستند له في الأصل كما هو حال كافة ادعاءات الملحدين التي تتلبس ثوب العلم, ونظرية الانفجار العظيم ليست إلا تصور وليد تجارب علمية أيدت عمليا بدء الخلق الذي نادى به رسل الله, بالإضافة إلى جزئيات نظرية قابلة للتعديل وفق معطيات الكشوف العلمية, ولا يخفى أن التسمية بالانفجار مهما كانت عظمته فيها بعض التضليل لأنها تقصر العودة في تلاشي الكون إلى مادة أولية مكومة وليس إلى مجرد العدم, ولا مبرر مقبول لتلك التسمية سوى التهرب السافر من الخلق من العدم المحض الذي يلزم بوجود الخالق, ولكنها لم تمنع أحد أعلام الفيزياء وهو البروفيسور ستيفن هاوكنج البريطاني من الاعتراف بأن وحدة البدء تقطع بوجود الخالق وبالطبع وحدته ناهيك عن التصميم المتقن والنظام الذي يمثل كشفه تاريخ العلم التجريبي بأجمعه، وبالمثل قال ألفريد هويل: "تقول نظرية الانفجار الكبير بأن الكون نشأ نتيجة انفجار كبير، ونحن نعلم أن كل انفجار يبعثر المادة دون نظام، ولكن الانفجار الكبير عمل العكس, إذ عمل على جمع المادة وفق تصميم وقدرة فريدة لتشكيل المجرات والنجوم والتوابع ونشأة الإنسان على هذه الأرض", والنتيجة الحتمية التي توصل إليها العالم الأمريكي جورج كرنشتاين قد أعلنها بقوله: "كلما دقَّقنا في الأدلة التي يقدمها الكون المفتوح الصفحات أمامنا واجهتنا على الدوام الحقيقة نفسها وهي أن هناك قدرة إلهية خلف بدء الخلق وكافة الأحداث", ولكن المدهش أن علامات بدء الخلق التي تعلنها رسالة الكون إلى أهل النظر قد أمر القرآن الكريم بالبحث عنها في قوله تعالى: "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" العنكبوت 20. [ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي- هل توصلت العلوم الحديثة إلى ما يؤيد الدين في أن الكون حادث غير سرمدي؟ - د. محمد بن إبراهيم إبراهيم دودح ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة 

والخمسون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الميكروحاسوب الحيوي 

وقف العالِم يقول : إليكم أصغر جهاز حاسوب حيوي في العالم, إنه في حجم اقل من أصغر نقطة في هذا الكتاب, ومع ذلك فهو يحمل معلومات حيوية إذا طبعناها على الورق لاحتجنا إلى أوراق تعادل أوراق الموسوعة البريطانية (46 ) ألف مرة, والحاسوب العادي له لوحة مفاتيح بها 28 حرفاً باللغة العربية أو 26 حرفاً بالحروف اللاتينية, علاوة على الفواصل وغيرها, أما لوحة مفاتيح هذا الميكروحاسوب الحيوي المعجز والعجيب, فتحتوي أربعة حروف فقط هي (A , G ,T , C ) وبهذه الحروف الأربعة تكتب كل المعلومات المخزنة في هذا الحاسوب, فلو فرضنا ان هذه المعلومات تخص الانسان فإنه بهذه الحروف الأربعة وبعملية توافيق وتباديل معجزة يُكتب لون البشرة, ولون العيون والشعر وصفاته وعدد شعراته, والحواجب, وفتحات الفم, والأسنان وتركيبها وترتيبها, والشفتين والأذنين وخصائص كل منها وكيف تعمل, وشكل الوجه, وعدد العظام به, والحلق وما به من خلايا وتراكيب, واللسان وطوله وشكله وخصائصه الوراثية والتشريحية والوظائفية, واللوزتين وعملهما والحلق, والغدد اللعابية, والبلعوم والمريء والمعدة, والرأس والمخ والخلايا العصبية, وكل المعلومات التي تعرفها عن جسم الانسان والتي تدرس بالتفصيل في كليات الطب ومراكز البحوث , كل ذلك مكتوب في هذا الميكروحاسوب الحيوي الدقيق.

يعجب الحاضرون من هذا الحاسوب العجيب, وحجمه الدقيق, وبرمجته المعجزه الداله على علم الصانع وابداعه وتقديره.

سألوه : أين نرى هذا الحاسوب العجيب ؟

قال : وكيف ترونه وهو أدق من نقطة هذه الصفحة ؟!

قالوا : أين نجد هذا الحاسوب العجيب وما اسمه؟

قال : هذا الحاسوب هو جزيء الحامض النووي ( DNA)الموجود في خلايا جسم الانسان والكائنات الحية الأخرى.

إنه الجزيء العجيب والمعجز يتكون خيطين دقيقين كيميائيين يتركبان من السكر الخماسي منقوص الأوكسجين(Deoxyribose sugar) يرتبط بمجموعات من الفوسفات Phosphate Groupsوقواعد الأدنين  Adenin  A , والثيامين Thymine  T  , والجوانين Guanin  G, والسيتوسين Cytosine  C   النيتروجينية                                                                                                                                وعلى حسب ترتيب كل من A , G , T , C    تتكون الجينات التي تحمل جميع الصفات الوراثية للكائن الحي, وقد أمكن التعرف على الخارطة الوراثية لبعض الكائنات الحية, ودراستها وهذا فتح علمي عظيم حل العديد من المشكلات الوراثية للكائنات الحية .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والخمسون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* الميكروحاسوب الحيوي

وهذا الجزيء يهدم نظرية الصدفة والعشوائية ( النظرية الدارونية ) في خلق 

الانسان والكائنات الحية حيث ثبت أن الفوارق بين الكائنات الحية هي فوارق في البرمجة في هذا الجزيء العجيب (1), والآن نستطيع أن نقول أن الانسان يفكر بهذا الجزيء, حيث أن الانسان يفكر بخلايا مخه, تلك الخلايا أهم ما فيها النواه وأهم جزيء  في النواه هو جزيء DNA المكون للمادة الوراثية في الخلية, هذه المادة المركزية في نواة الخلية, إذا نحن نفكر بهذا الجزيء ونحب به , وتنتقل صفاتنا الوراثية لأبنائنا عبر هذا الجزيء العجيب

 ويمكن اعتبار اكتشاف هذا الجزيء من أعظم الاكتشافات التي حققها علم الأحياء المعاصر وعلم الوراثة وعلم الخلية.

   وكل كائن حي يمثل في الحقيقة نوعية معينه من البرمجة الخاصة به, وتتحدد شخصية الكائن الحي وجميع خصائصه من برمجة هذا الجزيء المعجز.

إذا طبعنا المعلومات التي على جزئ  (DNA)على الورق لاحتجنا إلى أوراق تعادل أوراق الموسوعة البريطانية (46 ) ألف مرة فسبحان من خلق هذا الجزيء العجيب انظروا إلى الخلية الموجودة في مخ الانسان التي نعتبرها خلية ذات خصائص عالية , ولكننا نجدها عاجزة عن القيام بعمليات حيوية بسيطة كالتنفس الذاتي والتغذية الذاتية ,  بينما تقوم خلية الأميبا بفعل كل تلك العمليات الحيوية.

        ويستطيع جزيء DNA نسخ نفسه بما وهبه الله سبحانه وتعالى من خصائص حيوية مميزه , وأثناء الانقسام الخلوي تتوزع جزيئات DNA للكائن الحي بطريقة دقيقة محكمة ,  بحيث يتم تبادل الصفات الوراثية بين الجينات وبين الكائنات الحية.                                                            فسبحان من خلق هذا الجزيء العجيب وسبحان من كتب بقدرته صفات الكائنات الحية بهذه المركبات الكيميائية المعجزة وسبحان القائل ( سنريهم آياتنا فيالآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ) فصلت 53 . ففي كل يوم تتكشف آيات الله الدالة على أن القرآن

 حق , وأن الله هو الحق وأنه على كل شيء شهيد.

(1) – انظر كتابنا نظرية التطور بين المؤيدين والمعارضين حيث الأدلة العقلية , والدلة العلمية , والأدلة الشرعية الداله على بطلان النظرية الداروينية.

[ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي- الميكروحاسوب الحيوي - معجزة علمية -  الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الستون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* تسبيح الجماد بحمد رب العباد

إن هذا البحث المتواضع الذي سميته على بركة الله (تسبيح الجماد بحمد رب 

العباد) يحاول أن يبين أن الأشياء التي تبدوللعين المجردة جامدة هامدة لهي في حقيقة الأمر متحركة، ولقد توصلت إلى هذه النتائج التي أعرضها في هذه الصفحات بعد أكثر من خمس سنوات من البحث والتحري والمشاهدة والتفحص. كما أنني استندت كلما اطلعت على ظاهرة كونية أوعلمية أومشاهدة عينية؛ على آية من آيات الذكر الحكيم أوحديث من الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة.

قال الله تعالى في سورة الأنعام:{ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } (سورة الأَنعام 38)، ففي تفسير ابن كثير يقول مجاهد: أن الإنس أمة، والجن أمة، والطير أمة، وكلها خلق الله، وعلماء الاجتماع يقرون بأن أفراد الأمة الواحدة تجمعها عناصر مشتركة، قد تكون هذه العناصر دينية أوثقافية أوعادات وطقوس اجتماعية أوخلقية أولغوية، ولعل العنصرين الأخيرين أي الصفات الخلقية واللغوية أكثر العناصر وأوسعها انتشارا. فالضحك والبكاء على سبيل المثال يشترك فيهما الكثير من الأمم الإنسانية. وكذلك اللغة سواء كانت لسانية أوإشاراتية أوكتابية فإنها تعتبر عوامل مشتركة بين أمم مختلفة تماما.

الله تعالى في سورة فصلت: { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا 

وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } (سورة فصلت 11).

يبين الله عز وجل أن السماوات والأرض تكلمت وعبرتا عن طاعتهما له، ودليل ذالك كلمة: "قالتا" من القول، هذا ما علمنا وآمنا به، أما ما لم نعلمه فهوكيفية القول، ونوعية التعبير عن الطاعة والإتيان. وهذا دليل على أن الجماد يقول أويتكلم.

كما قال تعالى: { حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } (سورة النمل 18)، وهذا دليل آخر على أن الحيوان يتكلم وكذلك الحال بالنسبة لقصة حوار الهدهد مع سليمان، (الآيات 19 إلى 28 من سورة النمل).

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والستون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* تسبيح الجماد بحمد رب العباد

ولقد ورد التسبيح في القرآن أكثر من تسعين مرة بصيغ مختلفة: (الأمر، الماضي،

 المضارع أوبصيغة تبيان الجلالة "سبحان الله")، كما يختلف صاحب التسبيح؛ كالإنسان أوالملائكة أوالجماد أوالحيوان كما سيأتي توضيحه.

ولقد قال تعالى سورة ص 27 {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص 27]، وجاء في سورة الأنبياء: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ } (سورة الأنبياء 16). وكثير من الآيات الأخرى التي تؤكد على جدية الخلق، وانعدام مجال الصدفة في تقديره. هكذا كانت الانطلاقة في البحث عن إحدى علاقات تبعية المخلوقات لخالقها، والكشف عن شكل وطبيعة هذه التبعية التعبدية، المتمثلة في تسبيح 

كل الكائنات الحية والجامدة بحمد ربها.

فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن الشيطان الرجيم، سبحانك اللهم وبحمدك ولا حول ولا قوة إلا بالله .

تسبيح الجماد بحمد رب العباد:

إذا فكرنا بمقاييس كونية، وأمعنا النظر في آيات الله الكبرى، من حيث الحجم، نلاحظ أن الفضاء الخارجي يتكون من مليارات المجرات التي تسبح فيه إلى 

أجل مسمى. وتتكون كل مجرة (galaxie) من مليارات النجوم ، وتظهر المجرة 

في مجملها في شكل أسطوانة منتفخة المركز، ويبلغ طول قطر مجرة درب التبانة التي تنتمي إليها مجموعتنا الشمسية ماءة ألف 100.000  سنة ضوئية أي ما يعادل 1 135 296 000 000 000 000 000 كلم، وسمكها خمسة آلاف(5000) سنة ضوئية، علما بأن سرعة الضوء تقدر بحوالي ثلاث مائة وستين ألف كيلومتر في الثانية. ولقد أثبت علماء الفلك أن المجرات تدور حول نفسها واتجاه دورانها معاكس لاتجاه عقارب الساعة.

كما أن كل كوكب من كواكب المجموعة الشمسية: (زحل، عطارد، المشتري، الزهرة،  بلوتون، نبتون، أورانوس، والمريخ) يدور حول نفسه بعكس اتجاه عقارب الساعة وفي نفس الوقت يدور حول الشمس، وفي الاتجاه المعاكس لعقارب الساعة، ومنها بطبيعة الحال كوكب الأرض الذي يدور مرة حول الشمس خلال مدة تساوي ثلاث مائة وخمسة وستين (365) يوم، كما يدور أيضا حول نفسه دورة كاملة خلال أربع وعشرين(24) ساعة، وكلتا الدورتين في نفس الاتجاه) أي على عكس اتجاه عقارب الساعة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والستون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* تسبيح الجماد بحمد رب العباد

كما نلاحظ أن للقمر ثلاث دورات: أولاها. حول نفسه، وتدوم حوالي سبع ساعات وثلاث وأربعين دقيقة. وثانيها. حول الأرض، وتدوم حوالي تسع وعشرون يوم ونصف اليوم. وثالثها. حول الشمس، باعتباره عنصرا ينتمي للمجموعة الشمسية. والمعلوم أن كل هذه الدورات هي على عكس اتجاه 

عقارب الساعة.

 وعلى مستوى آخر، إن طبيعة المناخ الصافي أو الماطر، فإنها تخضع إلى نوعية الضغط الجوي الذي يخيم على منطقة من المناطق. ومن ثم إذا كان الضغط مرتفعا فذلك يعني أن دورانه حول نفسه يكون في نفس عقارب الساعة، ونتيجة ذلك أن تلك المنطقة سيسودها الصفاء، أما إذا كان الضغط منخفضا فسيكون دورانه حول نفسه على عكس اتجاه عقارب الساعة، ومعنى ذلك أن هذا الضغط محمل بما ينفع الناس، فيمطر على المنطقة التي يعلوها أو يساق بمشيئة الله إليها.

وكذلك الحال بالنسبة للأعاصير التي تتكون على مستوى سطح البحر، عندما تتوفر ظروف مناخية معينة (درجة حرارة تساوي 27° ، نسبة رطوبة 

تفوق 80%، والتقاء رياح باردة بأخرى حارة) تتكون في منطقة احتكاك هذه الرياح زوبعة تتطور شيئا فشيئا إلى أن تصير إعصارا هائجا، ينتقل إلى حيث يأمره الله، ناسفا ومدمرا لكل ما يوجد في طريقه بقوة رياحه الدائرية، التي تبلغ سرعتها في أطرافه ما بين الثلاث مائة والخمس مائة (300 - 500) كيلومتر في الساعة. أما اتجاه دورانه فهو على عكس اتجاه عقارب الساعة.

ونلاحظ من جهة أخرى أن شجرة الكرم (العنب) تنبت سيقانا في أغصانها تمكنها من شد نفسها، والجدير بالذكر أن هذه السيقان بينما تبحث عن شيئ تلتف حوله تقوم بدورات متتالية حول نفسها، ولا تتوقف عن الدوران إلا إذا وجدت ما تشد نفسها إليه، والمثير في هذا الأمر أن اتجاه دورانها يعاكس تماما اتجاه عقارب الساعة.

على صعيد آخر، نلاحظ أن أحد الحيوانات وهو العنكبوت يتصرف تصرفا عجيبا عندما يبني بيته الذي قال فيه سبحانه وتعالى:{ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } (سورة العنْكبوت 41)، إن هذا العنكبوت الصغير يبدأ بتثبيت الخيوط العرضية والأفقية لتكون الدعامات الأساسية لشبكته، ثم يتحول للخيوط المركزية في عملية حلزونية بادئا بالمركز ومنطلقا نحو الخارج، في دوران مستمر بالاتجاه المعاكس لعقارب الساعة، إلى أن ينتهي من بناء بيته. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والستون 

بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* تسبيح الجماد بحمد رب العباد

أما إذا غيرنا المنظار، وفكرنا بمقاييس مجهرية، وركزنا اهتمامنا على ما يجري في أصغر حجم يعرف إلى حد الآن -وهي الذرة- سوف نلاحظ ما يلي:

إن الكثير منا يعلم أن كل ما يوجد في الكون يتكون من أحجام متناهية الصغر تسمى الذرة. ولكي تكون لدينا فكرة مبسطة عن حجمها يمكن القول: بأن رأس إبرة -على سبيل المثال- يحتوي على ستين مليار ذرة. وتتكون كل ذرة لوحدها من جزيئات أصغر منها وهي: البروتونات والنيترونات التي تشكل النواة من جهة والإلكترونات من جهة أخرى. ولقد أثبت الفيزيائيون أن البروتونات محملة بشحنة كهربائية موجبة والإلكترونات محملة بشحنة كهربائية سالبة أما النيترونات فلا شحنة لها.

إن كافة هذه الأجزاء في حركة دائمة حيث لونظرنا إلى هذه الذرة عبر المجهر لرأينا أن الإلكترونات تدور دون توقف حول النواة على عكس اتجاه عقارب الساعة.                                                         

إن هذا الدوران ليس غريبا عن الإنسان المسلم الذي يعلم أنه لا يكتمل له دينه

 الذي ارتضاه الله له إلا بأدائه هذا الدوران ذاته وبنفس الطريقة متمثلا في 

الطواف بالكعبة الشريفة. وكلنا نعلم أن الطواف هو الدوران حول الكعبة المكرمة بحيث يكون البيت العتيق إلى يسار المتطوف وعلى عكس اتجاه عقارب الساعة، أو بالأحرى كما تدور المجرة حول نفسها، وكذلك المجموعة الشمسية، والكواكب كلها، والأقمار التابعة لبعضها، والصواعق وسيقان الكرم والذرة، بل أضف إلى ذلك اتجاه سعي الحجاج بين الصفا والمروة. حيث نراهم يدورون في نهاية المسار إلى اليسار وكأنهم يدورون في حلقة تم تمديدها.

هنا نقف وقفة تأمل واستفهام عن سر هذا الدوران الموحد في اتجاهه والمتجانس في شكله ونتساءل:

هل هو مجرد صدفة، أم له مدلول روحي أبعد وأعمق مما يبديه مظهره الخارجي؟ وكيف؟ ولماذا سن هذا القانون ومن سنه ليكون كذلك؟

تلكم هي الأسئلة التي نحاول الإجابة عليها بإذن الله.

إذا جعلنا من قوله تعالى:{ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } (سورة آل عمران 191)؛ أساسا لتفكيرنا، وانطلقنا في بحثنا لعلمنا علم اليقين بأنه ليس للصدفة محل من الإعراب في خلق الله سبحانه وتعالى.

إذا كانت العبادات كما قررها نبي الرحمة في الأركان الخمسة مقصورة على الإنسان والجن، بدليل الآية: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (سورة الذاريات 56)؛ فإن التسبيح بحمد الله جاء بصفة التعميم ليشمل كافة المخلوقات، سواء كانت لها روح أم لم تكن، وذلك بدليل الآية: { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (سورة الحديد 1)، التي وردت في القرآن الكريم ثلاث مرات على هذه الصيغة في كل من: سورة الحديد والحشر والصف. كما وردت في صيغة المضارع مرتين: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (سورة الجمعة 1) في افتتاحية سورتي التغابن والجمعة.

 إن العارفين بقواعد اللغة العربية يعلمون أن حرف (ما) يستعمل لغير العاقل كقوله تعالى:{ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ } (سورة طه 17 - 18) وذلك خلافا لحرف (من) (بفتح الميم) الذي يستعمل للعاقل دون غيره كقوله تعالى: {فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (سورة الملك 28).

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والستون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* تسبيح الجماد بحمد رب العباد

أما الآية الرابعة والأربعون من سورة الإسراء فتغنينا عن الخوض في قواعد اللغة لكونها تعمم التسبيح على كل عاقل وغير العاقل كالإنسان والحيوان والجماد إذ يقول عز وجل: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (سورة الإسراء 44).

إن عبارة "ومن فيهن" وجهت للعاقل فقط، والمقصود بها هنا الإنس والجن والملائكة، أما عبارة "وإن من شيء" فهي تعني كل ما دون ذلك بغير استثناء، ومهما كانت طبيعته أو حجمه؛ كالكواكب والنجوم والشجر والحيوانات.. أو ما هو أصغر.. كالذرة التي يبلغ طولها خمسة أو ستة أجزاء من المليون من الميليمتر.

إن الأدلة القرآنية السابقة الذكر تبين لنا بكل وضوح أن الحيوان والجماد يسبحون بحمد الله، أما الأدلة من السنة فهي كالآتي.

يقول ابن كثير في تفسيره بخصوص " تسبح له " بمعنى تقدسه السماوات السبع

 ومن فيهن، -أي من المخلوقات- وتعظمه وتبجله وتكبره وتنزهه عما يقول المشركون، وتشهد له بربوبيته وألوهيته.

أما عبارة (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) فليس المراد بها لا تعرفون تسبيحهم، بل لا تفهمون تسبيحهم، لاختلاف لغاتهم عن لغاتكم أيها البشر. ومن ثم فإن عدم فقه الشيء لا يعني بالضرورة عدم معرفته، أو جهل وجوده، ومثال ذلك: كون شخص يتكلم بالانجليزية أمام شخص آخر لا يفهم هذه اللغة فيقول هذا الأخير: أنا لا أفقه هذه اللغة، ولكني أعرف أنها الانجليزية. وجاء في صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه قال: (كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل).

وفي حديث أبي ذر الغفاري أن النبي صلى الله عليه وسلم: أخذ في يده حصيات فسمع لهن تسبيحا كحنين النحل، وكذا في يد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين. وهو حديث مشهور في النسائي.

وجاء في سنن النسائي عن عبد الله ابن عمرو قال نهى رسول الله عن قتل الضفادع، وقال: (نقيقها تسبيح). وقال الإمام أحمد حدثنا حسن حدثنا ابن هليعة حدثنا زبان عن سهل بن معاذ عن ابن أنس عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه دخل على قوم وهم وقوف على دواب لهم فقال لهم: (اركبوها سالمة، ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم، في الطرق والأسواق، فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكرا منه).

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والستون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* تسبيح الجماد بحمد رب العباد

بعد أن بينا من السنة أن الحيوان يسبح بحمد الله، سوف نحاول أن نبين أن

 هذا الدوران تسبيح أيضا.

جاء في صحيح مسلم، باب أركان الإسلام ودعائمه العظام، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمسة، على أن يوحد الله(1)، وإيقام الصلاة(2)، وإيتاء الزكاة(3)، وصيام رمضان(4)، والحج(5)). فقال رجل: الحج وصيام رمضان؟ قال: لا صيام رمضان والحج؛ هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. نلاحظ في هذا الحديث إلحاح الراوي على الترتيب الصحيح والواجب الأخذ به رغم وجود روايات أخرى حول وضعيتي ركني الصوم والحج، ومن يسبق الآخر، إلا أني أرجح الترتيب السابق الذكر لأسباب كثيرة ليست 

موضوع البحث.

إن هذا الترتيب يدل على أنه لايجوز للمسلم أن يقوم بأداء الصلاة دون أن يدلي مسبقا بالشهادتين، كما أنه لا يجوز له أن يؤتي الزكاة دون أن يقيم الصلاة، أو الحج قبل الصيام. ودون الخوض في مسائل فقهية لسنا مؤهلين لها، كما أننا لسنا بصدد دراستها، نستنتج أن وضعية الركن في الترتيب تدل على درجة أهميته التعبدية، وقوة وجوب أدائه. وبذلك يكون ركن الشهادة الذي رتب في المقام الأول أكبر الأركان وأهمها، بل لا تقوم للأركان الأخرى قائمة بدونه، كما أنه أكبرها وجوبا بحيث لا يقبل فيه أي نقصان أو تنازل كما لم يمنح الله فيه أي ترخيص، وذلك ما بينته الآية: { إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } (سورة النساء 48)

أما الركن الثاني وهو ركن الصلاة، رغم كونها عماد الدين، إلا أنه يتمتع من التراخيص ما يجعله أقل منزلة من سابقه، كالتيمم عند غياب الماء، والتقصير عند السفر، والترخيص للمرأة الحائض حتى تطهر دون القضاء، وكذلك في حالة النفاس. كما يجوز أداء الصلاة في حالة جلوس. أما الركن الثالث وهي الزكاة، فهو يتمتع بترخيصات، وشروط تيسيرية: كإتمام الحول، وبلوغ النصاب الشرعية، وتحفيزية: كتزكية المال وتطهيره. ويليه ركن الصيام وترخيصاته الأخرى، كإفطار الصائم أثناء السفر أو المرض أو الحيض والنفاس عند المرأة، بل أكثر من ذلك حيث يرخص الله لمن لا يستطيع الصيام أن لا يؤديه البتة بشرط التعويض عن ذلك بإطعام مسكين عن كل يوم أفطر فيه.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والستون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* تسبيح الجماد بحمد رب العباد

أما الحج فهو آخر الأركان في الترتيب، ومعنى ذلك أنه أدناها وجوبا، رغم ما فيه من مزايا وثواب، كما أنه يتمتع بدوره بكثير من التراخيص، ولعل أهمها: أنه كلما ورد ذكر الحج إلا وأتبعته عبارة: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } (سورة آل عمران 97)، ومفاد ذلك أن أداءه مقترن بتوفر الاستطاعة الجسدية (الصحية) والمالية، ويمكن أن نزيده -نظرا لحال الأمة اليوم- شرط الحالة الأمنية. ولقد أصدر علمائنا الميامين فتوى جواز حج شخص لحساب آخر حتى ولو كان ميتا.

 ومن ثم يفترض في المسلم الذي قام بأداء فريضة الحج أنه قد أدى كافة الأركان

 الأخرى، لذا يعتبر الحج تتويجا للفروض الأخرى. إذا سألنا أي شخص عن أسمى وأصدق صورة ترمز للحج لكان الجواب بكل بداهة وارتجال: الطواف بالكعبة الشريفة.

الطواف بالكعبة الشريفة:

إننا نعلم بأن الطواف من أهم المناسك، وهو في حد ذاته صلاة، كما ورد في الحديث الذي أخرجه الترمذي في السنن، كتاب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب الكلام في الطواف. قال حدثنا قتيبة قال حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن طاوس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطواف حول الكعبة مثل الصلاة؛ إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير).

اعتمادا على المقاييس العقلية وارتكازا على الأسس الإيمانية نستنتج أن هذا الدوران المتجانس لكل هذه المخلوقات بدءا بأكبرها في علمنا وهي المجرة، وانتهاءها إلى أصغرها وهي الذرة، ومرورا بالمجموعة الشمسية والكواكب والأقمار والأعاصير وسيقان الكرم.. وكلها تدور بنفس طريقة الحاج وهو يطوف بالكعبة الشريفة، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون نتيجة الصدفة؛ لأن الذي قال في الآية: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } (سورة الأَنعام 59) لا يسمح بأن تتدخل الصدف في تسيير الكون، كما أن عظمة ومغزى هذا الدوران أجل وأقدس من أن تخضع للصدف، بل نجزم بأنه لو كان كذلك لدارت الأرض يسارا والمريخ يمينا والشمس شمالا والقمر جنوبا كل حسب هوى صدفته، ولو كان كذلك لفسدت السماوات والأرض وكل ما زحف أوطار أو دب فيهن. كما نؤمن كل الإيمان بأن مصدر الأمر واحد لا ثاني له، وهو الله الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء له الأمر كله. كما نعتقد أن الله تبارك وتعالى عندما فرض التسبيح على كافة المخلقات إنما اختار للجماد صورة أسمى وأنبل وأقدس حركة تعبدية يقوم بها الإنسان باعتباره خليفة الله في الأرض لما في هذه الحركة من تتويج لأداء الفرائض الواجبة على المسلم: { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } (سورة آل عمران 191). فسبحان القائل: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } (سورة فصلت 53) [ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي- تسبيح الجماد بحمد رب العباد - محمد خلدون - عيسات مصطفى- الرغاية ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والستون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حركات الأرض بين العلم والقرآن

أولاً: كروية الأرض ودورانها حول نفسها في ضوء القرآن الكريم

أولاً: شكل الأرض: منذ خمس مئة سنة، وقبل ذلك، عبر تاريخ البشرية، كان الناس يعتقدون أن الأرض مسطحة وترتكز على ثلاثة حيتان، وكان المعارضون لهذا الرأي يشدون إلى الوتر ويحرقون، ولهذا لم يجرؤ أحد على معارضة هذه الخرافة، وظل خط الأفق الرفيع الغامض يحير الناس الذين كانوا يعتقدون أن الأرض مسطحة كالقرص، وكان هذا الأفق في نظرهم نهاية الأرض، الذي تقع وراءه دار الخلود، وأرض النعيم، والأعمدة التي تحمل الكرة السماوية، والباب الذي تخرج منه الشمس لترحل عبر السماء. وزعم اليونانيون أن المرء يمكنه في المساء أن يسمع ( طشطشة ) الشمس الساخنة، وهي تغطس في المحيط الواقع وراء الأفق، ولكنهم لم يجازفوا بالذهاب إلى هناك، واكتفى الجميع بالخيال أمام كل مجهول!.

ورغم انتشار هذه الخرافات أعلن بعض قدماء الإغريق أن الأرض كروية، وأجرى إيراتوثنيس قياسات لقطر وحجم الأرض، مستخدماً الفرق بين أطوال الظل التي تلقيها الشمس عند مدينة الإسكندرية وعند نقطة أخرى تبعد عنها مئات الكيلومترات إلى الجنوب، ورغم هذا ظل الإحساس العام بأن الأرض منبسطة ومستوية سائداً عبر قرون طويلة، ولم يكن التوصل إلى كروية الأرض عملياً أمراً ميسوراً، وخاصة وأن الاعتماد على الحواس وحدها دون التدقيق التجريبي كان يؤدي إلى الانطباع الخاطىء بأن الأرض مستوية، فالظاهر لنا جميعاً أنها مستوية وليست كروية، فلقد رأى الإنسان البدائي أرضه منبسطة ومحدودة، وهو لا يدري أن سطحها يتكور تحت قدميه كلما طالت المسافات.

ورغم أننا اليوم نعيش عصر العلم وعرفنا بلا شك أن الأرض كرة، فإننا لا نزال 

نتحدث عنها على أنها مسطحة ونسميها ( البسيطا )، كما أننا في حياتنا 

وقياستنا العادية لا ندخل انحناء سطحها في اعتبارنا، فالمهندس يقيس المسافات على سطح الأرض في مستوى واحد قائلاً على سبيل المثال: إن المسافة بين القاهرة وأسوان 420 ميلاً، دون أن يدرك للأرض انحناء أو عمقاً عن مستوى القياس في أول الطريق....!.

ولقد توقع أرسطو ظاهرة انحناء سطح الأرض وكرويته بنفس الحجة البدائية التي نسوقها اليوم لأطفالنا للتدليل على كروية الأرض باختفاء جسم السفينة قبل شراعها عند بدء ابتعادها عن الشاطىء، وكذلك ملاحظة الشكل الدائري لظل الأرض على سطح القمر أثناء خسوفه لنرى قوساً من دائرة يؤكد كروية الأرض.

ورغم الحقيقة العلمية، فالأرض منبسطة أمام الناس دون إدراك لكرويتها، إلا إذا نظرنا إليها من الفضاء البعيد، كما حدث لأول مرة عام 1961م عندما رآها رائد الفضاء الروسي جاجارين، فاطمأنت القلوب لكرويتها برؤيا العين تثبيتاً لرؤيا العقل، بينما أشار القرآن الكريم لهذه الحقيقة قبل عصر الفضاء بألف وأربع مئة سنة، وسنشرح ذلك فيما بعد.                                                 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والستون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حركات الأرض بين العلم والقرآن

ولقد اهتم علماء المسلمين، أمثال الرازي والبتاني والبيروني والخازن وابن رشد والمجريطي وغيرهم، بعلم الفلك لمعرفة أوقات الصلاة واتجاه القبلة، ورؤية أهلة الشهور العربية القمرية، وأكد علماؤهم كروية الأرض، كما جاء في كتاب ( عجائب المخلوقات ) للقزويني، لإثبات ذلك برؤية قمم الجبال الشاهقة من بعيد قبل رؤية سفوحها، وغياب أسفل السفينة المسافرة عن راصدها قبل اختفاء شراعها، كما قاس العرب المسلمون حجم ومحيط وقطر الكرة الأرضية وميل تلك البروج بمقدار 23.5 درجة وكتبوا عن الكُلَف الشمس وبروج القبة السماوية ونجومها.

ولقد توقع نيوتن ( 1687م ) أن الأرض كروية، بل وأنها تنبعج قليلاً عند خط الاستواء نتيجة تأثير القوة المركزية الطاردة الناتجة عن دورانها حول محورها لتأخذ بالتالي شكلاً مسطحاً عند القطبين ( مثل البيضة )، ذلك لأنه عندما كانت الأرض حديثة العهد، وكانت قشرتها لينة ساخنة ومعدل دورانها حول محورها سريعاً، قامت قوة الطرد المركزي الناشئة عن هذا الدوران بسحبها عند

 خط الاستواء وضغطها عند القطبين.

ومنذ بدأ عصر الفضاء في عام 1958م وحتى الآن يتم المسح الشامل بالأقمار الصناعية لكوكب الأرض الذي تم تصويره، كاملاً لأول مرة من الفضاء، وتحقق العلماء من كروية الأرض واختلاف قطريها مع ملاحظة أن قطرها يبلغ 12756.8 كم عند خط الاستواء بزيادة قدرها 43كم عن طول القطر بين القطبين، وهذا التفرطح البسيط عند القطبين يعطي الكرة الأرضية شكلاً بيضاوياً عند التدقيق في الصورة، ولو أن الفرق بين القطرين ضئيل مما يجعل الأرض أقرب إلى الكرة عند النظر إليها من بعيد.

والآن، ولقد تأكدنا علمياً من شكل الأرض ودورانها حول محورها وحول الشمس يسعدني، وبالله التوفيق، أن أوضح الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في هذه الحقيقة اليقينية، وذلك بتدبر آيات الله على ضوء ما وصل إليه العلم الحديث في عصر الفضاء رغم أن الناس، عامتهم وخاصتهم بل وقدماء المفسرين، لبثوا قروناً بعد نزول القرآن وهم يعتقدون أن الأرض مسطحة وثابتة لا حراك فيها، بل إن أكثر الناس حتى الآن لا يدركون كروية الأرض وحركتها.

وللقرآن الكريم أسلوبه الحكيم للدلالة على ما يريد الإشارة إليه من أسرار الطبيعة

 ليكون كل سر منها: ( إذا أذن الله بالكشف عنه ) هادياً إلى الله خالق الكون ومنزل القرآن، بل وتصديقاً لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

ولقد اقتضت الحكمة الإلهية أن يكون التعبير القرآني عن الحقيقة الكونية بأسلوب يطابقها تماماً أو يدل عليها أولو العلم، وفي نفس الوقت لا يصدم الناس فيما يعتقدون ولو كان ما يعتقدونه مخالفاً تلك الحقيقة!، وهذا هو سر الإعجاز العلمي للقرآن بأسلوب لا يقدر عليه إلا الله الذي أنزل القرآن بالحق هدى للناس، وعلى الراسخين في العلم بيان الإعجاز، كما في قوله تعالى: )وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به([آل عمران: 7].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والستون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حركات الأرض بين العلم والقرآن

حقاً، فالعلماء هم الذين سيدركون عظمة معاني القرآن الكريم كما في قوله عز وجل: {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم }[العنكبوت: 49].

( أ ) كروية الأرض في القرآن الكريم:

لقد أشار القرآن الكريم إلى كروية الأرض في عدة آيات نستعرضها فيما يلي:

يقول سبحانه: )يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ([الزمر: 5].

والفعل ( يكور ) معناه: يلف في استدارة، فيقال في اللغة: كار العمامة على رأسه وكورها، يمعنى لفها، ولقد فهم المفسرون القدماء هذه الآية على أنها لف زمن النهار على زمن الليل، ولف زمن الليل على زمن النهار، بمعنى: إدخال ساعات أحدهما في الآخر، باعتبار كل من النهار والليل ظرف زمان فقط بحقيقة اللفظ، ورغم التزام المفسرين بالمعنى الأصلي ( أي: بالمفهوم الزمني لليل والنهار ) فإن هذا التفسير لا يعطي المعنى المقصود في الآية، لأنه لا معنى مطلقاً لتكوير ( أي: لف زمن على زمن )، ولكن المعنى المقصود لا يأتي إلا باستخدام ما يسمى في البلاغة بالمجاز المرسل، والذي نقدمه هنا على أساس أن الله سبحانه وتعالى ذكر لفظ الليل والنهار في معظم الآيات القرآنية كإشارة إلى لازمين من لوازمهما الستة: ظلمة الليل ونور النهار أو مكان حدوثهما أو السبب فيهما، ولو تدبرنا علمياً الاحتمال الصحيح في اللوازم الستة المذكورة، كمجاز مرسل، فإننا نستنتج المعنى المقصود للآية كما يلي:

يكور الله تعالى أو ينشر، أي: يلف، في شكل كروي ظلمة الليل على مكان 

النهار على الأرض فيصير ليلاً، ويكور أو ينشر ويلف في شكل كروي نور النهار على مكان الليل فيصير نهاراً، وقرينة هذا التفسير قوله تعالى: )يكور (،والتكوير لا يعقل أبداً في زمن الليل والنهار ويتطلب لف شيء على آخر، وهما ظلمة الليل على مكان النهار، ثم لف نور النهار على مكان الليل في الغلاف الجوي الكروي المحيط بالكرة الأرضية، ويترتب على هذا المعنى المقصود من آية التكوير حقيقة علمية هامة، وهي أن الله سبحانه وتعالى يلف الأرض الكروية حول محورها فيحدث تتابع وتبادل الليل والنهار، كما أن الليل والنهار رغم هذا التتابع موجودان في آن واحد على سطح الأرض الكروي، لأن الشمس تنير نصف الكرة الأرضية المواجه لها نهاراً، بينما في نفس الوقت يكون النصف الآخر في ظلام، أي: ليلاً، نتيجة كروية الأرض مصداقاً لقوله تعالى: )أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً ([يونس: 24].أي: الليل والنهار موجودان معاً على الكرة الأرضية في وقت واحد وفي مكانين مختلفين، وهذا لا يحدث إلا إذا كانت الأرض كروية وليست مسطحة، ولا يحدث التتابع والتبادل إلا إذا دارت الكرة حول محورها، والدليل على ذلك تكرار الفعل ( يكور ) مرتين، حتى لا يسمح القرآن بالتفكير في غير ذلك وليتطابق النص القرآني مع الحقيقة العلمية الحديثة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السبعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* حركات الأرض بين العلم والقرآن

( ب ) بسط الأرض:

بالنسبة لشكل الأرض أشار القرآن الكريم إلى اختلاف قطريها كتفصيل دقيق لكرويتها في سياق الحديث عن تاريخها المبكر عند نشأتها بقوله سبحانه: )والأرض بعد ذلك دحاها ([النازعات: 30].ولقد أجمع المفسرون على تفسير لفظ ( دحا ) بمعنى مدها وبسطها، بينما الفعل ( دحا ) له معاني أخرى وردت 

في اللغة لم يذكرها المفسرون نذكرها فيما يلي:

 ( أ ) ( دحا ) بمعنى ( رمى من المقر )، وهذا فعلاً ما حدث للأرض عند انفصالها من الشمس منذ 4.6 مليار سنة، وخاصة وأن الفعل ( دحا ) أتى بعد تمام إخراج الضحى في السماء في قوله تعالى: )وأخرج ضحاها (أي: أتمّ صنع النوم فيها...

( ب ) ( دحا ) بمعنى ( أزاح )، كما ورد باللغة دحا المطر الحصى عن الأرض،

 والإزاحة معناها حركة بسرعة معينة مما يشير إلى حركة الأرض، ولقد اكتشف 

العلم الحديث خمس حركات رئيسية ومتزامنة لكوكب الأرض!.

وكل هذه المعاني للدحو لم يستوعبها المفسرون لعدم معرفتهم العلمية لدرجة أنهم فسروا الآية: {والأرض وما طحاها } الواردة في سورة الشمس ؛ بمعنى مد الأرض وبسطها تماماً مثل تفسير الفعل ( دحا )، وقرينتهم في ذلك قوله تعالى في آية أخرى: {والأرض مددناها } [ق: 7]. ولقد فسروا الفعل( مد ) أيضاً بمعنى بسط رغم أن هذه الآية كما يقول فضيلة الإمام الشيخ الشعراوي، تدل على أنك أينما ذهبت فوق الأرض تراها ممدودة أمامك، وهذا لا يمكن هندسياً إلا إذا كانت الأرض كروية، إذ إنها لو كانت مسطحة لاختفى هذا المد عند الوصول لحدودها، وبهذا نلاحظ دقة التعبير القرآني الذي اختار اللفظ الوحيد المناسب هندسياً، فكلمة مددناها تعطي المعنى المزدوج للانبساط والتكوير، وهذا من عجائب الإعجاز العلمي للقرآن!.

وخلاصة القول: إن الفعل ( دحا ) معناه لغوياً: مد وبسط، ورمى من المقر، وأزاح، وكل هذه المعاني تنطبق على ما حدث لكوكب الأرض، طبقاً لحقائق العلم الحديث، كما أن الفعل ( طحا ) أصله الذهاب بالشيء، أي: قذفه من مقره ثم مده وبسطه، ويقال: ( طحا بالكرة )، أي: رمى بها ولم يأخذ المفسرون بهذا المعنى رغم أنه وارد في تكوين الأرض علمياً من السماء بفصلها وقذفها بعيداً عن الشمس، كما ورد ذلك في سورة الشمس بعد وصف بناء السماء في قوله تعالى: )والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ([الشمس: 1 ـ 6].

ورغم هذا أصر قدامى المفسرين على اعتبار الطحو والدحو بمعنى واحد، وهو: المد والبسط فقط، ولكن العلم الحديث أتاح لنا إدراك عظمة التعبير القرآني، وأن نكتشف المعاني الحقيقية لعملية التكوير والدحو والطحو والمد بما يتناسب مع بلاغة القرآن وإعجازه اللغوي والبياني والعلمي.                               إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والسبعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* حركات الأرض بين العلم والقرآن

حقاً، إن القرآن معجزة الدهر، أي: معجزة خالدة متجددة يتبين للناس منها على مر الدهور وجه لم يكن تبين وناحية لم يكن أحد يعرفها، فيكون هذا التجدد في الإعجاز العلمي سنداً قوياً للرسالة الإسلامية وكشفاً لكنوز القرآن وبرهاناً على صدق الوحي ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعالمية رسالته.

وهنالك آيات أخرى تؤيد كروية الأرض وبيضاويتها بانحناء سطحها، كما في قوله تعالى: )وفي الأرض قطع متجاورات ([الرعد: 4]. ويفهم القارىء العادي من هذه الآية تجاور حقول المزارعين بما فيها من جنات وأعناب ونخيل، ولكن المتمعن علمياً في معنى هذه الآية يرى: إذا كان جيولوجياً أن الألواح القارية ( التي نتجت عن تصدع القشرة الأرضية على مستوى الكوكب تحت البحار والمحيطات واليابسة ) بدليل قوله تعالى: )والأرض ذات الصدع (، هي القطع المقصودة قرآنياً والتي تنقسم إليها كل القشرة الأرضية، أي: ( القطع المتجاورات ) ولو كانت الأرض مستوية مسطحة لتجاورت كل القطع ما عدا القطع الموجودة في أطرافها بينما لكي يتحقق التجاور للجميع طبقاً للنص القرآني: )قطع متجاورات (فلا بد أن يكون السطح كروياً لأن انحناء السطح يؤدي إلى تجاور جميع القطع، الأمر الذي لا يتوفر مطلقاً في السطح المستوي.. فهل أدركت عزيزي القارىء دقة التعبير القرآني في عبارة ( قطع متجاورات )..      ولو نظرنا مثلاً إلى موقع مكة المكرمة ( أم القرى ) على اليابسة نجد أن هذه المدينة المقدسة تتوسط سطح اليابسة، كما يقول الدكتور محمد عوض في بحثه في مجلة ( الهلال ) ( أغسطس 1953م ): أن الكعبة مركز الأرض بمفهوم القارات، أي: اليابسة، لأن المحيط الهادي وهو أكبر المحيطات يشكل انقطاعاً كبيراً جداً بين القارات بمساحته الكبيرة التي تصل اليابسة، لذلك ترسم مصورات العالم بدءاً من استراليا واليابان والصين شرقاً، وانتهاء بأمريكا غرباً لتمثل كل اليابسة، ولو مسحنا هذه القارات بما فيها القارة القطبية الجنوبية والشمالية، وكتبنا عليها مساحاتها، ورحنا نفتش عن مركز يتوسطها، أو عن مركز ثقلها بدقة تامة، لوجدناه في الكعبة المشرفة بالذات، وهذا يذكرنا بالأثر الذي يقول: ( الكعبة سرة الأرض )، لهذا يقول تعالى لنبيه الكريم: { لتنذر أم القرى ومن حولها }، وعبارة: ( من حولها ) تعطي المركزية لمكة المكرمة، لذلك اقترح أحد علماء باكستان أن تكون مكة المكرمة بداية لخطوط الطول بدلاً من جرينتش، كما أن هذه الوسطية لموقع مكة المكرمة مع حقيقة كروية الأرض تؤديان إلى انحناء الطرق المؤدية لمكة المكرمة عن المستوى الأفقي، نظراً لبعد المسافات بينها وبين الأماكن التي حولها حتى نهاية اليابسة من كل فج، أي: من جميع الجهات، لهذا اختار الله سبحانه وتعالى وصفاً قرآنياً معجزاً لهذه النهايات بالتعبير في آية أخرى عن كل فج بلفظ: ( عميق ) بدلاً من لفظ: ( بعيد )، نظراً لكروية الأرض، كما في قوله تعالى: )وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ([الحج: 27].

إن كلمة ( عميق ) تشهد بعظمة القرآن حتماً، فلو كانت الأرض مستوية مسطحة لنزلت الآية بصيغة )يأتين من كل فج عميق (،لأن كلمة ( بعيد ) تفيد المسافة بين مكانين على مستوى واحد، ولكن الأرض كروية، فالقادمون إلى مكة يأتون من بقاع عميقة بالنسبة لها، كما تقتضي الهندسة الفراغية للأشكال الكروية.... سبحان خالق الأرض الكروية ومنزل القرآن مفصلاً على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والسبعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* حركات الأرض بين العلم والقرآن

ونظراً لأن الأرض كروية وليست مسطحة، فإن كلا من الليل والنهار موجودان معاً في آن واحد على نصفي هذه الكرة، لأن نصفها المواجه للشمس يكون نهاراً، بينما النصف الآخر يكون ليلاً، ولهذا يعبر الله عن هذه الحقيقة في قوله تعالى: )أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً ([يونس: 24].والتعبير بحرف ( أو ) هنا دليل على تزامن ظاهرتي الليل والنهار على الكرة الأرضية وعلى أن الأمر الإلهي المقصود هنا سوف يأتي لتحطيم حضارات مغرورة ( في لحظة واحدة ) يكون بعضها في المشرق والأخرى في المغرب، أي: ليلاً أو نهاراً، كما أفهم من سياق هذه الآية في قول الله تعالى: )حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت 

وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ([يونس: 24].

( جـ ) استمرار تغير مورفولوجيا سطح الأرض:

علاوة على كروية الأرض يشير القرآن الكريم إلى تغير مستمر يحدث في شكل

 سطح الأرض اليابسة في قوله تعالى: {أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها }[الرعد: 41]. والتعبير هنا بالفعل المضارع يفيد: أن الإنقاص لأطراف الأرض مستمر وجاري وحاصل الآن، بل وحدث في الماضي أيضاً تبعاً لوحدة سُنّته الحكيمة في الخلق في الماضي والحاضر والمستقبل، فإذا علمنا أن 27% من سطح كوكب الأرض يابس قاري أو جبلي مرتفع، والباقي 73% غير مرتفع، أي: في مستوى ماء البحار والمحيطات، فإن المعنى الفيزيائي والجيولوجي لهذه الآية والمشار إليه بإنقاص الأرض من أطرافها يحتمل والله أعلم.

عدة تفسيرات علمية بالاستعانة بما يجري لليابسة من نقص مستمر من أطرافها

 كما يلي:

( 1 ) استمرار انكماش سطح الكرة الأرضية امتداداً لأثر التبريد الذي حدث لقشرتها منذ انفصالها من الشمس منذ 406 مليار سنة وحتى الآن، وأدّى إلى نقص محيط هذه الكرة بحوالي 300كم حتى الآن، وما زال التبريد مستمراً مما يؤدي إلى نقص أقطارها من أطرافها، ويمكن الكشف عن هذا النقص البطيء والتدريجي بأجهزة الاستشعار عن بعد من الفضاء، والتي تستخدم حالياً لقياس الطيات الحادثة في قشرة كوكب الأرض للتنبؤ بحدوث الزلازل.                  ( 2 ) الطغيان المستمر لمياه البحار والمحيطات، فقد غمرت هذه المياه في الماضي معظم الأراضي التي نراها الآن يابسة، وربما حدث ذلك عدة مرات نتيجة الانخفاض المحلي في جزء من الأرض أو الارتفاع العام بمستوى سطح البحر بما يؤدي عادة إلى هذا الطوفان والطغيان على الأرض المنخفضة من شواطىء القارات، وبلغة الجيولوجيا يمكن القول بأن الشواطىء التي تفصل اليابسة عن البحار تعتبر دائماً حدوداً مرنة غير ثابتة قابلة للتغيير، وهناك نماذج لمدن مغمورة تحت البحر، وهذا يحدث باستمرار بل ونتوقعه في المستقبل بالنسبة، لدلتا النيل والساحل الشمالي على سبيل المثال، فقد تنقص مصر ـ لا قدر الله ـ من أطرافها، وهذا قد يحدث في كل أطراف الأرض اليابسة لكل الكوكب نتيجة ارتفاع مستوى البحار نظراً لتراكم الرواسب والكفح البركاني في قاع البحر وارتفاع القشرة الأرضية لهذا القاع وانصهار بعض المناطق الجليدية نتيجة الارتفاع التدريجي لدرجة حرارة الكوكب بسبب التلوث الجاري في عصرنا، وارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في جو الأرض، وغير ذلك من عوامل، وبهذا فإن الآية القرآنية تؤكد أن الشواطىء بصفة عامة ومستمرة ما هي إلا تضاريس عابرة مؤقتة تتغير مواقعها في الماضي إلى حدود جديدة في المستقبل... وقصة سيدنا نوح في القرآن الكريم تذكرنا بنقص من أطرافها في الطوفان العظيم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والسبعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* حركات الأرض بين العلم والقرآن

( 3 ) تأثير عوامل التعرية بإنقاص الأرض من أطرافها، فالجبال المرتفعة مثلاً ليست دائمة أو خالدة، لأن الصخور تتحطم وتتآكل بمرور الزمن بمساعدة المياه الجارية على سفوحها وتأثير الرياح الشديدة، ويتحرك حطام الصخور عادة من هذه القمم العالية ( التي تمثل أطراف الأرض ) إلى الوديان المنخفضة، وقد رأينا ذلك بأعيننا في زلزال ألاسكا عام 1964م الذي هز جبلاً عالياً وحطم جزءاً كبيراً من قمته في بضع دقائق، وهكذا ينقص الله سبحانه الأرض من أطرافها 

على مستوى الكوكب أو المستوى المحلي على الدوام، إما بالتدريج أو بالزلازل المفاجئة.

( 4 ) الإشارة إلى الفرق بين طول قطري الأرض الاستوائي والقطبي كدليل آخر على نقصها من أطرافها وكل هذه المعاني تقع في إطار الشرح العلمي للآية السابقة [ الرعد: 1]، التي تشير إلى إنقاص الأرض من أطرافها، ولو أن المفسرين القدامى رضي الله عنهم جميعاً ذهبوا إلى غير ذلك لأنهم لم يعرفوا كل هذه الحقائق العلمية.

والآن وقد أصبح لدينا البرهان العلمي الساطع لكروية الأرض ونقص أطرافها علمياً وقرآنياً كإعجاز ظهر في عصر الفضاء حتى تم التقاط صور عديدة للأرض من سفن الفضاء ومن سطح القمر، نبدأ في بيان الإعجاز العلمي للقرآن في آيات الحركة الأولى للأرض، أي: دورانها حول نفسها. ثانياً ـ دوران الأرض حول نفسها مغزلياً :  ذكرنا في الجزء السابق في الأرض تبدو ظاهرياً مسطحة، بينما هي في الواقع كروية، وشتان بين الظن واليقين، فلقد طالعنا العلم الحديث بدوران الأرض حول نفسها وحول الشمس رغم سكون الأرض الظاهري الخادع لنا معشر البشر....

والإيمان بدوران الأرض أعصى من الإيمان بكرويتها، لأن الدوران حركة، وقد تعوّد الناس بالشعور بالحركة، وإذا كان قد قيل لهم: إن الأرض تتحرك لسارعوا إلى التكذيب، فكيف تتحرك وهم يرونها ساكنة لا يشعرون بدورانها ويعتقدون أنها ثابتة في مركز الكون، بينما باقي الأجرام السماوية تدور حولها فيما أطلق عليه الجميع ( النظرية المركزية الأرضية ) التي وضعت الأرض ثابتة لا حراك فيها في مركز دوران الجميع، أي: أن الشمس والكواكب والنجوم تدور سوياً مع دوران قبة السماء يومياً من الشرق إلى الغرب حول الأرض ـ الساكنة فرضاً ـ ولقد ظلت هذه النظرية الخاطئة سائدة حتى وقت قريب، ولقد ساهمت هذه الحركة الظاهرية اليومية الخادعة للقبة السماوية وأجرامها في إعطاء الانطباع الخاطىء بثبات الأرض وعدم تحركها، ولم يجرؤ أحد على تحدي هذا الانطباع إلى أن جاء كوبرنيكس عام 1543م، ونشر نظريته الجديدة التي وضعت الشمس لأول مرة في مركز المجموعة الشمسية وتدور الكواكب بما فيها الأرض، كل في مداره المستقل حول الشمس علاوة على دوران هذه الكواكب دوراناً مغزالياً، كل حول محوره المستقل.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة

 والسبعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حركات الأرض بين العلم والقرآن

وبهذا أعلن كوبرنيكوس أن الأرض تدور حول محورها مرة كل 24 ساعة، فيحدث تبادل الليل والنهار، وتدور حول الشمس مرة كل عام فيحدث تغير الفصول، وبهذا عرف الناس لأول مرة أن الأرض متحركة وليست ساكنة، وكان هذا الإعلان كارثة في أوروبا في القرن السادس عشر الميلادي، وتعجبت الكنيسة لهذا الخبر الذي يتناقض للأسف مع معتقداتهم، ومع الإحساس الظاهري للبشر، ومع الجبال الساكنة في نظر كتاب النصوص المقدسة!... ولهذا قررت الكنيسة محاكمة هؤلاء العلماء في ذلك الوقت واتهمت كوبرنيكس بالكفر، ومصادرة وإحراق أبحاثه عن حركات الأرض، فهرب من روما حتى لا يتم القبض عليه، بينما أمر البابا بإحضار جاليليو بالقوة رغم شيخوخته وسوء صحته للتحقيق معه لتأييده فكرة تحرك الأرض، وحكمت الكنيسة عليه بالسجن مدى الحياة، وتوفي وهو مؤمن بدوران الأرض، كما أعدمت الكنيسة برونو حرقاً في ميدان عام لدفاعه عن تحرك الأرض وتوقع وجود أراضين أخرى!.

وهكذا كان اضطهاد الكنيسة للعلماء قاسياً، بل ومهزلة كبرى، مما أدعى إلى الانفصام والعداء بين العلم والدين في أوروبا، وبدأت فعلاً الثورة العلمية الكبرى في أوروبا في القرن السابع عشر وتحدى العلماء الكنيسة كرد فعل استرداداً لكرامتهم، وأعلنوا صراحة معارضتهم للكتب المقدسة كالتوراة والإنجيل لاحتوائها على عبارات تتعارض مع الحقائق العلمية، لأن نصوصها جميعاً توحي بسكون الأرض وعدم تحركها... وانتصر العلم وتراجع رجال الكنيسة وتقلص نفوذهم ودفعوا ثمن تحويرهم للكتب المقدسة، كما في قوله تعالى: )فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله (.

والآن! وقد ثبت علمياً أن الأرض تدور حول نفسها، بل وتنطلق أيضاً في الفضاء، ونحن معشر البشر نعيش على سطحها في هدوء واستقرار، ولكننا في الواقع أشبه ما نكون بركاب سفينة فضاء إلهية كروي تقريباً وسقفها الغلاف الجوي المحيط بها، تدور حول نفسها حالياً مرة كل 24 ساعة، وتدور أيضاً حول الشمس في مسار دائري تقريباً ( مرة كل سنة ميلادية ) نصف قطره 93 مليون ميل، كما تتبع الأرض الشمس في جريانها حول مركز المجرة وتتبعها في جريانها مع المجرة في الفضاء الكوني، ورغم أن كل هذه التحركات تتم بسرعات جبارة مقدارها على الترتيب 1044، 67000، 497000 ، 43000 ميل / ساعة، فإننا مستقرون فوق الأرض لا تتناثر أشلاؤنا ولا نشعر بالدوران أو الإغماء رغم أنها تتحرك، بل ترمح بنا في الفضاء دون أن تقذف بنا من على سطحها ودون أن تتعثر خطاها ودون أن نشعر بحركاتها.

ورغم كل هذه التحركات التي كشف عنها العلم الحديث لكوكب الأرض فإنه ما زال هناك من البشر، بل من المسلمين من ينكر دوران الأرض وتحركاتها المختلفة، لأن هذه الحقائق لا يشعر بها الناس نظراً لخفائها، فلو أن القرآن الكريم صارحهم وقت نزوله بحركات الأرض وهم يحسبونها ساكنة لكذبوه، وحبل بينهم وبين هدايته، فكان من الحكمة البالغة ومن الإعجاز العلمي والبلاغي في الأسلوب القرآني أن ينبه الله سبحانه وتعالى الناس إلى هذه الحقائق الكونية على قدر عقولهم بالإشارة، وليس بصريح العبارة في آيات قرآنية كريمة، من غير مخالفة للحقائق العلمية، بحيث يفهمون نصوص الآيات بقدر ما تيسر لهم من العلم في كل زمان، حتى إذا تقدم العلم كما هو حالنا الآن وجدوا في معاني القرآن ما يكشف تلك الحقائق، وهذا إعجاز في الأسلوب، فضلاً عن المعنى، لا يقدر عليه إلا الله، وقد تندهش ـ عزيزي القارىء ـ أن حركات الأرض كلها والمذكورة هنا مشار إليها قرآنياً في إعجاز علمي رائع...

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة

 والسبعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حركات الأرض بين العلم والقرآن ، وفيما يلي أبدأ بالحركة الأولى :

( أ ) الحركة المغزلية للأرض:

لقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى دوران الأرض حول نفسها كالمغزل من خلال الوصف الدقيق لنظام تولد الليل والنهار، كما في قوله تعالى:

)يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً ([الأعراف: 54]. )يغشى الليل النهار ([الرعد: 3]. )يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ([الزمر: 5].

)يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ([لقمان: 5]. )وآية لهم الليل نسلخ

 منه النهار فإذا هم مظلمون ([يس: 37].

دوران الأرض المغزلي حول نفسها ينتج عنه الليل والنهار وقد وضح المفسرون آية الإعشاء بأنه تعالى يغطي أو يلحق زمنياً كلاً من الليل والنهار بالآخر بسرعة، أو أنه يجعل زمن الليل وزمن النهار يتعاقبان بسرعة على الأرض، كما أوضح المفسرون آية الانسلاخ بأنه تعالى يفصل أو يزيل النهار من الليل فيدخل الناس في الظلام، وفسروا المقصود بالتكوير والإيلاج أنه تعالى ينقص في زمن الليل بقدر ما يزيد في زمن النهار، وبالعكس.

وبهذا كان مفهوم الليل والنهار لدى المفسرين مفهوماً زمنياً في هذه الآيات، وهذا هو المعنى الأصلي اللغوي، ولكننا إذا تدبرنا هذه الآيات في عصر العلم الحديث لوجدنا معاني أخرى مقصودة تشير إلى أن لفظي الليل والنهار يقصد بهما في القرآن في معظم الآيات لازمين من لوازمهما، وذلك: إذا استخدمنا ما يسمى في البلاغة بالمجاز المرسل لغوياً، والذي أخذ به المفسرون في آيات أخرى بمعنى الظلام والنور ( وليس بالمعنى الزمني ) كما في تفسيرهم لقوله تعالى على سبيل المثال: )والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى ([الليل: 1 ـ 2]. )وجعلنا الليل لباساً. وجعلنا النهار معاشاً ([النبأ: 10 ـ 11].

)وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً ([يونس: 67].

وبهذا ذكر الله الليل والنهار في هذه الآيات الأخيرة قاصداً بالليل ظلمته، وبالنهار نوره، وقرينة هذا القصد:                                                  1ـ قوله تعالى في الأولى: )يغشى (، )تجلى ( لأن الذي يغشى، أي: يغطي الأرض، هو ظلمة الليل لا زمنه، وما يتجلى أي: يظهر بوضوح على الأرض هو 

نور النهار في الغلاف الجوي وليس زمنه.

2ـ قوله تعالى في الثانية: )لباساً (، )معاشاً (،لأن ما يغطي الناس كاللباس هو 

ظلمة الليل لا زمنه، وما يساعد على المعاش هو نور النهار وليس زمنه.

 3ـ قوله تعالى في الثالثة: )لتسكنوا فيه (و )مبصراً (لأن زمني الليل والنهار لا يساعدان مطلقاً على السكون والإبصار، وإنما يساعد عليها ظلمة الليل ونور النهار، وبهذا يتضح أن المفسرين وضحوا هذه الآيات الثلاثة الأخيرة بالمعاني التي ذكرناها، أي: باستخدام المجاز المرسل بتأويل والنهار بمعنى الظلام والنور مع الأخذ بالمفهوم الأصلي الزمني لليل والنهار، وهذا صحيح ولكنهم لم يستخدموا هذا المجاز في آيات الأغشاء والتكوير والإيلاج والسلخ!!.                                                               إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة

 والسبعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حركات الأرض بين العلم والقرآن

ولو تبصرنا، نحن الآن، في نور القرآن والعلم، وتدبرنا آيات تولد الليل والنهار الخاصة بالإغشاء [ الأعراف: 54 ، والرعد: 3 ]، والتكوير [ الزمر: 5] ، والإيلاج [ لقمان: 5]، والسلخ [يس: 37]، تجد أن هذه الآيات مقصود بها أيضاً المجاز المرسل، أي: لوازم الليل والنهار وليس زمنهما، ولتوضيح ذلك نتعرض أولاً لمفهوم المجاز المرسل لغوياً بمعنى إطلاق اللفظ أو الشيء، وقصد أحد لوازمه مع وجود قرينة تدل عليه، مثال ذلك عندما أقول: ( قر مجلس القسم ) أعني تماماً: ( قرار أعضاء مجلس القسم ) لأن المجلس لا يقرر، ولكن الأعضاء هم الذين يتخذون القرار وعضو هيئة التدريس لازم للمجلس، وإذا استعرضنا لوازم الليل والنهار في علم الطبيعة نجد عددها ستة بخلاف المعنى الأصلي الزمني وهي مازاً: ظلام الليل ونور النهار، مكان حدوث الليل ومكان حدوث النهار، سبب حدوث الليل وسبب حدوث النهار.

وباستخدام الاحتمالات المنطقية من هذه اللوازم نصل ـ بإذن الله ـ إلى التفسير

 العلمي لآيات الإغشاء والتكوير والإيلاج والسلخ، على الترتيب، ونصل أيضاً إلى إعجاز علمي قرآني عجيب!.

( أ ) آيات الإغشاء: قال تعالى: )يغشي الليل والنهار ( ومعناها: على اعتبار أن فيها حذفاً تقديره:

 يغشي الليل والنهار ويغشي النهار الليل، أي: أنه تعالى يغطي بالليل النهار ويغطي بالنهار الليل على سطح الأرض، وحيث إنه لا معنى لتغطية زمن بزمن فيكون المعنى بالمجاز المرسل: 0 يغطي الله بظلمة الليل مكان النهار على الأرض فيصير ليلاً، ويغطي الله بنور النهار مكان الليل فيصير نهاراً )، والقرينة على هذا المعنى المقصود قوله سبحانه: )يغشي (أي: يغطي، لأن الإغشاء يقتضي تغطية شيء بشيء، والأول المراد تغطيته هو مكان النهار ثم مكان الليل، والثاني: وهو الغطاء هو ظلمة الليل ثم نور النهار. يقول تعالى: )يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً ([الأعراف: 54]. وهذه الآية جاءت لتصف تعاقب الليل والنهار عقب تمام خلق السماوات والأرض، حيث جعل الله ظلمة الليل تطلب مكان النهار، وضياء النهار يطلب مكان الليل على الأرض بسرعة لا بطء فيها في بداية تاريخ كوكب الأرض، وهذا لا يحدث إلا بدورانها سريعاً حول محورها، بحيث يتعاقب الليل والنهار بدليل العبارة القرآنية )يطلبه حثيثاً (وبذلك لا يبقى مكان على الأرض دائم الليل أو دائم النهار علاوة على أن الدوران السريع للأرض في بداية الخلق إعجاز علمي سنوضحه فيما بعد.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة

 والسبعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حركات الأرض بين العلم والقرآن ( ب ) آية التكوير:

قال تعالى: )يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل (، والتكوير كما ذكرناه أصل معناه في اللغة: لف شيء على آخر في اتجاه مستدير ( مثال: كار العمامة على رأسه )، وحيث إنه لا معنى لتكوير ( أي: لف ) زمن على زمن، فإننا منطقياً لا بد أن نبحث عن المعنى المقصود باستخدام المجاز المرسل، وبهذا فإن التفسير العلمي الصحيح لهذه الآية هو: يكور ( أي: يلف أو ينشر في اتجاه مستدير ) الله  تعالى ظلمة الليل على مكان النهار على سطح الأرض فيصير ليلا، ويكور سبحانه نور النهار على مكان الليل فيصير نهاراً، وهذا معناه بلغة علم الطبيعة والفلك: ( لف الأرض الكروية حول محورها أمام الشمس )، وذلك حتى يحدث تتابع الليل والنهار في الغلاف الجوي للأرض، ويؤيد ذلك: آية الإيلاج وتكرار الفعل يولج، وآية التكوير وتكرار الفعل يكور، فالتكرار هنا يؤكد الحركة المغزلية للأرض لكي يحدث تتابع الليل والنهار، ويحل أحدهما مكان الآخر.

( جـ ) آية الإيلاج:

قال تعالى: )يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل (،والإيلاج أصل معناه: إدخال شيء في آخر بحيث يحيط به ويساويه، حجماً ومساحة، وحيث إنه لا معنى مطلقاً لإيلاج زمن الليل في زمن النهار أو بالعكس، فإن المقصود من تعاقب الليل والنهار بإيلاج كل منهما في الآخر هو بالمجاز المرسل، إيلاج لازم من لوازم الليل في آخر من لوازم النهار السابق ذكرها والمعنى المنطقي المقصود باختيار اللازم المناسب هو ( يولج الله مكان الليل في مكان النهار فيصير نهاراً، ويولج مكان النهار في مكان الليل فيصير ليلاً. أي: يجعل مكان الليل يحل محل مكان النهار والعكس بالعكس على سطح الأرض ).

صورة للأرض ويظهر فيها كيف الليل يلج في النهار وهذا معناه بلغة الطبية والفلك: أنه تعالى يجعل الأرض تدور حول نفسها أمام مصدر الضياء من الشمس ( أو النجوم بالنسبة للأرضين الأخرى )، فيتبادل كل من الليل والنهار مكان الآخر على الأرض، أي: يحل الأول محل الثاني، وبالعكس بالتساوي تماماً، وبذلك يتعاقب الليل والنهار على الأرض مع تساوي مساحة مكان كل منهما، أي: تساوي حجم نصفي الكرة الأرضية حول محورها، حتى يتوفر معنى الإيلاج لغوياً، وحيث إن سطح الأرض منحني ومنقسم قسمين أحدهما يكون نهاراً والآخر ليلاً، وذلك نتيجة من آية التكوير، وحيث إن مكان الليل والنهار على الأرض متساويان ويتبادل كل منهما مكان الآخر بدورانها حول نفسها ( معنى آية الإيلاج )، وحيث إن هذا التبادل يستلزم تماثل وتساوي المكانين حجماً ومساحة حتى يمكن إحلال كل منهما محل الآخر، لأنه إذا زاد أو نقص ـ أي: المكانين عن الآخر ـ لا يتحقق هذا التبادل المتماثل في الإحلال، ولا يتحقق المعنى اللغوي للإيلاج في الهندسة الفراغية، وهذا التماثل يؤدي إلى استنتاج كروية الأرض وانتظام شكلها، لأن نصفيها متساويان والمحور ينصف الكرة تماماً.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة

 والسبعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حركات الأرض بين العلم والقرآن

والخلاصة: أن نظام تولد الليل والنهار طبقاً للوصف القرآني يؤدي إلى أن الأرضين عموماً خلقت كروية الشكل تدور كل أرض حول نفسها، أي: حول محورها الذي لا بد وأن يقسمها قسمين متساوين تماماً أمام النجوم، أي: الشموس الملازمة لها، فصار الليل والنهار يتعاقبان بالإغشاء والتكوير والإيلاج، وكل لفظ منها يؤكد الحركة المغزلية للأرض، أليس هذا إعجاز قرآني عزيزي القارىء!.

( د ) آية الإنسلاخ: يقول تعالى:{وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون } [يس: 37].

والسلخ أصل معناه فصل الجلد من اللحم، وحيث إنه لا معنى لسلخ زمن النهار

 من زمن الليل، وأن الآية أو الدليل المقصود على قدرة الصانع جل وعلا ليس هو زمن الليل بل مكانه الذي ينسلخ منه النهار بدوران الأرض مغزلياً، فيكون تعالى قد ذكر الليل وقصد مكانه الذي يحدث فيه، وقرينته قوله تعالى: )وآية لهم (،ثم قوله تعالى: )نسلخ منه النهار (،أي:نسلخ من الليل، والمقصود: نسلخ من مكان الليل نور النهار، وقرينته قوله: )نسلخ (لأن السلخ يقتضي فصل شيء من شيء، وهو فصل النور من مكانه الذي سيصير مكان الليل.

وبناءً على ذلك: يكون معنى الآية: ودليل لهم ( للناس ) على قدرتنا مكان 

الليل، إذ نسلخ أو نزيل منه نور النهار من مكانه على الأرض تماماً، كما نسلخ 

الجلد من اللحم فيدخل الناس في الظلام.

وإن في تشبيه إزالة نور النهار من سطح الأرض بإزالة الجلد من اللحم إشارة قوية لبيان أن ضوء النهار ينشأ في سطح الغلاف الجوي للأرض، ولا يمتد إلى باطنها، كما ينشأ جلد الحيوان من لحمه ولا يمتد إلى باطنه، وبهذا فإن نور النهار مكتسب ومعكوس من سطح الأرض ومشتت في غلافها الخارجي، وليس ضوءاً ذاتياً كما في النجوم، وبهذا تظهر الحكمة في التعبير القرآني بسلخ نور النهار من الغلاف الجوي الذي يصبح ظلاماً بدون أشعة الشمس، كما أن الليل أو الظلام هو الأصل في الكون، فظلام الفضاء الكوني سائد حول جميع الأجرام لعدم وجود ذرات كافية في الفضاء لإحداث التشتت لضوء النجوم الذي لا يظهر إلا بالانعكاس على سطوح الأجرام أو التشتت في غلافها الجوي.

مما تقدم يتضح أن النتائج المستنبطة[3]من آيات توليد الليل والنهار بالإغشاء والتكوير والإيلاج والسلخ نتائج علمية هامة، ولكنها صعبة الفهم على ذهن من لم يكن ملماً بعلم الطبيعة والفلك إلماماً كافياً، وكما أنها نتائج لم يصل إليها علماء التفسير من قبل لتمسكهم بالمعنى الزمني لليل والنهار، وكان لهم في ذلك عذر واضح هو أن يجعلوا من تفسيرهم معنى يسهل فهمه ويتفق مع ما يعتقدوه ومع ما يشاهده الناس من سكون ظاهري للأرض، جزاهم الله خيراً على مجهودهم، ولو أن تفسيرهم للآيات الكونية لا يتفق تماماً مع بلاغة القرآن في الإيجاز الجامع ولا يظهر إعجازه العلمي، لأنه يجعل للآيتين المختلفتين معنى واحداً، كما فعلوا في آيات التكوير والإغشاء والإيلاج، بدلاً من المعاني المختلفة التي توصلنا إليها في هذه المحاضرة كما تقضي بلاغة القرآن وإعجازه العلمي.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة

 والسبعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حركات الأرض بين العلم والقرآن

والقرآن لا ينكر صعوبة القضية، بل يصرح بها في آيات مختلفة بقوله سبحانه: )إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ([آل عمران: 190].

وأولي الألباب: أي: أولى العقول المتعلمة المتخصصة، وقوله تعالى مشيراً إلى 

دوران الأرض حول نفسها: )والليل إذا يسر هل في ذلك قسم لذي حجر ([الفجر: 4].

والحجر معناه: العقل المفكر، وهذا القسم يصف الليل بالحركة كناية بالغة عن حركة الأرض حول نفسها، ولقد تكرر هذا القسم بقوله سبحانه:

)والليل إذا أدبر... ([المدثر: 33]. )والليل إذا عسعس ([التكوير: 17].

وفعل عسعس معناه: أقبل ظلامه أو أدبر، وفعل يسر معناه: التحرك كما ذكرنا.

ونلاحظ أيضاً: أن الله لم يصف النهار بالإقبال والإدبار، لأن هذا أمر طبيعي 

ينتج من إدبار الليل وإقباله، بل وصفه بالوصف الخاص بظواهر النور وسلوك الضوء القادم من الشمس أثناء اختراقه لطبقات الغلاف الجوي المحيط بالأرض مسبباً بالانكسار والتشتت والانعكاس ظواهر الإسفار في أول النهار، والشفق في آخر النهار، والنور أثناء النهار، ولولا الغلاف الجوي لساد الظلام فوق رؤوسنا رغم بزوغ الشمس، كما هو الحال في الفضاء، فتأمل قوله تعالى: )والصبح إذا أسفر ([المدثر: 34]. )والنهار إذا جلاها ([الشمس: 3].

وليس على القمر نهار كالذي نعرفه على الأرض تتجلى فيه الشمس، فسماء القمر حالكة السواد، وكذلك الفضاء بعد مغادرة الغلاف الجوي للأرض، أليس في كل هذا القسم بالليل والنهار أكبر داع لنا أن نتأمل ونتساءل عما أودع الله منهماا من عظيم حكمته ومظاهر عظمته وقدرته حتى استحقت أن يقسم الله لعباده بها وهو خالقهم وخالقها.

وهناك آيات قرآنية أخرى تشير إلى دوران الأرض حول نفسها مغزلياً كما في قوله تعالى: )يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ([النور: 44].فالتقليب هنا حقيقة تحدث فعلاً، ويعني الحركة، وإحلال أحدهما محل الآخر حتى يتم التقليب، مشيراً بذلك على الدوران المغزلي للأرض بصريح العبارة بإحلال مكان الليل مكان النهار وبالعكس، وسبحانه الله مقلب الليل والنهار ومنزل القرآن.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثمانون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* حركات الأرض بين العلم والقرآن

( هـ ) آية السباحة في فلك:

قوله تعالى مؤكداً هذه الحقيقة كسنة كونية سائدة لجميع الأجرام منذ بدأ خلقها:

 )وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ([الأنبياء: 33].فالآية هنا تشير إشارة دقيقة لطيفة إلى حركة الأرض ودورانها في النص القرآني المعجزة بنور العلم والبصيرة، واليل والنهار لغوياً ظرفاً زمان ولا بد لهما من مكان، كما تعلمنا في الفيزياء النسبية بأنه لا زمان بدون مكان، والمكان الذي يظهر فيه الليل والنهار هو بالتأكيد الأرض، وتشرق الشمس وتغرب ظاهرياً نتيجة الحركة الحقيقية المغزلية للأرض فيتولد الليل والنهار، ولولا دوران الأرض لما ظهر أو تعاقب ليل ولا نهار، فكأنه تعالى قول لنا في الآية الأخرى: )وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون (، أي: أن كل من الأرض والشمس والقمر يسبح في هذا الفضاء الشاسع في فلك مستقل به... يا سبحان الله، فسوف نعرف في لقاء قادم كل هذه الأفلاك في دوران الأرض حول الشمس، ودوران الشمس حول مركز المجرة، ودوران القمر حول الأرض... وغير ذلك من أفلاك لجميع الأجرام السماوية، ولكن ما يهمني هنا هو الفعل ( يسبحون ) أي: يدورون، كما قال الحافظ ابن كثير.

قال ابن عباس: يدورون كما يدور المغزل في الفلكة.

وقال مجاهد: لا يدور المغزل إلا بالفلكة، ولا الفلكة إلا بالمغزل كذلك النجوم والشمس والقمر[4].

وإنني ألاحظ هنا أنهم جميعاً لم يذكروا الأرض ضمن هذا الدوران المغزلي، لأنهم لم يدركوا كما ندرك الآن عمق المعنى، فالفعل ( يسبحون ) جاء هنا بصيغة الجمع ولو كان للشمس والقمر فحسب لجاء التعبير بالمثنى ( يسبحان )، ولكنه أراد بذلك الأرض والشمس والقمر كمجموعة متكاملة، ولهذا عبر الفعل ( يسبح ) عن الأرض بدلالة الليل والنهار ، بل وأطلق عليها لفظة الخلق ( خلق الليل والنهار ) وما يمسكها إلا الرحمن، كما في قوله تعالى: )إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ([فاطر:41].فالسماوات قائمة بدون عمد والأرض تدور كبقية الأجرام في أفلاك هذا الفضاء الشاسع، ولو كانت الأرض مرتكزة أو واقفة على شيء لما احتاجت إلى إمساك تماماً كالكرسي الذي تضعه على الأرض لا يحتاج على أحد يمسكه، لكنك إذا رفعته عن الأرض في الهواء فعليك أن تبحث عن وسيلة إمساكه... فكذلك الأرض في ملكوت الله وفضائه الواسع أمسكتها يد العزيز الرحيم الذي أطلق قوانين الجاذبية والطرد المركزي لتصنع الميزان الإلهي، كما في قوله تعالى: )والشمس والقمر بحسبان. والنجم والشجر يسجدان. والسماء رفعها ووضع الميزان ([الرحمن: 5 ـ 7]وكما أن قوله تعالى: )والجبال أوتاداً ([النبأ: 7].تدل على حركة الأرض التي ثبتها الله بالجبال حتى لا تميد بنا أثناء حركتها كما في قوله تعالى: )وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم ([الأنبياء: 

31].أي: لئلا تضطرب بالناس اضطراباً مخلاً وتتزلزل تحتهم فلا يستقرون عليها 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثمانون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* حركات الأرض بين العلم والقرآن

 ( و ) آيات الظلال:

يقول تعالى: )ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا 

الشمس عليه دليلاً، ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً ([الفرقان: 45 ـ 46].

هاتان الآيتان دليل قرآني واضح على دوران الأرض حول نفسها لأنها لو كانت غير متحركة لسكن الظل ولم يتغير طولاً أو قصراً، كما عرفنا حديثاً، لأن ظاهره الظل وتغير طوله لا تعليل لها إلا بالدوران المغزلي للأرض، وليس كما توهم الناس بدوران الشمس حول الأرض من الشرق إلى الغرب في الحركة اليومية الظاهرية الخادعة التي لا وجود لها، والتي كان القدماء يعتقدون بوجودها متوهمين أن تغير طول الظل مشروط بانتقال الشمس من الشرق إلى الغرب، وكان هذا الاعتقاد الخاطىء مطبقاً في ما يسمى بالمزولة الشمسية لقياس الزمن من شروق الشمس وغروبها، ولكننا الآن عرفنا أن الأرض هي التي تدور حول نفسها من الغرب إلى الشرق، فتبدو لنا الشمس في كبد السماء نهاراً والنجوم ليلاً، وكأنها جميعاً تدور (ظاهرياً) من الشرق إلى الغرب في عكس اتجاه الحركة الحقيقية للأرض تماماً، مثل خداعك بتحرك أعمدة التلغراف ظاهرياً عندما تنظر أنت إليها من شباك قطار متحرك، وشتان بين الظن واليقين.

وبهذا: فالمتحرك والمسبب لتغير طول الظلال هو الدوران المغزلي للأرض وليس دوران الشمس، لأن الأخيرة هي مؤشر ودليل ضوئي فقط ندرك به الظلال، ولهذا يقول سبحانه: )ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً (،وبهذا لم يدافع القرآن الكريم هنا عن النظرية المركزية الأرضية ليطليموس، والتي كانت سائدة في عصر الوحي باعتبار خاطىء يدعي ثبات الأرض ودوران كل الأجرام حولها بما فيها الشمس، ولهذا لا تعارض مطلقاً بين القرآن والعلم اليقيني، فكلاهما من عند الله، ولن يحدث تعارض بينهما إلا إذا أخطأ العلم طريقه أو أخفق المفسرون في فهم الآية القرآنية.... وأنا هنا لا أغير من نص قرآني ـ معاذ الله ـ ولكنه التفسير هو أحد فروع علوم الدين وليس الدين نفسه، وأطالب المسؤولين في الأزهر بإحياء علوم الدين بوسيلتين:

( أ ) مراجعة التفسيرات وخاصة للآيات الكونية.

( ب ) تنقية ما علق بالتفسيرات من إسرائيليات وخرافات لا تتفق مع عظمة القرآن وظاهرة الظل وانتقاله آية من آيات الله في الكون.

يقول تعالى: )والله جعل لكم مما خلق ظلالاً ([النحل: 81].

وقوله تعالى: )أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً لله وهم داخرون ([النحل: 48].أي: تميل ظلال الأشياء من جانب إلى جانب ساجدة لله سجود خضوع لمشيئته تعالى وانقياد لا تخرج عن إرادته ومشيئته، لأن هذه الظلال مرتبطة بالدوران المغزلي لجميع الكواكب والأجرام، ولو شاء الله لجعل الظل ساكناً بإيقاف هذا الدوران.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والثمانون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حركات الأرض بين العلم والقرآن

والطواف عموماً، سنة الله في الكون كتعبير فيزيائي عن السجود لخالق 

الكون، فالكل في فلك يسبحون ويسجدن، لأن كل الأشياء منقادة لقدرة الله، فكيف يتعالى ويتكبر على طاعته أولئك الكافرون من الناس. يقول سبحانه: )ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض، والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ([الحج: 18]حقاً، فالدوران نوع من أنواع السجود والانحناء كما ينحني المسلم لربه في صلاته، وكما يطوف الإنسان بالدوران حول الكعبة. يقول سبحانه )ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالعدو الآصال ([الرعد: 15].

ودوران الأرض حول نفسها نعمة كبرى ورحمة إلهية، كما في قوله تعالى: )

ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ([القصص: 73].

والدليل على استمرار الدوران المغزلي هو تغير طول الظل، أما إذا سكن الظل فهذا معناه: ثبوت الأرض وتوقفها عن الدوران المغزلي، وهذا الاحتمال ـ والله أعلم ـ قائم علمياً بل وأشار أيضاً إلى هذا الاحتمال في قوله سبحانه: )ولو شاء لجعله ساكناً ([الفرقان: 45].وأشار أيضاً إلى هذا الاحتمال في قوله سبحانه: )قل أرأيتم إن جعل عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون ([القصص: 71].

وقوله عز من قائل: )قل أرأيتم إن جعل عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ([القصص: 72].

فهل ستسكن الأرض عن دورانها المغزلي يوماً ما؟ فيحدث الليل الدائم ( السرمد ) في نصفها والنهار الدائم في النصف الآخر تمهيداً لانعكاس اتجاه دورانها حول نفسها، وعندئذٍ تشرق الأرض من مغربها كما في الحديث الصحيح عن إحدى أمارات الساعة، أو كتفسير لقوله تعالى: )رب المشرقين والمغربين ([الرحمن: 17].أي: رب مشرقنا الحالي ومشرقنا الجديد في المستقبل، وبالمثل رب المغرب الحالي والمغرب الجديد في المستقبل كأحد احتمالات التفسير للآية الأخيرة لو حدث سكون، ثم انعكاس لاتجاه مغزلية الأرض، كما أتخيل أحياناً كفيزيائي، ولو أننا نفهم هذه الآية حالياً على أنها تشير إلى المشرقين الذين يحددان نهايتي مواضع مشرق الشمس على مدار السنة واللتان يقع بينهما مشارق كثيرة، وبالملل بالنسبة للمغربين نتيجة دوران الأرض حول الشمس مرة كل عام، أو كتفسير آخر أن الآية تشير إلى كروية الأرض ودورانها المغزلي، فالنصف المظلم من الكرة يصبح منيراً، أي: يصبح المغرب مشرقاً، وبالعكس: يصبح المشرق مغرباً، نتيجة التبادل المستمر لليل والنهار، وحيث إن لدينا نصفين متماثلين، فإن لدينا إذن مشرقين ومغربين على نفس الكوكب. والله أعلم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والثمانون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حركات الأرض بين العلم والقرآن

( هـ ) ميل محور الأرض أثناء الدوران في فلكها:

يميل محور الدوران المغزلي للأرض بمقدار 23.5 على العامود الرأسي على مستوى مدارها حول الشمس، وميل المحور هو السبب في حدوث الفصول، ولو انعدم ميل المحور لانعدمت الفصول ولتساوت مدة الليل مع مدة النهار، ولكن إرادة الله شاءت اختلاف الجو على مدار السنة واختلاف زمن الليل والنهار باختلاف الزمان والمكان على الأرض، وصدق تعالى قوله: )إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ([آل عمران: 190].

الأرض تميل عن محورها بـ 23.5 درجة يظهر هذا في الشكل

ولتوضيح هذا الاختلاف في زمن الليل والنهار نبدأ بالقاهرة، حيث يتغير هذا الزمن حسب الفصول، ولكن مهما طال النهار عندنا فعدد ساعاته لا تزيد عن ساعات الليل إلا قليلاً، ومهما قصر النهار فعدد ساعات الظلام لا تزيد عن ساعات الليل إلا قليلاً، ومهما قصر النهار فعدد ساعات الظلام لا تزيد عن ساعات الليل إلا قليلاً، ومهما قصر النهار فعدد ساعات الظلام لا تزيد إلا قليلاً، ولكن ليس الأمر كذلك في كل بقاع الأرض التي يعلو خط عرضها عن خط عرضنا في النصف الشمالي للأرض، وخاصة في منطقة القطب، فالنهار يصل عندنا إلى 14 ساعة صيفاً، يزداد إلى 20 ساعة عند خط عرض 63، ويصل إلى ستة شهور عند الدائرة القطبية، حيث تظل الشمس ساطعة في أفق السماء عند القطب طوال هذه المدة صيفاً، ولهذا فإن سكان المناطق الشمالية ـ عموماً ـ يعيشون في بعض شهور السنة أوقاتاً غريبة بضعها ليالي مضيئة تستطع فيها الشمس إلى أوقات متأخرة، حتى أنهم يرون الشمس في منتصف الليل، ولا تعدو المدة بين غروبها وشروقها في هذه البلاد إلا ساعات قليلة، بل قد تنعدم ساعات الإظلام وتظل الشمس ساطعة تهبط إلى خط الأفق ولا تختفي تحته بل تسبح فوقه ثم تعود ثانية للصعود، وبالعكس، يعم الظلام مثل هذه المناطق أياماً طويلة أو أسابيع كاملة، بل شهوراً كاملة في الشتاء، وبذلك تتميز هذه المناطق الشمالية من النصف الشمالي ( كالسويد والنرويج وألاسكا وجرينلاند وشمال روسيا ) بهذه الظواهر صيفاً وشتاء، ويحدث العكس بالتبادل في نصف الكرة الجنوبي، فبينما لا تغيب الشمس طوال ستة شهور الصيف في سماء القطب الشمالي، فإن الشمس لا تصل إليه طوال ستة شهور الشتاء ليصبح ظلاماً حالك، ويحدث العكس في سماء القطب الجنوبي، ويتسبب ميل المحور في اختلاف فصول السنة: الشتاء والربيع والصيف والخريف.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والثمانون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حركات الأرض بين العلم والقرآن

( هـ ) ميل محور الأرض أثناء الدوران في فلكها:

يذكر القرآن الكريم منطقتين وصل إليهما ذو القرنين، حيث أطلق على الأولى المظلمة ( مغرب الشمس )، إشارة إلى ليلها الطويل، والأخرى ( مطلع الشمس )، إشارة إلى نهارها الطويل كما في قوله تعالى على الترتيب: )حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوماً ([الكهف: 86].والعين الحمئة: أي: البئر المظلمة، كما تبدو لدى ذي القرنين ظاهرياً، إشارة إلى الليل الطويل، وقوله سبحانه: )حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً ([الكهف: 90]. أي: أن ذا القرنين وجد الشمس هناك تطلع عليهم مدة طويلة على خلاف ما تعود في بلاده فالنهار عندهم طويل. كما أشار القرآن الكريم إلى الظلال بأسلوب يدل على ميل محور دوران الأرض، كما في قوله تعالى: )وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه، ذلك من آيات الله ([الكهف: 17].ومعنى تزاور: أيـ تميل، ومعنى تقرضهم: أي: تقطعهم وتبعد عنهم، وهذا يدل على ميل محور دوران الأرض حول نفسها على مستوى دورانها حول الشمس، ولولا هذا الليل لأصبح للشيء ظل واحد فقط من جهة واحدة، ولكننا نرى الحائط مثلاً في الضحى له ظلان: ظل أمامه، وظل عن الجانب الأيسر بالنسبة للشخص الناظر إلى الحائط من ناحية الغرب، أما في فترة العصر فإننا نرى العكس من ذلك، حيث نرى للحائط ظلاً خلفه وظلاً ناحية الجانب الأيمن بالنسبة لنفس الشخص السابق، ولولا ميل المحور لما حدث ذلك، ولهذا تشير الآية أن هذا الموضوع من آيات الله لأن ميل المحور يؤدي إلى اختلاف الليل والنهار باختلاف المكان والزمان على سطح الأرض، وهذه لحكمة يشير إليها المولى سبحانه وتعالى في قوله: )إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ([آل عمران: 190].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والثمانون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حركات الأرض بين العلم والقرآن

( س ) تغير سرعة تعاقب الليل والنهار مع مرور الزمن:

يحدث تعاقب الليل والنهار بدوران الأرض حول نفسها، وسرعة هذا التعاقب هي نفسها سرعة هذا الدوران،ولقد تبين علمياً أن هذه السرعة كانت عالية عند بدء خلق الأرض، ثم تناقصت بالتدريج مع مرور الزمن، وما زال هذا التناقص مستمراً بسبب ظاهرة المد والجزر التي تعمل كفرملة لكوكب الأرض بواسطة جذب القمر لمياه البحار والمحيطات ( التي تغطي ثلاثة أرباع سطح الأرض ) أثناء مواجهة هذا الماء للقمر، فترتفع هذه المياه عن سطح الأرض عالياً، ويحد المد وتدور الأرض بهذه المياه ليواجه القمر مياهاً غيرها فيحدث المد فيها، بينما يهبط الماء الأول بعد أن دارت به الأرض وابتعد عن تأثير القمر، فيحدث الجذر، وحيث إن الماء الممدود يرتطم على التوالي بسواحل المحيطات وقيعانها فيعوق دوران الأرض حول نفسها، وهو تعويق يؤدي إلى إبطاء سرعة هذا الدوران، ورغم أنه تعويق ضئيل للغاية إلا أنه يؤدي إلى طول اليوم على كوكب الأرض بمرور الزمن، ولقد تبين علمياً أنه يزداد بمقدار (1......... ثانية) كل قرن، وقد يندهش القارىء لصغر هذه الأجزاء من الألف من الثانية التي يزداد بها طول اليوم الأرضي كل قرن، ولكن هذه الزيادة الضئيلة جداً تتراكم بمضي الزمن عبر بلايين السنين لتؤثر فعلاً في طوال اليوم، فلو رجعنا بالزمن إلى الدوران لحظة تاريخ نشأة الأرض لوجدنا زمن اليوم الأرضي كان 4 ساعات فقط، ثم أخذت الأرض في التباطؤ التدريجي في الدوران حول نفسها بفعل المد والجزر لدرجة أن زمن اليوم الأرضي أصبح 22 ساعة بعد مرور 4 مليار سنة على نشأة الكوكب، أي: منذ 500 مليون سنة، وأصبح الآن 23 ساعة، 56 دقيقة، 48 ثانية، وستصبح في المستقبل 43 ساعة بعد حوالي 5 مليار سنة من الآن، إذا ظلت الأرض حتى هذا الزمن في المستقبل البعيد إن شاء الله، ورغم هذا التباطؤ في الدوران فإن الأرض تمثل الساعة الكونية العظمى التي لا تتعطل إلا بجزء من مليون من الثانية كل يوم نظراً لتأثير المد والجزر، ورغم أن كتلة الأرض تبلغ أكثر من 6600 مليون مليون مليون طن، فإنها تعتبر أثناء دورانها حول نفسها أدق ساعة في الوجود وتفوق في دقتها ساعات الكوارتز، كما أن هذا التعطيل اليومي الضئيل لم يتم قياسه حديثاً إلا باستخدام الساعات الذرية وأبحاث أخرى بيولوجية في القواقع البحرية، وإذا تدبرنا آيات القرآن الكريم نجد إشارة واضحة وصريحة لهذه الظاهرة تؤكد أن تعاقب الليل والنهار كان سريعاً في بداية خلق الأرض، ثم أخذ يتناقص تدريجياً إلى أن أصبح تعاقباً عادياً نعيش فيه الآن بعد تمام إعداد الأرض وتسخيرها لحياة الإنسان، أي: أن اليوم أصبح الآن طويلاً بعد أن كان قصيراً عند نشأة الكوكب.

يقول الله تعالى مشيراً إلى التعاقب السريع لليل والنهار في سياق وصف عملية الخلق في المراحل الأولى: )إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين ([الأعراف: 54].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والثمانون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حركات الأرض بين العلم والقرآن

( س ) تغير سرعة تعاقب الليل والنهار مع مرور الزمن:

ويقول تعالى في سورة الرعد في وصف المراحل النهائية لخلق الأرض: )الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون. وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشى الليل والنهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ([الرعد: 2 ـ 3].

ويتضح من هاتين الآيتين: أن الله سبحانه وتعالى جعل الليل والنهار يتعاقبان بسرعة على الأرض عقب خلقها مباشرة، وأن هذا التعاقب استمر بعد ذلك في أثناء تسخير الأرض وإعدادها للحياة إلى أن وصلت للازدهار الحالي.

ومما يثير الانتباه أنه تعالى وصف في الآية الأولى تعاقب الليل والنهار على الأرض عقب خلقها ( وقبل تطويرها ) بأنه كان سريعاً لقوله سبحانه: )يطلبه حثيثاً (،ولكنه لم يصف هذا التعاقب بسرعة في الآية الثانية بعد تمام تسخير الأرض وإعدادها للحياة بقوله تعالى: )يغشى الليل النهار (دون )يطلبه حثيثاً (،وهذا الاختلاف في التعبير القرآني في الآيتين يشير بالتالي إلى إعجاز علمي للقرآن يؤكد أن تتابع الليل والنهار كان سريعاً عقب خلق الأرض، حيث كانت سرعة دوران الأرض حول نفسها كبيرة، وكان اليوم قصيراً بما يعادل 4 ساعات قط، ثم تناقصت السرعة تدريجياً عبر بلايين السنين حتى وصلت أخيراً إلى سرعتها الحالية في إحداث دورة متكاملة في زمن اليوم الحالي في أربع وعشرين ساعة بعد تمام تسخير الأرض وإعدادها للحياة، وبهذا يكشف لنا القرآن ظاهرة كونية لم يتمم اكتشافها إلا بالساعات الذرية، ولا يستطيع الإنسان أن يدرك هذا الإعجاز العلمي للقرآن إلا بمقارنة الآيتين السابقتين وسياق كل منهما، وتدبر معنى الإغشاء كما شرحنا سابقاً، وفهم عبارة )يطلبه حثيثاً (على إنها إشارة لسرعة دوران الأرض حول نفسها، ويؤكد علماء الفلك أن ظاهرة التباطؤ التدريجي في سرعة هذا الدوران بتأثير جذب القمر لمياه البحر وقد يؤدي هذا التباطؤ أيضاً إلى توقف الدوران المغزلي للأرض كمقدمة لبداية انعكاس اتجاهه لتبدأ الأرض في الدوران حول نفسها في اتجاه مضاد للاتجاه الحالي، فتبدو لنا الشمس وهي تطلع من مغربها الحالي، ويصبح المغرب مشرقاً والمشرق مغرباً، وقد يفسر هذا معنى الحديث الشريف لرسول الله عن إحدى علامات الساعة في قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ). عندئذٍ يرى الناس ـ والله أعلم ـ ظاهرة جديدة يتبادل فيه المشرق مع المغرب، أي: يصبح للشمس مشرقين ومغربين مع ملاحظة أن الشمس لا شرقية ولا غربية، ولكن المتحرك هو الأرض التي ستعكس اتجاه دورانها حول نفسها في المستقبل مما يؤدي إلى ازدواجية مطلع الشمس ومغربها بالانتقال من اتجاه الدوران الحالي إلى الدوران المعكوس المتوقع مستقبلاً.                                                                                                                                                إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والثمانون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حركات الأرض بين العلم والقرآن

( س ) تغير سرعة تعاقب الليل والنهار مع مرور الزمن:

وقد تحدث بعض علماء الفيزياء والجيولوجيا حديثاً عن إمكانية طلوع الشمس من مغربها بعد اكتشاف ظاهرة تغيير اتجاه المجال المغناطيسي الأرضي بتبادل مكان الأقطاب، ويقول أزيموف في كتابه الكون ( عام 1983م ) أن هذا المجال قد انعكس في الماضي 9 مرات على فترات غير منتظمة في الأربعة ملايين سنة الأخيرة، ولهذا يتوقع العلماء أن حدوث انعكاس في اتجاه مغناطيسية الأرض سيصاحبه انعكاس في اتجاه دورانها حول نفسها، وعندئذٍ تطلع الشمس من مغربها، والله أعلم.

وهذا الخبر كان وما زال يثير الدهشة عند الكفار كما في قوله تعالى: )فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر ([البقرة: 258].

والله وحده القادر على مثل هذه الحوادث الكونية فيعكس بقدرته المطلقة اتجاه 

دوران الأرض حول محورها، وبالتالي اتجاه مجالها المغناطيسي، وعندئذٍ تحدث المعجزة، وقد يكون هذا التفسير لقوله تعالى: )رب المشرقين ورب المغربين ([الرحمن: 17].ورغم التباطؤ التدريجي لسرعة دوران الأرض حول نفسها فإن الأرض ساعة كونية عظمى لأن يومها يطول فقط بمعدل 1 على 60 من الثانية كل أربعين قرن، وبذلك فهي ساعة تفوق دقتها ساعات الكوارتز ( رغم كتلتها التي تصل إلى 6600 مليون مليون مليون طن )، وذكر النقص في أدائها دليل على كمالها، وكروية الأرض ودورانها حول محورها يسبب ـ كما ذكرنا ـ تبادل الليل والنهار واستمرار تعاقبهما علاوة على التأثير على اتجاه الرياح والتيارات البحرية، وغير ذلك من ظواهر طبيعية وتنظيمات إلهية شتى لا يتسع المجال لذكرها، كما أن ميل محور دوران الأرض حول نفسها أثناء جريانها في فلكها حول الشمس يؤدي إلى تولد الفصول واختلاف الليل والنهار، كما أن الأرض تجري في المجموعة الشمسية التي تنطلق بشمسنا في مدار حول المجرة وفي الفضاء الكوني في حركات أخرى، ويكفي أن تعلم هنا أن سرعة دوران الأرض حول نفسها في الحركة المغزلية مقاسة عند خط الاستواء تصل إلى 1044 ميل / ساعة، بينما سرعتها في فلكها حول الشمس 67000 ميل / ساعة، وهاتان الحركتان تجعلان الأرض من الأجرام التي تجري لأجل مسمى، كما في قوله تعالى: )كل يجري لأجل مسمى (،كما أن الكواكب بما فيها كوكب الأرض تنصف جميعاً قرآنياً أثناء حركاتها بالخنس الجواري الكنس التي تظهر وتختفي أثناء جريانها في أفلاكها، ومن أجل هذا يقسم بها الله سبحانه وتعالى، بل ويقسم بدورانها المغزلي أمام شموسها فيتبادل الليل والنهار أي: الظلام والنور في قسم إلهي بالليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس واصفاً في أسلوب قرآني معجز هذا الظاهرة التي تم رصدها للأرض، وجميع كواكب المجموعة الشمسية في القسم الإلهي بهذه الحقيقة العلمية مؤكداً صدق القرآن وعظمته في جوانب القسم، كما في قوله تعالى: )فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس. والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين. مطاع ثم أمين. وما صاحبكم بمجنون. ولقد رآه بالأفق المبين. وما هو على الغيب بضنين. وما هو بقول شيطان رجيم. فأين تذهبون إن هو إلا ذكر للعالمين. لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين ([التكوير: 15 ـ 29].

حقاً: إن الأرض تسبح في الفضاء مغزلياً ودورانياً وتجري لأجل مسمى، وهذه 

حقيقة، وحقاً إن القرآن رسالة سماوية نزل بها جبريل الأمين بقول رسول كريم،

وليس قول شيطان رجيم كما يدعي الكفار والزنادقة، أمثال سليمان رشدي 

وأمثاله، وآيات القرآن تظهر لنا مع الزمن كما في قوله تعالى: )سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ([فصلت: 53].

المراجع :[1]– محاضرة ألقيت بالجمعية في الموسم الثقافي سنة 1989م.    [2]– أستاذ الفيزياء المتفرغ بكلية البنات بجامعة عين شمس، ورئيس القسم الأسبق، ووكيل الكلية الأسبق، وعضو مجلس إدارة جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة حالياً.[3]– راجع كتاب ( التفسير العلمي للآيات الكونية ) للمرحوم أ / حنفي أحمد، دار المعارف 1960م.[4]– كما يقول الشيخ الصابوني نقلاً عن تفسير القرآن للحافظ ابن كثير (3/187).

[الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي - حركات الأرض بين العلم والقرآن - أ.د/  منصور محمد حسب النبي ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثمانون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الذي خلق المخلوقات هو الله فمن خلق الله ؟

   إن الأدلة على أن الله تعالى خالق الكون كثيرة جداً، ومحل هذه المسألة كتب العقيدة، لكننا نكتفي في هذا المقام بالإشارة إشارة سريعة إلى أربعة أدلة من الكون نفسه تشهد بأن الله تعالى هو الخالق، وقد أشار إليها ربنا في فاتحة سورة الأعلى، حيث قال تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى *

 وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى {الأعلى: 1-3}.

والدليل الأول وجود الخلق، وهو يشهد بوجود خالقه، قال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ {الطور: 35}.

والدليل الثاني: التسوية، ومعناه أن الله تعالى خلق الخلق بإتقان بديع، وهذا يظهر مثلاً في جوارحنا، فما من جارحة إلا وأتقنها الله إتقاناً بديعاً حتى تؤدي وظيفتها التي خلقت من أجلها على أكمل وجه، قال تعالى: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ {النمل: 88}.

والدليل الثالث: التقدير، ومعناه أن الله تعالى خلق كل شيء بتقدير وحساب وترتيب بحيث يتناسب مع مكان وجوده وزمانه، وبحيث يتلاءم مع غيره من الموجودات، قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر: 49}.

ومن الأدلة على ذلك: الشمس، تبعد عنا مسافة لو نقصت لكان من الممكن أن نحترق، ومن ذلك هذا التكامل بين النبات وسائر الحيوان، فالنبات يتنفس ثاني أكسيد الكربون ويخرج الأكسجين، وسائر الحيوان يتنفس الأكسجين ويخرج ثاني أكسيد الكربون.                                                           والدليل الرابع: دليل الهداية، ومعناه أن الله تعالى هدى كل مخلوق إلى ما يصلحه، قال تعالى: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى {طه: 50}.

ومن الأدلة على ذلك: المولود يولد، فيهديه الله تعالى إلى التقام ثدي أمه.

أما جواب سؤال من خلق الله، فجوابه يعرف فيما ذكرناه لك آنفاً من أدلة على أن الله تعالى هو الخالق، فإذا ثبت أنه سبحانه الخالق، فكيف يكون مخلوقاً؟! فهذا أمر محال ولا يقبله عقل أبداً، وقد نقل الحافظ ابن حجر عن الخطابي قوله: على أن قوله من خلق ربك كلام متهافت ينقض آخره أوله، لأن الخالق يستحيل أن يكون مخلوقاً، ثم لو كان السؤال متجهاً لاستلزم التسلسل وهو محال، وقد أثبت العقل أن المحدثات تفتقر إلى محدث، فلو كان هو مفتقراً إلى محدث لكان من المحدثات. انتهى.

واعلم أن الطريق الأمثل للتخلص من هذه الوسوسة التي بدت لنا جلية من خلال طرحك للسؤال هو أن تمتثل لما جاء في صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتي يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته.

وجاء في سنن أبي داود: فإذا قالوا ذلك فقولوا: الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. ثم ليتفل عن يساره ثلاثا وليستعذ من الشيطان. والحديث حسنه الألباني. وجاء في مسند أبي يعلى عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماوات؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الأرض؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله؟ فإذا كان ذلك فليقل آمنت بالله ورسله. والحديث قال فيه الشيخ حسن أسيد: إسناده صحيح.

فهذا علاج نبوي كريم ناجع إن شاء الله، ونحن على يقين أنك إذا أخذت به فسيذهب ما بك من وسواس، ولن يرجع إليك إن شاء الله. والله أعلم.

[ الأنترنت – موقع إسلام ويب – الذي خلق المخلوقات هو الله فمن خلق الله ؟ ]  إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والثمانون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*{وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون}:

    هذا النص القرآني المعجز جاء في مطلع الربع الثاني من سورة الأنبياء وهي سورة مكية، وآياتها 112 بعد البسملة، ويدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة الإسلامية ومن ركائزها الإيمان بالله ربا وبملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والتوحيد الخالص لجلال الله بغير شريك، ولا شبيه، ولا زوجة، ولا ولد، ولا منازع له في سلطانه.

وابتدأت السورة الكريمة بالإشارة إلى غفلة الناس عن الحساب، وعللت تلك الغفلة بانصراف أغلب الناس عن الهداية الربانية التي أنزلها الله-تعالى- على فترة من الأنبياء والمرسلين، وأتمها، وأكملها، وحفظها في القرآن الكريم، وفي سنة خاتم

 الأنبياء والمرسلين صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين.

وضربت سورة الأنبياء مثلا على ذلك بغفلة كفار قريش، الذين أنكروا نبوة ورسالة هذا الرسول الخاتم- وأمثالهم في هذا الزمان كثير- واتهموه شرفه الله تعالى - كما يتهمه كفار ومشركو اليوم- بالسحر، والهلوسة، والافتراء، والشعر، وطالبوه بعدد من المعجزات الحسية كالتي جاء بها سلفه من الأنبياء والمرسلين- ناسين أو متناسين كفر الكافرين بتلك السلسلة الطويلة من رسل الله وأنبيائه، على الرغم من تأييد الله لهم بالمعجزات، وناسين أو متناسين أن جميع هؤلاء الأنبياء والمرسلين كانوا بشرا مختارين، مما يدحض اعتراضهم على بشرية خاتمهم صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين، وناسين أو متناسين أن الله-تعالى- قد أهلك المتقدمين من الكفار والمشركين، ومن الطغاة المتجبرين، فلم يعتبروا بهلاكهم حتى إذا فاجأتهم عقوبة من الله رفعوا أصواتهم بالاستغاثة والضراعة صاغرين، متذللين....!!

وأكدت الآيات في سورة الأنبياء أنه لو أعرض أهل الأرض جميعا عن طاعة خالقهم، وعبادته بما أمر، فإن الملائكة لا يستكبرون عن الخضوع الدائم لجلاله، ولا عن تسبيحه، وتمجيده، وحمده، ولا يملون ذلك أبدا: {يسبحون الليل والنهار لا يفترون}.

واستشهدت سورة الأنبياء بالعديد من الآيات الكونية على عظمة الخالق سبحانه وتعالى في إتقانه لصنعته، وعلي وحدانيته المطلقة فوق جميع خلقه، وعلي تنزيهه سبحانه عن الشريك، والزوجة، والولد، وهو-تعالى- رب كل شيء ومليكه، ومن ينازعه في سلطانه فجزاؤه جهنم وبئس المصير.

وتؤكد السورة الكريمة أن كل نفس ذائقة الموت، وأن الدنيا دار ابتلاء بالخير والشر، وأن جميع المخلوقين عائدون حتما إلى خالقهم.

وتواسي الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم 

أجمعين بأن جميع من سبقوه تاريخيا من أنبياء الله ورسله قد لاقوا من كفار أقوامهم، وشراذم أممهم، وحثالات مجتمعاتهم مثل ما لاقي ولا يزال يلاقي من التكذيب والسخرية والاستهزاء، وقد نال السابقين من هؤلاء المكذبين نكال من الله في الدنيا، ولهم في الآخرة العذاب المقيم، وهو نفس جزاء المكذبين من بعد ذلك إلى أيامنا هذه وإلى يوم الدين، فالله-تعالى- يضع الموازين العادلة فلا تظلم نفس شيئا...!!

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التسعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*{وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون}:

واستعرضت سورة الأنبياء قصص عدد من هؤلاء المصطفين الأخيار منهم موسي وهارون وقد آتاهما الله-تعالى- التوراة نورا وضياء وجعلها فارقة بين الحق والباطل، وتذكرة للمتقين {الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون}.

وتؤكد الآيات أن القرآن الكريم قد جاء من نفس المشكاة، وهو كتاب مبارك،

 أنزله الذي أنزل التوراة من قبل، فلا ينكره إلا ضال.

وممن ذكرت بهم السورة من أنبياء الله ورسله: إبراهيم الخليل أبو الأنبياء، ولخصت حواره مع قومه من عبدة الأوثان، ودعوته إياهم إلى التوحيد الخالص، 

وتنجية الله له من كيدهم، وبعثه وابن أخيه لوطا إلى أرض فلسطين المباركة، ووهبه- على الكبر- ذرية صالحة، وتنجية لوط من القرية التي كانت تعمل 

الخبائث والتي دمرها الله-تعالى- تدميرا.

وأضافت السورة الكريمة ذكر نوح عليه السلام وقصته مع قومه الذين كذبوه 

فأغرقهم الله-تعالى-، ونجي نوحا ومن آمن معه، وقصة كل من داود وسليمان، وما أكرمهما الله-تعالى- به من معجزات وكرامات، وقصة أيوب وما مسه من ضر وبلاء صبر عليه فكشفه الله-تعالى- عنه، وقصص كل من إسماعيل، وإدريس، وذي الكفل، الذين كانوا من أهل الإحسان والصبر، وقصة يونس علي نبينا وعليه وعلي أنبياء الله جميعا من الله السلام والحوت الذي التقمه، وتنجية الله-تعالى- له منه، وقصة زكريا عليه السلام وقد رزقه الله تعالى- على الكبر- ابنا صالحا، وقصة السيدة مريم البتول وولادتها بمعجزة حقيقية لابنها عيسي عليها وعليه من الله السلام، ومن هنا كانت تسمية هذه السورة المباركة باسم سورة الأنبياء. وبعد هذا السرد التاريخي المعجز يأتي القرار الإلهي الحاسم: {وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}[الأنبياء:92].

وفيه من التأكيد على وحدة الرسالة السماوية، ووحدة هذه السلسلة الطويلة من الأنبياء والمرسلين، ما يدعم صدورها عن الإله الواحد الذي خلق الخلق، واصطفي منهم الأنبياء والمرسلين، وأوحي إليهم جميعا بدينه القويم- الإسلام- الذي أكمله، وأتمه وحفظه في الرسالة الخاتمة- القرآن الكريم- المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين.

وعلي الرغم من هذه الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في وسط النهار فقد اختلف الناس في أمر الدين، وأصبحوا فيه شيعا متعارضين، والجميع راجعون إلى الله-تعالى- ليحاسبهم، ويجازيهم على ما كانوا يعتقدون، وما كانوا يعملون. وقد أوضح الله-تعالى- للجميع أن الذين أهلكوا في الدنيا لكفرهم وشركهم وطغيانهم قد أدركوا ذلك بعد هلاكهم، وتمنوا العودة مرة أخري إلى الحياة الدنيا ليتوبوا إلى الله، ويعودوا إلى طاعته وعبادته وتوحيده ولَكِن هيهات لهم أن يعودوا إلا عند قيام الساعة حين يبعث الخلق أجمعون.                                                                          إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والتسعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*{وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون}:

وتتحدث الآيات في سورة الأنبياء عن سد يأجوج وماجوج، وعن الإشعار بقرب فتحه، وتدافع هذا الخلق للخروج منه، وانتشارهم، في كل فج، وتزاحمهم 

على النزول من كل مرتفع متسارعين للإفساد في الأرض، وخروجهم من العلامات الكبري للساعة ومن نبوءات القرآن العظيم والرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم باقتراب وقتها.... ويومئذ يري الكافرون والمشركون وأبصارهم شاخصة من شدة الهول والفزع، وتصف الآيات جانبا من مشاهد هذا اليوم العصيب، وتمايز بين موقف كل من المؤمنين والكافرين فيه.

وتؤكد السورة في أواخرها أن الرسول الخاتم والنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم قد أرسله الله-تعالى- رحمة للعالمين، داعيا للناس جميعا إلى التوحيد الخالص لله الخالق، فإن تولوا فما عليه إلا أن يقول: قد أعلمتكم جميعا بالحق، أنذرتكم بما توعدون، ولا أدري أقريب هو أم بعيد، وأخبرتكم بأن الله-تعالى- هو علام الغيوب، الذي لا يخفي عليه شيء، وأنه-تعالى- سوف يجازي كلا بعمله، ولست أدري إن كان إمهالكم لمزيد من البقاء في الدنيا هو ابتلاء لكم أم فتنة، وتختتم السورة الكريمة بهذا الدعاء الكريم على لسان خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم: {قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون} أي: يا رب احكم بيني وبين هؤلاء المكذبين بالحق الذي أرسلتني به، وأنت المستعان على ما يصفون من الكفر والتكذيب، وبهذا التفويض لله-تعالى- والاستعانة به والضراعة إليه تختتم سورة الأنبياء.

من الآيات الكونية في سورة الأنبياء في مقام الاستدلال على طلاقة القدرة..

 الإلهية المبدعة في الخلق، وعلي وحدانية الخالق العظيم أشارت سورة الأنبياء إلى عدد من الآيات الكونية التي يمكن إيجازها فيما يلي:

1- خلق السماوات والأرض بالحق، أي بنظم فائقة الدقة والانتظام.

2- وحدة البناء في الخلق تؤكد وحدانية الخالق سبحانه وتعالى.

3- حقيقة أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقهما الله-تعالى-.

4- حقيقة أن الله سبحانه وتعالى قد جعل من الماء كل شيء حي.

5- حقيقة أن الله-تعالى- خلق الجبال، وجعلها رواسي للأرض، وجعل فيها فجاجا سبلا للناس يسلكونها ويهتدون بها.

6- تأكيد أن الله-تعالى- قد جعل السماء سقفا محفوظا.

7- الإشارة إلى دوران الأرض حول محورها أمام الشمس بخلق كل من الليل والنهار وتبادلهما، وتأكيد جري كل من الأرض والشمس والقمر بالوصف القرآني المعجز:كل في فلك يسبحون.

8- تأكيد حقيقة أن كل نفس ذائقة الموت.

9- الإشارة إلى أن الإنسان خلق من عجل.

10- الإشارة إلى حقيقة إنقاص الأرض من أطرافها في مجاز معجز.

11- الإشارة إلى طي السماء كطي السجل للكتب، والعودة بالكون إلى هيئته 

الأولي رتقا متصلا قبل فتقه إلى السماوات والأرض.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانيةوالتسعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*{وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون}:

من أقوال المفسرين في تفسير الآية :

ذكر ابن كثير يرحمه الله ما نصه:... وقوله: {وجعلنا من الماء كل شيء حي} أي

 أصل كل الأحياء، عن أبي هريرة قال، قلت: يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني، فأنبئني عن كل شيء، قال: كل شيء خلق من ماء قال، قلت أنبئني عن أمر إذا عملت به دخلت الجنة؟

قال: أفش السلام، وأطعم الطعام، وصل الأرحام، وقم بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنة بسلام مسند أحمد بن حنبل.

وجاء في تفسير الجلالين رحم الله كاتبيه ما نصه:... وجعلنا من الماء النازل من

 السماء والنابع من الأرض كل شيء حي نبات وغيره، أي: فالماء سبب لحياته

 أفلا يؤمنون بتوحيدي؟.

وذكر صاحب الظلال رحمه الله رحمة واسعة ما نصه:... فأما شطر الآية الثاني: وجعلنا من الماء كل شيء حي فيقرر كذلك حقيقة خطيرة، يعد العلماء كشفها وتقريرها أمرا عظيما.. إن الماء هو مهد الحياة الأول. وهي حقيقة تثير الانتباه حقا، وإن كان ورودها في القرآن الكريم لا يثير العجب في نفوسنا، ولا يزيدنا يقينا بصدق هذا القرآن، فنحن نستمد الاعتقاد بصدقه المطلق في كل ما يقرره من إيماننا بأنه من عند الله، لا من موافقة النظريات أو الكشوف العلمية له.. ومنذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا كان القرآن الكريم يوجه أنظار الكفار إلى عجائب صنع الله في الكون، ويستنكر ألا يؤمنوا بها وهم يرونها مبثوثة في الوجود: أفلا يؤمنون؟ وكل ما حولهم في الكون يقود إلى الإيمان بالخالق المدبر الحكيم.

وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن رحم الله كاتبه ما نصه:... {وجلعنا من الماء كل شيء حي} خلقنا من الماء كل شيء حي، أي متصف بالحياة الحقيقية وهو الحيوان، أو كل شيء نام فيدخل النبات، ويراد من الحياة ما يشمل النمو. وهذا العام مخصوص بما سوي الملائكة والجن مما هو حي.

وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم جزاهم الله خيرا ما نصه: أعمي

 الذين كفروا، ولم يبصروا....، وجعلنا من الماء الذي لا حياة فيه كل شيء حي؟! فهل بعد كل هذا يعرضون، فلا يؤمنون بأنه لا إله إلا الله؟!.

وجاء بالهامش هذا التعليق: وجعلنا من الماء كل شيء حي: تقرر هذه الآية حقيقة علمية أثبتها أكثر من فرع من فروع العلم، فقد أثبت علم الخلية أن الماء هو المكون المهم في تركيب مادة الخلية، وهي وحدة البناء في كل كائن حي نباتا كان أو حيوانا، وأثبت علم الكيمياء الحيوية أن الماء لازم لحدوث جميع التفاعلات والتحولات التي تتم داخل أجسام الأحياء، فهو إما وسط، أو عامل مساعد، أو داخل في التفاعل، أو ناتج عنه.

وأثبت علم وظائف الأعضاء أن الماء ضروري لقيام كل عضو بوظائفه التي بدونها لا تتوافر له مظاهر الحياة ومقوماتها.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والتسعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

 *الماء في القرآن الكريم:

الماء سائل شفاف تقوم عليه الحياة، وهو في نقائه لا لون له، ولا طعم ولا 

رائحة، وقد وهبه الله-تعالى- من الصفات الطبيعية والكيميائية ما يمكنه من القيام بدوره الأساسي في أجساد كل صور الحياة.

والهمزة في اسمه مبدلة من الهاء لأن أصله موه وجمعه أمواه في القلة، ومياه في الكثرة، وتصغيره مويه، والنسبة إلى ماء هي مائي أو ماوي.

ولفظة ماء وردت في القرآن الكريم (63) مرة، وهي لفظة تدل على الجمع والمفرد معا فتقول ماء البحر كما تقول قطرة ماء.

ومن هذه المرات الثلاث وستين والتي جاءت- في معظمها- بمعني السائل

 المعروف الذي يشربه كل من الإنسان والحيوان، ويروي به النبات، جاءت لفظة ماء في القرآن الكريم أربع مرات بمعني النطفة أي: ماء التناسل، كما جاءت كلمة ماء 59 مرة غير متصلة بضمير، 4 مرات متصلة بضمير من الضمائر.

وهذه المرات الثلاث وستون التي جاء فيها ذكر لفظة ماء أو الماء في كتاب الله في إحدي وستين آية مباركة ورد في اثنتين منها ذكر الماء مرتين يمكن تصنيفها في المجموعات العشر التالية:

أولا: آية واحدة تدل على أن عرش الله-تعالى- كان على الماء هود:7.

ثانيا: آية واحدة تدل على أن أصل ماء الأرض كله من داخل الأرض النازعات:3.

ثالثا: آيتان كريمتان تثبتان أن الله-تعالى- قد خلق كل شيء من الماء الأنبياء:30، النور:45.

رابعا: ثمان وعشرون آية كريمة تصف دورة الماء حول الأرض بإنزاله من السماء، ودور كل من الرياح والسحاب في تلك الدورة التي جعلها ربنا-تبارك وتعالى- لتطهير ماء الأرض، ولسقيا كل من الإنسان والحيوان وإنبات مختلف أنواع النباتات وريها بانتظام البقرة:22، 164، الأنعام:99، الأعراف:57، الأنفال:11، الرعد:4، 17، إبراهيم:32، الحجر:22، النحل:65، 10، طه:53، الحج:63، 5، الفرقان:48، النمل:60، العنكبوت:63، الروم:24، لقمان:10، السجدة:27، فاطر:27، فصلت:39، الزخرف:11، ق:9، الواقعة:68، المرسلات:27، النبأ:14، عبس:25.

خامسا: خمس آيات تصف خزن ماء المطر تحت سطح الأرض بتدبير من الله سبحانه وتعالى وتقدير حكيم منه، منها آية واحدة الملك:30 ذكر فيها الماء مرتين البقرة:74، المؤمنون:18، الكهف:41، الزمر:21، الملك:30.

سادسا: ثماني آيات مباركات تشير إلى ماء له علاقة بأحداث تاريخية هود:23،

 24، 44، القصص:23، القمر:11،12، 28، الحاقة:11.

سابعا: آيتان كريمتان تشيران إلى التيمم في غيبة وجود الماء النساء:43، المائدة:6.

ثامنا: خمس آيات مباركات تذكر الماء في الآخرة إما في الجنة أو في النار أشير في إحداها محمد:15 إلى الماء مرتين. الأعراف:50، إبراهيم:16، الكهف:29، محمد:15، الواقعة:31.

تاسعا: خمس آيات كريمات استخدمت للتشبيه أو لضرب المثل يونس:24، الرعد:14، الكهف:45، النور:39، الجن:16.

عاشرا: أربع آيات تشير بالماء إلى النطف أي: ماء التناسل الفرقان:54، السجدة:8، المرسلات:20، الطارق:6.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والتسعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

 *الماء في القرآن الكريم:

.من الدلالات العلمية للآية الكريمة:{وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا 

يؤمنون} [الأنبياء:30] ما يلي:

أولا: أن الماء سابق في وجوده على جميع الخلائق، فقد أثبتت دراسات علوم الأرض أن هذا الكوكب يرجع عمره إلى أكثر من 4.6 بليون سنة مضت، بينما يرجع عمر أقدم أثر للحياة في صخور الأرض إلى 3.8 بليون سنة مضت، وهذا يعني ان عملية إعداد الأرض لاستقبال الحياة استغرقت أكثر من ثمانمائة مليون سنة- وربنا تبارك وتعالى قادر على أن يقول للشيء كن فيكون، وإنما جاء الخلق على مراحل متطاولة من الزمن بهدف إعانة الإنسان على تتبع سنن الله في الأرض، وعلي حسن توظيفها في عمارة الحياة، لأن كلا من الزمان والمكان إذا كان من أبعاد المادة، وحدود الإنسان، فهو من خلق الله، والمخلوق لا يحد الخالق أبدا... فالله-تعالى- فوق جميع خلقه بما في ذلك المادة والطاقة والزمان والمكان.

وخلال هذه الفترة الطويلة من إعداد الأرض لاستقبال الحياة فجر الله-تعالى- الأرض بالثورات البركانية التي أخرجت كلا من أغلفة الأرض الصخرية، والمائية، والهوائية، كما كونت السلاسل الجبلية التي اندفعت من قاع المحيط الأولي الغامر للأرض. حتى أصبح كوكبنا مهيأ ليكون محضنا لنوع الحياة الأرضية.

ثانيا: إن الله-تعالى- خلق كل صور الحياة الأرضية الباكرة في الماء، لأن الأوساط المائية في بدء خلق الأرض كانت أنسب البيئات لاستقبال الحياة، ودراسات بقايا الحياة في صخور الأرض تشير إلى أن الحياة المائية استمرت على الأرض قرابة 3360 مليون سنة في الفترة من 3800 مليون سنة مضت إلى 440 مليون سنة مضت قبل خلق أول نباتات على اليابسة.

ثالثا: كذلك أثبتت دراسات علوم الأرض أن خلق النبات كان دوما سابقا لخلق الحيوان، وأن عملية الخلق قد توجها الله-تعالى- بخلق الإنسان، وعلي ذلك فإن خلق النباتات البحرية كان سابقا لخلق الحيوانات البحرية، وكذلك خلق النباتات الأرضية على اليابسة كان سابقا لخلق الحيوانات على اليابسة، وكل ذلك كان سابقا لخلق الإنسان وهو المخلوق الذي كرمه الله سبحانه وتعالى فقال-عز من قائل-: {ولقد كرمنا بني آدم} والحكمة من ذلك جلية، بينة واضحة، لأن الإنسان يعتمد في غذائه على كل من النبات والحيوان. ولأن كلا من الإنسان والحيوان يعتمد في غذائه على النبات، ولأن النباتات لعبت- ولا تزال تلعب- الدور الرئيسي في إمداد الغلاف الغازي للأرض بالأوكسجين الذي بدونه ما كانت حياة أي من الحيوان أو الإنسان ممكنة...!!

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والتسعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

 *الماء في القرآن الكريم:

يضاف إلى ذلك أن النبات الأخضر هو المصنع الرباني الذي تتخلق فيه الجزيئات العضوية اللازمة لبناء اجساد كل صور الحياة النباتية والحيوانية والانسجة وذلك بواسطة الماء المقبل مع العصارة الغذائية المستمدة من الأرض، وثاني أوكسيد الكربون المستمد من الغلاف الغازي للأرض، والطاقة المستمدة من الشمس وعملية التمثيل الضوئي في النباتات الخضراء لا تتم في غيبة الماء، الذي يتكون كل جزيء فيه من ذرتي إيدروجين، وذرة أوكسجين واحدة، والنبات يستمد الماء من العصارة الغذائية التي تمتصها جذوره من تربة وصخور الأرض، ويستمد الطاقة من ضوء الشمس بواسطة الصبغة الخضراء التي أودعها الله-تعالى- في خلايا النبات والمعروفة باسم اليخضور، والتي أعطاها الله سبحانه وتعالى القدرة على تحليل جزيء الماء إلى أيون من الإيدروجين يحمل شحنة كهربائية موجبة، وأيون آخر من الإيدروكسيد يحمل شحنة كهربائية سالبة، وباتحاد كل اثنين من أيونات الإيدروكسيد يتكون جزيء من الماء وذرة من ذرات الأوكسجين الذي ينطلق إلى الغلاف الغازي للأرض لتعويض ما تستهلكه بقية الكائنات الحية من هذا الغاز الضروري للحياة عن طريق التنفس.

وتتحد أيونات الإيدروجين الناتجة عن عملية تحلل الماء مع جزيئات ثاني أوكسيد الكربون الذي يستمده النبات من الجو المحيط به ليكون جميع أنواع الجزيئات العضوية اللازمة لبناء الخلايا الحية، مبتدئا بأبسطها، وهو سكر العنب الجلوكوز وغيره من السكاكر والنشويات الكربوهيدرات، منتهيا إلى البروتينات، والزيوت، والدهون، ومركبات ذلك من الأحماض الأمينية، والأحماض النووية التي تكتب بها الشفرة الوراثية لكل كائن حي.

وبهذه العملية يختزن جزء من طاقة الشمس على هيئة روابط كيميائية تلعب الدور الرئيسي فيها أيونات الإيدروجين الموجودة في الماء، بينما الأوكسجين المنطلق من الماء إلى الجو عن طريق عملية التمثيل الضوئي فإنه يستخدم بواسطة بقية الكائنات الحية في عملية التنفس وهي عملية ينتج عنها أكسدة المواد العضوية في الطعام والمأخوذة أصلا من النبات مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عن طريق الحيوان إلى ثاني أوكسيد كربون وماء، وبذلك يسترجع الغلاف الغازي للأرض ثاني أوكسيد الكربون الذي أخذه منه النبات، كما يسترجع قدرا من طاقة الشمس التي استفاد بها النبات على شكل حرارة ناتجة عن جميع الأنشطة التي تقوم بها الكائنات الحية، أو تتركها على هيئة بقايا وفضلات تتأكسد وتعود هي الأخري إلى الجو. من هنا يتضح أن الماء ضروري لبناء أجساد كل الكائنات الحية، كما أنه ضروري لمساعدتها على الاستمرار في القيام بمختلف نشاطاتها ومظاهرها الحيوية.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة 

والتسعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

 *الماء في القرآن الكريم:

رابعا: أن الماء أعظم مذيب يعرفه الإنسان ولذلك يشكل الوسط المذيب للعديد من العناصر والمركبات التي يقوم بنقلها من تربة وصخور الأرض إلى مختلف 

أجزاء النبات، ومن الطعام إلى مختلف أجزاء جسم كل من الإنسان والحيوان.

 وذلك بما له من درجة عالية من اللزوجة والتوتر السطحي، وخاصية شعرية فائقة..

خامسا: أن الماء يشكل العنصر الأساسي في بناء أجساد جميع الكائنات الحية، فقد ثبت بالتحليل أن نسبة الماء في جسم الإنسان تتراوح بين حوالي 71% في الإنسان البالغ، و93% في الجنين ذي الأشهر المحدودة، بينما يكون الماء أكثر من 80% من تركيب دم الإنسان، وأكثر من 90% من أجساد العديد من النباتات والحيوانات.

سادسا: أن جميع الأنشطة الحياتية وتفاعلاتها المتعددة من التغذية إلى الإخراج ومن النمو إلى التكاثر لا تتم في غيبة الماء بدءا من التمثيل الغذائي، وتبادل المحاليل بين الخلايا وبعضها البعض، وبينها وبين المسافات الفاصلة بينها، وذلك بواسطة الخاصية الشعرية للمحاليل المائية التي تعمل من خلال جدر الخلايا، وانتهاء ببناء الخلايا والأنسجة الجديدة مما يعين على النمو والتكاثر، وقبل ذلك وبعده التخلص من سموم الجسم وفضلاته عن طريق مختلف صور الإفرازات والإخراجات.

هذا بالإضافة إلى ما يقوم به الماء من أدوار أساسية في عمليات بلع الطعام، وهضمه، وتمثيله، ونقله، وتوزيعه، ونقل كل من الفيتامينات، والهرمونات، وعناصر المناعة، ونقل الأوكسجين إلى جميع أجزاء الجسم، وإخراج السموم والنفايات إلى خارج الجسم، وحفظ حرارة الجسم ورطوبته وما يقدم لذلك أو يترتب عليه من العمليات الحيوية، وعلي ذلك فلا يمكن للحياة أن تقوم بغير الماء أبدا، فمن الكائنات الحية ما يمكنه الاستغناء كلية عن أوكسجين الهواء، ولَكِن لا يوجد كائن حي واحد يمكنه الاستغناء عن الماء كلية، فبالإضافة إلى منافعه العديدة وفي مقدمتها أنه منظم لدرجة حرارة الجسم، بما له من سعة حرارية كبيرة، ومنظم لضغط الدم، ولدرجات الحموضة، فإن في نقصه تعطش الخلايا ويضطرب عملها، وتتيبس الأنسجة، وتتلاصق المفاصل، ويتجلط الدم ويتخثر، ويوشك الكائن الحي على الهلاك ولذلك فإن أعراض نقص الماء بالجسم الحي خطيرة للغاية، فإذا فقد الإنسان على سبيل المثال 1% من ماء جسده أحس بالظمأ، وإذا ارتفعت نسبة فقد الماء إلى 5% جف حلقه ولسانه، وصعب نطقه، وتغضن جلده، وأصيب بانهيار تام، فإذا زادت النسبة المفقودة على 

10% أشرف الإنسان على الهلاك بالموت.

وفي المقابل فإن الزيادة في نسبة الماء بجسم الكائن الحي على القدر المناسب له قد تقتله، فالزيادة في نسبة الماء بجسم الإنسان قد تسبب الغثيان، 

والضعف العام وتنتهي بالغيبوبة التي تفضي إلى الموت.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة 

والتسعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

 *الماء في القرآن الكريم:

سابعا: يغطي الماء في زماننا الراهن حوالي 71% من مساحة سطح الأرض المقدرة بنحو (510) ملايين كيلو متر مربع، بينما تشغل مساحة اليابسة حوالي 29% من تلك المساحة.

والأرض هي أغني كواكب المجموعة الشمسية بالماء الذي تقدر كميته على السطح بنحو 1، 4 بليون كيلو متر مكعب، بالإضافة إلى مخزون يقدر بمئات أضعاف هذا الرقم في نطاق الضعف الأرضي، يخرجه لنا ربنا-تبارك وتعالى- بقدر معلوم

 مع ثورات البراكين.

ويتوزع أغلب الماء على سطح الأرض حوالي 97، 22% في البحار والمحيطات التي تغطي مساحة تزيد على 362 مليون كيلو متر مربع، بمتوسط عمق يقدر بحوالي 3800 مترا مما يعطي لبحار ومحيطات الأرض حجما يزيد قليلا على (1375) مليون كيلو متر مكعب من الماء المالح.

هذا بالإضافة إلى كم من الجليد يغطي قطبي الأرض، وقمم الجبال بسمك يصل إلى أربعة كيلو مترات في القطب الجنوبي وإلى 3800 متر في القطب الشمالي، ويقدركم الماء في هذا الغطاء الجليدي بحوالي (2، 15%) من مجموع الماء على سطح الأرض، والنسبة الباقية وتقدر بحوالي (0، 63%) من مجموع ماء الأرض تمثل أغلبها بالمخزون المائي في صخور قشرة الأرض ونسبته 0، 613% ويمثل الباقي (وتقدر نسبته بحوالي 0، 017%) بمخزون البحيرات الداخلية، وكم الماء الجاري في الأنهار والجداول، ورطوبة كل من الجو والتربة، التي تعين الأرض على الإنبات، وتلعب دورا مهما في تكوين السحب التي تدفع عن الأرض جزءا كبيرا من حرارة وأشعات الشمس بالنهار، كما ترد إلى الأرض معظم الدفء الذي تشعه صخورها إلى الجو بمجرد غياب الشمس.

وهذا التوزيع المعجز للماء على سطح الأرض لعب- ولا يزال يلعب- دورا أساسيا في تهيئة مناخ الأرض لاستقبال الحياة، فلولا هذه المساحات المائية والجليدية الشاسعة لاستحالت الحياة التي نعرفها على سطح الأرض، لأن درجة حرارة نطاق المناخ كان من الممكن أن تصل إلى أكثر من مائة درجة مئوية بالنهار، وأن تنخفض إلى ما دون المائة درجة تحت الصفر المئوي بالليل، وهو تباين لا تقوي عليه كل صور الحياة المعروفة لنا، ولَكِن شاءت إرادة الله ورحمته أن تحمينا من هذه المخاطر بواسطة الغلاف المائي للأرض الذي ينظم درجة حرارتها، وحرارة الهواء المحيط بها في نطاق المناخ، وذلك بتكرار عمليات التبخير بكميات كبيرة من الماء تقدر سنويا بحوالي 380، 000 كيلو متر مكعب، وتكثيف هذا الكم الهائل من بخار الماء على هيئات السحاب والضباب والندي، وإنزاله إلى الأرض على هيئة المطر، والثلج والبرد، وما يصاحب ذلك من رعد وبرق، وما ينزل معهما من مركبات النيتروجين وغيره من العناصر التي تثري تربة الأرض بما يحتاجه النبات من مركبات، وما يصاحب كل ذلك من إحياء للأرض بعد موتها، بتقدير من الخالق البارئ المصور الذي خلق فسوي والذي قدر فهدي الأعلى:2 و3.                                               إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة 

والتسعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

 *الماء في القرآن الكريم:

ثامنا: الماء يساعد على حفظ درجات الحرارة في البحار والمحيطات في الحدود التي تعين الحياة البحرية على النشاط، وذلك باختلاط التيارات البحرية الدافئة والباردة، وبامتصاص جزء كبير من آشعة الشمس ومما تنتجه الأحياء البحرية من حرارة نتيجة لمختلف أنشطتها الحيوية، والعمل على إعادة توزيعها، وكذلك توزيع الحرارة الناتجة عن ثورات البراكين فوق قيعان كل محيطات الأرض، وقيعان أعداد من بحارها، وقبل ذلك وبعده وقاية الأحياء البحرية من مختلف التقلبات الجوية خاصة عندما تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر المئوي، وهنا يلحظ كل عاقل دور القدرة المبدعة في الخلق والتي أعطت الماء عددا من الخصائص الفيزيائية والكيميائية التي لا تتوافر لغيره من العناصر ومركباتها، وأبرزها قلة كثافة الماء عند تجمده مما يضطره إلى الطفو على سطح مياه البحار والمحيطات في المناطق الباردة والمتجمدة بدلا من الغوص إلى قيعانها والقضاء على مختلف صور الحياة فيها، ويقوم الجليد الطافي على سطح الماء بدور العازل بين درجات حرارة الهواء الشديد البرودة من فوقه، والماء الدافئ نسبيا من تحته وما فيه من حياة زاخرة.

هذا قليل من كثير مما حبا الله-تعالى- به الماء من صفات طبيعية وكيميائية فريدة، التي من أهمها أيضا قدرته الفائقة على إذابة أعداد كبيرة من المواد الصلبة والسائلة والغازية، وبناؤه الجزيئي ذو القطبية المزدوجة والمقاوم للتحلل والتأين، ودرجتا التجمد والغليان المتميزتان، والحرارة النوعية المرتفعة، والحرارة الكامنة العالية، واللزوجة والتوتر السطحي الفائقان، وقلة كثافته عند التجمد، وقدرته الكبيرة على الأكسدة والاختزال، وعلي التفاعل مع العديد من المركبات الكيميائية، وعلي تصديع التربة وشقها لمساعدتها على الإنبات، وبذلك هيأه الله سبحانه وتعالى للقيام بدوره الرئيسي في أجساد كل أنواع الحياة النباتية والحيوانية والإنسية مما يعتبر معجزة كبري من معجزات الخالق سبحانه وتعالى الذي أنزل في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق: {وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون} وجاء ذلك مباشرة بعد تقرير خلق السماوات والأرض بعملية فتق الرتق وهي من أعظم معجزات الخالق سبحانه في إبداعه للكون، والخطاب في مطلع الآية الكريمة موجه للذين كفروا، ولذلك ختمت بهذا الاستفهام التقرير، التقريعي، التوبيخي: أفلا يؤمنون.

وهذه حقائق لم يصل إليها علم الإنسان الكسبي إلا في منتصف القرن العشرين، وورودها في كتاب الله بهذه الدقة العلمية المبهرة، والإيجاز المعجز، مع الشمول والإحاطة لمما يقطع بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق، ويشهد بالنبوة والرسالة للرسول والنبي الخاتم الذي تلقاه فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلي آله وصحبه، ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين

[الأنترنت – موقع نداء الإيمان - كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم - .الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزى دلالتها العلمية: (77) {وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون}: بقلم: د. زغلول النجار.]  إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة 

والتسعون بعد الأربعمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* هل يدل قوله تعالى : ( الله خالق كل شيء ) على أن القرآن مخلوق ؟

اتفق أهل السنة والجماعة على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، وأنكروا على من قال من المبتدعة : " إن القرآن مخلوق" ، وبدَّعوهم وهجروهم ، وكثير منهم كفّر من قال بهذه المقولة الضالة .

وكان من شبهات أهل البدعة على هذه الضلالة ، قول الله تعالى : ( اللَّهُ خَالِقُ 

كُلِّ شَيْءٍ ) ، قالوا : والقرآن شيء ، فهو مخلوق !!

وهذا استدلال باطل ، وتحريف للكلم من بعد مواضعه .

فإن القرآن كلام الله ، وكلام الله صفة من صفاته ، وصفاته غير مخلوقة ؛ لأن الصفات تتبع الموصوف ؛ فصفات الخالق غير مخلوقة ، لأنها تتبع الخالق ، وصفات المخلوق مخلوقة لأنها تتبع المخلوق .

وأيضاً فإن الله تعالى يقول : ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ ) الأنعام/ 19 ، فأخبر عن نفسه بأنه " شيء " ؛ فهل يقال : الله مخلوق ؟!

فالمقصود من الآية : أن الله خالق كل شيء من المخلوقات ، لم يشركه في خلقها أحد سواه ، ولا له ند ولا شريك ، ولا معين ولا ظهير في خلقه .

وإليك طائفة من أقوال أهل العلم في الرد على هذه الشبهة :

- روى الخلال في "كتاب السنة" (5/109) عن سُفْيَانَ بْن عُيَيْنَةَ قال : " مَا يَقُولُ هَذَا الدُّوَيْبةُ ؟ - يَعْنِي بِشْرًا الْمِرِّيسِيَّ - قيل : يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ.

قَالَ: " كَذَبَ ، أَخْزَاهُ اللَّهُ ، إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْء ٍ، وَكَلَامُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَارِجٌ عن الْخَلْقِ " .

وقال ابن بطة رحمه الله :

" ثُمَّ إِنَّ الْجَهْمِيَّ ادَّعَى أَمْرًا آخَرَ لِيُضِلَّ بِهِ الضُّعَفَاءَ ، وَمَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ ، فَقَالَ : أَخْبِرُونَا عَنِ الْقُرْآنِ ، هَلْ هُوَ شَيْءٌ أَوْ لَا شَيْءَ ؟ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ : لَا شَيْءَ ، فَيُقَالُ لَهُ : هُوَ شَيْءٌ , فَيَظُنُّ حِينَئِذٍ أَنَّهُ قَدْ ظَفَرَ بِحُجَّتِهِ وَوَصَلَ إِلَى بُغْيَتِهِ ، فَيَقُولُ : فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ (خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ) ، وَالْقُرْآنُ شَيْءٌ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْءٍ ، وَهُوَ مَخْلُوقٌ ، لِأَنَّ الْـ(كُلَّ) يَجْمَعُ كُلَّ شَيْءٍ ؟! فَيُقَالُ لَهُ : أَمَّا قَوْلُكَ : إِنَّ الْكُلَّ يَجْمَعُ كُلَّ شَيْءٍ ، فَقَدْ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ ذَلِكَ ، وَأَكْذَبَكَ الْقُرْآنَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) ، وَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفْسٌ لَا تَدْخُلُ فِي هَذَا الْكَلِّ ، وَكَذَلِكَ كَلَامُهُ شَيْءٌ ، لَا يَدْخُلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَةِ ، كَمَا قَالَ ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) " انتهى من " الإبانة الكبرى " (6/170) .

وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله :

" وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) ، وَالْقُرْآنُ شَيْءٌ ، فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي عُمُومِ كُلٍّ فَيَكُونُ مَخْلُوقًا ، فَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ ؛ وَذَلِكَ: أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ كُلَّهَا عِنْدَهُمْ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَإِنَّمَا يَخْلُقُهَا الْعِبَادُ جَمِيعَهَا ، لَا يَخْلُقُهَا اللَّهُ ، فَأَخْرَجُوهَا مِنْ عُمُومِ كَلٍّ ، وَأَدْخَلُوا كَلَامَ اللَّهِ فِي عُمُومِهَا ، مَعَ أَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ ، بِهِ تَكُونُ الْأَشْيَاءُ الْمَخْلُوقَةُ ، إِذْ بِأَمْرِهِ تَكُونُ الْمَخْلُوقَاتُ ، قَالَ تَعَالَى : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ ، فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ مَخْلُوقًا ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا بِأَمْرٍ آخَرَ ، وَالْآخَرُ بِآخَرَ ، إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ ، فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ ، وَهُوَ بَاطِلٌ.

وَطَرْدُ بَاطِلِهِمْ : أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ صِفَاتِهِ تَعَالَى مَخْلُوقَةً ، كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَغَيْرِهِمَا ، وَذَلِكَ صَرِيحُ الْكُفْرِ ، فَإِنَّ عِلْمَهُ شَيْءٌ ، وَقُدْرَتَهُ شَيْءٌ ، وَحَيَاتَهُ شَيْءٌ ، فَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي عُمُومِ كَلٍّ ، فَيَكُونُ مَخْلُوقًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا " انتهى من "شرح الطحاوية" (ص 131-132) .

وقال علماء اللجنة الدائمة :

" القرآن الكريم لا يدخل في قوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) ؛ لأن القرآن كلام الله، وكلام الله صفة من صفاته غير مخلوقة ؛ لأن الصفات تتبع الموصوف.

فالله بصفاته - ومنها كلامه - خالق كل شيء ، وما سواه مخلوق ، وكما قال تعالى : (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) ؛ ففرق سبحانه بين الخلق والأمر بالعطف الذي يقتضي المغايرة بينهما ، والأمر يكون بالكلام ، قال تعالى: ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (3/18-19) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :" الجواب من وجهين:

الأول : أن القرآن كلام الله تعالى ، وهو صفة من صفات الله ، وصفات الخالق غير مخلوقة.

الثاني : أن مثل هذا التعبير (كل شيء) : عام ، قد يراد به الخاص ؛ مثل قوله تعالى عن ملكة سبأ : (وأوتيت من كل شيء) ، وقد خرج شيء كثير لم 

يدخل في ملكها منه شيء ؛ مثل ملك سليمان" .انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (8/366) .والله تعالى أعلم .[ الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب - هل يدل قوله تعالى : ( الله خالق كل شيء ) على أن القرآن مخلوق ؟ ]

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*التفكّر في خلق السَّماء

ما أجمل المؤمن عندما يبني إيمانه على أساس علمي متين، واستجابة منا لنداء الحق تبارك وتعالى (ويتفكرون) نتفكر في بعض الحقائق الكونية..لنقرأ ........

لقد ورد ذكر السماء والسموات في القرآن الكريم (310) مرات، وهذا العدد الكبير يدل على أن القرآن أعطى اهتماماً بالغاً لخلق السماء كما أعطى أهمية كبيرة للتفكر في خلق السماوات والأرض فقال سبحانه وتعالى في مُحكم الذكر: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190-191].

إذن التفكر في خلق الله هو عبادة ثوابها كبير تزيد المؤمن خشية لله، فأكثر الناس خوفاً من الله هو أكثرهم علماً بالله تعالى. ولكي ندرك من هو الله عز وجل علينا أن نتفكر في خلق الله القائل: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88].

لقد أنزل الله هذه الآيات لنتدبرها ونعمل بما جاء فيها، والتفكر في خلق السماء والأرض لا يكون بمجرد النظر إليهما بل من خلال دراسة علم الفلك وعلم الجيولوجيا وعلم الذرة وغير ذلك من العلوم لنتمكن من فهم حقائق الكون وندرك عظمة النظام الذي أودعه الله في هذا الكون.

ونؤكد يا أحبتي أن العلم الشرعي لا ينفصل عن العلم الكوني، لماذا؟ لأن خالق الكون هو منزل القرآن، وإن الذي أمرنا أن نتدبر القرآن هو الذي أمرنا أن 

نتفكر في الكون! لذلك وبسبب إهمالنا للعلوم الكونية كانت النتيجة أن أصبحنا 

أكثر الأمم تخلفاً، وهذا لا يرضاه الله لنا، ومن هنا ينبغي أن ندرك أهمية العلوم الكونية وأهمية دراستها لسببين: الأول أن الله أمرنا بذلك، والثاني أن وسائل المعرفة اليوم أصبحت متاحة للجميع.

إن القرآن يؤكد أن العلماء هم أشد خشية لله سبحانه وتعالى، واستمع معي إلى هذا البيان الإلهي: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) [فاطر: 28]. ويقول في آية أخرى عن الذين أوتوا العلم: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [سبأ: 6].

تأملوا معي هذا المشهد الرائع، إنها نجوم ودخان كوني وسحب من الغاز والغبار 

وأشياء لا يراها إلا الله تعالى، إن كل نجم من هذه النجوم هو مثل شمسنا، تصطف بنظام معجز يشهد على عظمة خالق الكون القائل: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [غافر: 57].

 لذلك نجد القرآن مليئاً بالحقائق العلمية والكونية التي تجعل الإنسان العالم بهذه الحقائق يرى عظمة كلام الله ويدرك أن وراء هذا الكون منظماً عليماً حكيماً. وأن القرآن عندما يتحدث عن حقائق الكون بهذه الدقة إنما يدل على صدق كلام الله تعالى. لذلك الإعجاز العلمي هو وسيلة علمية متطورة لإقناع المشككين بهذا القرآن.

كما أنه وسيلة لزيادة إيمان المؤمن بالله، فالمؤمن بحاجة دائماً إلى مزيد من عجائب هذا القرآن التي قال عنها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم: (ولا تنقضي عجائبه) [رواه الترمذي]. فكما نعلم الإيمان يزداد مع زيادة العلم بالله وبخلقه وكتابه. وهذا ما نجد له صدى في قول الحق سبحانه عن المؤمنين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال: 2-4]. فما أجمل الإيمان عندما يمتزج بالعلم ليكون سبيلاً للوصول إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى.[ الأنترنت – موقع الإعجاز العلمي – التفكّر في خلق السَّماء -  د عبد الدايم الكحيل ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*العقل آية على قدرة الخالق ودليل التائهين ومرشد الحائرين

العقل هبة من الله تقود إلى نهضة الأمم 

العقل من أعظم النعم يميز به الإنسان بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، وبين النافع والضار، أودعه الله بدن الإنسان يدرك به الصلاح من الفساد، ويدرك به المعلومات الصحيحة النافعة والمعلومات الخاطئة، ويفرق به بين الذوات، ويناط به التكليف الذي يترتب عليه الثواب والعقاب اختص الله عز وجل به الإنسان، وميزه عن سائر المخلوقات، فقد جعله بالعقل يدرك حقائق الوجود، ويميز بين الحق والباطل والحلال والحرام، وبه يهتدي إلى تحقيق المصالح واتقاء المضار، وبه يتواصل مع بني جنسه.

العقل مقره القلب كما دل على ذلك الكتاب والسنة، قال الله تعالى: (أفلم 

يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها)، «الحج: الآية 46»، وقال: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها)، «الأعراف: الآية 179»، والعقل وإن كان مقره القلب فله تعلق وارتباط بالدماغ وثيق يتصرف فيه.

وقد مدح الله أصحاب العقول السليمة فقال: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب)، «آل عمران: الآية 190»، قال ابن كثير أي العقول التامة الزكية، التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها، وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون فقد كرم الله الإنسان فجعله يمشي قائماً منتصباً على رجليه ويأكل بيديه، وغيره من الحيوانات يمشي على أربع ويأكل بفمه، وجعل له سمعاً وبصراً وفؤاداً يفقه بذلك كله وينتفع به.

مناط التكليف

وقد ذم الله أصحاب العقول الغافلة عن دينه فقال: (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون)، «الأنفال: الآية 22».والعقل هو مناط التكليف، وإدراك الأشياء وفهمها، وهو الذي تكلم عليه الفقهاء في العبادات والمعاملات وغيرها من مدارك الإنسان وأسباب معرفته وعلمه وقال تعالى: (وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون)، «المؤمنون: الآية 78».

فالعقل بمثابة ملكة تميز الإنسان عن باقي الكائنات الأخرى على مستوى السلوك والتفكير ويختلف من شخص لآخر وعلى هذا الأساس يتم التمييز بين العاقل والفاقد للعقل أو مختله أو ناقصه ولقد نشأت على مدى العصور فلسفات كثيرة تناولت شأن العقل فمنها من قام بإعطائه السلطة المطلقة، ومنها ما عطل العقل في فهم الحياة وجاء الإسلام الذي أعطى العقل أهمية واضحة فهو الأساس في الفهم فلولاه لما فهمت النصوص ولما استنبطت الأحكام. إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*العقل آية على قدرة الخالق ودليل التائهين ومرشد الحائرين (دليل التائهين)

قال ابن الجوزي أعظم النعم على الإنسان العقل، لأنه الآلة في معرفة الإله سبحانه والسبب الذي يتوصل به إلى تصديق الرسل هو دليل التائهين ومرشد الحائرين وغنى الفقراء وسلوة المحزونين ودليل الناصحين.

وقسم الله العقول بين عباده كما قسم الأرزاق فسعيد مغتبط بعقله وشقي 

معذب يهديه عقله إلى كل شر فإذا تم، تم معه كل شيء وإذا ذهب، ذهب معه كل شيء فهو عنوان الرشاد وعمود السعادة به يسعد الإنسان في حياته وبه يدبر أموره وشؤونه، فهو أساس الفضائل وينبوع الآداب، أوجب الله التكليف بكماله، والعقل السليم يقود إلى الحق وإلى صراط مستقيم، يتجه إلى ما يوجه به الدين من العدل والإحسان، وإنكار الفساد والعدوان.

وفي القرآن الكريم آيات تدعو العقل إلى النظر والتفكر فيما خلق الله ليزداد الإيمان ويقوى الثبات على الدين، وذلك برهان واضح على مكانة العقل في الإسلام، إذ العقل جارحة التفكير والعلم ثمرته، وكل ما ورد في القرآن من حث على التفكر، هو إعلان عن فضل العقل وإيحاء بالعمل على تربيته وتقويته، ولذلك بّين الله تعالى أن إهماله في الدنيا سيكون سبباً في عذاب الآخرة، حيث قال سبحانه إخباراً عما يجري على ألسنة الذين ضلوا ولم يستعملوا عقولهم في معرفة الحق: «وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير».

عظمة الخالق

العقل آية عظيمة تدل على عظمة الخالق توصل إلى الإبداعات والاختراعات 

الهائلة من السيارات والطائرات والتقنية العجيبة من الأجهزة الأوتوماتيكية 

والدين لا يكمل إلا به ولا يزين الحياء إلا هو.

و كل شيء إذا كثر رخص إلا العقل، فإنه إذا كثر غلا، ولذا سئل كثير من التابعين عن أفضل ما أعطي العبد فأجابوا العقل تطلب به الآخرة.

وجاء عن بعض التابعين أن الشيطان لم يكابد شيئاً أشد عليه من مؤمن عاقل وأن مئة جاهل أسهل على الشيطان من مؤمن عاقل.

إن العقل نعمة يجب على من أوتيها أن يشكر الله عليها شكراً عملياً بأن يحافظ 

عليه مما يكدر صفوه ويطمس نوره ويفسد صلاحه، إنه أمانة عظيمة يجب 

حفظها والعناية بها وحراستها من الشهوات والشبهات.

فالذي لم ينتفع بعقله في معرفة الحق والعمل به، ومعرفة الباطل واجتنابه، والعلم بالخير والمسارعة إليه والعلم بالشر وبغضه والابتعاد عنه، فهو من الخاسرين، فمن عطل عقله عمّا خلقه الله له شقي في الدنيا وخزي في نار جهنم، ولا ينفعه ما تمتع به في الدنيا، ولا يدرك الإنسان مدى نعمة العقل التي وهبه الله إياها إلا بعد رؤيته لحالات ممن ابتلوا بفقدان هذه النعمة، حيث هناك العديد من التائهين في الشوارع من الذين حرموا هذه النعمة يفترشون التراب، ويكتسون بلون الأرض لما يلتصق بهم من وأوساخ وتظهر أجسادهم عارية.

[ الأنترنت – موقع الإتحاد - العقل آية على قدرة الخالق ودليل التائهين ومرشد الحائرين - أحمد محمد ]  إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*التفكر في آيات الله المشهودة في الآفاق

    لله آيات بثها في الكون منظورة للعيون، لكنها تحتاج الى قلوب تعقلها، والقلب لا يعقل إلا بتذكر وتعبد وأن يصل ما يراه بالمنهج الأصيل.

كما أنزل تعالى آيات تتلى؛ فإنه تعالى بث آيات تُنظر وتُشاهد، تدل عليه وعلى أسمائه وصفاته، وهي تسكب في القلوب يقينا وتعظيما ومعرفة بعظمة الخالق وضآلة المخلوق.

وقد أشار القرآن مرارا الى هذه الحقائق العظمى المبثوثة، وعاب على من مرّ عليها غافلا ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ (يوسف:105)

فالشأن ليس شأن العين فقط؛ إذا الكل يرى.. لكن الشأن شأن القلب الذي

 يتلقى من العين ويوجهها، ويتلقى ليصل الى من فطر وبرأ.

آيات متلوّة تشير الى الآيات المنظورة

يقول الله عز وجل: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ (فصلت:53).

ويقول سبحانه: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ 

النَّارِ﴾ (آل عمران:190-191).

ويقول الله عز وجل: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ﴾ (الذاريات:20).

كم هي الآيات العظيمة التي نشاهدها في الآفاق، وعظيم صنع الله عز وجل فيها، وإتقانه سبحانه في خلقها، ولكن تكرار ذلك أمام الحِسّ والنظر جعلها مألوفة، وتعطل، أو قلَّ التفكير والتأمل في كونها آيات عظيمة توقظ الحس، وتملأ القلب رهبة وتعظيمًا لخالقها سبحانه.

ولكن ما أن ينتقل العبد بفكره من إلف العادة والتكرار إلى التفكير في هذه

 الآيات العظيمة، والمعجزات الباهرة حتى يكون له شأن آخر في تعامله مع هذه الآيات، وما تثمر في القلب من تعظيم ومحبة وإجلال وتعظيم وخشوع لخالقها جل وعلا.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*التفكر في آيات الله المشهودة في الآفاق

يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

“عَرَضَ لي في طريق الحجِّ خوفٌ من العرب، فسِرْنا على طريق خَيْبَرَ، فرأيت من الجبال الهائلة والطُّرق العجيبة ما أذهلني، وزادت عَظَمَةُ الخالق عز وجل في صدري، فصار يعرض لي عند ذكر الطُّرُق نوع تعظيمٍ لا أجده عند ذكر غيرها.

فصحتُ بالنفس: ويحك! اعْبُري إلى البحر، وانظري إليه وإلى عجائبه بعين الفكر، تشاهدي أهوالًا هي أعظم من هذه.

ثم اخرجي إلى الكون والتفتي إليه؛ فإنَّك تريْنَهُ بالإضافة إلى السموات والأفلاك

 كَذَرَّةٍ في فلاةٍ.

ثم جولي في الأفلاكِ، وطوفي حولَ العرشِ، وتلمَّحي ما في الجنان والنيران.

ثم اخرُجي عن الكُلِّ، والتفتي إليه؛ فإنك تشاهدين العالم في قَبْضَةِ القادر الذي لا تقفُ قدرتُهُ عند حدٍّ.

ثم التفتي إليكِ، فتلمَّحي بدايتكِ ونهايتك، وتفكري فيما قبل البداية وليس إلَّا العدمُ، وفيما بعد البِلَى وليس إلَّا الترابُ.

فكيفَ يأنسُ بهذا الوجودِ من نَظَرَ بعين فِكْرِهِ المبدأَ والمنتهى؟! وكيف يغفُلُ 

أربابُ القلوب عن ذكر هذا الإله العظيم؟!

بالله لو صحت النفوس عن سُكْر هواها لذابت من خوفه، أو لغابت في حبّه؛ غير أنَّ الحسَّ غَلَبَ فَعَظُمَتْ قدرةُ الخالق عند رؤية جبل، وإن الفطْنَةَ لو تلمَّحت المعاني لدلت القدرة عليه أوفى من دليل الجبل”. (1)

الاقتران بين التفكر والتذكر

ويقول سيد قطب رحمه الله تعالى:“وأولو الألباب؛ أولو الإدراك الصحيح، يفتحون بصائرهم لاستقبال آيات الله الكونية، ولا يقيمون الحواجز، ولا يغلقون المنافذ بينهم وبين هذه الآيات، ويتوجهون إلى الله بقلوبهم قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، فتتفتح بصائرهم، وتشفُّ مداركهم، وتتصل بحقيقة الكون التي أودعها الله إياه، وتدرك غاية وجوده، وعلّة نشأته، وقوام فطرته بالإلهام الذي يصل بين القلب البشري ونواميس هذا الوجود…وإنه يقرن ابتداء بين توجه القلب إلى ذكر الله وعبادته: ﴿قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ﴾ وبين التفكر في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار، فيسلك هذا التفكر مسلك العبادة، ويجعله جانبًا من مشهد الذكر، فيوحي بهذا الجمع بين الحركتين بحقيقتين هامتين”. (2) إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*التفكر عبادة

ويقول رحمه الله:“الحقيقة الأولى أن التفكر في خلق الله، والتدبر في كتاب الكون المفتوح، وتتبّع يد الله المبدعة، وهي تحرك هذا الكون، وتقلب صفحات 

هذا الكتاب هو عبادة لله من صميم العبادة، وذكر لله من صميم الذكر.

لو اتصلت العلوم الكونية التي تبحث في تصميم الكون، وفي نواميسه وسننه،

 وفي قواه ومدخراته، وفي أسراره وطاقاته؛ لو اتصلت هذه العلوم بتذكُّر خالق هذا الكون وذكره، والشعور بجلاله وفضله؛ لتحوّلت من فورها إلى عبادة لخالق هذا الكون وصلاة، ولاستقامت الحياة ـ بهذه العلوم ـ واتجهت إلى الله، ولكن الاتجاه المادي الكافر، يقطع ما بين الكون وخالقه، ويقطع ما بين العلوم والحقيقة الأزلية الأبدية؛ ومن هنا يتحول العلم ـ أجمل هبة من الله للإنسان ـ لعنة تطارد الإنسان، وتحيل حياته إلى جحيم منكرة، وإلى خواء روحي يطارد الإنسان كالمارد الجبار!”. (3)

من تتجلّى لهم حقائق الكون

يقول رحمه الله:“والحقيقة الثانية أن آيات الله في الكون لا تتجلى على حقيقتها الموحية إلا للقلوب الذاكرة العابدة، وأن هؤلاء الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ـ وهم يتفكرون في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار ـ هم الذين تتفتح لبصائرهم الحقائقُ الكبرى المنطوية في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار، وهم الذين يتصلون من ورائها بالمنهج الإلهي الموصل إلى النجاة والخير والصلاح.

فأما الذين يكتفون بظاهرٍ من الحياة الدنيا، ويصلون إلى أسرار بعض القوى الكونية ـ بدون هذا الاتصال ـ فهم يدمّرون الحياة ويدمرون أنفسهم بما يصلون إليه من هذه الأسرار، ويحوّلون حياتهم إلى جحيم نكد، وإلى قلق خانق، ثم ينتهون إلى غضب الله وعذابه في نهاية المطاف!..

إنها لحظة العبادة، وهي بهذا الوصف لحظة اتصال، ولحظة استقبال، فلا عجب أن يكون الاستعداد فيها لإدراك الآيات الكونية أكبر، وأن يكون مجرد التفكر في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار، ملهمًا للحقيقة الكامنة منها، ولإدراك أنها لم تخلق عبثًا ولا باطلًا، ومن ثمَّ تكون الحصيلة المباشرة للخطة الواصلة”. (4) ويقـول ابن كثـير رحـمه الله تعـالى عنـد قوله تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ﴾“أي: فيـها مـن الآيـات الـدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة، مما قد ذرأ فيها من صنوف النبات والحيوانات والمِهاد والجبال والقفار والأنهار والبحار، واختلاف ألسنة الناس، وما جُبلوا عليه من الإرادات والقوى، وما بينهم من التفاوت في العقول والفُهوم والحركات والسعادة والشقاوة، وما في تركيبهم من الحِكم في وضع كل عضو من أعضائهم في المحل الذي هو محتاج إليه فيه”. (5)

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :من ينتفع بهذه الرحلة والعجائب

“غير أنه لا يدرك هذه العجائب، ولا يستمتع بالرحلة هذا المتاع، إلا القلب العامر باليقين، ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ﴾.

فلمسة اليقين هي التي تحيي القلب فيرى ويدرك، وتحيي مشاهد الأرض فتنطق للقلب بأسرارها المكنونة، وتحدثه عما وراءها من تدبير وإبداع.

وبدون هذه اللمسة تظل تلك المشاهد ميتة جامدة جوفاء؛ لا تنطلق للقلب 

بشيء، ولا تتجاوب معه بشيء، وكثيرون يمرون بالمعرض الإلهي المفتوح مغمضي العيون والقلوب؛ لا يُحِسُّون فيه حياة، ولا يفقهون له لغة؛ لأن لمسة اليقين لم تُحْي قلوبهم، ولم تبث الحياة فيما حولهم! وقد يكون منهم علماء ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ (الروم: 7).

أما حقيقتها فتظل محجوبة عن قلوبهم؛ فالقلوب لا تفتح لحقيقة الوجود إلا بمفتاح الإيمان، ولا تراها إلا بنور اليقين، وصدق الله العظيم”. (6)

خاتمة :يمتليء العالم اليوم بالعلوم ومعطيات الحضارة المادية، لكنه منقطع عن الله

 تعالى،ومحارب له.

لم يسعد الانسان ولن يسعد بهذا القصور؛ إذ الشعور الذي وفّرته له هذه المعطيات العلمية والحضارية هو الشعور الحيواني والتلذذ الهابط، والحرمان من العلاقة بالله تعالى عُجبا بالنفس وعمىً عن ربه واستغناء عن خالقه ﴿أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى﴾ (العلق: 7).

في الاسلام هناك امتداد للنظرة البادية للكون، وهناك أصالة تبدأ من مشاهدة الآيات لتصل العبد بمنهج خالقه، ولقاء خالقه.. ثم ينعكس هذا على الانسان قيما وأخلاقا، تقوى وأحكاما، وميلاد إنسان جديد بمشاعر تقيّ. و”التقيّ” هو أفضل أنموذج يخرج للحياة.

الهوامش:«صيد الخاطر» (ص275-276). ، «في ظلال القرآن» (1/544-546). ، «تفسير ابن كثير» عند الآية (20) من سورة الذاريات.

«في ظلال القرآن» (6/3378) باختصار يسير. [ الأنترنت – موقع ناصحون - التفكر في آيات الله المشهودة في الآفاق ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*أهمية التفكر في خلق الله تعالى

نعلم أن أول ما يجب على الإنسان معرفة ربه، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام. وأهمها وأغلاها معرفة ربه. وقد تعرف الله تعالى إلى خلقه بآياته وبمخلوقاته، ونصبها دلالة على قدرته وعلى كمال تصرفه، ولفت الأنظار إليها؛ حتى يعرفوا بالنظر وبالتأمل وبالتفكر أن هذه الآيات وهذه المخلوقات دالة على عظمة وقدرة من أوجدها. وكلها من خلق ربنا سبحانه وتعالى بإيجاده وتكوينه، وفيها آيات وعبرة تدل على عظمة مَنْ أوجدها.

فإذا تفكر المسلم بعقله وبفكره في أصغر مخلوقات الله تعالى رأى فيها عجائب، وآيات بينات باهرة، دالة على عظمة من أوجدها سبحانه وتعالى. فلو تفكر في خلق البعوضة التي هي من أصغر خلق الله تعالى، التي نشاهد، لوجد فيها الآيات والعجائب فإن هذه البعوضة مع صغرها تبصر، وعينها ما لا يكون مقدار العين، بصرها أقوى من بصر الإنسان، فإنها تبصر مسامَّ الإنسان، في جسد الإنسان وفي جلده منافذ رقيقة، وهي التي يخرج منها العرق، هذه المنافذ لا تبصرها أنت؛ حتى ولا باستعمال مكبر أو مجهر، فإنك لا تبصرها؛ ولكن هذه البعوضة تبصرها؛ ولأجل ذلك تقع عليها.

هذا دليل على أن الله تعالى أعطاها قوة بصر، كذلك أيضا أعطاها الله تعالى الآلة التي تخرق بها الجسد، شبيهة بخرطوم الفيل، آلة دقيقة محددة، تمدها لتخرق الجلد حتى تصل إلى الدم؛ لتمتص من الدم، هذه الآلة، هذا الخرطوم الدقيق المحدد فيه أيضا جوف مجوف، يدخل منه الدم الذي تمتصه إلى أن يصل إلى جوفها. لا شك أن هذا دليل على قدرة القادر سبحانه؛ حيث أعطاها خلقها كاملا، فلها جوف، ولها أمعاء، ولها أعضاء، ولها أمعاء يجري منها ذلك الطعام الذي تأكله والذي تتغذى به.

وكذلك أيضا من أصغر مخلوقات الله تعالى: هذه الذَّرَّة التي يضرب الله تعالى بها

 المثل في حقارتها وفي صغرها، دائما يمثل الله بها على الحقارة، كقوله تعالى:  فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ  فالذرة: هذه الحيوان الصغير، الذي هو من أصغر مخلوقات الله تعالى، ركب الله له قوائم يمشي عليها، ولقوائمه مفاصل، ولها أيضا أصابع تتمسك بها، ولأجل ذلك تصعد في الحيطان، ولو كانت الحيطان ملساء -يعني صقيلة- تتمسك بها. وكذلك أيضا تتغذى، تأكل مما يسر الله تعالى لها وتتوالد، يعني: يكون لها أولاد، بيض تبيضه ثم بعد ذلك يفقس فيكون مثل الأربع الفصول، مع لها أيضا فهم، ولها إدراك، ولها معرفة. لاشك أن هذا دليل على قدرة الله سبحانه وتعالى.

ذكر ابن القيم رحمه الله في بعض كتبه: أن رجلًا حكى أن ذرة من الذرات وجدت قطعة لحم صغيرة، فعجزت عن نقلها، ثم إنها ذهبت، وجاءت ومعها عدة من الذر -ثلاث أو أربع- لو اجتمعن على تلك القطعة لسحبنها وحملنها. لما رآهم قد أقبلن رفع تلك القطعة، فجئن ونظرن ولم يجدنها في الموضع الذي كانت تعهده فيه، ثم رَجَعْنَ وبَقِيَتِ الأولى، ولما بقيت جاء بتلك القطعة ووضعها، فلما وضعها ورأتها وشمتها حاولت أن تجرها فلم تقدر، فعند ذلك ذهبت وجاءت بذلك الذر الذي أخبرته من قبل، فلما أقبلن رفع تلك القطعة وأبعدها، فالتمسن ولم يجدنها، فرجعن وبقيت الأولى، ثم إنها لما بقيت وضع تلك القطعة لها، ولما وضعها وشمتها، ذهبت أيضا تريد أن يأتي معها من ينقلها، فلما رآهم وقد أقبلن رفعها، فلما جئن ولم يجدنها عمدن إلى تلك الذرة، فعضت كل واحدة منهن قائمة من قوائمها، وقطعنها‍‍‍‍ أي أنها كلفتهن وأتعبتهن وكذبت عليهن!! فهذا دليل على أن الله ركب فيهن عقولا وأفهاما يناسب ما خلقن له، مع أن الله تعالى ما كلف هذه الدواب، وإنما خلقت آية وعبرة للمعتبرين. يعني: أن الله تعالى جعل هذه الدواب، وهذه الحشرات، وهذه المخلوقات الصغيرة آيةً وعبرةً للمعتبرين، أي: لمن يتفكر ممن أعطاهم الله تعالى العقل.                                             إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*أهمية التفكر في خلق الله تعالى

إن الله تعالى فضل الإنسان بالعقل، حيث يتفكر ويتأمل ويتعقل ويعرف أن الذي أوجد هذه الموجودات قادر على كل شيء، وأنه سبحانه ما خلق هذه المخلوقات عبثا، ولم يتركها هملا، وأنها ما خلقت أنفسها، بل لا بد لها من خالق خلقها، سواء كانت من الحيوانات المتحركة، أو من النباتات النامية، أو من الجمادات، أن كلا منها دليل على قدرة من خلقها وأوجدها.

إذا تأمل فيها العاقل بعقله وبثاقب بصره، فإن الله تعالى يرزق في البصيرة ويعرف بذلك عظمة من أوجد هذه الموجودات. إذا كان ذا بصيرة في أمر الله تعالى وفي خلقه وقضائه وقدره.

وقد أخبر الله تعالى بأنه الذي خلق المخلوقات العلوية، فخلق السماوات، وأخبر بأنها سبع  سَبْعًا شِدَادًا   سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا  بعضها فوق بعض، في قوله تعالى:  وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا  أي سبع مخلوقات بناهن الله تعالى، لا يعرف قدرهن إلا هو وحده، وصفهن بأنهن شداد، أي: أَحْكَمَ خَلْقَهُنَّ. كذلك أيضا وصفهن بقوله تعالى:  أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا  أي طبقا فوق طبق؛ أي جعلها طباقا، بعضها فوق بعض. لاشك أيضا أن ذلك دليل على عظمة وقدرة من أوجدها.

وكذلك أيضا أخبر بأنه خلق لنا هذه الأرض، وأنه بسطها، وأمرنا بأن نتأمل ونتفكر فيها، لنأخذ من ذلك عبرة على عظمة من أوجدها وخلقها، إذا مشيت في الأرض كما أمرك الله في قوله تعالى:  قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا  الذي يسير فيها يجد فيها عجائب تدل على عظمة الله سبحانه وتعالى. فإنك تسير مثلا في وقت من الأوقات في أرض صحراء ترابية مستوية، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، ثم تنتقل بعد ذلك إلى أرض رملية أي: فيها كثب مرتفعة ومنخفضة، وتسير أحيانا بعدها وتجد أرضا غير مستوية، بل فيها مرتفعات كشبه جبال وإن لم تكن جبالا، وتسير أيضا في أرض أخرى، فتجد الأرض الجبلية التي فيها جبال متوسطة، أو الجبال الشاهقة المرتفعة. هذه لونها كذا وكذا، كما في قول الله تعالى:  وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ  أي: أنه جعلها آية، منها ما هو بيض، ومنها ما هو حمر، ومنها ما هو سود غرابيب، يعني: شديد سوادها. فجعلها الله تعالى عبرة وجعل فيها عظات آيات ومنافع، وأحيانا تكون تلك الجبال مع ارتفاعها مستقرا لكثير من الناس، فيسكنون في قمم الجبال، وقد يجدون فيها مستقرا فينبت فيها نبات يأكلون منه، ويرعون بهائمهم، فينبت فيها شيء من النباتات التي هي غذاء للإنسان، أو غذاء للحيوانات.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*أهمية التفكر في خلق الله تعالى

وقد يكون أيضا فيها مستقر للمياه مع ارتفاعها، يكون في أجواف تلك الجبال مستودعات للماء إذا نزل الماء حفظته، ثم يستخرجونه. كما توجد أيضا تلك المستودعات في الأرض في كثير من بقاع الأرض، أي جعل الله تعالى هذه الأرض فهي مجوفة، إذا جاء المطر امتلأت تلك المستودعات التي فيها، والتي في جوفها فامتلأت من هذا الماء، وربما إذا امتلأت ينبع فوق الأرض، ويجري عيونا، كما في قول الله تعالى:  وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ  أي: فَجَّرَ الله تعالى لهم الأرض عيونا، وأنبع منها هذا الماء، أو جعله مستودَعا فيها، يستخرجونه بآلاتهم وأجهزتهم، يحتاج إليه للشرب أو لسقي الدواب، أو لسقي الأشجار، وما أشبه ذلك.

وهكذا أيضا إذا أنزل الماء، فإن هذه الأرض المستوية تنبت بأمر الله تعالى 

أنواعا من النباتات مع اختلافها، فمنها ما يكون طعاما وعلفا للإنسان، ومنها ما يكون علفا للطيور، ومنها ما يكون علفا للدواب وللوحوش وللحشرات وما أشبه ذلك. كلها جعل الله تعالى في هذه الأرض ما تستقر له، وما تعيش به. لا شك أن ذلك دليل على عظمة وقدرة الله تعالى على كل شيء.

كذلك أيضا: إذا نظرنا إلى هذه البحار التي تمتد على وجه الأرض، أي شيء يمدها! لماذا ما نضبت مع تتابع القرون عليها! ألوف السنين ما نضبت ولا قل ماؤها، ولا غارت بل مع تتابع القرون، وهي ثابتة مستقرة، ممتدة الأطراف لا يرى طرفها.

ثم إن الله تعالى علم الإنسان الأدوات والآلات التي يسير بها في البحر، فعلم الله نبيه نوحا صناعة آلة السفينة، التي هي من الأخشاب، والعادة أن الخشب لا يرسخ ولا يغوص في الماء، بل يطفو فوق الماء، لا يغوص فيه، فألهم الله تعالى نبيه نوحا فصنع سفينة كبيرة حمل فيها من آمن معه، وحمل فيها الدواب، وقال الله تعالى له:  احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ  من كل الدواب، ومن كل الحشرات، ومن كل البهائم، حشرها الله تعالى له، فحمل من الأغنام مثلا، من البقر، من الإبل، من الحمر، من الخيل، من السباع، من الفيلة، وما أشبه ذلك.  مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ  ؛ لأن الله حكم بأن ذلك الغرق يُغْرِقُ مَنْ على وجه الأرض، حتى البهائم التي ليس لها ذنب، ولكن قضى الله تعالى بإهلاكها، كما يهلكها إذا شاء.

فهذه السفن التي أول من صنعها نبي الله نوح آية من آيات الله، قال تعالى:  وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ  فيدخل في ذلك المراكب ..، تدخل في قوله:  وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ  فهي خلق الله تعالى وإيجاده. المراكب البحرية، والمراكب الجوية، والمراكب البرية كل ذلك من آيات الله سبحانه وتعالى.                                         إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العاشرة بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*أهمية التفكر في خلق الله تعالى

جعل الله في هذه الأرض هذه المواد، التي تخلق منها هذه الأدوات. ومن حكمته أنه جعل الأرض رخاء قابلة للنبات، تنبت ما يحتاج إليه البشر. لو كانت الأرض صخرية أو لو كانت حتى من ذهب أو من فضة لا تنبت نباتا، لهلك مَنْ عليها: من أين يأكلون؟! الله جعلها قابلة للإنبات، وهذه من آيات الله تعالى؛ لأنك تدفن الحبة فيها، ثم تسقيها، فتنبت ويكون فيها هذا السنبل المتراكب حبا، مما يكون غذاء، ويكون فيها أيضا نباتات مختلفة، منها ما هو غذاء للإنسان، ومنها غذاء للبهائم إلى غير ذلك. لا شك أن هذا دليل على قدرة القادر أن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء، وإذا عرفنا أن الله سبحانه وتعالى نصب الأدلة التي تدل عباده على كمال قدرته وعلى أن لهم ربا قادرا على كل شيء، فإن أهل العقول وأهل المعرفة يذعنون لربهم، ويعترفون بأنه سبحانه على كل شيء قدير، وأنه هو المستحق للعبادة، وأن خَلْقَهُ الذين هم عبيد مملوكون له واجب عليهم أن يذعنوا بطاعته، وأن يسمعوا ويطيعوا، وأن يتقربوا إليه بالقربات، وأن يتبعوا شرعه، وأن يمتثلوا أمره، ويتركوا زجره، فإن ذلك حقه عليهم، بعد أن عرفوا أنفسهم، وعرفوا ربهم بآياته وبمخلوقاته وبمعجزاته، وعرفوا شرعه الذي أنزله على رسله، وضمَّنَه كتبه، فمن رزقهم الله تعالى فكرا وعقلا ثاقبا فإنهم يعترفون لربهم بفضله وإنعامه عليهم، ويحرصون على أن يدينوا لله تعالى بالعبودية.

يعترفون بأنهم عبيد مملوكون لله سبحانه، ثم يحرصون على أن يتقربوا إلى ربهم بكل ما يحب فعله منهم، بالعبادات التي كلفهم بها، فيفعلونها، وبترك المحرمات التي نهاهم عنها فيتركونها، وما أشبه ذلك. لا شك أن هذا كله هو واجب العباد، ولكن إنما يتذكر أولو الألباب، إنما ينتبه لذلك، ويعترف به أهل المعرفة، وأهل الفهم والإدراك، وأهل العقول الزاكية.

فأما مَنْ سُلِبُوا الفهم والإدراك، فإنهم لا يعتبرون، ولو رأوا كل آية! كما في قول الله تعالى  وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا  يعني: الذين حكم الله تعالى عليهم بأنهم محرومون، وقال الله تعالى:  وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ  فهم يرون آيات الله، ويشاهدون مخلوقاته، ويرون فيها عجائب صنعه، ومع ذلك لا يعتبرون ولا يلتفتون إلى دلالاتها، فيكون ذلك سببا في حرمانهم من طاعة الله تعالى، وحرمانهم من ثوابه في دار كرامته، فيكونون أشبه بالبهائم التي لا عقول لها، فقد ضرب الله تعالى المثل لهم بهذه الحيوانات ونحوها، كما في قوله تعالى:  مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ  هكذا مَثَّلَ:  الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا  وهكذا أيضا الذين أنعم الله عليهم وأورثهم هذا الكتاب في قوله تعالى:  ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا  فالذين أورثهم هذا القرآن ولكنهم لم يعملوا به، يصدق عليهم هذا المثل، أنهم كمثل الحمار يحمل أسفارا !! لو أن حمارا من الحمر الأهلية التي تُرْكَبُ حُمِلَ عليه مثلا مائةُ كتاب، هل يستفيد؟ لا يستفيد ولا يدري ما حمل عليه ! وكذلك أيضا ضرب لهم مثلا أيضا بالحمُر، في قوله تعالى:  فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِين كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ  أي: أنهم يُوعظون ولا يتعظون، يعني: يهربون من المواعظ، ويهربون من أماكن الذكر، إذا سمعوا الذكر أعرضوا عنه، وإذا سمعوا موعظة هربوا منها. ضرب الله مثلا لهم بالْحَمير إذا رأت الأسد، فإنها تهرب منه، سواء كانت حمرا وحشية يعني .. التي هي الوعول ونحوها أو حمرا أهلية، الأهلية التي هي الإنسية، كلها إذا رأت قسورة -الذي هو الأسد- هربت، فهذا مثل سوء لمن حرموا من معرفة ربهم، وحرموا من ذكره والاتعاظ والتذكر وحضور مجالس الذكر.

فالإنسان عليه أن يربأ بنفسه عن أن يكون شبيها بهذه البهائم التي لا حساب عليها، فلا يهرب من أماكن الذكر ونحوه بل يتأمل ويتفكر ويتعقل .. فيه.  وكذلك أيضا ضرب الله تعالى لهم مثلا في قوله تعالى  وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ  هكذا ذكر الله تعالى هذا المثل. النعيق: نعيق الراعي، ينعق بالغنم، هل الغنم تفهم؟ لا تفهم. ولكنها تسمع صوتا وتتبع ذلك الناعق. الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء، سماعه من غير عقل.

لا شك أن الغنم والإبل ونحوها إذا نعق لها الراعي فإنها تتبعه، ولكن هل تفهم ما يقول؟ إنما مجرد الصوت تتبعه، ولا تفهم إذا قال لها: قفي، ولا إذا قال لها: اذهبي يمينا أو شمالا! لا تفهم ذلك؛ لأنها بهائم.

فهذا مثل الذين كفروا  كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً  فإذا عرفنا

 أن الله تعالى نصب هذه الآيات والدلالات، فإنما ينتفع بها أهل العقول وأهل الفهم وأهل الذكاء الذين استعملوا عقولهم فيما ينفعهم. دون من صَدَّ بقلبه عن ذلك أو جعل علمه وعقله وتفكيره في أمور دنية.

[ الأنترنت – موقع عبد الله الجبرين - أهمية التفكر في خلق الله تعالى ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الحادية عشرة بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الأمر الذي خلق الله الخلق لأجله

إن أول ما يجب على العباد هو معرفة الأمر الذي خلقهم الله له؛ فلم يُخلَق العباد عبثًا؛ وإنما لغاية وهدف.

عندما تجلس وحدك فيمَ تفكر؟ ما اهتماماتك؟

البعض يفكر في دراسته، وهناك من يفكر في الزواج، ومن تفكر في زوجها 

وبيتها وأولادها، أو من يفكر في شراء منزل أو سيارة؛ لكنَّ كثيرًا منَّا يعيش ويموت ولم يفكر في السبب الذي خلقنا الله تعالى لأجله؛ هل فكرت لماذا أنت مخلوق أو ما وظيفتك في الحياة؟

لم يخلق الله شيئًا عبثًا؛ بل حتى الجمادات لها وظيفة؛ فالقلم نكتب به، والملعقة نأكل بها، وهكذا. وإذا انتقلنا إلى النبات وجدنا أن هناك نباتات للأكل، ونباتات أخرى للزينة، وحتى لو لم تكن للزينة أو للأكل فهي ضرورية لتنقية الجوِّ من ثاني أكسيد الكربون، والحيوانات نأكل لحمها، أو نستخدمها في الانتقال، وفي حرث الأرض، وفي الصيد، وغيرها؛ فهل يُعقل أن الجماد والنبات

 والحيوان لهما وظيفة، والإنسان العاقل المكرم لا وظيفةَ له؟!

هل خُلق الإنسان للأكل والشرب والنوم والزواج وتربية الأولاد والعمل، ثم يموت وفقط؟! هل يكون كالأنعام؟!

إن الإنسان الذي كرَّمه الله بالعقل وسخَّر له كل الكائنات لتكون في خدمته لا بد له من غاية ووظيفة أسمى؛ يقول الله تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]

الأمر الذي خلق الله الخلق لأجله: قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ

 وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الدخان: 38، 39]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾ [ص: 27]، وقال تعالى: ﴿ وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 22]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].      فهذا هو ما خلقنا الله تبارك وتعالى لأجله؛ ألا وهو عبادته سبحانه وتعالى، فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق هذا الكون هباءً، ولم يخلق الطيور والحيوانات والنباتات إلا لخدمة الإنسان، فكلٌّ مسخَّرٌ له في هذه الحياة للهدف الأسمى والأعلى، ألا وهو عبادة الله تبارك وتعالى وعدم الشرك به، فإن الله لا يغفره؛ يقول تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية عشرة بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الأمر الذي خلق الله الخلق لأجله

نستحي من الله عندما نَعلَم أننا ما خُلقنا إلا للعبادة، ثم نقيس يومنا على هذه الوظيفة لنرى ما هو قدر تحقيقنا للعبادة، فلا ينجح في أداء وظيفته إلا القليل.

من منا عندما يستيقظ من نومه يتذكَّر قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]؟

هل خُلِقنا للنوم والأكل والتمتُّع والتناكُح فقط؟ بالطبع لا، ولكننا نستطيع أن نجعل من كل ذلك عبادة، وسنتكلم عن ذلك بإذن الله.

إننا لم نخلق إلا للعبادة، ومع ذلك فإن كثيرًا من المسلمين قلَّ ما تأتي العبادة في

 حياتهم، وإن كانت موجودة تكون مهمشة.

أختٌ تقول: أنا أصلي، وإذا سألناها متى؟ أجابت: عندما أنهي مهماتي، لا يا أختي، فالصلاة (رقم واحد) في حياتك، ثم كل الأشياء تأتي بعدها.

يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾ [محمد: 12]، هل تريد أن تكون حياتك كحياة الأنعام؟ بالتأكيد لا؛ فأنت مسلمٌ تتميَّز بعبادتك.

يقول أحدهم أنا مسلم؛ ولكنه لا يصلي ولا يصوم، وقد يسرق، وقد يرتشي، 

وقد يغش وقد... وقد... فما دليلك على أنك مسلم؟ وما الفرق بينك وبين غير المسلم؟ إذا رأيتك كيف أعرف إذا كنت مسلمًا أم لا؟

لا يُعرف المسلم إلا بطاعة الله عز وجل، وأقرب مثال على ذلك الحجاب الشرعي، فهو الذي يُميِّز المسلمة عن غيرها.                                     إذًا يعرف المسلم بعبادته، والعبادة هي الطاعة المطلقة لله عز وجل، فإبراهيم عليه السلام عندما أُمِر أن يذبح ابنه إسماعيل عليه السلام امتثل: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 124]؛ فالإمامة أتَتْ من الامتثال لأمر الله عز وجل.

يقول سفيان الثوري كما نقل عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: "إن استطعت ألَّا تحكَّ رأسَك إلا بأثر فافعل"، ومعنى هذا إن استطعت ألَّا تعمل عملًا إلا ومعك برهان عليه من الكتاب أو السنة أو الإجماع، فاعمل ذلك.

إن أيقنت أنك ما خلقت إلا للعبادة، فكل شيء سيهون عليك، فلن تتهاون أو تجادل في أي أمر من أمور العبادة بعد الآن.

نقول مثلًا: لماذا يا أختي لا ترتدين الحجاب الشرعي؟ تقول عندما أتزوَّج، أو بعد إنهاء دراستي، من يضمن لكِ أن تحيي إلى أن تنهي الدراسة؟ من يضمن لكِ أن تحيي إلى أن تتزوَّجي؟ وإنما إذا سمعتِ الأمر بالحجاب، فقولي فورًا سمعتُ وأطعتُ يا ربي، هل تريدين أن تلقي ربَّك وأنتِ على هذه الحال؟

يقينًا ستقولين: لا، إذًا ماذا تنتظرين؟ ألغي كلمة "سوف" من حياتك، سوف أتحجَّب بعد عام، في رمضان القادم، من أول الأسبوع، هل تضمنين الحياة ولو لحظة؟! قد يدخل النَّفَس ولا يخرج مرة أخرى!

لماذا لا تصلي؟ قد تكون الإجابة الجو بارد أو مشغول أو...أو... المبرِّرات لا تنتهي، ولو استشعر فعلًا معنى العبودية، فلن يقول ذلك أبدًا؛ لذلك ضَعْ أمامَكَ "علمتَ فالزم"؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56] علمت فلزمت العبادة يا رب، قل: سمِعنا وأطعنا الآن قبل أن يأتي اليوم الذي من كثرة ما قلت: سمِعت وعصيت - حتى لو بلسان حالك لا بلسان قولك - تسمع الحق ولا تدرك أنه حق؛ قال تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]؛ يعني: من كثرة المعصية والذنوب هذا الران يغطي القلب، فيأتي عليك يوم وترى الحق باطلًا، والباطل حقًّا - نسأل الله العافية - فهيا نُبادر للتوبة وعبادة المولى عز وجل.

[ الأنترنت – موقع الألوكة  - الأمر الذي خلق الله الخلق لأجله - هبة حلمي الجابري ] إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*التفكر في عجائب خلق الله جل جلاله

الحمد لله الذي بهرت العقول حكمتُه، ودلَّت مخلوقاتُه على عظمته وقُدْرته، وعِلْمه وحِكْمته، ورحمته، وأنه أحسن كلَّ شيءٍ خلقه، وأتقن كلَّ شيءٍ صنعه، وأنه العليم الحكيم، الذي خلق فسوَّى، وقدَّر فهدَى، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد الذي كان إذا قام من الليل للتهجُّد نظر إلى السماء، وقرأ الآيات العشر من آخر سورة آل عمران: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191]، أما بعد:

فهذه كلمات يسيرة عن عبادة جليلة، يغفل عنها الكثيرون؛ ألا وهي: التفكُّر في عجائب خلق الله عز وجل، أسأل الله الكريم أن ينفع بها، ويبارك فيها.

حث العباد على التفكُّر:

قال العلامة السعدي رحمه الله: يخبر تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190]، وفي ضمن ذلك حثَّ العباد على التفكُّر فيها، والتبصُّر بآياتها، وتدبُّر خلقها.

أهمية التفكُّر في حياة المسلم:                                                                                      

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قال الحسن، عن عامر بن عبد قيس، قال: 

سمِعتُ غير واحد، ولا اثنين، ولا ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون: إن 

ضياء الإيمان أو نور الإيمان: التفكُّر.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ركعتان مقتصدتان في تفكُّر، خيرٌ من قيام ليلة والقلب ساه.

وقال وهب بن منبِّه رحمه الله: ما طالت فكرة امرئ قطُّ إلَّا فهم، ولا فهم امرؤ قطُّ إلا علم، ولا علم امرؤ قط إلا عمل.

وقال الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله:

إذا المرء كانت له فكرة *** ففي كل شيء له عبرة

وقال أبو سليمان الدارني رحمه الله: إني لأخرج من منزلي، فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله عليَّ فيه نعمة، ولي فيه عبرة، وقال بعض الحكماء: من نظر إلى الدنيا بغير العبرة، انطمس من بصر قلبه بقدر تلك الغفلة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة عشرة بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

التفكُّر عبادة يُثاب عليها العبد:

وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: الفكرة في نعم الله أفضل العبادة.

وقال العلامة السعدي رحمه الله: التفكُّر عبادة، من صفات أولياء الله العارفين.

معنى التفكُّر: قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: التفكُّر إعمال الفكر، وذلك بأن يفكر في خلق السماوات والأرض، لأي شيء خلقت؟ وكيف خلقت؟ وكيف رفعت السماء؟ وكيف سطحت الأرض؟ وما أشبه ذلك، فهم يعملون أفكارهم.                                                             التفكُّر من أفضل ما أنفقت فيه الأوقات: قال العلامة ابن القيم رحمه الله عنها: فأحسن ما أُنفقت فيه الأنفاسُ التفكُّر في آيات الله وعجائب صُنْعه.

أنواع التفكُّر: التفكُّر نوعان:

النوع الأول: تفكُّر غير نافع لأصحابه، وهو تفكُّر بعض الكفَّار في مخلوقات الله الكونية، فهم وإن تفكَّروا في عظيم مخلوقات الله جل جلاله، فتفكُّرهم تفكُّرٌ ماديٌّ، الغاية منه ما يفيد في الدنيا، فلا يقودهم تفكُّرهم إلى ما ينفعهم في الآخرة، فكل ملحد أو شاكٍّ، فلن ينفعه تفكُّره إن وجد منه، يقول الله عز وجل: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾ [الذاريات: 20]، قال العلامة العثيمين رحمه الله: ﴿ لِلْمُوقِنِينَ ﴾؛ أي: لمن أيقن بوجود الله عز وجل، وعظمته وجلاله، أما من شكَّ - والعياذ بالله - فإنه لن ينتفع بهذه الآيات.

النوع الثاني: التفكُّر النافع، وهو التفكُّر الذي يؤدي بصاحبه إلى اليقين بأمور منها: معرفة عظمة الله عز وجل:

قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: سرنا على طريق خيبر، فرأيت من الجبال الهائلة، والطرق العجيبة ما أذهلني، وزادت عظمة الخالق عز وجل في صدري، فصار يعرض لي عند ذكر تلك الطرق نوع تعظيم، لا أجده عند ذكر غيرها، فصحت بالنفس: ويحكِ، اعبري إلى البحر، وانظري إليه وإلى عجائبه بعين الفكر، تُشاهدي أهوالًا هي أعظم من هذه؛ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: في خلق السماوات والأرض آيات، والذي يطَّلع على ما صوَّره العلماء من هذه الآيات العظيمة يتبيَّن له عظمة الله عز وجل في هذا الخلق.

وهذه المعرفة بعظمة الله عز وجل تجعله يُجاهد نفسه في عدم عصيانه؛ قال بشر

 بن الحارث الحافي رحمه الله: لو تفكَّر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه.

ومنها: أن هناك دارًا ثانية غير هذه الدار، فيها حساب وجزاء، وفيها نعيم وعقاب؛ ولهذا يقول أصحاب هذا التفكر: ﴿ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [آل عمران: 193، 194].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة عشرة بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

ومنها: أن الله عز وجل لم يخلق هذا الكون باطلًا:

ولهذا يقول أصحاب هذا التفكر: ﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ ﴾ [آل عمران: 191]، فينزهون الله سبحانه وتعالى عن كل ما لا يليق بجلاله، وأنه خلق هذه المخلوقات باطلًا، فهذا ظنُّ الكفَّار؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا 

مِنَ النَّارِ ﴾ [ص: 27].

وهذا التفكُّر يقوم به أصحاب العقول الذين يذكرون الله عز وجل على كل حال:

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191]، فهم ينظرون إلى صنع الله بعقولهم لا بأبصارهم؛ قال العلامة محمد العثيمين رحمه الله: من لا عقل له، فإنه لا ينتفع بهذه الآيات، ولا يعتبر بها، وتمرُّ عليه وكأنها مظاهر طبيعية لا علاقة بفعل الله تعالى بها، وهذا - والعياذ بالله - من الطمس على القلوب وعمى الأبصار، وكلما كان الإنسان أعقل كان بالله وآياته أعلم؛ لقوله تعالى: ﴿ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190]، والحكم المعلَّق على وصف يثبت لثبوته، ويعدم بعدمه، فإذا كان أصحاب العقول هم الذين ينتفعون بهذه المخلوقات ويستدلُّون بها على الخالق عز وجل، وعلى ما له من صفات الكمال، فإن من عقله عقل بهيمي لا ينتفع بهذه الآيات؛ لأنه ليس من ذوي الألباب.

من عجائب خلق الله جل جلاله:

الشمس: قال العلامة ابن القيم رحمه الله: كلُّ موضع لا تقع عليه الشمس لا يعيشُ فيه حيوان ولا نبات؛ لفرط برده ويُبسه، وكل موضع لا تفارقه كذلك؛ لفرط حرِّه ويُبسه، والمواضع التي يعيش فيها الحيوان والنبات هي التي تطلعُ عليها الشمس وتغيب.

الشمس تبعد عن الأرض مسافات طويلة، ولو كانت أقرب إلى الأرض مما هي عليه الآن، لأحرقت كل شيءٍ عليها لشدة حرارتها، فيتفكَّر المسلم أن هذه الشمس ستُدنى يوم القيامة حتى تكون على بعد ميل من رؤوس الخلائق؛ فعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه، قال: سمِعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا))، قال: وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه؛ [أخرجه مسلم]، قال الإمام القرطبي رحمه الله: وهذا العرق لشدة الضغط، وحرِّ الشمس التي على الرؤوس بحيث تغلي منها الهام، وحرارة الأنفاس، وحرارة النار المحدقة بأرض المحشر.

يتفكَّر المسلم في هذا الموقف العصيب، فيجتهد في الطاعة والعبادة؛ لعلمه أنه على قدر عمله يكون العرق منه، فإذا أكثر العمل وأحسن فيه، خفَّ عنه حرُّ ذلك اليوم، وإذا كثر وساء عمله كثُر عرقُه، أسأل الله الرحيم الجواد الكريم أن يرحمنا وألَّا يكلنا لأنفسنا، إنه سميع قريب مجيب.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة عشرة بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : ومن عجائب خلق الله جل جلاله:

القمر: أحوال الإنسان كأحوال القمر، ينبغي للعبد المسلم أن يتفكَّر فيها، ويستفيد منها؛ قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: إن الله عز وجل جعل لأحوال الآدمي أمثلة؛ ليعتبر بها، فمن أمثلة أحواله القمر، الذي يبدأ صغيرًا ثم يتكامل بدرًا، ثم يتناقص بانمحاق، وقد يطرأ عليه ما يفسده؛ كالكسوف، فكذلك الآدمي أوله نطفة، ثم يترقَّى من الفساد إلى الصلاح، فإذا تمَّ كان بمنزلة البدر الكامل، ثم يتناقص أحواله بالضعف، فربما هجم الموت قبل ذلك هجوم الكسوف على القمر".

فالإنسان مثل القمر، يُولد صغيرًا ضعيفًا، ثم يكون شابًّا قويًّا، ثم يعود شيخًا ضعيفًا؛ قال الله عز وجل: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ [الروم: 54]، وإذا أمدَّ الله عز وجل للإنسان في العمر، عاد إلى حالته الأولى ضعيفًا، تضعف همَّتُه وحركته وبطشه، وتتغيَّر صفاته الظاهرة والباطنة؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ﴾ [يس: 68]، قال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله؛ أي: يعود إلى الحالة التي ابتدأ منها؛ حالة الضعف، ضعف العقل، وضعف القوة، فيتفكر المسلم في هذا ويقوده ذلك إلى أمور:* عدم استخدام قوَّته في ظُلْم العباد، والإفساد في البلاد، فقد تأتيه العقوبة في دنياه، بسلب هذه القوى منه عند تقدُّم العمر به، ويحلُّ بدلًا عنها أضدادُها من الضعف والمرض والوهن، وكم من إنسان كان في مقتبل عمره قويًّا صحيحًا، فصار في نهاية عمره، ضعيفًا مريضًا مهمومًا.

* استغلال قواه البدنية والعقلية في طاعة الله وعبادته، فاليوم هو قوي وغدًا هو ضعيف؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحَّتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك))؛

 [أخرجه الحاكم، والبيهقي].

* الوجل والخوف أن يردَّ إلى أرذل العمر؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ﴾ [الحج: 5]، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ﴾، وهو الشيخوخة والهرم وضعف القوة والعقل والفهم وتناقُص الأحوال من الخرف وضعف الفكر.

وهذا الخوف من أن يردَّ إلى أرذل العمر، يجعله يُكثِر من الدعاء بالوقاية منه، فيتعوَّذ بالله من الهرم وسوء الكبر، ثم يتفكَّر أن الكسوف يُذهِبُ نور القمر، وهو في قمة إبداره، فيتفكَّر أن الموت قد يأتيه وهو في حال شبابه ومقتبل عمره؛ قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ﴾ [الحج: 5]. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى ﴾؛ أي: في حال شبابه وقواه.

فإذا تفكَّر المسلم في هذا أكثر من التزوُّد من الطاعات، وإن كان لا يزال شابًّا

 وفي مقتبل العمر، ليكون على أهبة، فالموت ليس له سِنٌّ معلوم، ولا زمن 

معلوم، ولا مرض معلوم، يأتي في أي وقت، وقد يأتي في حال القوة والصحة والشباب.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة عشرة بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : ومن عجائب خلق الله جل جلاله:

الأرض:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وإذا نظرت إلى الأرض كيف خلقت، رأيتها من أعظم آيات فاطرها وبديعها، خلقها سبحانه فراشًا ومهادًا، وذلَّلَها لعباده، وجعل فيها أرزاقهم وأقواتهم ومعايشهم، وجعل فيها السبل لينتقلوا فيها في حوائجهم، وتصرُّفاتهم، وأرساها بالجبال، فجعلها أوتادًا تحفظها لئلا تميد بهم، وجعل ظهرها وطنًا للأحياء، وبطنها وطنًا للأموات، وقد أكثر تعالى من ذكر الأرض في كتابه، ودعا عباده إلى النظر إليها والتفكُّر في خلقها، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الجاثية: 3].

يتفكَّر المسلم في هذه الأرض التي أُرسيت بالجبال العظام، كيف تحدث فيها الزلازل المدمِّرة، وذلك بسبب ذنوب ومعاصي العباد، قال بعض السلف وقد زُلزلت الأرض: إن ربكم يستعتبكم، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد زُلزلت المدينة، فخطبهم، ووعظهم، وقال: لئن عادت لا أساكنكم فيها.           قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الناس الآن يسمعون بالزلازل؛ ولكنهم لا يرونها أنها غضب من الله عز وجل؛ ولكن يرون أنها أمر طبيعي، ولهذا لا يتأثَّر الإنسان بها إطلاقًا، وكأنَّها لا شيء، بينما ونحن صغار كنَّا إذا سمِعنا أن الأرض زُلزلت في أُحدٍ نرتجف ونحن في بيوتنا آمنون؛ لأنه ما كان أحد يقول لنا: إنه هذا طبيعي، وهذا أمر لا يهم، وهذا أمر كائن لا محالة.

فإذا تفكَّر المسلم في ذلك، جاهد نفسه فابتعد عن ارتكاب الذنوب، حتى لا يكون سببًا في حدوث الزلازل التي تُدمِّر البلاد، وتقتل العباد.

النفس البشرية:

قال الله عز وجل: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: وآيات النفس ليست في تركيب الجسم فحسب؛ بل حتى في تقلُّبات الأحوال، فالإنسان تجده يتقلَّب من سرور إلى حزنٍ، ومن غمٍّ إلى فرحٍ، ويتقلَّب تقلُّبات عجيبة عظيمة، حتى إن الإنسان في لحظةٍ يجد نفسه متغيرًا بدون سبب، يكون منشرح الصدر، واسعَ البال مسرورًا، وإذا به ينكتم ويغتمُّ بدون سببٍ، وأحيانًا بالعكس، هذا بالنسبة للأحوال النفسية.

كذلك أيضًا بالنسبة للإنسان من حيث الأحوال الإيمانية، وهي أعظم وأخطر، حيث تجد الإنسان في بعض الأحيان يكون عنده من اليقين كأنه يُشاهد أُمور الغيب مُشاهدةً حسيةً، كأنما يرى العرش، وكأنما يرى السماوات، أو يرى الملائكة، أو يرى كلَّ ما أخبر الله به من الغيب، وفي بعض الأحيان يقلُّ هذا اليقين لأسباب قد تكون معلومةً؛ لكن من الأسباب المعلومة قلَّة الطاعة، فإن قلة الطاعة من أسباب ضعف اليقين؛ قال الله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ﴾ [المائدة: 49]، وهناك أسباب لا يدري الإنسان ما هي، ومنها: اللهو، والغفلة، وهكذا الإنسان كلما لَهَا قلَّ يقينُه وإيمانُه، ومن ثمَّ نهى الشرع عن الألعاب واللهو الباطل، الذي يزداد به الإنسان بُعْدًا عن طاعة الله، وعن التفكير في آيات الله، ومن أراد المزيد من هذا، والاطِّلاع على قُدرة الله تعالى في أنفسنا من الآيات، فعليه بمطالعة كلام ابن القيم رحمه الله في " مفتاح دار السعادة" يجد العجب العجاب، وكذلك في كتابه الصغير، وهو كبير في المعنى، وهو " التبيان في أقسام القرآن" ذكر من ذلك العجب العجاب. [ الأنترنت – موقع الألوكة - التفكر في عجائب خلق الله جل جلاله - فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة عشرة بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : * خَلَقَ الدنيا والآخرة

قال الله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)} [العنكبوت: 64].

وقال الله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا

 مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)} [الحديد: 20].

الله تبارك تعالى هو الأول والآخر والظاهر والباطن، خلق السموات والأرض، وخلق الدنيا والآخرة، وهو الحكيم العليم، الذي يخلق ما يشاء، ويفعل ما 

يشاء، ويحكم ما يريد، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه. أظهر سبحانه ما شاء، وأخفى ما شاء، وهو العزيز الحكيم. فأظهر ما شاء من المخلوقات .. وأخفى نفسه جل جلاله. وأظهر الأبدان .. وأخفى الأرواح. وأظهر قيمة الأشياء .. وأخفى قيمة الأعمال. وأظهر الدنيا .. وأخفى الآخرة. خلق سبحانه الدنيا .. وجعلها دار الإيمان والعمل .وخلق الآخرة  وجعلها دار الثواب والعقاب. ولا تتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا، ولا يستقيم الزهد في الدنيا إلا بعد نظرين صحيحين:

الأول: نظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها، ونقصها وخستها، وألم المزاحمة عليها، والحرص عليها، وما في ذلك من الغصص والنكد، وآخر ذلك الزوال والانقطاع، وما يعقب ذلك من الحسرة. فطالب الدنيا لا ينفك من همِ قبل حصولها، وهمِ في حال الظفر بها، وغمِ وحزن بعد فواتها.

الثاني: نظر في الآخرة وإقبالها ومجيئها ولا بد، ودوامها وبقائها، وشرف ما فيها 

من اللذات والنعيم، والخيرات والمسرات.

فإذا تم له هذان النظران .. وفكر في هذه وهذه .. وتجول في تلك الدارين ببصره وبصيرته .. آثر ما يقتضي العقل إيثاره .. وزهد فيما يقتضي العقل الزهد فيه.

والله عزَّ وجلَّ خلق الدار الدنيا، وجعلها سكناً للعباد، ومكاناً للعمل وامتثال أوامر الله، وهيأ للعباد فيها ما يحتاجونه من الطعام والشراب واللباس والمراكب، وسائر النعم والملاذ كما قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }[البقرة: 29].

وجعل سبحانه ما في الدنيا من المخلوقات والأحوال للاعتبار  والتفكر، والاستدلال عليه بحسن التأمل والتذكر، ومعرفة عظمته وقدرته، وسعة علمه كما قال سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [الطلاق: 12]. إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة عشرة 

بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : * خَلَقَ الدنيا والآخرة

وبقاء العباد في هذه الدار إلى أجل مسمى لا يعلمه إلا الله، فإذا انقضت مدة السكن أجلاهم ربهم من الدار، ثم خربها لانتقال الساكن منها إلى غيرها.

فكور الشمس .. وفطر السماء .. ونثر الكواكب .. ودك الأرض .. وسير الجبال .. وعطل العشار .. وفجر البحار .. وبعثر ما في القبور كما قال سبحانه: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)} [الانفطار ]     وفي تغير الأحوال، وإظهار تلك الأهوال، بيان لقدرة العزيز الجبار، بعد بيان العزة، وتكذيب لأهل الإلحاد بإتلاف معبوداتهم، وإظهار أن للعالم رباً مدبراً يتصرف

 في الكون كيف يشاء، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

فكم لله من حكمة في هدم هذه الدار .. ودلالة على كمال قدرته وقوته .. وعظمة عزته وسلطانه.

فسبحان من انقادت المخلوقات بأسرها لقهره، وأذعنت لجبروته، وخضعت لمشيئته، وكلها بيده أصغر من الخردلة: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} [الجاثية: 36، 37].

والله عزَّ وجلَّ خلق الناس ليعبدوه، ولا يمكن لهم أن يعبدوه إلا إذا عرفوه. فيجب على كل إنسان أعطاه الله عقلاً يدرك به حقائق الأشياء أن يعرف:

ربه .. ونفسه .. ودنياه .. وآخرته.

فإذا عرف العبد ربه: نشأ من ذلك محبة الله وتعظيمه، وطاعته، والتوكل عليه.

وإذا عرف نفسه: نشأ من ذلك الحياء والخوف من الله، والتواضع له، والافتقار إليه، والتوكل عليه.

وإذا عرف الدنيا، وسرعة زوالها؛ نشأ من ذلك شدة الرغبة عنها.

وإذا عرف الآخرة، وكمال نعيم الجنة، نشأ من ذلك شدة الرغبة فيها، والمسارعة إلى الأعمال التي توصل إليها.

وإذا عرف شدة عذاب النار: نشأ من ذلك شدة الفرار منها بالحذر من الشرك والمعاصي.

والدين خطوتان: خطوة للعبادة .. وخطوة للدعوة .. ومصباحهما العلم .. ومحركهما الإيمان .. فمن خطاهما معاً .. أدى الأمانة .. ووصل إلى الجنة.

والدنيا مجلسان: مجلس في طلب الآخرة .. ومجلس في طلب الحلال. والثالث يضر لا ينفع فاجتنبه.

والدنيا والآخرة ضرتان إن ملت إلى إحداهما أضررت بالأخرى، وبينهما في الجمال والكمال والدوام أبعد مما بين المشرق والمغرب.

والآخرة خير من الأولى كما قال سبحانه: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)} [الأعلى: 16، 17]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العشرون 

بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان : * خَلَقَ الدنيا والآخرة

فسرور الدنيا كظل زائل، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً، إقبالها خديعة، وإدبارها فجيعة، لا تدوم أحوالها، ولا يسلم نزالها.

إن مشيت عليها حملتك، وإن حملتها قتلتك، وإن أقبلت عليك شغلتك، وإن أدبرت عنك أحزنتك، وإن تكثرت منها أطغتك كما قال سبحانه: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)} [العلق: 6، 7].

ويكفي في هوانها على الله أنه لا يعصى إلا فيها، ولا ينال ما عنده إلا بتركها،

 وكل ما فيها متاع زائل كما قال سبحانه: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ 

الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [الشورى: 36].

والدنيا دار الغربة، والعبد فيها على جناح سفر، إما إلى الجنة وإما إلى النار، فليكن فيها كأنه غريب أو عابر سبيل.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» أخرجه الترمذي وابن ماجة 

فإذا طال عمر الإنسان، وحسن عمله، كان طول سفره زيادة له في حصول النعيم واللذة، فإنه كلما طال السفر إليها، كانت الصبابة أجل وأفضل.

وإذا طال عمر الإنسان، وساء عمله، كان طول سفره زيادة في ألمه وعذابه، ونزولاً به إلى أسفل، فالمسافر إما صاعد، وإما نازل .. وإما رابح، وإما خاسر.

سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الناس خير فقال: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ قَالَ فَأَيُّ النَّاسِ  شَرٌّ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ» أخرجه الترمذي

والتفكر في الدنيا وحدها لا يعطي العقل البشري، ولا القلب الإنساني صورة كاملة عن حقيقة الوجود الإنساني، وحقيقة الحياة وتكاليفها، وماذا يراد منها؟.

فالدنيا شطر الحياة الأدنى والأقصر .. والآخرة شطر الحياة الأعلى والأدوم.

والله عزَّ وجلَّ بعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ليعلموا الناس كيف يقضون حياتهم فيما ينفعهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة، وكيف يرضون ربهم الذي خلقهم ورزقهم.

ويتم ذلك بمعرفة الله بأسمائه وصفاته .. ومعرفة دينه وشرعه الذي هو الطريق الموصل إليه .. ومعرفة ما للناس بعد القدوم عليه في الآخرة .. من النعيم المقيم لمن أطاعه .. والعذاب الشديد لمن عصاه: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [البقرة: 219، 220].                  إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والعشرون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

 * خَلَقَ الدنيا والآخرة

فللحصول على السعادة لا بد من التفكير في الدنيا والآخرة، وتقديم ما يبقى على ما يفنى، ولزوم ذلك: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)} [الضحى: 4].

والدنيا والآخرة ملك لله، فمن أراد شيئاً من ذلك فليطلبه من مالكها، فعنده ثواب الدنيا والآخرة، ولا ينال ما عنده إلا بطاعته، ولا تدرك أمور الدنيا والدين إلا بالاستعانة به، والافتقار إليه على الدوام: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا } [النساء: 134].

ومن أراد الدنيا فعمل لها وسعى، ونسي المبتدأ والمنتهى، عجل الله له من حطامها ومتاعها ما شاء مما كتب له، ولكنه متاع غير نافع ولا دائم له، ثم جعل له 

في الآخرة العذاب والفضيحة كما قال سبحانه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا } [الإسراء: 18].

ومن آمن بالله، وأراد الآخرة، وسعى لها سعيها الذي جاء في كتاب ربه، وجاء 

في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فله أجره وثوابه عند ربه كما قال سبحانه: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا } [الإسراء: 19].

وكل واحد من هؤلاء .. وهؤلاء، يمده الله من عطائه ونعمه، لأنه عطاؤه وإحسانه يتفضل الله به على المؤمنين والكفار، وأهل الطاعة والمعصية، لا تؤثر معصية العاصي في قطع رزقه، بل جميع الخلائق يأكلون من رزقه، راتعون في فضله وإحسانه: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)} [الإسراء: 20]. وحب الدنيا رأس كل خطيئة.

ومقاطعتها إما أن تكون بانزوائها عن العبد ويسمى ذلك فقراً .. وإما بانزواء العبد عنها ويسمى ذلك زهداً .. ولكل واحد منهما درجة في نيل السعادات.

والدنيا ليست محذورة لعينها، فهي مكان وزمان العمل والعبادة، والدعوة والجهاد، وإنما تذم لكونها عائقة عن الوصول إلى الله تعالى، والعمل بشرعه.

والفقر ليس مطلوباً لعينه، بل لأن فيه فقد العائق عن الله تعالى، وعدم التشاغل به، وفراق المحبوب شديد.

فمن أحب الدنيا كره لقاء الله تعالى، ومن أحب الله تعالى اشتغل بما يحب، 

وهجر ما يكره، وأحب لقاء الله تعالى.

وقد خلق الله بطن الأم لخلق الإنسان، وتكميل أعضائه وجوارحه. وخلق الدنيا لتكميل الإيمان والأعمال الصالحة.

وخلق الآخرة لتحقيق القسط والعدل الإلهى، وتكميل الشهوات، وإبلاغ البشرية إلى آفاقها العليا في النعيم والخلود.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والعشرون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

 * خَلَقَ الدنيا والآخرة

والله تبارك وتعالى خلق الخلائق، وكتب الآجال، وقسم الأرزاق، وهو الحكيم الخبير، يعطي الدنيا لأعدائه ليتمرغوا فيها، فتركبهم وتذلهم، ويمنعها عن أوليائه، ليتضرعوا إليه، ويقفوا ببابه: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)} [التوبة: 55].

فهؤلاء لما قدموها على مراضي ربهم، وعصوا الله لأجلها، عذبهم الله بها في الدنيا بهم القلب، وتعب البدن، وانتقلوا من الدنيا إلى الشقاء الدائم في نار جهنم.

فالدنيا التي تشغل العبد عن طاعة الله هي عدو له .. وهي كالجيفة فكيف نقعد على موائدها؟ .. وهي كالحمام فكيف نعشق البقاء فيها؟.

والآخرة أغلى من الجواهر فكيف لا نسارع إليها؟.

والدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، ولو لم يكن من هوانها إلا كون الله الحق تبارك وتعالى يعصى فيها، فذلك كاف في بغضنا لها.

والناس في العمل في الدنيا قسمان: منهم من اجتهد على الدنيا ثم راح وتركها، فهو يحاسب على حلالها، ويعاقب على حرامها.

والذين اجتهدوا على الدنيا صنفان: منهم من حصلها فبغى وطغى، وتجبر واستكبر، فصارت زاده إلى النار.

ومنهم من خسرها فحصد الهم والحزن، وتحمل الديون، وحقوق العباد.

والذين اجتهدوا لكسب الآخرة قسمان أيضَا: منهم من اشتغل بالعبادة وأعمال البر فقط، فهذا إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» أخرجه مسلم

ومنهم من اشتغل بالعبادة، والدعوة، وتعليم الأمة أحكام دينها، فهذا عمله مستمر، لأن كل من اهتدى بسببه، أو تعلم بسببه، فله مثل أجره.              قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ دَعَا إلى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أجُورِهِمْ شيئاً، وَمَنْ دَعَا إلى ضَلالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإثْمِ 

مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شيئاً» أخرجه مسلم

فكم يكون في صحيفة هذا من المسلمين والمصلين، والدعاة والمجاهدين، والعلماء والمعلمين، والصائمين والمتصدقين، والحجاج والمعتمرين؟.

والحياة الدنيا لعب ولهو، حين لا يكون وراءها غاية أكرم وأبقى، حين يعيشها المرء لذاتها، مقطوعة عن منهج الله فيها.

ذلك المنهج الرباني الذي يجعلها مزرعة للآخرة، ويجعل من أحسن الخلافة فيها مستحقاً لوراثة الدار الآخرة الباقية كما قال سبحانه: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36)} [محمد: 36].   إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والعشرون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

 * خَلَقَ الدنيا والآخرة

فالإيمان والتقوى والعمل بمنهج الله في الحياة الدنيا .. هو الذي يجعلها ميداناً فسيحاً لكسب الأجور .. ويخرجها عن أن تكون لعباً ولهواً .. ويطبعها بطابع الجد .. ويرفعها عن مستوى القاع الحيواني .. إلى مستوى الخلافة الراشدة المتصلة بالملأ الأعلى.

وحينئذ لا يكون ما يبذله المؤمن المتقي من عرض هذه الحياة الدنيا ضائعَا ولا مقطوعاً. فعن هذا البذل والإنفاق ينشأ الأجر الأوفى في الدار الأبقى.

والله سبحانه لا يسأل الناس أن يبذلوا أموالهم كلها، ولا يشق عليهم في فرائضه وسننه، وهو لا يكلف نفساً إلا وسعها، وهو أرحم بهم من أن يكلفهم بذلها كلها فتضيق صدورهم، وتظهر أضغانهم: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ 

أَضْغَانَكُمْ (37)} [محمد: 37].

والله يريد منا الإنفاق في سبيله، وأجره عائد على المنفق، فالذين يبخلون على أنفسهم، إنما يحرمون أنفسهم بأيديهم: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } [محمد: 38].

إن الله تبارك وتعالى خلق الدنيا والآخرة .. ليعرف العباد عظمته وجلاله .. ويعرفوا آلاءه وإحسانه .. وجعل الإنسان إن اتقى الله وآمن به سيداً في الدنيا 

والآخرة .. وإن كفر به وعصاه عاش ذليلاً مهاناً في الدنيا والآخرة.

إن اختيار الله لهذه الأمة لحمل دعوته تكريم وتشريف، ومن وعطاء، فإذا لم يكونوا أهلاً لهذا الفضل، ولم ينهضوا بتكاليف هذه المكانة، وإذا لم يدركوا قيمة ما أعطوا، فإن الله يسترد ما وهب، ويختار غيرهم لهذه المنة ممن يقدِّر فضل الله، وعظيم نعمته.

إنها لنذارة عظيمة رهيبة .. لمن ذاق حلاوة الإيمان .. وأحس بكرامته على الله .. وبمقامه في هذا الكون .. وهو يحمل هذا السر الإلهي العظيم .. ويمشي في الأرض بسلطان الله في قلبه .. ونور الإيمان في كيانه .. ويذهب ويجيء وعليه شارة مولاه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ 

الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33].

إن الإيمان أغلى شيء في حياة الإنسان، وهو هبة عظيمة من الله لعباده، لا يعدلها في هذا الوجود شيء.

الحياة رخيصة، والمال زهيد، حين يوضع الإيمان في كفة، ويوضع في الكفة الأخرى كل ما عداه.

وما يطيق الحياة وما يطعمها إنسان عرف حقيقة الإيمان وعاش بها، ثم تسلب منه، ويطرد وتوصد دونه الأبواب.

بل إن الحياة لتغدو جحيماً لا يطاق عند من يتصل بربه الذي بيده كل شيء، ثم توصد دونه الأبواب، ويطبق دونه الحجاب: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)} [محمد: 38].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والعشرون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

 * خَلَقَ الدنيا والآخرة

وإذا استكبر من في الأرض عن عبادة ربهم، ولم ينقادوا لها، فإنهم لن يضروا الله شيئاً، والله غني عنهم، وله عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ولا يملون من عبادته، لشدة الداعي القوي منهم إلى ذلك: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)} [فصلت: 38].

فما أعظم نعم الله على عباده وهو يواليها عليهم في بطون أمهاتهم وفي دنياهم وفي أخراهم: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [إبراهيم: 34].

والدنيا دار الإيمان والعمل، والآخرة دار الثواب والعقاب، فيجازي الله العباد حسب إيمانهم وأعمالهم، فريق في الجنة وفريق في السعير كما قال سبحانه: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } [الحج: 56، 57].

وقد أعد الله للمؤمنين في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر كما قال سبحانه: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة: 17]. وإذا فصل الله بين العباد يوم القيامة، صار أهل الجنة إلى الجنة، وصار أهل النار إلى النار. أهل الجنة في نعيم دائم كما قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة: 72]. وأهل النار في عذاب دائم كما قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ } [التوبة: 68].                   

[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب – خلق الدنيا والآخرة ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والعشرون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق آدم

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}[الحجر: 26].

وقال الله تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ، فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ، إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } [ص: 71 - 74].

أول ما خلق الله تبارك وتعالى العرش، ثم خلق القلم، وكتب به المقادير قبل 

كونها، وخلق آدم آخر المخلوقات، تمهيداً للدار قبل الساكن.

ولكرامته على خالقه، هيأ له مصالحه وحوائجه وأسباب حياته قبل خلقه.

وخلق آدم من أعظم الآيات، فقد جمع الله ما فرقه في العالم في خلق آدم، فهو العالم الصغير، وفيه ما في العالم الكبير، وهو خلاصة الوجود وثمرته.

والنفوس تتطلع دائماً إلى النهايات .. والله عزَّ وجلَّ أخَّر أفضل الكتب .. وأفضل الرسل .. وأفضل الشرائع .. وأفضل الأمم إلى آخر الزمان .. وجعل الآخرة خيراً من الأولى.

فلما افتتح الله عزَّ وجلَّ خلق هذا العالم بالقلم، كان من أحسن المناسبة أن يختمه بخلق الإنسان. فإن القلم آلة العلم، والإنسان هو العالم.

ولهذا أظهر الله فضل آدم على الملائكة بالعلم الذي خصه به دونهم.

وقد خلق الله جل جلاله آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، إظهاراً لشرفه، وأسكنه جنته.

ولما تم خلقه في أحسن تقويم، وظهر كمال آدم على غيره، جرى قدر الله 

بالذنب، ليتبين أثر العبودية في الذل، وما زالت تلك الأكلة من الشجرة تعاوده 

وتخيفه، حتى استولى داؤه على أولاده.

فأرسل إليهم اللطيف الخبير الدواء على أيدي من اختارهم، واصطفاهم واجتباهم من أنبيائه ورسله كما قال سبحانه: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)} [البقرة: 38 - 39].

فحماهم الشافي بالمناهي .. وحفظ القوة بالأوامر .. واستفرغ منهم الأخلاط الرديئة بالتوبة .. فجاءت إليهم العافية من كل ناحية.

وتزينت قلوبهم بالإيمان، وتجملت بالتقوى، وتحلت جوارحهم بالطاعات، ورضي عنهم ربهم، وصاروا أئمة في الخير. ولما سلم لآدم أصل العبودية لم يقدح فيه الذنب، وحين علم اللطيف الخبير أن ذنب عبده لم يكن قصداً لمخالفته، ولا قدحاً في حكمته، علمه كيف يعتذر إليه: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [البقرة: 37]. فآدم - صلى الله عليه وسلم - لم يرد بمعصيته مخالفة سيده، ولا الجرأة على محارمه، ولكنها غلبات

 الطبع، وتزيين النفس والشيطان، فألهمه الله التوبة، وقبلها منه                  إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والعشرون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق آدم

وفي خلق آدم من الطين سر عجيب، فالطين مركب من أصلين:

الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي .. والتراب الذي جعله الله خزانة المنافع والنعم. وفي ذلك إشارة إلى أن هذا الإنسان يحمل الهدى الذي به حياة العالم، ويحمل الدين الذي كله منافع. ومن كرامة الله لآدم أن خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وجميع المخلوقات خلقها الله بأمره، فقال لها: كوني فكانت.

ومن كرامته له كذلك أن أسجد له ملائكته، وعلمه الأسماء كلها دون غيره من الملائكة، ثم جعل فيه الاستعداد للترقي حتى يصبح كالملائكة، أو الهبوط حتى يكون أسفل من الحيوان فيقضي حياته على طريقة الحيوان، من أكل وشرب ولهو ولعب. والله تبارك وتعالى عزيز حكيم، ما خلق ذرة في الكون عبثاً. 

وقيمة الإنسان ومكانته بين المخلوقات عظيمة .. فمكانته بين السموات والأرض .. كمكانة القلب من الجسم، وبقاء المخلوقات مرهون بوجود الإنسان .. وكما أن القلب إذا فقد هلك البدن .. فكذلك الإنسان إذا فقد أنهى الله هذا الكون وطواه.

وقد خلق الله جميع المخلوقات، وجعل لكل مخلوق مقصداً، وأشرف المخلوقات 

مقصداً هو الإنسان، وهو من المخلوقات بمنزلة القلب من البدن.

وقد شاء الله عزَّ وجلَّ أن يخلق آدم .. ويستخلفه في الأرض .. فأقدره على أشياء .. وأعجزه عن أشياء .. وعلمه أشياء .. وستر عنه أشياء. وقهره على أشياء .. وجعل له الخيار في أشياء .. وذلك ليستكمل مقومات الخلافة .. ولا ينسى أنه غير أصيل .. فله مرجع يعود إليه .. وقوة أعلى يعود إليها .. ويستعين بها .. تمده بما شاء.

ولم يرسل الله آدم إلى الأرض ليقيم أمر الله دون تدريب عملي، بل جعل له 

تجربة واقعية يعيش فيها التكليف بأمره ونهيه، وبمقومات التكليف من الغفلة والنسيان، وإغواء الشيطان وتزيينه، قبل أن يهبط إلى الأرض، فإذا أخطأ رده الله إلى الصواب بلطف.

فأسكنه الله الجنة مع زوجه، وأمده بكل ما يحتاج بدون تعب ولا نصب كما قال سبحانه: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى ، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى } [طه: 118، 119]. ثم استقبل آدم المنهج من ربه أمراً ونهياً: {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)} [البقرة: 35].

ثم حذر سبحانه آدم من معوقات التكليف خاصة الشيطان فقال: {فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: 117].

ثم كان ما كان من الشيطان فأغرى آدم وزوجه بالأكل من الشجرة: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى}[طه: 120]

فأغراهما بالأكل من الشجرة، ليحصل لهما الخلود والملك، وأكد ذلك لهما بصفة الناصح الذي يريد لهما الخير: {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ،وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ،فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} 

[الأعراف: 20 - 22].

ونسي آدم أنه في دور التجربة والتدريب، فأكل وزوجه من الشجرة فماذا حصل لهما؟: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)} [الأعراف: 22].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والعشرون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق آدم

أما إبليس فقد رد الأمر على ربه وتكبر، وخالف أمر ربه كما قال سبحانه: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34].وبسبب هذا الإباء والاستكبار طرده الله ولعنه.

فمن رد الأمر على الله ففيه شبه بإبليس، ومن عصى واعتذر وتاب ففيه شبه بآدم - صلى الله عليه وسلم -.

وآدم وزوجه لما أكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها، بدت لهما 

عوراتهما كما قال سبحانه: {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا 

مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [طه: 121].

وفي هذا إشارة إلى أن الدين حين يخالف تبدو عورات الناس، فلا عورة في مجتمع إلا إذا كان هناك أمر من أوامرالله قد خولف.

ولما عصى آدم ثم تاب وتاب الله عليه، أهبطه الله إلى الأرض، للقيام بالخلافة، وتنفيذ أوامر الله، وأهبط معه إبليس.

ثم بدأ المنهج الإلهي في الأرض كما قال سبحانه: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)} [طه: 123، 124]. ومعصية آدم ذكرها الله سبحانه بقوله: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)} [طه: 121]. والعصيان قد يكون عمداً فيكون ذنباً .. وقد يكون خطأ أو نسياناً فيكون زلة .. وهذه معصية آدم: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} [البقرة: 36]. ومما يدل على أن معصية آدم لم تكن عمداً ولا قصداً، بل نسياناً قوله سبحانه: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا } [طه: 115].

ومن ثم فلا مؤاخذة، لأن الله لا يؤاخذ على الخطأ والنسيان.

وإنما اعتبر القرآن النسيان معصية لآدم، فذلك لمقام آدم الذي خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأسكنه جنته، وعلمه الأسماء كلها.

والذي شأنه هكذا، يجب أن يكون يقظاً كأقوى ما يكون، بحيث لا ينسى وصاية الله له.

ولما علم الله منه أن معصيته لم تكن بسبب الكبْر، بل بسبب الغفلة والنسيان، والشهوة وإغواء الشيطان، ألهمه الله التوبة، وتاب عليه. وترك الأمر معصية، وارتكاب النهي فسق، وارتكاب النهي أخف من ترك الأمر، وترك الأمر ذنب 

إبليس، وبسببه أخرج من رحمة الله، وارتكاب النهي ذنب آدم.

  إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والعشرون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق آدم

وآدم في الجنة أصيب بآفتين: النسيان .. وضعف العزيمة كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)} [طه: 115].

وهذان مرضان .. وعلاج الأول بالذكر والتذكير.

وعلاج الثاني بتكوين بيئة الإيمان والأعمال الصالحة.

وآدم في الجنة ليس عنده من يذكره إذا نسي، وليست عنده بيئة الأعمال التي تقوي عزيمته إذا ضعف، وغلبته الشهوة، فسهل التأثير عليه وإغراؤه، فوقع في ارتكاب النهي، وأكل من الشجرة.

وهاتان الآفتان لازمتان لكل إنسان، وشفاء الإنسان منهما بالتذكير، وتكوين بيئة الإيمان والأعمال الصالحة التي تقوي عزيمته إذا ضعف.

والله سبحانه ابتلى آدم وذريته بأن حبب لكل إنسان حب الخلد، وحب الملك

 الذي لا يبلى، وبهما تمكن الشيطان من إغواء آدم.

ولما كان هذا نسياناً من آدم للعهد ألهمه الله أن يتوب: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)} [البقرة: 37].

وقد منَّ الله على آدم بنعم كثيرة، وعلمه الإيمان والتوحيد، ومعرفة ربه، وألهمه اليقين على ذاته وأسمائه وصفاته، وحذره من عدوه الشيطان بقوله: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)} [طه: 117].

وإبليس أول من اجتهد لتغيير اليقين على ذات الله، إلى اليقين على الأشياء، 

بإغراء آدم بالأكل من الشجرة، ليحصل له الملك والخلد.

فالشيطان أول من أفسد يقين آدم .. ولا يزال يفسد يقين ذريته .. فهو جاهد على البشر .. ليحول يقينهم على ربهم، إلى اليقين على المخلوق .. ويشغلهم بالأموال والأشياء عن الإيمان والأعمال الصالحة .. ويزين لهم العادات والتقاليد بدل السنن والأحكام .. ويغريهم بالخلود في الدنيا .. وينسيهم ذكر الموت والآخرة.

ولكن الله تاب على آدم وهداه، وحذر ذريته من طاعة عدوهم الشيطان الذي 

غر أباهم، حتى وقع في المعصية. وآدم لما طلب الخلود في الجنة من جانب 

الشجرة التي أغراه الشيطان بالأكل منها، عوقب بالخروج منها.

وكذلك يوسف لما طلب الخروج من السجن من جهة صاحب الرؤيا، عوقب باللبث فيه بضع سنين. وذلك كله بإغواء الشيطان وتزيينه، وحرصه على إفساد يقين العباد، ليعصوا ربهم، ويطيعوه فيهلكون معه.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة 

والعشرون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق آدم

وحين خلق الله آدم قال الله للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30].

فقالت الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30].

فقال الله لهم: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)} [البقرة: 30].

لقد خلق الله آدم، وأكرمه وأسكنه جنته، وابتلاه ليربيه، فسلط عليه عدوه بعد أن حذره منه، ولكنه ضعف وعصى ربه، فأهبطه الله إلى الأرض.

هبط إلى الأرض مؤمناً بربه، مستغفراً من ذنبه، مأخوذاً عليه عهد الخلافة أن

 يتبع ما يأتيه من ربه، ولا يتبع الشيطان والهوى.

ثم مضى به الزمن، وجاءت ذريته، وبث الله من نسله رجالاً كثيراً ونساء.

وحل بالإنسان ما حل بأبيه آدم من النسيان والضعف .. وتسلط عليه الشيطان .. وأغراه بالمعاصي .. وزينها له كما فعل بأبيه، فغلبه الشيطان كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)} [سبأ: 20]. لقد هبط آدم إلى الأرض موحداً مهتدياً تائباً، ولكن ها نحن نرى أكثر البشرية ضالاً مفترياً،ظالماً كذاباً،مشركاً معانداً لرسل ربه،فلا بد من الإنقاذ مرة أخرى.

ومن رحمة الله بالبشرية، أنه كلما انحرفت عن منهج الله، بعث إليها رسولاً يردها إليه، حتى ختمهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وتسلمت أمته من بعده إبلاغ هذا الدين والقيام عليه في أنحاء الأرض كما قال سبحانه: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم: 52].

والمنهج هو الهدى الذي أرسل الله به رسله:

دعوة إلى التوحيد والإيمان بالله .. وترغيب في الطاعات .. وتحذير من المعاصي .. وأمر بكل خير .. وتحذير من كل شر.

وقيمة الشيء ترتفع بقدر ما فيه من الصفات، وكذلك قيمة المسلم عند الله ترتفع بقدر ما يحمل من الإيمان، وما يقوم به من الأعمال الصالحة.

وبنو آدم كثيرون، ولكن الله اشترى منهم أحسنهم وأفضلهم وأكملهم، وهم المؤمنون، فهؤلاء خير الناس، وأحسن الناس، وأغلى الناس.

والسلعة إذا خفي عليك قدرها .. وأردت أن تعرف قيمتها.

فانظر المشتري لها من هو؟، وانظر إلى الثمن المبذول فيها؟، وانظر إلى من جرى على يديه عقد الشراء؟.

فالسلعة النفس المؤمنة .. والمشتري لها هو الله عزَّ وجلَّ .. وثمنها جنات النعيم .. والسفير في هذا العقد خير خلقه من الملائكة، وأكرمهم عليه، وهو جبريل - صلى الله عليه وسلم - .. وخير خلقه من البشر، وأكرمهم عليه، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم -.

وصفات هذه السلعة الإيمان والأعمال الصالحة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثلاثون بعد 

الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق آدم

لقد خلق الله آدم من الأرض، فمن الطين كوّن الله كل عناصر جسده، فيما عدا سر الحياة الذي لا يدري أحد كيف جاء، وفيما عدا تلك النفخة العلوية التي جعلت منه إنساناً.

ونحن نجهل كنه هذه النفخة، وهذه الروح، فما أحد يعلمها إلا الله كما قال

 سبحانه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا 

قَلِيلًا } [الإسراء: 85].

ولكننا نعرف آثارها، فآثارها هي التي ميزت هذا الكائن الإنساني عن سائر الخلائق في هذه الأرض. ميزته بالقابلية للرقي العقلي والروحي، فجعلت عقله ينظر تجارب الماضي، ويصمم خطط المستقبل، ويتقي ويحذر.

وجعلت روحه تتجاوز المدرك بالحواس، والمدرك بالعقول، ليتصل بالغيب المجهول للحواس والعقول. وخاصية الارتقاء العقلي والروحي خاصية إنسانية بحتة، لا يشاركه فيها أحد من الأحياء في هذه الأرض سوى الجن.

لقد نفخ الله عزَّ وجلَّ من روحه في هذا الكائن البشري، لأن إرادته اقتضت

 أن يكون خليفة في الأرض، وأن يتسلم بأمر الله مقاليد هذا الكوكب في الحدود التي قدرها الله له، وهي الخلافة في الأرض كما قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا} [البقرة: 30].

وقد أودع الله الإنسان القدرة على المعرفة، ومن يومها وهو يرتقي كلما اتصل بربه، واستمد منه منهج الحياة، وقام بأمر الخلافة الراشدة.

وما كان لهذا الإنسان الصغير الحجم، القصير الأجل، المحدود المعرفه، أن ينال 

شيئاً من هذه الكرامة، لولا لطف ربه وكرمه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي 

الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } [الإسراء: 70].

فلله كم كرامة؟، وكم نعمة؟، وكم رحمة حصلت للبشرية في خلق آدم .. وفي سجود الملائكة له .. وفي سكناه الجنة .. وفي إهباطه إلى الأرض .. وفي كونه خليفة في الأرض .. وفي نسله وذريته .. ؟

فقد أظهر الله فضل آدم على الملائكة بما خصه من العلم الذي لم تعلمه الملائكة. 

وأمرهم بالسجود له تكريماً له، وإظهاراً لفضله، وامتحانهم بالسجود لمن زعموا أنه 

يفسد في الأرض، ويسفك الدماء، فأسجدهم له، وأظهر فضله عليهم، لما أثنوا على أنفسهم، وذموا الخليفة الذي اصطفاه ربهم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق آدم

واستخرج سبحانه ما كان كامناً في نفس إبليس من الكبر والمعصية، والذي ظهر عند أمره بالسجود مع الملائكة لآدم.

فاستحق اللعنة والطرد والإبعاد على ما كان كامناً في نفسه، والله يعلم ذلك، ولكن لم يكن ليعاقبه على ما علمه، بل على وقوع معلومه، الذي لم تكن الملائكة تعلمه، فلما امتنع من السجود علموا خبثه.

وسبب معصية إبليس الاستكبار والإباء والكفر، وإنما ذكر تلك الشبهة تعنتاً، إذ ليس في أمره بالسجود لآدم ما يناقض الحكمة بوجه.

وشبهة إبليس الداحضة، أنه قال: إنه خلق من نار، وآدم خلق من طين، والنار خير من الطين، فهو خير من آدم، فكيف يخضع له.

كما قال سبحانه لإبليس: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)} [الأعراف: 12].

فلما امتنع إبليس من السجود، وعصى ربه واستكبر، حطه الله من مرتبته العالية إلى أسفل سافلين، وأهبطه من الجنة، لأنها دار الطيبين الطاهرين، فلا تليق بأخبث خلق الله وأشرهم، فأهبط إلى الأرض ذليلاً مهاناً، جزاء على كبره وعجبه كما قال سبحانه: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)} [الأعراف: 13].

وشبهة إبليس باطلة حساً وعقلاً وشرعاً.

فإن الطين والتراب خير من النار، فإن النار طبعها الفساد والإتلاف، والتراب طبعه النفع والإنبات، والنار طبعها الخفة والطيش، والتراب طبعه الرزانة والسكون، والتراب يخلق الله فيه أرزاق الحيوان ولباسهم ومساكنهم، بخلاف النار التي تحرق كل شيء، والتراب إذا وضع فيه الحب أخرجه أضعافاً كثيرة، بخلاف النار التي تأكل كل ما يوضع فيها.

والأرض وصفها الله بالبركة، وأما النار فهي مذهبة للبركة، وأودع الله في 

الأرض من المنافع والأقوات، والثمار والأشجار، والمعادن والعيون، والنبات والحيوان وغيرها، ما لم يودع في النار شيئاً منه.

والنار وإن كان فيها بعض المنافع فالشر كامن فيها.

وقد استخرج الله من هذا الخليفة وذريته الأنبياء والرسل .. والعباد والعلماء .. والمجاهدين والمتصدقين .. والأولياء والمؤمنين، وعمر بهم الجنة، وميز الخبيث من ذريته من الطيب، وعمر بهم النار.

وقد خلق الله آدم عليه السلام في أحسن تقويم .. وأكمل صورة وأجملها ..

 وأكمل محاسنه الباطنة بالعلم والحلم والوقار .. وتولى ربه خلقه بيده .. فجاء في 

أحسن خلق .. وأجمل صورة .. طوله في السماء ستون ذراعاً .. قد ألبس رداء الجمال والحسن .. والمهابة والبهاء.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والثلاثون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق آدم

فرأت الملائكة منظراً لم يشاهدوا أحسن منه ولا أجمل، فوقعوا كلهم سجوداً بأمر

 ربهم عزَّ وجلَّ، إلا إبليس فإنه امتنع عن السجود حسداً كما قال سبحانه: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)} [البقرة: 34].

والله سبحانه لكمال قدرته خلق خلقه أصنافاً:

فمنهم عقول بلا شهوات كالملائكة .. ومنهم شهوات بلا عقول كالحيوانات .. ومنهم من له عقل وشهوة كالإنس والجن .. ومنهم من لا عقل له ولا شهوة كباقي المخلوقات من جماد ونبات.

وقد اقتضت حكمة الله تفضيل بني آدم على كثير من خلقه، فميزهم الله وكرمهم بما شاء، وجعل عبوديتهم أكمل من عبودية غيرهم، فهي عبودية اختيارية، تزاحمها المعارضات والموانع والشهوات.

أما عبودية غيرهم من الملائكة فهي عبودية بلا معارض، إذ هم مجبولون عليها، كما جبلت الشمس على الإنارة.

والله تبارك وتعالى سبق في علمه أن يجعل في الأرض خليفة، وأعلم بذلك ملائكته، وأسكنه في الجنة، ليربيه ويريه دار النعيم التي أعدها الله له ولأولاده.

فأمره الله ونهاه، وأعلمه بعدوه وحذره منه، ووفر له كل ما يحتاجه في الجنة، وأمره بالأكل من كل شيء في الجنة، ونهاه عن الأكل من شجرة واحدة، وخلى بينه وبين عدوه إبليس، ليمتحن إيمانه وطاعته قبل نزوله إلى ميدان العمل، فوسوس إليه الشيطان بالأكل، فنسي وغلبته الشهوة فأكل.

وخلى بينه وبين نفسه حتى عصى الله، كما قال سبحانه: {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا 

مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ 

لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } [البقرة: 35، 36].

ثم ألهمه الله التوبة فتاب، وتاب الله عليه، وبعد أن كملت تربيته، وعرف عدوه، وعاش في داره، أهبطه الله عزَّ وجلَّ من دار النعيم إلى دار الابتلاء والعمل، ليعود إليها ومن آمن من ذريته على أكمل الوجوه.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون

 بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق آدم

فكم لله من حكمة في إهباط آدم إلى الأرض، تعجز الألسن عن وصفها، وتعجز العقول عن إدراكها والإحاطة بها:

منها : أن الله أنزل آدم ليكون إيمانه وإيمان ذريته تاماً، والإيمان قول وعمل، وجهاد وصبر، وبذل وترك، وهذا إنما يكون في دار الامتحان لا في جنة النعيم.

ومنها : أن الله خلق آدم وذريته ليستعمرهم في الأرض، ويجعلهم خلفاء الأرض.

فخلقهم سبحانه ليأمرهم وينهاهم ويبتليهم، لينالوا بالطاعة أفضل ثوابه، فإذا وافوا 

دار النعيم بعد التعب والكد، عرفوا قدر تلك الدار، وهو أكمل من نعيم من

 خلق في الجنة من الحور والولدان.

ومنها : أن الله عزَّ وجلَّ أراد أن يتخذ من ذرية آدم رسلاً وأنبياء وشهداء، يحبهم ويحبونه، وينزل عليهم كتبه، يؤثرون محابه ومراضيه على شهواتهم وما يحبونه، فأنزلهم إلى دار الابتلاء ليكملوا مراتب العبودية، ويعبدوه في السراء والضراء بما تكرهه نفوسهم، وهذا لا يحصل في دار النعيم المطلق.

ومنها : أن أسماء الله الحسنى كالغفور والرحيم، والعزيز والكريم، والملك والجبار 

لها آثار، فأنزل الله آدم إلى الأرض، وجعل له ذرية، ليظهر أثر أسمائه وصفاته

 فيهم، وفيما حولهم من المخلوقات.

فإن الله هو الملك الذي يأمر وينهى، ويعطي ويمنع، ويعز ويذل، ويثيب ويعاقب، فأنزل أبوي الإنس والجن، إلى دار تجري عليهم فيها هذه الأحكام، ثم 

يعودون إليه مع ذرياتهم، فيحاسبهم على ما عملوا كما قال سبحانه: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)} [الأنعام: 130].

والله تبارك وتعالى هو الملك، الذي يملك كل شيء، له ملك السموات والأرض، وله ملك الدنيا والآخرة، وهو ربنا ونحن عبيده.

وهو مالك الملك .. ولا بد للملك من جنود .. والله له جنود السموات والأرض من ملائكة وغيرهم .. وما يعلم جنود ربك إلا هو .. ولا بد للملك من أوامر تصلح بها أحوال رعيته .. وهي الكتب السماوية المشتملة على الحث والترغيب، والنهي والتحذير .. ولا بد له من سفراء بينه وبين خلقه .. وهم الرسل الذين يبينون للناس ما نزل إليهم من ربهم .. ولا بد أن تكون له محكمة يحاسب فيها من أطاع ومن عصى .. فيجزي على الخير خيراً .. وعلى الشر شراً .. وهي يوم القيامة.

ولا بدَّ له بعد الحساب أن يكرم أهل طاعته بما يسعدهم وهي الجنة، وأن يذل ويهين أهل معصيته بما أعد لهم من العذاب وهي النار.

{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } 

[الحجر: 98، 99][ الأنترنت – موقع الكلم الطيب – خلق آدم ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون

 بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق الجن

قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 56 - 58].

وقال الله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16)} [الرحمن: 14 - 16].

الله تبارك وتعالى خلق الملائكة من نور، وخلق الجن من نار، وخلق البشر من

 تراب، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ 

(26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)} [الحجر: 26، 27].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خُلِقَتِ الْمَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُم» أخرجه مسلم 

والجان: هو أب الجن، وفيهم المؤمن والكافر.

وإبليس: هو أب الشياطين، وله ذرية لا يموتون إلا معه وهو من الجن، ولكنه تمحض للشر. وآدم: هو أب الإنس، وفيهم المؤمن والكافر.

والملائكة: خلقهم الله من نور، وهم مجبولون على الطاعة، يسبحون الليل

 والنهار لا يفترون. فالملائكة تمحضوا للخير .. والشياطين تمحضوا للشر .. والجن والإنس قابلون للإيمان والكفر، مستعدون للهدى والضلال.

ولا سبيل إلى معرفة الملائكة والجن إلا عن طريق الوحي.

وإبليس هو الشيطان، وهو من الجن، وله ذرية كما قال سبحانه: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)} [الكهف: 50]. والجن من خلق الله، ولهذا الجنس من الخلق خصائص:

منها :خلقهم من نار.

ومنها :أنهم يرون الناس ولا يراهم الناس، كما قال الله عن الشيطان: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27]. وللجن تجمعات معينة تشبه تجمعات البشر في قبائل وأجناس. ولهم قدرة على الحياة في هذه الأرض مع البشر كما قال الله عن آدم وإبليس: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } [الأعراف: 24].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق الجن

ولهم قدرة كذلك على الحياة خارج الأرض، والصعود إلى السماء كما قال سبحانه: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)} [الجن: 8، 9].

والجن يستطيعون أن يسمعوا صوت الإنسان، ويفهمون لغته، ويتأثرون به كما

 قال الله عنهم: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ 

قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)} [الأحقاف: 29].

وإبليس وذريته يملكون التأثير على البشر وإغوائهم، إلا عباد الله المخلصين فلا 

سلطان لهم عليهم كما قال سبحانه: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)} [ص: 82، 83].

والجن كالإنس يعرفون الحق من الباطل، والرشد من الغي، والخير من الشر.

وقد شاء الله عزَّ وجلَّ أن تعرف الجن نبأ الرسالة الأخيرة، وأن يؤمن فريق منهم لما سمعوا القرآن، ثم دعوا قومهم إليه: {قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32)} [الأحقاف: 30 - 32].

وحين سمعوا الهدى من ربهم أسلموا فوراً كما قال سبحانه عنهم: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)} [الجن: 13].

وهؤلاء الجن الذين سمعوا القرآن من النبي - صلى الله عليه وسلم - شعروا أن عليهم واجباً في

 الإنذار لا بد أن يؤدوه، واعتبروا نزول هذا الكتاب إلى الأرض دعوة من الله لكل من بلغته من إنس وجن، فنادوا قومهم: {يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ

 يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31)} [الأحقاف: 31].

والله تبارك وتعالى خلق الجن والإنس ليعبدوه كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 56 - 58].

وللجن طبيعة مزدوجة كطبيعة الإنسان في الاستعداد للهدى والضلال كما قال 

الله عنهم: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا } [الجن: 11].

وهذا الإقرار من الجن يفيد ازدواج طبيعة الجن، واستعدادهم للخير والشر كبني 

آدم، إلا من تمحض للشر منهم، وهو إبليس وقبيله.

فليس كل الجن يمثلون الشر، بل فيهم المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي، ولكن تمحض من الجن للشر إبليس وذريته كما قال سبحانه: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } [البقرة: 34].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والثلاثون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق الجن

والمؤمنون من الجن يعرفون عظمة الله وقدرته، ويدركون أنهم لا يستطيعون الهرب من سلطانه، ولا الإفلات من قبضته، كما حكى الله عنهم أنهم قالوا: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12)} [الجن: 12].

وهم يتأثرون بسماع الهدى كالإنس فيؤمنون، وهم مطمئنون إلى عدل الله وقدرته، مؤمنون أن الله لا يبخس المؤمن حقه، ولا يرهقه فوق طاقته.

والجن كالإنس في الهدى والضلال، والجزاء على الهدى أو الضلال كما قال سبحانه: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)} [الجن: 14، 15].

فالجن كالإنس يعذبون بالنار، وينعمون بالجنة، حسب إيمانهم وأعمالهم، وكل ميسر لما خلق له. والله عزَّ وجلَّ أمر الإنس والجن بعبادته، وأعطاهم القدرة على امتثال الأوامر والعمل بالشرع، وأعطى كل جنس من الطاقات والقدرات ما يناسب حاله. فإذا استطاع إنسان أن يسخر جنياً فقد حصل على فرصة أكبر من أفراد جنسه، فهو يستطيع أن يفعل مالا يستطيع أن يفعله غيره من البشر.

فإذا استبد بهذا الإنسان هواه وأنانيته، واستخدم هذه الميزة في الشر بدلاً من الخير، سلط الله عليه ما يجعله مرهقاً متعباً في حياته.

ولذلك نجد أمثال هؤلاء الناس يعيشون حياة تعسة شقية، وينتهي أمرهم 

بالانتحار أو الجنون أو النكد.

فالذي يأخذ فرصة أعلى من غيره قد تشقيه ولا تسعده، والذي يعطيه الله فرصة أقوى، إذا لم يستخدمها في الخير، سلط الله عليه الشقاء.

فالذي يستعين بقوى غير قوى البشر كالجن مثلاً، نجد شكله منفراً، ورغم أنه 

قد يستخف بعقول بعض البشر، ويحصل منهم على أموال، إلا أننا نجده دائماً مفلساً معسراً قلقاً، ويموت غالباً على أسوإ حال. 

فالفرصة غير المتكافئة لا تجلب له إلا الشقاء كما قال سبحانه: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ 

مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)} [الجن: 6].

والله سبحانه حينما سخر الجن لسليمان - صلى الله عليه وسلم -، سخرهم لنفع الناس، وعمارة الأرض، ولم يسخرهم في الإيذاء كما قال سبحانه عن سليمان - صلى الله عليه وسلم -: 

{وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ 

عَذَابِ السَّعِيرِ ، يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ 

وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 12، 13]. وما أكثر الغاوين الذين أغواهم الشيطان وأضلهم من الجن والإنس .. أعطاهم الله القلوب والأسماع والأبصار .. ولكنهم لم يستعملوا هذه النعم فيما خلقت له .. من معرفة الله والإيمان به وطاعته.

فهؤلاء جديرون بأن يكونوا من أهل النار كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)} [الأعراف: 179]. [ الأنترنت – موقع الكلم الطيب – خلق الجن ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والثلاثون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق النار

قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ، أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ 

الْمُنْشِئُونَ ، نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ } [الواقعة: 71 - 73].

وقال الله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)} [يس: 80]. الله تبارك وتعالى هو الواحد القهار، خلق المخلوقات وقهر بعضها ببعض، وسلط بعضها على بعض.

خلق سبحانه الجبال، وسلط عليها الحديد، فهو يقطعها ويكسرها.

وخلق النار، وسلطها على الحديد، فهي تذيبه بأمر الله.

وخلق الماء، وسلطه على النار، فهو يطفئها بأمر الله.

وخلق الرياح وسلطها على الماء، فهي تقهر الماء بأمر الله وتفرقه.

وخلق الظلمات وسلط عليها النور فهو يبددها.

والله حكيم عليم، خلق النار على ما هي عليه من الكمون والظهور، فإنها لو كانت ظاهرة أبداً كالماء والهواء كانت تحرق العالم، وتنتشر ويعظم الضرر بها والمفسدة.

ولو كانت كامنة لا تظهر أبداً لفاتت المصالح المترتبة على وجودها.

فاقتضت حكمة الله عزَّ وجلَّ، أن جعلها مخزونة في الأجسام، يخرجها الإنسان عند حاجته إليها.

وخص الله سبحانه بالنار الإنسان دون غيره، فإنه لو فقدها لتعطلت له مصالح

 كثيرة، من التدفئة والإنارة، وإنضاج الأطعمة، وتركيب الأدوية، وغير ذلك من المنافع التي يستفيد منها الإنسان.

والنار خلقها الله عزَّ وجلَّ تصعد إلى العلو، فلولا قدرة الله التي تمسكها لذهبت صاعدة، كما أن الجسم الثقيل لولا الممسك له لخرَّ نازلاً.

فسبحان القوي العزيز الذي أعطى الجسم الثقيل القوة التي يهبط بها إلى أسفل، وأعطى النار هذه القوة التي تصعد بها إلى أعلى.

وهذه النار العظيمة التي خلقها الله، والتي تأكل الأخضر واليابس، وتلتهم 

الغابات، وتذيب الحديد والمعادن، هي جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، قال: فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءاً، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا» متفق عليه

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون

 بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق النار

والله جل جلاله خلق النار وحبسها في الحطب والخشب، وفي باطن الأرض، ولو أذن الله لها أن تخرج لأهلكت ما على وجه الأرض من مخلوق، ولكن الله عزَّ 

وجلَّ يخرج منها بقدر، ليتذكر الناس به النار الكبرى يوم القيامة، وليستمتعوا بمنافعها، كما قال سبحانه: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ } [الواقعة: 73].

والنار التي خلقها الله سبحانه أربعة أنواع:

الأولى: نار لها إشراق وإحراق كالشمس، وكالنار المعروفة.

الثانية: نار لها إحراق بلا إشراق، وهي نار جهنم المظلمة.

الثالثة: نار لها إشراق بلا إحراق، وهي النار التي خلقها الله في الشجرة وكلّم  موسى - صلى الله عليه وسلم - عندها.

الرابعة: نار ليس لها إشراق ولا إحراق، وهي النار المحبوسة في الحطب والخشب، فهي مخزونة، فإذا أشعلت صار لها إشراق وإحراق.

فسبحان الخلاق العليم الذي جعل من الشجر الأخضر ناراً يابسة ملتهبة: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ } [يس: 80].

والله رؤوف بالعباد، وهو الواحد القهار .. الذي قهر هذه النيران المخزونة في 

باطن الأرض .. والمودعة في باطن الأخشاب والحطب .. والمشتعلة الملتهبة في الشمس.

هذه النيران لو خرجت على الناس من ذا يقف لها؟.

ومن ذا ينجو منها لو أرسلها الله على الناس؟.

ومن ذا يطفئها لو اشتعلت في الكون؟.

وقد خلق الله النار تأكل وتذيب ما وضع فيها، ولكن زمامها بيده سبحانه، إن شاء أشعلها وأحرق بها من شاء من أعدائه.

وإن شاء جعلها تشتعل ولا تحرق، بل قلب حالها برداً وسلاماً لمن شاء من 

أوليائه كما قال سبحانه عن خليله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ، قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ } [الأنبياء: 68 - 69].

اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة .. وفي الآخرة حسنة .. وقنا عذاب النار.

{رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192)} [آل عمران: 192]. اللهم {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)} [الفرقان: 66. 65]. [ الأنترنت – موقع الكلم الطيب – خلق النار ]  إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق الجبال

قال الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } [النبأ: 6، 7].

وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)} [فاطر: 27، 28].

خلق الله تبارك وتعالى الجبال، وجعل فيها من المنافع ما لا يحصيه إلا من خلقها ونصبها. وجعل سبحانه الثلج يسقط عليها، فيبقى في قُللها حاضناً لشراب البهائم والناس إلى حين نفاده. ويذوب الثلج من الجبال تدريجياً، فتجيء منه السيول الغزيرة، وتسيل منه الأنهار والأودية، فينبت في المروج والوهاد والربى ضروب النبات والأشجار. والله حكيم عليم، فلولا الجبال لسقط الثلج على وجه الأرض، فانحل جملة، وساح دفعة واحدة، فعدم وقت الحاجة إليه.

ولو انحل جملة لأهلكت تلك السيول ما مرت عليه من نبات وحيوان، ودار وإنسان.

وقد خلق الله الجبال مختلفة الأشكال والألوان والأحجام، متعددة المنافع والصفات:

فمنها جبال بيض، وجبال حمر، وجبال خضر، وجبال صفر، وغرابيب سود وغيرها من الألوان المختلفة. ومنها جبال كبيرة، وأخرى صغيرة، وجبال طويلة، وأخرى قصيرة، وجبال متصلة، وأخرى منفصلة. 

وفيها من المنافع والمصالح والجواهر والمعادن ما لا يحصيه إلا الذي خلقها وأبقاها وأرساها، وملأها بالمنافع التي عرف بعضها الخلق، واكثرها لم يعرفوه.

ومن منافعها أن الله جعلها أعلاماً يستدل بها الناس في الطرقات، في البر 

والبحر والجو. ومن منافعها أن الله جعلها للأرض أوتاداً تثبتها، ورواسي لها لئلا تضطرب.

ومن منافعها ما يكون في حصونها وقللها من المغارات والكهوف والمعاقل التي هي بمنزلة الحصون والقلاع، وهي أيضاً أكنان للناس والحيوان: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} [النحل: 81].

ومن منافعها أنها ترد الرياح العاصفة، وتكسر حدتها، فلا تدعها تصدم ما تحتها، وجعلها سبحانه سبباً لرد السيول النازلة من أعلى، فلا تنزل جملة بل تأخذ ذات اليمين، وذات الشمال.

وخلقها الله عزَّ وجلَّ على أكمل هيئة وأنفعها، فلو طالت واستدقت كالحائط، لتعذر الصعود عليها والانتفاع بها، ولسترت عن الناس الشمس والهواء.

ولو بسطت ممتدة على وجه الأرض، لضيقت عليهم المزارع والمساكن، ولملأت السهل، ولما حصل لهم الانتفاع بها، ولما سترت عنهم الرياح، ولما حجبت السيول. ولو جعلت مستديرة كالكرة لم يتمكنوا من صعودها. فكان شكلها الذي خلقت عليه أولى الأشكال وأليقها وأحسنها وأوقعها على وفق المصلحة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الأربعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق الجبال

وخلق الله فيها من النباتات والأدوية والعقاقير ما لا ينبت في السهول والرمال.

ومن منافعها ما ينحت من أحجارها للبيوت والمباني، والأصباغ على اختلاف أصنافها وألوانها.

وأودع الله عزَّ وجلَّ في الجبال من الجواهر والمعادن على اختلاف أصنافها من

 الذهب والفضة، والنحاس والحديد، والرصاص والألماس، والزمرد والزبرجد،

وغير ذلك من المعادن النفيسة، والتي ما يزال الإنسان يجهل أكثرها.

وفيها ما يكون الشيء اليسير منه تزيد منفعته وقيمته على قيمة الذهب بأضعاف كثيرة كاليورانيوم والألماس وغيرها.

وفي الجبال من المنافع ما لا يعلمه ولا يحيط به إلا الله الذي فطرها وأبدعها، وقد عرف الإنسان من معادنها على ما يزيد على مائة نوع، وما جهله الإنسان أكثر.

وهذه المخلوقات والمنافع من أكبر الشواهد على قدرة باريها وفاطرها.

وهذه الجبال تسبح بحمد ربها، وتخشع له، وتسجد له، وتنشق وتهبط من 

خشيته كما قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي 

الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ 

(18)} [الحج: 18]. وقال سبحانه: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ، إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ } [ص: 17، 18].

وكل ما في الكون كائنات حية تسبح بحمد ربها، وتخشع له، ومنها هذه الجبال

 العظيمة التي تهبط من خشية ربها كما قال سبحانه: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)} [البقرة: 74].

وهذه الجبال العظيمة هي التي خافت كالسموات والأرض من ربها وفاطرها من حمل الأمانة، فأبت حملها، وأشفقت من ذلك كما قال سبحانه: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)} [الأحزاب: 72]. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والأربعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق الجبال

وقد فرق الله الجبال في الأرض، وفضل بعضها على بعض:

فمنها جبل الطور الذي كلم الله عليه موسى - صلى الله عليه وسلم -.

ومنها الجبل الذي تجلى له ربه فساخ وتدكدك من عظمة الله.

ومنها جبل أحد، الذي حبب الله رسوله وأصحابه له.

ومنها الجبلان اللذان جعلهما الله سوراً على بيته، وجعل الصفا في ذيل أحدهما، والمروة على ذيل الآخر. ومنها جبل عرفات، فلله كم ينزل عليه من الرحمات، والعفو عن الذنوب العظام في يوم عرفة. ومنها جبل حراء، الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخلو فيه بربه، حتى أكرمه الله بالرسالة في ذلك الغار.

فسبحان الكريم الذي يخلق ما يشاء ويختار، ويختص برحمته وتكريمه من شاء من الجبال والرجال، والأيام والليالي والبقاع.

وهذه الجبال العظيمة الشاهقة، لتعلم أن لها موعداً تنسف فيه نسفاً، وتصير 

كالعهن من هوله وعظمته، فهي مشفقة من هول ذلك الموعد منتظرة له، وهو يوم القيامة: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا ، وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا } [الطور: 9 - 10].

وقال سبحانه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ، فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ، لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ، يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا } [طه: 105 - 108].

وهذه الجبال العظيمة مع شدتها وصلابتها، أخبر عنها خالقها أنه لو أنزل عليها كلامه لخشعت وتصدعت من خشية الله كما قال سبحانه: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)} [الحشر: 21].

فوا عجباً من مضغة لحم أقسى من هذه الجبال .. تسمع آيات الله ومواعظه تتلى عليها .. ويذكر الرب جل جلاله فلا تلين ولا تخشع ولا تنيب .. وتفر من المواعظ كفرار الحمر من الأسود: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)} [المدثر: 49 - 51].

فليس بغريب على الله عزَّ وجلَّ، ولا يخالف حكمته أن يخلق لها ناراً تذيبها إذا 

لم تلن على كلامه وذكره، ولم تروعها زواجره، ولم تؤثر بها مواعظه.

إن من لم يلن لله قلبه في هذه الدار، ولم ينب إليه، ولم يبك من خشيته، فليتمتع قليلاً، فإن أمامه الملين الأعظم، وسيرد إلى عالم الغيب والشهادة فيرى ويعلم كما قال سبحانه: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)} [الغاشية: 25، 26].

يا حسرة على العباد .. متى يستفيدون من عقولهم؟ .. ومتى يرون بأبصارهم؟ .. ومتى يؤمنون بقلوبهم؟ .. وماذا ينتظر المكذبين لربهم.

{فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24)} [الانشقاق: 20 - 24]. وإذا عرفنا قوة السموات والأرض .. وقوة الملائكة العظام .. وقوة المياه والرياح .. وقوة البحار والجبال.

فكم تكون قوة الجبار الذي خلق هذه المخلوقات .. ؟.

وكم سعة خزائنه التي وسعت هذه المخلوقات العظام .. ؟.

ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا 

فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)} [الأعراف: 155]. [ الأنترنت – موقع الكلم الطيب – خلق الجبال ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانيةوالأربعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*خلق المياه والبحار

قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ 

تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ 

الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)} [النحل: 10، 11].

وقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)} [الأنبياء: 30].

وقال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)} [النحل: 14].

الله تبارك وتعالى خالق كل شيء، خلق الماء، وأودع بعضه في السحاب،

 وأرسل عليه الرياح تحمله بأمر الله، وتسوقه إلى ما شاء الله من البلاد والعباد: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا } [الفرقان: 48 - 50].

إن خلق الماء بذاته آية، يجتمع ويتفرق بأمر الله، إن شئت رأيته قطرات، وإن شئت رأيته بحراً محيطاً بهذه الأرض، وبهذا الماء جعل الله كل شيء حي.

ثم جمعه في السحاب آية أخرى، ثم سير هذا البحر العظيم في جو السماء آية 

أخرى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)} [الأعراف: 57].

ثم نزول الماء من السحاب إلى الأرض على شكل قطرات آية أخرى.

ثم جمعه وإسكانه في الأرض وحفظه آية أخرى.

ثم تفجره بعد ذلك من الأرض ينابيع وعيوناً آية أخرى.

ويد الله تمسكه فلا يذهب في الأغوار البعيدة التي لا يظهر منها أبداً: {أَلَمْ تَرَ 

أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)} [الزمر: 21].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثةوالأربعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*خلق المياه والبحار

وحياة النبات التي تعقب نزول الماء وتنشأ عنه آية عجيبة من آيات ربك.

وقبول الأرض لهذا الماء وابتهاجها به، وإظهارها زينتها بسببه آية أخرى.

ورؤية النبتة الصغيرة وهي تكشف حجاب الأرض عنها، وتزيح أثقال الركام من فوقها، وتتطلع إلى الفضاء والنور والحرية آية أخرى.

ورؤية النبتة والشجرة، وهي تصعد رويداً رويداً إلى الفضاء آية أخرى.

كل ذلك كفيل بأن يملأ القلب المفتوح ذكرى، وأن يثير فيه الإحساس بالله الخالق المبدع: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } [الأعلى: 2، 3].

وهذا الزرع المختلف الألوان في البقعة الواحدة .. بل في النبتة الواحدة .. 

بل في الزهرة الواحدة .. يسقى بماء واحد .. ويخرج من أم واحدة .. إنه معرض لإبداع قدرة الرب تبارك وتعالى.

وهذا الزرع النامي، له أجل وله عمر يبلغ تمامه، ويستوفي أيامه، ثم يهيج فتراه مصفراً، وقد بلغ غايته المقدرة له، فينضج للحصاد، ثم يكون حطاماً، قد استوفى أجله، وأدى دوره، وأنهى دورته مطيعاً نافعاً، كما قدر له واهب الحياة سبحانه، وفي ذلك ذكرى لأولي الألباب والعقول.

وكما ينزل الله الماء من السماء، فيحيي به الأرض بعد موتها، وينبت للعباد به 

زرعاً مختلفاً ألوانه، كذلك ينزل سبحانه من السماء وحياً وذكراً تتلقاه القلوب الحية فتنفتح وتنشرح، وتغير به بإذن الله وجه الحياة البشرية، بأحسن الأخلاق، والآداب، والعبادات، والمعاملات، والمعاشرات.

وتتلقاه القلوب القاسية فلا تنتفع به، كما تتلقى الصخرة القاسية الماء فلا يؤثر فيها: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)} [الزمر: 22].

والله عزَّ وجلَّ عليم حكيم، يشرح للإسلام قلوباً يعلم منها الخير، فيصلها 

بنوره، فتشرق به وتستضيء.

أما القلوب القاسية فهي مظلمة جافة معتمة، لا تقبل الهدى وإن رأته وسمعته، كما لا يقبل الحجر الإنبات مع نزول المطر عليه.

فسبحان من أنزل من السماء الماء والهدى، وجعل من القلوب ما يقبل الهدى، ومنها ما لا يقبل، وجعل من الأرض ما يقبل الماء، ومنها ما لا يقبل، والله بكل شيء عليم، وبعباده خبير بصير.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعةوالأربعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*خلق المياه والبحار

ألا ما أجهل الإنسان بربه، وما أجهله بمخلوقاته، وما أجهله بنعمه؟.

هذه المياه الغزيرة المتوفرة في العالم من خلقها؟.

وهذه المياه التي يحملها السحاب من أنزلها من السماء؟.

وهذه المياة المجموعة في بطن السحاب من فرقها على الجبال والسهول والوهاد والبطاح؟.ومن سيّرها في الأنهار؟ .. ومن فجّرها من العيون؟.

ومن ساقها شراباً عذباً للبهائم والأنعام، والناس والنبات؟

{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)} [الواقعة: 68 - 70].

والماء الذي ينزل من السماء في كل لحظة في العالم يعرفه كل إنسان، ويراه كل إنسان، ولكن أكثر الناس يمرون عليه ويمر بهم، وهم في غفلة لا يذكرون من خلقه وأنزله وقسمه، وذلك لطول الإلفة والتكرار: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)} [يوسف: 105].

والله سبحانه ينزل الماء بقدر إلى الأرض، لا يزيد فيغرق الأرض ومن عليها، ولا يقل فتجف الأرض، وتذبل الحياة ويهلك من عليها: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} [الحجر: 21].

فالله أنزل الماء بقدر معلوم، ليحيي به الأرض بعد موتها، ويسقي به العباد والبهائم، وليدل على البعث والنشور.

فالذي أنشأ الحياة أول مرة، كذلك يعيدها سبحانه، والذي أخرج الأحياء أول

 مرة من الأرض الميتة، كذلك يخرج الأحياء منها يوم القيامة: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ

 السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11)} [الزخرف: 11].

فسبحان من خلق هذه المياه العظيمة، وصرفها في البلاد والعباد، وجعل منها ما يجري في جو السماء، ومنها ما يجري على ظهر الأرض كالأنهار، وما يستكن في باطن الأرض، وما يستقر في البحار، وما ينبع من الأرض.

وسبحان من خلق الماء نوعاً واحداً، وجعل منه الحار والبارد .. والحلو والمر .. والعذب والمالح .. والساكن والجاري .. والسائل والجامد.

ومنه ما يعيش فيه هذا النبات، وهذا الحيوان، ومنه ما لا يعيش فيه إلا هذا

 النبات وهذا الحيوان، كما في البحار والأنهار.

وسبحان من جعل من هذا الماء بحرين، وجعل فيهما من المنافع والأرزاق والنعم ما لا يحصيه إلا الله، وجعل لكل بحر طبيعة وأحياء لا تعيش إلا فيه، وخلائق ومنافع تحصل منهما معاً: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)} [فاطر: 12].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والأربعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*خلق المياه والبحار

ومن آيات الله عزَّ وجلَّ، وعجائب مخلوقاته، هذه البحار العظيمة المكتنفة لأقطار الأرض والمحيطة بها، حتى إن المكشوف من الأرض بالنسبة إلى الماء كجزيرة صغيرة في بحر عظيم، وبقية الأرض مغمور بالماء، فالأرض في البحر كبيت في جملة الأرض.  ولولا إمساك الرب تعالى للماء بقدرته، لطفح على الأرض وعلاها كلها، وهذ طبع الماء، ولكن الذي خلقه وطبعه حبسه وقهره.

وخلق الله عزَّ وجلَّ في البحار أجناساً مختلفة من الحيوانات، لها أشكال ومقادير وألوان، ولها منافع ومضار، حتى إن فيها حيواناً كالجبل لا يقوم له شيء، وما من صنف من أصناف حيوان البر إلا وفي البحر مثله غالباً، وفيه أجناس كثيرة لا يعهد لها نظير في البر أصلاً.

وقد خلق الله هذه البحار العظيمة، وجعلها داراً وسكناً ومسرحاً لما لا يحصيه إلا الله من الأسماك المختلفة الأشكال والأحجام:

فمنها الكبير والصغير .. والطويل والقصير .. والمسالم والمفترس .. وما يبيض وما

 يلد .. وما يعيش في أعلاه .. وما يعيش في أسفله .. وما يعيش في البحار .. وما يعيش في الأنهار.

والأسماك أمم وقبائل لا يعلمها إلا الله، ولا يحصيها إلا الذي خلقها، وتكفل بأرزاقها، وقام بأمرها، وأذن ببقائها.

فسبحانه من إله ما أرحمه، ومن رب ما أعظمه، ومن غني ما أكرمه: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)} [الزمر: 6].

وخلق الله الحكيم العليم السمك بدون قوائم، لأنه لا يحتاج إلى المشي، إذ كان 

مسكنه الماء الذي يسبح فيه.

وخلق له سبحانه عوضاً عن القوائم أجنحة شداداً، يقذف بها من جانبيه، وكسى جلده قشوراً متداخلة ليقيه من الآفات، وأعين بقوة الشم، لأن بصره ضعيف والماء يحجبه، فصار يشم الطعام من بعد فيقصده ويأكله.

وجعل سبحانه من فيه إلى صماخه منافذ، فهو يصب الماء فيها بفيه، ويرسله من صماخيه فيتروح بذلك، كما يأخذ الحيوان البري النسيم البارد بأنفه، ثم يرسله ليتروح به. فالماء للحيوان البحري كالهواء للحيوان البري، فهما بحران، أحدهما 

ألطف من الآخر، وفي كل بحر أمم تعيش فيه.

بحر الهواء يسبح فيه حيوان البر. وبحر الماء يسبح فيه حيوان البحر.

ولو فارق أحد الصنفين بحره إلى البحر الآخر لمات، فكما يختنق الحيوان البري في الماء، يختنق كذلك الحيوان البحري في الهواء.

فسبحان من خلق هذا وهذا، وجعل لهذا عالم من الحيوان والنبات يناسبه، ولهذا عالم آخر يناسبه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)} [الرعد: 3].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والأربعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*خلق المياه والبحار

والسمك أكثر الحيوانات نسلاً، ولهذا يوجد في السمكة الواحدة من البيض أعداد هائلة، وحكمة ذلك أن يتسع لما يتغذى به من أصناف الحيوان، فإن أكثرها يأكل السمك.

فالناس تأكل السمك .. والطير تأكله .. والحيوانات والسباع تأكله .. ودواب

 الأرض تأكله .. والسمك الكبار تأكله .. فكثَّره جل وعلا ليكون غذاء وطعاماً

 لهذه الأصناف التي لا يحصيها إلا الله.

والبحر قسمان: علوي .. وسفلي.

فأما البحر السفلي فهو في الأرض، وهو نوعان: عذب، ومالح. وأعظمها وأكبرها وأوسعها، هذا البحر الأعظم المحيط بجميع الأرض، وهو البحر المالح، ويغمر نحو ثلاثة أرباع الأرض، ويتصل بعضه ببعض، ويشغل اليابس الربع، وهذا اليابس كجزيرة صغيرة في بحر عظيم.

وأما البحرالعذب فيشمل الوديان والأنهار.

وقد خلق الله البحرين، وجعلهما يلتقيان، ولكنهما لا يبغيان، ولا يتجاوز كل منهما حده المقدر، ووظيفته المقسومة، وبينهما برزخ من صنع الله وآياته العجيبة: 

{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)} [الرحمن: 19 - 21].

وتقسيم الماء على هذا النحو في الأرض، لم يجيء مصادفة ولا جزافاً، بل هو مقدر تقديراً عجيباً من العزيز العليم.

وهذا القدر الواسع من الماء المالح، هو اللازم بدقة لتطهير جو الأرض، وحفظه

 دائماً صالحاً للحياة والعافية.

ومن هذا البحر الواسع تنبعث الأبخرة بأمر الله، تحت تأثير حرارة الشمس، وتأتي الرياح فتثيرها سحاباً يجري في السماء، وهي التي تعود بأمر الله فتسقط أمطاراً، يتكون منها الماء العذب، فيروي الأرض، وتجري منه الأنهار: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48)} [الروم: 48].

وعلى هذا الماء العذب الذي ينزله الله من السماء، ويفرقه في البلاد، تقوم حياة النبات والحيوان والإنسان.

وتصب جميع الأنهار في البحار، وهي التي تنقل إليها أملاح الأرض، ومستوى سطح الأنهار أعلى في العادة من مستوى سطح البحر، ومن ثم لا يبغي البحر على النهر الذي يصب فيه، ولا يغمرمجراه بمائه المالح فيحوله عن وظيفته: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53)} [الفرقان: 53].                                       إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والأربعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*خلق المياه والبحار

وهذا البحر العظيم لولا أن الله يمسكه لفاض على الأرض وأغرق ما فيها، ولكن الله يحبسه ويمسكه، وسيفجره عند قيام الساعة ويجره.

وفي البحر نباتات وأشجار لا يحصيها ولا يعلمها إلا الله وحده.

ومن آيات الله في البحرين أنه: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } [الرحمن: 22].

واللؤلؤ أصله حيوان، ففي البحر عجائب، ولعل اللؤلؤ من أعجب ما في البحار،

 فهو يهبط إلى الأعماق، وهو داخل صدفة، وله شبكة تسمح بدخول الماء والهواء والغذاء إلى جوفه، وتمنع دخول الرمل والحصى، وتحت الشبكة أفواه الحيوان، فإذا دخلت ذرة رمل أو حصاة إلى الصدفة سارع الحيوان إلى إفراز مادة لزجة يغطيها بها، ثم تتجمد مكونة لؤلؤة، وعلى حسب حجم الجسم الذي دخل يختلف حجم اللؤلؤة.

والمرجان من عجائب مخلوقات الله التي تعيش في البحار، يثبت نفسه على صخرة أو عشب، وفتحة فمه محاطة بزوائد إذا لمست الفريسة أصيبت بالشلل في الحال، فتأكلها بعد دخولها الفم.

ومن اللؤلؤ والمرجان يتخذ الناس حلياً غالية الثمن، جميلة المنظر.

هذا مع ما فيه من العنبر، وأصناف النفائس التي يقذفها البحر، أو يستخرجها الناس بوسائل الصيد.

ثم انظر إلى عجائب السفن وسيرها في البحر، تشقه وتمخره بواسطة الرياح التي سخرها الله، فإذا حبس الله القائد والسائق ظلت راكدة على ظهره: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)} [الشورى: 32 - 33].

وهذه البحار العظيمة، والمحيطات الواسعة من أنشأها؟.

ومن أودع هذه البحار خصائصها من كثافة وعمق وسعة، حتى تحتضن ما لا يحصيه إلا الله من الأسماك والمخلوقات والنباتات؟.

ومن سخرها لتحمل السفن الضخام، والسفن الجواري، وحفظها من أمواج البحار والعواصف والقواصف؟.

وهذه السفن التي كالجبال من أنشأ مادتها، وأودعها خصائصها، وجعلها تطفو على وجه الماء بما فيها من الأجسام الثقيلة؟.

وهذه الريح التي تدفع ذلك النوع من السفن، وغير الريح من القوى التي دل الله الإنسان عليها وسخرها له من بخار أو ذرة أو وقود، تدفع تلك السفن الضخام، من جعلها قوة في هذا الكون تحرك الجواري في البحر كالأعلام؟.

إن الله تبارك وتعالى هو الذي يسير المخلوقات في البر والبحر، لو شاء أسكن الريح، أو عطل محركات السفن، فظلت هذه الجواري راكدة على ظهر البحر.

وإنها لتركد أحياناً، فتهمد هذه الجواري وتركد كما لو كانت قد فارقتها الحياة، إن

 في إجرائهن وركودهن على السواء لآيات لكل صبار شكور: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً

 وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } [الشعراء: 8، 9].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والأربعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*خلق المياه والبحار

فسبحان من خلق المياه، وسقى بها البلاد والعباد.

وسبحان من أسكنها في باطن الأرض، وأجراها في الأنهار، وجمعها في البحار، وحملها في السحاب، وفرقها على النبات والحيوان والإنسان.

وسبحان الكريم الذي ملأ البحر بضروب من الحيوانات والنباتات، واللؤلؤ والمرجان، والجواهر والنفائس.

وما أوسع ملكه .. وما أكثر خلقه وجنوده التي لا يعلمها إلا هو: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [لقمان: 11].

وهذا الماء العذب الذي نشربه كل يوم ما دور الإنسان فيه؟.

دوره أنه يشربه وينتفع به، أما الذي أنشأه من عناصره، وأما الذي أنزله من سحائبه فهو الله سبحانه.

وهو سبحانه الذي قدر أن يكون الماء عذباً فكان.

فمتى يشكر الإنسان فضل الله عليه في خلق رزقه وسوقه إليه حيثما كان: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)} [الواقعة: 68 - 70].

فسبحان من جمع المياه العظيمة في السحاب، وأمسكها بقدرته، وسيرها في هذا الكون العظيم، ثم أنزلها على شكل قطرات لا يحصيها إلا الله، وفرقها على الجبال والسهول والوديان والبحار، ثم جمعها في العيون والأنهار والبحار.

وسبحانه من حكيم عليم يجمعها إذا شاء لمن شاء، ويفرقها حيناً إذا شاء لمن شاء: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)} [النازعات: 26].

وأما البحر العلوي فهو البحر الذي فوق السماء السابعة، الذي عليه عرش الرحمن، وهو بحر عظيم لا يعلم عظمته وسعته إلا علام الغيوب: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ السموات وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاء» أخرجه مسلم

فسبحان من خلق هذه الروايا العظيمة، وحملها على ظهر الريح، وسيرها بأمره حيث شاء، فهي مأمورة مدبرة بأمر ربها.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاةٍ مِنَ الأرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتاً فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ» أخرجه مسلم . [ الأنترنت – موقع الكلم الطيب – خلق المياه والبحار ]                       إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والأربعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*خلق الملائكة 

قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [فاطر: 1].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خُلِقَتِ الْمَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ» أخرجه مسلم

الله تبارك وتعالى خالق كل شيء: خلق السموات والأرض، وخلق الليل والنهار، وخلق ما نراه وما لا نراه من الأجسام والأرواح. خلق الدنيا والآخرة، وخلق الإنس والجن، وخلق الملائكة والروح، وخلق الأبدان والعقول.

والملائكة خلق عظيم من خلق الله، خلقهم الله من نور، وجبلهم على الطاعات.

والملائكة خلق عظيم لا يحصيهم إلا الله وحده، وهم كغيرهم متفاوتون في الخلق والصفات والأعمال.

وعالم الشهادة يسيره الله بالأسباب الظاهرة، وعالم الغيب يسيره الله بالملائكة.

والملائكة من حيث الرتبة عباد مكرمون، عابدون لله، وليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء.

وهم من حيث العمل، يعبدون الله ويسبحونه: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ } [الأنبياء: 19، 20].

وهم من حيث الطاعة، منحهم الله عزَّ وجلَّ الانقياد التام لأمره، وأعطاهم  القدرة على تنفيذه فهم: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم].

والملائكة خلق كثير لا يحصيهم إلا الله:

منهم حملة العرش .. وخزنة الجنة .. وخزنة النار .. والحفظة والكتبة .. وملائكة في السماء .. وملائكة في الأرض.

منهم من اختص الله بعلمهم، ومنهم من أعلمنا الله بأسمائهم وأعمالهم ومنهم:

1 - جبريل - صلى الله عليه وسلم -، وهو الموكل بالوحي إلى الأنبياء والرسل.

2 - ميكائيل - صلى الله عليه وسلم -، وهو الموكل بالقطر والنبات.

3 - إسرافيل - صلى الله عليه وسلم -، وهو الموكل بالنفخ في الصور.

4 - مالك، خازن النار، وهو الموكل بالنار.

5 - رضوان، خازن الجنة، وهو الموكل بالجنة.

ومنهم ملك الموت، الموكل بقبض الأرواح عند الموت.

ومنهم الملائكة الموكلون بحفظ بني آدم وكتابة أقوالهم وأعمالهم.

ومنهم الموكلون بالأجنة في الأرحام، يكتبون بأمر الله رزق الإنسان وعمله وأجله وشقي أو سعيد.

ومنهم الملائكة الموكلون بسؤال الميت في قبره عن ربه ودينه ورسوله.

وغيرهم كثير مما لا يحصيه إلا الله الذي أحصى كل شيء عدداً.

وقد وكل الله الملائكة الكرام الكاتبين، وجعلهم علينا حافظين، يكتبون الأقوال والأعمال كما قال سبحانه: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) 

يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)} [الانفطار: 10 - 12].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخمسون بعد 

الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*خلق الملائكة

ومع كل إنسان ملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من أمامه، وواحد من خلفه كما قال سبحانه: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11].

ووكل الله بالجبال ملائكة .. ووكل بالأرحام ملكاً يقول: يا رب نطفة؟ .. يا رب

 علقة؟ .. يا رب مضغة؟ .. يا رب ذكر أم أنثى؟ .. فما الرزق؟ .. فما الأجل؟

 .. وشقي أم سعيد؟.

ووكل سبحانه بالموت ملائكة .. ووكل بسؤال الموتى ملائكة .. ووكل بالرحمة 

ملائكة .. ووكل بالعذاب ملائكة.

ووكل بالمؤمن ملائكة يثبتونه ويُوزونه إلى الطاعات .. ووكل بالجنة ملائكة يبنونها ويفرشونها .. ويصنعون أرائكها وسررها .. وصحافها ونمارقها .. ووكل بالنار ملائكة يبنونها ويوقدونها .. ويصنعون أغلالها وسلاسلها .. ويقومون بأمرها.

ووكل بالبحار ملائكة تسجرها وتمنعها أن تفيض على الأرض .. فالملائكة هي

 المدبرات أمراً .. وهم رسل الله في تنفيذ أوامره في ملكه.

والملائكة كما أنهم متفاوتون في العمل فهم كذلك متفاوتون في الخلق.

فإسرافيل ينفخ في الصور النفخة الأولى، وهي نفخ الصعق، فيصعق بنفخة واحدة من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه نفخة البعث، فيقوم الناس ليوم البعث كما قال سبحانه: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)} [الزمر: 68]. وجبريل شديد القوة الظاهرة والباطنة، قوي على تنفيذ ما أمره الله بتنفيذه كما قال سبحانه: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6)} [النجم: 4 - 6]. 

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: «أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّ 

مِائَةِ جَنَاحٍ» متفق عليه 

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إلى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ» أخرجه أبو داود 

وحملة العرش من الملائكة يؤمنون بالله، ويسبحون بحمد ربهم، ويستغفرون 

للمؤمنين في الأرض كما قال سبحانه: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } [غافر: 7].

والملائكة أفضل من صالحي البشر باعتبار البداية، فإن الملائكة الآن في الرفيق الأعلى، منزهون عما يلابسه بنو آدم، مستغرقون في عبادة الرب، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، ولا ريب أن هذه الأحوال الآن أكمل من أحوال البشر.

وصالحو البشر أفضل باعتبار كمال النهاية، فيوم القيامة بعد دخول الجنة يصير حال صالحي البشر أكمل من حال الملائكة.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والخمسون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*خلق الملائكة

فالمؤمنون في الجنة في نعيم وسرور دائم: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} [الرعد: 23، 24].

وقد وكل الله عزَّ وجلَّ الملائكة بالعالم العلوي، والعالم السفلي، تدبره بأمره سبحانه، فتدبر الأمطار والنبات، والأشجار والمياه، والرياح والبحار، والأجنة والحيوانات، والجنة والنار وغير ذلك مما لا يحصيه ولا يعلمه إلا الله.

وقد أقسم الله بالملائكة الكرام، وأفعالهم الدالة على كمال انقيادهم لأمر الله، وإسراعهم في تنفيذ أوامره فقال سبحانه: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} [النازعات: 1 - 5].                                                      فالملائكة قوية تنزع الأرواح بقوة، وتجذبها بقوة.

وهي سابحة في الهواء صعوداً ونزولاً، تسبق غيرها لتنفيذ أمر الله جل جلاله.

وتدبر أهل العالم العلوي والسفلي بأمر الله.

والملائكة يقومون بعبادة الله وطاعته، وتنفيذ أوامره بلا كلل ولا ملل: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء: 20]. والملائكة لا يأكلون ولا يشربون، ويموتون كما يموت الإنس والجن عند النفخ في الصور.

وللملائكة قدرة على التشكل كما جاء جبريل إلى مريم في صورة بشر كما قال سبحانه: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)} [مريم: 17].

وجاءت الملائكة إلى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - في صورة بشر، وجاءوا إلى لوط - صلى الله عليه وسلم - في صور شباب حسان الوجوه، وكان جبريل يأتي إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صورة دحية الكلبي، وتارة في صورة أعرابي يسأل عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة. والملائكة مستقيمون في عبادتهم، يتمون الصفوف، ويتراصون في الصف، وفي يوم القيامة يأتون صفوفاً منتظمة كما قال سبحانه: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} [الفجر: 22].

ويقفون صفوفاً بين يدي الله هناك: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38)} [النبأ: 38].

وهم معصومون من الخطأ، فهم بأمر الله يعملون: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ 

وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6].

فهم لا يفعلون إلا ما يؤمرون، فالأمر يحركهم، والأمر يوقفهم.

فسبحان من خلق هذا الخلق العظيم من الملائكة، وملأ بهم السموات السبع، وهم ملأوا السموات السبع بالتحميد والتقديس والتكبير والتهليل والاستغفار، تعظيماً وإجلالاً لربهم تبارك وتعالى. [ الأنترنت – موقع الكلم الطيب – خلق الملائكة ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانيةوالخمسون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق النجوم

قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)} ... [الأنعام: 97].

وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)} [الملك: 5].

خلق الله تبارك وتعالى النجوم لثلاث:

زينة للسماء .. ورجوماً للشياطين .. وعلامات يهتدى بها.

فما أعظم حكمة الرب تبارك وتعالى في خلق النجوم والكواكب، وكثرتها وعجيب خلقها، وما جعل الله فيها من النور والضوء، بحيث ترى مع بعدها المفرط، فهي منقادة بأمر ربها، جارية على سنن واحدة لا تخرج عنه.

فسبحان من خلق الكواكب والنجوم، وجعل لها البروج والمنازل، وجعل منها الثوابت والسيارة، والكبير والصغير، والقريب والبعيد، والمفرد والمجموع.

وفاوت بين ألوانها وأحجامها وحركاتها، وسيرها بقدرته:

فمنها الثابت، ومنها المتحرك، ومنها ما يسير وحده، ومنها ما يسير مع رفقته.

وسبحان من فاوت بينها، وحفظها وأبقاها، فلا تتقدم إلا بأمره، ولا تتأخر إلا بأمره، ولا تسكن ولا تحرك إلا بأمره كما قال سبحانه: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [النحل: 12]. وخالف سبحانه بين الكواكب في الطلوع والسير والمنازل:

فبعضها يطلع، وبعضها يغيب، ومنها السائر والمتحرك، ومنها ما يسير إلا مجتمعاً كالجيش الواحد، ومنها ما يسير وحده كالقائد.

ومنها ظاهر لا يغيب أبداً، جعلها الله بمنزلة الأعلام المنصوبة التي يهتدي بها الناس في الطرق المجهولة في البر والبحر، فهم ينظرون إليها متى أرادوا، ويهتدون بها حيث شاءوا كما قال سبحانه: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)} [النحل: 16]. فما أعظم هذه النجوم المنثورة في السماء، وما أحسنها وما أجملها. والجمال في خلق هذا الكون مقصود كالكمال.

والقرآن يوجه النظر إلى جمال السموات بعد أن وجه النظر إلى كمالها كما قال سبحانه: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)} [ق: 6].

فقد زين الله السماء الدنيا بمصابيح، وهي النجوم والكواكب الظاهرة للعين، نراها حين ننظر إلى السماء. ومشهد النجوم في السماء جميل، وهو جمال يأخذ القلوب، متجدد تتعدد ألوانه بتعدد أوقاته، ويختلف من صباح إلى مساء، ومن شروق إلى غروب، ومن الليلة القمراء، إلى الليلة الظلماء، ومن مشهد الصحو، إلى مشهد السحاب والضباب، بل إنه ليختلف من ساعة إلى ساعة، وكله جمال يأخذ الألباب.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثةوالخمسون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق النجوم

فسبحان الجميل الذي خلق الجمال في هذا الكون العظيم.

هذه الشمس الساطعة .. وهذا القمر الساري .. وهذا الفلك الواسع .. وهذه النجوم المنتثرة .. في هذا الفضاء الواسع .. الذي لا يمل البصر امتداده .. ولا يبلغ البصر آماده .. وهذه الأجرام الهائلة التي تزين السماء .. وتجري بأمر ربها مشرقة ومغربة. فسبحان من خلقها، وسبحان من جملها، وسبحان من سيرها 

.. وسبحان من أمسكها.

إن القرآن يوجه الإنسان إلى جمال السماء، وإلى جمال الكون، لأن إدراك جمال الكون، هو أقرب وسيلة لإدراك جمال خالق الوجود وعظمته: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)} [ق: 6].

فكم من نجم سابح في الفضاء؟ .. وكم من كوكب ساري؟ .. وكم من شهاب ثاقب؟. وكل كوكب وكل نجم له أمر من الله في خلقه .. وأمر في بقائه .. وأمر في حركته وسكونه.

فسبحان من خلقها وأمدها بالنور، وسيرها في ملكه العظيم، وهي سامعة مطيعة منقادة لأمر ربها، لا يصطدم منها نجم بآخر، ولا يواجه كوكب آخر.

وسبحان من نوع الآيات الدالة على عظمته وقدرته، وعلى صدق رسله، وجعلها للفطر تارة، وللسمع تارة، وللبصر تارة، وجعلها آفاقية ونفسية، ومنقولة ومعقولة، ومرئية بالعيون، ومرئية بالقلوب، فاستجاب من استجاب، وأبى الظالمون إلا كفوراً: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} [الحج: 46]. وإذا تأمل الإنسان ما في خلق هذا الكون من الآيات والعجائب .. وتدبر ما فيه من الحسن والتصريف والتدبير .. ورأى ما فيه من النعم والخيرات .. وظل معرضاً عن ربه .. ولم يخشع قلبه .. فليعلم أنه قد خسف بعقله وقلبه .. وأنه قد ركبه عدوه .. وسار به إلى النار.

فليطلب السلامة والنجاة من عدوه من ربه العزيز الرحيم.

{وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)} [يوسف: 105].[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب – خلق النجوم ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعةوالخمسون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق الشمس والقمر

قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)} ... [الأنبياء: 33].

وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)} [نوح: 15، 16].

الله تبارك وتعالى هو الذي خلق الشمس والقمر، وجعل فيهما النور والإضاءة،

 وجعل لهما بروجاً ومنازل، ينزلانها مرحلة بعد مرحلة، لإقامة دولة السنة، وتمام مصالح حساب العالم.

وبذلك يعلم الناس حساب الأعمار، وآجال الديون والإيجارات والمعاملات، وتتميز الأيام من الليالي، والليالي بعضها من بعض، ولولا حلول الشمس والقمر في تلك المنازل لم يُعلم شيء من ذلك كما قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)} [يونس: 5].

وقد قدر العزيز العليم طلوع الشمس والقمر وغروبهما لإقامة دولتي الليل والنهار، ولولا طلوعهما لبطل أمر العالم، ففي طلوعهما مصالح عظيمة للعباد، وفي غروبهما مصالح عظيمة، كما قال سبحانه: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)} [الإسراء: 12].

ففي النهار يسعى الناس والدواب في مصالحهم، ويتصرفون في معايشهم، وتدبير أمورهم. وفي الليل يهدأ الناس وينامون، فتنشط الأعضاء والأبدان، وتستعد لعمل جديد، بجسم نشيط.

ولولا الغروب لكانت الأرض تحمى بدوام شروق الشمس واتصال طلوعها حتى يحترق كل ما عليها من نبات وحيوان.

فصارت بأمر العزيز الحكيم، تطلع وقتاً بمنزلة السراج يرفع لأهل البيت، ليقضوا حوائجهم، ثم تغيب عنهم مثل ذلك ليقروا ويستريحوا.

وصار ضياء النهار، مع ظلام الليل، وحر هذا، مع برد هذا، مع تضادهما، متعاونين متظاهرين متعاقبين، بهما تمام مصالح العالم كما قال سبحانه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71)} ... [القصص: 71].

وقال سبحانه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} ... [القصص: 72].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والخمسون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* خلق الشمس والقمر

وفي حركة الشمس يظهر الله الليل والنهار، وفي ارتفاعها وانخفاضها يظهر الله بقدرته الأزمنة والفصول الأربعة (الصيف والشتاء، والربيع والخريف).

ولو كان الزمان كله فصلاً واحداً لفاتت مصالح الفصول الباقية.

فلو كان صيفاً كله لفاتت منافع الشتاء، ولو كان شتاء كله لفاتت منافع الصيف، وهكذا منافع الربيع والخريف.

ففي الشتاء تغور الحرارة بأمر الله في الأجواف وبطون الأرض والجبال .. 

فتتولد مواد الثمار وغيرها .. وتبرد الظواهر .. ويتكثف الهواء .. فيحصل السحاب والمطر .. والثلج والبرد .. الذي به حياة الأرض وأهلها .. واشتداد أبدان الحيوان وقوتها.

ثم يليه الربيع، وفي الربيع تظهر المواد المتولدة في الشتاء، فيظهر النبات، ويتنور الشجر بالزهر والثمر، ويتحرك الحيوان للتناسل.

ثم يليه الصيف، وفي الصيف يحتد الهواء ويسخن جداً، فتنضج الثمار بأمر الله عزَّ وجلَّ، وتنحل فضلات الأبدان والأخلاط التي انعقدت في فصل الشتاء، وتغور البرودة، وتهرب إلى الأجواف، ولهذا تبرد العيون والآبار، ولا تهضم المعدة الطعام التي كانت تهضمه في الشتاء، لأنها كانت تهضمه بالحرارة التي سكنت في البطون.

فإذا جاء الخريف اعتدل الزمان، وصفا الهواء وبرد، فانكسر ذلك السموم، وجعل الله الخريف برزخاً بين سموم الصيف، وبرد الشتاء، لئلا ينتقل الحيوان وهلة واحدة من الحر الشديد، إلى البرد الشديد، فيحصل له الأذى والضرر.

وكذلك جعل الله سبحانه الربيع برزخاً بين الشتاء والصيف، فينتقل فيه 

الحيوان من برد هذا، إلى حر هذا بتدريج وترتيب.

فتبارك الله أحسن الخالقين، وأحكم الحاكمين: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)} [الفرقان: 62].

وأعدل الأماكن التي يعيش فيها النبات والحيوان هي التي تتعاقب عليها الفصول الأربعة، وكل موضع لا تقع عليه الشمس، لا يعيش فيه حيوان ولا نبات، لفرط برده ويبسه، وكل موضع لا تفارقه كذلك، لفرط حره ويبسه.

فسبحان من يقلب الليل والنهار لمصالح العباد والحيوان والنبات: {يُقَلِّبُ اللَّهُ 

اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)} ... [النور: 44].

وسبحان القادر العليم الحكيم، الذي نور العالم كله بهذا الكوكب العظيم، فجعله سراجاً وهاجاً، يسير بأمر الله عزَّ وجلَّ، فتنتظم به مصالح العباد، ولو كانت الشمس تطلع في موضع من السماء فتقف فيه ولا تعدوه لما وصل شعاعها إلى كثير من الجهات، فيكون الليل سرمداً على من لم تطلع عليه، والنهار سرمداً على من طلعت عليه، فيفسد هؤلاء ... وهؤلاء.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والخمسون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* خلق الشمس والقمر

ولكن الله عزَّ وجلَّ بحكمته وعلمه وتدبيره قدر طلوعها من أول النهار من المشرق، فتشرق على ما قابلها من الأفق الغربي.

ثم لا تزال تجري وتغشى جهة بعد جهة، حتى تنتهي إلى المغرب، فتشرق على ما

 استتر عنها في أول النهار، فيختلف عندهم الليل والنهار، فتنتظم مصالحهم: 

{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)} ... [يس: 38].

والله حكيم عليم جعل في إنارة القمر والكواكب في ظلمة الليل حكماً عظيمة، فإن الله خلق ظلمة الليل لهدوء الحيوان، وبرد الهواء على النبات والأبدان، فيعادل حرارة الشمس، فيصلح النبات والحيوان.

وشاب سبحانه الليل بشيء من الأنوار، ولم يجعله ظلمة داجية لا ضوء فيه أصلاً، فلا يتمكن الإنسان والحيوان فيه من شيء من الحركة، كالسير وطلب الأكل ونحو ذلك. وجعل الله جل جلاله الشمس على حالة واحدة لا تقبل الزيادة 

والنقصان، لئلا تتعطل الحكم المقصودة منها.

وجعل القمر يقبل الزيادة والنقصان، يبدو هلالاً، ثم لا يزال في الزيادة حتى يكون بدراً، ثم ينقص حتى يعود كما بدا، وبذلك تتحقق مصالح للعباد كثيرة، من معرفة الأيام والآجال والأوقات.

فجعل الله الشمس للتوقيت اليومي، والقمر للتوقيت الشهري، وهما يجريان بأمر الله في مصالح العالم: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ 

(38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)} لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي

 لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)} ... [يس: 38 - 40].

وجعل في نور القمر من التبريد والتصلب، ما يقابل ما في ضوء الشمس من التسخين والتحليل، فتتم الحكمة وتحصل المصلحة من تعاقب هذا بعد هذا.

فسبحان الخلاق العليم، الذي جعل هذا الفلك العظيم بشمسه وقمره، ونجومه وكواكبه، وبروجه وفصوله، يدور على هذا العالم الكبير، هذا الدوران السريع المستمر، بتقدير محكم لا يزيد ولا ينقص، ولا يختل نظامه.

وذلك كله صادر عن كمال عزة الله وقدرته وعلمه: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام: 96].

وإذا تفكر الإنسان في أمر هذين النيرين العظيمين وجدهما من أعظم الآيات في خلقهما وجرمهما، ونورهما وحركتهما، كل واحد له نهج واحد، فهما دائبان، لا ينيان ولا يفتران، ولا يقع في حركتهما اختلاف بالبطء والسرعة. والذهاب والرجوع .. والعلو والهبوط.

ولا يجري أحدهما في فلك صاحبه، ولا يدخل عليه في سلطانه، ولا تدرك الشمس القمر، ولا يجيء الليل قبل انقضاء النهار، بل لكل حركة مقدرة، ونهج معين، وتأثير ومنفعة لا يشركه فيها الآخر.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والخمسون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* خلق الشمس والقمر

فسبحان من خلقهما .. وسبحان من نورهما وسيرهما.

وسبحان من سخرهما ودبرهما هذا التدبير العجيب لمنافع خلقه، وإظهار قدرته، وكمال علمه، ولطف تدبيره، وحسن حكمته: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)} [فصلت: 37].

وإذا كانت المخلوقات كلها ساجدة لربها، خاضعة لعظمته، مستكينة لعزته، عانية 

لسلطانه، السموات والأرض، والشمس والقمر، وسائر المخلوقات، فما بال 

الإنسان لا يشارك هؤلاء في عبادة ربه، ويسمع ويطيع؟.

إن من عدل عن عبادة الله إلى عبادة غيره فقد ضل ضلالاً بعيداً، وخسر خسراناً مبيناً: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } [الحج: 18].

فسبحان من خلق الشمس والقمر، وأودعهما النور والإضاءة، وجعل لهما بروجاً 

ومنازل تعرف بهما السنين والشهور، والأيام والليالي وتتحقق بهما مصالح العالم كما قال سبحانه: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)} [الإسراء: 12].

وخَلْق الشمس والقمر .. وطلوعهما وغروبهما .. من أعظم الأدلة على وقوع المعاد .. كما هو مشهود في إبداء الليل والنهار وإعادتهما .. وفي إبداء القمر ثم كماله ثم نقصانه .. وفي إبداء النور وإعادته في القمر .. وفي طلوع الشمس وغروبها .. وفي إبداء الزمان وإعادته .. وإبداء الحيوان والنبات وإعادتهما .. وإبداء فصول السنة وإعادتها .. وفي إبداء الحر والبرد وإعادتهما .. كل ذلك دليل ظاهر على المبدأ والمعاد الذي نزلت به الكتب، وأخبرت به الرسل.

وقد خلق الله الشمس وجعل لها ست حركات:

من المشرق إلى المغرب .. ومن الأسفل إلى الأعلى .. ومن الأعلى إلى الأسفل.

وجعل لها مشرقين في الصيف والشتاء، ومشارق ومغارب بعدد أيام السنة كما قال سبحانه: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)} [المعارج: 40، 41].

وهذا النور العظيم الهائل في الشمس .. وهذا النور العظيم في القمر .. وهذا النور الذي يشع من الكواكب والنجوم والأبصار، كل ذلك نور خلقه الله وأودعه تلك الأجرام. وإذا كان هذا نور الشمس والقمر والنجوم ... فكم يكون نور العرش الذي استوى عليه الرحمن؟. وإذا كان هذا نور مخلوقاته .. فكيف يكون نوره جل جلاله؟: فسبحان الذي كل خلق في العالم من خلقه ... وكل رزق في الكون من رزقه ... وكل نور في العالم من نوره.

{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)} ... [النور: 40]. 

[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب – خلق الشمس والقمر ]  

   إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والخمسون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خَلق الأرض

قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)} [السجدة: 4].

وقال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)} [ق: 6 - 8].

خلق الله الأرض مختلفة الأجناس والصفات والمنافع:

فهذه الأرض سهلة .. وهذه حزنة. وهذه صلبة .. وهذه رخوة .. وهذه سوداء .. وبجوارها بيضاء .. وهذه حصى كلها .. وبجوارها أرض ليس فيها حجر .. وهذه سبخة مالحة .. وبجوارها أرض خصبة طيبة .. وهذه طين أو رمل ليس فيها جبل .. وهذه مسجرة بالجبال .. وهذه تصلح لنبات كذا .. وهذه لا تصلح له .. وهذه تمسك الماء، ولا تنبت الكلأ .. وهذه تنبت الكلأ، ولا تمسك الماء: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)} ... [الرعد: 4]. فسبحان من نوعها هذا التنوع .. وفرق أجزاءها هذا التفريق .. ومن خص كل قطعة منها بما خصها به من المنافع والنبات والمعادن. وسبحان من ألقى عليها رواسيها .. وفتح فيها السبل .. وأخرج منها الماء والمرعى .. ومن بارك فيها .. وقدر فيها أقواتها.

وإذا نظر الإنسان إلى الأرض، وكيف خُلقت، رآها من أعظم آيات فاطرها ومبدعها. خلقها الله عزَّ وجلَّ فراشاً ومهاداً، وذللها لعباده، وجعل فيها أرزاقهم وأقواتهم ومعايشهم، وجعل فيها السبل لينتقلوا فيها في حوائجهم وتصرفاتهم، وأرساها بالجبال، وجعلها أوتاداً تحفظها لئلا تميد بهم.

ووسع سبحانه أكنافها، ودحاها، ومدها، وبسطها، وجعلها كفاتاً للأحياء تضمهم على ظهرها ما داموا أحياء، وكفاتاً للأموات تضمهم في بطنها إذا ماتوا، فظهرها وطن للأحياء، وبطنها وطن للأموات كما قال سبحانه: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26)} [المرسلات: 25، 26].

والأرض كائن حي، يحيا ويموت، فالماء حين يصيب الأرض، يبعث فيها بأمر الله الخصب، فتنبت الزرع الحي النامي، وتموج صفحاتها بألوان وأشكال من 

الأحياء من النباتات، والماء رسول الحياة من الله، فحيث كان تكون الحياة: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)} [الروم: 24].

   إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والخمسون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خَلق الأرض

فانظر إلى الأرض وهي ميتة هامدة خاشعة، فإذا أنزل الله عليها الماء اهتزت وتحركت، وربت واخضرت، وأنبتت من كل زوج بهيج، فأخرجت عجائب النبات في المنظر والمخبر.

أقوات وأزهار وثمار على اختلافها، وتباين مقاديرها وأشكالها، وألوانها ومنافعها،

 وأنواع الفواكه والثمار، ومراعي الدواب والطير: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا

 عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)} [الحج: 5].

ثم انظر إلى قطع الأرض المتجاورات، وكيف ينزل عليها ماء واحد، فتنبت الأزواج المختلفة المتباينة في اللون والشكل، والرائحة والطعم، والمنفعة والحجم، واللقاح واحد، والأم واحدة، والنتاج مختلف.

فسبحان من أودع هذه الأجنة المختلفة في بطن هذه الأم، وجعلها تحمل بذلك من لقاح واحد أمم وقبائل من النبات: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)} [الأنبياء: 30].

وسبحان من أحكم جوانب الأرض بالجبال الراسيات، الشوامخ الصم الصلاب، ونصبها فأحسن نصبها، ورفعها وجعلها أصلب أجزاء الأرض، لئلا تضمحل على تطاول السنين، وترادف الأمطار، وتوالي الرياح، وأتقن صنعها، وأحكم وضعها، وأودعها من المنافع والمعادن والجواهر والعيون ما أودعها، ثم هدى الناس للاستفادة منها، ولولا هدايته لهم إلى ذلك لم يعرفوه ولم يقدروا عليه: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)} [النبأ: 6، 7].

والله تبارك وتعالى هو الذي أنزل من السماء ماء مباركاً، وأسكنه في الأرض، يستفيد منه الإنسان والحيوان والنبات على مدار العام كما قال سبحانه: 

{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18)} ... [المؤمنون: 18].

فسبحان من أودع الماء في الأرض، ثم أخرج به أنواع الأغذية والأدوية والأشربة والأقوات على مدار العام.

فهذا لغذاء الإنسان .. وهذا لغذاء الحيوان .. وهذا سم قاتل. وهذا شفاء من السم .. وهذا حار .. وهذا بارد .. وهذا حلو .. وهذا مر .. وهذا حامض .. وهذا مالح .. وهذا ثمر .. وهذا ورق .. وهذا حب متراكب .. وهذ منفرد .. وهذا ثمر مستور .. وهذا مكشوف .. وهذا ثمر أبيض .. وهذا أصفر .. وهذا أحمر .. وهذا أسود. وهذا ثمره في باطن الأرض .. وهذا على سطح الأرض .. وهذا ثمره في أعلاه .. وهذا في أسفله .. إلى غير ذلك من عجائب النبات التي لا يحصيها ولا يعلمها إلا الله وحده، والذي لا تكاد تخلو ورقة ولا زهرة، ولا ثمرة ولا خشبة منه، من منافع تعجز العقول عن الإحاطة بها: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [لقمان: 11].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الستون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خَلق الأرض

وانظر إلى قدرة الله في سوق الماء في تلك العروق الرقيقة الضعيفة، وكيف يستقبله النبات، وكيف يجذبه من مقره ومركزه إلى فوق، ثم ينصرف في تلك الأغصان والأوراق والثمار.

فسبحان من أنزل الماء بقدرته، ورفعه بقدرته، وسيره بقدرته، وقسمه بعلمه ومشيئته، وأحيا به الأموات، وأخرج به من كل الثمرات: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)} [النحل: 10، 11].

وسبحان الخلاق العليم الذي خلق الأرض وبسطها، وشق أنهارها، وأنبت أشجارها، وأخرج ثمارها، ومن صدعها عن النبات، وأودع فيها جميع الأقوات: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174)} [الشعراء: 174].

وسبحان الذي يمسك الأرض أن تتحرك أو تزلزل فيسقط ما عليها من بناء 

ومعلم، أو يخسفها بمن عليها فإذا هي تمور، وتبلع ما على ظهرها.

وإذا خسف الله بالأرض، فمن ذا يمسكها سواه، وإذا زلزلها فمن ذا يثبتها سواه: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)} [فاطر: 41].

وهو سبحانه الذي جعل الأرض خزانة حافظة لما استودع فيها من المياه، والأرزاق، والمعادن، والنبات والحيوان، وجعل فيها الجنات والحدائق والعيون،

إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار.

والله عزَّ وجلَّ هو الحي الذي يحيي الأرض بعد موتها، فينزل عليها الماء من السماء، ثم يرسل عليها الرياح، ويطلع عليها الشمس، فتأخذ في الحبل، فإذا كان وقت الولادة، مخضت للوضع، واهتزت وأنبتت من كل زوج بهيج، بإذن ربها وفاطرها. فتبارك الله أحسن الخالقين، الذي جعل السماء كالأب، والأرض كالأم، والقطر كالماء الذي ينعقد منه الولد، فإذا حصل الحب في الأرض، وصب عليه الماء، وكان في الموسم، انتفخت الحبة، وانفلقت عن ساقين، ساق من فوقها وهو الشجرة، وساق من تحتها وهو العروق، ثم عظم ذلك الولد، ثم وضع من الأولاد بعد أبيه آلافاً مؤلفة، كل ذلك صنع الرب في حبة واحدة، وذلك من البركة التي وضعها الله سبحانه في هذه الأم، وجعل ذلك دليلاً على إخراج من في القبور، ليوم البعث والنشور: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)} [الحج: 5 - 7].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والستون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خَلق الأرض

فالأرض كالأم تحمل في بطنها أنواع الأولاد من كل صنف، ثم تخرج بأمر الله من ذلك للإنسان والحيوان ما أذن لها فيه ربها أن تخرجه، إما بعملهم وإما 

بدونه، ثم يرد إليها ما خرج منها، فينبته الله مرة أخرى .. وهكذا.

وجعلها سبحانه كفاتاً للأحياء ما داموا على ظهرها، فإذا ماتوا استودعتهم في بطنها، فكانت كفاتاً لهم تضمهم على ظهرها أحياء، وفي بطنها أمواتاً.

فإذا جاء يوم الوقت المعلوم، وقد أثقلها الحمل، وحان وقت الولادة ودنو المخاض، أوحى إليها ربها وفاطرها أن تضع حملها، وتخرج أثقالها، فتخرج الناس بإذن ربها من بطنها إلى ظهرها.

{يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ } [المعارج: 43، 44].

ثم تحدث أخبارها، وتشهد على بنيها بما عملوا على ظهرها من خير أو شر: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 4 - 8].

فسبحان من أخرج الليل والنهار بواسطة الأجرام العلوية، وأخرج الذكور والإناث بواسطة الأجرام السفلية، فأخرج من الأرض ذكور الحيوان وإناثه، وذكور النبات وإناثه، على اختلاف أنواعها، كما أخرج من السماء الليل والنهار بواسطة الشمس.

وسبحان من جعل الأرض بالنسبة للإنسان كالأم، بل أشفق من الأم، فقد

 أمر الله الأم أن تسقيك لوناً واحداً من اللبن، وأمر الأرض أن تطعمك وتسقيك ألواناً من المأكولات والمشروبات.

وكنت في بطن الأم الصغرى تسعة أشهر فما مسك جوع ولا عطش، كنت مطيعاً لله، دعاك إلى الخروج إلى الدنيا فخرجت إليها مطيعاً.

وأنت الآن في بطن الأم الكبرى، وقد سخر الله لك كل شيء، وهو اليوم يدعوك إلى الخروج إلى الآخرة بالإيمان والأعمال الصالحة مراراً فلا تجيبه؟.

فما أجهل الإنسان بربه، وما أجهله بما ينفعه وما يضره، وما أظلمه لنفسه ولغيره: 

{إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)} [الأحزاب: 72].

وفي خلق الأرض آيات وعجائب وعبر، لا يحصيها ولا يعلمها إلا الله كما قال سبحانه: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)} ... [الذاريات: 20].

ومن آياتها خلقها بهذا الحجم الهائل العظيم، وسعتها وكبر خلقها، وتسطيحها ليستقر عليها الحيوان، فهي كروية لها سطح.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والستون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خَلق الأرض

ومن آياتها أن جعلها سبحانه قراراً وفراشاً، لتكون مقر الحيوان ومساكنه.

وجعلها سبحانه بساطاً يسير عليها الحيوان والإنسان بيسر وسهولة، وجعل فيها الفجاج والسبل: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20)} [نوح: 19 - 20].

وجعلها الله عزَّ وجلَّ مهاداً ذلولاً، تُوطأ بالأقدام، وتضرب بالمعاول والفئوس،

 وتُحمل على ظهرها الأبنية الثقال، فهي ذلول مسخرة لما يريد العبد منها في تحقيق مصالحه، من بناء وزراعة وصناعة.

ومن رحمته سبحانه أن جعل الأرض ذلولاً، لم يجعلها في غاية الصلابة والشدة كالحديد فيمتنع حفرها وشقها، والغرس والزرع فيها، ولم يجعلها سائلة لا يمكن الزرع والغرس فيها، ولا رخوة لا يمكن السير عليها، والبناء فوقها.

بل جعلها سبحانه قراراً بين الصلابة والدماثة، بحيث تصلح للسير والمشي 

وتقبل الزرع والغرس، وتحمل المباني والأجسام الثقيلة: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ 

الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } [الملك: 15].

وأشرف الجواهر عند الإنسان الذهب والفضة، ولو كانت الأرض من هذه الجواهر لفاتت مصالح العباد والحيوان منها، وتعطلت المنافع المقصودة منها.

ومن هنا نعلم أن جواهر التراب ومنافعه أشرف من هذه الجواهر وأنفع وأبرك، وإن كانت تلك أعز وأغلى، فغلاؤها وعزتها لقلتها، وإلا فالتراب أنفع منها وأبرك وأنفس. ومن رحمته سبحانه أن خلق الأرض كثيفة غبراء، فصلحت أن تكون مستقراً للنبات والحيوان والأنام.

لم يجعلها سبحانه شفافة لا يستقر عليها النور، فلا تقبل السخونة، فتكون باردة لا يعيش عليها ولا فيها حيوان ولا نبات.

ولم يجعلها صقيلة براقة، لئلا يحترق ما عليها بسبب انعكاس أشعة الشمس، كما يشاهد من احتراق القطن عند انعكاس شعاع الجسم الصقيل الشفاف عليه.

ومن الآيات في الأرض ما أوقعه الله بالأمم التي كذبت رسله، وخالفت أمره، فأبقى آثارهم دالة عليهم كما قال سبحانه: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26)} ... [السجدة: 26].

وقال سبحانه: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} [العنكبوت: 38].

فكم من آية؟، وكم من عبرة؟، وكم من تبصرة؟، وكم من ذكرى في هذه الأرض ما عليها؟. وأي دلالة أعظم من رجل يخرج وحده لا مال له ولا عدة ولا عدد.

فيدعو الأمة العظيمة إلى توحيد الله والإيمان به وطاعته، ويحذرهم بأسه ونقمته،

 فيكذبونه ويعادونه، فيذكرهم أنواع العقوبات الخارجة عن قدرة البشر، والتي

 أوقعها الله بمن كفر به وكذب رسله.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والستون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خَلق الأرض

فيغرق المكذبين كلهم تارة كما فعل سبحانه بقوم نوح، وفرعون وقومه.

ويخسف بغيرهم الأرض تارة كما فعل بقارون وغيره.

ويهلك آخرين بالريح كم فعل بقوم عاد.

ويهلك آخرين بالصيحة كما فعل بقوم ثمود.

ويهلك آخرين بالمسخ .. وآخرين بالصواعق .. وآخرين بالحجارة .. وآخرين بأنواع

 العقوبات .. وينجو داعيهم ومن معه من المؤمنين .. والهالكون أضعاف أضعافهم عدداً وقوة ومنعة وأموالاً: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)} [الشعراء: 67، 68].

وكل أخذه الله بذنبه عقوبة على جرمه: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)} [العنكبوت: 40].

والله جل جلاله يُري أهل كل قرن من الآيات ما يبين لهم أنه الإله الحق، وأن رسله

 صادقون، وأن دينه حق: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)} [فصلت: 53].

وخلق السموات والأرض آية كبرى تشهد بأن الذي خلقها وأنشأها هو الله وحده، وتنطوي آية السموات والأرض على آية أخرى في ثناياها: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)} ... [الشورى: 29].

والحياة في هذه الأرض وحدها، فضلاً عما في السموات من أحياء ومخلوقات لا 

ندركها آية أخرى، وهي سر لم ينفذ إلى طبيعته أحد، وعلمه إلى الله وحده دون سواه. فسبحان الخلاق العليم الذي خلق هذه الأحياء المبثوثة في كل مكان، فوق سطح الأرض، وفي ثناياها، وفي أعماق البحار، وفي جو السماء.

وهذه آية أخرى من آيات الله في الأرض. أسراب من الطير لا يعلم عددها إلا الله، الذي خلقها، وقسم رزقها وسيرها في ملكه الواسع العظيم.

وأسراب من النحل وأخواتها لا يحصيها ولا يعلمها إلا الله وحده.

وأسراب من الحشرات والهوام والذر، لا يعلم موطنها إلا الله الذي لا يخفى عليه شيء.

وأسراب من الأنعام والوحش، سائمة وشاردة في كل مكان، لا يحصيها ولا يعلمها إلا الله وحده.

واسراب من الحيوانات والأسماك في البحر، لا يحصيها ولا يعلمها إلا الله وحده.

وأمم من البشر مبثوثة في الأرض في كل مكان، مختلفة الأجناس والألوان واللغات والأشكال، لا يحصيها إلا الله الذي: {وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)} [آل عمران: 29].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والستون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خَلق الأرض

وخلائق اخرى أربى عدداً، وأخفى مكاناً، في السموات والأرض، لا يعلمها إلا الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

وهذه المخلوقات التي تدب في السموات والأرض يجمعها الله حين يشاء، لا يضل منها فرد واحد ولا يغيب، وبنو آدم يعجزهم أن يجمعوا سرباً من الطير الأليف ينفلت من أقفاصهم، أو سرباً من النحل يطير من خلية لهم.

وليس بين بعث هذه المخلوقات وجمعها، وبين موتها وحياتها، إلا كلمة واحدة من الخلاق العليم: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [يس: 82].

وهذه الأرض الواسعة بما فيها من تراب وجبال وبحار، عائمة في الهواء، سابحة في الفضاء، غير مستندة إلى شيء إلا إلى قدرة الذي خلقها وأمسكها ودبرها 

كيف شاء، بهذا النظام الذي لا يتخلف، وبهذا القدر الذي يسمح للأحياء والأشياء أن تظل على سطح هذا الكوكب السابح السارح الدائر في الفضاء. فسبحان الذي: {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [الحج:65].

وسبحان من خلق الأرض ودحاها وملأها بالخيرات والأرزاق، وجهزها لاستقبال الأحياء، وحضانتهم على اختلاف أشكالهم وألوانهم، وطريقة حياتهم، من نبات وحيوان، وطير وحشرات، وإنس وجن، وغيرهم مما لا يعلمه إلا الله العليم الخبير. وكل هؤلاء جماعات وقبائل وشعوب، لا يحصيها إلا الله الذي خلقها، وخلق أرزاقها، وحدد آجالها.

والله تبارك وتعالى هو المولى الكريم الرحيم، الذي خلق هذه الأقوات المدخرة في الأرض، للأحياء التي تسكن على ظهرها، أو تسبح في أجوائها، أو تمخر ماءها، أو تختبئ في مغاورها وكهوفها، أو تختفي في مساربها وأجوافها.

هذه الأقوات الجاهزة من جهزها وأعدها بمختلف الأشكال والألوان؟.

إن الله هو الذي خلقها، لتلبي حاجات هذه الأحياء التي لا تحصى، ولا تحصى أنواع غذائها، ولا يحصب كميات أرزاقها إلا الذي خلقها.

هذه الأقوات التي أودعها الله في جوفها، والساربة في مجاريها، والسابحة في هوائها، والنابتة على سطحها، والقادمة إليها من الشمس، ومن العوالم الأخرى، وكلها تتدفق وفق تدبير الله الذي خلق هذا المحضن لهذا النوع من الحياة، وجهزه بكل ما يلائم، وبكل ما يلزم لهذه الأنواع الكثيرة التي لا تحصى، والتي 

تتوالد وتتكاثر على مرِّ الدهور. فسبحان المصور الذي نوع مشاهد الأرض، حيثما امتد الطرف، وحيثما تنقلت القدم، سهول وجبال، وبحار وأنهار، ونبات وحيوان، وأزهار وثمار وأشجار.وعجائب هذه المشاهد لا تنفد من وهاد وبطاح، ووديان وجبال، وبحار وأنهار. وكل مشهد من هذه المشاهد في تغير دائم، يمر به الإنسان وهو أخضر، ثم يمر به إبان الحصاد حين يهيج ويصفر، فإذا هو مشهد آخر: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)} [الجاثية: 6].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والستون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خَلق الأرض

ألا ما أعظم الآيات والعجائب في هذا الكون العظيم.

فمتى يستيقظ القلب البشري للتأمل والتدبر والتفكر في هذا المعرض الإلهي الهائل؟: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)} [العنكبوت: 20].

إن كثيراً من الناس يمرون بهذا المعرض العجيب من المخلوقات، مغمضي العيون 

.. مقفلي القلوب .. لا يحسون فيه حياة .. ولا يفقهون لغة .. لأن لمسة اليقين لم تحيِ قلوبهم .. وقد يكون منهم علماء يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا.

أما حقيقة الحياة والأحياء فتظل محجوبة عن قلوبهم، فالقلوب لا تفهم الوجود، ولا تفتح أسراره إلا بمفتاح الإيمان، ولا تراها إلا بنور اليقين: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)} [يوسف: 105].

والله عزَّ وجلَّ وضع هذه الأرض للأنام كما قال سبحانه: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10)} [الرحمن: 10].

والإنسان لطول استقراره على هذه الأرض، وإلفه لأوضاعها وظواهرها، لا يحس يد القدرة الإلهية التي وضعت هذه الأرض للأنام، وجعلت استقرارنا عليها ممكناً ميسوراً إلى الحد الذي لا نكاد نشعر به، ولا نعلم بعظمة نعمة الله علينا فيه إلا حين يثور بركان، أو يمور زلزال، فيؤرجح هذه الأرض المطمئنة من تحتنا، فتضطرب وتمور: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)} [الملك: 16].  إن البشر لو ألقوا بالهم إلى أنهم محمولون على هذه الهباءة السابحة في هذا الفضاء الكبير، وهي معلقة تسبح في هذا الفضاء، لا يمسكها شيء إلا قدرة الله، الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، لو أدركوا ذلك لظلوا أبداً معلقي القلوب والأبصار، راجفي الأرواح والأوصال، لا يركنون إلا للواحد القهار: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)} ... [يونس: 3]. وما أعظم نعم الله على العباد في خلق هذه الأرض الذي أودعها خالقها ما لا يحصى من النعم.

فهي ذلول وحلوب .. وهي مذللة للسير عليها بالقدم .. وعلى الدابة .. وعلى السيارة .. وعلى الفلك التي تمخر البحار .. ومذللة للزرع والجني والحصاد .. ومذللة للحياة فيها بما تحويه من هواء وماء وتربة تصلح للزرع والإنبات.

هذه الأرض التي نراها ثابتة مستقرة ساكنة، وهي دابة متحركة، بل رامحة راكضة، وهي في الوقت نفسه ذلول لا تلقي براكبها عن ظهرها، ولا تتعثر خطاها، ولا تهزه وترهقه كالدابة غير الذلول.

ثم هي حلوب كما هي ذلول، فكم يخرج الله منها من المياه؟، وكم يخرج الله منها من الثمار والحبوب؟، وكم يخرج الله منها من البترول والغاز والمعادن؟.

فهذه النعم والأرزاق يسوقها الله إلينا من كل مكان.

فهل أدينا حق الله علينا من العبادة والطاعة؟.

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} ... [البقرة: 21، 22].

إن هذه الدابة التي نركبها تدور بأمر الله حول نفسها .. وتدور حول الشمس .. وتدور مع المجموعة الشمسية .. فهذه ثلاث دورات للأرض.

فسبحان من خلقها، وسبحان من أمسكها، وسبحان من أجراها وحركها.

ومع هذا الركض كله، يبقى الإنسان على ظهرها آمناً مستريحاً، مطمئناً معافى، لا تتمزق أوصاله، ولا تتهدم بيوته، ولا يقع مرة عن ظهره هذه الدابة الذلول: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)} [الملك: 15].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والستون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خَلق الأرض

وهذه الحركات الثلاث لها حكم وأسرار:

فدورة الأرض حول نفسها كل يوم ينشأ عنها الليل والنهار.

ولو كان الليل سرمداً لجمدت الحياة والكائنات من البرد، ولو كان النهار سرمداً لاحترقت الحياة والكائنات من الحر. ودورة الأرض حول الشمس هي التي تنشأ عنها الفصول الأربعة، الصيف والربيع، والخريف والشتاء.

أما الحركة الثالثة فلم يكشف ستار الغيب عن حكمتها، إلا أنها تدل على كمال

 قدرة خالقها ومحركها. وهذه الدابة الذلول، تتحرك بأمر القوي القدير هذه 

الحركات الثلاث الهائلة في وقت واحد، ثابتة على وضع واحد في أثناء الحركة.

وهؤلاء البشر الذين يعيشون على ظهر هذه الدابة آمنين مطمئنين .. ويحلبونها فينالون من رزق الله فيها نصيبهم المعلوم .. يعرفون كيف تتحول إلى دابة غير ذلول ولا حلوب في بعض الأحيان .. عندما يأذن الله لها بأن تضطرب قليلاً .. فيرتج كل شيء فوق ظهرها أو يتحطم .. ويمور كل ما عليها ويضطرب .. فلا 

تمسكه قوة ولا حيلة. وذلك عند الزلازل والبراكين التي تكشف عن الوحش 

الجامح الكامن في الدابة الذلول، التي يمسك الله بزمامها، فلا تثور إلا بقدر، ولا 

تجمح إلا ثواني معدودات، فيتحطم كل شيء شيده الإنسان على ظهرها، أو يغوص في جوفها عندما تفتح أحد أفواهها، ويخسف جزء منها فتبلعه بأمر ربها انتقاماً وعقوبة ممن عصاه في ملكه وأرضه.

وهي تمور بالبشر، وهم لا يملكون شيئاً من هذا الأمر ولا يستطيعون، وهم 

كذلك يشهدون العواصف الجامحة الحاصبة التي تدمر وتخرب، وتحرق وتصعق: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } [الملك: 16].  

والبشر يبدون في هول الزلازل والبراكين، والخسوف والعواصف، خلقاً ضعافاً 

مهازيل، لا يملكون شيئاً، ويقف الإنسان أمامها صغيراً هزيلاً، حسيراً مرعوباً، حتى يأخذ الله بزمامها فتلين وتسكن بأمره.

والقرآن يذكر البشر الذين يخدعهم سكون الدابة، ويغرهم الأمان، بنسيان خالقها 

وممسكها ومروضها، يذكرهم بهذه الجمحات التي لا يملكون من أمرها شيئاً،

 والأرض الثابتة تحت أقدامهم ترتج وتمور، وتقذف بالحمم وتفور.

والريح من حولهم تتحول إلى إعصار حاصب لا تقف له قوة في الأرض من صنع

 البشر، ولا تصده عن التدمير، يحذرهم وينذرهم بقوله: {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ

 أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)} [الملك: 17].

وهذا الفضاء العظيم الواسع بين السماء والأرض من خلقه؟.

ومن ملأه تارة بالنور الشامل .. وتارة بالظلام الدامس؟.

ومن ملأه تارة بالحرارة .. وتارة بالبرودة؟.

ومن ملأه بالهواء اللطيف تارة .. وبالعواصف المدمرة تارة؟.

ومن سير فيه الشمس الجارية .. والقمر الساري .. والكواكب النيرة؟.

ومن سير فيه السحب المتراكمة .. والذرات الطائرة .. والطيور السابحة؟.

فسبحان من له الخلق والأمر، والتصريف والتدبير، والدين والشرع.

وسبحان الخلاق العليم ... الذي خلق السماء والأرض ... وخلق الكبير والصغير

... وخلق البر والبحر ... وخلق اليابس والرطب ... وخلق كل شيء.

{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62)} [غافر: 62].

 [ الأنترنت – موقع الكلم الطيب – خَلق الأرض ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والستون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق السموات

قال الله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)} [النازعات: 27 - 29].

وقال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)} [ق: 6].

من آيات الله العظام خلق السموات، فهي من أعظم الآيات في علوها 

وارتفاعها، وفي سعتها وقرارها، بحيث لا تصعد علواً كالنار، ولا تهبط نازلة كالأجسام الثقيلة، ولا عمد تحتها، ولا علاقة فوقها: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)} [الرعد: 2].

وهو سبحانه الرؤوف الرحيم، الذي أمسك بقدرته السماء أن تقع على الأرض، ولولا إمساكه لها لخرت السماء على الأرض، فهو الذي خلق السماء: 

{وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ 

(65)} ... [الحج: 65].

وهو سبحانه الحي القيوم، القوي القدير، الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا، ليحصل للخلق القرار والنفع والاعتبار، وليعلموا من عظيم سلطانه وكمال قدرته، ما تمتلئ به قلوبهم إجلالاً له وتعظيماً، ومحبةً وذلاً، ولو زالتا ما أمسكهما أحد من الخلق: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)} [فاطر: 41].

وهو سبحانه الذي خلق سبع سماوات، كل واحدة فوق الأخرى، وخلقها في 

غاية الحسن والإتقان، لا خلل فيها ولا نقص، فهي حسنة كاملة متناسبة من كل وجه، في لونها وهيئتها وارتفاعها.

فسبحان الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، والذي خلق السموات السبع في غاية القوة والحسن والعظمة: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)} ... [الملك: 3، 4].

وقد زين الله السماء الدنيا بمصابيح، وهي النجوم على اختلافها في النور والضياء

 كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)} [الملك: 5].

وقد جعل الله هذه النجوم زينةً وجمالاً للسماء، ونوراً وهدايةً يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، ورجوماً للشياطين الذين يسترقون السمع ويضلون العباد، ولولا هذه النجوم لكانت السماء سقفاً مظلماً لا حسن فيه ولا جمال.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والستون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق السموات

فسبحان الذي خلق السماء وبناها، وسواها وعدلها، فلا صدع فيها ولا فطر، ولا شق فيها ولا عوج.

وسبحان من زينها بهذا اللون الأزرق، الذي هو أحسن الألوان، وأشدها موافقة للبصر وتقوية له.

وسبحان من أمسكها فلا تميل ولا تميد، ولا تزول ولا تسقط: {بَدِيعُ 

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [البقرة: 117].

ومن أراد أن ينظر إلى عظمة الخالق فلينظر إلى مخلوقاته ومصنوعاته، وعظمة أسمائه وصفاته، وآلائه ونعمه، وسعة خزائنه.

فما أعظم صنع الله في ملكوت السموات، وعلوها وسعتها، واستدارتها، وعظم خلقها، وحسن بنائها، وجمالها: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)} [ق: 6].

فتأمل خلق السماء، وما فيها من عجائب المخلوقات، وعجائب شمسها وقمرها 

وكواكبها، ومقاديرها وأشكالها، وتفاوت مشارقها ومغاربها. 

فلا ذرة فيها تنفك عن حكمة .. بل هي أحكم خلقاً .. وأتقن صنعاً .. وأجمع للعجائب من بدن الإنسان كما قال سبحانه: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)} [غافر: 57].

بل لا نسبة لجميع ما في الأرض إلى عجائب السموات، لسعتها وعظمتها، وعلوها، وما فيها من الملائكة والكواكب، والشمس والقمر كما قال سبحانه {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)} [الذاريات: 47].

فالأرض وما فيها من المخلوقات، بالنسبة إلى السموات وما فيها من المخلوقات، كقطرة في بحر، وذرة في جبل.

وكما خلق الله الأرض وجعل فيها الإنس والجن، فكذلك خلق السموات السبع وملأها بالملائكة الذين: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ } [الأنبياء:20].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِداً 

لِلَّهِ، وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ 

عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إلى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إلى اللهِ» أخرجه الترمذي

ولعظمة خلق السموات قل أن تجيء سورة في القرآن إلا وفيها ذكرها:

إما إخباراً عن عظمتها وسعتها .. وإما إقسامًا بها .. وإما دعاءً إلى النظر إلى خلقها وعظمتها .. وإما إرشاد للعباد أن يستدلوا بها على عظمة بانيها ورافعها .. وإما استدلال منه بربوبيته لها مع وحدانيته .. وإما استدلال بخلقها على ما أخبر به من المعاد .. وإما استدلال بحسنها واستوائها وإمساكها على تمام قدرته وحكمته عزَّ وجلَّ.     إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والستون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق السموات

وخلق الأرض متقدم على خلق السموات كما قال سبحانه: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } [فصلت: 9 - 12].

فسبحان الذي خلق هذا السقف الأعظم مع صلابته وشدته وقوته من دخان وهو بخار الماء. وسبحان الذي بنى السموات السبع الشداد كما قال سبحانه: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12)} [النبأ: 12].

فانظر إلى هذا البناء العظيم الشديد الواسع، الذي رفع الله سمكه أعظم ارتفاع، وزينه بأحسن زينة، وأودعه العجائب والآيات.

ثم ارجع البصر إلى السماء، وانظر فيها، وفي كواكبها ودورانها، وطلوعها وغروبها، وهي باقية إلى أن يطويها فاطرها ومبدعها.

وانظر إلى شمسها وقمرها، واختلاف مشارقها ومغاربها، ودأبها في الحركة على الدوام بأمر خالقها، من غير فتور في حركتها، ولا تغير في سيرها، إلى أن يأتي أجلها، وموعد زوالها.

وانظر إلى كثرة كواكب السماء، واختلاف ألوانها وأحجامها وأنوارها.

ثم انظر إلى الشمس، وقوة إنارتها وحرارتها، وسيرها في فلكها في مدة سنة، ثم هي في كل يوم تطلع وتغرب بأمر ربها، بسير سخره لها خالقها، لا تتعداه ولا تقصر عنه. ولولا طلوع الشمس وغروبها، لما عرف الليل والنهار، ولا المواقيت،

 ولأطبق الظلام على العالم أو الضياء.

وانظر إلى القمر وعجائب آياته، كيف يبديه الله كالخيط الدقيق، ثم يتزايد نوره شيئاً فشيئاً كل ليلة، حتى يكون بدراً في منتصف الشهر، ثم يأخذ في النقصان حتى يعود إلى حالته الأولى، ليظهر من ذلك مواقيت العباد في معاشهم، وعباداتهم ومناسكهم.

وما من كوكب من الكواكب إلا وللرب تبارك وتعالى في خلقه حكم كثيرة:

في حجمه ومقداره .. وفي شكله ولونه .. وفي موضعه من السماء .. وفي قربه من

 وسطها وبعده .. وفي قربه من الكوكب الذي يليه .. وفي بعده عنه .. كتفاوت أعضاء البدن واختلافها .. وتفاوت منافعها.

وقد أمرنا الله عزَّ وجلَّ بالنظر في ملكوت السموات والأرض لما فيها من الآيات والعبر التي تزيد الإيمان كما قال سبحانه: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)} [يونس: 101].    إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السبعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* خلق السموات

وجاء حبر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يَا مُحَمَّدُ! أوْ يَا أبَا الْقَاسِمِ! إِنَّ اللهَ تعالى يُمْسِكُ السموات يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ فَيَقُولُ: أنَا الْمَلِكُ، أنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَعَجُّباً مِمَّا قَالَ الْحَبْرُ، تَصْدِيقاً لَهُ، ثُمَّ قَرَأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} ... 

[الزمر: 67]» متفق عليه

ألا ما أعظم الله .. وما أعظم خلقه .. وما أعظم قوته.

فسبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة.

وخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس، فالناس بالنسبة إلى خلق السموات والأرض من أصغر ما يكون.

فالذي خلق الأجرام العظيمة وأتقنها، قادر على إعادة الناس بعد موتهم من باب أولى وأحرى، فما بال أكثر الناس لا يعتبرون بذلك، ولا يجعلونه منهم على بال: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)} ... [غافر: 57].

ألا ما أعظم آيات الله في خلق السموات السبع الشداد:

من علوها وسعتها .. وكبرها وعظمتها .. ولونها الحسن .. وإتقانها العجيب .. وما فيها من النجوم والكواكب .. الثوابت والسيارات .. والشمس والقمر النيرات .. جعلها الله سقفاً للأرض .. وحفظها من السقوط.

فهل يتعظ الإنسان ويتدبر خلق هذه السموات السبع الطباق، وما فيها من 

الآيات والعبر؟.

{وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)} [الأنبياء: 32]. [ الأنترنت – موقع الكلم الطيب - خلق السموات ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والسبعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*العظام في جسم الإنسان

العظام: هي التي تشكل الهيكل العظمي الذي يُعطِي جسم الإنسان وأجسام بقيةِ الفِقاريات أشكالَها المميزة، وعلى العظام ترتكز عضلاتُ الجسم وأربطته 

التي تربط المفاصل بين العظام، فتُعِين على حركة الجسم، وتشكل العظامُ تجاويفَ حصينةً وصناديق محكمةً لحماية الأعضاء الحيوية بداخلها؛ مثل: الجمجمة التي تحمي الدماغ والعين ومحتويات الأذن الداخلية، والفِقرات التي تحمي النخاع الشوكي، والقفص الصدري الذي يحمي القلب والرئتين، والحوض الذي يحمي الرحم والمثانة. حتى العظم نفسه يحمي النخاع الذي يعدُّ مصنعًا لإنتاج بعض مُكوِّنات الدم؛ مثل كرات الدم الحمراء، فبدون هذه الصناديق لعبِث الإنسان بهذه الأعضاء الدقيقة والحيوية، ولولا الجهاز العظمي لكان الإنسان كومةً من الجلد واللحم لا شكلَ لها.

مُكوِّنات العظام: العظام في مُجملها مركَّبةٌ من مادة أساسية، هي الكالسيوم؛ حيث توجد 99 % من نسبة الكالسيوم بالجسم بالعظم، ويحتاج امتصاص الكالسيوم من الأمعاء إلى هرمون تُفرِزه غُدَّة صغيرة جدًّا إلى جانب الغُدَّة الدرقية. فلو تعطَّلت هذه الغدة الصغيرة جدًّا لَما أمكن امتصاصُ الكالسيوم من الأمعاء، وكذلك تحتاج العظام إلى فيتامين "د"، فإذا لم يتوافر هذا الفيتامين أُصيب الطفل بلين العظام، فإن شكل العظام عبارة عن شوكيات تتداخل مع بعضها البعض، فتُكوِّن جسمًا متينًا لدرجة متناهية، وصدق رب العزة إذ يقول: ﴿ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ﴾ [البقرة: 259]؛نُنْشِزُها؛ أي: نجعلها على شكل شوكيات متداخِلة؛ حيث تبدو متينةً وقاسية جدًّا، وكذلك تُغطَّى السطوحُ الخارجية والداخلية للعظم بطبقاتٍ مِن الخلايا المُكوِّنة للعظم والنسيج الرابط؛ وهي:

1 - طبقة خارجية "Pexiosteum"، وهي عبارة عن غشاءٍ ليفي رقيق يكسو العظام، ولكنه قوي جدًّا، يُحِيط ويُغطِّي ويكسو كلَّ سطوح العظام عدا المفاصل، كما توجد به أوعية دموية والأعصاب المغذِّية لباقي العظام.

2 - طبقة داخلية: وهي تتألَّف من خلايا مُسطَّحة، لها القابلية على الانقسام الاعتيادي والتمايز، لتكوين الخلايا بانيةِ العظم، فهي لها دورٌ بارز في نموِّ العظم وإصلاحه.

فهذه الطبقاتُ لها وظائف عديدة؛ أهمها تغذية النسيج العظمي، وتوفير الإمداد المستمرِّ للخلايا بانية العظم الجديد، لغرض إصلاح العظم ونموه، ولهذه الأسباب لا بد من المحافظة على هذه الطبقات أثناء إجراء العمليات الجراحية.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والسبعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*العظام في جسم الإنسان - تكوين العظم:

كما علِمنا أن العظم بِنْيَتُه قوية ومحكمة من الخارج، ومسامية إسفنجية من الداخل، ولو أن بِنْيَتَه من الداخل كما هي من الخارج، لكان وزن أحدنا أربعة أمثال وزنه الطبيعي، وكذلك وجود فجوات وجيوب عظمية من أجل تخفيف العظام، مثل ما هو موجود بعظمة الجمجمة، ويصدق على هذا الإعجاز الرائع قولُ العلماء: "مِن بِنْية العظم يتحقق حدٌّ أقصى من النتائج بحد أدنى من اللوازم"، فهناك توازنٌ رائع بين البنية المقاومة والوزن الخفيف، فمِن عظمة الله تعالى في عَظْمِنا أن هذا الجهاز يوجد به هدم وبناء مستمرَّانِ؛ حيث إن الإنسان يتجدَّد هيكله العظمي خمس مرات في عمره، بمتوسط كل ست أو سبع سنوات، بفعل عملية الهدم والبناء، وهي التي تؤدي أيضًا إلى التئام الكسور.

فعمليةُ الهدم والبناء المستمرَّة في العظام تجعله مَخزنًا للكالسيوم، فإذا احتاجتِ الأمُّ لتشكيل عَظْم وليدِها إلى الكالسيوم؛ إذ لم يكن غذاؤها كافيًا من هذه المادة - أخذ الجنينُ مِن مخزون عظم أمه ما يشكل به عظمه.

ومِن إعجاز رب العزة في هذا الجهاز أن هناك هرموناتٍ تُنظِّم نمو العظم وإيقافه عند حد معين، ولولا هذه الهرمونات لكان الإنسان قزمًا أو عملاقًا، ومن المعلوم أن الطول والقصر لهما علاقة بهرمون النمو.

بداية تشكيل العظام:

يبدأ تشكل العظام في وقت مبكر جدًّا من حياة الجنين - في اليوم العشرين - قبل أن يبدأ تشكيلُ العضلات، وقد أشار القرآن الكريم إلى أسبقية خلق 

العظام على العضلات؛ أي: اللحم، وهذه الإشارة منذ 14 قرنًا من الزمان، في

 قوله تعالى: ﴿ فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ﴾ [المؤمنون: 14]،ويكتملُ تشكيل العِظام ما بين الأسبوعين الخامس والسادس، لكنها تكون غضروفية ثم تتكلس (أي تتعظم)، والتعظم هو تحوُّل الغُضْروف إلى عظمٍ، يبدأ من الحياة الجنينية ويستمر بعد الولادة إلى سن اكتمال النمو الطولي من 17 سنة إلى 21 سنة، ويبقى في أطراف العظام طبقةٌ غُضْروفية، والحكمة من وجودها أنها تمتصُّ الصدمات، ومِن رحمة الله بنا وجودُ قرص غُضْروفي بين كلِّ فِقْرتين من فِقْرات الظهر، يعمل على امتصاص الصدمات؛ ليكسب الإنسان حياةً مريحة، وعندما تتقدَّم السنُّ بالإنسان تتحول إلى مادة صلبة تفقد ليونتها وتقرب مِن العظام.

وعندما يموت الإنسان يتحلَّل سائر جسده، فتتحلل الأنسجة الرخوة أولًا في أيام معدودات، ثم يتحلل العظم الذي قد يستغرق سنوات طويلة جدًّا، ولا يبقى من الجسد بعد التحلل إلا عظمٌ واحد هو عَجْب الذَّنَب، وهو جزء من الفِقرة الأخيرة من العُصْعُص من العمود الفِقْري.

تحمل العظام:

تتحمل العظام ضغوطًا عالية جدًّا، فيقع عليها أثناء المشي العادي مثلًا ضغطٌ 

يصل إلى 600 كجم/ سم2، يزداد هذا الضغط كثيرًا عند الركض والقفز، 

وبعض العظام لا ينكسر إلا تحت ضغوط كبيرة للغاية.

فعظم الساق "Tibia" مثلًا يمكن أن يتحمَّل ضغط 5,1 طن قبل أن ينكسر، وكذلك عظم عُنق الفَخِذ يتحمل ضغطًا يعادل 250 كجم تقريبًا، ففي العظام خصائصُ المتانة والقوة على نحوٍ عجيب، فتبارك الله أحسنُ الخالقين!

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة 

والسبعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*العظام في جسم الإنسان - الرياضة وتقوية العظام :

إن العظام تمثل هيكلًا صلبًا ترتكز عليه العضلات، ومن أهم العوامل التي تحدد قوةَ العظام درجةُ حركة الجسم ونشاطه اليومي؛ إذ إن الإنسان النشيط 

الذي يتحرك يوميًّا باستمرار يتمتَّع بكثافة عظام أكثر مِن الخامل المُلازِم للراحة.

فقد ثبت علميًّا أن المجهود العضلي الذي يقوم به الإنسان، ينشط خلايا البناء 

العظمي، فالرياضيون يتمتَّعون بكمية عظام غنية بأملاح الكالسيوم أكثر ممَّن يقضون أوقاتَهم في الجلوس والراحة.

إن قوةَ تنشيط العظام ترجعُ إلى قوة الضغط والجذب التي تمارسها العضلات وأوتارها أثناء انقباضها وانبساطها، وكذلك إلى تغيير التيار الكهربائي العضلي أثناء الحركة، فهذا التيار الكهربائي يُمثِّل حافزًا لا بأس به لنشاط الخلايا العظمية.

وقد بحَث العلمُ الحديث عند تحديد نسبةِ فِقدان العظم عند الخمول والراحة – 

فوجد أن العظم في هذه الحالة يفقدُ بسرعةٍ مواده المُكوِّنة له، ويصبح رقيقًا ضعيفًا

 هشًّا، وكذلك في غياب الجاذبية التامة في رجال الفضاء؛ حيث لا تقاوم العضلات عبء الجاذبية الأرضية.

فمن هنا نستطيعُ أن نقول: إن كل انقطاع عن الحركة والرياضة يفقد كمية العظم في الجسم قوتَها وكثافتها، بحسب درجة هذه الانقطاع، فالخمول يزيد مِن نشاط خلايا الهدم، فيتحلَّل النسيج العظمي، ويهرب الكالسيوم والفسفور من العظم، وتنهار المادة العظمية البروتينية الكولاجين، كما ينقص فيتامين (د) وبعض هرمونات الغُدَّة الدرقية TsH.T4.T3، ويرتفع هرمون الكالستونين، وهو هرمون هدم للعظام، وثبت أن نخاع العظام المُنتِجَ لخلايا العظم الأصلية يُصاب 

بالضعف والضمور مِن جرَّاء الراحة والخمول؛ مما يُؤدِّي إلى ضعف وقلة كتلة العظم.

ويُبيِّن الأطباءُ أن تقويةَ هذه العظام الخاملة لا تكونُ بالأدوية فقط، ولكن 

بالعودة إلى الحركة والنشاط؛ حيث إن حركةَ انقباض وانبساط العضلات تُكوِّن التيار الكهربائي المُنشِّط للنسيج العظمي، إلى جانب قوى الضغط والجذب التي تمارسها العضلات وأوتارها على مراكز التحامِها بالعظام؛ مما يؤدي إلى نشاط البناء العظمي ومتانة تركيبه.

الإبهام : في يد الإنسان خمسةُ أصابعَ، وفي كل أصبع ثلاثُ سُلاميَّات، إلا الإبهام فهو مكون من سلاميتين، وهذا الإبهام قد يكون هو السببَ في تطوُّر وازدهار حضارة الإنسان، ونجد أن الإنسان يتميَّز بالإبهام عن باقي المخلوقات بالآتي:  

* في السُّلامَى الثانية في الإبهام يرتكز وترٌ طويل قابض مع عضلة يطوي 

السلامى الثانية، فيُعطي الإبهامَ رشاقةً ودقة في الحركة.

* مَفصِله الكروي يُعطِيه المرونة الفائقة.

* مُحاط بما لا يقل عن خمسة أوتار؛ مما يمنحه الحركة برشاقة في كل الاتجاهات؛ من البسط والقبض والتبعيد والتقريب والدوران، والإمساك والمقابلة. إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والسبعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*العظام في جسم الإنسان - تكوين العظم:

بسبب هذا التميز في الدقة والتركيب انطلقت اليد لتؤدي مهمات لا حصر لها، فلولا أن الله تعالى صنع الإبهامَ لَمَا كان لهذه الأصابع من قيمة، وجرِّب أن تكتب دون إبهام، أو أن تَخِيط دون إبهام، أو ترتدي ثيابَك دون إبهامٍ، أو تعمل على آلة، فإنك لن تستطيع فعل شيء، وصدق ربُّ العزة إذ يقول: ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي

 أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [النمل: 88].

الإعجاز في قوله تعالى: ﴿ فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ﴾ [المؤمنون: 14].

منذ زمن قريب كان يُعتَقد أن العظام والعضلات تظهران وتَنموانِ معًا، غير أن البحوث العلمية الأخيرةَ أظهَرت حقيقةً مختلفة تمامًا لم يكُنْ أحدٌ ينتبِه إليها، وهي أن نسيجَ الغضاريف في الجنين يتحوَّل إلى عظام أولًا، ثم يتمُّ اختيار خلايا العضلات من الأنسجة الموجودة حول العظام، لتتجمع هذه الخلايا وتلفَّ العظامَ، غير أن هذه الحقيقة التي كشفها العلمُ الحديث قد أخبرنا ربُّنا عز وجل 

بها في القرآن قبل 1400 سنة.

فقد أثبت العلم الحديث أنه في الأسبوع السادس تتمُّ أول عملية تحوُّل إلى عظام في عظم التَّرْقُوة، وفي نهاية الأسبوع السابع يبدأ التعظم في العظام الطويلة، ويتم اختيار خلايا العضلات من النسيج المحيط؛ حيث تبدأ العضلات بالتكوُّن، ويبدأ نسيج العضلات بالانقسام حول العظم إلى مجموعة أمامية ومجموعة خلفية، فبهذا الاكتشاف أثبتت الأبحاثُ الميكروسكوبية أن تطوُّر الجنين داخل رَحِم الأم يتمُّ كما وصفَتْه آيات القرآن الكريم، ففي خلال الأسبوع السابع يبدأ الهيكل العظمي بالانتشار في الجسم، وتأخذ العظام شكلَها المألوف، وفي نهاية الأسبوع السابع - وخلال الأسبوع الثامن - تأخذ العضلات وضعيَّتَها حول أشكال العظام. فمنذ عشر سنوات صوَّر عالم من علماء التصوير المراحلَ المختلفة لتخلُّق الإنسان منذ بَدْء الحمل وحتى الولادة، ونال عليها جائزة نوبل للتصوير الطبي؛ حيث استطاع أن يلتقط صورًا رائعة للجنين في طور النُّطفة والمضغة والعَلَقة، وطورِ تكوُّن العظام الذي يسبق بأسبوع فقط طورَ اكتساءِ العظام باللحم. وبهذا التتابع يثبت العلم الحديث ما جاء به النصُّ القرآني بالإشارة إلى التتابع السريع بين مرحلة العظام ومرحلة الكسوة، وذلك بوجود حرف الفاء في كلمة ﴿ فَكَسَوْنَا ﴾، مشيرًا إلى السرعة والترتيب، وكذلك فإن لفظ الكسوة يشير أيضًا إلى التنوع والتشكل في العضلات، كل حسب وظيفته في موقعه التشريحي، كما تتنوَّع الثياب حسب موقعها ووظيفتها، وكذلك تناسب لابسها من حيث الحجم والهيئة. ولو تأمَّلنا في الآية الكريمة لوجدنا الاتصال الدقيق بين الكسوة والعظام، حتى إنه لا يفصل فاصلٌ بين كلمة ﴿ الْعِظَامَ ﴾ وكلمة ﴿ لَحْمًا ﴾، يدل ذلك على الارتباط الوثيق بين اللحم والعظام في الآية الكريمة، وهذا ما أكدَتْه أقوال المفسرين من علماء المسلمين.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والسبعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*أهمية كسوة العظام باللحم:

1 - البَدْء في الاستقامة والاعتدال وانتصاب القامة عند الأسبوع الثاني، والاستعدال في وضع الانحناء الشبيه بالهلال؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾ [الانفطار: 7].

2 - البَدْء في الحركات الإرادية في الشهر الرابع؛ كمصِّ الإصبع، وهذا يُمثِّل

 حكمة من الله، ليتعوَّد الطفل على الثَّدي بعد الولادة، وكذلك التقلُّب داخل الرحم، وهذا لن يتأتَّى إلا بعد كساء العظام بالعضلات وتطوُّر عضلات الأجنَّة.

3 - ظهور ملامح وتغيرات الوجه للجنين (حزن – فرح ... إلخ)، وهذا لا يتأتَّى إلا باكتساء العظام باللحم.

4 - حركة الجنين في بطن أمِّه في الأسبوع الثاني عشر، وتُحِسُّ به الحامل في نهاية الأسبوع السادس عشر، ولهذه الحركة دلالة مهمة في متابعة الحمل قبل الولادة، فلو قلَّت الحركة تكون لها دلالةٌ خطيرة عند أطباء النساء والولادة.

5 - عدم حدوث تيبُّس في حركة مفاصل الجنين وضمور العظام.

6 - إطلاق طاقة الحركة، وهذه الطاقة المتولدة من الحركة مهمة لتطوُّر باقي الأجهزة للجسم.

7 - الحركة داخل الرحم للجنين مهمة لترسيبات الكالسيوم ومعظم مراكز التعظُّم لعظام الجنين.

8 - كِساء العضلات للعظام يُعطِي الجنين صورةً متكاملة فيها بهاء وفرحة

 مقبولة، وصدق ربُّ العزة إذ يقول: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ

 لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 6].

9 - حركة العظام لا بد أن تستمرَّ بعد كسوتِها بالعضلات؛ لأنها تساعد على تصنيعها وتقويتِها ومتانتها، وعدم حركتها لا يساعد على ذلك، وأما الراحة المستمرَّة فتؤدي إلى ضمورها وضَعفها.

10 - كسوة العظام بالعضلات مُهمَّة؛ حيث إنها تتمُّ في نهاية الأسبوع السابع قبل أن ينفخ الرُّوح فيه، وهذا علامة مهمة للجهد والترتيب.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والسبعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*أهمية كسوة العظام باللحم - أوجه الإعجاز العلمي:

1 - قال تعالى: ﴿ فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ﴾ [المؤمنون: 14]، فكان القرآن الكريم سَبَّاقًا في إثبات تكوُّن العظام في جنين الإنسان قبل اللحم قبل 1400 سنة، وهذا الذي أثبَتَه العلم الحديث بالوسائل العلمية المتقدمة.

2 - استخدام حرفِ العطف الفاء الذي يفيد السرعة في التطورات المتلاحقة.

3 - وجود عَلاقة وثيقةٌ بين العظام والعضلات، فجاءت كلمتا ﴿ الْعِظَامَ ﴾ و﴿ لَحْمًا ﴾ في الآية الكريمة متتاليتينِ، لا يفصل بينهما فاصل، ربما لشدة الارتباط بينهما بِنائيًّا وفسيولوجيًّا، وذلك يرجع إلى أهمية المجهودِ العضلي لتنشيط خلايا البِناء العظمي، وزيادة مخزون الكالسيوم في العظام، وأن خمول الجسم يزيد في نشاط خلايا هَدْم العظام؛ مما قد يؤدي بالأمر إلى هشاشة العظام.

4 - اختار الله تعالى في كتابه لفظًا في غاية الإعجاز اللُّغوي، وهو: ﴿ فَكَسَوْنَا ﴾، وهو يُفيد الترتيب الدقيق للطبقات؛ مِن أنسجة تُغلِّف العظام، وعضلات تغطي الأنسجة، وجلد يغطي العضلات، فالمعنى: إنا جعلنا اللحم كسوةً للعظام، كما جعلنا العظام عمادًا للحم، فكلمة ﴿ فَكَسَوْنَا ﴾؛ أي: ألبَسْنا العظام لحمًا؛ أي: ألبسناه ما يستُرُه ويشده ويُقويه، فاللحم يُعدُّ مِن العظام بمقام الثوب، فهو يَستر العظام ويشدها ويُقويها، وكذلك تنوع ألياف العضلات من حيث أشكالها واتجاهاتها وأحجامهما، فيه عظمة للخالق سبحانه وتعالى؛ إذ يقول: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].

5 - أثبت العلم الحديث أن معظمَ أمراض تسوُّس العظام تُعالَج بكسوتها وتغطيتها بالعضلات (اللحم)، لقد أحكم ربُّ العزة بناء جسم الإنسان بالعظام - ولا سيما الهيكل العظمي - إحكامًا بالغَ الدقة والمتانة؛ عن طريق العضلات والأوتار والأربطة والجلد، وتناسب رؤوس العظام مع تجاويفِها لعمل المفاصل المتحرِّكة في اتجاهات مختلفة، فالعظام فيها متانةٌ عجيبة، وفيها تحمُّل عجيب لقوى الضغط، وارتباط العظام بعضها ببعض مما يَلفِت النظر، ومن المدهش أنه يوجد عند المفاصل سائلٌ لَزِجٌ ينزلق عليه سطح لزج، من أجل سهولةِ حركة المفاصل، وهذا السائل يتجدَّد تلقائيًّا من حين لآخر، فهذا السائل يعمل زيتًا للتشحيم، لعدم تآكل العظام عند المفاصل، فسبحان الله القادر!

إن الهيكل العظمي آيةٌ مِن آيات الله الدالَّة على عظمته؛ فبدونه لا يكون للإنسان معالِم واضحة، وشكل ثابت، ويكون الإنسان هُلاميًّا، لا شكل له، ويكون عبارة عن كوم من اللحم والجلد، فسبحان الخالق المصوِّر! [ الأنترنت – موقع الألوكة - العظام في جسم الإنسان - أ. د. علي فؤاد مخيمر]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والسبعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*حاسة الشم بين الإعجاز في الخلق وعظمة الخالق

إن لحاسة الشم أهمية كبيرة في حياة كلاً من الإنسان والحيوان على حد سواء. 

فعن طريقها مثلاً يستطيع الإنسان أن يتعرف على الطعام الجيد فيقبل عليه أو الطعام الفاسد فيتحاشاه..... وعن طريقها أيضاً يستطيع التمييز بين الروائح الذكية التي تنبعث من الأزهار أو العطور وبين الروئح الكريهة التي تتصاعد من البرك والمستنقعات الراكدة أو غيرها.

ولا تقتصر هذه الحاسة على الإنسان وحده بل إن هناك من الحيوانات ما يتفوق عليه بصورة ملحوظة في هذا المجال ففي الغابات مثلاّ حيث يكون الصراع رهيباً بين الحيوانات المفترسة والفرائس التي تتغذى عليها تلعب حاسة الشم دوراً رئيسياً في حياة هذه الحيوانات على اختلاف أنواعها. وتعتبر أعضاء الشم من أهم الأعضاء الحسية وهي تلعب دوراً هاما في حياتنا وفي حياة الحيوانات حيث تقوم بإمدادنا بإشارات معينة عن طريق الهواء الذي نستنشقه مثل نوعية الطعام الذي نأكله أو الصد عنه مثلاً في حالة البيض الفاسد.

 حاسة الشم: بين الإعجاز في الخلق وعظمة الخالق

وبرغم أن القدرات الشمية للإنسان لاتصل إلى قدرات بعض الحيوانات مثل الكلاب والقطط إلا أنها عظيمة وهامة جداً في حياتنا: مثال ذلك الرابطة بين الأم وطفلها الرضيع فالطفل يستطيع أن يميز رائحة ثدي أمه من أي ثدي غريب

 آخر, ويمكن للأمهات أن يميزن أطفالهن من رائحتهم.

إن أنف الإنسان مليئة بالعجائب والقدرات, ولعل أكثر الأنوف التي تلفت الانتباه هي أنوف خبراء الروائح والعطور حيث اكتسب بعض هؤلاء الخبراء القدرة على تمييز حوالي عشرة آلاف رائحة. فهؤلاء الخبراء يمكنهم تمييز أنواع زيت اللافندر من بعضها بل والبلد الذي زرع فيه والمعمل الذي وقد أوضحت الدراسات التشريحية المقارنة أن المساحة الشمية في التجويف الأنفي في الإنسان تبلغ حوالي 3سم2على كل من الجانبين. كل جانب من تجويفي الأنف يحتوي على 5 مليون خلية حسية شمية لكن مساحة هذه المنطقة في الكلاب تبلغ 

18 سم2 وفي القطط 21سم2.

وهذا يبن أن جهاز الشم في الإنسان أقل حجماً من المشاهد في العديد من الحيوات الفقارية.

ولعل أوضح مثال على ذلك هو ما يشاهد في كلاب الصيد أو الكلاب البوليسية التي تستخدم في التعرف على الجناة أو المجرمين حيث تعتبر قدرة الكلاب على تمييز الروائح المختلفة من المعجزات الحقيقية التي لا يستطيع الإنسان تفسيرها بصورة مقبولة.... فهي تستطيع أن تميز بين رائحة إنسان معين ورائحة مئات أخرين من البشر لكل واحد منهم رائحته المميزة، إذ يكتفي الواحد من هذه الكلاب المدربة بأن يشم أي شيء يتعلق بهذا الإنسان المجهول كالمنديل أو القفاز أو القبعة أو الوشاح أو حتى موطئ قدم واحدة ويكتفي بذلك لإخراجه من بين هذه المئات.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة

 والسبعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*حاسة الشم بين الإعجاز في الخلق وعظمة الخالق

لكن هل معنى ذلك هو قلة اعتماد الإنسان على حاسة الشم؟؟

ربما يعتقد البعض أنه يمكننا الاستغناء عن حاسة الشم، إلا أن الأشخاص المصابين بمرض فقدان حاسة الشم يعانون من مشاكل حادة :

أولها : أنهم يفقدون الشهية للطعام مما يؤدي إلى فقدان الوزن والهزال وأخطرها عدم اكتشاف الغازات السامة.

إن هذا التأثير يبدو مألوفاً لنا عندما نصاب بالزكام حيث أن المخاط الذي يغطي

 الطبقة الشمية في الأنف يفقدنا الإحساس بمذاق الطعام لأنه يوجد اتحاد وامتزاج بين حاستي التذوق والشم. 

وعلى النقيض من ذلك فإن الأشخاص الذين يعانون من السمنة لا يتوقفون عن تناول الطعام رغم امتلاء معداتهم إن الذي يسيطر عليهم هذا هو إغراء حاسة الشم القوية للأطعمة الشهية فيزداد إقبالهم على تناول الطعام. 

ويفكر العلماء الآن في الوصول إلى مركب كيميائي يمكن نثر رذاذه داخل الأنف لكي يوقف حاسة الشم مؤقتاً حتى يوقف إغراء رائحة الطعام بالمزيد من الأكل.

إن حاسة الشم في الواقع هي حاسة التذوق عن بعد. 

كما أن أعضاء التذوق في اللسان تنتبه بواسطة مواد نتناولها في الفم، كذلك فإن الأعضاء الشمية تنتبه بواسطة مواد طيارة نستنشقها خلال الأنف.

كيفية شم الروائح المختلفة وكيفية التمييز بينها:-

تعتبر حاسة الشم أكثر غموضاً من الحواس البشرية الأخرى، كما أن المعلومات المتعلقة بها أقل بكثير عما هو معروف عن تلك الحواس، وتختص هذه الحاسة بالتعرف على مختلف الروائح التي تنبعث من عديد من الأشياء التي تحيط بنا

 في كل مكان وعلى التميز بينها.

وتعتمد هذه الحاسة على نوع خاص من الخلايا توجد داخل الأنف وتعرف "بالخلايا الشمية"وتتجمع النهايات العصبية المتصلة بهذه الخلايا ليتكون منها زوج من الأعصاب تسمى "الأعصاب الشمية" وتخترق هذه الأعصاب الحاجز الأنفي في الجمجمة العظمية لتصل إلى "المنطقة الشمية" في المخ.

كيف تميز الأنف بين الروائح المختلفة؟ إن قدرات تمييز أضعف الروائح تختلف من شخص لآخر مثال ذلك فإن القدرة على تميز رائحة البيض الفاسد (سلفيد الهيدروجين) تختلف بمقدار 45 درجة من شخص لآخر كما يمكن للإنسان أن يميز بعض الروائح في تركيزات صغيرة جداً مثل رائحة "ايثيل الميركابتان" وكذلك "رابع كلوريد الكربون" الذي يتلف الكبد.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالتاسعة والسبعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

وتعتمد الكفاءة في تمييز الروائح على ثلاثة عوامل:

* التعود.* الارتباط الشديد بين الرائحة واسمها.

* رد فعل الشخص الذي يشم.

ولقد وجد العلماء أن الأشخاص يمكنهم التمييز بين 16 رائحة، ولكن مع التدريب يمكن تمييز عشرات الروائح.

ولا تتوقف قدرات الشم على مجرد اكتشاف الفروق بين الأنواع المختلفة ودرجة تركيزها بل تتعدى ذلك إلى معرفة الاتجاه الذي تأتي منه الرائحة وإلى تحديد الفرق بين مرورها على إحدى فتحتى الأنف بالنسبة للأخرى وعلى هذا فإن 

فارق زمني بمقدار مللي ثانية يمكن اكتشافه. وهناك رأيان لتفسير هذه الظاهرة.

أحد الآراء هو أن الجزيئات المختلفة تمر عبر الغشاء المخاطي المغطى للخلايا العصبية الشمية بسرعات مختلفة ويرجع ذلك إلى سرعة ذوبان الروائح.

والرأي الآخر هو أن كل نوع من الروائح ينبه نوع معين من المستقبلات.

وقد وهب الله تعالى فاقدي البصر بعض العوض بالاعتماد على الروائح في تمييز البيئة المحيطة لكي يدرؤوا عن أنفسهم الخطر وذلك باكتشاف الروائح التي تهدده بالخطر مثل رائحة احتراق محول كهربائي.

 حاسة الشم: بين الإعجاز في الخلق وعظمة الخالق

كذلك تلعب حاسة الشم دوراً هاماً في العلوم الطبية فالطبيب الجيد يمكنه أن يشخص أنواعاً عديدة من الأمراض بداية من الحمى الصفراء ومرض السكر حتى الفشل الكبدي بواسطة رائحة المريض.

الجدير بالذكر أن حاسة الشم تضعف بسرعة وهذا مفيد من وجهة ويدعو إلى الحرص من جهة أخرى فعندما يتعرض الإنسان لرائحة ما فإن قدراته على تمييزها تختفي بعد برهة وذلك ضروري لكي تفسح المجال للإحساس بنوع آخر من الروائح. وعندما تقابل شخص ما فإنه يمتدح رائحتك الجميلة لكن كثيراً ما يتعرض الناس للاختناق بالغازات السامة في الحمام أو في الأماكن المغلقة التي يدخنون فيها أو يوقدون فيها النار ذلك لأن إحساسهم بالخطر ينعدم لتوقف حاسة الشم. وبعد....

فقد أراد الله تعالى شأنه جلت حكمته أن يلفت أنظارنا لفتة بسيطة إلى هذه الحاسة الدقيقة التي تحتوي على كثير من العجائب والمعجزات والتي تضم الآلاف من التركيبات الدقيقة والجسيمات العجيبة يؤدي كلاً منها عمله في تناسق وانسجام مما لا يترك مجالاً للشك في أنها صممت على أحسن صورة وأدق تركيب. ولاشك أن هذه الدقة الفائقة في التصميم والإنتاج أدلة واضحة على عظمة الخالق وجمال الخلق. وصدق الله القائل في محكم التنزيل ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21].[ الأنترنت – موقع الألوكة - حاسة الشم: بين الإعجاز في الخلق وعظمة الخالق - د. محمد السقا عيد ]

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الثمانون بعد الخمسمائة 

في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*ضرورة العلم بوجود الخالق عز وجل

يرى ابن تيمية أن العلم بالله عز وجل أمر فطرى ضروري، ولهذا جاءت الرسل لتأمر الخلق أن يعبدوا الله وحده، وأن يطيعوا رسله لا بأن يكتسبواعلمًا نظريًّا بوجود الخالق وصدق رسله، كما يظن المتكلمون والمتفلسفة - لكن مَن جحد الحق أمروه بالإقرار به، وأقاموا الحجة عليه، وبيَّنوا معاندته، وأنه جاحد للحق الذي يعرفه، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، كانوا يعلمون أنه صادق ويكذبونه[ يعنى باكتساب العلم النظري الطريقة التي أحدثها المتكلمون، فقالوا بالحدوث والقدم، واستعملوا بعض الاصطلاحات الفلسفية اليونانية، وظنوا أنهم يشغلون بها على صحة العقائد الإسلامية؛ من حيث إثبات وجود الله عز وجل، وحدوث العالم.]

أي: إن معرفة الله تعالى الفطرية في النفس البشرية يدعمها الرسول صلى الله عليه وسلم ويفصِّلها، فهو المصدر الوحيد الهادف لمعرفة الله تعالى وعبادته لمن يرغب بإخلاص وتجرُّد، ولا ينكر ذلك إلا معاند مُصِر على الإشاحة بوجهه، لكن لا يرى نور الحق!

ومن موجبات رحمة الله عز وجل وكرمه وحكمته - أنه علَّم الإنسان ما لم يعلم، فإن أول ما أنزل الله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾[العلق: 1 - 5].

فذكر أنه الأكرم وهو أبلغ من الكريم، وهو المحسن غاية الإحسان، ومن كرمه أنه علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، فعلَّمه العلوم بقلبه والتعبير عنها بلسانه)  وينتقل ابن تيمية من شرح هذه الآيات وتفسيرها إلى استخلاص أنها أيضًا حجة على من أنكر قدرة الله تعالى، فإن من رأى العلقة قطعة من دم، فقيل له: هذه العلقة يصير منها إنسان يعلم العلوم بأنواعها، لكان يتعجب من هذا غاية العجب، وينكره أعظم الإنكار، ومعلوم أن نقل الإنسان من كونه علقة إلى أن يصير إنسانًا عالمًا قادرًا كاتبًا، أعظم من جعل مثل هذا الإنسان يعلم ما أمر الله به، وما أخبر به؛ أي: بعبارة أخرى، فإذا كان الله تعالى علَّمه هذه العلوم، (فكيف يمتنع عليه أن يعلِّمه ما يأمره به وما يخبره به؟)، ولهذا أرسل إلى بني آدم الرسل، فمن موجبات حكمته عز وجل إرسال الرسل من جنس البشر وبلسانهم، (فهو أتم في الحكمة والرحمة، وذكر سبحانه أنهم لا يمكنهم الأخذ عن الملَك، وأنه لو نزل ملك، لكان يجعله في صورة بشر؛ ليأخذوا عنه، ولهذا لم يكن البشر يرون الملائكة إلا في صورة الآدميين، كما كان جبريل يأتي في صورة دِحية الكلبي)[ نفسه ص 164.]

 واستطرد ابن تيمية في شرح الأدلة، وهي الآيات والبراهين التي يحتوي عليها القرآن الكريم؛ ليعلمنا أنها أدلة عقلية بصورة لا تقبل الشك، وتوصَّل إلى البرهان مباشرة، بلا حاجة إلى مقدمات أخرى كما يفعل المناطقة، ولخص بالذكر الآيات المخلوقة في الكون، فإن المخلوقات كلها (آيات للرب، فما من مخلوق إلا وهو آية له، هو دليل وبرهان وعلامة على ذاته وصفاته ووحدانيته عز وجل 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الواحدة والثمانون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*ضرورة العلم بوجود الخالق عز وجل

   لقد لفت نظرنا شيخ الإسلام إلى السمات العقلية لأدلة الشرع، وإذا كانت الأدلة الشرعية عقلية أيضًا، فإن ابن تيمية يعلل نشأة فكرة الفصل بين العقل والشرع إلى التقصير في فَهْم وتقدير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ أخرج المتكلمون والفلاسفة ما تُعلَم دلالته بالعقل عن مسمَّى الشرع، وعندئذ حدث التنازع في صرفة الله وتوحيده وأصول الدين:

هل يجب ويحصل بالشرع؟ أو يجب ويحصل بالعقل؟ أو يجب بالشرع ويحصل بالعقل؟ على ثلاثة أقوال.

وبعد عرض آراء الأقوال المختلفة ونسبتها إلى أصحابها، يقرر أن أعدل الأقوال هي أن الأفعال مشتملة على أوصاف تقتضي حسنها ووجوبها، وتقتضي قُبحها وتحريمها، وإن ذلك قد يُعلَم بالعقل؛ لأن الله لا يعذب أحدًا إلا بعد بلوغ الرسالة؛ كما قال: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15].

ومما يزيد الأمر وضوحًا أن أكثر الناس يُقِرون بأن الأحكام العملية تُعلَم بالعقل أيضًا، فبالعقل يُعرف الحسن والقبح، فتكون الأدلة العقلية دالة على الأحكام العملية أيضًا، ويجوز أن تسمى شرعية؛ لأن الشرع قررها ووافقها، أو دل عليها وأرشد إليها  [ وهو يرى من سياق عرضه للآراء أن معرفة الله عز وجل وتوحيده وأصول الدين، تجب وتحصل بالشرع، مع التقيد بالتقسيم الذي يَلتزمه عد تناوُله للشرع بأنه يتفرع إلى ما هو سمعي وما هو عقلي، وكثيرًا ما يتفق الدليلان الشرعي والعقلي معًا. وفي المسائل الفقهية من العبادات والمعاملات لا تحليل وتحريم إلا بموجب أوامر الشرع.]

فكيف يسوغ وصف أدلة الأحكام العملية بأنها عقلية - بالإضافة إلى كونها شرعية - ولا يسوغ إطلاق نفس الوصف على أدلة أصول الدين التي تشتمل على أهم المطالب العالية؛ كإثبات الرب عز وجل، ووحدانيته، وصدق رُسله، وقدرته على المعاد؟!

إنها الأولى أن تُعد شرعية عقلية في آن واحد، وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم الأدلة والبراهين والحجج، وعلى المسلمين اتباعه في قضايا أصول الدين؛ كاتباعه في قضايا الفروع؛ أي: المسائل الفقهية في العبادات والمعاملات[ ويشرح ابن تيمية لفظ السنة بمعناها الشامل، فإن السنة التي يجب اتباعها هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تُذكر في الأصول والاعتقادات، وتذكر في الأعمال والعبادات، وكلاهما يدخل فيما أخبر به وأمر به، ص 63 النبوات. ]

وكان الدافع الرئيسي لابن تيمية من كل ما تقدَّم هو إقناع المتكلمين والفلاسفة أن أدلة القرآن والسنة كافية بذاتها لمعرفة العقائد الإسلامية والحجاج بها أمام المخالفين، وهو صاحب فكرة أن الأدلة الشرعية هي في ذاتها عقلية أيضًا؛ أي: إن مصدرها الشرع، ويُستدل بها بطريق العقل أيضًا كما سيأتي تفصيلًا، ومِن ثَم فلا فصل بين الشرع والعقل، ولا حاجة لابتداع أدلة مستمدة من الفلسفة اليونانية لاستخدامها في المناظرة والحجاج العقلي، وأن هذا الفصل لم ينشأ إلا بعد القرون المفضلة الأولى؛ إذ كان أهلها على دِرايَة تامة بنصوص الكتاب والسنة؛ فهمًا واستيعابًا، واستدلالاً شرعًا وعقلاً.[ الأنترنت – موقع الألوكة - ضرورة العلم بوجود الخالق عز وجل - أ. د. مصطفى حلمي ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الثانية والثمانون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*دلائل الخالق

بدأتها أبياتًا لقصيدة التأمل، من واقع حال لأنسج سجايا التأمل، وعن تبصُّر البصيرة، فعلى زخّات ماء الشلال انزلقت حلقات الماء بتواتر الاندفاع لتسابق 

القوة في ضخ خرير الغنى؛ ليشبع الظمأ إلى صفاء النهاية على امتداد واد سيّال.

فعن يميني تسابيح الطيور، بلغة الإقرار بوحدانية الله - عز وجل - وعن يساري انحناء أغصان الشجر بحفيف الورق الهادئ والمداعب لقطرات الندى؛ ليحتوي إشعاع شمس ذهبية، مكنونات تسبح بعظمة الخالق - عز وجل - لكننا لا نفقه تسبيحها.

ومن فوقي تسابق كوكبة الغيوم، في بطن سماء واسعة المجال، ومن تحتي، وبالقرب من قدمي دبيب نمل في عبادة العمل، بقوة الإصرار أن لا أحد يهديها قوت شتاء قارس، فراحت تسابق الثانية من الزمن على دولاب الإرادة، وعلى امتداد بصري طنين النحل هنا وهناك للهبوط في أقرب فرصة على أزهار الربيع برحيق الختام ذهابًا وإيابًا، فكان العطاء مسكًا في عسل مصفى، لذة للشاربين، مختلفًا ألوانه.

وعلى ضفة أخرى، وفي يوم آخر، نظمت بيتًا آخر لقصيدتي، وبالضبط على شاطئ البحر، أين كان لأفول الشمس إشعاع آخر؟ وما أحلاه في أفق الغروب! إعلان عن رحيل آخر، فكان بيتًا ثانيًا لقصيدتي من على صخر الصمود، لأمواج فيها من القوة ما كان امتدادًا لشجوني على صوت هدير البحر، رغبت في ترجمة صمته بتخويف بداية الظلام من أنه قد يكون السكون الذي يسبق هبوب العاصفة، فالحذر واجب حتى مع الطبيعة، لكني غادرته مع آخر غروب في أهبة إلى مكنونات أخرى، وبالضبط إلى غابة تعج بالأشجار لترسم خريطة الكثافة بانتظام قامات الفروع؛ ليصبح اللون الأخضر سيد المكان، فكان في الاخضرار سكينة للمتعبين من كد العيش ونفس المداومة بضغط حياتي طويل، يبدو كل من ينتمي لهذا المكان يشعر بالأمان ولو أن فيه مخلوقات مفترسة، لكنها ألفت الوجودية بضرورة الاستمرارية، أين عقدت صداقات الهدنة في لا اعتداء ولا خديعة، فكانت لحظات ثقة جميلة، بل صادقة تعلمنا نحن البشر أن نصادق بقوة الإيمان في نبل الأخلاق وديمومة الجمال بعقيدة سمحاء... بدوري أنا شعرت بسكينة في روحي، لكني قطعت هذه السكينة لأكمل المشوار، وعلى نسق آخر، ومن فوق أرضية أخرى، بالضبط بمرأى رمال ذهبية، أين كانت للإبل ضيافة على بوابة الصحراء القاسية بتجرد في كل شيء، ما عدا انحناءات الرمال على أمواج الجفاء في أن الماء بالكاد موجود؛ لكن تركيبة الإبل آية أخرى، من أنه - تعالى - خلق كل شيء بقدر، فكان خلقها عجيبًا وتركيبها غريبًا، هي في غاية القوة والشدة والتحمل.ومع ذلك فهي تلين للحمل الثقيل، وتنقاد للقائد الضعيف بحجم البساطة، فكانت سفينة البر في قوله - تعالى -: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾[الغاشية: 17 - 22]. فعلاً ففي رموش أعينها سر الحماية من رمال غزيرة عند هبوبها فجأة، وفي عنقها حكمة في تناول الأكل أرضًا، وحتى من ارتفاع الشجر، وهو توازن يساعدها على النهوض بالأثقال، وحتى لو اشتد الحر، فهي لا تلهث من تعب، ولا تتنفس من فمها في استمرارية لحياتها، والحكمة في هذا المنع الإلهي حتى لا يتبخر الماء من هذا السبيل.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الثالثة والثمانون بعد 

الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :*دلائل الخالق

أما فينا نحن البشر، فالآيات كثيرة، منها قوله - تعالى -: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي 

الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فصلت: 53]، هي آية شاملة لجميل الصنع والإتقان.

فهذه المرة مع الآدمية، لن تكون أبياتًا؛ بل رحلة إيمانية؛ مصداقًا لقوله - تعالى -: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ﴾ [الطارق: 5 - 7]، فهذه الآية هي تذكير الإنسان بأصول نشأته، فقد حيّرت ذوي الألباب، لكن لا حيرة أمام ﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾، وفي كينونة ابن آدم خليفة على الأرض لاستمرار الآدمية بعد خطيئة الإغراء من شيطان القطيعة مع جنة الخلد.

سأقف مطولاً مع حقيقة وجود الإنسان في دنيا العجائب، وغرائب سيرورة الكون بانتظام متناهٍ، كانت لي إجابة في سورة الذاريات مصداقًا لقوله - تعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58]، إلى غاية هذا الإبداع الإلهي: هل فعلاً أدَّيْنَا واجب العبودية على أكمل وجه؟!

إن كان على المؤمن فهو يدرك أن الحكمة من خلقه هو الابتلاء والامتحان، وأدواته هي كل ما في هذه الدنيا، ومدة الابتلاء هي حياته على الأرض، دار الزوال والفناء، فإذا انتهى زمن الامتحان أخذت منه أدوات الامتحان، وأخرج من قاعة الامتحان؛ قال - تعالى -: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2].

فيا بن آدم كفاك تكبرًا وتواضع للإله برفق وتبصَّر، فكم مضت سنون الصِّبا وخلناها في الشباب باقية! هي رحلة الحياة مددًا لما بعد الموت في الجنة خلودًا، لكن مفاتيح الجنان مكاره فلك الخيار إن كنت لبيبًا؛ فالمرء يقاس بخواتيم أفعاله، وليس بالسيئات إلا سوء المآل! [ الأنترنت – موقع الألوكة  - دلائل الخالق - أ. سميرة بيطام ]   إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الرابعة والثمانون بعد 

الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الكون صداقة للإنسان ودلالة على الخالق

ما حقيقة العلاقة بين الإنسان والطبيعة التي هي ركن أساسي من أركان العملية الحضارية؟ الحقيقة أن مذاهبَ كثيرةً ومفكرين كثيرين، لم يوفَّقوا في رسم حدود العَلاقة بين الإنسان والطبيعة، إن الطبيعة التي يُطلِق عليها بعضهم (المادة)، ويطلق عليها آخرون (التراب) - ليستْ ركنًا مقابلاً ومضادًّا للإنسان، إنها لا تفرض عليه (الصراع) معها لكي يصنع حضارة، كما يذهب إلى ذلك أصحابُ التفسير المادي والمثالي، وبدرجة كبيرة أصحاب التفسير الحضاري، وبعض المفكرين المسلمين.

فحتى تعبير (أرنولد توينبي) الشهير: (التحدي) يمثل شِحنةً مكثفة لا تمثِّل حقيقة العلاقة بين الإنسان والطبيعة.

إن الطبيعة بالنسبة للإنسان هي مجاله، وهي بيئته، وهي مخلوقة من أجله، وإن جمالها وأهميتها وعطاءها الحق، لن يتجلَّى إلا إذا سخَّرها الإنسان وأعمَلَ فيها 

عقلَه ويده، إنها من غيره جمادٌ وفوضى وتدمير أحيانًا.

لقد رفَض القرآن الكريم التصوُّرَ العبراني للعلاقة بين الإنسان والطبيعة، وهي علاقة الرهبة والخوف؛ لأن الطبيعة في التصور القرآني قد خُلِقت من أجل الإنسان، كذلك فإن اللعنة التي تحل بالأرض في العهد القديم بسبب خطيئة آدم وحواء حين أكلا من الشجرة المحرمة - لا تتَّفق مع وصف القرآن للأرض بأنها مستقرٌّ ومتاع إلى حين[ انظر في تفصيل ذلك: كاظم الزيدي؛ (الطبيعة في القرآن الكريم)، رسالة ماجستير؛ (نقلاً عن د/ عفت الشرقاوي)؛ أدب التاريخ عند العرب، ص 204.] ، بل إن الإنسان في القرآن الكريم هو المحور والغاية في عالَم الطبيعة، ومن أجله سُخِّرت الكائنات كلُّها؛ يقول الله -تعالى-: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾ [إبراهيم: 32- 33]، ﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا ﴾ [النحل: 14]، ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [لقمان: 20].

وكل ما يُخيَّل لبعضهم أنه صراع بين الإنسان والطبيعة، فهو من باب التهذيب، مثلما يهذِّب الإنسانُ أبناءه ليُنتجوا ويُثمروا، كذلك فإن الإنسان يتولَّى الطبيعة بالتهذيب؛ لكي تضع إمكاناتها وطاقاتها تحت تصرُّفه، ولكي تعطي وتثمر، وتتعاون معه في إنجاز الحدث الحضاري، إنها الجسم وهو العقل، إنها الأنثى الودود التي لا تبخل بالإنجاب - بإذن الله - متى تم التفاعلُ الحضاري، أو حسب تعبير (توينبي): متى تَمَّت (الاستجابة) المناسبة. فالأمر - إذًا - ليس (صراعًا)، بل ليس (تحديًا)؛ وإنما هو (تدافع) كريم، كذلك التدافع والتدلل، والتمنُّع الذي يتم بين كل أنثى وذَكَر، إنه - في الحقيقة - ليس تحديًا ولا صراعًا؛ وإنما هو (استثارة) لكل الطاقة المذخورة! ونحب هنا أن نبيِّن أن كلمة (تدافُع) ليستْ من نوع (الصراع)، ولا سيما بمحتواه الفلسفي الجدلي، فإن (التدافع) ليس إلا قمة الاستثارة ليبقى - في النهاية - ما ينفع الناس:

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الخامسة والثمانون بعد 

الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الكون صداقة للإنسان ودلالة على الخالق ( سنة التدافع)

﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 251]، ﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا 

فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ

 مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الرعد: 17]، ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ [الأنبياء: 18]. وكيف يكون الأمر (صراعًا) مع أن (الأرض) في الإسلام إنما جُعِلت كلها مسجدًا؟!

وكيف يكون الأمر صراعًا مع أن (الزمن) هو (الدهر)، ولا يجوز أن يسبَّ المسلمُ الدهرَ؟! وإذا كانت الحرية المسؤولة - بمعنى من معانيها - تعني انعدامَ القيود؛ فإن (الحرية المطلقة) تعني أن تكون حرًّا من جميع القيود؛ أي: أن تتحرَّر من الأشياء الخارجية ومن الطبيعة، ومن الناس من حولك، ومن القانون، ومن العقل، ومن الوراثة، لكنك - من ناحية أخرى - لو تحرَّرت من كل شيء، لكان معنى ذلك أنك لا شيء، فاللاشيء أو العدم هو وحده الحر حرية مطلقة، فالحرية المطلقة هي العدم المجرد، ومن هنا فإذا كان الإنسان بالموت يتوقَّف عن أن يكون شيئًا، فإنه - بالموت أيضًا - يكون لأول مرة حرًّا حرية مطلقة؛ لأنه سيصبح لا شيء[ نقلاً عن: زكي نجيب محمود؛ الجبر الذاتي، ص 252 بتصرُّف.]

ولهذا؛ فعندما أطلق الله للإنسان حريته، أطلَقَها في حدود الحفاظ على نظام 

(المرور الكوني) بإشاراته وعلاماته، التي تَحُول دون الصدام والموت المحقَّق، فلا جبر ثمة ولا حتمية؛ وإنما نظام يسمح لكل الحريات التي قد تتصارع بالحركة الحرة المأمونة.

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾ [القيامة: 36]، من غير أن تَنضبِط حركته بقوانين وسُنن، وأوامر ونواهٍ؟ كلاَّ، إنه لن يترك هَمَلاً يرعى كما ترعى السوائم، بل لا بد له من قيود وضوابط يرعى في حدودها، ويتحرك في مجالها [ عبدالكريم الخطيب؛ القضاء والقدر، ص 45، طبع دار المعرفة - بيروت.]

ويشير الفيلسوف الأمريكي (توماس بين) إلى ضرورة هذه القوانين الضابطة، فيقول: "إن الطبيعة مسيَّرة بالقوانين التي استنَّها الله الذي يريد بخلقه خيرًا – 

والإنسان جزء من الخلق - من أجل ذلك لزِم أن يكون الإنسان - في حالة كماله - مسيرًا بقوانين أخلاقية تسير به نحو خيره، فكما أن للطبيعة قوانينَها، 

فكذلك للإنسان قانونه"[4].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والثمانون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الكون صداقة للإنسان ودلالة على الخالق 

والقرآن الكريم إذا تحدَّث عن سنن الله في المجتمع الإنساني، فإنه يتحدَّث عنها كحلقة في سلسلة النظام الكوني القائم على التناسق بين عناصر الكائنات الوجودية، تناسقًا يؤدَّى به عملُها الذي تقتضيه طبيعة وجودها[5]، فلا مَندوحة من أن يُهيمن الله على الحركة العامة للكون، ولا مندوحة للإنسان من 

أن يُنسق خُطواته على أساس الانسجام مع هذه الهَيْمَنة الإلهية.

إن الله ليس (ساكنًا) أو (متفرجًا) على مباراة الكون من خلال شاشة مرئية، إن إلهًا من هذا النوع الإغريقي، ليس إلهًا في الحقيقة وفي الإسلام، فإن الله (فعَّال)، و(قدير)، و(مهيمن)، و(خبير)، و(محيط)، ولا ينبغي للإنسان - في التفسير الإسلامي - أن يُغفِل - ولو لحظة - هذه الهيمنة الإلهية الشاملة على كل ما في الكون ومَن في الكون: ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ ﴾ [النحل: 49].

وكيف يكون الأمر صراعًا، مع أن الكون كله يسبح بحمد الله ويتَّجه إلى عبادته؟!

وكل ما في الكون - ابتداءً - إنما خلقه الله ومهَّده؛ لكي يكون في خدمة الإنسان

 - خليفة الله - فما ضرورة الصراع إذًا؟!

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 29]، ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [فصلت: 9 - 12]، ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ * وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ﴾ [الزخرف: 10 - 13].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والثمانون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*الكون صداقة للإنسان ودلالة على الخالق

ومع أن الدكتور عماد الدين خليل - الذي تصدَّى بجرأة وشجاعة لمحاولة (التفسير الإسلامي للتاريخ) - قد لَمَس بأسلوبه الأخَّاذ بعض ملامح هذه العلاقة الكريمة التي تربط الإنسان بالطبيعة، فإنه أيضًا ذهب إلى أن هناك (صراعًا) بين 

الإنسان والطبيعة.

إنه يقول - أولاً - في تصور العلاقة بين الإنسان والطبيعة:

"إن أخلاقية الوجود البشري على الأرض تقتضي الحوار الفعَّال بين الإنسان والطبيعة، هو يسأل وهي تتمنع عن الإجابة، وهو يسعى إليها متسائلاً قلِقًا، وهي ترفض أن تفتح له أحضانها وتلقي إليه بكنوزها.

معنى هذا أن على الإنسان أن يَرفُضَ الكسل والقعود، وأن يتخلَّى عن السعي الهادئ المطمئن إلى رزقه وتأمين حياته، وفي القرآن الكريم مئات الآيات والإشارات تَنفُخ في الإنسان هذا المعنى الحضاري العظيم، وتعلِّمه أن حواره مع 

الطبيعة لن يثمر إلا بالسعي، والكَدح، والحركة.

وكما يطلب الإسلام من الإنسان الحركة العقَدية على الكون كله، فكذلك يطلب أن تكون حركته (العقلية) في نطاق الكون كله، فالأرض جزء من الكون، الناموس الذي يحكم الأرض هو نفسه الذي يحكم الكونَ، والله - سبحانه - خالقُ القوانين والأوضاع والإنسان: ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾ [الزخرف: 84]، ومن ثَمَّ فإن اللقاء بين الحركتين: حركة العقل، وحركة الوِجدان، حركة الحس، وحركة الروح، حركة الذهن، وحركة القلب - هذا اللقاء القائم على التوافق والتوحيد والانسجام، سيكون محتمًا في المدى القريب والبعيد؛ لأن كلتا الحركتين ستُطلع الإنسان على الملكوت وتَقوده إلى الله"[ د/ عماد الدين خليل؛ التفسير الإسلامي للتاريخ، ص 200 - 201.]

وفي موضع آخر يقول: "إن هناك بداهة من أشد بداهات الإيمان أهمية، تلك هي أن الله - سبحانه - ما دام قد عبَّر عن إبداعه وقدرته الكلية على مستوى الروح والمادة، الإنسان والطبيعة، فليس ثمة معنى أبدًا لأي موقف بشري من المادة أو الطبيعة، يتميز بالهروب أو الاحتقار، أو السلبية أو الاستعلاء، إن هذا الموقف - مهما كانتْ درجته - غير مبرر في بداهات الإيمان، ولا في مقتضيات (الاستخلاف)، ليس هذا فحسب، بل إنه يقف نقيضًا لهذه 

البداهات والمقتضيات، ومن ثَمَّ فهو مرفوض من القرآن الكريم ابتداءً"[ المرجع السابق.]

ومع هذا الذي يبدو من اقتراب الكاتب من طبيعة العلاقة بين الإنسان والطبيعة، لكن الكاتب لا يَلبَث أن يعود، فيُركز على قضية (الصراع) مع الطبيعة، فيقول: "إن الصراع نفسه يتخذ أشكالاً عديدة، لا تقتصر على تقابُل الضدين وتغلُّب أحدهما على الآخر في عالم الفكر أو المادة، إنه يبدو أحيانًا إرادة ذاتية تسعى إلى التوحيد والائتمان الذاتي في وِجدان الإنسان ومع المحيط الخارجي، ويبدو أحيانًا أخرى رغبة فعَّالة في تحقيق تفاهُم متبادل، وتعارُف وثيق

 وسليم عام بين الإنسان والإنسان، أو بينه وبين الوجود"[ المرجع السابق]

فلماذا تكون العلاقة (صراعًا) إذًا؟!

ولماذا لا نسمِّيها عَلاقة (استثارة) لبذْل أقصى ما يمكن من الطاقات المذخورة؟!

أجل؛ ليس في حركة الحضارة (صراع) من نوعٍ ما، ولا بين المرأة والرجل، ولا بين السالب والموجب، ولا بين أي ذكر وأي أنثى في الحيوان، ولا في النبات، ولا في الجماد، وإنما هناك تلك (الاستثارة) التي يبذلها كلٌّ من الطرفين المتقابلين؛ ليستخرج كل منهما أقصى الطاقة المذخورة؛ حتى يتحقَّق التكامل

 المنشود في أفضل صُوَره الممكنة.

إنه حوار فطري ثنائي، تقتضيه طبيعة الحياة التي فطَرها الله عليها، إنه حب خفي، ووِئام، وتكامُل، تحقِّقه الحياة بأسلوبها المتنوع. وإلا فمِن دون التقابل المتناغم كيف تُعرَف خصائص الأشياء؟ بل كيف تعرف حقائق الأشياء؟ فمِن دون الأَسْود كيف نَعرِف الأبيض؟ ومن دون النهار كيف نعرف الليل؟ ومن دون الكره كيف نعرف الحب؟وكيف نعرف (فوق) إذا لم نعرف (تحت)؟ أو (الشمال) إذا لم نعرف (الجنوب)؟ إن القضية تتصل بناموس كوني كبير صاغَه الله، وهو ليس (ديالكتيكًا) جدليًّا، يخضع لصراع تناقضي، بل هو اختلاف

 وتنوُّع،لا تتحقق (سيمفونية) الحياة التي تقتضي طبيعتُها اختلافَ الإيقاعات إلا به.

فلكي تنشأ الحياة وتنمو وتزدهر، لا بد من هذه (الزوجية) الازدواجية المتقابلة المتكاملة: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ [هود: 40]، إنها سفينة واحدة، لا تحتمل حدَّة الصراع؛ وإنما الذي تحتمله هو هذه (الزوجية) المتحاورة المتنوعة المتكاملة. [ الأنترنت – موقع الألوكة  - الكون صداقة للإنسان ودلالة على الخالق - أ. د. عبدالحليم عويس ]

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثمانون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الأفاعي والثعابين دلالات على إبداع الخالق

لا شك أنَّ الأفاعي تعتبر مِن أكثر الزَّواحف رشاقةً وإثارةً، وأنواعُها غيرُ المضرَّة تستحِقُّ منا كلَّ رِعاية ووِقاية؛ نظرًا لانتشار الأعداد الهائلة من الفِئْران والجرْذَان، وغيرها من الآفات الزراعية التي تتغذَّى عليها، وتشمل الزواحف بالإضافة إلى الأفاعي. وعلى عكس ما يَعتقده الكثيرون أنَّ الأفاعي مخلوقات قذرة، فإنَّها في الواقع مظلومة، وفي أغلب الأحيان نَجِدها حيواناتٍ رشيقةً، وذاتَ خطوط أو شرائط أو بُقَع زَاهية الألوان، وأجسامها تتميز بانسيابها الدقيق، والمتأمِّل في هذه المخلوقات يَرَى قدرةَ الله واضحةً جليَّةً.

وهي مخلوقات الله - سبحانه وتعالى - ظلَمْناها وأضفَيْنا عليها كلَّ ما نَملك من ازْدِراء ونُفور، فليست كلُّها شرًّا أو أذًى، بل معظمها حيوانات وَدِيعة وأَنِيسة وغير مؤْذِية، ما لم يتهدَّدْها الخطر ويُحِط بها العُدوان. وتتعدَّد أسماؤها، فنجد أنَّ الثعبان والحيَّة والأَفْعي والأفْعُوَان والحنَش - كلَّها أسماءٌ لِمُسمًّى واحد، وتعيش في الغابات والأحراش والصَّحاري والبِرَك، وغيرها من البيئات المختَلِفة مع ملاحَظة أنَّ ثعبان الماء نوع من أنواع السَّمك، وليس محلاًّ لهذه الدِّراسة، والأفاعي مخلوقات ميسَّرة لِمَا خُلِقت له.

فقد حبَاها الله حَواسَّ وقُدراتٍ جِسميَّة متعددة؛ لكي تعيش وتنتشر وتنمو وتُجابِه الأعداء، وتُدَافع عن نفسها ضد كل خطر يتهدَّدها أو ينال منها.

في القرآن الكريم ورد ذِكْر الأفاعي صريحًا باثنين من أسمائها؛ فقد وردَتْ باسم "ثعبان" في سُورتَي الأعراف الآية "107" والشعراء الآية "32" في قوله - تعالى -: ﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴾ [الأعراف: 107]، كذلك وردت باسم "حية" في سورة طه الآية "20" في قوله - تعالى -: ﴿ قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ﴾ [طه: 19 - 20].

وقد أشار القرآن الكريم إلى الحية أو الثعبان ضِمنًا في ثلاث آيات، ففي سورة الأعراف في الآية "117": ﴿ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾ [الأعراف: 117]، ﴿ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ﴾ [طه: 69]، ﴿ فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾ [الشعراء: 45].

وتعدَّد أسماء الثعبان كما سبق الإشارة إلى ذلك

والمتأمِّل في حياة الثعابين وسُلوكِها لا بدَّ أن تستوقِفَه إحدى النقاط التالية:

لا توجد أطراف لها مع أنَّ سرعة بعضها تتجاوَز أربعةَ أميال في الساعة.

لونُها تكَيُّفي مع البيئة؛ للاختباء والحماية والوقاية، وأحيانًا للإنذار.

لا يُحاول الأفعُوان (ذَكَر الأفعى) أنْ يَغتصب أُنثَى أفْعُوان آخَر، سبحان الله!

أغلَبُها لا يَبدأ بالهجوم، بل يَلتزم موضع الدِّفاع، ويَحكم الصِّراعَ بينها قواعدُ وأصولٌ وأحكام. مَلمَسُها حرير، وشكلها جَميل ورَشِيق، وألوانُها زاهية متناسِقة، وفي أنيابها العطَب، وأحيانًا الموت الفوري.

ولقد اتَّخذها الإنسانُ مثَلاً على الالتواء وعدَمِ الثَّبات على المبدأ، والخديعة والتلَوُّن مع كل موقف، وفي المثَل يقولون: "فلان كالثُّعبان"؛ أيْ: يعَضُّ ويَختفي، أو دلالة على التوائه وعدم صراحته.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والثمانون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الأفاعي والثعابين دلالات على إبداع الخالق - الصفات الجسمية:

أهم ما يميِّز الأفاعي عن غيرها من الزواحف والحيوانات الأخرى: عدمُ وجود أيَّة أطراف للأفاعي، وعيونُها مفتوحة دائمًا ولا تُغطِّيها جفون.

هذا، وتوجد الأفاعي في جميع المناطق الاستوائية، ولا يَكاد يَخلو منها مكان في كافَّة أرجاء العالم، فيما عدَا مَنطِقَتَي القطبين الشمالي والجنوبي، وجزُر هاواي، وأيرلندا ونيوزيلندا التي تَخلو من وُجود أنواع مَحلِّية من الأفاعي بها.

أمَّا عنْ دِراسة تاريخها، فإنَّ أقْدَم حَفْرية عُثِر عليها لأفعى، تعود إلى العَصْر الطَّباشِيري، منذ حوالي مائة مليون سنَة.

وتتميَّز جمجمة الأفعى بمرُونةٍ في التركيب، تُسَاعد على مَنْح فَكَّيْها - السُّفلي والعُلوي - درجةً كبيرةً من حرِّية الحركة؛ ذلك أنَّ الفكَّ السُّفلى ينقسم إلى نصفين غير متَّصِلَين من الأمام، لكنَّهما موصولان برِبَاط مطَّاط مَرِن. أما الأَسنان فهي حادَّة الأطْراف كالإِبرة، ومقوَّسة إلى الوراء، وتنتشر على الفكَّيْن، وجسم الأفعى يتميَّز بطوله الانسيابي؛ ولذلك كانت أعضاؤُها الداخلية طُوليَّةً هي الأخرى، فالقلب - بخلاف شَكْلِه المعروف عند كثير من الحيوانات - طُولِيُّ الشكل، وكذلك الحُوَيصلة الصفراوية (المرَارة) التي لا تلتصق - كالعادة - بالكبد، بل تَرقد بَعيدًا، وراءَه، وللأفعى رِئَة واحدة.

وجسم الأفعى تغطِّيه الحراشيف، وهي شَبِيهة بقشور السَّمك، لكنها تَزداد سُمكًا في منطقة الرأس وعلى الجانِبَين، وتختلف ألوانُها باختلاف البيئة التي تَحيا بها الأفعى، كما أنها تَحوِي عددًا من الأصباغ، هي التي تحدِّد لونَها بين الأسود والبني، وقد تَختفي الأصباغ تمامًا من بعض الحراشيف، فتكون الفرصةُ سانِحةً لانكسار أشِعَّة الضوء عليها، مُنتِجةً عددًا من الألوان، كما يَحدث في المنشورات الزجاجية الدَّقيقة. ولونُها تكَيُّفي مع البيئة، فالأفعى تَأخذ لون البيئة التي تَحيا بها؛ فإذا وُجِدت الأفاعي بمناطق الغابات والأدغال، فإنَّها تشاهَدُ ذاتَ بُقَع أو خطوط، تُحَاكِي أوراق الأشجار وأغصانَها.

أما الأفاعي فيَختلف لونُها بين الأخضر والبنِّي، وأمَّا ساكنات الصَّحاري فتتميَّز ألوانها بالشحوب.

على أن الأفاعي تَبلغ حدًّا كبيرًا في تكَيُّفها مع البيئة المحيطة بها، ليس فقط في أنماط الحياة وألوان الحراشيف، ولكنْ أيضًا في مجال التركيب الجسدي.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التسعون بعد 

الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الأفاعي والثعابين دلالات على إبداع الخالق - الحفَّارة والأرضية والمائية:

بعض أنواع الأفاعي تَقضي جزءًا كبيرًا من عمرها تحت سطح الأرض، وتتميَّز برأسها المدبَّب الذي يُشبِه الوتد؛ الأمر الذي يساعدها على اختراق الأرض والغَوص تحت سطحها، وتُسمَّى هذه الأنواع بالأفاعي "الحفَّارة"، وهي ثَقيلة الوَزْن، ضَخْمة الجسم.

والأفاعي الأرضية تستطيع تسَلُّق الشُّجَيرات والأشجار، بل والسِّباحة إذا دعَت

 الحاجة، في حِينِ تفضِّل الأفاعي المائية "مياهَ البِرَك والمستنقَعات"، ونادرًا ما

 تتجوَّل في سباحتها بعيدًا عن المياه العذْبة، وهي ماهرة في السباحة.

كذلك تحبِّذ "أفاعي الأشجار" سُكْنَى فروع الشجر، والحياة على ثمارها وعلى بَيض الطيور، وقد زوَّدتْها القدرةُ الإلهية بِحَواسَّ دقيقةٍ وحادَّةٍ، تساعدها على المهَارة في صيد الفرائس والإمساك بضحاياها.

وأهم حواس الأفاعي البصَر والشَّم:

فتتمَتَّع بعضُ أنواع الأفاعي - خصوصًا الحفَّارةَ منها - بحاسَّةٍ بصَريَّة حادَّة؛ إذْ تتركَّز

 حدَقَة العَين بدِقَّة على الأشياء على اختلاف مسافاتِها، ومِن ثَم تستطيع تحديد 

الوقت اللازم للانقضاض على الفَرِيسة وبدقَّة متناهِيَة.

ومن المعروف أنَّ عيْنَيْها لا يغطِّيهما جَفْنان، بل حَرَاشف شفَّافة، رغم ذلك تكون حدقةُ العين في الأفاعي التي تَقتَنِص فريستَها أثناءَ النهار، مستديرةً، أما صائدات اللَّيل فتكون حدقاتُها مستقيمةً كما في القِطط.

وتتميز الثعابين بحاسَّةِ شم عالية، تتعرَّف بها على الفريسة وتحدِّد نوعها، يساعدها على ذلك لسانُها المشقوق، ولسان الثعبان يُعتبر عضْوَ اللَّمْس، ولا يُستَخدم في الذَّوْق، وليس للثعبان خاصَّةٌ للسَّمع.

وتستطيع الثعابين التقاط ذبذبات الهواء، والإحساسَ بالموجات الصوتية عن طريق احتكاكِها بالأرض.

ومع أنَّ الثعابين ليس لها أطراف، إلاَّ أنَّ الثُّعبان يتحرك بقَذْف جسمه الطويل في موجات أفُقِية، يساعده على ذلك هيكَلُه العظميُّ البالِغُ المرُونة، كما يسهِّل له الانثناء في جميع الاتِّجاهات بسهولة ويُسْر، ومع كل انثناءة يَدفع أمامه كلَّ ما يواجهه من عَقبات، ككومات العشب والأحجار الصغيرة وفروع الأشجار.

ومن المقاومة الناتجة عن احتكاكه بهذه الأشياء، وكذلك احتكاك جِسْمه 

بالأرض خلالَ تموُّجاته الجسدية، يستطيع الاندفاعَ بجسمه إلى الأمام.

على أنَّه يمارِس تحرُّكاته هذه للسَّيْر، كما يمارِسُها عند السِّباحة كذلك، وهناك طريقة أخرى للسَّير هي طريقة "يرَقَة الفَراش" أو "الدُّود" وفيها يزحف الثعبان في خط مستقيم عن طريق دَفْع طَرَفي جسمه إلى الأمام، وهو ما يتِمُّ بمساعدة عضلاته القوية.    إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والتسعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الأفاعي والثعابين دلالات على إبداع الخالق - الحفَّارة والأرضية والمائية:

بيد أننا لا نستطيع إغفال أثَرِ الحراشف الَّتي تغطِّي جسم الثعبان في مساعدته على دفْع جسمه إلى الأمام في طريقة السَّير "الدُّودية" هذه؛ إذْ هي تعتبر بمثابة نقطةِ ارتكاز تَنطلق منها الحركة، كما أنَّها تساعده على تسَلُّق الأشجار وغيرها.

وقد يَتَحَرَّك الثعبان بطريقة النخع، وذلك بأن يدفع طَرَفه الأماميَّ إلى الأمام في حين يَنطَلِق بطرَفِه الخلفي اتِّجاهَ الخلف، وبذلك يَندفع جسمه إلى الأمام.

على أنَّ الأصناف الصحراوية - مثل الأفاعي الإفريقية ذات الأجراس، أو أفاعي

 "الصُّوندر" الأمريكية - تتحرَّك بطريقة الاندفاع الجانبي، وذلك بأنْ تمرَّ الأفاعي بسهولة ويُسْر فَوق أرض رَمْلية مسطَّحة في اتِّجاهٍ جانبي. ومع تحرُّكِها يحتَكُّ جسمها بالأرض من عدَّة أماكن في وقت واحد، وكلُّ جزء من أجزائها يتَّخذ شكل حرف (S)، وهكذا تنتقل حركة الجسم من كل انثناءة على هيئة حرف (S) هذه إلى غيرها، إذْ يتَّخذ الجسم كلُّه شكل عدة حروف (S).

والثعبان حيوان ثدْيِيٌّ،يستطيع قضاء فَترة كبيرة نسبيًّا،بالمقارنة بغيره من 

الثَّدْيِيَّات ، دُون تناول أيِّ طعام، كما يمْكِنه الاستغناء عن الماء أطولَ فترة ممكِنة أيضًا.

والجدير بالذِّكْر أنَّ حجم فريسة الأفعى (الثعبان) تكون أضعافَ حجْمِ الثعبان نفْسِه، وللثعابين وسائلُ خاصَّة في اقتناص ضحاياها، منها اقتناص الفريسة بالأنياب، ثم ابْتِلاعها فوْرًا، وبهذه الطريقة تَقتنص الثعابين الحشرات ويرَقاتِها، والديدانَ والقواقِعَ، والأسماكَ، والثعابين الأسماك، والضَّفادع، وقد يَلجأ الثعبان إلى كَبْس فريسَتِه إلى الأرض حتى تَنتهي مقاومَتُها.

وبعض الأفاعي تُمسِك بالفريسة بتقليص عضلاتِها عليها حتى تَختنق، وفي أغلب الأحيان يكوِّر الثعبانُ عدَّة لفَّات من جسمه حولَ الفريسة، ثم يَبدأ في سَحْقها داخل تلك اللفَّات.

وأكثرُ طرُقِ القتل إثارةً تكُون بالسُّم؛ حيث يَدخل السمُّ إلى جسم الضَّحية عن طريق جرْحٍ تسبِّبه أسنان الحية السامة (أو أنيابها).

بيئة الحرارة:

كلَّما طال عُمرُ الثُّعبان زاد طُوله، وصِغار الثعابين يتضاعف طولُها خلال السَّنة الأولى من عمرها، ثم يَنخفض معدَّلُ النمُوِّ مع وصولها إلى سنِّ البلوغ، ويتأثَّر نموُّ الثعبان بكمية الطعام وحرارة البيئة؛ ولذلك يكون النمو بطيئًا أثناء البيَات الشِّتوي. وجدير بالذِّكر أنَّ درجة حرارة جسم الثعبان لا تتعدَّى درجةً واحدةً فقط، ارتفاعًا أو انخفاضًا عن معدَّلها الطبيعي، مَهما اختلفت حرارة البيئة حولَها؛ ولذلك لا يَستطيع الثعبان الحياةَ مدةً طويلةً تحت أشعة الشمس المباشرة، أو عندما تصل الحرارة إلى درجة التجمُّد شتاءً. ولذلك نجد الثعابين تتحَاشى البَرْد في المناطق المعتدلة بالدُّخول في البيات الشتوي.

وفي أوائل فصل الخَرِيف تَبحث الأفاعي عن أيِّ مكان تختفي فيه مُؤْثِرةً عدمَ 

التعرُّض للأجواء المتجمِّدة في الشتاء، وقد يكون ذلك المكانُ جُحْرًا على جانب

 أحد الجبال، أو تَحت كوْمَة من الصُّخور أو شُجَيرة، أو في قاعدة مُفْرَغة لإحدىالأشجار.

وقد تجتمع عدةُ أنواع من الأفاعي في مكان واحد؛ لقضاء بياتها الشِّتوي، كالحال عند اجتماع الأفعى النُّحاسيَّةُ الرأس، وذات الأجراس، والأفعى السوداء.

وعندما يحِلُّ فصل الربيع بجوِّه الدافئ، تَبدأ الأفاعي في الخروج من بياتها الشِّتوي، لكنَّها لا تتجاوزه - أوَّلَ الأمر - إلى أماكِنَ نائية؛ ولعلَّ ذريعَتَها في ذلك هو حساسيتها المفْرِطة بالاحتمالات الجويَّة.

ذلك أنَّ بعض ليالي الرَّبيع الأُولى تكون قارِسَةَ البرد أحيانًا، فإذا وصَل الأمر إلى هذا الحدِّ تكون الفرصةُ أمامها سانحةً للمبادَرَة بالعودة إلى مَخبَئِها قبْلَ أن 

يُهلِكها البرد والصَّقيع.

فإذا اطمأنت الأفاعي إلى انحسار مَوجات البرد القارس، خرجَتْ من جُحورها، ولكنْ لا يمكنها الابتعاد قبل أن تطمئِنَّ إلى وجود الإناث؛ لإتمام عملية التَّزاوُج.

وهناك ظاهرةٌ تستحِقُّ الوقوف عندها، والإشارة إليها وتأمُّلَها وهي: "أنَّ الأفعوان (ذكَر الأفعى) لا يُحَاول اغتصابَ أنثى أفعوان غيره"، وهي قاعدة سُلوكيَّة مستقِرَّة لدَى جميع أنواع الأفاعي في شتَّى بِقَاع المعمورة!

    إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانيةوالتسعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الأفاعي والثعابين دلالات على إبداع الخالق - قواعد الصِّراع والمداعَبة:

قد يتقاتَل ذَكَران من الأفاعي الأوربية على أُنثَى واحدة، عندئِذٍ يُواجِه الذَّكَران بعضَهما، وقد نَصَب كلٌّ منهما الجزءَ الأمامي من جِسمه، مع رَأسه، ثم يَندفعان بشدَّةٍ؛ كلٌّ منهما في اتِّجاه الآخَر، فيصطدمان، ولدَى كلٍّ منهما الأمَلُ في طرح خَصْمه أرْضًا. وقد يحدث خِلالَ هذه المعركة أن يَثْنِي أحَدُ الخَصْمَين جسمَ الآخَر، ويتمَكَّن من فَرْكه في الأرض عدَّةَ مرات، إلاَّ أنَّ الشيء الذي يستحيل حدُوثُه هو أن يعَضَّ أحدُهما الآخَر، وكأنَّها أحكام رِياضيَّة لا تُبِيح لأحَدِ المتصارعين أنْ يسبِّب للآخَر أيَّة أضرار جسَدية.

فمِنَ الممكن التَّقاتُلُ والتَّصارع من أجل الفَوز بالأنثى، لكنْ ليسَ من حقِّ أيٍّ منهما أن يَعض الآخر أو يسبِّب له أيَّ أذًى، تِلك سُنَّة الله في خَلْقه، ولن تَجِد لسُنَّة الله تبديلاً، وفي نهاية المعركة يَخضع أحد المتصارِعين، ويترك السَّاحة لِخَصمه.

وقبل التَّزاوُج تَصدر عن الأنثى رائحةٌ معيَّنةٌ، يَكتشفها الأفعُوان (ذكَرُ الأفعى) بحاسَّة الشمِّ لدَيْه، فيبادر إلى اقتفاء أثَرِها.

ونَمَط المداعبة ووسيلتُها تختَلِف من نوعٍ إلى آخَر؛ فالثعبان السوطِيُّ يطارد أُنثاه التي تُمعِن في التدَلُّلِ، فتَقفز فوق الصُّخور وفي مياه المستنقَعات وعلى أغصان الأشجار، والثُّعبان من خلفِها لا يمَلُّ ولا يكِلُّ، فإذا أدركَها تعانَقَ الاثنان بلَفِّ جِسمَيْهما معًا، ثم يَرفع كِلاهُما الجزءَ الأماميَّ من جسمه مُقترِبًا برأْسِه من رأس خَلِيله، وبذلك يُصبِح شكلُهما معًا كالقيثارة، ويظَلاَّن على هذا الوَضْع يتحرَّكان ويَرْقصان مدَّةً تَزيد على الساعة، ثم تَتِم علمية التَّزاوُج.

وعمومًا فإنَّ سلوك المداعبة عند الثَّعابين ومراحل توَالُدِها وتكاثُرها، لا تَزال تحتاج إلى دراسة مستفِيضة، تُمِيط اللِّثام عن أسرارها وغوامضها.

ويتمُّ التكاثُر بطريقتين؛ إحداهما بِوَضع البيض، وبعد فترةِ حضانة غير محدَّدة بدِقَّة يَفقس البيض، والأخرى تَلِد صِغارَها مباشَرةً دُون مُرورٍ بمرحلة البيض، وفي هذه الحالة تَخرج الصِّغارُ من أجسام الأمَّهات ملفوفةً في كيس رقيق، وتحتفظ بهذا الكيس، وعند خروجها منه تَكون لديها القدرةُ على الاعتماد على نفسها.

ولا تنال الصغار أيَّة رعاية من أمِّها، والإناث واضعاتُ البيض تَختار أماكنَ معيَّنةً، مثل: أكوام السباخ أو الثُّقوب بِكُتَل الأشجار لِوَضعه، ومعظم الإناث تَهجر البَيض بمجرَّد وضْعه، وبعضها يتكوَّر حول البيض؛ لحضَانته.             إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثةوالتسعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الأفاعي والثعابين دلالات على إبداع الخالق - التكاثر والانسلاخ:

من الجدير بالذِّكْر أنَّه تُوجَد صُعوبةٌ في تحديد عُمر الأفاعي بالضَّبْط، غير أنَّ سِجِلاَّت اقتناص الأفاعي تُورِد إشاراتٍ لأعمار الأفاعي، تختلف حسَبَ أنواعِها، فأفاعي الأناكندة – والتي تعيش في جَنُوب أمريكا - عمرها "28 سنة"، والأفعى الأوربية الخَبِيثة "22 سنةً" والكوبرا والأفعى ذات الأجراس "13 

سنةً"، والفيرتر (أفعى أمريكية سامَّة) "11 سنةً".

ويختلف أيضًا عدد الصغار الناتجةباختلاف الأنواع؛ فأفاعي (دي كاي) تنتِج "14 صغيرًا"، والأفاعي ذات الخطوط الحمراء تنتج "7 صغار"، والأفاعي 

الدُّودية تَضَع من "2 إلى 5 بيضات"، وأفعى (فيرتر) تَلِد "28 صغيرًا"، والأفعى المائية "76 صغيرًا".

تنسلخ الثَّعابين - على الرغم من أنَّها حيوانات ثديِيَّة - بتغْيِير جِلدها، وخَلْعُه

 يَحدث بأنْ يَزحف الثعبان خارجًا من الجلد الذي يَنسلخ عنه تارِكًا إيَّاه مِن 

ورَائه، وقَبْل أن يغيِّر الثعبان جلدَه بعشرة أيام تَتَّخِذ عيناه شكْلاً ضبابيًّا، ويتحول لون جِسمه إلى اللون الداكن، ثم يَعود للعينَيْن صفاؤُهُما مرَّةً أخرى، عندئذٍ يَبدأ تحَرُّر الجسم من جلده مبتَدِئًا بمنطقة الشفتين، ثم يَحكُّ الثعبان رأسه في الأحجار المجاوِرة له، أو في غيرها من الأجسام الخشنَة، كجِذْعِ شجرة أو ما شابَهَه؛ ممَّا يساعده على سَحْب الجلد إلى ما خَلْف الرأس.

ومع استمرار التقَلُّصات العضلية، والمزيد من فَرْك الجسم بالأشياء الخشنة 

المحيطة به، يتمكَّن الثعبان من تَحرير باقي جسمه من الجِلد بعد علمية المعاناة 

المُرهِقة هذه، والَّتي يُعانِي الثُّعبان خلالَها علميةَ التغيُّر من القديم إلى الجديد.

ويَظهر الجسمُ في ألوان برَّاقةٍ لامعة، أمَّا الجِلد المخلوع فيظَلُّ مُلقًى على الأرض، يَعْرِض كلَّ صغيرةٍ وكبيرة من جِسم الثُّعبان، بما في ذلك الحراشف التي تغطِّي أعلى العينين، ومِن هذه العلاماتِ الدَّقيقة يمْكِن التعرُّف على نوع الأفعى صاحبة الجلد، وفصيلتها التي تنتمي إليها.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعةوالتسعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الأفاعي والثعابين دلالات على إبداع الخالق - عداؤها للإنسان:

الأفاعي لا تَبدأ بمهاجمة غيرها إلاَّ إذا أحسَّتْ بالخطر أو واجهَتْه بالفعل، والاستثناء من هذه القاعدة يَكون في حالة أفاعي الكوبرا فقَط.

ويختلف أسلوب ونَمَطُ السُّلوك الدِّفاعي لكلِّ ثعبان باختلاف النوع الذي يَنتمي إليه؛ فالأَفْعَى السَّوداء الوَدِيعة لا تُهاجِم إلا نادرًا؛ خاصَّةً إذا أزعجَها متطَفِّلٌ في موسم التَّزاوج، وثعابين الأنهار وثعابين "غبرتر" تبادِرُ بإفراز رائحة كريهة من الخلايا الشَّرجية عند قاعدة الذي كوسيلة لتنفير خصومها.

وأفعى قوس قزح، وأفعى الوحل تَقذف بالحراشف المدبَّبة الأطراف، والموجودة في نهاية الذيل، باتِّجاه خَصْمها.

وهناك أنواع أخرى تَجعل جسمَها مسطَّحًا، وتفتح فمَها على اتِّساعه، ثم تُصْدِر حَفِيفًا مرعِبًا، وتَضرب الأرض بِذَيلها عدَّةَ مرَّات مهدِّدةً خَصْمها.

ومعظم الأنواع لا تلجأ إلى العَضِّ، وحتى إذا تمَّ العَضُّ فإن الجرح الناتج لا يعتبر 

ضارًّا للإنسان ما لم يتلوَّثْ بالعدوى أو بالسم إذا كانت الحيةُ سامَّةً.

يبلغ عدد أنواع الأفاعي حوالي ثلاثة آلاف نوع، مُوزَّعةً على 18 فصيلةً، وبعض هذه الفصائل يضمُّ عددًا محدودًا من الأنواع، في حين تضمُّ بعض الفصائل الأخرى مئاتِ الأنواع.

والأفاعي السامة تبلغ حوالي ألف نوع أو أقلَّ قليلاً، وعدد أنواع الأفاعي الخَطِرة على الإنسان يعتبر ضئيلاً جدًّا، وعلى العموم فقد اكتشَف إنسانُ العصر الحديث أمصالاً تُعالِج كلَّ أنواع سموم الأفاعي وتُبطِل أثَرَها.

وعمومًا يمكن تَمييز الأفاعي إلى مجموعتين:

هناك أفاعٍ غيرُ سامَّة كالأفعَى العمياء، وهي من الأفاعي الحفَّارة الصغيرة المنتَشِرة بالمناطق الاستوائية.

وكذلك مِن الأنواع غير السامة "الأَصلة" من أشهر أنواع الأفاعي، وهي مخلوقات رشيقة وجميلة، وتتباين في أحجامها؛ فمِنها الأصناف الضَّخْمة جدًّا ومنها... ، والأَصلة من الأفاعي النادرة ذات الرِّئتين والأسنان الضَّخمة والمقوَّسة، وتنتشر على الفكَّيْن وقوية العضلات، ويصل طول بعض أنواعها إلى 25 قدمًا، وتتغذى على الكائنات المائية والخنازير الأمريكية الصغيرة والقوارض الكبيرة، وهي نوعٌ من الفِئران الأمريكية في حجم الأرنب.

وأشهر أصناف الأصلة" الأصلة الأمريكية، طولها 12 قدمًا، ضخْمَة الرَّأس، وضَّاحة العينَيْن، طويلة الرقبة والذيل، تَعيش في أمريكا الجنوبية.

وكذلك مِن أشهر الأنواع "أصلة كاليفورنيا"، وتتكوَّر حول نفسها عند إحساسها بالخطَر، ويَبلغ طولُها أحيانًا "33 قدَمًا"، وتعيش في بورما والهند الصينية.

هذا بالإضافة إلى أنواع أخرى كثيرة، كبعض الأفاعي الجبَليَّة، وأفاعي الأنهار، والأفاعي آكِلَة البَيض، وغيرها.

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والتسعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* الأفاعي والثعابين دلالات على إبداع الخالق - أخطر الأفاعي:

والأفاعي السامة تَحقن ضحاياها بالسُّم الناتج عن الغُدَدِ السامَّة الموجودة في

 أنسجة الرأس أسْفلَ مؤخِّرةِ العينَيْن، وأحيانًا تُوجَد خلايا السُّم في مؤخِّرة الفم، وأحيانًا في مقدِّمته.

ويؤثِّر سمُّ الثعبان على كُرَيَّات الدَّمِ الحمراء فيدمِّرها، ويحطِّم الأوعية الدموية، وينتج عن ذلك النَّزيف، وقد يؤثر السمُّ على المراكز العصبيَّة التي تتحكَّم في التنفُّس، وقد يؤثِّر على الدَّم والأعصاب معًا.

ومن أشهر الأنواع السامَّة الكوبرا، خاصَّةً الكوبرا الهندية، وتعتبر أخطرَ أفاعي العالَمِ كلِّه، ليس لأنَّها سامَّة فحسْب، بل لضخامتها ووحْشِيَّتها، ويبلغ طولُها، وتتغذَّى على الأفاعي والقوارض، والطيورِ والضفادع، وإذا أحست الكوبرا الهنديةُ بالخطَر تَنتَصِب بالثُّلث الأمامي من جِسمها، ثم تُصدِر حَفيفًا مرعبًا، وعلى حين غِرَّة تَقذِف بتيَّارَيْن من السم تصوِّبهما تُجَاه عينَي الخَصم.

سبق أن ذكَرْنا أنَّ الإنسان في العصر الحديث قد اكتشف كلَّ أنواع المصْل لعلاج سُموم الحيَّات، على أنَّه يجب ألاَّ ندعَ مجالاً للمَخاوف التي قد تنتاب المُصَاب، والتي تؤدِّي إلى مضاعَفات عصَبيَّة لا داعِيَ لها.

في المقدِّمة يجب التأكُّد من العَضَّة؛ هي عضة حيَّة سامَّة، وليست عضةَ ثُعبان

 طيِّب، ولكي نميِّز بين العضتين، يجب أن نَعرف أن عضة الحية تترك أثَرًا (علامةً) ثابتًا لا يتغيَّر، وهو عبارة عن نقطتين، لا ثالثة لهما، حَمراوَيْن، تَبعد الواحدةُ عن الأخرى مسافةَ سنتيمتر واحد، في حينِ أنَّ أثر عضَّة أيِّ ثعبان آخر تترك أثَرًا لعدد كثير من النقط؛ بسبب كثْرَة أسنانِها.

وبعد أن نعرف حقيقة العضة، ونتأكَّد أنَّها عضَّة حيَّة سامة، علينا أن نَربِط أعلى الجُزء المُصَاب رِباطًا وثيقًا مُحْكمًا؛ لِنَمنع تسرُّب السُّم وسرَيانَه مع الدورة الدموية، ثم نَعمل على إخراج السمِّ من الدم بفَتْح اللَّحْم - بِمِبْضَعٍ نظيف - فتحةً واسعةً؛ لِنُخرج كلَّ السم الذي اختلط بالدم.

بعد ذلك يجب أن نضَع مطهِّرًا فوق الجرح، ولا بدَّ أن يَحْوي هذا المطهِّر محلولاً من بِرْمِنْجَنات البوتاسيوم.

وبعد هذه الجولة في بيئات مختَلِفة مع الأفاعي، لا نَملك سِوى الإِقرار بأنَّها مخلوقاتٌ لله - سبحانه وتعالى - ضررها أكبر مِن نفْعها، وأحيانًا العكس، جميلة رشيقة، متعدِّدة الألوان، حريرِيَّة الملْمَس، تتجلَّى فيها قدرةُ الله وحِكمته وإبداعُه.

[الأنترنت – موقع الألوكة  - الأفاعي والثعابين دلالات على إبداع الخالق - د. إبراهيم سليمان ] إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والتسعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حدوث الكون حقيقة قررها الدين وأثبتها العلم  

هذا الكون الشاسع والواسع الذي لا يرى الإنسان له حدودا… هذا الكون المثير كان محط تساؤل الإنسان وإعجابه وفضوله وإجلاله منذ القديم. وكانت الأسئلة المثارة في ذهنه حوله كثيرة وصعبة:

فكيف ظهر هذا الكون إلى الوجود؟ وما عمره؟ أحادث هو أم قديم وأزلي؟ 

وهل يمكن أن يكون هناك 

أزليان: خالق أزلي وكون أزلي؟ وهل تقدم الخالق على الكون تقدم في الزمان أم تقدم في العلية أي تقدم العلة على المعلول؟

هذه بعض الأسئلة التي كانت محل نقاش بين الفلاسفة المؤمنين مئات الأعوام. أما الفلاسفة الملحدون فكانوا يدعون أن الكون لا يحتاج إلى خالق لأن المادة أزلية، أي وجدت من القديم، أي كانوا يضيفون إلى المادة إحدى صفات الخالق وهي صفة الأزلية. لذا كان من ضمن قوانينهم الفيزيائية: “لا يمكن خلق المادة من

 العدم، كما لا يمكن إفناء المادة”.

ولكن الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله كان أول من حل مشكلة قدم العالم وأجاب على جميع المشاكل المثارة حول مدة الترك، أي الفرق الزماني بين الأزل وبين بدء خلق الكون، فقال بأن الكون حادث وأنه لم يكن قبله زمان، أي أن الزمان والمكان بدآ بعد خلق الكون، لأن الزمن مرتبط بالحركة، ولو تصورنا أن كل شيء في الكون قد سكن وتوقف إذن لتوقف الزمن، أي لم يعد هناك زمان. وهكذا فمن الخطإ توهم وجود زمان قبل خلق الكون. وقد كان هذا الحل حلا عبقريا يشير إلى القدرة العقلية الكبيرة للغزالي رحمه الله. وعندما أشارت نظرية النسبية إلى أن الزمن بعد رابع كان من البديهي عدم وجود الزمن في عالم لم تخلق بعد أبعاده الأخرى.

لا نريد هنا أن ندخل في تفاصيل فلسفية قد يسأم منها القارئ الاعتيادي ولا يستسيغها. ولكننا نريد أن نشير هنا إلى آخر نظرية علمية حول مولد الكون وكيف أنها أثبتت بأدلة علمية بأن الكون حادث وأنه ولد قبل كذا مليار سنة.

والحقيقة أن اكتشاف الإنسان لظاهرة الإشعاع كان أول ضربة لنظرية أزلية المادة. فما دامت الشمس وجميع النجوم الأخرى مشتعلة وتبعث الإشعاعات، إذن فلا بد من وجود بداية لها، لأنها لو كانت أزلية لنفد وقودها منذ مليارات السنوات. ولكن العلماء الملحدون تناسوا هذه الحقيقة الظاهرة لكل عين واستمروا في الدفاع عن كون أزلي لا يحتاج إلى خالق… كون نشأ في كل هذا النظام والدقة الرائعة وصور الجمال عن طريق صدف عشواء وعمياء. وكانت نظرية الكون المستقر التي كانت هي النظرية المقبولة في الأوساط العلمية حتى منتصف القرن العشرين تقول بأن الكون ساكن وهو لانهائي في الزمان والمكان. كان هذا الأنموذج للكون يريح الفلاسفة الملحدين ويقدم لهم سندا علميا، أو في الأقل لا ينقض أهم دعوى عندهم وهي أزلية المادة. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والتسعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* حدوث الكون حقيقة قررها الدين وأثبتها العلم  

ولكن علم الفيزياء كان يقدم وسيلة مهمة في معرفة العديد من خصائص الأجرام السماوية والنجوم بواسطة تحليل طيف الأضواء المنبعثة من هذه النجوم. ومن هذه المعلومات أن طيف ضوء النجم المبتعد عنا ينزاح نحو اللون الأحمر، أما طيف النجم المقترب إلينا فينزاح نحو الأزرق. وقد كشف “فاستو مالفن سليفر” عام 1913م أن بعض الأجسام التي كان يعتقد سابقا أنها غبار كوني تبتعد عنا بسرعة 1800 كم/ ثانية. وكان هذا الاكتشاف مفاجأة كبيرة للعلماء، ولم تكن تلك الأجسام إلا مجرات بعيدة عنا. ثم أعلن “أدوين هوبل” عام 1929 قانونه المعروف: “إن المجرات تبتعد عنا بسرعة تتناسب طرديا مع بعدها عنا”. وقد تبين فيما بعد أن المجرات لا تبتعد فقط عنا، بل هي تتباعد فيما بينها كذلك. وكان هذا يعني أن الكون يتوسع على الدوام مصداقا لقوله تعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ(الذاريات :47). إذن فقد تغيرت صورة الكون عن الصورة السابقة التي كانت تقدمها نظرية “الكون المستقر”. وما دام الكون في توسع دائم، إذن لو شغلنا الفيلم عكسيا، أي إلى الوراء، فمن الضروري أن الكون كله كان متمركزًا في السابق في نقطة واحدة أطلق عليها العلماء اسم “الذرة البدائية” أو “الحساء الكوني”. ولكن أي قوة تقوم بقذف مائة مليار مجرة بسرعة جنونية مبعدة الواحدة عن الأخرى وموسعة الكون نتيجة هذا التباعد السريع؟ لا يمكن أن تكون قوة الجاذبية أو قوة التنافر الكهربائي بين الأقطاب المتشابهة هي هذه القوة. فقوة الجاذبية قوة تحاول جذب الأجرام السماوية نحو المركز وليس إبعادها نحو الخارج. كما أن قوة التنافر الكهربائية أضعف بكثير من القيام بمثل هذه العملية. ونظرا لوجود تعادل كهربائي في الكون، فمثل هذه القوة لا وجود لها تقريبا بين الأجرام السماوية. إذن فلا بد أن انفجارا هائلا حدث عند ميلاد الكون هو الذي أدى إلى توسع الكون. وقد أطلق العلماء على هذا الانفجار اسم “الانفجار الكبير”. وبعد إجراء بعض التعديلات على نظرية الانفجار الكبير فإن الصيغة الحالية لها باختصار هي: “إن انفجارا هائلا وقع في هذه الذرة البدائية التي كانت تحتوي على مجموع المادة والطاقة. وفي اللحظات الأولى من الانفجار الهائل ارتفعت درجة الحرارة إلى عدة تريليونات حيث خلقت فيها أجزاء الذرات، ومن هذه الأجزاء خلقت الذرات، ومن هذه الذرات تألف الغبار الكوني الذي نشأت منه المجرات فيما بعد”. والحقيقة أن وجود “الذرة البدائية” أو “الحساء الكوني” تخمين قدمه بعض العلماء، بينما قال علماء آخرون بأن بداية الكون كانت نقطة حجمها صفر وكتلتها لانهائية. وليس مفهوم “كتلة حجمها صفر” إلا تعبيراً آخر عن العدم، أي أن الكون خلق من العدم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والتسعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*متى حدث الانفجار الكبير؟

لا يوجد رقم قطعي في هذا الخصوص. ولكن إذا تذكرنا أن “ثابت هوبل” لمليون سنة ضوئية هو 15.3 كم/ ثانية حصلنا على رقم 20 مليار سنة. ولكن 

علينا ألا ننسى بأن سرعة توسع الكون وتباعد المجرات ليست ثابتة وأنها كانت في

 السابق أسرع، لذا فإن تاريخ الانفجار في الأغلب كان قبل 15 مليار سنة 

تقريبا. وهذا هو الرأي المرجح حاليا.

من الأدلة المهمة على نظرية الانفجار الكبير هو وجود الإشعاع الكوني. فقد قال العلماء بأنه لو كان هناك مثل هذا الانفجار لكان من الضروري أن يخلف وراءه إشعاعا. وفعلا تم العثور على هذا الإشعاع عندما أرسلت مؤسسة “ناسا” الأمريكية لأبحاث الفضاء قمرا صناعيا لغرض التثبت من هذا الإشعاع عام 1989م وزودته بأحدث الأجهزة الحساسة. واحتاج هذا القمر الصناعي لثماني دقائق فقط للعثور على هذا الإشعاع وقياسه.

دليل آخر على هذه النظرية هو أن مقادير ونسب وجود غازي الهيدروجين والهليوم في الكون تتطابقان مع حسابات هذه النظرية. ولو كان الكون أزليا لاحترق جميع الهيدروجين وتحول إلى غاز الهليوم. ولا تكمن أهمية نظرية الانفجار الكبير في الجانب العلمي والفلكي فقط، بل لها تداعيات وإشارات فلسفية مهمة جدا يمكن أن تكون أكثر أهمية من الناحية العلمية والفلكية. فهذه النظرية سحبت سلاحا أو قل عذرا قويا كان يستند إليه الفلاسفة والمفكرون والعلماء الملحدون، لأنها أنهت أسطورة “أزلية المادة وأزلية الكون”. فللكون بداية وله عمر محدد يقوم العلماء بحسابه. لقد نبذت فكرة أزلية المادة وأزلية 

الكون من الأوساط العلمية أخيرا.

وقد امتعض العديد من العلماء والفلاسفة الملحدين من هذه النظرية. فمثلا يقول الفيلسوف الملحد “أنطوني فلوف”: “يقولون إن الاعتراف يفيد الإنسان من الناحية النفسية. وأنا سأدلي باعتراف؛ إن أنموذج الانفجار الكبير شيء محرج جدا بالنسبة للملحدين، لأن العلم أثبت فكرة دافعت عنها الكتب الدينية… فكرة أن للكون بداية”.ويقول العالم “دونيس سكايما” -وكان من أشد أنصار نظرية الكون المستقر- وهو يبدي أسفه على انتصار نظرية الانفجار الكبير: “لم أدافع عن نظرية الكون المستقر لكونها صحيحة، بل لرغبتي في كونها صحيحة. ولكن بعد أن تراكمت الأدلة فقد تبين لنا أن اللعبة قد انتهت، وأنه يجب ترك نظرية الكون المستقر جانبا.” نعم، المادة حادثة وغير أزلية والكون له بداية. إن ثبوت هاتين الحقيقتين يدل على الخلق وأن الكون خلق من قبل الخالق، إلا أن طبيعة هذا الانفجار الكبير أضاف أدلة أخرى على أن الكون خلق بتقدير دقيق ونظام رائع. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالتاسعة والتسعون بعد الخمسمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*متى حدث الانفجار الكبير؟

ذلك لأن أي انفجار لا يكون إلا مخربا وهادما ومشتتا ومبعثرا للمواد، ولكن عندما نرى أن انفجارا بهذا العنف وبهذا الهول يؤدي إلى تشكيل وتأسيس كون منظم غاية النظام، فإن هناك إذن وراءه يد قدرة وعلم وإرادة وتقدير لانهائي فوق الطبيعة. ولم يقتصر عمل الانفجار الكبير على تكوين المجرات بكل ما تحتويها من مليارات النجوم والكواكب والأقمار والمذنبات والأجسام الكونية الأخرى السابحة في الفضاء بكل نظام، بل عمل أيضا على تشكيل كوكب وهو أرضنا هذه التي توفرت فيها مئات بل آلاف العوامل الدقيقة والمتداخلة بعضها مع البعض الآخر لكي تكون صالحة لحياة الملايين من الأحياء وعلى رأسها الإنسان. وإلى هذا يشير العالم البريطاني المشهور “فرد هويل” عندما يقول: “تقول نظرية الانفجار الكبير بأن الكون نشأ نتيجة انفجار كبير. ولكننا نعلم أن كل انفجار يشتت المادة ويبعثرها دون نظام. ولكن الانفجار الكبير عمل عكس هذا بشكل محفوف بالأسرار، إذ عمل على جمع المادة معا لتشكيل المجرات.” من أهم أسرار هذا الانفجار الكبير هي السرعة الحرجة التي وُهبت لهذا التوسع الكوني عقب هذا الانفجار. وإلى هذا يشير العالم البريطاني المعروف “بول ديفز” عندما يقول: “لقد دلت الحسابات أن سرعة توسع الكون تسير في مجال حرج للغاية. فلو توسع الكون بشكل أبطأ بقليل جدا عن السرعة الحالية لتوجه إلى الانهيار الداخلي بسبب قوة الجاذبية. ولو كانت هذه السرعة أكثر بقليل عن السرعة الحالية لتناثرت مادة الكون وتشتت الكون. ولو كانت سرعة الانفجار تختلف عن السرعة الحالية بمقدار جزء من مليار × مليار جزء لكان هذا كافيا للإخلال بالتوازن الضروري. لذا فالانفجار الكبير ليس انفجارا اعتياديا، بل 

عملية محسوبة جيدا من جميع الأوجه وعملية منظمة جدا.”

ماذا نستنتج من كل هذه الشواهد والمعلومات العلمية؟

يشرح “بول ديفز” النتيجة الحتمية لهذه الدلائل والتي لا تقبل النقاش فيقول: “إن من الصعب جدا إنكار أن قوة عاقلة ومدركة قامت بإنشاء بُنية هذا 

الكون المستندة إلى حسابات حساسة جدا. إن التعييرات الرقمية الحساسة جدا والموجودة في أسس الموازنات في الكون دليل قوي جدا على وجود تصميم على نطاق الكون.”

أما العالم الفيزيائي المشهور “ستيفن هوفكن” فهو يتناول في كتابه “التاريخ المختصر للزمن” الدقة المذهلة الموجودة لسرعة توسع الكون في الثانية الأولى الحرجة من الانفجار الكبير فيقول: “إن سرعة توسع الكون سرعة حرجة جدا إلى درجة أنها لو كانت في الثانية الأولى من الانفجار أقل من جزء واحد من مليون × مليار جزء لانهار الكون حول نفسه قبل أن يصل إلى وضعه الحالي.”

إذن هذا هو مبلغ الدقة المذهلة في تنظيم هذا الانفجار الكبير وفي تصميم سرعته. والنتيجة الحتمية التي يصل إليها عالم الفلك الأمريكي “جورج كرنشتاين” في كتابه “الكون التكافلي” هي: “كلما دققنا الأدلة واجَهتنا على الدوام الحقيقة نفسها، وهي أن هناك قوة عاقلة فوق الطبيعة تدخلت في نشوء الكون.”

قَـالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي الله شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضِ(إبراهيم: 10) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي اْلآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ(فصلت:53).

[ الأنترنت – موقع حدوث الكون حقيقة قررها الدين وأثبتها العلم  - أورخان محمد علي - كاتب وباحث تركي ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الستمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* نَظْرَةُ تَأَمُّلٍ فِي مَلَكُوْتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ

وقفت مع نفسي وقفة تأمل ، وتدبر ، وتفكر ، والتفكر في خلق الله من أجل العبادات التي غفل عنها الكثيرون ، ولأن التفكير يولد التأمل في خلق الله ، واستشعار عظمته سبحانه وتعالى ..

تأملت في ملكوت السموات والأرض وما فيها من إبداعات حيرت العقول ،

 وترامى تحت عجائبها 

المفكرون الفحول ، بل عجزت كل الوسائل الدقيقة والتقنية الحديثة أن تصل إلى شأو هذا الكون الفسيح ، المترامي الأطراف فرجع البصر خاسئا وهو حسير .

و ازدادت حيرتي حينما علمت علما يقينا أن في السماء مخلوقات بأحجام عظيمة تفوق الخيال ، وتتجاوز المحيط الفكري ، وحدود الخواطر ، وتيقنت أن هذه المخلوقات تسير وفق خطة محكمة ، لا تتعدى حدودها المرسومة لها ، ولا تميل عن مسارها .. و زادني دهشة ارتباط هذه المخلوقات العلوية ، ارتباطاوثيقا بحياة

 المخلوقات السفلية الكائنة في هذه الأرض المليئة بالعجائب هي الأخرى .

فبدأت التفكر والتأمل والتدبر في الشمس ، هذا المخلوق العظيم الذي لا غنى للمخلوقات على الأرض من الحرارة والأشعة الصادرة منه ...

ففوائد الشمس كثيرة لاتعد ولا تحصى ...

ومنها على سبيل المثال لا الحصر ...

أن الشمس تمد الأرض بالدفء مما يجعل حياة المخلوقات على هذه البسيطة ممكنة الحدوث والاستمرار .

وناهيك بالضياء الذي نحتاجه في كل مجالات الحياة وأهمه الخروج إلى السعي وراء أرزاقنا

وأما النباتات وباقي الكائنات الحية فضوء الشمس ضروري لها ومهم لقيامه بعملية التمثيل الضوئي .

والشمس تصدر طاقات هائلة يستغلها الإنسان وكم من دول تولد الكهرباء والطاقات الأخرى مما تصدره الشمس .

ومن الناحية الطبية فإن أشعة الشمس تفيد الجلد في إنتاج الفيتامين ( د ) 

الضروري لنمو العظم ، وتدور الأرض حول الشمس في عام كامل ، مما يفيد 

الإنسان في عمل الحسابات الكونية وعد السنين .

وحـرارةُ الشمس تبخر الماءَ فتسوقُ السحاب ، وترفعه فوق الجبال ، وتقـودُه إلى بلد ميت ، فتنبتُ الزرعَ ، وتدر الضرع ، وغير ذلك مما نعلمه ومالا نعلمه 

ومن غير الهواء وحرارة الشمس ما كنا وجدنا حبة قمح ، أو تمرة ، أو شجرة . ولو كانت الشمس دائمة السطوع علينا لاحترقت جميع النباتات ، ولكن تعاقب الليل والنهار بانتظام يعمل على تنشيط تكون الغذاء .

{ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } (12) سورة النحل{ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } (54) سورة الأعراف{ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } (2) سورة الرعد

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة بعد الستمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* نَظْرَةُ تَأَمُّلٍ فِي مَلَكُوْتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ

وعلمت علما يقينا أن هناك شموسا عملاقة داخل المجرات أكبر من شمسنا هذه كشمس "قلب العقرب" التي يبلغ حجمها أربعمائة مرة من حجم شمسنا ، حسب التقديرات المبنية على العلم والتكنولوجيا الحديثة .

وفي هذه المجرات ملايين الشموس وإن كنا نراها على شكل نجوم نتيجة لبعدهاالهائل .

كل هذا الخلق العظيم في سماء الدنيا فماذا تحمل السموات السبع وما فيهن .

فيا لعظمة هذا الكون الفسيح ، ويا لعظمة ما فيه من عجائب لا تحصى ، وأسرار لا تتناهى ...

فغضضت طرفي ، وطويت تفكيري ، أمام كون لا يسعه تفكير مخلوق ، ولا يحيط به عقل إنسان وتلوت قول الله تعالى :

{ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) } سورة الحـج

ثم عاد التأمل والتفكر من جديد في كوكبنا الذي نعيش عليه ، وهو هذه الأرض

 فجلت بطرفي ، وتفكيري ، في بحارها ، وأنهارها ، وجبالها ، وترابها ، وكائناتها الحية المتنوعة ، وكل ما مر بخاطري ، وتفكيري ، وإذا بي أقف أمام خلق يعجز العقل البشري عن إدراك كنهه ، وتقف الأفكار حائرة في عظمة صنعه ، ودقة تنظيمه .

فقلت لنفسي عما ذا تبحثين وفي ما ذا تتفكرين ، أمام ناظريك كون مليء بالمخلوقات والكائنات من حيوانات وسوائل ، وجمادات ، والتي لا يمكن حصرها ، ولا الوصول إلى قعرها فبصرك كليل ، وفكرك عليل .

فانظري وتأملي في البحار مثلا ، فإنها مليئة بأنواع المخلوقات ، والكائنات ومنها اللؤلؤ ، والمرجان ، وأنواع الأسماك ، بل هناك كائنات أخرى يتغذى عليها الإنسان لا حصر لها ، ومن البحر يستخرج الإنسان الملح الذي لا غنى عنه لأجسادنا حيث أن الملح هو أحد العناصر المهمة لحياة الإنسان ، والحيوان ، وحتى النبات وإني بحاجة إلى حمل بعير من الأوراق لأسطر فيها ما يحمله هذا البحر الهائل من أسرار .

{ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (14) سورة النحل { اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (12) سورة الجاثية.

وحينئذ قلت لنفسي تأملي في الجبال الرواسي التي جعلها الله لتثبيت الأرض فإن في باطن صخورها كنوزا ، وثروات عزيزة ، مثل الأحجار الكريمة من الألماس والذهب والمعادن الأخرى كالرصاص ، والنحاس ، والحديد ، والنيكل ، والقصدير والزنك ، التي تدخل في الكثير من الصناعات ومن الجبال نتخذ البيوت التي نسكنها وغير ذلك من النعم التي لا تحصى .

{ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (15) سورة النحل{ وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ } (74) سورة الأعراف{ وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا } (81) سورة النحل{ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } (68) سورة النحل

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية بعد الستمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* نَظْرَةُ تَأَمُّلٍ فِي مَلَكُوْتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ

وهناك مخلوقات كثيرة ، وعجائب مثيرة ، وأعماقها مهيبة ، فتركت التأمل في الأرض ومافيها من حيوان ، ونبات ، إذ الوصول إلى شأوها ، أو حصرها ، من رابع المستحيلات . وبعد التأمل ، والتدبر ، رجعت إلى نفسي ، وقلت لها ألم تفكري لحظة في الإنسان هذا المخلوق العظيم ، فكري وتأملي فيه ، في تكوينه ، وهيكله ، في حركته وسكونه في ماينطوي عليه من أسرار ، فإنه أعمق من البحار ، وأوسع من امتداد الأرض لن تصلي إلى حقيقته ، بفكر ، ولا سحر ، كفاك هو ، خوضي معركة تأمل في باطنه وظاهره ، في عروقه ، ودمه ، في مخه ، وكبده ، ففيه مجال واسع للتأمل والتدبر هذا الإنسان الذي تهيأت له أسباب الحياة ، فالنبات ، والحيوان ، وسائر المخلوقات مسخرة له ، سواء للتغذية أم الاستخدام ، أم للأمرين معا ، مزود بالعقل ليتصرف تصرفاً مفيداً ، وليتعامل معها بتعقل 

تأملي وتدبري في الإنسان ، لتعرفي حقيقته ، ومن هو ، وكيف جاء إلى هذا العالم وما هو مصيره بعد انتهاء حياته .

فتأملت كثيرا في الإنسان ، وما ينطوي عليه ، وقرأت عنه كثيرا ، ولكن ما زال كثير من الغموض يكتنف هذا المخلوق ، ولم أكتف بالتدبر والتأمل ، بل قرأت كثيرا عن هذا الإنسان ، وخرجت بحقائق لا يعتورها شك ، ولا ريب .

فجسم الإنسان كما اكتشفه العلماء أعقد آلة ، وأعقد جهاز ، على وجه الأرض فهو يرى بهذا الجسم ، ويسمع ، ويتنفس ، ويمشي ، ويركض ، ويتذوق 

الأطعمة . ويملك هذا الجسم ـ بمخه وعظمه ، وشحمه ولحمه ، وعضلاته وشرايينه ، وأوردته الدموية ، وأعضائه الداخلية ـ نظاماً دقيقاً وتخطيطاً عجيبا ، وكلما تعمقنا في الدقائق والتفصيلات لهذا النظام ولهذا التخطيط ، قابلنا من الحقائق ما يدهش ذوي العقول . ورغم التباين الذي يبدو للوهلة الأولى بين الأقسام ، والأجزاء المختلفة للجسم فإنها تتكون جميعها من اللبنة نفسها ، ألا وهي الخلية .

كل جسم في الإنسان يتركب من الخلايا التي يقارب حجم كل واحدة منها جزءاً من ألف جزء من المليمتر المكعب ، فمن مجموعة معينة من هذه الخلايا تتكون عظامنا ، ومن مجموعات أخرى تتكون أعصابنا وكبدنا ، والبنية الداخلية لمعدتنا وجلدنا وطبقات عدسات عيوننا .

وتملك هذه الخلايا الخواص والصفات الضرورية من ناحية الشكل والحجم والعدد لأي عضو تقوم بتشكيله هذه الخلايا في أي قسم من أقسام الجسم .

فخـلايا الجسم التي تكلفت بقيام مهماتها من وظائف مختلفة ، والبالغ عددها تقـريبا ( مائة تريليون خلية ) نشأت وتكاثرت من خلية واحدة فقط ، وهذه الخلية الواحدة والتي تملك نفس خصائص خلايا جسمك ، هي الخلية الناتجة

 عن اتحاد خلية بويضة والدتك مع خلية نطفة والدك .

فهذا الإنسان المكون من عدة كيلوهات حسب حجمه ، وكبر عظمه ، ووفرة لحمه تجمع هيكله بأكمله من قطرة ماء واحدة .

ولا ريب أن تطور البنية المعقدة لجسم الإنسان الذي يملك ( عقلاً وسمعاً وبصراً ) من قطرة واحدة شيء محير وغير عادي .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة بعد الستمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* نَظْرَةُ تَأَمُّلٍ فِي مَلَكُوْتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ

ومما لا شك فيه ولا ريب أن مثل هذا النمو ، والتطور ، والتحول ، لم يكن نتيجة مراحل عشوائية ولا حصيلة مصادفات عمياء ، بل هو أثر لعملية خلق واعية وفي غاية الروعة .

ومعجزة خلق الإنسان ، معجزة مستمرة ، وتتكرر مع كل مخلوق بشري على

 وجه هذه البسيطة .

ومن الضروري بيان أن ما ذكر من تفصيل ظهر لنا حول خلق الإنسان لا يشكل إلا جزءا ضئيلا من تفصيلات هذا الإنسان المعجز .

قال تعالى : { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (9) } سورة السجدة ...

سُبْحَانَ رَبِّيْ بَرْقٌ يَلُوْحُ وَصَوْتُ الرَّعْدِ رَنَّـانُ ** وَصَيِّبُ السُّحْبِ مَالَتْ مِنْهُ أَغْصَانُ

وَالْمَـوْجُ مُرْتَفِـعٌ يَزْهُوْ بِقُوَّتِـهِ *** وَالشَّمْسُ سَاطِعَةٌ يَبْـدُوْ لَهَا شَـانُ

وَالْجِنُّ فِيْ وَكْرِهَا لَمْ تَبْدُ صُوْرَتُهَا ** وَلا بَدَا فِي وُضُوْحِ الشَّمْسِ شَيْطَانُ

وَالأَرْضُ تَهْتَزُّ وَالأَعْـلامُ رَاسِيَـةٌ ** وَالْفِكْرُ فِيْ حِيْـرَةٍ وَالْعَقْلُ حَيْرَانُ

سُبْحَانَ رَبِّيْ عَظِيْمُ الشَّانِ مُقْتَـدِرٌ ** وَرَوْعَـةُ الْكَـوْنِ آيَاتٌ وَتِبْيَـانُ

رُحْمَاكَ رَبِيْ فَإِنِّيْ جِئْـتُ مُعْـتَرِفًا ** بِمَا جَنَتْهُ يَـدِيْ وَالذَّنْبُ خُسْرَانُ

وبعد كل هذه التأملات خرجت بنتيجة حتمية ، وهي أن هناك قدرة إلهية خلف بدء الخلق وكافة الأحداث .

وأدركت أن الله واجب الوجود ، وأدركت القدرة الإلهية للخالق ، وعظمته وعلمه اللانهائي ، المحيط بالكون ، في السماء وفي الأرض .

وأن خلْق السموات والأرض ، وما أوجد فيهما من مخلوقات تسعى ، لا نعرف إلا بعضاً منها ، ولا ندري عما تفرَّق منها في ملكوت الله الواسع إلا النزر القليل 

فإبداع هذا الكون ، وضخامته الهائلة ، وتناسقه ، وجريانه وفق نظام دقيق ، ينبئ عن عظمة مُبدِعه ، و هذا يهدي المتأمِّل فيها إلى قدرة الله عزوجل ، فتنجذب النفوس إلى الإيمان ، وتتفجَّر ينابيع التسبيح والإقرار بتلك العظمة 

والقدرة من قلبه على لسانه .

ويدرك المتأمل أن هذا الكون بما فيه لم يُخلق عبثاً ، ولا باطلاً ، فلا يملك الإنسان بعد كلِّ هذه الدلائل إلا أن يتوجَّه إلى خالقه ، ومالكه ، خاشعا متضرِّعاً ، معلناً قناعته بحكمته تعالى في خلق المخلوقات ، قائلاً : { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } (191) سورة آل عمران .

وهذا من أدب المؤمن مع الله ؛ فهو حين يهتدي إلى شيء من معاني إحسانه وكرمه في بديع خلقه ، ويستشعر عظمته ، ينطلق من الإقرار إلى الدعاء ، طالباً من مولاه أن يجنِّبه عذاب النار ، وأن يوفِّقهُ لصالح الأعمال ، فهو سبحانه الذي يقدر على ذلك هو الله وحده لا شريك له الذي له الخلق والأمر .

{ وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) } سورة يونس .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة بعد الستمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

* نَظْرَةُ تَأَمُّلٍ فِي مَلَكُوْتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ

أما من يطلب الخير من غير مولاه فقد خسر خسرانا مبينا ، فما أشقى أولئك الذين أشركوا بالله ، وسلكوا طريق الوثنية ، أشركوا معه في العبادة ما لا ينفعهم ولا يضرهم ‏ وفي ذلك يقول الحق ‏(‏ تبارك وتعالى ‏) :‏{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا } (55) سورة الفرقان ‏.

أشركوا معه في العبادة من لا يستطيع خلق ذبابة حقيرة ...

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) } سورة الحـج ، في حين أنهم يرون آثارقدرة الله ، وبديع خلقه ، وعظيم سلطانه .

والقرآن الكريم يوجِّه أنظار الناس إلى التأمُّل في عجائب صنع الله ، في الكون وهي مبثوثة في كلِّ الوجود ، فكيف يدعون من لا يستجيب لهم ...

{ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } (14) سورة الرعد ، فوقفت بعد هذا كله متأملا في النهاية الحتمية ، وهي الموت الذي لا مفر منه .

فهذه الأحياء المبثوثة في كلِّ مكان ، فوق سطح الأرض ، في أعماق البحر ، في أجواء الفضاء ، في الكواكب الأخرى ، والَّتي لا يعلم الإنسان عنها إلا النَّزْرَ اليسـير كلها آيلة إلى الممات والفناء { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } (57) سورة العنكبوت { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } (88) سورة القصص

ثم يجمع الله ما يشاء منها للمحاسبة ، ومعها خلائق أخرى أربى عدداً وأخفى مكاناً وليس بين بثِّها في السموات والأرض ، وبين جمعها ، إلا كلمة ( كُنْ ) يأمر بها الله عزَّ وجل فإذا هي منصاعة لأمر ربِّها ، فتبارك الله العظيم القدير مالك الملك ذو العزة والجبروت .

قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ } (29) سورة الشورى

أَلا إِنَّنـا كُـلَّنـا بائِـدُ ** وَأَيُّ بَنـي آدَمٍ خالِـدُ

وَبَدؤُهُـمُ كانَ مِن رَبِّهِـم ** وَكُـلٌّ إِلى رَبِّـهِ عائِـدُ

فَيا عَجَبا كَيفَ يُعصى الإِله ** أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِد

وَلِلَّهِ فـي كُـلِّ تَحريكَـةٍ ** عَلَينا وَتَسكينَةٍ شاهِـدُ

وَفـي كُـلِّ شَيءٍ لَهُ آيـَةٌ ** تَدُلُّ عَلى أَنّـَهُ واحِـدُ

أَلَهَوْتَ فِيْ الْمَلْهَى الْفَسِيْحْ ** وَنَسِيْتَ مَثْـوَاكَ الصَّحِيْحْ

وَسَهِرْتَ لَيْلَكَ عَـابِثًـا ** وَصَحَوْتَ تُنْشِدُ فِيْ الْمَلِيْحْ

وَبَنَيْتَ قَـصْـرًاشَامِخًـا ** وَنَظَمْتَ فِيْ الْقَصْرِ الْمَدِيْحْ

وَطَرِبْتَ مِـنْ فَـرَحٍ بِـهِ ** وَنَسِيْتَ قَبْرَكَ وَالضَّرِيْـحْ

أَيْنَ الْقُصُوْرُ النَّاطِحَـاتُ ** السُّحْبَ فِي الْجَوِّ الْفَسِيْحْ

أَيْنَ الْحُصُوْنُ وَمَـنْ بِهَـا ** فَالْكُلُّ فِي الْبَيْدَا طَرِيْحْ

ذَهَبُوا كَمَـا ذَهَبَ الأُولَى ** سَبَقُوا فَهَلْ مِنَ مُسْتَـرِيْحْ

أَيَنَـامُ جَفْنُكَ هَـادِئًـا ** وَالْمَـوْتُ يَغْتَالُ الصَّحِيْحْ

دُنْـيَـاكَ ظِــلٌّ زَائِـلٌ ** فَارْجِعْ إِلَى الْعَمَـلِ الرَّبِيْحْ

وَاسْكُبْ دُمُوْعَكَ خَشْيَـةً ** وَاسْهَرْ مَعَ الْجَفْنِ الْقَـرِيْحْ

وَاعْـبُـدْ إِلَهَـكَ مُخْلِصًا ** وَاخْضَعْ بِسَمْعِكَ لِلنَّصِيْحْ . 

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه[ الأنترنت – موقع صيد الفوائد - نَظْرَةُ تَأَمُّلٍ فِي مَلَكُوْتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ - د. عبد الرحمن بن عبد الرحمن شميلة الأهدل ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة بعد الستمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* تعريف الجراثيم

الكائنات الحية يعيش على كوكب الأرض عدد كبير من الكائنات التي تختلف عن 

بعضها في أشكالها، وأحجامها، وأسلوب حياتها، والبيئة التي تعيش فيها، وتدخل هذه الكائنات جميعها في حلقة تكاملية من العلاقات المتبادلة بينها، حيث تعتمد على بعضها في إكمال السلاسل الغذائية ضمن البيئة الحيوية، فهناك كائنات تعتمد في غذائها على اللحوم وتتغذى بالكائنات الحية الأخرى، وبعضها يأكل الأعشاب، وبعضها الآخر يعتمد على تحليل بقايا الكائنات الحية، وهناك نوع خاص من الكائنات الحية التي لا يمكن للإنسان أن يراها بالعين المجردة، وتسمى بالكائنات الحية الدقيقة التي تعد الجراثيم من أهم أنواعها، وفي هذا المقال سيتم تناول معلومات عن تعريف الجراثيم. تعريف الجراثيم فيما يلي سيتم تعريف الجراثيم وذكر بعض المعلومات عنها: يمكن تعريف الجراثيم على أنها أحد أنواع الكائنات الحية الدقيقة وحيدة الخلية، وتعيش هذه الكائنات الحية على شكل سبحات، أو عقد، أو عناقيد، أو مكورات. تم اكتشاف هذه الكائنات الحية الدقيقة لأول مرة في القرن السابع عشر الميلادي عن طريق العالم الهولندي فان لوفنهوك الذي اخترع المجهر، والذي بواسطته تمكن من معاينتها، وتوالت بعد ذلك الأبحاث العلمية المختلفة وصولاً إلى القرن التاسع عشر ليتمكن العلماء من تشكيل صورة واضحة عن هذه الكائنات الحية، ودورها في نقل العديد من الأمراض إلى جسم الإنسان. عادة ما يرتبط اسم هذه الكائنات الحية بإحداث الضرر للإنسان من خلال التسبب بالعديد من الأمراض المختلفة، حيث تستوطن داخل الجسم في مواضع مختلفة كالجهاز التنفسي، و الجهاز التناسلي، و الجهاز الهضمي، بالإضافة إلى وجودها على سطح أجسام الكائنات الحية الأخرى. تنشتر هذه الكائنات الحية في كافة أنحاء الأرض، وتتميز بقدرتها العالية على احتمال الظروف الجوية ودرجات الحرارة العالية أو المنخفضة، حيث تعيش بعض أنواعها في منطقة القطبين المتجمدين، وبعضها يعيش بالقرب من فوهات البراكين التي ترتفع درجات الحرارة فيها بشكل كبير، كما أنها تستطيع العيش في أعماق أرضية سحيقة. على الإنسان أن يحذر من أماكن وجود الجراثيم، وأن يعمل على تنظيف الأسطح وتعقيم الجسم واليدين باستمرار حتى لا تنتقل إليه وتتسبب في إصابته بالمرض، ومن أبرز المناطق التي تحتوي على هذه الكائنات الدقيقة الأماكن المكشوفة، والمراحيض، وأسطح المكاتب، والأجهزة الإلكترونية المختلفة، والهواء المتطاير، وفرشاة الأسنان. الأمراض التي تسببها الجراثيم بالرغم من الأضرار العديدة والأمراض التي تتسبب بها هذه الكائنات الحية إلا أن بعض أنواعها تعد مفيدة ولا تتسبب في أي ضرر، ويتم الإصابة بالأمراض التي الجرثومية عن طريق انتقالها الجراثيم إلى الجسم من خلال تناول الطعام المكشوف، أو ملامسة أسطح تحتوي على هذه الكائنات الحية، ومن أهم هذه الأمراض ما يلي: الالتهابات بمختلف أنواعها. أمراض الجهاز الهضمي. أمراض الجهاز التنفسي. مرض تسمم الدم. الإصابة بالحمى. نزلات البرد. 

[ الأنترنت – موقع سطور - تعريف الجراثيم - بواسطة: الكاتب وزي وزي ] إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة بعد الستمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* ما هو التوازن البيئي

     النظام البيئي يُعرف بأنّه مجموعة الكائنات الحية التي تتفاعل مع بعضها 

البعض، ومع بيئتها المحيطة، ويتم تحديد الأنظمة البيئية المختلفة تبعًا للمناخ والتضاريس والغطاء النباتي السائد، ومعايير عدة أخرى، ولا يقتصر النظام البيئي على المناطق الطبيعية فقط بل يشمل العنصر البشري أيضًا، ويعد هو العنصر الأهم في معظم المناطق، وغالبًا ما يكون عنصرًا مهيمنًا، ومن المهم المحافظة على توازن هذا النظام كي تستمر الحياة على كوكب الأرض، وهذا المقال سيقدم إجابة عن سؤال: "ما هو التوازن البيئي؟" مكونات النظام البيئي عند الحديث عن النظام البيئي فإنّ المفاهيم الأساسية تدور حول المركبات العضوية وغير العضوية، وطريقة تفاعلها داخل النظام البيئي، ويعد فهم النظام البيئي نقطة انطلاق لدراسة التفاعلات البيولوجية والسلوكية المعقدة لمكونات هذا النظام، ومعرفة ما هو التوازن البيئي، وفيما يأتي المكونات الأربعة الرئيسة للنظام البيئي: المكونات اللاأحيائية:وهي جميع المكونات غير الحية في النظام البيئي، مثل الماء والهواء ودرجات الحرارة، والصخور والمعادن التي تشكل سطح الأرض، كما تشمل مياه الأمطار وأشعة الشمس. المنتجون: وتعد الفئة الأكبر في النظام البيئي، وهي الكائنات الحية التي تستخدم الطاقة الضوئية من أشعة الشمس لتحويل ثاني أكسيد الكربون والأكسجين إلى سكريات، بما يعرف بعملية البناء الضوئي، ومن الأمثلة عليها الطحالب والنباتات والبكتيريا الضوئية، ويشكّل المنتجون قاعدة الأساس للشبكة الغذائية. المستهلكون: وهي الكائنات الحية التي تعتمد على غيرها للحصول على الغذاء، مثل الحيوانات العاشبة، والحيوانات المفترسة ويعد المستهلكون جزءًا من السلاسل الغذائية، التي يتم فيها تناقل الطاقة والمواد الغذائية. المحللات: وهي الكائنات الدقيقة التي تعمل على تحليل الفضلات وبقايا الكائنات الحية الأخرى، ومن الأمثلة عليها ديدان الأرض و أنواع من الفطريات والبكتيريا، وتقوم بعملية التدوير في النظام البيئي، إذ أنها تعيد المواد المتحللة إلى التربة، بحيث تستفيد منها النباتات مرة أخرى لتبدأ دورة انتاج الطاقة من جديد ليتم الحفاظ على توازن النظام البيئي، 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة بعد الستمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* ما هو التوازن البيئي

وفيما يأتي إجابة السؤال المطروح: ما هو التوازن البيئي ؟ 

 بأنّه يوجد على سطح الأرض العديد من الأنظمة البيئية، بدءًا من حركة المد والجزر والشعاب المرجانية والتندرا، إلى الصحاري الشاسعة والغابات المطيرة، وكي يتحقق التوازن البيئي، يجب أن يكون تبادل الطاقة والمواد من خلاله ثابتًا، ويتم الاستفادة حتى من المخلفات بواسطة عناصر النظام، والاستغلال الأمثل للطاقة، من خلال عمليات التدوير المستمرة التي تربط المنتجين بالمستهلكين، فكل منهما يحتاج الآخر لبقائه وتكاثره، وضمان استمرار دورة الحياة. في النظام البيئي المتوازن، تتفاعل الكائنات الحية مع العناصر غير الحية ضمن سلاسل غذائية عدة، فالكائنات المستهلكة الثانوية كالحيوانات المفترسة تعتمد على المستهلكات الأولية كالحيوانات العاشبة، وكلاهما يعتمد على الكائنات المنتجة الأولية كالنباتات، وتعتمد النباتات بدورها على المواد العضوية الموجودة في التربة التي تحللت بواسطة البكتيريا والفطريات، كذلك تعتمد العناصر الحية على العناصر غير الحية لاستمرار وجودها، فالنباتات تحتاج أشعة الشمس ومياه الأمطار ودرجات حرارة معينة كي تنمو وتوفر الغذاء لبقية عناصر الشبكة، وتستمر السلسلة الغذائية بنقل الطاقة، ما لم تؤثرعوامل خارجية على أيٍ من عناصرها فتجبرها إما على التكيف أو الموت. أثر الإنسان على التوازن البيئي بعد اجابة سؤال: "ما هو التوازن البيئي؟"، يتوجب الحديث عن الأثر البشري على هذا التوازن، وغالبًا ما يكون هذا الأثر سلبيًا على البيئة، فالزيادة المتسارعة في أعداد البشر مقارنة بمحدودية الموارد وثبات نموها، تؤدي إلى نقص الموارد وتقليل التنوع البيولوجي، ومن أهم الممارسات البشرية التي ثؤثر على التوازن البيئي:[٤] الاستخدام الجائر للأراضي: إن ممارسة الإنسان لأنشطة التنقيب عن الموارد، والنشاط العمراني على حساب الأراضي الزراعية يقلل موارد الغذاء والتنوع البيولوجي. التلوث: كالتخلص من المخلفات الكيميائية، والتلوث الناتج من استخدام الوقود ومصادر الطاقة، إضافةً إلى التلوث السمعي والضوئي. العناصر الدخيلة: وذلك عن طريق إدخال كائنات غير محلية إلى النظام البيئي ، مما يؤثر على الكائنات الأصلية وقد يحل محلها. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة بعد الستمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :* ما هو التوازن البيئي

استنزاف الموارد الطبيعية: يستهلك الإنسان الموارد باستمرار لتلبية حاجاته اليومية ومواكبة التطور، كاستهلاك مصادر الطاقة غير المتجددة، وقطع الأشجار لاستخدام أخشابها أو من أجل الزحف العمراني، والصيد الجائر للحيوانات لأغراض الغذاء أو استخدام جلودها، واستنزاف الثروة المائية. كيفية الحفاظ على التوازن البيئي تتفاعل الكائنات الحية في البيئة ضمن دورة شديدة الاتزان، ونتيجة لعوامل مختلفة كالاحتباس الحراري والتلوث البيئي والتضخم السكاني، وتأثر هذا الاتزان بشكل سلبي، لذا فإنّ أهمية إجابة السؤال: "ما هو التوازن البيئي؟" تكمن في زيادة الوعي تجاه البيئة المحيطة والتقليل من السلوكيات السلبية التي تخل باتزانها وتؤثرعلى التنوع البيولوجي المهم لبقاء البشرية، وقد قام الإنسان باستخدام وسائل للتقليل من الأثر السلبي على البيئة والحفاظ على توازنها، وأهمها الخطوات الآتية: إدارة الموارد الطبيعية: يشكل التطور الحضاري عبئًا على التوازن البيئي، حيث يتزامن مع استنزاف الموارد الطبيعية كالوقود الأحفوري، والمعادن جميعها عواقب لها أثر سلبي على المدى الطويل، لذا لجأ الإنسان إلى مصادر الطاقة البديلة كطاقة الرياح والمياه والطاقة الشمسية، وجميعها تعد مصادر متجددة ولا يخل استخدامها بالتوازن البيئي. حماية الموارد المائية: التلوث بالمياه العادمة، ومخلفات المصانع والصرف الزراعي عوامل تهدد اتزان النظام المائي، وتؤدي إلى خلل في السلاسل الغذائية، ويتوجب اتخاذ اجراءات للتقليل من أثر هذه الملوثات على البيئة. تقليل استخدام المنظفات الكيميائية: قد تصل المواد الضارة الموجودة في هذه المنظفات إلى النظام المائي، لذا يجب اللجوء إلى حلول بديلة، كاستخدام مواد تنضيف مصنّعة منزليًا من مواد طبيعية كالخل وصودا الخبز، أو شراء منتجات التنظيف الصديقة للبيئة المصّنعة بمواد أقل ضررًا على النظام البيئي. إعادة التدوير: إن إعادة تدوير أكبر قدر من النفايات المنزلية، عن طريق استخدام حاويات منفصلة لكل من المواد القابلة لإعادة التصنيع كالورق والبلاستيك والزجاج، ليتم تدويرها من قبل مراكز مخصصة وإعادة استخدامها، مما يقلل التلوث الناتج عن هذه النفايات. تقليل البصمة الكربونية: هناك طرق متعددة للتقليل من آثار التلوث بالبصمة الكربونية مهما كانت صغيرة، مثل تخفيض درجات حرارة سخان الماء، وغسل الأطباق بواسطة الصنبور عوضًا عن غسالة الصحون، والتقليل من استخدام مكيف الهواء والمدفأة الكهربائية، واستخدام المصابيح الموفرة للطاقة.

[ الأنترنت – موقع سطور- ما هو التوازن البيئي - بواسطة: كتّاب وزي وزي ] إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة بعد الستمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*أصغر كواكب المجموعة الشمسية (عطارد )

    المجموعة الشمسية هي نظام كوني يتألف من الشمس ومجموعة من الجسيمات التي تدور حولها، حيث تتوسط الشمس مجرة درب التبانة، ويدور حولها ثمانية كواكب رئيسة، من أكبر كوكب وحتى أصغر كواكب المجموعة الشمسية، و170 قمرًا وعدد لايحصى من الكويكبات، بعضها له أقماره الخاصة به، إضافةً إلى المذنّبات والأجسام الجليدية والغاز وجزيئات من الغبار الكوني، والتي تشكل الوسط الكوكبي للمجموعة الشمسية،  والقمر والشمس يعدان من ألمع مكونات المجموعة الشمسية الظاهرة للعيان، ومنهما نشأت دراسة علم الفلك، والتي استمرت بالتطور مع تطور أدوات وأجهزة العلماء، وتم اكتشاف الكواكب وخصائصها ومعرفة المكونات المختلفة للفضاء الكوني، وحتى الوصول إلى مجرات أخرى، مازالت هي حدود الكون المعروفة للبشر. مكونات المجموعة الشمسية قبل حوالي 4.6 مليار سنة، كانت المجموعة الشمسية عبارة عن سحابة هائلة من الغبار والغاز أطلق عليها اسم السديم الشمسي، وعندما انهار السديم لشدة الجاذبية الموجودة داخله، تشكل على هيئة قرص عملاق وتكونت الشمس في مركزه، وتجمعت الجسيمات الصغيرة بفعل الجاذبية مكوّنة جسيمات أكبر، سحبت الرياح الشمسية المواد الخفيفة مثل الهيدروجين والهيليوم إلى أماكن أبعد عن الشمس، وتركت العناصر الثقيلة والصخور قريبًا من الشمس، وهكذا تكونت الأقمار والكواكب والكويكبات والمذنبات، وتتكون المجموعة الشمسية من الأجسام الآتية: الشمس تعتبر مركز المجموعة الشمسية وأكبر أجرامها، وتمثل أكثر من 99% من كتلتها، وتدور حولها كافة كواكب المجموعة الشمسية، نظرًا لجاذبيتها الهائلة، وتعتبر من أكثر النجوم إضاءةً في مجرة درب التبانة، يبلغ قطرها حوالي 696،342 كيلومتر، وتصل حرارة مركزها إلى 15،699،726.85 درجة مئوية، و 5504.85 درجة مئوية عند السطح. الكواكب الداخلية هي مجموعة الكواكب الأقرب إلى الشمس، ويقع ضمنها أصغر كواكب المجموعة الشمسية، وهي كواكب صخرية تتكون من المعادن والسيليكات، أحجامها صغيرة نسبيًا وكثافتها عالية، ولها عدد من الأقمار تدور حولها، وتتكون هذه المجموعة من الكواكب الآتية: كوكب عطارد. كوكب الزهرة. كوكب الأرض. كوكب المريخ. الكواكب الخارجية هي الكواكب الأبعد عن الشمس، وتسمى أيضًا عمالقة الغاز لأنها تتكون بشكل أساسي من الغاز، لذا هي أقل كثافةً من الكواكب الداخلية، وأكبر حجمًا، ولها عدد أكبر من الأقمار التي تدور حولها، وهذه الكواكب هي الآتية:[٥] كوكب المشتري. كوكب زحل. كوكب أورانوس. كوكب نيبتون. أصغر كواكب المجموعة الشمسية يعتبر كوكب عطارد الكوكب الأقرب إلى الشمس، وأصغر كواكب المجموعة الشمسية، من حيث الحجم والكتلة، حيث يبلغ نصف قطره 2440 كيلومترًا، ومساحته 74،797،000 كيلومتر مربع، ، وتصل درجة حرارته القصوى إلى 430 درجة مئوية، والدنيا إلى -180 درجة مئوية، ومتوسط المسافة المدارية له 58 مليون كيلومتر، ويُتم دورته حول الشمس خلال 88 يومًا أرضيًا، كما يمتلك أعلى قيمة للانحراف المداري بين الكواكب وأصغر ميل محوري، ولا يمتلك أقمارًا أو غلافًا جويًا.[٦] 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالعاشرة بعد

 الستمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*أصغر كواكب المجموعة الشمسية (عطارد )

تبدو تضاريس سطح كوكب عطارد مشابهةً لتضاريس سطح القمر للوهلة الأولى، ويماثله بالحجم تقريبًا ، وتبلغ جاذبيته 3.7م/ث²، ما يعادل ضعف جاذبية سطح القمر، إلا أنّ نظرة عن كثب تظهر اختلاف تضاريسه وشكل سطحه عن التضاريس القمرية، ويعتبر الكوكب الأكثر كثافةً على الرغم من كونه أصغر كواكب المجموعة الشمسية، حيث تتركز ثلثي كثافته في نواته المكونة من الحديد والتي تمتد على مسافة 2100 كيلومتر من المركز وحتى الخارج، وتبلغ سماكة سطحه 300 كيلومتر، وبسبب قربه الكبير من الشمس تعد مراقبته أمرًا صعبًا حتى عن طريق تيليسكوب هابل الفضائي، ونظرًا لوقوع مداره داخل مدارالأرض، فإنّه يمر أحيانًا بشكل مباشر بين الأرض والشمس، ويظهر كنقطة سوداء صغيرة تعبر قرص الشمس، ويسمى هذا الحدث عبورًا، ويحدث حوالي اثنتي عشرة مرة خلال القرن.  استكشاف كوكب عطارد يشكّل الوصول إلى أصغر كواكب المجموعة الشمسية، تحديًا كبيرًا للعلماء، لكون مداره قريبًا جدًا من الشمس، حيث تصل المسافة التي يجب أن تقطعها المركبة الفضائية وصولًا إلى كوكب عطارد قرابة 91 مليون كيلومتر، كما أن السرعة المدارية الكبيرة لكوكب عطارد، تحتم على المركبة إجراء تغييير كبير في سرعتها لدخول مدار هوهمان الانتقالي، القريب من كوكب عطارد؛ لذا فقد تمكن مسباران فضائيان فقط من زيارة كوكب عطارد إلى الآن، وهما :   مارينر 10 يعتبر أول مسبار يزور كوكب عطارد، بين العامين 1974م و 1975م، وقد استخدم جاذبية كوكب الزهرة لتغيير سرعته المدارية والأقتراب من كوكب عطارد، وقدّم أول صور عن قرب لأصغر كواكب المجموعة الشمسية، والتي كشفت عن معالمه الجيولوجية وطبيعة سطحه، وقد كانت مراقبة كلا وجهي سطح الكوكب شبه مستحيلة بالنسبة للمسبار مارينر، لذا تم الحصول على خرائط حددت 45% فقط من سطح الكوكب.  نجح مارينر10 في الاقتراب ثلاث مرات من كوكب عطارد، وكانت أقربها على مسافة 327 كيلومتر من سطحه، في الاقتراب الأول تم اكتشاف حقلًا مغناطيسيًا مما شكل مفاجأة جيولوجية للعلماء، وتم التقاط الصور في الاقتراب الثاني، وفي الاقتراب الثالث اكتشف العلماء أن الحقل المغناطيسي لكوكب عطارد شبيه بالحقل المغناطيسي للأرض، ونفذ وقود مارينر10 بعد ثماني أيام من آخر اقتراب، وتم فصل أجهزة التحكم الخاصة به، ويعتقد أنه مازال يدور حول الشمس، ويقترب كل بضعة أشهر من عطارد.

 مسنجر اعتبر مسنجر المهمة الثانية من قبل ناسا لاكتشاف أصغر كواكب المجموعة الشمسية، حيث أُطلق من الأرض في شهر آب من العام 2004م، وتمكن في حزيران من العام 2007م من دخول المسار الصحيح والاقتراب من مدار عطارد، وتمثلت مهمته في ست نقاط؛ دراسة كثافة كوكب عطارد ومعالمه الجغرافية، وتركيب نواته وطبيعة حقله المغناطيسي وغلافه الجوي الرقيق، إضافة إلى إمكانية وجود الجليد على أي من قطبيه.[٧] 

لإنجاز مهمته حمل مسبار مسنجر أجهزة أكثر تطورًا منها في مسبار مارينر10؛ أدوات تصوير أحدث جمعت صورًا عالية الدقة، ومقاييسًا للمغناطيسية، وأجهزة لقياس سرعة الأجسام المختلفة، كانت المناورة الأخيرة لمسبار مسنجر في 24 نيسان من العام 2015م، قبل أن يصطدم بكوكب عطارد بعد عدة أيام ويتحطم كليًا.[٧] انكماش كوكب عطارد أثبتت الدراسات أنّ أصغر كواكب المجموعة الشمسية ينكمش مع مرور الزمن، فخلال فترة حياته التي تصل إلى 4.5 مليار عام، تقلص قطر الكوكب بمقدار 14 كيلو متر، وبالرغم من غرابة الأمر إلا أنه كان متوقعًا، حيث أثبتت النظريات أن لب الكوكب يبرد مع مرور الزمن مما يؤدي إلى حدوث هذا الانكماش، وقد استطاع العلماء اكتشاف هذه الظاهرة من خلال المعلومات التي تم جمعها بواسطة مسبار مسنجر.

 على عكس الكرة الأرضية والتي تتكون قشرتها من صفائح تكتونية، بحيث تنزلق تحت بعضها البعض لتفادي حدوث أي تقلص فيها، فإنّ قشرة كوكب عطارد عبارة عن غلاف واحد كبير، لذا فإنّها تتجعد مشكلة منحدرات صدعية تمتد على طول سطح الكوكب ، وكلما زاد الانكماش زاد طول هذه الصدوع، وقد تمكن العلماء من خلال قياس طول هذه الصدوع، من حساب مقدار الانكماش في قطر الكوكب.[ الأنترنت – موقع سطور - أصغر كواكب المجموعة الشمسية - بواسطة: كتّاب وزي وزي ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالحادية عشرة بعد

 الستمائة في موضوع (الخالق) وهي بعنوان :

*عدد النجوم في المجموعة الشمسية 

     تتألف المجموعة الشمسية من الشمس والأجسام التي تدور حولها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وتعد الكواكب من بين الأجسام التي تدور حول الشمس بشكل مباشر، أما ما عدا الكواكب فهي أجسام أصغر، وقد تكونت المجموعة الشمسية قبل 4.6 مليار سنة من الانهيار التثاقلي لسحابة جزيئية عملاقة تمتد بين النجوم، والغالبية العظمى من كتلة المجموعة الشمسية تتكون أساسًا من الصخور وكذلك من المعادن، وجميع كواكب المجموعة الشمسية لها مدارات شبه دائرية، وهناك أجسام صغيرة أخرى بما في ذلك المذنبات وغيوم 

الغبار بين الكواكب، وسيتناول هذا المقال توضيح عدد النجوم في المجموعة الشمسية.

 النجوم : قبل توضيح عدد النجوم في المجموعة الشمسية تجدر الإشارة إلى أنّ النجوم هي أجرام سماوية ضخمة تتكون في معظمها من الهيدروجين والهيليوم، وتُنتج النجوم كميات كبيرة من الضوء والحرارة، وتجدر الإشارة إلى أنّ تلك النجوم تبتعد عن الأرض بسنوات ضوئية هائلة، فهي بمثابة لبِنات أساسية في بناء المجرات ويوجد منها أعداد هائلة في الكون، وتمتد دورة حياة النجم إلى مليارات السنين، وكقاعدة عامة كلما كان النجم أكثر ضخامة كلما كانت حياته أقصر، ويتم تكوين النجم داخل السحب الترابية المستندة إلى الهيدروجين والتي تسمى السدم، وتسبب الجاذبية انهيار جيوب المادة الكثيفة داخل السديم، وبعد ملايين السنين عندما ترتفع درجة الحرارة الأساسية إلى حوالي 27 مليون درجة فهرنهايت يبدأ الانصهار النووي وتبدأ المرحلة الأطول من حياة النجم، وبعض النجوم تتألق بألوان زاهية أكثر من غيرها، والسبب في سطوعها كمية الطاقة بها، ويمكن أن يختلف اللون أيضًا من نجمة إلى نجمة لأنّ درجات الحرارة ليست متساوية، وتجدر الإشارة إلى أنّ النجوم الساخنة تظهر باللون الأبيض أو الأزرق بينما تظهر النجوم الأكثر برودة بألوان برتقالية أو حمراء.

 عدد النجوم في المجموعة الشمسية:  لتوضيح عدد النجوم في المجموعة الشمسية 

تجدر الإشارة أولًا إلى أنّ نجوم المجموعة الشمسية تمتد كشريط كثيف عبر السماء، ويمكن أن يرى أي شخص آلاف من هذه النجوم بالعين المجردة، لذا فإنّ معرفة عدد النجوم في المجموعة الشمسية أمر صعب بشكل مدهش، فلا يمكن التفرغ وحصر النجوم، ويرى علماء الفلك أنّ مجرة درب التبانة ما هي إلا مجرة حلزونية يبلغ طولها حوالي 100،000 سنة ضوئية، وتحتوي المجموعة الشمسية على هالة ضخمة من الغاز الساخن حولها ويبلغ قطرها مئات الآلاف من السنوات الضوئية، والتي يوجد حولها عدد هائل من النجوم، والعديد من نجوم المجموعة الشمسية غير قابل للحصر والتحديد بعدد معين لأنّ مركز المجرة يحتوي على انتفاخ مليء بالنجوم والغاز والغبار بالإضافة إلى ثقب أسود هائل، فلا تستطيع التلسكوبات الدقيقة رؤية تلك النجوم وتعيين أعدادها على وجه الدقة، والطريقة الأساسية التي يقدر بها علماء الفلك عدد النجوم في المجموعة الشمسية هي تحديد كتلة المجرة من خلال النظر في كيفية دوران المجرة باستخدام التحليل الطيفي. 

يمكن لأي نوع من التلسكوبات القيام بهذا النوع من العمل الطيفي، وغالبًا ما يُستخدم تلسكوب بحجم 200 بوصة كما في مرصد بالومار بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، ويستخدم تلسكوب هابل الفضائي لنفس الغرض أيضًا، وهذا يدفع للتساؤل فيما إذا كانت هناك أي طريقة لمعرفة عدد النجوم بشكل تقريبي، ولكن ذلك يختلف باختلاف الحسابات تبعًا لاختلاف العوامل المرتبطة بها، حيث إنّ درب التبانة فيها حوالي 100 مليار كتلة شمسية؛ لذلك يمكن القول بشكل تقريبي أن المجموعة الشمسية فيها حوالي 100 مليار نجم.

                                            الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات  ، في تمام الساعة السابعة بعد صلاة المغرب من ليلة الثلاثاء الموافق  27/5/ 1441هـ  وفي منزلي بالعقيق بمنطقة الباحة بالمملكة العربية السعودية ، تم الإنتهاء من هذا البحث المهم والذي هو بعنوان [ الخالق ] وقد بذلت فيه كامل جهدي وطاقتي ، وضمنته نصوص قرآنية من كلام خالق البرية ، ونصوص حديثية من أقوال خير مخلوقاته صلى الله عليه وسلم وأقوال ومقالات وحكم  الصحابة والتابعين واتباعهم وسلف الأمة وعلمائها وطلبة العلم والدعاة والمفسرين .... وعزوت كل نص الى قائله 

وهو اشبه مايكون بالتفسير الموضوعي اسأل الله أن يجعله علماً نافعاً وعملاً صالحاً متقبلاً ، إن اصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله من خطأ وخطيئة ، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين .       جوال / 0555516289

 

 

   

 

             جمع وتأليف الدكتور : مسفر بن سعيد دماس الغامدي