مالك الملك

بسم الله الرحمن الرحيم

 الملك،المالك،المليك مالك الملك(المختصر)

   إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله 

قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته،ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} آل عمران/ 120

 وقال تعالى :{ يائها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }  النساء  / 1            وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } الأحزاب /70 ، 71 وبعـــــد :

فهذه الحلقة الأولى في موضوع (مالك الملك) وستكون بعنوان:

المقدمة والتعريفات

المقدمة : الحمد لله مالك الملك، ومدبر الأمور ومصرف الأحوال، قهر بعدله العباد، وأدب بقوته من عاند في الحاضر والباد، مالك الأمر والنهي، فحكمه عدل، وأمره قِسْط، ونهيه رحمة، فله الحكم كله، وإليه يُرجعُ الأمر كله، ملك كل شيء بقوته وعدله، ] لله مُلْكُ الْسَّمَاوَاتِ وَالْأَّرْضِ وَمَا فِيْهِنَّ [[المائدة:120]،

     إن الله له الأسماء الحسنى، والصفات العليا، فلا يسمي نفسه إلا بأكمل الأسماء وأجلها، ولا يصف ذاته العلية إلا بأبلغ وصف وأنماه، وأفضله وأزكاه، فله الأسماء الحسنى، والصفات العلى، وهو سبحـانه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }[الشورى:11]، فكل صفة كمال فالله أولى بالاتصاف بها، وكل صفة نقص فالله منزه عنها.

  إن من أسماء الله الحسنى: الملك، وكذلك: المالك، فهو مالك الملك، وملك الملوك، فملكه تام  لجميع أصناف المملوكات، فكل من ملك في الدنيا  من شيء  فالله  مالكه،  وهو تحت تصرف الله وحكمه،  { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [[البقرة:107]،

فكل مُلْكٍ في الدنيا هو في أصله ومنتهاه لله الواحد القهار، لكن الله يؤتي ملكه من يشاء.

فملك الملوك هو من يغفر ذنبًا؛ ويُفرّج كربًا؛ ويكشف غمًا، وينصر مظلومًا؛ ويأخذ ظالمًا، ويفكُّ عانيًا؛ ويُغني فقيرًا، ويجبر كسيرًا؛ ويشفي مريضًا، ويُقيل عثرةً؛ ويستر عورةً، ويُعِزُّ ذليلاً؛ ويُذِلُّ عزيزًا؛ ويُعطي سائلاً، ويُذهب بدولةٍ ويأتي بأخرى؛ ويداول الأيام بين الناس؛ ويرفع أقوامًا ويضع آخرين، ويسوق المقادير التي قدَّرها قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف عامٍ إلى مواقيتها؛ فلا يتقدَّم شيءٌ منها عن وقته ولا يتأخَّر، فهو المتصرِّف في الممالك كلِّها وحده؛ تصرُّف ملك قادرٍ قاهرٍ، عادلٍ رحيم، تامُّ الملك؛ لا يُنازعه في ملكه منازعٌ ، ولا يُعارضه  فيه  معارضٌ ،  فتصرُّفه  في  ملكه  دائرٌ  بين  العدل والإحسان ، والحكمة والمصلحة والرحمة، فلا يخرج تصرُّفه عن ذلك».  [طريق  الهجرتين  وباب السعادتين لابن القيم ص:228- 229 بتصرف.]

*معنى الملك المليك

 ورد اسم الله الملك في القرآن الكريم في خمسة مواضع :منها قوله تعالى :{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ }[الحشر : 23]،وورد اسم المليك في موضع واحد في قوله تعالى :{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ*فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } وهذان الاسمان دالان على أن الله سبحانه ذو الملك ،أي : المالك لجميع الأشياء ،المتصرف فيها ،بلا ممانعة ولا مدافعة.

وقد تكرر في القرآن الكريم بيان أن تفرد الله بالملك لا شريك له دليل ظاهر على وجوب إفراده وحده بالعبادة ، قال تعالى :{ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} . وأن عبادة من سواه ممن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا حياة ولا موتا ولا نشورا أضل الضلال  وأبطل  الباطل ، وقد ورد في القرآن آيات عديدة تقرر هذه الحقيقة وتجلي هذا الأمر.

  كما قال تعالى :{ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} وقال تعالى :{ وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً } .

   ومن لا يملك في هذا الكون ولا مثقال ذرة لا يجوز أن يُصرف له شيء من العبادة ،إذ العبادة حق للملك العظيم والخالق الجليل والرب المدبر لهذا الكون لا شريك له عزّ شأنه وعظم سلطانه وتعالى جدّه ولا إله غيره .[ الأنترنت – موقع : مختصر فقه الأسماء الحسنى للشيخ عبد الرزاق البدر] وأصل الملك في اللغة الربط والشد، والمَلِك والمالك والمَليك : ذو المُلك.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثانية في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :

الفروق بين الأسماء (الملك،المالك،المليك مالك الملك)

*الفرق بين المالك والملك والمليك

   أن المالك في اللغة صاحب المِلْك أو من له ملكية الشيء، ولا يلزم أن يكون المُلك له .. فقد يؤثر الملك على المالك وملكيته فيحجر على ملكيته أو ينازعه فيها أو يسلبها منه.

أما الملك فهو أعم من المالك .. لأنه غالب قاهر فوق كل مالك، فالملك مهيمن على المُلك وإن لم تكن له الملكية إلا بضرب من القهر ومنع الغير من التصرف فيما يملكون.[الأنترنت – موقع جنة الدنيا ]

*والمَلِكُ هو الله، تعالى ونقدّس، مَلِكُ المُلُوك له المُلْكُ وهو مالك يوم الدين وهو مَلِيكُ الخلق أي ربهم ومالكهم. وفي التنزيل: {مالك يوم الدين }؛ وفي قراءة: مَلِك يوم الدين، بغير أَلف، وعن أَبي عمرو: مَلْكِ يوم الدين، ساكنة اللام، وروى المنذر عن أَبي العباس أَنه اختار مالك يوم الدين، وقال: كل من يَمْلِك فهو مالك لأنه بتأْويل الفعل مالك الدراهم، ومالك الثوب، ومالكُ يوم الدين، يَمْلِكُ إقامة يوم الدين؛ ومنه قوله تعالى: مالِكُ المُلْكِ، قال: وأما مَلِكُ الناس وسيد الناس ورب الناس فإنه أَراد أَفضل من هؤلاء، ولم يريد أَنه يملك هؤلاء، وقد قال تعالى: مالِكُ المُلْك؛ أَلا ترى أنه جعل مالكاً لكل شيءٍ فهذا يدل على الفعل . والمُلْكُ: معروف وهو يذكر ويؤنث كالسُّلْطان؛ ومُلْكُ الله تعالى

ومَلَكُوته: سلطانه وعظمته. وفي حديث أَبي سفيان: هذا مُلْكُ هذه الأُمة قد ظهر، وفي الحديث: هل كان في آبائه مَنْ مَلِكَ؟. والْمَلْكُ والمَلِكُ والمَلِيكُ ،والمالِكُ: ذو المُلْكِ. ومَلْك ومَلِكٌ، والمَلِك مقصور من مالك أو مَلِيك، وجمع المَلْكِ مُلوك،

وجمع المَلِك أَمْلاك، وجمع المَلِيك مُلَكاء، وجمع المالِكِ مُلَّكٌ ،ومُلاَّك، والأُمْلُوك اسم للجمع. ورجل مَلِكٌ وثلاثة أَمْلاك إلى العشرة،والكثير مُلُوكٌ، والاسم المُلْكُ، والموضع مَمْلَكَةٌ. وتَمَلَّكه أي مَلَكه قهراً. ومَلَّكَ القومُ فلاناً على أَنفسهم وأَمْلَكُوه: صَيَّروه مَلِكاً؛ عن اللحياني. ويقال: مَلَّكَه المالَ والمُلْك، فهو مُمَلَّكٌ؛

. وقال بعضهم: المَلِكُ والمَلِيكُ لله وغيره، والمَلْكُ لغير الله. والمَلِكُ من مُلوك الأرض، ويقال له مَلْكٌ، بالتخفيف، والجمع مُلُوك وأَمْلاك، والمَلْكُ: ما ملكت اليد من مال وخَوَل. [الأنترنت – موقع لسان العرب لابن منظور]

*والفرق بين مالك وملك

أن مالك يفيد مملوكا، وملكا لا يفيد ذلك ولكنه يفيد الامر وسعة المقدرة على أن المالك أوسع من الملك لانك تقول الله مالك الملائكة والانس والجن ومالك الارض والسماء ومالك السحاب والرياح ونحو ذلك، ومالك لا يحسن إلا في الملائكة والانس والجن قال الفرزدق: ملك الملوك ومالك الغفر سبحان من عنت الوجوه لوجهه ولو قال ملك الغفر لم يحسن.

*والفرق بين السلطان والملك

أن السلطان قوة اليد في القهر للجمهور الاعظم وللجماعة اليسيرة أيضا ألا ترى أنه يقال : الخليفة سلطان الدنيا وملك الدنيا وتقول لامير البلد سلطان البلد ولا يقال له ملك البلد لان الملك هو من اتسعت مقدرته على ما ذكرنا فالملك هو القدرة على أشياء كثيرة، وللسلطان القدرة سواء كان على أشياء كثيرة أو قليلة ولهذا يقال له في داره سلطان ولا يقال له في داره ملك ولهذا يقال هو مسلط علينا وإن لم يملكنا، وقيل السلطان المانع المسلط على غيره من أن يتصرف عن مراده ولهذا يقال ليس لك على فلان سلطان فتمنعه من كذا

*والفرق بين المالك والملك

الملك: القادر الواسع المقدور الذي له السياسة والتدبير.والمالك: القادر على التصرف في ماله، وله أن يتصرف فيه على وجه ليس لاحد منعه منه. قال الطبرسي في المجمع في تفسير الفاتحة: " اختلفوا في أن أي القراء‌تين أمدح، فمن قرأ (مالك)، قال: إن هذه الصفة أمدح. لانه لا يكون مالكا للشيء، إلا وهو يملكه، وقد يكون ملكا للشيء ولا يملكه، كما يقال: ملك العرب.وملك الروم، وإن كان لا يملكهم.وقد يدخل في المالك ما لا يصح دخوله في الملك. يقال: فلان مالك الدراهم، ولا يقال: ملك الدراهم. فالوصف بالمالك أعم من الوصف بالملك.والله تعالى مالك كل شيء وقد وصف نفسه بأنه: مالك الملك. يؤتي الملك من يشاء. فوصفه بالمالك، أبلغ في الثناء والمدح من وصفه بالملك.ومن قرأ (ملك) قال: إن هذه الصفة أمدح. لانه لا يكون إلا مع التعظيم والاحتواء عل الجمع الكثير، واختاره السراج، وقال: إن الملك الذي يملك الكثير من الاشياء، ويشارك غيره من الناس في ملكه بالحكم عليه. فكل ملك مالك، وكل مالك ليس ملكا، وإنما قال تعالى " مالك الملك "، لانه تعالى يملك ملوك الدنيا وما ملكوا فمعناه أنه يملك ملوك الدنيا، فيؤتي الملك فيها من يشاء. فأما يوم الدين، فليس إلا ملكه، وهو ملك الملوك يملكهم كلهم: " انتهى ملخصا.

والفرق بين الملك والملكوت

الملك، بالضم: ما يدرك بالحس، ويقال له: عالم الشهادة.والملكوت: مالم يدرك به، وهو عالم الغيب، وعالم الامر.ولكون عالم الشهادة بالنسبة إلى عام الغيب كقطرة من البحر، يسمى الاول: ملكا والثاني ملكوتا، لما تقرر أن زيادة المباني تدل على زيادة المعاني.

*والفرق بين الملك والملك :أن الملك هو إستفاضة الملك وسعة

المقدور لمن له السياسة والتدبير، والملك إستحقاق تصريف الشيء لمن هو أولى به من غيره.

والفرق بين ملك اليمين وقولك الملك

أن ملك اليمين متى أطلق علم منه الامة والعبد المملوكان ولا يطلق على غير ذلك، لا يقال للدار والدابة وما كان من غير بني آدم ملك اليمين وذلك أن ملك العبد والامة أخص من ملك غيرهما ألا ترى أنه يملك التصرف في الدار بالنقض والبناء ولا يملك ذلك في بني آدم ويجوز عارية الدار وغيرها من العروض ولا يجوز عارية لفروج.

*والفرق بين الملك والدولة

إن الملك يفيد إتساع المقدور على ما ذكرنا: والدولة إنتقال حال سارة من قوم إلى قوم، والدولة ما ينال من المال بالدولة فيتداوله القوم بينهم هذا مرة وهذا مرة، وقال بعضهم الدولة فعل المنتهبين والدولة الشيء الذي ينتهب، ومثلها غرفة لما في يدك والغرفة فعلة من غرفت ومثل ذلك خطوة للموضع وخطوة فعلة من خطوت، وجمع الدولة دول مثل غرف ومن قال دول فهي لغة والاول الاصل.

والله تَعَالَى وَهُوَ الْمَالِك الْمُطلق وَمَالك الْمُلُوك وَمَالك يَوْم الدّين وَذُو الْملك وَصَاحب الْأَمر[الانترنت – موقع معجم الفروق اللغوية ][مختار الصحاح ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثالثة في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :

*الدليل على ثبوت الإسم وإحصائه :

جاء الإسم مطلقا معرفا بالالف واللام , وقد ورد المعنى مسندا إليه محمولا عليه , ومن ذلك قوله تعالى : ( هو الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمين العزيز الجبار المتكبر بحان الله عما يشركون ) الحشر : 23 , وقوله تعالى : ( فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) المؤمنون :116 .

ومن حديث النبى صلى الله عليه وسلم : عن أبى هريرة رضى اله عليه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يقبض الله الأرض ويطوى السماوات بيمينه ثم يقول : أنا الملك , أين ملوك الأرض .

*شرح الإسم وتفسير معناه :

أصل الملك فى اللغة الربط والشد , والملك هو النافذ الآمر فى ملكه , إذ ليس كل مالك ينفذ أمره وتصرفه فيما يملكه , فالملك أعم من المالك , والملك الحقيقى هو اله وحده لا شريك له , ولا يمنع ذلك وصف غيره بالملك مثل قوله تعالى : ( وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ) الكهف : 79 , فهذا ملك مخلوق وملكه مقيد محدود , أما الملك الحق فهو الذى أنشأ الملك وأقامة بغير معونة أحد من الخلق , وصرف أموره بالحكمة والرحمة والعدل , وله الغلبة وعلو القهر على من نازعه فى شئ من الملك .

*دلالة الإسم على أوصاف الله :

الملك إسم يدل على ذات الله وعلى صفة الملك , فالملك من بيده الملك المطلق التام الذى لا يشاركه أحد فيه , قال تعالى : ( تبارك الذى بيده الملك وهو على كل شئ قدير ) الملك : 1

فالملك الحق هو الذى يستغنى بذاته وصفاته عن كل ما سواه ويفتقر إليه كل موجود سواه .

*الدعاء بإسم الله الملك دعاء مسألة :

ورد فى دعاء المسألة بالوصف كقوله تعالى : (قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على شئ قدير ) آل عمران : 26 , وورد فى دعاء يوسف عليه السلام ودعاء سليمان عليه السلام فى آيات القرآن

ونقوله دائما فى أذكار الصباح والمساء : أمسينا وأمسى الملك لله , والحمد لله ,لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير .

*الدعاء بإسم الله الملك دعاء عبادة :

دعاء العبادة هو أثر الإيمان بتوحيد الله فى إسمه الملك , ويتجلى ذلك

 فى تعظيم الملك ومحبته , وموالاته وطاعته , وتوحيده فى عبوديته , والغيره على محارمه , ومراقبته فى السر والعلن , ودوام الإفتقار إليه , وأعظم جرم فى حق الملك الأوحد منازعته على ملكه , أو نسب شئ منه إلى غيره .

ومن أعظم الظلم أن يدعى أحد من الخلق ما ليس له بحق فى أى معنى من معانى الربوبية , مثل فرعون وهامان وقارون والنمرود , فالموحد يغار على الملك الأحد أن يرى شريكا له يعبد فى مملكته , ولذلك كان الشرك قبيحا فى قلوب الموحدين , وكان توحيد الله زينة حياة الموحدين .[نقلا عن كتاب : أسماء الله الحسنى الثابتة فى الكتاب والسنة [لأنترنت – موقع رمضان مبارك]

    إن أسماء الله تعالى الملك والمالك والمليك ، ومالك الملك والملكوت ، مالك الملك : هو المتصرف فى ملكه كيف يشاء ولا راد لحكمه ، ولا معقب لأمره ، والوجود كله من جميع مراتبه مملكة واحدة لمالك واحد هو الله تعالى ، هو الملك الحقيقى المتصرف بما شاء كيف شاء ، إيجادا وإعدا ما، إحياء وإماته ، تعذيبا وإثابة من غير مشارك ولا ممانع ، ومن أدب المؤمن مع اسم مالك الملك أن يكثر من ذكره وبذلك يغنيه الله عن الناس وروى عن سفيان بن عينه قال: بين أنا أطوف بالبيت إذ رأيت رجلا وقع فى قلبى أنه من عباد الله المخلصين فدنوت منه فقلت: هل تقول شيئا ينفعنى الله به؟ فلم يرد جوابا، ومشى فى طوافه، فلما فرغ صلى خلف المقام ركعتين، ثم دخل الحجر فجلس، فجلست اليه فقلت: هل تقول شيئا ينفعنى الله به؟ فقال: هل تدرون ما قال ربكم: أنا الحى الذى لا أموت هلموا أطيعونى أجعلكم ملوكا لا تزولون، أنا الملك الذى إذا أردت شيئا قلت له كن فيكون [الأنترنت – موقع الموجز في معرفة اسماء الله الحسنى]  

 *اسم الله { المليك } :

إن المُلك الحقيقي لله وحده لا يشركه فيه أحد، وكل من ملك شيئًا من الدنيا فإنما هو بتمليك الله له، ولا يمتلك أحدٌ شيئًا إلا من بعد إذنه وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( سورة البقرة:247) . فالله تبارك وتعالى هو المالك لخزائن السماوات والأرض ، بيده الخير، يرزق من يشاء، وهو المالك للموت والحياة والنشور والنفع والضر، وإليه يرجع الأمر كله .

 إن الله ليس كمثله شيء في ملكه، فملك الخلق سببي وملك الله ذاتي، فإن الخلق لا يكونون ملوكًا إلا بأسباب الملك، فالملك لا بد له من مملكة يملكها أو ناس يحكمهم، ولا بد له كذلك من أعوانٍ على ملكه ، ولا بد له من بطانة تحميه ، ووزراء يُشاورهم ، وجنود ينفِّذون أمره على الرعية ، فملوك الخلق يحتاجون إلى ملكهم ، أمَّا اللَّه عزَّ وجل فإن ملكه ذاتي لا يحتاج سماوات ولا أرضًا ولا عرضًا ولا شيئًا أبدًا ، فهو الملك قبل الخلق ، وهو الملك بعد الخلق ، وهو الملك بدون الخلق ، وكذلك ليس لله وزير ولا نظير ولا بطانة ، حتى جنود الله فإنهم لا يحمونه ولا يملكون له نفعًا ولا ضرًا ، إنما هو الذي بيده النفع والضر وحده وبيده الملك وحده ، والخلق كلهم لله وبالله ويحتاجون إلى الله ولا يحتاج هو إلى أحدٍ منهم .

الله سبحانه هو الملك ؛ قلوب العباد ونواصيهم بيده ، فإذا استشعر العبد ذلك لم يُرَاءِ ولم يداهن ولم يخَفْ لأن قلوب العباد بيد الله ، هو الذي يملكها وهو الذي يضع لعبده الحب أو البغض أو الشفقة أو القسوة ، ولن يملك العبد من قلبه شيئًا ليعطي الآخرين إلا إذا سخره الله، قال تعالى }وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم ( سورة الأنفال: 63)  [الأنترنت – موقع منتديات ملاكي الاخير]

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الرابعة في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :

*المعنى في حق الله :

 -الله الملك : النافذ الامر في ملكه ، اذ ليس كل مالك ينفذ امره او تصرفه فيما يملكه،فالملك أعمّ من المالك،والله تعالى مالك المالكين كلهم

 -الملك : هو الله تعالى وتقدس، ملك الملوك ، له الملك ، وهو مالك يوم الدين ، وهو مليك الخلق أي ربهم ومالكهم

- الملك : الذي لا ملك فوقه ولا شيء دونه

- الملك : المالك لجميع الاشياء المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة

- فالله وحده لاشريك له ، له كمال التصرف والقدرة في ملكه ، فملكه عظيم ،شاسع وقدرته تامه في ملكة لايعجزه شيء (له ملك السموات والارض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير )

- فالملك سبحانه هو الذي له الأمر والنهي في مملكته .

- فالله عزوجل ( ملك مالك ) يملك كل شيء ، وأمره نافذ في ملكه لا يعجزه شيء ولا يدفعه شيء

- فقد يكون هناك ( ملك ) في الدنيا لكن أمره ليس بنافذ لعجزه وعدم قدرته

- وقد يكون هناك ( مالك ) في الدنيا ، لكنه ليس بملك

- لكن الله عزوجل ( ملك مالك ) امره نافذ وملكه تام سبحانه [الأنتر نت – موقع مدونة خطب الجمعة]

*(المالك والملك والمليك) كلها أسماء الله جل وعلا.

واسم (الملك) يدل على أن الله وحده يملك هذا الكون، إذ هو سبحانه الخالق له وحده. وإذا كان الناس يملكون في هذه الحياة شيئا من أعراضها، ثم هم ينسبون ملكيته إلى أنفسهم فيقول قائلهم: هذه داري، وهذا بستاني، وهؤلاء أولادي، وهذه أموالي، فما كل أولئك إلا ودائع استخلفهم الله تعالى مالكها الأصيل عليها فترة من الزمن لتعمر الأرض بذلك، ثم هم لا بد ملاقوا ربهم، وتاركوا كل ودائعهم التي استخلفهم الله تعالى عليها لمالكها الأصلي رب العالمين.

لذا يقول تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (آل عمران آية 180) ، ويقول تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} (الحجر آية 23) ، ويقول سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} (مريم آية 40) ويقول جل شأنه: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (القصص آية 58) ، ويقول عز وجل: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (الحديد آية 10) .

فلا بد من أن ترد الودائع وأهلها حتما لخالقها وخالق كل شيء سبحانه، وفي هذا يصدق قول من قال:

وما المال والأهلون إلا ودائع *** ولا بد يوما أن ترد الودائع

والمالك: هو من اتصف بصفة الملك من آثارها أن يأمر، وينهى، ويثيب، ويعاقب، ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات، وأصناف الملك[ تيسير الكريم الرحمن الجزء الأول ص 15]

وقد ورد اسم المالك سبحانه في سورة الفاتحة في قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (سورة الفاتحة آية 3)

وقد قرىء مالك، وقرىء ملك، وكلا القراءتين صحيح متواتر في السبع، وليس تخصيص الملْك بيوم الدين الإخبار بأنه تعالى رب العالمين، وذلك عام في الدنيا والآخرة، وإنما أضيف اسم (مالك) إلى يوم الدين لأنه لا يدعى هناك أحد غيره، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه كما قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً} (النبأ آية 38) - قال الضحاك عن ابن عباس: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يقول لا يملك من أحد في ذلك اليوم كملكهم في الدنيا بأن يقول أحد - تجوّزَا - هذا ملكي، هذا مالي، أما يوم القيامة فليس لأحد ملك ولا مال" [تيسير العلي القدير المجلد الأول ص 14 بتصرف]

وقد اختلف العلماء في أي الاسمين أبلغ : مالك أو ملك؟

فقال أبوعبيد والمبرد ورجح قولهما الزمخشرى: "إن (ملك) أعم وأبلغ من (مالك) إذ كل ملك مالك، وليس كل مالك ملكاً" ولأن أمر الملك نافذ في ملكه، فلا يستطيع أن يتصرف إلا بتدبير الملك.

وقال آخرون: إن (مالك) أبلغ من ملك، لأن (المالك) يكون مالكاً للناس وغيرهم، فالمالك أبلغ تصرفا وأعظم.

وقال أبو حاتم: "إن (المالك) أبلغ في مدح الخالق من ملك، و (الملك) أبلغ في مدح المخلوقين من (المالك) ، لأن (المالك) من المخلوقين قد يكون غير ملك، وإذا كان الله تعالى مالكاً كان ملكاً". وقد اختار هذا القول أبو بكر بن العربي.

وقال الإمام الشوكاني: "والحق: أن كل واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر، (فالمالك) يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالك له بالبيع، والهبة، والعتق، ونحوها؛ و (الملك) يقدر على ما لا يقدر عليه (المالك) من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك وحياطته، ورعاية مصالح الرعية، (فالمالك) أقوى من (الملك) في بعض الأمور، و (الملك) أقوى من (المالك) في بعض الأمور.

والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه: أن (الملك) صفة لذاته، و (المالك) صفة لفعله.."[فتح القدير الجزء الأول ص 22 بتصرف]

 و (الملك) ليس صفة وإنما هو اسم الله تعالى يدل على صفة الملكية

 التي هي صفة لذاته سبحانه و (المالك) ليس صفة كذلك، وإنما هو اسم الله تعالى يدل على صفة الملكية التي هي صفة لفعله سبحانه".]

وقد ورد اسم (المالك) في القرآن الكريم مرتين: في قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (الفاتحة آية 4) ، وفي قوله: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} (آل عمران آية 26) .

وقد ورد اسم (الملك) في قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ} (الحشر/ 23)

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الخامسة في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*المعنى في حق الله

 وقد جاء في معنى (الملك) :أنه المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة [تيسير العلي القدير المجلد الرابع ص 215] وقيل: إنه المالك لجميع الممالك، فالعالم العلوي والسفلي وأهله الجميع مماليك لله فقراء مدبرون [تيسير الكريم الرحمن الجزء الثامن ص 107] وقيل: إنه الله ملك الملوك، وهو مالك يوم الدين [مرجع الزجاج ص 30 ]

وقد ورد اسم (ملك) في القرآن الكريم خمس مرات: في قوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} (طه آية 114) .

وفي قوله: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} (المؤمنون آيه116) وفي قوله: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} (الحشر آية 23) وفي قوله: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (الجمعة آية1) وفي قوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ، النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ} (الناس آية 1، 2) . [ المعجم المفهرس ]

كما ورد اسم (المليك) في القرآن الكريم مرة واحدة في قوله: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}  (القمر آية54، 55) وقد قيل في معنى (المليك) أنه الملك العظيم الخالق [تيسير العلي القدير المجلد الرابع ص 149][الأنترنت – موقع مفهوم الأسماء والصفات]

*ما الفرق ما بين الملك والمالك والمليك ؟

أولا : قالوا الملك :أى النافذ الأمر فى ملكه ، إذ ليس كل مالك ينفذ أمره فى ملكه أو تصرفه،أما الله جل وعلا فهو الذى ينفذ أمره فى ملكه

و الملك أعم من المالك ، فالله تعالى مالك المالكين كلهم

وقالوا الملك : هو الذى لا ملك فوقه ولا شىء إلا دونه

فطالما هو الملك فلا تعظم بعد ذلك بشر" وهو القاهر فوق عباده "

 فانتسابك لله الملك يزيدك توكلا عليه، ويزيدك عزه .

و يقول الشوكانى : أختلف العلماء أيهما أبلغ" ملك " أو " مالك " ؟؟

فقيل :إن ملك أعم إذ كل ملك مالك ، وليس كل مالك ملك ولأن أمر الملك نافذا على المالك فى ملكه حتى لا يتصرف إلا عن تدبير المالك

وقيل " مالك " أبلغ : لأنه يكون مالكا للناس وغيرهم ، فالمالك أبلغ فى مدح الخالق من ملك،بيقولوا:" ملك " عاده تكون فى شأن الناس

ثم قال الشوكانى : والحق أن لكل واحد من الوصفين نوع أخصيه لا يوجد فى الأخر .

والمالك : يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالكا لها . فالمالك للشىء يهبه ويبيعه

والملك يقدر على ما يقدر عليه المالك من التصرفات العائده إلى تدبير الملك ورعايه مصالح الرعيه .

فالمالك أقوى من الملك فى بعض الأمور ، والملك أقوى من المالك فى بعض الأمور , والوصفان لله سبحانه وتعالى .

فلما أثبت الملك كأن فيه وجه لم يتم ، فأدخل مالك ، فبقى سبحانه وتعالى له صفات الكمال التام .

*هل يجوز تسميه أحد بملك الملوك ؟الجواب : نهانا النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال " أخنع " أى : أذل " أخنع أسم عند

 الله رجلا تسمى بملك الأملاك أو شاها شاه " وقال:" أغيظ رجلا وأخبثه عند الله يوم القيامه رجلا سمى نفسه كذلك ,"

و قال النبى صلى الله عليه وسلم " أشتد غضب الله على من زعم أنه ملك الأملاك لا ملك إلا الله "

والملك فى ذلك اليوم العظيم لله وحده ، يقول الله تعالى " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " وقال تعالى "وله الملك يوم ينفخ فى السور " وقال " الملك يومئذا لله يحكم بينهم "

وساق هذا المعنى وجمع بينه وبين الرحمه فقال " الملك يومئذا الحق للرحمن " فأذا ملكت فارحم ,,,و عن عبد الله بن مسعود جاء حبر من أحبار اليهود إلى النبى فقال يا محمد أن الله تعالى يمسك السموات يوم القيامه على أصبع والأراضين على أصبع والجبال والشجر على أصبع والماء والثرى على أصبع وسائر الخلق على أصبع ثم يهزن فيقول : أنا الملك فضحك رسول الله تعجبا مما قال الحبر وتصديقا له . ثم قرأ " والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون "

و عن ابى هريره رضى الله عنه قال قال رسول الله " يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامه ويطوى السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض "

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السادسة في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :

* الملك الواسع يتضمن الرحمة الواسعة يوم القيامة

ومن الرحمة للخلق أن الله جل وعلا هو الملك الوحيد يوم القيامه

و من الأمور المتعلقه باسم الله الملك ، أنه ملك لا يشبه سائر الملوك لأنهم ان تصدقوا بشىء أنتقص ملكهم وقلت خزائنهم أما الحق سبحانه وتعالى فملكه لا ينتقص بالعطاء والأحسان بل يزداد ، فالله تعالى كلما كان أكثر عطاءا كلما كان أوسع ملكا .

و من الأحكام فى كونه ملكا أن ذلك يستوجب كمال الرحمه وكذلك أنظر إلى قوله تعالى " الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين " فبعد ان ذكر الرحمه ذكر صفة الملك .

أنظر إلى اللطيفه المتعلقه بقول الله تعالى " قل اعوذ برب الناس * ملك الناس " فذكر أولا كونه ربا للناس ، ثم أردفه بكونه ملكا للناس ،فما ترى الفائدة فى ذلك ؟

و علماء التوحيد يقولون : أن صفات الربوبية خمس : الملك والرزق والأحياء والأماته و التدبير .

و إسم الله المليك لغة هو من صيغ المبالغه ، لأنه على وزن فعيل والمليك :هو المالك العظيم الملك يعنى يجمع بين الأمرين .

المالك : صاحب الملك ولا يلزم أن يكون له الملك .

الملك : أعم من المالك وهو من له الملك و لا يُشترط أن تكون له ملكية الشئ .

المليك : هو صيغة مبالغه فى أثبات كمال الملكيه فالمليك هو الصفتين معا " المالك و الملك " مع دوامهما أزلا وأبدا , فاسم الله المليك يشمل الأمرين معا الملكيه والملك.

*و اسم الله المليك يدل على ذات الله وعلى صفه الملك والملك معا بدلاله المطابقه

فعندنا ثلاثة دلالات للمعاني و هي :

1 - دلاله المطابقه . 2 - دلاله التضمن . 3 - دلاله اللزوم .

فعندما أعبر عن الشىء كله بكل ما فيه يسمى دلاله مطابقه للشىء و عندما أعبر عن جزء من الشئ حسميه فسمي دلاله التضمن , و الإشكال دائما فى اللزوم .

فإذا قلنا اسم الله المليك : فدلاله المطابقه هي ؟ ذاته سبحان وتعالى موصوفه بصفه الملك والملكيه .  

وذكر أبو طالب المكى صاحب كتاب" قوت القلوب": أن النفس مبتلاه بأربعة أوصاف :

أولها : معانى صفات الربوبيه ولاشك ستكون هذه الأخطر لأنه ينازع الله تعالى فى صفه من صفاته فأولها "الكبر " ، الثانى : حب المدح " ،الثالث : " العز والغنى " فهذه الصفات صفات ربوبيه , فمن أبتلى بمثل هذا فقد نازع الله تعالى فى صفه من صفاته ولذلك شدد الشرع جدا فى مثل هذه الأمور ،فيقول النبى " احثوا فى وجه المداحين التراب " وتجد فى المتكبر هذا يقول النبى " من كان فى قلبه مثال ذره من كبر دخل النار " ويقول الله تعالى " العز أزارى والكبرياء ردائي فمن نازعنى فى أحدا منهما وكلته "

ثانيهما : أن تكون مبتلاه بأخلاق الشياطين مثل : الخداع و الحسد والحيله ، والنبى ذكر فى الحديث أن المكر والخديعه فى النار.

ثالثهما : طبائع البدن ، التي هى الأفات الحيوانيه مثل حب الأكل والشرب والنكاح , وهى مع ذلك كله مطالبة بأوصاف العبودية مثل : الخوف والتواضع والذل .

ورابعهما : النفس خلقت متحركه إنها خلقت لتتحرك وأمرت بالسكوت وأنا لها ذلك أن لم يتداركها المليك وكيف تسكن بالأمر أن لم يحركها بالخير ، فلا يكون العبد عبدا مخلصا حتى يكون للمعانى الثلاثه مخلصا فأذا تحققت صفات العبودية كان خالصا من المعانى التى هى بلاؤه ولاشك أن تخليص النفس من هذه الآفات يحتاج إلى جهاد ، ولذلك سمى الأمر الجهاد الأكبر إنتهي [الأنترنت – موقع الأوابين ]

  وكذا الحال في اسم الله الكريم : "المليك" : فله دلالة مزدوجة على اسمي :"المالك" : وهو من له ملكية الشيء ، وإن لم يكن المتصرف فيه . و  "الملك" : وهو من له التصرف وإن لم يكن المالك . وكلا الأمرين واجب في حق الله ، عز وجل ، وانتفاء أحدهما نقص لا يليق بالله ، جل وعلا ، فهو المالك الملك ، يملك الخلق ويتصرف فيهم بتمام حكمته كيفما شاء ، وفي فاتحة الكتاب : "مالك يوم الدين" ، بمد الميم وقصرها للدلالة على المعنيين .

وكذا اسم الله : "المليك" : يجمع الاسمين معا ، وما قيل في دلالات اسم الله : "المقتدر" يقال هنا ، أيضا ، فـــ :"المليك" : يدل على : ذات الله ، عز وجل ، والصفتين المستفادتين من الاسمين الكريمين : "المالك" و "الملك" ، دلالة مطابقة .

و : ذات الله ، عز وجل ، من جهة ، أو الصفة المستفادة من الاسم الكريم "المالك" من جهة ثانية ، أو الصفة المستفادة من الاسم الكريم "الملك" من جهة ثالثة ، دلالة تضمن .و : بقية صفات الكمال المطلق اللائق بجلال الله ، عز وجل ، دلالة التزام .

ومن بدائع الفوائد في هذا الباب الجليل أن الله قد جمع بين الاسمين الدالين على أكثر من معنى في آية واحدة وهي قوله تعالى : (في مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) ، ففي هذه الآية :

دلالة رباعية : اثنان من "مليك" ، واثنان من "مقتدر" ، فسبحان من هذا كلامه .[الأنترنت – موقع شبكة الفصيح - الموضوع: من لطائف أسماء الله عز وجل ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السابعة في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :

*اثر الايمان باسماء الله الحسنى (الملك،المالك،المليك مالك الملك )

أولا : أثر الإيمان بتوحيد الله في اسمه الملك يتجلى في تعظيم الملك ومحبته، وموالاته وطاعته، وتوحيده في عبوديته، والاستجابة لدعوته، والغيرة على حرمته، ومراقبته في السر والعلن، ورد الأمر إليه، وحسن التوكل عليه، ودوام الافتقار إليه ..

وأعظم جرم في حق الملك الأوحد منازعته في ملكه أو نسبة شيء منه إلى غيره .. فصانع الشيء ومؤلفه هو مالكه المتصرف فيه، ولو اعتدى أحد عليه بسلب ملكه ونسبته إلى نفسه أو غيره، سواء بالفعل أو بالادعاء لكان ظالمًا مدعيًا ما ليس له بحق.

ثانيا:  إن المُلك الحقيقي لله وحده لا يُشركه فيه أحد .. وكل من مَلَكَ شيئًا فإنما هو بتمليك الله له، قال"لا مالك إلا الله" ، وفي رواية "لَا مَلِكَ إِلَّا اللَّهُ" . عن أبى الدرداء قال أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ذكر فى قول الله تعالى" كل يوما هو فى شأن" قال من شأنه : أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويخفض آخرين فيؤتى ملكه من يشاء والله واسعا عليم.

  وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا الدهر فأن الله عز وجل قال أنا الدهر الأيام والليالى لي "

فالله تبارك وتعالى هو المالك لخزائن السماوات والأرض، يرزق من يشاء، وهو المالك للموت والحياة والنشور، والنفع والضر وإليه يرجع الأمر كله .. فهو المالك لجميع الممالك العلوية والسفلية، وجميع من فيهما مماليك لله فقراء مدبرون.

ولكن من الناس من يطغى ويظن أنه المالك الحقيقي، وينسى أنه مستخلف فقط فيما آتاه الله من مُلك ومال وجاه وعقار .. فيتكبَّر ويتجبَّر ويظلم الناس بغير حق؛ كمثل فرعون الذي نسى نفسه وضعفها وزعم لنفسه المُلك بل والألوهية {.. قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} .

وإهلاك الله سبحانه لفرعون وقومه عبرة لكل ظالم متكبِّر من ملوك الأرض، تفرعن على الناس فيما آتاه الله من مُلك وظن أنه مُخلَّد، ونسى أن ملكه زائــل وأن إقامته في ملكه مؤقتة وأن الموت مدركه لا محالة .. قال تعالى منبهًا عباده إلى ذلك {.. وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ

وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} .

ثالثاً : الطاعة المُطلقة إنما هي لله وحده لا شريـك له .. لأن من سواه من ملوك الأرض إنما هم عبيدٌ له وتحت إمرته. فلابد من تقديم طاعة الملك الحق على من سواه، وتقديم حكمه على حكم غيره ..

 لأن طاعته سبحانه أوجب من طاعة غيره بل لا طاعة لأحد إلا في حدود طاعته سبحانه، أما في معصيته فلا سمع ولا طاعة..

رابعاً : عدم جــواز التسمية بملك الملوك .. قال رسول الله:"أخنع الأسماء عند الله يوم القيامة رجلٌ تسمى ملك الأملاك، لا مالك إلا الله" .. ومعنى أخنع: أوضع اسم وأذله. قال ابن بطال "وإذا كان الاسم أذل الأسماء، كان من تسمى به أشد ذلاً".

وقال ابن القيم رحمه الله "ولما كان المُلك الحق لله وحده، ولا مَلِك على الحقيقة سواه، كان أخضع اسم وأوضعه عند الله وأغضبه له: اسم "شاهان شاه" أي: ملك الملوك وسلطان السلاطين؛ فإن ذلك ليس لأحدِ غير الله، فتسميةُ غيره بهذا من أبطل الباطل، والله لا يحب الباطل".

خامساً : الله سبحانه مــالك يوم الدين وملكه .. فالمُلك في ذلك اليوم العظيم لله وحده، لا ينازعه فيه أحد من ملوك الأرض وجبابرتها، قال تعالى {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} .

وَيَقُولُ رَسُولَ اللَّهِ:"يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟" .

ومن الرحمة للخلق أن الله سبحانه هو الملك الوحيد يوم القيامة .. لأنه الذي يحاسب بالعدل، ولايظلم ولا يجور{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}

  يقول تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} .

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثامنة في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :

*ومن الآثار الإيمانية لهذه الأسماء أيضاً

أولا: دعاؤه بها دعاء المسألة ودعاء العبادة:

فالملك، والمليك كيف يكون دعاء المسألة بالنسبة لهذين الاسمين الكريمين؟، أن يقول العبد: اللهم إني أسألك بأنك أنت الملك، كما جاء في صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي، وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)[ أخرجه مسلم، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه (1/534)، رقم: (771).] وقوله –صلى الله عليه وسلم-: (اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا أنت، رب كل شيء ومليكه, أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه)[ أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح (4/316)، رقم: (5067)، والترمذي، أبواب الدعوات عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (5/467)، رقم: (3392).]

وأما دعاء العبادة فكما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم أيضاً يقول -صلى الله عليه وسلم-: (ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الملك، أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟، من ذا الذي يسألني فأعطيه؟، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟، فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر)

[ أخرجه مسلم، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه (1/522)، رقم: (758).]

فيتعبد الإنسان لله -تبارك وتعالى- بالسؤال,ويتعبد أيضاً بالاستغفار، ويتعبد أيضاً بالذكر،ويتعبد أيضاً بالصلاة والعبادة حتى يضيء الفجر، وقد ذهب جماعة من أهل العلم سلفاً، وخلفاً عند الكلام على قوله -تبارك وتعالى{ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} الإسراء: 78، إلى أن المعنى: أن الملائكة تشهده، أعني ملائكة الليل،وملائكة النهار وأيضاً يشهده ربنا -تبارك وتعالى- أخذاً من مثل هذه الروايات "حتى يضيء الفجر"، وهذا الذي ذهب إليه الحافظ ابن القيم -رحمه الله تعالى     [ طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص: 212).]

وأما المالك فإننا ندعو بهذا الاسم دعاء المسألة, كما جاء من حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ -رضي الله عنه-: (ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل دينًا لأدى الله عنك؟ قل يا معاذ: اللهم مالك الملك, تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، رحمن الدنيا والآخرة, تعطيهما من تشاء، وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك)

[ أخرجه الطبراني في المعجم الصغير (1/336)، رقم: (558). ] وهذا حسنه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله .

وأما دعاء العبادة فيما يتعلق بهذا الاسم الكريم فيكون باعتقاد العبد واستشعاره وإقراره, وعمله, وخضوعه حيث يدرك أن الله -تبارك وتعالى- هو الذي يملكه, ويملك ما في يده, وأن كل ما في هذا الكون فهو ملك لله وحده لا شريك له، كل ما في أيدي هؤلاء المخلوقين فهو ملك لربنا, ومليكنا, وخالقنا -جل جلاله-, وهذا الذي في اليد إنما استخلفنا الله -عز وجل- فيه ابتلاء, وامتحاناً لينظر كيف نعمل، {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}الملك: 2، هل نرد هذا الملك والأملاك لمالكها الحقيقي -سبحانه وتعالى-؟ أو أن الإنسان يتعاظم ويفتخر ويتكبر ويتجبر ويقول: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي؟القصص: 78.

وهذا كلام أذكره على سبيل الإجمال, وسيأتي إيضاح ذلك بإذن الله -تبارك وتعالى- بعد قليل في محله، والمقصود أن من علم أن الله -عز وجل- هو الملك وهو المالك فإنه يخضع له الخضوع الكامل، فلا ينازع ربه -تبارك وتعالى- بشيء من ملكه، ولا ينازع ربه -تبارك وتعالى- بشيء من قضائه، ومن دينه، وشرعه

من علم أن الله -عز وجل- هو الملك وهو المالك فإنه يخضع له الخضوع الكامل، فلا ينازع ربه -تبارك وتعالى- بشيء من ملكه، ولا ينازع ربه -تبارك وتعالى- بشيء من قضائه، ومن دينه، وشرعه، الله -تبارك وتعالى- هو الملك فما أجراه عليك من الأقدار، وما يقضيه الله -سبحانه وتعالى- على عبده فينبغي أن يتلقى ذلك بالتسليم, والقبول. 

وكذلك أيضاً ما يحكم به ربنا -جل جلاله- ديناً وشرعاً ليس للعبد أن يعترض، وأن يتمنع، أو يجحد، أو يستنكف من حكم الله -جل جلاله-، وإنما ينقاد ويذعن,سمعنا وأطعنا: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } النور: 51.

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ

 الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } الأحزاب: 36. فما تقول المرأة: لماذا نحن في الحجاب؟ لا تقول المرأة :    لماذا القوامة للرجل؟ لا تقول المرأة : لماذا يحثنا الشارع على البقاء في البيوت، {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ؟} الأحزاب: 33، ولا يعترض أحد على شيء من أحكام الله -عز وجل- التي قد لا توافق هواه بوجه من الوجوه .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة التاسعة في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*ومن الآثار الإيمانية لهذه الأسماء أيضاً

ثانياً: أن يكون الله -جل جلاله- هو ملاذنا ومعاذنا :

نلجأ إليه وحده -تبارك وتعالى- دون أحد سواه، إذا أدرك العبد أن الله -جل جلاله- هو الملك، وهو المالك, وأن الملك جميعاً بيد الله -عز وجل- فإنه لا يبتغي أحداً سوى الله -عز وجل- من أجل أن يمنحه، أو أن يعطيه, أو أن يسد حاجته، أو أن يمنعه من المخلوقين حال المخاوف, وإنما يمتنع باستعاذته واستجارته, والتجائه بربه ومليكه الذي لا غنى له عنه بحال من الأحوال.

فالله -تبارك وتعالى- يجود ويعطي، ويمنح، الله يعيذ وينصر، ويغيث، فيجب أن يلوذ به اللائذون، وأن يستجير به المستجيرون، وأن يتوجه إليه المضطرون, وأن يقصده وحده لا شريك له أصحاب الحاجات والفقر والفاقات، وأن يعلقوا قلوبهم بالله وحده لا شريك له

      يا مَن ألوذ به فيما أؤمـــــــلهُ***ومَن أعوذ به مما أحاذرهُ

الملوك يحتاجون إلى غيرهم, والله -تبارك وتعالى- غني عن كل من سواه، فالفقير لا يلاذ به, ولا يستعاذ به, ولا يستجار به, إنما الذي يستحق ذلك هو الذي يملك أزمّة الأمور، هو الذي يستطيع أن يرفع عنك الضر، وأن يمنعك من كل أمر مخوف، هو الذي يستطيع حمايتك, وكفايتك، فتوكل عليه، وفوض أمرك إليه, وأما إذا علقت قلبك بأحد سواه -جل جلاله- فإن الله -عز وجل- يسلمك إلى هذا الذي توكلت عليه، ولجأت إليه، عندئذ يكون الخذلان العظيم الذي لا يقادر قدره.

فمن توجه إلى ربه ومليكه -جل جلاله- حصل له مقصوده ومطلوبه من النصر, والقوة, والإعانة وألوان اللذات, والمتع والأمور التي يبتغيها الناس في مطالبهم الدنيوية والأخروية.

وبناءً على ذلك أقول: لا يصح أن يتوكل الإنسان إلا على الله وحده لا شريك له، ولهذا جاء التقديم للمعمول، أو للجار والمجرور في قوله -جل جلاله-: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا المائدة: 23، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ آل عمران: 122.

وهذا يفيد الحصر، فالتفويض لا يكون لأحد سوى الله -جل جلاله-، وهكذا الضراعة، إنما ينكسر الإنسان ويتضرع ويتخشع بين يدي الملك الجبار العظيم الأعظم -جل جلاله-، ولا يخضع للمخلوقين, ولا ينكسر للمخلوقين، قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آل عمران: 26.

قال ابن عيينة: دخل هشام الكعبة، فإذا هو بسالم بن عبد الله، فقال: سلني حاجة.

قال: إني أستحيي من الله أن أسأل في بيته غيره. فلما خرجا، قال: الآن فسلني حاجة.

فقال له سالم: من حوائج الدنيا، أم من حوائج الآخرة؟ فقال: من حوائج الدنيا.

قال: والله ما سألت الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها     [ سير أعلام النبلاء (4/466).]

وقال أحد الملوك لأحد الصالحين: ألك حاجة؟ قال: نعم, قال: ما هي؟ قال: تطعمني إذا جعت؟، قال: أجل، قال: تسقيني إذا ظمئت؟، قال: نعم, قال: وتشفيني إذا مرضت؟، فقال: ألتمس لك الأطباء، فقال: تحييني إذا مت؟، قال: ليس ذلك إليّ، فقال له: لم سألتني عن حاجة لا تقدر على قضائها؟!.

فالإنسان إذا عرف أن الله هو الملك المالك حقيقة فإن قلبه يطمئن إليه، ويركن إليه؛ لأنه هو الذي يملك خزائن السموات والأرض، فلا يسأل عند الحاجة إلا الله.

استغن عمن شئت تكن نظيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره[ مجموع الفتاوى (10/185).]                                                                                           فلا يأسرك أحد من المخلوقين، والإحسان إلى الناس لا شك أنه يأسرهم ويخضعهم، فينبغي أن يكون انكسارنا, وافتقارنا وتوجهنا إلى الله وحده لا شريك له, وبهذا يعيش الإنسان رافع الرأس عزيزاً لا يخضع إلا لله -جل جلاله.

وفي وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس -رضي الله عنهما-: (يا غلام، أني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)[ أخرجه الترمذي، أبواب صفة

القيامة والرقائق والورع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (4/667)، رقم: (2516).]

فلا يوجد في هذا الكون أحد يستطيع أن يحول بينك وبين درهم واحد من الرزق كتبه الله -عز وجل- إليك, ولا يستطيع أحد بهذا الكون مهما عظمت قوته ومكانته أن يحول بينك وبين لحظة من العمر قد كتب الله -عز وجل- لك أن تعيشها.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة العاشرة في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*ومن الآثار الإيمانية لهذه الأسماء أيضاً

  يا لها من معانٍ لو أن القلوب تشرّبتها، وآمنت بها حقيقة، وعملت بمقتضاها, وإذا كان القلب خاوياً فإنه يضعف ويخاف من كل شيء، حتى من الأمور غير المخوفة, حتى ممن لا يملك له شيئاً ولو على سبيل المجاز مما يضاف إلى المخلوقين. 

لا تخضعنّ لمخلوقٍ على طمعٍ *** فإن ذلك وهنٌ منك في الدينِ

واسترزق اللهَ مما في خزائنه *** فإنّ رزقك بين الكاف والنونِ

وقد سئل شقيق البلخي –رحمه الله- عن سبب توبته, فقال:

كنا في سنة جدباء، والناس في قحط وبلاء، فرأيت غلاماً يمرح ويضحك, فقلت له: ألا تخشى الفقر والجوع؟ فقال: إن سيدي عنده قرية, وفيها بستان مليء من كل الثمار، فعلام أخاف وأحزن؟، يقول: فقلت: إن هذا العبد لا يستوحش؛ لأن مخدومه يملك بستاناً، فكيف أستوحش وأحزن وربي يملك خزائن السموات والأرض؟

يقول: فكان ذلك سبباً لتوبتي وأوبتي وعودتي إلى الله -جل جلاله-.

    من الناس من قد يكون أبوه، أو من يعينه ويحميه من المُطاعين من الملوك والكبراء, ونحو ذلك، فلربما يتصرف تصرفات غير محسوبة؛ لأنه يثق بحمايته, فالمؤمن الذي أطاع الله -عز وجل- واتقاه وآمن به، وخافه وعبده كما أمره ينبغي أن ينطلق، وأن يعمل في مرضاة الله -عز وجل- وطاعته، وأن يدعو إلى سبيله من غير وجل، ولا خوف، ولا تردد، وأن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، وينصح للناس بالحكمة, والموعظة الحسنة، وأما الخوف الذي يملأ القلوب فإن ذلك من نقص اليقين والثقة والمعرفة بالله -جل جلاله.

وهكذا ما يقع في القلوب من اليأس أو القنوط، إنما يكون ذلك من ضعف صلتنا بالله -جل جلاله-، ومن قلة معرفتنا به، وهكذا الأحزان التي تغمر الكثير من القلوب، المخاوف التي تنتاب الناس، القلق في هذه الحياة, لماذا يقلق الإنسان والله -تبارك وتعالى-هو سنده،وهو ناصره إذا كان مطيعاً؟, ولذلك فإن العبد على قدر طاعته وإقباله على الله -عز وجل-, وعلى قدر معرفته به يحصل له من الانشراح وسعة الصدر, ولو كان لا يملك شيئاً من الدنيا؛ لأن عنده الثقة، وراحة الضمير والطمأنينة، وقد يملك الإنسان المليارات، وهو في غاية الهلع والجزع والخوف, يخشى من وقوع حرب، أو تغير الأحوال الاقتصادية، أو تغير أسعار العملات، أو أسعار الذهب، أو أسعار الأسهم،ثم بعد ذلك يخسر خسارة فادحة,ولهذا تجد أن هؤلاء تقف قلوبهم،ولربما تتوقف الدماء في عروقهم بسبب وقع مثل هذه الأمور المتغيرة ، فتسمع عن هذا أنه مات وأن هذا قد مرض , وأن هذا قد أصيب بجلطة ونحو ذلك مما يقع فيه بعض من قلت معرفته بالله جل جلاله ،فالله -تبارك وتعالى- ينبغي أن نقبل عليه، وأن نعرفه بهذه الأسماء الحسنى، فترتبط فيه كل الارتباط، وعندئذ نجد للحياة طعماً آخر، غير ما يجده الكثيرون، فيلتذ الإنسان بالطاعة والعبادة، ويدرك أن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.

ثالثاً: أن نعلم أن الملك الحقيقي لله وحده لا شريك له:

كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا مالك إلا الله)[ أخرجه مسلم، كتاب الآداب، باب تحريم التسمي بملك الأملاك، وبملك الملوك (3/1688)، رقم: (2143).، وفي رواية: (لا ملك إلا لله) أخرجه أحمد، رقم: (10384).]

نعم، بعض المخلوقين قد يقال له: ملك، لكن هل ما يطلق عليه من

 ذلك الوصف، أو الاسم هو نفس ما يطلق على الله -جل جلاله؟

أبداً، إنما الملك الحقيقي لربنا وخالقنا -سبحانه وتعالى-، قد نقول: فلان يملك كذا، فلان يملك داراً, يملك مالاً، لكن هل ملكه لهذه الدار، أو لهذه الأموال كملك الله -عز وجل-؟، الجواب: لا.

فإن ذلك إنما هو بتمليك الله -عز وجل- إياه، من الذي أعطاه هذا الملك؟، بعض قصور السلاطين قد كتب عليها: لو بقيت لغيرك لما وصلت إليك, كيف تحول السلطان إليه فصار أميراً، أو ملكاً، أو خليفة؟، لمّا انتقل من غيره، لما سُلب ذلك الإنسان الذي قبله ملكه، وصار إلى الفناء والعدم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: ومن الآثار الإيمانية لهذه الأسماء

وهكذا الأموال التي في أيدينا من أين جاءت؟ أين الملوك الذين كانوا في القرون الماضية؟ ليس في أيديهم شيء، أُدخلوا إلى قبورهم, وليس معهم شيء سوى الأكفان، فتتحول هذه الأموال إلى من بعدهم.

وما في أيدينا قد استخلفنا الله عليه, ثم بعد ذلك سيُنزع منا وسيصير إلى غيرنا كما صار إلينا من غيرنا، فهذه سنة الحياة.

فالملك الحقيقي لله -عز وجل-، فهو الذي يعطي ويمنع، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، والله -جل جلاله- أنكر على المشركين حينما عبدوا غيره، وأنه هو الملك -سبحانه وتعالى- الذي ينبغي أن تخضع الرقاب والأعناق إليه دون من سواه.

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَالنحل: 73، وقد يتذلل الإنسان، ويكون عبداً لغيره وإن لم يسجد له، أو يركع، أو يصلِّ، أو يصوم، أو يذبح، أو يطوف, قد يكون عبداً لمن يعتقد أن قراره بيده، بعض الموظفين قد يكون عبداً لمديره في المؤسسة، أو الشركة يعصي الله -عز وجل- بسببه، ويترك أمر الله بسببه، كل ذلك خوفاً على ماله, على وظيفته، على رزقه، ولربما كان يطمح أن يعطيه، أو أن يوليه، أو نحو ذلك، فيتزلف إليه، ويتقرب إليه، ويُخضع نفسه، ويذلل قلبه وبدنه لهذا المخلوق الضعيف وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ النحل: 73.

قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ المائدة: 76، ولهذا يقول الله -عز وجل- للمشركين: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ } سبأ: 22، من معين.

{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ}فاطر: 13،هذا الجزء اليسير في النواة لا يملكونه, فكيف بما هو أعظم من ذلك؟!, وإنما الذي يملك خزائن السموات والأرض هو الله وحده لا شريك له، فهو الذي يرزق ويعطي، وهو الذي يملك الموت والحياة والنشور والنفع والضر، وإليه يرجع الأمر كله، هو الذي يملك جميع الممالك العلوية والسفلية، وكل من في هذا الكون فإنما هو مملوك عبد مفتقر إلى الله -عز وجل- كل الافتقار.

يقول أبو الدرداء -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى:{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } الرحمن: 29: من شأنه أن يغفر ذنبًا، ويفرج كربًا، ويرفع قومًا، ويخفض آخرين[ أخرجه أحمد (16/247)، رقم: 10384]

والله يقول: {وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } البقرة: 247، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا تسبوا الدهر، فإن الله -عز وجل- قال: أنا الدهر، الأيام والليالي لي، أجددها وأبليها، وآتي بملوك بعد ملوك)     [ أخرجه أحمد (16/272)، رقم: (10438).]

وقد يغفل الإنسان عن هذه المعاني أحياناً، وإذا حصل بيده شيء إما من المُلك، وإما من الأعيان التي ملكها فقد يتعاظم على الناس، ويظن أنه أعلى درجة منهم، وأنه يملك لهم نفعاً، أو ضرًّا، هذا فرعون نادى في قومه، قال: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ الزخرف: 51، ومرة دعاهم: فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى النازعات: 23، 24.

لما رأى هذه الأموال والقصور، والأنهار، والزروع، والثمار، والبشر الذين يطيعونه ويخضعون له، تعاظم هذا التعاظم فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَالزخرف: 54، فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَالزخرف: 55، 56.

فالله -تبارك وتعالى- جعل إهلاكه عبرة كما قال الله -عز وجل{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى}النازعات: 26.

فكل من سولت له نفسه أن يتعاظم تعاظماً لا يليق بمثله، فعليه أن يتذكر هذه السنن السالفات، والمَثُلات التي أوقعها الله -عز وجل- بهؤلاء الذين تعاظموا وانتفشوا وتعدوا طورهم، وفعلوا شيئاً أو قالوه مما لا يصلح لأمثالهم.                                                  إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: ومن الآثار الإيمانية لهذه الأسماء

  الله هو الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما، وإليه المصير، فقد سُئل أعرابي يملك قطيعاً من الإبل، لمن هذه؟ قال: هي لله في يدي.

وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن الحق، هذا البيت الذي تملكه، وهذه المؤسسة، وهذه التجارة، وهذا الدكان، وهذه السيارة، وهذه المراتب والشهادات والوظائف، وغير ذلك مما يطرب له كثير من الناس، كل ذلك إنما هو ملك لله -عز وجل- قد وضعه بين يدك مؤقتاً، لينظر كيف تعمل، كما يضع الإنسان أحياناً بيد ولده يريد من ذلك أن يرى تصرفه بهذا المال، كيف يصنع به، ثم يحاسبه بعد ذلك على ذلك الصنيع إذا أساء استعمال هذا المال، هذا الطبيب الحاذق الذي لربما يتعلق به الكثيرون، ويظنون أنه ينجيهم، وأنه قادر على أن يخلصهم من مرض عضال حل بهم، قد يتوقف عرق في رأسه، أو في قلبه، أو غير ذلك، ثم يتحول إلى جثة هامدة، لربما بقي هكذا سنوات، الذين يرحمونه لربما يتمنون الموت له من أجل أن يستريح.

الملك لله -عز وجل- مهما كانت مقدراتنا، مهما كان ذكاؤنا، مهما كانت

 أموالنا، ومراكبنا, مهما كان عندنا من الخدم, مهما كان عندنا من القصور، مهما كان عندنا من الأعوان، فينبغي أن نعرف أنها عارية، وأن المسألة مسألة وقت، طال أو قصر، لا ندري قد يموت الإنسان في لحظته هذه، ثم ينتهي كل شيء، لا يبقى معه شيء، فإذا صارت للإنسان ولاية،أو إدارة،أو صارت له أملاك, وأموال، فينبغي أن يتطامن.

من الناس -كما قال ابن القيم -رحمه الله- من يعجب من صاحبه الذي صارت له ولاية، كيف تحولت حاله وتغيرت أموره! فصار يترفع على أقرانه، وأصحابه، وإخوانه، وأخدانه، وتنكّر لهم غاية التنكر، كيف حصل هذا؟!.

يقول: فمثل هؤلاء قد يعظونه، وينصحونه، ويقول: الواقع أن هذا في حال من السكر، سكر الرئاسة أعظم من سكر الخمر[ انظر: بدائع الفوائد (3/132).]

فكثير من الناس قد يتعاظم، قد يتغير تماماً إذا حصل له شيء من ذلك، هؤلاء مجموعة من الزملاء رشحوا صاحبهم ليكون رئيساً عليهم في هذه المدرسة، لربما يرون حالا أخرى تماماً، ما الذي غيره؟!.

أقول: الإنسان العاقل المؤمن يتطامن، مهما حصل له من الولايات،

 فإنه لا يغتر، سواءً كنت أميراً، أو وزيراً، أو مديراً، أو كنت تملك

 أموالاً طائلة، فينبغي أن تخضع لله -عز وجل- وتتواضع للمخلوقين,

 لا ترتفع، فإن رفعتك إنما تكون بتواضعك: (من تواضع لله رفعه)

[أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (8/172)، رقم: (8307)، والبيهقي في شعب الإيمان (10/455)، رقم: (7790).]

وهكذا هذه العين التي نبصر بها يمكن بلحظة أن يسلب الله -عز وجل- عنها هذا البصر, ثم بعد ذلك يتحول حال الإنسان إلى شيء آخر.

وهكذا أيضاً في سائر ما بأيدينا من القوى والقُدر والإمكانات المادية والمعنوية، مهما بلغت مرتبة الإنسان من العلم، فإنه قد يحصل له خلل في عقله، وينسى كل شيء، تموت بعض خلايا المخ، وينسى، إذا قام لحاجة ينسى لماذا قام, بل قد لا يتمكن من معرفة ولده وزوجته، مَن هؤلاء؟, وماذا يريدون؟، ولماذا حضروا؟. لا يعرف أقرب الناس إليه، فلا يغتر الإنسان بعلمه، أو ذكائه الحاد.

وهكذا إذا أعطاه الله -عز وجل- فصاحة في اللسان، فينبغي أن لا يتبجح بهذا، ويكون مذموماً بذلك الصنيع، فالله -عز وجل- قادر على أن يسلبه هذا اللسان بشل عضلته فقط، ثم بعد ذلك لا يستطيع الإنسان أن يتكلم، والله -عز وجل- على كل شيء قدير.

وحينما ينظر الإنسان إلى أمور كثيرة، ويفكر بها يعرف أنه مربوب ضعيف عاجز, الله يقول لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وهو أكمل الخلق: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

 الأعراف: 188.

فلا تظن أنك تستطيع أن تستشرف المستقبل, وبذلك تستطيع أن تأمن من المخاطر الاقتصادية التي لربما يتورط بسببها كثير من الناس، لا تظن أن عندك من المعرفة والعلم ما تستطيع أن تنجو به من الفتن، لا أكثر من اللهج والدعاء (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)[ أخرجه الترمذي، أبواب القدر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن (4/448)، رقم: (2140)]كن مفتقراً إلى الله -جل جلاله- في شئونك كلها.ولا يظن الإنسان أنه بمهاراته الدعوية يستطيع أن يقنع الحجر, وأن يغير من أفكار الناس, وأن يحولهم من الضلال إلى الهدى {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا }الأعراف: 188{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }القصص: 56، فالله -عز وجل- هو الذي يملك القلوب, يأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد، هل ذلك لقلة فصاحته وبيانه أو لتقصير،أو لقلة معرفته وعلمه بالله والدار الآخرة، أو الأساليب المؤثرة في الإقناع أو نحو ذلك؟

الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- هم أعظم الناس بياناً، وأكثرهم نصحاً لأممهم، ومع ذلك تتخلف هذه الهداية إذا كان الله -عز وجل- ما أرادها .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: ومن الآثار الإيمانية لهذه الأسماء

رابعاً: إنما تكون الطاعة المطلقة للمالك المَلِك المعبود -جل جلاله- دون من سواه:لا يجوز لأحد أن يقول: أنا أطيع فيما أؤمر به، ما يأمرني به المخلوق، أبداً، إنما تطيع في غير المعصية، النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)[ انظر المعجم الكبير للطبراني (18/170)، رقم: (381)، والسنة لأبي بكر بن الخلال 1/113، رقم: 58، والآجري في الشريعة 1/380، رقم: 71.]

بعض الناس يعمل في مكان, يعمل في مدرسة, يعمل في مؤسسة, مدير هذه المدرسة يقول له: افعل الشيء الفلاني, وهذا كثيراً ما يسأل عنه الإخوة والأخوات، أمرني بكذا، وأنا أعتقد أنه محرم، وقد أفصل من هذه المدرسة، ماذا أفعل؟ نقول: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

ولا يجوز لك في حال من الأحوال أن تقول: أنا عبد مأمور، أنت عبد الله مأمور من قِبل الله فقط، أما المخلوق فلا يملك ذلك، ولا يستطيع أن يصل إليك بشيء من الضرر إلا ما كتبه الله -عز وجل- لك، ولهذا قال الله -عز وجل- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في أول سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا

حَكِيمًا } الأحزاب: 1.ثم قال له لأن هؤلاء سيناصبونه العداوة، ويسعون للنيل منه, قال: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِالأحزاب: 3، فوض أمرك إلى الله -عز وجل- فلا يستطيع هؤلاء أن يصلوا إليك بمكروه, فهذه تكون قاعدة عند الإنسان: الطاعة المطلقة لمن له الملك المطلق، أما المخلوق فملكه محدد، فإنما يطاع بما يوافق طاعة الله -عز وجل- أو بما لا يكون معصية لله -جل جلاله.إذا أمرك أبوك أو أمك بمعصية، فالطاعة لا تكون بالمعصية، فلابد من تقديم طاعة الملك الحق على طاعة من سواه، ولابد من تقديم حكمه على حكم غيره، فإن طاعته هي أوجب الواجبات.

خامساً: أن يتأدب الإنسان مع هذ الأسماء :

لا يضيف إلى نفسه، ولا يرضى أن يضاف إليه بعض الألقاب التي لا تصلح إلا لله -جل جلاله-.

روى سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أخنعُ اسمٍ عند الله..)، وقال سفيان غير مرة: (أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى بمَلك الأملاك)، قال سفيان: " يقول غيره: تفسيره شاهان شاه[ أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب أبغض الأسماء إلى الله (8/45)، رقم: (6206).]

وفي رواية: (أخنى الأسماء يوم القيامة عند الله رجل تسمى ملك

 الأملاك)[ أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب أبغض الأسماء إلى الله (8/45)، رقم: (6205).]

ومعنى أخنع يعني: أوضع اسم، وأذل اسم. قال أبو عبيد: "الخانع هو الذليل، وخنع الرجل إذا ذل، وقال ابن بطال: وإذا كان الاسم أذل الأسماء كان من تسمى به أشد ذلا، ومعنى أخنى: يعني أفحش اسم، من الخنى، وهو الفحش في القول[ فتح الباري لابن حجر (10/589).]

قال ابن حجر: "استدل بهذا الحديث على تحريم التسمي بهذا الاسم لورود الوعيد الشديد، ويلتحق به ما في معناه، مثل خالق الخلق، وأحكم الحاكمين، وسلطان السلاطين، وأمير الأمراء"[ المصدر السابق]  وذكر بعض أهل العلم: قاضي القضاة.وجاء في رواية عند مسلم: (أغيظ رجل على الله يوم القيامة، وأخبثه وأغيظه عليه رجل كان يسمى ملك الأملاك، لا مَلِك إلا الله)[ أخرجه مسلم، كتاب الآداب، باب تحريم التسمي بملك الأملاك، وبملك الملوك (3/1688)، رقم: (2143).، نسأل الله العافية.

وجاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (اشتد غضب الله على من زعم أنه ملك الأملاك، لا مَلك إلا الله)[ أخرجه أحمد 16/247 رقم:10384، والحاكم في المستدرك (4/306)، رقم: (7724).]

قال المناوي -رحمه الله-: أي أن من تسمى بذلك، ودُعي به، وإن لم يعتقده، فإنه لا ملك في الحقيقة إلا الله، وغيره إنما سمي ملكاً أو مالكاً بطريق التجوز -التوسع في العبارة-، وإنما اشتد غضبه عليه لمنازعته لله في ربوبيته وألوهيته، فهو حقيق بأن يمقته عليه، فيهينه غاية الهوان، ويذله غاية الذل، ويجعله تحت الأقدام في يوم القيامة لجرأته، وعدم حيائه في تشبهه بالله -عز وجل- في هذا الاسم الذي لا ينبغي لأحد سوى الله -جل جلاله-، الذي هو ملك الملوك وحده، وحاكم الحكام وحده، فهو الذي يحكم عليهم جميعاً دون من سواه[ فيض القدير (1/514)]

وذكر الحافظ ابن القيم -رحمه الله-: أن ذلك لمّا كان المُلك الحقيقي لله وحده، ولا مَلك على الحقيقة سواه، كان أخنع الأسماء، وأوضع الأسماء عند الله، وأغضب الأسماء هو شاهٍ شاه[ زاد المعاد في هدي خير العباد (2/311).]

أي: ملك الملوك وسلطان السلاطين، فهذا ليس لغير الله -عز وجل-، وإضافة ذلك إلى المخلوق من أبطل الباطل، وأعظم التجني، وإذا قال الإنسان: قاضي القضاة، فإن قاضي القضاة هو الله -جل جلاله-, قد وُجد بعض من تلقب بذلك في المتأخرين، وأنكره جماعة من أهل العلم، وهو أمر قد وفد إلى المسلمين من الأعاجم.

وقد أنكر ذلك جماعة من أهل العلم، كابن رجب، وابن الجوزي، وابن القيم، بل إن ابن رجب -رحمه الله- اعتبر ذلك من نواقض الإسلام, إذا قيل لإنسان: ملك الملوك، أو قاضي القضاة[ مجموع رسائل ابن رجب (2/550).]

وابن القيم -رحمه الله- فصل في هذا فيقول: لا يجوز لأحد أن يتسمى بأسماء الله المختصة به، وأما الأسماء التي تطلق عليه وعلى غيره، كالسميع، والبصير، والرءوف، والرحيم، فيجوز أن يخبر بمعانيها عن المخلوق، ولا يجوز أن يتسمى بها المخلوق على الإطلاق

لا يجوز لأحد أن يتسمى بأسماء الله المختصة به، وأما الأسماء التي تطلق عليه وعلى غيره، كالسميع، والبصير، والرءوف، والرحيم، فيجوز أن يخبر بمعانيها عن المخلوق، ولا يجوز أن يتسمى بها المخلوق على الإطلاق، بحيث يطلق عليه ما يطلق على الرب -جل جلاله-[ تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 127).]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: ومن الآثار الإيمانية لهذه الأسماء

سادساً: التحاكم إلى الله -جل جلاله-:

لأنه ملك الملوك، فلا يُتحاكم إلي غير الله -عز وجل-: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا النساء: 65.

فلا يجوز أن يُتحاكم إلى أي حُكم سوى حُكم الله -تبارك وتعالى-: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُيوسف: 40، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُون }المائدة: 50. فهو الذي يعلم مصالح الخلق، وما ينفعهم، وما فيه سعادتهم، وفلاحهم، ورشدهم، فلا يجوز أن يتوجه بالتحاكم إلى غيره -جل جلاله-.

سابعاً: أن نعلم أن الله تعالى هو مالك يوم الدين:

قال –عز وجل-: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }الفاتحة: 2 - 4.

فأضاف ملكه -سبحانه وتعالى- إلى يوم الدين؛ لأنه أعظم الأيام، وإذا كان مالكاً لذلك اليوم العظيم فكونه مالكاً لما دونه من الأيام من باب أولى، وأيضاً يمكن أن يقال: لأنه لا يدعي الملكَ في ذلك اليوم أحدٌ سوى الله -تبارك وتعالى-: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ غافر: 16، وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ }الأنعام: 73. {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } الحج: 56،يعني: في يوم القيامة.{يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} غافر: 16.

   وقد جاء في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ الزمر: 67[ أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {وما قدروا الله حق قدره} [الأنعام: 91] (6/126)، رقم: (4811)، ومسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار (4/2147)، رقم: (2786).]

وفي حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- مرفوعاً: (يقبض الله -تبارك وتعالى- الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه, ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟)[ أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه} (6/126)، رقم: (4812)، ومسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار (4/2148)، رقم: (2787).]

وفي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يطوى الله -عز وجل- السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟، ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)[ أخرجه مسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار (4/2148)، رقم: (2788).]{وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا }طه: 108

لا يجرؤ أحد أن يقول: أنا، أو يدعي ملكاً, ومن رحمة الله -عز وجل- بنا أن الملك في ذلك اليوم العظيم -الذي يتقرر فيه المصير النهائي للإنسان- لله الذي هو أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، فلا تُظلم نفس شيئاً، يوفي كل إنسان بما عمل، من غير أن ينقص من حقه قليل ولا كثير، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزلزلة: 7، 8، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فصلت: 46، وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا الأنبياء: 47.

وقد ذكر بعض المفسرين عند كلامه على سورة الفاتحة عند قوله تعالى: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِالفاتحة: 4، ومَلِك يَوْمِ الدِّينِ في القراءة الأخرى المتواترة: أن من أحكام كونه ملكاً أنه ملك لا يشبه سائر الملوك؛ لأنهم إذا تصدقوا بشيء، أو أعطوا أحداً انتقص ملكهم, أما الله -تبارك وتعالى- فملكه لا ينقصه العطاء، والبذل والجود، والإحسان، والكرم، بل يزداد، إذا أعطاك ولداً فإن ذلك يكون زيادة في العطايا, ويكون ذلك زيادة في الملك؛ لأن مماليكه قد زادوا وكثر عبيده، وهكذا حينما يوسع الله -عز وجل- على الإنسان.

وملكه مبني على الرحمة، فالله -عز وجل- قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 2 - 4.

فذكر رحمته، وذكر ملكه, كذلك أيضاً الله يقول: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ الحشر: 22، 23.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: ومن الآثار الإيمانية لهذه الأسماء

  الله تعالى "القدوس" منزه عن الظلم والجور، "السلام" سالم من العيوب والآفات والنقائص، وسلَّم عباده من ظلمه، "المؤمن" الذي يؤمِّن عبيده من جوره وظلمه. كل ذلك يدل على أن ملكه مبني على الرحمة.

وفي قوله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ }الفرقان: 26، فلما أثبت لنفسه الملك، أردفه بأن وصف نفسه بكونه رحماناً، يعني: إن كان ثبوت الملك له في ذلك اليوم يدل على كمال القهر، فكونه رحمانًا يدل على زوال الخوف، وحصول الرحمة.

وفي سورة الناس: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ} الناس: 1 - 3، فذكر أولاً كونه ربًّا للناس، ثم أردفه بكونه ملكاً للناس، وذلك كله يدل على أن الملك الحقيقي لا يكون إلا مع الإحسان والرحمة والعطاء.

ثامناً: أن يكون الإنسان بما في يد الله -عز وجل- أوثق منه مما في يده:

قد يحصل للإنسان أحياناً الثقة بما في يده، والركون إلى ما عنده من رصيد، ومال، أو دار، أو نحو ذلك، مما يمتنع به، أو يركن إلى مخلوق، أو نحو هذا، فإن ذلك لا يليق بمن عرف الله -عز وجل- معرفة صحيحة، وإنما الواجب أن يثق بما في يد الله -عز وجل- أعظم من ثقته بما في يده، وما حصل له من الأموال والأعراض.

جاء عن حاتم الأصم أنه كان صائماً يوماً، فلما أمسى قُدم إليه فطوره، فجاءه سائل، فدفع إليه ذلك الطعام، فأُهدي إليه – أي لحاتم- طبقٌ عليه كل ألوان الأطعمة، فأتاه سائل فدفع إليه كل ذلك, ثم بعد ذلك وصلته دنانير، فلم يتمالك أن صاح الغوث من الخَلَف، يعني: تتابع عليه الخلف والعوض، فصاح بأعلى صوته، قال: الغوث من الخَلَف، وكان من جيرانه رجل يقال له: خلف, فذهبوا إليه وجاءوا به، وقالوا: ما صنعت بالشيخ أتؤذيه؟ والرجل فزع لا يدري لماذا تأذى منه جاره؟ فجاء إليه يعتذر، فجاءوا به إليه، فقال: إني لم أعنه، وإنما عجزت عن شكر الله -عز وجل- على ما يعاملني به من الخلف، فكلما أنفقت شيئاً أعطاني الله -عز وجل- خيراً منه[ الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى

وصفاته، للقرطبي، ص: (377).]

فثق بما في يد الله -عز وجل- أعظم مما تثق بما في يدك، قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا)[ أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى...} [الليل: 6] (2/115)، رقم: (1442)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب في المنفق والممسك (2/700)، رقم (1010).] فالعوض من الله -تبارك وتعالى .

تاسعاً: أن نخرج من حولنا وطولنا، وقوتنا:

فنحن ضعفاء، ينبغي أن نعرف حالنا، وعجزنا، وضعفنا، فلا يقول الإنسان: حصل كذا، أو لي كذا، أو مني كذا, ويحذر من طغيان "أنا"، ومن التعاظم، فهذه الألفاظ ابتلي بها إبليس، وفرعون، وقارون.

هذا يقول: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ }الأعراف: 12، يعني: إبليس، وفرعون يقول: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَالزخرف: 51، {وقارون يقول: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي }القصص: 78.

فابتعد عن هذه الأشياء، وإذا استعمل الإنسان كلمة "أنا" فليقل: أنا العبد المذنب المخطئ, المستغفر، الضعيف، المعترف بعجزه.

وإذا قال: "لي" فليقل: أنا لي الذنوب, ولي الجرم, ولي المسكنة,

ولي الفقر، والذل بين يدي الله -عز وجل-.

وإذا قال "عندي" يقول: (اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطاياي وعمدي، وكل ذلك عندي)[ أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت (8/85)، رقم: (6399)، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل (4/2087)، رقم: (2719).]

فلا يجلس مع الناس، ويتحدث أنا كذا, وأنا كذا, وعندي كذا, وعندي كذا، بعض الناس إذا سمعوا أحداً بهذه الطريقة، أو رأوا حاله تدل على هذا, قالوا: الملك لله، يعيبون عليه فعله.

يعني: كأن هذا الإنسان ما عرف أن الله -تبارك وتعالى- هو مالك الملك, فلماذا يفرح بنفسه ويتعاظم هذا التعاظم ويفتخر؟!.

وبين كل جملة تقرأ أشياء، وبين السطور تجد تلك الرسائل التي يريد أن يوصلها إلى الآخرين، أنا أملك كذا, وعندي كذا,ورصيدي كذا، والناس الذين يحتاجون إليّ كذا وكذا، ونحو ذلك، هذا كله ما يليق.

أنا ضعيف, ولا يحتاج إليّ أحد, ولا عندي شيء, ولا لي شيء, ولا مني شيء، إنما لي الضعف، ومني العجز، ولي المسكنة.

ومن عرف أن الله -عز وجل- هو الملك والمالك ما يغتر بما عنده مهما اتسعت أملاكه، ومهما تعاظمت قدراته وذكاؤه ومهاراته، أبداً، فيقول: أنا ضعيف، وكل ما عندي إنما هو من الله -عز وجل- فضل لو شاء سلبني إياه، وكنت كغيري من الناس الذين لا يملكون شيئاً من ذلك.  والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.

[ الأنترنت – الموقع الرسمي للدكتور / خالد السبت]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:

ومن الآثار الإيمانية بهذه الاسماء الكريمة

أولاً :أنه فعَّال لما يريد :

1- قال ابن القيم : الملك الحق هو الذي يكون له الأمر والنهي فيتصَّرف في خلقه بقوله وأمره

قال تعالى :{ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ يس : 82

فالملك الحق هو اللَّه جل جلاله ، فكل شيءٍ تحت قهره ويحدث بقَدَرِه ويتحرك بأمره كما جاء في الحديث القدسي أن أبا ذر رضي اللَّه عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى : (( أفعل ما أريد ، عطائي كلام ، وعذابي كلام ، إنما أمري بشيءٍ إذا أردته أن أقول له كن فيكون )) . فقد ملك اللَّه كل شيءٍ بأمره ونهيه وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك :

2- في خلق السماوات والأرض :

عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } [ فصلت : 11 ] . قال للسماء : (( أخرجي شمسك وقمرك ونجومك )) ، وقال للأرض : (( شقِّقي أنهارَك وأخرجي ثمارك )) . فقالتا : أتينا طائعين "أخرجه ابن المنذر والحاكم وصححه ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس

3- في خلق آدم وذريته :

قال تعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ آل عمران ] .

3- في نجاة إبراهيم عليه السلام من النار :

فعندما كسَّر الأصنام التي تُعبد من دون الله أراد قومه أن يحرقوه ، فلما ألقوه في النار ما بعث الله ريحًا لتطفئها ولا ماءً ليخمدها ولا ملكًا ليُخرج إبراهيم ، إنما تكلم بكلمة إلى النار فخضعت لأمر الملك الجبار ، قال تعالى : { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ } [ الأنبياء : 69 ] .

4- في عقوبة أصحاب السبت :

لما اعتدى أصحاب السبت واحتالوا على أمر الله فاصطادوا يوم

السبت عاقبهم الله ولكن بِمَ عاقبهم ؟ عاقبهم بكلمة منه ، كلمة غيرت حياتهم وصورتهم وآخرتهم إلى أبشع حال ، فأما صورتهم فتحولت إلى صورة القرود ونهايتهم في جهنم وبئس الورد المورود ، وذلك جزاء ناقض العهود ، إنهم اليهود ، قال تعالى : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 65، 66 ] .

وقال تعالى : { فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [ الأعراف : 166 ] .

سبحان الملك ، بكلمة منه أصبحوا قردة ، فإن الأجساد ملك لله فهو خالقها ومدبرها ورازقها وملكها وهي تدين له بالولاء والطاعة كبقية مخلوقات الله ، فعندما قال لهم : كونوا قردة استقبلت أجسامهم الأمر فأصبحت أجسام قردة واستقبلت أيديهم وأرجلهم الأمر فأصبحت أيدي وأرجل قردة ، بل وقلوبهم أصبحت قلوب قردة ، كما قال مجاهد .

سبحان الله ، أجسامهم بين أيديهم وقلوبهم في أجوافهم ولا يملكون منها مثقال ذرة ويملكها الله عز وجل من فوق سبع سموات بكلمة واحدة ، { فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } .

ثانياً : ذُلَّ الملوك بين يدي ملك الملوك جل جلاله وتقدست أسماؤه :

فإن ملوك الأرض قد أختصوا في الدنيا بالعزة والمنعة والسلطان والقوة وهذه نعمة من الله عليهم فمن شكرها فقد فاز .ومن كفر تلك النعمة ولم يؤد شكر هذه الخصوصية اختصه الله بعذابٍ من عنده ، والجزاء من الجنس العمل ، فمن ذلك .

1- غَلْقُ أبواب السماء دون حاجتهم :

فإن اللَّه عز وجل قد جمع لهم أسباب الحكم والعطاء وجعل بيدهم خزائن الأرض فمن حجبها عن الضعفاء والمساكين حجب الله عنه ما ينفعه وعطل عليه حاجته .

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما من إمام أو والٍ يغلقُ بابه دون ذوي الحاجة والخلة ، والمسكنة ، إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته ، وحاجته ومسكنته ))

2- احتجاب الله عنهم يوم القيامة :

فمن ملك من أمر الناس شيئًا تَطَلَّعوا إليه ورجوا ما عنده فإن حجب نفسه عنهم وحرمهم مما يرجون احتجب اللهُ عنه يوم القيامة وحرمه مما يرجو من النجاة .

فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : (( من ولي من أمور المسلمين شيئًا فاحتجب دون خلتهم ، وحاجتهم ، وفقرهم ، وفاقتهم ، احتجب الله عنه يوم القيامة دون خلته وحاجته ، وفاقته ، وفقره ))

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا يزكيهم ، ولا ينظر إليهم ، ولهم عذاب أليم : شيخ زانٍ ، وملك كذَّاب ، وعائل مستكبر ))

3- يأتي الملوك إلى الله مغلولة أيديهم إلى أعناقهم :

فكما كانوا أحرارًا طلقاءً في الأرض لا يسئلهم أحدٌ من الخلق ولا يتقيدون في حركتهم كبقية الرعية فإنهم يأتون يوم القيامة مغلولين إلى الله عز وجل .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى اللَّهَ مغلولة يده إلى عنقه ، فكَّه بره أو أوثقه إثمه ، أولها ملامة ، وأوسطها ندامة ، وآخرها خزيٌ يوم القيامة ))

4- ويُحْرمون من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم :

فكما أن الظلمة من ملوك الأرض ظلموا الناس حقوقهم ، ولم يعدلوا فيهم بشرع الله ولم يَشفع عندهم ضعف الرعية ومسكنتهم فإنهم يُحْرَمُون من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم .

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( صنفان من أُمتي لن تنالهما شفاعتي : إمام ظلوم غشوم ، وكل غالٍ مارق ))

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

  إن ملوك الأرض قد أختصوا في الدنيا بالعزة والمنعة والسلطان والقوة وهذه نعمة من الله عليهم فمن شكرها فقد فاز .ومن كفر تلك النعمة ولم يؤد شكر هذه الخصوصية اختصه الله بعذابٍ من عنده ، والجزاء من الجنس العمل ، فمن ذلك .

5- لا يدخلون الجنة :

فكما أن الأمن والعدل يكون نعيمًا للضعفاء والمساكين ، بل ولكل الرعية وقد حرمهم منهم الملك الظالم وغشهم وضيع مصالحهم فإنه يُحرم من دخول الجنة .

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما من عبد يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت ، وهو غاش لرعيته ، إلا حرَّم الله عليه الجنة ))

6- وهم أشد الناس عذابًا :

فإن أشد الظلم ما كان من ولي الأمر وأعظم الألم من الجور هو ألم تعذيبه لما له من قوة وما عنده من سلطان ، فإن عذَّب الناس لا يجدون من بطشه مفرًا إلا إلى الله ، ولذلك فإن الظالم من الملوك لن يجد مفرًّا من النار . فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أيما راعٍ استرعى رَعِيَّة

 فَغَشَّها فهو في النار ))

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أشد الناس يوم القيامة عذابًا إمام جائر ))

وعن حذيفة رضي اللَّه عنه : (( يؤتى بالولاة يوم القيامة عادِلِهمْ وجائِرِهِمْ ، حتى يقفوا على جسر جهنم ، فيقول اللَّه عز وجل : فيكم طلبتي ، فلا يبقى جائرٌ في حكمه ، مُرتشٍ في قضائه ، مميلٌ سَمْعَه أحدَ الخصمين إلا هوى في النار سبعين خريفًا ، ويؤتى بالرجل الذي ضرب فوق الحد فيقول اللَّه : لم ضربت فوق ما أمرتك ؟ فيقول : يا رب ، غضبت لك . فيقول : أكان لغضبك أن يكون أشد من غضبي ؟! ويُؤْتى بالذي قصَّرَ فيقول : عبدي لِمَ قصرت ؟ فيقول : رحمته ، فيقول : أكان لرحمتك أن تكون أشدَّ من رحمتي ؟! ))

ثالثاً: الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ

قال تعالى : { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] ، وهو يوم القيامة الذي يزول فيه كل مالك ومملوك إلا ملك الملوك جلَّ جلاله . قال تعالى : { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ } [ الفرقان : 26 ] .

وعن سهل بن سعد قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( يُحْشَرُ الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقىِّ ، ليس فيها عَلَمٌ لأحد )) ، ليس عليها مملكة لملك ، ولا سلطنة لذي سلطان ، ولا قوة لحاكم ، ولا حكم لقاضي ، ولا قدرة لوالي ، ليس على الأرض معلم لذي عرش ولا تاجٍ ولا صولجان ، و{ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ } .

وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة ، ويطوي السماء بيمينه ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض ))

فقد ذهب الملوك وما ملكوا ، وقد فني الحُكَّام ، وما حكموا ، فقد هلك كسرى وقيصر ، وذي يزنٍ ، وساسان ، و{ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ } .

ولله درُّ القائل :لكل شيءٍ إذا ما تم نقصان ****  فلا يُغرَّ بطيب العيش إنسان

               هي الأمور كما شاهدتها دولٌ  **** من سرَّه زمن ساءته أزمان

              وعالم الكون لا تبقى محاسنه    ****ولا يدوم على حالٍ لها شان

            أين الملوك ذوُو التيجان من يمنٍ  **** وأين منهم أكاليل وتيجان

          وأين ما شاده شدَّاد من إرمٍ   ****  وأين ما ساسه في الفرس ساسان

           وأين ما حازه قارون من ذهب  ****   وأين عادٌ وشدادٌ وقحطان

               أتى على الكل أمرٌ لا مَرَدَّ له  **** قَضَوْا فكأن الكل ما كانوا

      وصار ما كان من مُلكٍ ومِنْ مَلِكٍ  *** كما حكى عن خيال الطيف وسنان

           دار الزمان على (( دَارَا )) وقائله  ****  وأَمَّ كسرى فما آواه إيوان

             كأن الصعب لم يسهل له سببلا **** ومًا ولم يملك الدنيا سليمان

رابعاً : النهي عن التسمية بملك الملوك :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أخنع اسمٍ عند اللَّه )) . وقال سفيان غير مرة : أخنع الأسماء عند الله (( رجل تسمى بملك الأملاك )) . وفي رواية : (( أخنى الأسماء يوم القيامة عند اللَّه رجل تسمى بملك الأملاك ))

قال سفيان : مثل شاهان شاه : أي ملك الملوك باللغة الفارسية .

فنبه سفيان على أن الاسم الذي ورد الخبر بذمه لا ينحصر في ملك الأملاك بل كل ما أدَّى معناه بأي لسان كان فهو مراد بالذم

ومعنى أخنع : أي أوضع اسم وأذله قال أبو عبيد : الخانع الذليل وخنع الرجل ذلَّ .

قال ابن بطال : وإذا كان الاسم أذل الأسماء كان من تسمى به أشد ذُلاً حتى أخنى : أي أفحش اسم من الخنا وهو الفحش في القول .

وجاء في رواية مسلم : (( أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه ))

قال ابن حجر : واستدل بهذا الحديث على تحريم التسمي بهذا الاسم لورود الوعيد الشديد ، ويلتحق به ما في معناه مثل خالق الخلق وأحكم الحاكمين وسلطان السلاطين وأمير الأمراء

وأخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة أيضًا قال : قال

 رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اشتد غضب الله على من زعم أنه ملك

الأملاك لا ملك إلا الله ))

خامساً : أن يتواضع العبد لمالكه :

فإن من عرف أن اللَّه هو الملك الحق ، فلا بد له من أن يتواضع ولا يرفع نفسه فوق منزلة العبيد حتى لو كان من الملوك فإنه لا يعدو كونه عبدًا فقيرًا يقع تحت قهر الله وسلطانه .وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ، ثم يقول : أنا الملك ، أين الجبارون ، أين المتكبرون ... )) . فبماذا يجيب الجبارون والمتكبرون بعد هذا النداء ؟ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس تواضعًا لربه ، ومن أجل ذلك اختار أن يكون عبدًا رسولاً وأبى أن يكون ملكًا نبيًا . وعن أبي هريرة قال : جلس جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنظر إلى السماء ، فإذا مَلَك ينزل ، فقال جبريل : (( إن هذا الملك ما نزل منذُ يوم خُلِقَ قبل الساعة ، فلما نزل ، قال : يا محمد ، أرسلني إليك ربك ، قال : أفَمَلِكًا نبيًا يجعلُك أو عبدًا رسولاً ؟ قال جبريل : تواضع لربك يا محمد ، قال : بل عبدًا رسولاً )وقالت عائشة رضي الله عنها : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئًا يقول:( آكل كما يأكل العبدُ، وأجلس كما يجلس العبدُ )

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثامنة عشرة في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: آثار الإيمان بهذه الأسماء

سادساً : أن لكل ملك حِمَى ، وحمى ملك الملوك محارمه :

فإياك ومعصية اللَّه عزَّ وجلَّ فإنها منطقة خَطيرة ، وبقعة وَعِرة ، فمن ارتكب شيئًا من محارم اللَّه فقد تعدى حدَّه وعرَّض نفسه لعقوبة الملك ، فمن أراد لنفسه النجاة فليتقى عقوبة الملك باجتناب محارمه .

فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : معت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن الحلال بَيِّـنٌ وإن الحرامَ بَيِّـنٌ ، وبينهما مشتبهات لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس ، فمن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحِمَى يُوشك أن يرتع فيه ، ألا وإن لكل ملكٍ حِمَى ، ألا وإن حِمَى اللَّه محارمه ... ))

وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتركون ثلاثة أرباع الحلال خشية الحرام ، وكان ابن ععمر يقول : (( أُحب أن أجعل بيني وبين الحرام حائلاً من الحلال )) ، وجاء في بعض الحديث : (( لن يبلغ العبد أن يكون تقيًا حتى يدع ما لا بأس به خشية مما به بأس )) .

سابعاً : ليس كمثله شيء في ملكه :

1 - ملك الخلق سببي وملك الله ذاتي :

فإن الخلق لا يكونوا ملوكًا إلا بأسباب الملك ، فلا بد له من مملكة يملكها أو ناس يحكمهم ، ولا بد له كذلك من أعوانٍ على ملكه ، فلا بد له من بطانة تحميه ، ووزراء يُشاورهم ، وجنود ينفِّذون أمره على الرعية ، فملوك الخلق يحتاجون إلى ملكهم .

أمَّا اللَّه عزَّ وجل ، فإن ملكه ذاتي لا يحتاج سماوات ولا أرض ولا عرض ولا شيءٍ أبدًا ، فهو الملك قبل الخلق ، وهو الملك بعد الخلق ، وهو الملك بدون الخلق ، وكذلك ليس لله وزير ولا نظير ولا بطانة ، حتى جنود الله فإنهم لا يحمونه ولا يملكون له نفعًا ولا ضرًا ، إنما هو الذي بيده النفع والضر وحده وبيده الملك وحده ، والخلق كلهم لله وبالله ويحتاجون إلى الله ولا يحتاج هو إلى أحدٍ منهم .

ملك الخلق فانٍ ، وملك الله باق :

فإن الفناء قد كُتب على المخلوقات ، فإما أن يفنى المُلك بضياعه من يد صاحبه فتُسلب المملكة من صاحبها أو يزول الملوك أنفسهم عن ممالكهم بالمرض ، أو يجور عليهم من هو أشد قوة من الملوك ، أو يموت ويترك ذلك .

أما الله عزَّ وجلَّ فإنه الحي القيوم ، ملكه ثابت ، لا يتغير ، باقٍ لا يفنى ، دائم لا يزول ، فلا يفارقه ملكه ، ولا يزول عنه بجور جائر ولا بظلم ظالم ، قال تعالى : { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ } ، { وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ } ، فهو صاحب القوة والعظمة والكبرياء ، قال تعالى : { وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } [ البقرة : 165 ] .

وكذلك لا يفارق هو ملكه بالغياب أو الموت ؛ لذلك انظر إلى الحسرة والألم الذي يحدث للملوك عند تركهم المُلك بل والدنيا وما فيها .

فقد حُكي عن هارون الرشيد أنه انتقى أكفانه بيده عند الموت ، وكان ينظر إليها ويقول : { مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } [ الحاقة : 28، 29 ] .

ورُوي عن المأمون أنه افترش رمادًا واضجع عليه وقال : (( يا من لا يزول ملكه ، ارحم من زال ملكه ، ويا من لا يموت ارحم من يموت )) .

2-ملك الدنيا جميعها لا يساوي شيء أمام ملك الواحد القهار

سأل هارون الرشيد بعض العلماء أن ينصحه فقال له : يا أمير المؤمنين ، إذا عطشت وحُبِس عنك الماءُ فكم تساوي شربة الماء عندك ؟ فقال هارون الرشيد : نصف ملكي ، فقال له : وإذا شربتها وحُبِسَت في جسدك فكم يساوي إخراجها ؟ قال : النصف الآخر من ملكي . قال : يا أمير المؤمنين ، اتقي اللَّه في ملك نصفه شربة ماء والنصف الآخر إخراجها . فبكى هارون الرشيد .

*ومن الآثار الايمانية بهذه الاسماء أيضاً :

1- نعلم ان الملك الحقيقي لله وحده لا يشركه فيه أحد ، وكل من ملك شيئاً من الدنيا فإنما هو بتميلك الله له قال عليه الصلاة والسلام : ( لا مالك الاّ الله ) رواه مسلم

- فالله عزوجل يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير

- فالمخلوقات لا تملك شيئا ، لا تملك مثقال ذرة في السموات والارض ، لا تنفع ولا تضر ( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لايملكون مثال ذرة في السموات ولا في الارض  ) ( والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير )

- فالله تبارك وتعالى هو المالك لخزائن السموات والارض ، بيده الخير ، يرزق من يشاء ، وهو المالك للموت والحياة والنشور ، والنفع والضر ، وإليه يرجع الامر كله ، فهم المالك لجميع الممالك العلوية والسفلية ، وجميع من فيها مماليك لله فقراء اليه وهو الواحد الاحد الصمد الغني الحميد

- وهو سبحانه كل يوم في شأن يتصرف في ملكوته كيف يشاء ، فعن ابي الدرداء رضي الله عنه قال ، عن النبي عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى ( كل يوم هو في شأن ) قال : ( من شأنه ان يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع قوماُ ويخفض آخرين ) رواه البخاري معلقاً

- وفي الحديث : ( لا تسبوا الدهر فان الله عزوجل يقول : انا الدهر ، الايام والليالي لي ، أجددها وأبليها ، وآتي بملوك بعد ملوك ) حديث حسن

- ولكن من الناس من يطغى ويظن انه المالك الحقيقي وينسى انه مستخلف فقط فيما آتاه الله من ملك وجاه وعقار ، فيتكبر ويتجبر ويظلم الناس بغير حق ، كما حكى الله سبحانه وتعالى عن فرعون لعنه الله الذي نسي نفسه وضعفها وزعم لنفسه الملك بل الالوهيه فصرخ ( أليس لي ملك مصر وهذه الانهار تجري من تحتي ) وبلغ به الطغيان ان قال ( انا ربكم الاعلى ) فأخذه الله نكال الاخرة والاولى وجعل اهلاكه وقومه عبرة لكل ظالم متكبر من ملوك الارض تفرعن على الناس فيما آتاه الله من ملك ، وظن انه مخلد ، ونسي ان ملكه زائل وأن إقامته في ملكه مؤقته وان الموت مدركه لا محالة ..

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة التاسعة عشرة في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان: آثار الإيمان بهذه الأسماء

2- واذا كان الملك المطلق انما هو لله وحده لا شريك له :

 فمن هو أحق بالطاعة ؟ لاشك ان ان الطاعة المطلقة انما تكون للمالك الحقيقي،لان ما سواه من ملوك الارض انما هم عبيد له وتحت امرته

- فلابد من تقديم طاعة الملك الحق سبحانه على طاعة من سواه ، وتقديم حكم الله  على حكم غيره ، لان طاعته سبحانه أوجب من  طاعة غيره ، بل لا طاعة لاحد الاّ تبعاً لطاعة الله ، امّا معصيته سبحانه فلا سمع ولا طاعة لاي مخلوق فيها ..

- (  كان ابن هبيرة واليا على العراقين في خلافة يزيد بن عبد الملك وكان يزيد يرسل اليه بالكتاب تلو

 الكتاب ويامره بإنفاذ ما في الكتاب ولو كان مجافيا للحق فبعث ابن هبيرة الى الحسن البصري يستفتيه ,هل يجد في دين الله مخرج لانفاذ ما في الكتب ؟

- قال الحسن البصري :يا ابن هبيرة خف الله في يزيد ولا تخف يزيد في الله فان الله يمنعك من يزيد ولكن يزيد لا يمنعك من الله

  يا ابن هبيرة  :  انه يوشك ان ينزل بك ملك شديد قوي لا يعصي الله ما امره فينقلك من سعة قصرك الى ضيق قبرك حيث لا تجد هناك يزيد ، انما تجد عملك الذي خالفت فيه رب يزيد

يا ابن هبيرة :  انك ان تكن مع الله يكفك بائقة يزيد وان تك مع يزيد يكلك الله الى يزيد .....)

3- ان ملك الله عزوجل متلازم مع رحمته سبحانه ، فهو ملك رحمن رحيم ، غير ظالم ، حليم على عبيده ، ساتر لهم على معاصيهم مع تمام ملكه وتمام قدرته ، فإن ملوك الدنيا يدعوهم سعة الملك الى التجبر والطغيان والبطش ، وهم ملوك دنيا مهما عظمت لم تبلغ شيء ، لكن الرب  مالك الدنيا والاخرة وملك الملوك ، ذو القدرة التامة والقوة القاهرة والبطش الشديد  والاخذ الاليم ، مع ذلك فهم رحيم بعباده لا يعاجلهم بالعقوبة ويستر عليهم على ذنوبهم ، ويعفو عن تقصيرهم ،ويقبل منهم الحسنة ويعفو عن السيئه تأمل في قوله تعالى(الرحمن الرحيم ،مالك يوم الدين) وقوله عزوجل (الملك يومئذ الحق للرحمن )

- فأين ملوك الدنيا من ذلك ؟ ان الملك لا يكمل ولا يحسن الاّ مع الاحسان والرحمة ، وانه من لا يرحم لا يُرحم [الأنتر نت – موقع مدونة خطب الجمعة ]

* الآثار المسلكيه للإيمان بهذه الإسماء

أولاً : إن الملك الحقيقي هو الله وكل من ملك شيئاً فإنما هو بتمليك الله له قال تعالى ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء )

ثانياً : كل ملك يؤتيه الله من يشاء من عباده فهو عارية يردها الى المعير وهو الله تعالى ينزع الملك من ملكه تاره فإذا اخذه الله منه فإنما ردت العارية الى مالكها الحقيقي كما قالت ام سليم عندما مات ابنها الوحيد

ثالثاً : ومن الناس من يظن انه إذا ملك المال فهو إنما أوتيه على علم عنده لا كما قال قارون يتكبر على الخلق و يتجبر و يظلم وكما فعل فرعون ( ونادى فرعون في قومه قال يا قوم اليس لي ملك مصر و هذه الانهار تجري من تحتي أفلا تبصرون ) فلا بد للعبد ان يتواضع ان الله اوحى الي ان تواضعوا حتى لا يفخر احد على احد ولا يبغي احد على احد .

فنتائج الكبر امرين : 1- الفخر 2- البغي

وفي الحديث ( ما تواضع احد لله الا رفعه ) وفي صحيح مسلم ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر اليهم ولهم عذاب اليم

شيخ زان و ملك كذاب و عائل مستكبر ، ما السبب ؟ لأن الكبر من خصائص الله و لأن الملك الحقيقي هو الذي يتكبر كبرياء بحكمه

رابعاً : إذا تأمل العبد ان الملك كله لله و أن ما اعطاه الله عارية سرعان ما يرده الى المعير و انه مستخلف فيها فلا يغره مافي يده ولا يتكبر

خامساً : وإذا كان الملك المطلق انما هو الله فالطاعة المطلقه انما هي لله وحده لأن ما سواه من ملوك الأرض هم عبيد له و تحت أمره

سادساً : تقديم طاعة الله على طاعة من سواه و تقديم حكمه على حكم غيره وهناك تأتي اية الاختبار في سورة التوبة ( قل إن كان ابائكم و ابنائكم و اخوانكم و ازواجكم و عشيرتكم و أموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضوها احب اليكم من الله و رسوله و جهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره )

سابعاً : ان الملك الحقيقي هو من ملك هواه ولا يملك هواه الذي اعتق من اسر نفسه ( ربي قد اتيتني من الملك و علمتني من تأويل الاحاديث ) هناك من يملك الدنيا لكنه ضعيف امام نفسه

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة العشرون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون هي بعنوان: من الآثار المسلكيه للإيمان بهذه الإسماء

1-ان الانسان اذا امن ان الملك الحقيقي لله لا يتكبر مهما بلغ ملكه قال صلى الله عليه و سلم : ( من تواضع لله رفعه ) وقال ايضاً ( ان الله اوحى الي ان تواضعوا حتى لا يفخر احد على احد ولا يبغي احد على احد )

وفي الحديث القدسي الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحداً منهما عذبته و قصمته ، و ألقيته في النار .

2-ما دام ان الملك الحقيقي لله فالطاعة لا ابد ان تكون لله وقد قال الله في سورة التوبة( قل ان كان ابائكم ..... )

3- ان العبد إذا آمن ان ملك السماوات و الأرض بيد الله فإنه سيلجئ اليه بالدعاء و العباده و يؤمن أن كل شيء بيده فلا يتحرك الا بإذنه و لا يعمل الا بإذنه ولا نفعل صغيرة ولا كبيره الا بإذنه

4- القناعه و الرضا بقضاء الله و قدره إذا علمنا ان له ملك السماوات و الأرض فلا نجزع بقضاء الله و قدره فالرسول صلى الله عليه و سلم كان يقول في دعائه ( اللهم اني اسألك الرضى بعد القضاء ) فجمع بين أمرين كلاهما يدل على الراحه و الإستقرار فكل أمر يكتبه الله عن العبد فهو يدور حول أمرين :

1- التوكل قبله 2- الرضى بعده ، وهذا ما يشمله دعاء الاستخارة فإذا استخرت الله في أمر و أوكلت امرك اليه ثم حدث خلاف ما اردت فلا تجزعي ولا تقولي كيف حدث هذا و انا استخرت فهذا معناه عدم الرضى بالقضاء و القدر و تكون الاستخارة و تكون الاستخارة فيها خلل فيجب الرضى حتى بعد الاستخارة

5- عدم الجواز بالتسمي بملك الملوك ، فـ عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اخنع

الاسماء عند الله رجل تسمى بملك الأملاك ومعنى أخنع اي اوضع و اذل و كذا من تسمى به وهذا تحذير من كل عمل فيه

تعاظم و السبب في النهي ان الملك الكامل للرب جل و علا وهذا يشمل كل معصية يقصد فيها صاحبها التعالي و التعاظم يعاقب بنقيض قصده .

6- أيضاً من الاثار إن الايمان بأن الملك الكامل لله في الدنيا وهو أيضا الملك الوحيد يوم القيامة وبهذا أضاف اسم الملك الى يوم الدين (ملك يوم الدين ) مع انه ملك يوم الدين و الدنيا لأن في الدنيا قد يدعي الانسان الملك فأما يوم القيامة فأما يوم القيامة لا يمكن ان يدعي احد ذلك و أيضا لتتضح كمال ربوبية الله و ملكه يوم القيامة فالأرض و السماوات وكل املاك الناس تزول ويبقى ملكه سبحانه و تعالى و ايضاً إن الله يطوي السماوات و الارض بيمينه

عن عبدالله بن مسعود :( جاء حبر الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا محمد او يا ابا القاسم ان الله يمسك السماوات يوم القيامة على اصبع و الارضين على اصبع و و الجبال و الشجر على اصبع و الماء و الثرى على اصبع و سائر الخلق على اصبع ثم يهزهن فيقول انا الملك انا الملك ) فضحك رسول الله مما قال الحبر تصديقاً له ثم قرء ( و السماوات مطويات بيمينه سبحانه و تعالى عما يشركون )

-[قصة عن ملك من ملوك الدنيا ]-

المعتمد بن العباد صاحب ملك عظيم ملك المغرب و المشرق خرجت بناته يوما الى الناس ورأين النساء يخضن في الطين لقلة ما يملكن فاشتهت بنات المعتمد ان يطأن في الطين فأراد ان يحقق رغبتهن بعاطفة الأبوة فمزج لهن المزج و الكافور و عمله كالطين و وطأن عليه ثم زال ملكه و استولى عليه ملك اخر و أسر المعتمد و سجن في سجن اغمات فدخلن عليه بناته يزرنه في السجن فأنشد يقول وكان وقت زيارتهن يوم عيد دخلن في ثياب رثه باليه حافية الاقدام :

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا ***فساءك العيد في أغمات مأسورا

   ترى بناتك في الأطمار جائعةً   ***يغزلن للناس لا يملكن قطميرا

يطأن في الطين والأقدام حافيةً ***** كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا

من بات بعدك في ملكٍ يسرّ به *****فإنما بات في الأحلام مغرورا

والذي نستفيده في القصة ان الانسان يخضع لعظمة ربه وعلى قدر خضوعك لعظمة ربك تكون رحمة الله قريبه منك لأنك علمت ان الله عظيم

*[قصة أخرى]

المهدي العباسي احد خلفاء بني العباس كان يحكم نصف اهل الارض ، دخل المسجد النبوي و كان في المسجد العالم ابن ابي ذئب فلما رآه الناس في المسجد وقفو تعظيماً له كما يقف الناس الان للامراء و العظماء اذا اقبلو وكان معه خدمه و حشمه و جيشه و حرسه فقالو لابن ابي ذئب : قم لأمير المؤمنين ، فقال : انما يقوم الناس لرب العالمين ، فلامه الحرس فقال لهم المهدي : دعوه ، فوالله قد وقف شعر رأسي مما قال ، لقد عظم هذا العالم ربه فهان أمامه كل أحد .

عندما تسلط احد القواد على الملك العباسي قال في دعائه هذا الملك : يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه .

فالله وحده هو الملك الحقيقي و اذا عرف المؤمن ذلك وجب ان تفزع القلوب لعلام الغيوب و إذا عرف العبد عظمة ربه و عظمة ملكه توجه اليه بالطلب ، فسليمان لما عرف عظمة ملك الله عظم طلبه من ربه فقال : ربي هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك انت الوهاب .

هارون الرشيد كان له ابناءً كثيرون ولكنه غلب على ظنه بالخلافه من بعده الى ثلاثه الأمين و المأمون و المعتصم فعهد اليهم بالخلافه و اشهد العلماء عليها و يقال انه علقها على الكعبه .

[الأنترنت – موقع جمعة الجيران ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الواحدة والعشرون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: من الآثـار الإيمـانية بهذه الأسماء

أدب الوقوف بين يدي الملك  : إن من أعظم مقاصد الصلاة التواضع للملك العظيم ، فاطر السموات والأرض،واستشعار عظمته وكبريائه وسعة ملكه .

وقد كان صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته بالثناء على الله الملك ، فاطر السموات والأرض ،ويسأله العفو عن التقصير في حقه ، والقصور في مايكون من أداء واجبه ، ويسأله المباعدة عن الذنوب والخطايا مباعدة المشرق والمغرب وأن ينقي قلبه من المأثم وأن يغسله من الذنوب بالماء والثلج والبرد . يقول صلى الله عليه وسلم إذا افتتح صلاته :( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد ) [رواه البخاري رقم 744 مسلم رقم 598 ]

وكان يقول أحيانا : ( وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين سورة الأنعام / الآيتان 162 و 163 اللهم أنت المــلك لا إله إلا أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا لا يغفر الذنوب إلا أنت وأهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك إنا بك وإليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك ). رواه مسلم رقم 771 . وكان عليه الصلاة والسلام يركع بين يدي الملك العظيم مالك الملك – ولا يُركعُ إلا له - فيقول في ركوعه الذي هو موضع تعظيم الملك العظيم -: ( اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت ربي خشع قلبي وسمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي لله رب العالمين ) رواه مسلم رقم 771 .

 وكان يجول بقلبه في ملكوت الله ، وعظمته ، وسعة ملكه ،

 وسلطانه فيقول :( سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ) رواه النسائي رقم 1049 .

 وإذا فرغ من صلاته عاد ليعتذر من ربه سبحانه ويدعوه ويثني عليه بأنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا ينفع ذا الجد منه الجد .

إنه لا ينفع ذا الغنى عند الله غناه ، ولا ينفع ذا الملك عند الله ملكه .لا ينفع عند الله ولا يخلص من عذابه ولا يدني من كرامته جُدودُ بني آدم وحظوظُهم من الملك والرئاسة والغنى وطيب العيش وغير ذلك إنما ينفعهم عنده التقريب إليه بطاعته وإيثار مرضاته [ ينظر : الصلاة وحكم تاركها ، للإمام ابن القيم 1/ 207 بتصرف [ الأنترنت – موقع  العقيدة والحياة - ماجد بن أحمد الصغير]

*ومن الثمار بالإيمان بهذه الآسماء :

أولا / تمجيد الله باسميه الملك ومالك الملك :

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من قال : لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على شيء كل شيءٍ قدير في يوم مائة مرة كانت له عِدلُ عشرِ رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ، ومُحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رَجُلٌ عمل أكثر منه )متفق عليه

2- وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قال : لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات ، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ) متفق عليه

3- وكان رسول الله يقول إذا أمسى :  ( أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ،رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها رب وأعوذّ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها ,رب وأعوذ بك من الكسل ،وسوء الكبر ,أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر،  وإذا أصبح قال ذلك أيضاً، أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله) مسلم

4- وعن عبدالله بن شداد  أنَّهُ سمَع رجلًا من أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقالُ لهُ : رِفَاعَةُ بْنُ رافعٍ ، لمَّا دخلَ في الصَّلاةِ فَكَبَّرَ فقال : اللهُ أكبرُ ، اللهمَّ لكَ الحمدُ كلُّهُ ولكَ الملكُ كلُّهُ ، وإليكَ يَرْجِعُ الأَمْرُ كلُّهُ ، أسألُكَ مِنَ الخيرِ كلِّهُ ، وأعوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كلِّهُ” قال   ابن حجر العسقلاني سنده : صحيح

ثانيا /اليقين بأن الله وحده هو المستحق للعبادة :

لأنه الملك وما يعبد من دونه آلهة باطلة لأنها لا تملك لنفسها شيئا فضلا عن غيرها ممن يعبدونها من دون الله فهو سبحانه الخالق لكل شيء والمالك لكل شيء والمتصرف في كل شيء ،والآلهة التي تعبد من دون الله مخلوقة مملوكة مربوبة، لا تملك من دون الله شيئا ،وألوهيتها باطلة، وعبادتها ظلم وضلال قال تعالى:  ” قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرّاً ولا نفعاً والله السميع العليم “المائدة:76.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثانية والعشرون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: من الآثـار الإيمـانية بهذه الأسماء

ثالثا/ الثقة في الله واليقين بأنه سبحانه  يدبر لعبده من حيث لا يعلم

فهذا خليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام- حينما ألقي في النار كان على ثقة عظيمة بالله؛ حيث قال : “حسبنا الله ونعم الوكيل” فكفاه الله شر ما أرادوا به من كيد، وحفظه من أن تصيبه النار بسوء، قال تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} الأنبياء69.

ولنا العبرة في قصة أم موسى  قال تعالى:” وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ” القصص: الآية 7

هل يعقل أن امرأة تخاف على ابنها الرضيع، يقول لها: “فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ”ماذا يستنبط ؟ أن هذا الصندوق الخشبي بيد الله، مالك الملك، المتصرف، ولا تخافي، ولا تحزني “إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ” ولما ألقته أمه في البحر خافت عليه خوفا شديدا حتى أن قلبها أصبح فارغا من كل شيء من أمور الدنيا إلا من موسى -عليه السلام- {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} \”أي إن كادت من شدة وجدها وحزنها وأسفها لتظهر أنه ذهب لها ولد، وتخبر بحالها، لولا أن الله ثبتها وصبرها، {لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }

فتأمل في هذه الثقة العظيمة من أم موسى -عليه السلام- في وعد الله الله؛ قال ابن القيم رحمه الله: “فإن فعلها هذا هو عين ثقتها بالله -تعالى-، إذ لولا كمال ثقتها بربها لما ألقت بولدها وفلذة كبدها في تيار الماء، تتلاعب به أمواجه، وجريانه إلى حيث ينتهي أو يقف”مدارج السالكين2/142.

وقد حقق الله لها ما وعدها به، ورد لها فلذة كبدها، وحفظه من كل

 سوء ومكروه.

ولما دخل نبينا -عليه الصلاة والسلام- الغار؛ حفظ الله نبيه من كيد الكفار، وحرسه بعينه التي لا تنام؛ فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه- أن أبا بكر الصديق حدثه، قال: نظرتُ إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم.

فكن واثقا بالله، واثقا بحفظه لك إذا كنت حافظا لحدوده، واثقا بأنه كافيك ورازقك، ومثيبك على أعمالك الصالحة، وأنه ناصر دينه، وأوليائه.

رابعا / عدم الاغترار بالمال أو السلطان :

وقد ضرب الله لنا أمثلة في القرآن للعظة والعبرة فأعطانا مثال المغتر بسلطانه في فرعون الذي بلغ به الكبر والغرور أن يقول أنا ربكم الأعلى فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر وجعله عبرة لمن يعتبر !!

وإهلاك الله سبحانه لفرعون وقومه عبرة لكل ظالم متكبر من ملوك الأرض، تفرعن على الناس فيما آتاه الله من ملك،وظن أنه مخلد، ونسي أن ملكه زائل وأن إقامته في ملكه مؤقتة وأن الموت مدركه لا محالة

وأعطانا مثال المغتر بماله في قارون ، وقد حدثنا القرآن عن كنوز

قارون فقال سبحانه وتعالى : ” وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ” 76القصص

إن مفاتيح الخزائن  التي تضم الكنوز، كان يصعب حملها على مجموعة من الرجال الأشداء(العصبة والعصابة العدد من 40:10) فكيف كانت الكنوز ذاتها؟!

ويبدو أن العقلاء من قومه نصحوه بألا يفرح فرحا يؤدي بصاحبه إلى نسيان من هو المنعم بهذا المال، ولا ينبغي أن ينسى الآخرة مغترا بالدنيا، وأن عليه أن يتصدق من هذا المال…..

فكان رد قارون جملة واحد تحمل شتى معاني الفساد{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} لقد أنساه غروره مصدر هذه النعمة وحكمتها، وفتنه المال وأعماه الثراء……فلم يستمع قارون لنداء قومه، ولم يشعر بنعمة ربه، وخرج قارون ذات يوم على قومه، بكامل زينته، فطارت قلوب بعض القوم، وتمنوا أن لديهم مثل ما أوتي قارون، وأحسوا أنه في نعمة كبيرة ؛ فرد عليهم من سمعهم من أهل العلم والإيمان : ويلكم أيها المخدوعون، احذروا الفتنة، واتقوا الله، واعلموا أن ثواب الله خير من هذه الزينة، وما عند الله خير مما عند قارون. فيجيء العقاب حاسما “فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ” هكذا في لمحة خاطفة ابتلعته الأرض وابتلعت داره….. وذهب ضعيفا عاجزا، لا ينصره أحد، ولا

 ينتصر بجاه أو مال.

وفي هذا يقول الشاعر :

قدم لنفسك خيرًا وأنت مالك مالك *******  قبل أن يكون لون حالك حالك

ولست والله تدري أي المسالك سالك  ***** إلى جنة عدن أو في المهالك هالك

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان: من الآثـار الإيمـانية بهذه الأسماء

خامسا / العزة بالله : فلا نَهابُ إلا الله ، فما منع الكثيرين من كلمة الحق إلا الخوف والجبن وضعف يقينهم بالله مالك الملك وملك الملوك

 ورحم الله الإمام العز بن عبد السلام حينما خرج في يوم عيد ، وخرج موكب السلطان يجوب شوارع القاهرة ، والناس مصطفون على جوانب الطريق ، والسيوف مسلطة ، والعساكر واقفة ، وهنا وقف العز بن عبد السلام،وقال: يا أيوب (هكذا باسمه مجرداً من أي لقب) فالتفت أيوب ليرى من هذا الذي يخاطبه باسمه الصريح ؟!!

فقال له الإمام العز: ما حجتك عند الله عز وجل غداً إذا قال لك :

ألم أبوئك ملك مصر،فأبحت الخمور ؟

فقال السلطان : أو يحدث هذا في مصر ؟ قال : نعم ، في مكان كذا وكذا حانة يباع فيها الخمر ، وغيرها من المنكرات .

فقال : يا سيدي أنا ما فعلت ، إنما هو من عهد أبي .

فهز العز بن عبد السلام  رأسه ، وقال : إذاً أنت من الذين يقولون : إنا وجدنا آباءنا على أمة ، فقال : لا ، أعوذ بالله ، وأصدر أمراً بإبطالها فوراً ، ومنع بيع الخمور في مصر .

أحد طلابه سأله : يا سيدي أما خفت من السلطان وهو في أبهته وعظمته ؟ فقال: يا بني استحضرت عظمة الله عز وجل فصار السلطان قدامي كالقط !!!

سادسا : الملك من الناس من يستغني عن الناس :

جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، دلّني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبّني الناس ، فقال : ” ازهد في الدنيا يحبّك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبّك الناس “ .

،ومعنى ذلك : ألا يكون القلب متعلقا بما في أيدي الناس من نعيم الدنيا ، فإذا فعل العبد ذلك ، مالت إليه قلوب الناس ، وأحبته نفوسهم .

والسرّ في ذلك أن القلوب مجبولة على حب الدنيا ، وهذا الحب يبعثها على بغض من نازعها في أمرها ، فإذا تعفف العبد عما في أيدي

 الناس،عظم في أعينهم؛ لركونهم إلى جانبه،وأمنهم من حقده وحسده

ولذلك قيل “أحسن إلى من شئت تكن أميره ، واستغن عمن شئت تكن نظيره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره “

*ومما يروى في هذا الشأن :

دخل إبراهيم باشا بن محمد علي حاكم مصر المسجد الأموي في وقت كان فيه عالم الشام الشيخ سعيد الحلبي يلقي درسا في المصلين .

ومر إبراهيم باشا من جانب الشيخ ، وكان مادا رجله فلم يحركها ، ولم يبدل جلسته ، فاستاء إبراهيم باشا، واغتاظ غيظاً شديداً ، وخرج من المسجد ، وقد أضمر في نفسه شراً بالشيخ .

وما أن وصل قصره حتى حف به المنافقون من كل جانب ، يزينون له الفتك بالشيخ الذي تحدى جبروته وسلطانه ، وما زالوا يؤلبونه حتى أمر بإحضار الشيخ مكبلا بالسلاسل .

وما كاد الجند يتحركون لجلب الشيخ حتى عاد إبراهيم باشا فغير رأيه ، فقد كان يعلم أن أي إساءة للشيخ ستفتح له أبواباً من المشاكل لا قبل له بإغلاقها.

وهداه تفكيره إلى طريقة أخرى ينتقم بها من الشيخ، طريقة الإغراء بالمال ، فإذا قبله الشيخ فكأنه يضرب عصفورين بحجر واحد، يضمن ولاءه، ويسقط هيبته في نفوس المسلمين ، فلا يبقى له تأثير عليهم . وأسرع إبراهيم باشا فأرسل إلى الشيخ ألف ليرة ذهبية ، وهو مبلغ يسيل له اللعاب في تلك الأيام ، وطلب من وزيره أن يعطي المال للشيخ على مرأى ومسمع من تلامذته ومريديه .

وانطلق الوزير بالمال إلى المسجد ، واقترب من الشيخ وهو يلقي درسه ، فألقى السلام ، و قال للشيخ بصوت عال سمعه كل من حول الشيخ : هذه ألف ليرة ذهبية يرى مولانا الباشا أن تستعين بها على أمرك .

   ونظر الشيخ نظرة إشفاق نحو الوزير ، وقال له بهدوء وسكينة:  يا بني، عد بنقود سيدك وردها إليه، وقل له: إن الذي يمد رجله، لا يمد يده.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان: من الآثـار الإيمـانية بهذه الأسماء

*الدعــاء بهذه الأسماء

ورد الدعاء باسم الله تعالى الملك .. في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة من الليل "اللهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نفسي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ .." .

وورد الدعاء باسمه المالك في حديث أنس رضي الله عنه: أن رسول الله

قال لمعاذ رضي الله عنه "ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد دينًا لأداه الله عنك؟، قل يا معاذ: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك" .

أما الدعــاء باسمه تعالى المليــك .. فقد ورد إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله، علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت، فقال "يا أبا بكر، قل: اللهم فاطر السماوات والأرض،

عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا أنت، ربِّ كل شيءٍ ومليكه، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشَرَكِه، وأن أقترف على نفسي سوءًا أو أجره إلى مسلم" .[الأنترنت موقع فتكات – ميمي محمد عنتر]

*ورد دعاء الله بهذا الأسم مقتضيا اسم الله المليك .

فعن أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال يا رسول الله مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت قال قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه ) قال(قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك)[ موقع الرضواني]

   وقد ثبت في السنة الصحيحة أدعية لكشف الهموم ، وتفريج الكربات ، وقضاء الديون ، وتحصيل الغنى ، ومن ذلك : روى الطبراني في معجمه الصغير عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه : ( ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثلُ جبلِ أُحُدٍ دَيناً لأداه الله عنك ؟ قل يا معاذ : اللهم مالك الملك ، تؤتي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء ، وتذل من تشاء ، بيدك الخير ، إنك على كل شيء قدير ، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، تعطيهما من تشاء ، وتمنع منهما من تشاء ، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك ). وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1821)[الأنترنت – موقع سؤال وجواب ]

 * قال تعالى : {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ...] 

قال السعدى : يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم { قل اللهم مالك الملك } أي: أنت الملك المالك لجميع الممالك، فصفة الملك المطلق لك، والمملكة كلها علويها وسفليها لك والتصريف والتدبير كله لك، ثم فصل بعض التصاريف التي انفرد الباري تعالى بها، فقال: { تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء } وفيه الإشارة إلى أن الله تعالى سينزع الملك من الأكاسرة والقياصرة ومن تبعهم ويؤتيه أمة محمد، وقد فعل ولله الحمد، فحصول الملك ونزعه تبع لمشيئة الله تعالى، ولا ينافي ذلك ما أجرى الله به سنته من الأسباب الكونية والدينية التي هي سبب بقاء الملك وحصوله وسبب زواله، فإنها كلها بمشيئة الله لا يوجد سبب يستقل بشيء، بل الأسباب كلها تابعة للقضاء والقدر، ومن الأسباب التي جعلها الله سببا لحصول الملك الإيمان والعمل الصالح، التي منها اجتماع المسلمين واتفاقهم، وإعدادهم الآلات التي يقدروا عليها والصبر وعدم التنازع، قال الله تعالى: { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم } الآية فأخبر أن الإيمان والعمل الصالح سبب للاستخلاف المذكور، وقال تعالى: { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم } الآية وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين } فأخبر أن ائتلاف قلوب المؤمنين وثباتهم وعدم تنازعهم سبب للنصر على الأعداء، وأنت إذا استقرأت الدول الإسلامية وجدت السبب الأعظم في زوال ملكها ترك الدين والتفرق الذي أطمع فيهم الأعداء وجعل بأسهم بينهم، ثم قال تعالى: { وتعز من تشاء } بطاعتك { وتذل من تشاء } بمعصيتك { إنك على كل شيء قدير } لا يمتنع عليك أمر من الأمور بل الأشياء كلها طوع مشيئتك وقدرتك

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:

* قال تعالى : {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ...] 

وقال القرطبي: قال ابن عباس وأنس بن مالك: «لما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة، ووعد أمته ملك فارس والروم، قال المنافقون واليهود: هيهات هيهات! من أين لمحمد ملك فارس والروم وهم أعز وأمنع من ذلك،ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم. فأنزل الله هذه الآية.. والأمر بقوله قُلِ للنبي صلّى الله عليه وسلّم ولكل من يتأتى له الخطاب من المؤمنين.

وكلمة اللَّهُمَّ يرى الخليل وسيبويه أن أصلها يا الله فلما استعملت دون حرف النداء الذي هو «يا» جعلوا هذه الميم المشددة التي في آخرها عوضا عن حرف النداء، وهذا التعويض من خصائص الاسم الجليل، كما اختص بجواز الجمع فيه بين «يا» و «أل» وبقطع همزته، ودخول تاء القسم عليه.

والمعنى. قل أيها المخاطب على سبيل التعظيم لربك، والشكر له، والتوكل عليه والضراعة إليه، قل: يا الله يا مالك الملك أنت وحدك صاحب السلطان المطلق في هذا الوجود، بحيث تتصرف فيه كيف تشاء، إيجادا وإعداما، وإحياء وإماتة، وتعذيبا وإثابة، من غير أن ينازعك في ذلك أى منازع.

فكأن في هذه الجملة الكريمة قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ دعاءين خاشعين:

أما الدعاء الأول فهو بلفظ الجلالة المعبر عنه بقوله اللَّهُمَّ أى يا الله، وفي هذا النداء كل معاني العبودية والتنزيه والتقديس والخضوع.

وأما الدعاء الثاني فهو المعبر عنه بقوله مالِكَ الْمُلْكِ أى يا مالك الملك، وفي هذا النداء كل معاني الإحساس بالربوبية، والضعف أمام قدرة الله وسلطانه.

فقوله مالِكَ منصوب بحرف النداء المحذوف. كما في قوله قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى يا فاطر السموات والأرض.

ثم فصل- سبحانه- بعض مظاهر خلقه التي تدل على أنه هو مالك الملك على الحقيقة فقال- تعالى- تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ.

أى أنت وحدك الذي تعطى الملك من تشاء إعطاءه من عبادك، وتنزعه ممن تشاء، نزعه منهم، فأنت المتصرف في شئون خلقك لا راد لقضائك ولا معقب لحكمك.

وعبر بالإيتاء الذي هو مجرد الإعطاء دون التمليك المؤذن بثبوت المالكية، للتنبيه على أن المالكية على الحقيقة إنما هي مختصة بالله رب العالمين، أما ما يعطيه لغيره من ملك فهو عارية مستردة، وهو شيء زائل لا يدوم.

والتعبير عن إزالة الملك بقوله وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ يشعر بأنه- سبحانه- في قدرته أن يسلب هذا العطاء من أى مخلوق مهما بلغت سعة ملكه، ومهما اشتدت قوته، وذلك لأن لفظ النزع يدل على أن المنزوع منه الشيء كان متمسكا به، فسلبه الله منه بمقتضى قدرته وحكمته.

والمراد بالملك هنا السلطان، وقيل النبوة، وقيل غير ذلك.

وقال الفخر الرازي: وقوله تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ محمول على جميع أنواع الملك فيدخل فيه ملك النبوة، وملك العقل، والصحة، والأخلاق الحسنة. وملك النفاذ والقدرة، وملك المحبة، وملك الأموال، وذلك لأن اللفظ عام فالتخصيص من غير دليل لا يجوز» .

ومفعول المشيئة في الجملتين محذوف أى: تؤتى الملك من تشاء إيتاءه وتنزعه ممن تشاء نزعه منه.

أما الأمر الثاني الذي يدل على أنه- سبحانه- هو مالك الملك على الحقيقة فهو قوله وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ.

العزة- كما يقول الراغب- حالة مانعة للإنسان من أن يُغلب، من قولهم: أرض عزاز: أى صلبة، وتعزز اللحم: اشتد وعز، كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه.. والعزيز الذي يقهر ولا يغلب.

وتذل، من الذل، وهو ما كان عن قهر، يقال: ذل يذل ذلا إذا قهر وغلب والعزة صفة نفسية يحس بها المؤمن الصادق في إيمانه، لأنه يشعر دائما بأنه عبد الله وحده وليس عبدا لأحد سواه، قال- تعالى- وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ فالمؤمنون الصادقون أعزاء ولو كانوا في المال والجاه فقراء. أما الكافرون فهم أذلاء، لأنهم خضعوا لغير الله الواحد القهار.

والمعنى: أنت يا الله يا ملك الملك، أنت وحدك الذي تؤتى الملك لمن تشاء أن تؤتيه له، وتنزعه ممن تريد نزعه منه، وأنت وحدك الذي تعز من تشاء إعزازه بالنصر والتوفيق، وتذل من تشاء إذلاله بالهزيمة والخذلان، ثم ختم- سبحانه- الآية بهذا التسليم المطلق من المؤمنين لذاته فقال- تعالى-: بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

أى أنت وحدك الذي تملك الخير كله، وتتصرف فيه حسب إرادتك ومشيئتك، لأنك على كل شيء قدير ، وأل في الخير للاستغراق الشامل، إذ كل خير فهو بيده- سبحانه- وقدرته، وتقديم الجار والمجرور بِيَدِكَ لإفادة الاختصاص، أى بيدك وحدك على الحقيقة لا بيد غيرك، وجملة «إنك على كل شيء قدير» تعليلية.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: «كيف قال بِيَدِكَ الْخَيْرُ فذكر الخير دون الشر قلت: لأن الكلام إنما وقع في الخير الذي يسوقه إلى المؤمنين وهو الذي أنكرته الكفرة فقال بيدك الخير، تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك، ولأن أفعال الله- تعالى- من نافع وضار صادر عن الحكمة والمصلحة فهو خير كله كإيتاء الملك ونزعه» .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الخامسة والعشرون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:

* قال تعالى : {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ...] 

وقال البغوى : قوله تعالى ( قل اللهم مالك الملك ) قال قتادة ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال ابن عباس رضي الله عنهما وأنس بن مالك رضي الله عنه لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وعد أمته ملك فارس والروم قال المنافقون واليهود : هيهات هيهات من أين لمحمد صلى الله عليه وسلم ملك فارس والروم؟ وهم أعز وأمنع من ذلك ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم؟ فأنزل الله هذه الآية ( قل اللهم ) قيل : معناه يا الله فلما حذف حرف النداء زيد الميم في آخره ، وقال قوم : للميم فيه معنى ، ومعناها يا ألله أمنا بخير أي : اقصدنا ، حذف منه حرف النداء كقولهم : هلم إلينا ، كان أصله هل أم إلينا ، ثم كثرت في الكلام فحذفت الهمزة استخفافا وربما خففوا أيضا فقالوا : لاهم ، قوله ( مالك الملك ) [ يعني يا مالك الملك ] أي مالك العباد وما ملكوا ، وقيل يا مالك السماوات والأرض ، وقال الله تعالى في بعض الكتب : " أنا الله ملك الملوك ، ومالك الملوك ، وقلوب الملوك ونواصيهم بيدي فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة وإن عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسب الملوك ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم " .

قوله تعالى : ( تؤتي الملك من تشاء ) قال مجاهد وسعيد بن جبير : يعني ملك النبوة وقال الكلبي : تؤتي الملك من تشاء محمدا وأصحابه ( وتنزع الملك ممن تشاء ) أبي جهل وصناديد قريش وقيل : تؤتي الملك من تشاء : العرب وتنزع الملك ممن تشاء : فارس والروم ، وقال السدي تؤتي الملك من تشاء ، آتى الله الأنبياء عليهم السلام وأمر العباد بطاعتهم ( وتنزع الملك ممن تشاء ) نزعه من الجبارين وأمر العباد بخلافهم ، وقيل تؤتي من تشاء : آدم وولده وتنزع الملك ممن تشاء إبليس وجنوده

وقوله تعالى : ( وتعز من تشاء وتذل من تشاء ) قال عطاء تعز من تشاء : المهاجرين والأنصار وتذل من تشاء : فارس والروم ، وقيل تعز من تشاء محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى دخلوا مكة في عشرة آلاف ظاهرين عليها ، وتذل من تشاء : أبا جهل وأصحابه حتى حزت رءوسهم وألقوا في القليب ، وقيل تعز من تشاء بالإيمان والهداية ، وتذل من تشاء بالكفر والضلالة ، وقيل تعز من تشاء بالطاعة وتذل من تشاء بالمعصية ، وقيل تعز من تشاء بالنصر وتذل من تشاء بالقهر ، وقيل تعز من تشاء بالغنى وتذل من تشاء بالفقر ، وقيل تعز من تشاء بالقناعة والرضى وتذل من تشاء بالحرص والطمع ( بيدك الخير ) أي بيدك الخير والشر فاكتفى بذكر أحدهما قال تعالى : " سرابيل تقيكم الحر " ( 81 - النحل ) أي الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما ( إنك على كل شيء قدير ) .

وقال ابن كثير : يقول تعالى : ( قل ) يا محمد ، معظما لربك ومتوكلا عليه ، وشاكرا له ومفوضا إليه : ( اللهم مالك الملك ) أي : لك الملك كله ( تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء ) أي : أنت المعطي ، وأنت المانع ، وأنت الذي ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن .

وفي هذه الآية تنبيه وإرشاد إلى شكر نعمة الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة ، لأن الله حول النبوة من بني إسرائيل إلى النبي العربي القرشي المكي الأمي خاتم الأنبياء على الإطلاق ، ورسول الله إلى جميع الثقلين الإنس والجن ، الذي جمع الله فيه محاسن من كان قبله ، وخصه بخصائص لم يعطها نبيا من الأنبياء ولا رسولا من الرسل ، في العلم بالله وشريعته وإطلاعه على الغيوب الماضية والآتية ، وكشفه عن حقائق الآخرة ونشر أمته في الآفاق ، في مشارق الأرض ومغاربها ، وإظهار دينه وشرعه على سائر الأديان والشرائع ، فصلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ، ما تعاقب الليل والنهار . ولهذا قال تعالى : ( قل اللهم مالك الملك [ تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ] ) أي : أنت المتصرف في خلقك ، الفعال لما تريد ، كما رد تبارك وتعالى على من يتحكم عليه في أمره ، حيث قال : ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) [ الزخرف : 31 ] .

قال الله تعالى ردا عليهم : ( أهم يقسمون رحمة ربك [ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ] ) الآية [ الزخرف : 32 ] أي : نحن نتصرف في خلقنا كما نريد ، بلا ممانع ولا مدافع ، ولنا الحكمة والحجة في ذلك ، وهكذا نعطي النبوة لمن نريد ، كما قال تعالى : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) [ الأنعام : 124 ] وقال تعالى : ( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض [ وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ] ) [ الإسراء : 21 ] وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة " إسحاق بن أحمد " من تاريخه عن المأمون الخليفة : أنه رأى في قصر ببلاد الروم مكتوبا بالحميرية ، فعرب له ، فإذا هو :باسم الله ما اختلف الليل والنهار ، ولا دارت نجوم السماء في الفلك إلا بنقل النعيم عن ملك قد زال سلطانه إلى ملك وملك ذي العرش دائم أبدا ليس بفان ولا بمشترك

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السادسة والعشرون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:

* قال تعالى : {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ...] 

قال أبو جعفرالطري : القول في تأويل قوله : مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْـزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ

يعني بذلك: يا مالك الملك، يا منْ له مُلك الدنيا والآخرة خالصًا دون وغيره، كما:-

6789 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير قوله: " قل اللهم مالك الملك "، أي رَبَّ العباد الملكَ، لا يقضى فيهم غيرك.

وأما قوله: " تؤتي الملك ممن تشاء "، فإنه يعني: تُعطى الملك من تَشاء، فتملكه وتسلِّطه على من تشاء.

وقوله: " وتنـزع الملك من تشاء "، يعني: وتنـزع الملك ممن تشاء أن تنـزعه منه، فترك ذكر " أن تنـزعه منه "، اكتفاءً بدلالة قوله: " وتنـزع الملك ممن تشاء "، عليه، كما يقال: " خذ ما شئتَ = وكنْ فيما شئت "، يراد: خذ ما شئت أن تأخذه، وكن فيما شئت أن تكون فيه؛ وكما قال جل ثناؤه: فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [سورة الانفطار: 8] يعني: في أيّ صورة شاءَ أن يركبك فيها ركبك.

وقيل: إنّ هذه الآية نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابًا لمسألته ربَّه أن يجعل مُلك فارسَ والروم لأمته.

وقال ابن عاشور : استئناف ابتدائي المقصود منه التعريض بأهل الكتاب بأنّ إعراضهم إنّما هو حسد على زوال النبوءة منهم ، وانقراض الملك منهم ، بتهديدهم وبإقامة الحجة عليهم في أنّه لا عجب أن تنتقل النبوءة من بني إسرائيل إلى العرب ، مع الإيماء إلى أنّ الشريعة الإسلامية شريعة مقارنة للسلطان والمُلك . و { اللهم } في كلام العرب خاص بنداء الله تعالى في الدعاء ، ومعناه يا الله . ولما كثر حذف حرف النداء معه قال النحاة : إنّ الميم عوض من حرف النداء يريدون أنّ لحاق الميم باسم الله في هذه الكلمة لما لم يقع إلاّ عند إرادة الدعاء صار غنيّاً عن جلب حرف النداء اختصاراً ، وليس المراد أنّ الميم تفيد النداء . والظاهر أنّ الميم علامة تنوين في اللغة المنقول منها كلمة ( اللَّهم ) من عبرانية أو قحطانية وأنّ أصلها لاَ هُم مرداف إله .

والمالك هو المختصّ بالتصرّف في شيء بجميع ما يتصرّف في أمثاله مما يُقصد له من ذواتها ، ومنافعها ، وثمراتها ، بما يشاء فقد يكون ذلك بالانفراد ، وهو الأكثر ، وقد يكون بمشاركةٍ : واسعةٍ ، أو ضيّقة .

والمُلك بضم الميم وسكون اللام نوع من المِلك بكسر الميم فالملك بالكسر جنسٌ والمُلك بالضم نوعٌ منه وهو أعلى أنواعه ، ومعناه التصرّف في جماعة عظيمة ، أو أمة عديدة تصرُّف التدبير للشؤون ، وإقامةِ الحقوق ، ورعاية المصالح ، ودفع العدوان عنها ، وتوجيهها إلى ما فيه خيرها ، بالرغبة والرهبة . وانظر قوله تعالى : { قالوا أنّى يكون له المُلك علينا } في سورة البقرة ( 247 ) وقد تقدم شيء من هذا عند قوله تعالى : { مالك يوم الدين } [ الفاتحة : 4 ] ، فمعنى مالك الملك أنّه المتصرّف في نوع الملك ( بالضم ) بما يشاء ، بأن يراد بالمُلك هذا النوع . والتعريف في المُلك الأول لاستغراق الجنس : أي كل ملك هو في الدنيا . ولما كان المُلك ماهية من المواهي ، كان معنى كون الله مالك المُلك أنّه المالك لتصريف المُلك ، أي لإعطائه ، وتوزيعه ، وتوسيعه ، وتضييقه ، فهو على تقدير مضاف في المعنى .

والتعريف في المُلك الثاني والثالث للجنس ، دون استغراق أي طائفة وحصّة من جنس المُلْك ، والتعويل في الفرق بين مقدار الجنس على القرائن .

ولذلك بينت صفة مالك الملك بقوله : { تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء } [ آل عمران : 26 ] فإنّ إيتاءه ونزعه مقول عليه بالتشكيك : إيجاباً ، وسلباً ، وكثرة وقلّة .

والنزع : حقيقة إزالة الجِرم من مكانه : كنزع الثوب ، ونزع الماء من البئر ، ويستعار لإزالة الصفات والمعاني كما قال تعالى : { ونزعنا ما في صدورهم من غلّ } [ الأعراف : 43 ] بتشبيه المعنى المتمكّن بالذات المتّصلة بالمكان ، وتشبيه إزالته بالنزع ، ومنه قوله هنا : { تنزع الملك } أي تزيل وصف الملك ممّن تشاء .

وقوله : { بيدك الخير } تمثيل للتصرّف في الأمر؛ لأنّ المتصرّف يكون أقوى تصرّفه بوضع شيء بيده ، ولو كان لا يوضع في اليد «وخُص الخير هنا لأنّ المقام مقام ترجّي المسلمين الخيرمن الله ، وقد علم أنّ خيرهم شرّ لضدّهم

أي «الخير مقتضَى الذات والشرّ مقتضي بالعرض وصادر بالتَبع لِمَا أنّ بعض ما يتضمن خيرات كثيرة هو مستلزم لشرّ قليل ، فلو تركت تلك الخيرات الكثيرة لذلك الشرّ القليل ، لصار تركها شرّاً كثيراً ، فلما صدر ذلك الخير لزمه حصول ذلك الشرّ» .

[الأنترنت – موقع { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآ....}]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السابعة والعشرون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان:*سبحان الملك القدوس

  قال الشيخ سليمان العلوان في كتابه( قيام الليل ) مانصه:

(واعلم أنه يستحب إذا سلم من وتره أن يقول سبحان الملك

القدوس ثلاثاً لحديث أبي بن كعب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر ....الحديث ) وفيه فإذا سلم قال : سبحان الملك القدوس ثلاث مرات ) رواه النسائي. وفي حديث عبد الرحمن ابن أبزى وهو صحابي صغير ( ويرفع بسبحان الملك القدوس صوته بالثالثة ). رواه أحمد والنسائي . وزاد الدارقطني من حديث أبي ابن كعب ( رب الملائكة والروح ) ولا تصح هذه الزيادة والمحفوظ ما تقدم ) ا.هـ

قال الألباني في صحيح أبي داود - رقم: 1430: صحيح  [ الأنترنت – موقع ملتقى أهل الحديث ]

*قال سعيد بن علي بن وهف القحطاني : الملِكُ , المليكُ , مالك الملك

قال الله تعالى: {فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم } وقال تعالى : {في مقعد صدق عند مليك مقتدر} ، {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} .

فهو الموصوف ، بصفة الملك. وهي صفات العظمة والكبرياء، والقهر والتدبير، الذي له التصرف المطلق، في الخلق، والأمر، والجزاء.

وله جميع العالم، العلوي والسفلي، كلهم عبيد ومماليك، ومضطرون إليه. فهو الرب الحق، الملك الحق، الإله الحق، خلقهم بربوبيته، وقهرهم بملكه، واستعبدهم بإلاهيته فتأمل هذه الجلالة وهذه العظمة التي تضمنتها هذه الألفاظ الثلاثة على أبدع نظام ، وأحسن سياق. رب الناس ملك الناس إله الناس وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان وتضمنت معاني أسمائه الحسنى أما تضمنها لمعاني أسمائه الحسنى فإن ( الرب) هو القادر، الخالق، البارئ، المصور، الحي، القيوم، العليم، السميع، البصير، المحسن، المنعم، الجواد، المعطي، المانع، الضار، النافع، المقدم، المؤخر، الذي يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويسعد من يشاء، ويشقي ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنى.

وأما(الملك ) فهو الآمر، الناهي، المعز، المذل، الذي يصرف أمور عباده كما يحب، ويقلبهم كما يشاء، وله من معنى الملك ما يستحقه من الأسماء الحسنى كالعزيز، الجبار، المتكبر، الحكم، العدل، الخافض، الرافع، المعز، المذل، العظيم، الجليل، الكبير، الحسيب، المجيد، الولي، المتعالي، مالك الملك، المقسط، الجامع، إلى غير ذلك من الأسماء العائدة إلى الملك.وأما ( الإله): فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى

ولهذا كان القول الصحيح إن الله أصله الإله كما هو قول سيبويه

وجمهور أصحابه إلا من شذ منهم وإن اسم الله تعالى هو الجامع لجميع

معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى فقد تضمنت هذه الأسماء الثلاثة جميع معاني أسمائه الحسنى فكان المستعيذ بها جديراً بأن يعاذ، ويحفظ، ويمنع من الوسواس الخناس ولا يسلط عليه.

وإذا كان وحده هو ربنا، وملكنا، وإلهنا فلا مفزع لنا في الشدائد سواه، ولا ملجأ لنا منه إلا إليه، ولا معبود لنا غيره فلا ينبغي أن يدعى، ولا يخاف، ولا يرجى، ولا يحب سواه، ولا يذل لغيره، ولا يخضع لسواه، ولا يتوكل إلا عليه لأن من ترجوه، وتخافه، وتدعوه، وتتوكل عليه إما أن يكون مربيك والقيم بأمورك ومتولي شأنك وهو ربك فلا رب سواه، أو تكون مملوكه وعبده الحق فهو ملك الناس حقاً وكلهم عبيده ومماليكه، أو يكون معبودك وإلاهك الذي لا تستغني عنه طرفة عين بل حاجتك إليه أعظم من حاجتك إلى حياتك، وروحك، وهو الإله الحق إله الناس الذي لا إله لهم سواه فمن كان ربهم، وملكهم، وإلههم فهم جديرون أن لا يستعيذوا بغيره، ولا يستنصروا بسواه، ولا يلجؤا إلى غير حماه فهو كافيهم، وحسبهم، وناصرهم، ووليهم، ومتولي أمورهم جميعاً بربوبيته، وملكه، وإلاهيته لهم.

فكيف لا يلتجئ العبد عند النوازل ونزول عدوه به إلى ربه، ومالكه،وإلهه.

الأنترنت – موقع شبكةسحاب - شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة [ سعيد بن علي بن وهف القحطاني - كتب بواسطة : عبد الرحمن البغدادي]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثامنة والعشرون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان:*اقتران اسم "الملك" مع غيره من الأسماء

اقترن اسم (الملِك) باسميه (الله)، (الحق) مرتين فى كلام الله:

 قال تعالى:{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه:114]

 الجمع بين اسم الجلالة "الله" واسمه "الملك" إشارة إلى: أنّ إعظامه وإجلاله مُسْتَحَقَّان لذاته بالاسم الجامع لصفات الكمال وهو الدال على انحصار اﻹلهية وكمالها.

 ثم أتبع باسم "الحقّ" للإشارة إلى أنّ تصرفاته واضحة الدﻻلة  على أنّ مُلكه مُلك حقّ ﻻ تصرّف فيه إﻻ بما هو مقتضى الحكمة. (الحقّ) الذي ليس فى مُلكه شائبة عجزٍ وﻻ خضوعٍ لغيره. فيه تعريض بأنّ مُلْك غيرِه زائف.وفي تفريع ذلك على إنزال القرآن إشارة أيضا إلى أنّ:القرآن قانون ذلك المَلِك. وأنَّ ما جاء به هو السياسة الكاملة الضامنة صلاح أحوال مُتّبِعيه فى الدنيا والآخرة.[التحرير والتنوير -ابن عاشور ]

*اقتران اسم [الملك] باسمه [القدوس]  قوله تعالى :-{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر:23]

 قوله تعالى :-{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الجمعة:1]

الحكمة من اقتران اسم "الملِك" باسم "القدوس" إنّ من صفات هذا "الملِك" أنه "قدوس"

 إشارة إلى أنه سبحانه مع كونه ملكًا مدبّراً مُتصرّفاً فى كل شيء فهو قدوس أي مُنَزَّه عما يعتري الملوك من النقائص التى أشهرها: اﻹستبداد والظلم .الاسترسال مع الهوى والمحاباة وعَقَّب بالقدوس وصف الملِك للاحتراس إشارة إلى أنه: مُنزّه عن نقائص الملوك المعروفة من الغرور والاسترسال في الشهوات

وغير ذلك من نقائص النفوس. [التحرير والتنوير - ابن عاشور]

تابع اقتران اسم "الملك" ببقية الأسماء في سورة الحشر{السلام}: مصدر بمعنى المسالَمَة وُصِفَ الله تعالى به على طريقة الوصف بالمصدر للمبالغة في الوصف،  أي: ذو السلام، أي السلامة، وهي أنه تعالى سالَمَ الخلقَ من الظلم والجور. فإنه بعد أن عقّب بـ{ القدوس} للدلالة على نزاهة ذاته، عقّب بـ{السلام } للدلالة على العدل في معاملته الخلق، وهذا احتراسٌ أيضاً.

 و{المؤمن} اسم فاعل من آمن، أي جعل غيره آمناً.

وذِكرُ وصفِ {المؤمن} عقب الأوصاف التي قبله إتمامٌ للاحتراس من

 توهّم وصفه تعالى بـ{الملك} أنه كالملوك المعروفين بالنقائص. فأفيد أولاً نزاهة ذاته بوصف {القدوس}، ونزاهةُ تصرفاته الظاهرةِ عن الجور والظلم بوصف {السلام}.ونزاهة تصرفاته المغيَّبة عن الغدر والكَيد بوصف {المؤمن}، وتعقيب {المؤمن} ب {المهيمن} لدفع توهم أن تأمينه عن ضعف أو عن مخافة غيره، فاعلموا أن تأمينه لحكمته مع أنه رقيب مطلع على أحوال خلقه فتأمينه إياهم رحمة بهم. و{العزيز} الذي لا يُغلب ولا يُذلّه أحد، ولذلك فسر بالغالب. وأتبعت بصفة {الجبار} الدالة على أنّه مُسخِّرٌ المخلوقات لإِرادته. ثم صفة {المتكبر}  الدالة على أنه ذو الكبرياء يصغر كل شيء دون كبريائه. فكانت هذه الصفات في جانب التخويف كما كانت الصفات قبلها في جانب الإِطماع. [التحرير والتنوير-ابن عاشور.]

*اقتران اسم [مليك] باسم [مقتدر] قال الله تعالى :{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ(55)} [القمر]. لمّا كان المذكورون هم من خواصّ المؤمنين وهم المتقون وليسوا عموم المؤمنين . أعلى أجرَهم ودرجَتَهم فقال فى {نَهَر} ولم يقل أنهار دﻻلةً على السّعة والضياء . ولمّا أعلى أجرَهم ودرجتَهم وبالغ فى إنعامهم وإكرامهم جاء بالصفة والموصوف بما يدل على المبالغة. فقال {عند مليك مقتدر} ولم يقل ملِك قادر.فإنّ مليك أبلغ من ملِك ومقتدِر أبلغ من قادر. فإن كلمة "مليك" على صيغة فعيل وهى أبلغ وأثبت من صيغة فَعِل. وجاء فى"روح المعاني": ((عند مليك)) :- أي مَلِك عظيم المُلك وهو صيغة مبالغة. ولمّا جاء بالصيغة الدالة على الثبوت قال ((في مقعد صدق)). ذلك ﻷنّ هذا المقعد ثابت ﻻيزول، فهو وحده مقعد الصدق وكل المقاعد اﻷخرى كاذبة.ﻷنّها تزول إما بزوال مُلك صاحبه وإما بزوال القعيد وإما بطرده.  وهذا المقعد وحده الذى ﻻيزول. وقد يُفيد أيضا أنّه المقعد الذى صَدّقوا الخبر به .والمُقتدر أيضا أبلغ من قادر ; ذلك أنّ المُقتدر اسم فاعل من "اقتَدَرَ" وهذا أبلغ من"قدر"فإنّ صيغة "افْتَعَلَ" قد تفيد:المبالغة والتصرّف والاجتهاد والطلب فى تحصيل الفعل بخلاف "فعل"فجاء هنا فى قوله ((مقتدر)) بالصيغة الدالة على القدرة البالغة مع المُلك الواسع الثابت. فانظر كيف بالغ وأعظم فى اﻷجر وبالغ وأعظم فى المُلك وبالغ وأعظم فى القدرة. لمن بالغ وجدّ فى عمله وصدق فيه وهم [الأنترنت – موقع حياة القلوب في معرفة علام الغيوب]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة التاسعة والعشرون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان : *العلاقة بين اسم [الملك] وافتتاح القرآن واختتامه

بدأ القرآن الكريم بسورة الفاتحة:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(2) الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ(3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(4)..}  وخُتِمَ بسورة الناس:

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَٰهِ النَّاسِ (3)..}

نُلاحظ فيها تكرار صفات (الربوبية والألوهية والملك )

 يقول الشيخ- محمد بن عبد الوهاب:-  فهذه ثلاثة أوصاف لربنا تبارك وتعالى  ذكرها مجموعة في موضع واحد في أول القرآن,  ثم ذكرها مجموعة في موضع واحد في آخر القرآن.

فينبغي لمن نصح نفسه أن يعتني بهذا الموضوع, ويبذل جهده في البحث عنه, ويعلم أن العليم الخبير لم يجمع بينهما في أول القرآن ثم في آخره إلا لما يعلم من شدّة حاجة العباد إلى معرفتها, ومعرفة الفرق بين هذه الصفات, فكل صفة لها معنى غير معنى الأخرى."

 العلاقة بين افتتاح القرآن واختتامه  : يقول د-عويض العطوي :

أولا : سورة الفاتحة:السياق يدور حول النعمة والمنّة بهذا الدين وأنه رب العالمين أي ربّ كل الخلائق لتحقيق العبودية لله.

 سورة الناس: السياق يدور حول الحاجة والطلب فذكر المحتاج وهم الناس وجاء تخصيص الناس وكأنّ أفضل العالمين هم الناس.

ثانيا: سورة الفاتحة: تدور حول العبودية لله عز وجل؛ والاستعانة به على العبادة

إذن أظهرُ صور العبادة هي الاستعانة. و أظهر صورة ﻷيّ إله يُدعى: هي القدرة أن يقضي حاجات المستعين به.

 سورة الناس:هي النتيجة النهائية للصورة العملية في سورة الفاتحة. الاستعانة من أعظم صور العبادة فى الفاتحة.الاستعاذة من أعظم صور الاستعانة التي هي اللجوء إلى الله في سورة الناس.

ثالثا :سورة الناس:هي تعليل للمطلوب في سورة الفاتحة. لماذا نعبد الله ؟  لأنه هو الذي نلجأ إليه عند الحاجة [ لمسات بيانية- د.فاضل السامرائي ]

*{ مالك يوم الدين }

 قال السعدي على الاية: وقد قرىء مالك، وقرىء ملك، وكلا القراءتين صحيح متواتر في السبع، وليس تخصيص الملْك بيوم الدين الإخبار بأنه تعالى رب العالمين، وذلك عام في الدنيا والآخرة، وإنما أضيف اسم (مالك) إلى يوم الدين لأنه لا يدعى هناك أحد غيره، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه كما قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً} (النبأ آية 38) - قال الضحاك عن ابن عباس: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يقول لا يملك من أحد في ذلك اليوم كملكهم في الدنيا بأن يقول أحد - تجوّزَا - هذا ملكي، هذا مالي، أما يوم القيامة فليس لأحد ملك ولا مال"1.

وقد اختلف العلماء في أي الاسمين أبلغ: مالك أو ملك؟ فقال أبو عبيد والمبرد ورجح قولهما الزمخشرى: "إن (ملك) أعم وأبلغ من (مالك) إذ كل ملك مالك، وليس كل مالك ملكاً" ولأن أمر الملك نافذ في ملكه، فلا يستطيع أن يتصرف إلا بتدبير الملك.

وقال آخرون: إن (مالك) أبلغ من ملك، لأن (المالك) يكون مالكاً للناس وغيرهم، فالمالك أبلغ تصرفا وأعظم. وقال أبو حاتم: "إن (المالك) أبلغ في مدح الخالق من ملك، و (الملك) أبلغ في مدح المخلوقين من (المالك) ، لأن (المالك) من المخلوقين قد يكون غير ملك، وإذا كان الله تعالى مالكاً كان ملكاً". وقد اختار هذا القول أبو بكر بن العربي.

وقال الإمام الشوكاني: "والحق: أن كل واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر، (فالمالك) يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالك له بالبيع، والهبة، والعتق، ونحوها؛ و (الملك) يقدر على ما لا يقدر عليه (المالك) من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك وحياطته، ورعاية مصالح الرعية، (فالمالك) أقوى من (الملك) في بعض الأمور، و (الملك) أقوى من (المالك) في بعض الأمور.

والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه: أن (الملك) صفة لذاته، و (المالك) صفة لفعله.."2 وقد ورد اسم (المالك) في القرآن الكريم مرتين: في قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (الفاتحة آية 4) ، وفي قوله: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} (آل عمران آية 26) .

وقد ورد اسم (الملك) في قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ} (الحشر آية 23) وقد جاء في معنى (الملك) : أنه المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة3. وقيل: إنه المالك لجميع الممالك، فالعالم العلوي والسفلي وأهله الجميع مماليك لله فقراء مدبرون4.

وقيل: إنه الله ملك الملوك، وهو مالك يوم الدين [تيسير الكريم الرحمن الجزء الأول ص 15]

*( الملك ، المالك ، المليك ) المعنى في حق اللَّه عز وجل :

  قال الزجاج : وقال أصحاب المعاني : الملك ، النافذ الأمر في ملكه إذ ليس كل مالك ينفذ أمره أو تصرفه فيما يملكه ، فالملك أعمُّ من المالك ، واللَّه تعالى مالك المالِكين كلِّهم ، وإنما استفادوا التصرف في أملاكهم من جهته تعالى

قال الخطابي : الملك : هو التام الملك الجامع لأصناف المملوكات ، فأما المالك : فهو خاص الملك

وقال الليث : الملك هو اللَّه - تعالى وتقدس - ملك الملوك له الملك وهو مالك يوم الدين

وقال ابن جرير : الملك الذي لا ملك فوقه ولا شيء إلا تحت سلطانه

وقال ابن كثير : { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ } [ الحشر : 23 ] أي : المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة

قال ابن القيم رحمه اللَّه : الملك الحق هو الذي يكون له الأمر والنهي فيتصرَّف في خلقه بقوله وأمره ، وهذا هو الفرق بين الملك والمالك ؛ إذ المالك هو المتصرِّف بفعله ، والملك هو المتصرِّف بفعله وأمره ، والرب تعالى مالك الملك فهو المتصرِّف بفعله وأمره.[الأنترنت – موقع القران الكريم  - احمد ابوبكير]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة التاسعة والعشرون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون

 بعنوان : *الله وحده له الأمر كله والملك كله

وكذلك في حال " الأمر " في البلد أو المدينة : فهناك " ولي للأمر "

 " أولي الأمر " : وهو له الأمر على الناس وليس له ملكهم وهناك المَلِك : وهو الذي يملك الأمر والمُلْك في بلد

أولا : *لله الأمر جميعا

{ ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد(31) } الرعد{ ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور } آل عمران(154)

*لله الأمر من قبل  ومن بعد

{ يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله(19) } الإنفطار

{ في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون } الروم(4)

*له الخلق والأمر

{ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين(54) } الأعراف { فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم(12) } فصلت

*لله يرجع الأمر - تُرْجَعُ الأمور{ هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور(210) } البقرة { ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور(109) } آل عمران { له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور(5) } الحديد

{ صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور(53) } الشورى

{ ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون(123) } هود { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور(76) } الحج

{ وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور(4)

 } فاطر{ وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور(44) } الأنفال

{ وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم(106) } التوبة

ثانياً – لله الملك كله

1 - الله مالك الملك :يلاحظ هنا أن الله هو مالك الملك ، وأنه هو الذي يؤتي الملك وهوالذي ينزع الملك

هذا الكلام هو قاعدة مالية أي أن ملك أيِّ من البشر ليس ملكاً حقيقياً وإنما هو ملك ممنوح ومؤتى من الله حسب شرعه وأحكامه وبالتالي فهو يؤتى وينزع وفق أحكام الله وهذا يدل على أنه يمكن نزع ملكية أي شيء من أيدي أي من الناس وفق أحكام الله : نزع ملك الأمر وملك الملك ويمكن تمليك الناس أشياء وفق أحكام الله : ملك الأمر أو ملك الملك

*الله له الملك{ خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون(6)} الزمر

{ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر

 كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من

دونه ما يملكون من قطمير(13)} فاطر

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثلاثون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون

 بعنوان : 2 - الله مالك الملك وحده

الله مالك الملك وحده ، بيده الملك وحده ، له ملكوت كل شيء ، وهو الرب لا إله إلا هو ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ،والله الملك الحق ، القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الحكيم      الجبار المتكبر

والله مالك ، وملك ، وله ملك السماوات والأرض وما بينهما ، وما فيهن فلا يحق لأحد أن يدعي لنفسه أو لغيره خلاف ذلك من ملك { خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون(6)} الزمر { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا (111)} الإسراء { الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا(2)} الفرقان { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا (111)} { يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير(1)} التغابن { تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير(1)} الملك { قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون(88)} المؤمنون { فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون(83)} يس { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين(75)} الأنعام { أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون } (185)} الأعراف

*الله  الملك الحق { فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما(114)} طه { فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم(116)} المؤمنون

= الله الملك القدوس { هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون(23)} الحشر{ يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم(1)} الجمعة ، ملك الناس{ ملك الناس (2)} الناس ، الله مليك { في مقعد صدق عند مليك مقتدر(55)} القمر

*الله ملك ومالك السماوات والأرض – {الله له ملك السماوات والأرض وما بينهما} { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح

ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير(17)} المائدة { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير}  (18) المائدة

* وما فيهن{ لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير(120)} المائدة

* يخلق ما يشاء{ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير(17)} المائدة { لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور(49)} الشورى

* خلق كل شيء فقدره تقديرا { الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا(2)} الفرقان

لا إله إلا هو { قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون(158)} الأعراف { قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون(158)} الأعراف

* ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك { الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا(2)} الفرقان { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا (111)} الإسراء

* يحي ويميت { له ملك السماوات والأرض يحي ويميت وهو على كل شيء قدير(2)} الحديد

{ إن الله له ملك السماوات والأرض يحي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير(116)} التوبة

{ قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون(158)} الأعراف

* وهو على كل شيء قدير { ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير(189)} آل عمران { لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير(120)} المائدة

* والله على كل شيء شهيد { الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد} البروج

* وإليه المصير{ وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير(18)} المائدة

{ ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير(42)} النور

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون

 بعنوان :* يوم القيامة يخسر المبطلون بأمر الملك

{ ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون(27)} الجاثية

* الذي ترجع إليه الأمور هو الملك { له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور(5)} الحديد{ وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون (85)} الزخرف {قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون(44)} الزمر

* الذي يملك المغفرة  والعذاب لمن يشاء هو الله { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير(18)} المائدة { ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير(40)} المائدة { ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما(14)} الفتح

* الذي يملك الولاية والنصرة هو الله { ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير (107)} البقرة

3 - الله له الملك في الدنيا والآخرة : الله مالك الملك في الدنيا والآخرة ،

أ - الله له الملك في الدنيا

هناك أمور في الدنيا يملكها الله وحده ، لا يُمَلِّكها الله للناس ، أمرها لله ولا يملك الأمر على الله أحد ، وهي :1) السمع والأبصار ، 2) إهلاك البشر ، 3) إرادة الضر والنفع بالبشر بما فيها الرزق ودفع المصائب 4) فتنة الناس ( اختبارهم بالمصائب والبلاء) 5) عقاب الله الناس 6) مغفرة الله لذنوب الناس 7) خطاب الله يوم القيامة

وهذه الأمور لا يُمَلِّكها الله للبشر ولا لمن هم دون الله ، من الآلهة والشركاء المزعومون لله ، فلا يقبل ادعاء أحد ملكه وتصرفه بهذه الأمور نيابة عن الله ، بما في ذلك خاصة ، من يزعمون أنهم يملكون الشفاعة عند الله من الذي يتكلمون باسم الدين وباسم الآلهة وباسم شركاء الله وباسم أولياء الله

الأمر والأمور التي يملكها الله ولا يملكها الناس : أمرها لله ولا يملك الأمر على الله أحد يملك السمع والأبصار { قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون(31)} يونس

* أمر إهلاك البشر وأمر إرادة الله الضر والنفع بالناس لا يملكه إلا الله

{ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير(17)} المائدة

{ سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر

 لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا(11)} الفتح

* الذي يملك فتنة الناس أو تطهيرهم هو الله { ياأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم(41)} المائدة

* عقاب الله الناس { أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم(8)} الأحقاف

* الذي يملك مغفرة الذنوب للناس هو الله { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير(4)} الممتحنة

* الذي يملك الخطاب يوم القيامة هو الله { رب السماوات والأرض

 وما بينهما الرحمان لا يملكون منه خطابا(37)} النبأ

* مُلك أمر الضر والنفع للناس بيد الله { قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون(188)} الأعراف { قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون(49)} يونس

* الرب له الملك { يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير(13)} فاطر

الذي يملك الرزق هو الله { إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون(17)} العنكبوت

{ ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون (73)} النحل

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثانية والثلاثون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون

 بعنوان :* الملك يؤتي الملك في الدنيا من يشاء وينزع الملك ممن يشاء { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير(26)} آل عمران

1) الله يؤتي الملك في الدنيا للمؤمنين به { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما (54)} النساء { رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين(101)} يوسف { وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم (247)} الملك { وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين(248)} البقرة { فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين (251)} البقرة

{ وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب (20)} ص { قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب (35)} ص { واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون(102)} البقرة

2 ) الله  يؤتي الملك في الدنيا لغير المؤمنين به { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين(258)} البقرة{ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير(26)} آل عمران { ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد(29)} غافر

ثانياً: الله له الملك في الآخرة

مالك يوم الدين { مالك يوم الدين } الفاتحة { يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار(16)} غافر    { الملك يومئذ الحق للرحمان وكان يوما على الكافرين عسيرا(26)} الفرقان { الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم(56)} الحج

{ وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير(73)} الأنعام { وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا (20)} الإنسان [الأنترنت – موقع كتاب الله – صاحب الموقع : راتب بن عبد الوهاب السمان

- الكاتب: Administrator]

*قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  أنا الله، لا إله إلا أنا، مالك الملك

"أنا الله، لا إله إلا أنا، مالك الملك، ومليك الملوك، قلوب الملوك في يدي، وإن العباد إذا أطاعوني؛ حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة، والرحمة، وإن العباد إذا عصوني؛ حوَّلت قلوبهم عليهم بالسخط والنقمة، فساموهم سوء العذاب، فلا تشغلو أنفسكم بالدعاء على الملوك، ولكن اشغلوا أنفسكم بالذكر، والتقرب؛ أكفكم ملوككم" 1. رواه الطبراني في الأوسط عن أبي الدرداء.

   والمعنى: أن الله تباركت أسماؤه، وتنزهت صفاته يخبرنا أنه مالك الملك، ومالك الملوك، ليس لأحد تصرف في الحقيقة، وإنما المتصرف في الملك والملكوت هو الله وحده، فإذا سكنت الرعية إلى ما جاءت به الأنبياء، وعملوا بقوانين الشريعة، وتمسكوا بمبادئها، وأظهروا العدل والمساواة، فرحم الكبير الصغير، ووقر الصغير الكبير، ووصلوا الأرحام، وأعانوا المظلومين على خصومهم، وضربوا على أيدي الظالمين بسياط من حديد حتى يفيؤوا إلى الحق، ويتوبوا، وينوبوا إلى الله جل ذكره، فإذا فعلوا ذلك؛ حركت قلوب ملوكهم عليهم، وهديتها، ووفقتها للعطف على الرعية، والرحمة بعبادي الصالحين المطيعين، فلا يرى الملك، أو السلطان له لذة إلا السهر على رعيته، والنظر في مصالحهم، ومنافعهم، والأمن على أرواحهم وأموالهم، ويراقب العدو، ويستعد له، ولا يغفل عنه، فهمه راحة الرعية، واطمئنانها، وإن العباد إذا عصوا الله تعالى، وخالفوا سنن رسله وأنبيائه، وعبثوا بالأحكام، وأظهروا الفسوق، والفواحش، وتعاملوا بالربا، وفشا الزنى، وحقر صغيرهم كبيرهم، وترك علماؤهم الوعظ، والتذكير، وصار أكبر همهم جمع الأموال التي هي حطام الدنيا، وغفلوا عن مصيرهمم، ومآلهم، حَّرك الله عليهم قلوب ملوكهم بالغضب عليهم، والتنكيل بهم، فلا يلذ لملكهم إلا ما يؤذيهم، ويضر بمصالحهم ومنافعهم، كما أخبر الله تعالى في القرآن الحكيم بقوله: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} "البقرة: 49" وإذا علموا عبادي ذلك - أي: أن كل شيء من حركة، وسكون بيدي، وكل ما يقع في ملكي فأنا المتصرف فيه، المنفرد بخلقه، وإيجاده، لا يشاركني أحد فيه، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك إذا فعلوا ذلك بكم من سيئات الأعمال، وقبائح الأقوال، والتنكيل بكم، وهضم حقوقكم، واستيلاء قويكم على ضعيفكم،والاستبداد بكم، وحبس حريتكم، وغصب أموالكم؛ لأنه لا ينفعكم الدعاء، ولا ينصركم ربُّ الأرض والسماء؛ لأنه لا فعل لملككم، وسلطانكم أو لا قدرة له على ذلك حقيقة، بل أنا الله الذي أقدرته على ذلك، وسلطته عليكم بحسب أعمالكم السيئة، ومخالفتكم لأحكامي وخروجكم على أمنائي، وعدم امتثالكم قوانين شرعي، وأخذكم بسنن أنبيائي.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون

 بعنوان :*المُلك المطلق له

وجاء في أسباب النزول عن ابن عباس وأنس بن مالك، لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، ووعد أمته مُلك فارس والروم، قال المنافقون واليهود هيهات هيهات! من أين لمحمد ملك فارس والروم؟ هم أعز وأمنع من ذلك، ألم يكف محمداً مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

فالله هو الموصوف بصفات الملك، وهي صفات العظمة والكبرياء، والقهر والتدبير، الذي له التصرف المطلق، في الخلق والأمر والجزاء، وله جميع العالم، العلوي والسفلي، كلهم عبيد ومماليك، ومضطرون إليه، فهو الرب الحق، الملك الحق، الإله الحق، خلقهم بربوبيته، وقهرهم بملكه، واستعبدهم بألوهيته.

قال الشيخ السعدي في تفسيره، مالك الملك، أي الملك المالك لجميع الممالك، فصفة الملك المطلق له، والمملكة كلها علويها وسفليها والتصريف والتدبير، ثم فصل بعض التصاريف التي انفرد البارئ تعالى بها، فقال: «تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء»، وفيه الإشارة إلى أن الله تعالى سينزع الملك من الأكاسرة والقياصرة ومن تبعهم ويؤتيه أمة محمد، وقد فعل ولله الحمد، فحصول الملك ونزعه تبع لمشيئة الله تعالى،ولا ينافي ذلك ما أجرى الله به سنته من الأسباب الكونية والدينية التي هي سبب بقاء الملك وحصوله وسبب زواله، فإنها كلها بمشيئة الله لا يوجد سبب يستقل بشيء، بل الأسباب كلها تابعة للقضاء والقدر، ومن الأسباب التي جعلها الله سببا لحصول الملك الإيمان والعمل الصالح، التي منها اجتماع المسلمين واتفاقهم، وإعدادهم الآلات التي يقدرون عليها والصبر وعدم التنازع. يعز من يشاء بطاعته، ويذل من يشاء بمعصيته، إنه على كل شيء قدير، لا يمتنع عليه أمر من الأمور بل الأشياء كلها طوع مشيئته وقدرته.

*لا يزول ملكه

    قال الإمام ابن كثير في تفسير الآية، أي قل يا محمد معظماً لربك وشاكراً له ومفوضاً إليه ومتوكلاً عليه، «اللهم مالك الملك» أي لك الملك كله، أنت المعطي، وأنت المانع، وأنت الذي ما شئت كان، وما لم تشأ لم يكن وفي هذه الآية تنبيه وإرشاد إلى شكر نعمة الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة، لأن الله تعالى حول النبوة من بني إسرائيل إلى النبي العربي القرشي الأمي المكي، خاتم الأنبياء.

أنت المتصرف في خلقك، الفعال لما تريد، تعطي من تشاء من المال ما لا يعد ولا يقدر على إحصائه، وتقتر على آخرين لما له في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة والعدل.

قال الزجاج، مالك الملك، الله تعالى يملك الملك يعطيه من يشاء وهو مالك الملوك والملاك يصرفهم تحت أمره ونهيه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، ويقول الإمام الغزالي : مالك الملك هو الذي تنفذ مشيئته في مملكته كيف يشاء وكما يشاء، إيجادا وإعداما، إبقاء وإفناء، القادر التام القدرة.[الأنترنت – موقع الإتحاد - أحمد محمد (القاهرة)] -

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون

 بعنوان :

*الإعجاز التصويري في القراءات القرآنية في قوله تعالى:

              {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}

يجتمع المشهدان معًا على تكوين المشهد الرائع العظيم الذي يظهر منه أن الله تعالى هو ملك ذلك اليوم الحاكم فيه القادر الذي غلبت قدرته كل شيء، القاهر الذي قهر بسلطانه كل شيء، المتكبر الذي خضع لكبريائه كل شيء فلا ينازعه أحد في ذلك ولو ادعاءً كما كان الخلق يعطون هذا الخيار في الدنيا، كما أن الله تعالى أيضاً مالك ذلك اليوم المتصرف في أعيان عبيده من خلقه جميعاً {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا . لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا . وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:93-95]. في كلمة {مَالِكِ} قراءتان: 1) قرأ عاصم والكسائي ويعقوب وخلف بالألف مداً {مَالِكِ}. 2)         وقرأ الباقون من القراء العشرة بغير ألف قصراً {مَلِكِ}. المشهدان اللذان تصورانهما القراءتان تصور القراءتان المتواترتان هنا مشهدين جزئيين مختلفين ينسجان لنا صورة واحدة في الشكل الكلي: المشهد الأول: يتجلى من خلال قراءة (ملك يوم الدين) بالقصر: فملك مشتق من الملك، ويفهم منه الآتي:

 1) معنى السلطان والقوة والتدبير والحكم والقهر.

 2) الملك سبحانه هو المتصرف في أمور العقَلاء المختارين بالأمر والنهي والجزاء، ولهذا يقال: (مَلِكِ النَّاسِ) ولا يقال: (ملك الأشياء) كما روى الطبري عن عبد اللَّه بن عباسٍ: {مَلِكِ يَوْمَ الدِّينِ} يقول: لا يملك أحد في ذلك اليوم معه حكما كملكهم في الدنيا. ثم قَال: {لاَ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ:38] وقَال: {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} [طه:108]، وقال: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28]، فهو يملك الحكم بينهم وفصل القَضاء متفردًا به دون سائر خلقه. ويبين الطبري وغيره من المفسرين جمال المعنى هنا؛ إذ يشهد المستمع لقراءة (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) مشهد إخلاص الملك لله يوم الدين، فلا يوجد من ينازعه الملك أو يدعيه يومئذ كما قال تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ}[الحج:56]، وقال: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان:26]، وقال: {وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} [الأنعام:73]، فيكون لِلَّه الملك يوم الدين خالصًا دونَ جميع خلقه الذين كانُوا قَبل ذلك في الدنيا ملوكًا جبابرة ينازعونه الملك ويدافعونه الانفراد بالكبرياء والعظمة والسلطان والجبرية. فأيقنوا بلقاء اللَّه يوم الدين أَنهم الصغرة الأذلة، وأنَّ له من دونهم ودون غيرهم الملك والكبرياء والْعزَّة والبهاء كما قَال جل ذكره وتقدست أسماؤه في تنزيله: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] قال الطبري: "فأخبر تعالى أَنه المنفرد يومئذ بالملك دون ملوك الدنيا الذين صاروا يوم الدين من ملكهم إلَى ذلة وصغار، ومن دنياهم في المعاد إلَى خسار". وفي البخاري أن أبا هريرة قَال: سمعت رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض». وفي البخاري عن عبد الله بن أنيس قَال: سَمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «يحشر الله العباد فيناديهم بصوتٍ يسمعه من بعد كما يسمعه من قَرب أنا الملك أنا الديان». وفي مسلم عن عبد اللَّه بن عمر قَال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطوى الله عز وجل السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوى الأرضين بشماله ثُم يقول أنا الْملك أين الجبارون أين المتكبرون»، وعند أحمد وابن حبان عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآيات يومًا على المنبر: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67]، ورسول الله يقول هكذا بإصبعه يحركها يمجد الرب جل وعلا نفسه، «أنا الجبار أنا المتكبر أنا الملك أنا العزيز أنا الكريم أنا المتعال»، فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حتى قلنا ليخرن به. وأما في الدنيا فهو الملك سبحانه يحكم ما يريد، ويرفع من تقرب إليه من العبيد، ولذا جاء في مسلم عن أبِى هريرةَ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ينزل اللّه إلَى السماء الدنيا كل ليلةٍ حين يمضى ثلث الليل الأول فيقول أنا الملك أنا الملك من ذا الذى يدعونى فَأستجِيب له من ذا الذى يسألنى فَأعطيه من ذا الذى يستغفرنى فَأغفر له فلا يزال كذلك حتى يضىء الفجر». ولذا فهو الملك الحق كما قال سبحانه: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [المؤمنون:116]، {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر:23]، لأن ملك ملوك الأرض إلى زوال عنهم ثم إلى زوال عمن ورثهم. إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون

 بعنوان :*الإعجاز التصويري في القراءات القرآنية في قوله تعالى:

              {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}

 المشهد الثاني: تدل عليه قراءة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] بالمد مشتقة من الملك، وتدل على المعاني الآتية:

 1) ملك الأعيان: سواء أكانوا بشرًا أم غيرهم كالحيوان والأشياء الأخرى، فكلمة {مَلِكِ} لا تدل على أنه مالك دلالة مطلقة؛ إذ يقال: ملك العرب، وملك الروم، وإن كان لا يملكهم، بل يحكم بينهم، ويتولى أمرهم، ولكن مالك تدل على التصرف المطلق، فهو يملك أعيانهم، ولذا يقال: فلان مالك الدراهم، ولا يقال: ملك الدراهم، والله تعالى مالك كل شيء.

 2) القدرة على التصرف في مملوكاته، فهو لا يحكم فقط بل يملك الأعيان والأشياء، والْملك هو الذي يدبر أعمال رعيته الْعامةَ، ولا تصرف له بشيءٍ من شئونهم الخاصة، والمالك سلطته أعم، فلا ريب أنَّ مالكه هو الذي يتولى جميع شؤونه دون سلطانه. فالملك مُلكه أعم وأقوى من المالك، والمالك تصرفه أقوى وأشمل. فاستفدنا من القراءة الأولى: {مَلِكِ} أنه الحاكم فلا يوجد من ينازعه أو حتى يدعي الملك في ذلك اليوم أما في الدنيا فاسم الملك قد يطلقه البشر على بعضهم، والله مكنهم من هذا ابتلاءً واختبارًا.

 واستفدنا من قراءة مالك أنه مع ملكه عليهم فإنه يملك التصرف بهم والتسلط عليهم... والسؤال: هل يمكن أن يكون أحدٌ ملكاً دون أن يكون مالكًا؟ والجواب: نعم فالملك قد يكون ملكاً دون أن يكون مالكا -خلافا للطبري رحمه الله- فإن بعض ملوك الدنيا اليوم لهم الاسم الشرفي دون التصرف والحكم كملوك بريطانيا وغيرها، وكما كان عليه الحال في ملوك العباسيين حين ضعف أمرهم حتى قال فيهم القائل في أحد ملوك بني العباس الذي كان له اسم الخلافة (أي الملكية)، لكن دون قدرة على التصرف، لأن قائدي جيشه وصيف وبغا هما اللذان يتصرفان في حكمه -كما في الوافي بالوفيات-:

 خليفة في قفص *** بين وصيف وبغا

 يقول ما قالا له *** كمـا تقول البـبغا

فـ (مالك) يفيد مملوكاً، و(ملك) لا يفيد ذلك، ولكنه يفيد الأمر وسعة المقدرة، وكلا اللفظين أوسع من الآخر في شيء: - فالملك بالفتح وكسر اللام أدل على التعظيم بالنسبة إلى المالك؛ لأن الملك يسوس العقلاء المأمورين بالأمر والنهي، وذلك أرفع وأشرف من التصرف في الأعيان المملوكة. - والملك أعلى شأنًا من المالك من هذه الحيثية. - ولكن المالك أوسع لشموله لغير العقلاء أيضاً. - إلا أن الملك أبلغ لدلالته على القوة القاهرة والمالك أكثر إحاطة وتصرفاً من الملك. والله هو المالك الملك وهو الذي يملك الملك {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:26] ولذا قال المباركفوري في تحفة الأحوذي في وصف {مَالِكَ الْمُلْكِ}: "أي الذي تنفذ مشيئته فِي ملكه يجري الأمور فيه على ما يشاء أو الذي له التصرف المطلق".

 اجتماع المشهدين لتكوين الصورة الكلية: يجتمع المشهدان معًا على تكوين المشهد الرائع العظيم الذي يظهر منه أن الله تعالى هو ملك ذلك اليوم الحاكم فيه القادر الذي غلبت قدرته كل شيء، القاهر الذي قهر بسلطانه كل شيء، المتكبر الذي خضع لكبريائه كل شيء فلا ينازعه أحد في ذلك ولو ادعاء كما كان الخلق يعطون هذا الخيار في الدنيا، كما أن الله تعالى أيضاً مالك ذلك اليوم المتصرف في أعيان عبيده من خلقه جميعاً {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا . لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا . وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:93-95]. فهو يحكم بينهم حكم الملك ويتصرف فيهم تصرف المالك يصنع بهم ما شاء كيف شاء، لكن المؤمنين يرجون رحمته وفضله في ذلك اليوم، وهنا نستحضر قصة هارون الرشيد لما حضرته الوفاة وعاين السكرات صاح بقواده وحجابه:

اجمعوا جيوشي. فجاؤوا بهم بسيوفهم، ودروعهم لا يكاد يحصي عددهم إلا الله كلهم تحت قيادته وأمْره فلما رآهم.. بكى ثم قال: يا من لا يزول ملكه..ارحم من قد زال ملكه..

خاتمة في تكامل القراءتين: قال السخاوي في كتابه "فتح الوصيد في شرح القصيد" في باب (سورة أم القرآن): "وأما من أخذ يفضل بين القراءتين فقال: المالك أعم من الملك لأنه يضاف إلى كل متملك من الدواب والثياب وغيرهما، بخلاف الملك فغلط لأن القراءتين صحيحتان، وليس هذا الاحتجاج بصحيح لأن الله تعالى قد وصف نفسه بالمالك والملك فما وجه هذا الترجيح؟؟ وليس لأحدٍ أن يقول: هذا ولا أن يقول أيضا: ملك أولى من مالك، ويحتج بأن كل ملك مالك، وليس كل مالك ملكا، أو أن الملك من نفذ أمره واتسعت قدرته، والمالك ليس إلا الحائز لشيء، فالوصف بالملك أكمل، هذا كله غلط والكل جائز. وهذا الاحتجاج أيضاً واه في نفسه من جهة أن ذلك إنما يكون لبني آدم فأما الخالق تعالى فهو الملك والمالك، فوصفه بالملك لا يخرجه عن الملك، وملك معدول عن مالك للمبالغة". وانظر: تفسير الطبري، وتفسير القرطبي، وكتاب الكليات لأبى البقاء الكفوى، وتفسير المنار، وغيرها في هذا الموضوع. وتأسيساً على ما تقدم، نرى أنه لا وجه لتفضيل قراءة على أخرى -كما فعل بعض المفسرين-؛ إذ لا يظهر وجه للتفضيل هنا، وكل قراءة تدل على معنى جميل في ذاته. ونختم هذه التأملات الرائعة بما رواه الطبراني في المعجم الكبير عن معاذ بن جبل، أَن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم افتقده يوم الجمعة، فلما صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أتى معاذًا فَقال له: «يا معاذ، ما لي لم أرك؟»، قَال: يا رسول اللَّه، ليهودي علي أوقية من تبر، فخرجت إليك فحبسني عنك، فَقَال لَه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «يا معاذ، أَلا أعلمك دعاءً تدعو به؟ فلو كان عليك من الدين مثل جبل صبرٍ أداه اللَّه عنك وصبِر جبل بِاليمن، فادع به يا معاذ قل: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء بيدك الخير إنك عَلَى كل شيء قَدير، تولج الليل في النهار، وتولج النهار في الليل، وتخرج الحي من الميت، وتخرج الميت من الحي، وَترزق من تشاء بغير حسابٍ رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطي من تشاء منهما، وتمنع من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك» (الترغيب والترهيب:  [الأنترنت – موقع طريق الإسلام  - إعجاز القرآن الكريم -  عبدالسلام مقبل المجيدي ]

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السادسة والثلاثون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :*ملوك على فراش الموت :

- أيها  الناس: مهما ملك العباد من ملك، وعلوا في الأرض بالسلطان، فلابد من يوم يقهرون فيه، وهذا اليوم هو يوم الموت الأعظم،الذي فيه يفارقون الدنيا،ويخرجون من القصور والدور،إلى المقابر واللحود...

- قال معاوية رضي الله عنه عند موته لمن حوله : أجلسوني . فأجلسوه .. فجلس يذكر الله .. ، ثم بكى .. و قال : الآن يا معاوية .. جئت تذكر ربك بعد الانحطام و الانهدام ..، أما كان هذا و غض الشباب نضير ريان ؟! ثم بكى و قال : يا رب ، يا رب ، ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي .. اللهم أقل العثرة و اغفر الزلة .. و جد بحلمك على من لم يرج غيرك و لا وثق بأحد سواك ... ثم فاضت روحه رضي الله عنه

- الخليفة المأمون رحمه الله : حينما حضر المأمون الموت قال : أنزلوني من على السرير. فأنزلوه على الأرض ... فوضع خده على التراب و قال : يا من لا يزول ملكه ... إرحم من قد زال ملكه .

- أمير المؤمنين عبدالملك من مروان رحمه الله :

يروى أن عبد الملك بن مروان لما أحس بالموت قال : ارفعوني على شرف ، ففعلوا ذلك ،فتنسم الروح ،ثم قال : يا دنيا ما أطيبك ! إن طويلك لقصير ، و إن كثيرك لحقير، و إن كنا منك لفي غرور ... !

- هشام بن عبدالملك رحمه الله :لما أحتضر هشام بن عبد الملك ، نظر إلى أهله يبكون حوله فقال : جاء هشام إليكم بالدنيا و جئتم له بالبكاء ، ترك لكم ما جمع و تركتم له ما حُمل ، ما أعظم مصيبة هشام إن لم يرحمه الله

- الخليفة هارون الرشيد رحمه الله : لما مرض هارون الرشيد و يئس الأطباء من شفائه ... و أحس بدنو أجله .. قال : أحضروا لي أكفانا فأحضروا له ..فقال : احفروا لي قبرا .. فحفروا له ... فنظر إلى القبر و قال :   ما أغنى عني مالية ... هلك عني سلطانية ..

-وعن ثابت البناني ، قال : كان عمرو على مصر ، فثقل ، فقال لصاحب شرطته : أدخل وجوه الأصحاب ، فلما دخلوا ، نظر إليهم وقال : ها قد بلغت هذه الحال ، ردوها عني ، فقالوا : مثلك أيها الأمير يقول هذا ؟هذا أمر الله الذي لا مرد له ،قال : قد عرفت ، ولكن أحببت أن تتعظوا ، لا إله إلا الله،فلم يزل يقولها حتى مات ،فمتى نتعظ نحن ايها المسلمون؟[الأنتر نت – موقع مدونة خطب الجمعة]

*الاسماء الحسنى- الملك -مالك الملك

قال تعالى" وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون" الاعراف 180

إن أسماء الله كلها حسنى, وصفاته كلها عليا, وهو سبحانه له المثل الأعلى. أنزل الله كتابه وأودع فيه جملة من أسماءه وصفاته, وأخفى بعضاً فاستأثر به في علم الغيب عنده, والخلق حين يتأملون في أسماء الله فإنها تُبين لهم من الحكم والمعاني, وتورثهم من الآثار والعبر ما يغنيهم عن كثير من المقال, ومن أحصى أسماء الله فعرف معناها وعمل بمقتضاها دخل الجنة قاله صلى الله عليه وسلم .

وردت في القرآن كلمات عدة بلفظ ملك منها :اسم "الملك " اسم من أسماء الله الحسنى المطلقة سمى الله بها ذاته في القرآن بدليل قوله " اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ... [طه : 114][المؤمنون : 116]  هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الحشر : 23]

  الله " ملك الملوك " وملوك الأرض مخلوقين محدودي الملك والمكان والزمان والسلطان وهم ملوك بما آتاهم الله تعالى ملكهم ومالك أملاكهم وهؤلاء إذا عصاهم الناس غيروهم أما ملك الملوك الله فهو الخالق والواهب الملك لمن خلق كأمانة استخلاف في بعض ملكه والله مالك الملك إذا عصاه الناس غيرهم سبحان الملك الحق مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ : اسم مقيد دال على الله بالتطابق والتضمن للصفات ,ومنه الاسم المقيد الدال على الله بالتطابق والتضمن للصفات "مَالِكَ الْمُلْكِ .. [آل عمران : 26]

تفسير : مالك :مالك يوم الدين : بناء صفة يدل على الله تعالى دلالة مطلقة لا تكون لمسمى ولا موصوف سواه .

مالك يوم الدين: اسم من أسماء الحسنى المقيدة وبيان التقييد ظاهر في يوم الدين كقولك مالك الملك .

وإعراب مالك : اسم فاعل من ملك يملك ، واسم الفاعل في كلام العرب قد يضاف إلى ما بعده وهو بمعنى الفعل المستقبل كقولك : هذا حاج بيت الله في العام المقبل ، تأويله سيحج في العام المقبل "مالك يوم الدين" أي سيملك يوم الدين متى جاء لأنه هو سبحانه جاعله من أيامه قال , والمالك للشيء هو المتصرف فيه حفظا وإحداثا ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبث رجل كان يسمى ملك الأملاك ، لا ملك إلا الله سبحانه " وقد عرف مثل هذا الرجل في تاريخنا المعاصر بلقب" بشاه انشاه" ملك سابق في إيران الفرس ومعناها " ملك الملوك ". يقول تعالى يوم القيامة {لمن الملك اليوم لله} فيقال لله , وتخصيص الملك إلى يوم الدين لأنه لا يمكن أن يدعي أحد هنالك شيئا ويصطف كل الملوك للحساب على ما ظلموا في ملكهم الأرضي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ .قال تعالى :( وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ) [ طه : 108 ] ( يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ) [ هود : 105 ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السابعة والثلاثون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :* *الاسماء الحسنى- الملك -مالك الملك :

مَالِكَ الْمُلْكِ  بناء صفة يدل على الله تعالى دلالة مطلقة كسابقه أعلاه والبناء اسم من أسماء الحسنى المقيدة ببيان التقييد في الملك كقولك مالك يوم الدين. كان الإعجاز في تقييد الاسم وعدم إطلاقه بالعلمية لتفصيل أسماء الله وصفاته تخفيفا على المؤمنين بالغيب وتبيان صفات الملكية الممتلئة لتمييزها عن ملكية الجزء في المخلوق للمخلوق كملكية ملوك الناس في الأرض.[طالع تفسير يوم الدين وإعجاز القران فيه][ الأنترنت – موقع هدى الإسلام- نافز ابو زر]

*اسم الملك في القرآن الكريم أنواع أهمها : الله - الملك - القدوس :

الله تعالى - الملك - مالك الملك :  قال تعالى " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ .." [آل عمران : 26]

الله تعالى - الملك - الذي يؤتي الملك لمن يشاء :  قال تعالى "... تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء .... [آل عمران : 26]

ملك يوم الدين : " .... وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ ....ُ [الأنعام : 73]" .....ٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر : 16]

توحيد الملك الأوحد " وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً [الإسراء : 111]

الله الملك الحق : " فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ .....[طه : 114][المؤمنون : 116]

القدرة الملكية المطلقة لله  " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك : 1]

قال الله: {فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم }(المؤمنون 116) وذكر القرآن : { في مقعد صدق عند مليك مقتدر}( القمر 55) ،وقال جل شأنه: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير}( آل عمران 26) . فهو الموصوف ، بصفات الملك. وهي صفات العظمة والكبرياء، والقهر والتدبير، الذي له التصرف المطلق، في الخلق، والأمر، والجزاء. وله جميع العالم، العلوي والسفلي، كلهم عبيد ومماليك، ومضطرون إليه. فهو الرب الحق، الملك الحق، الإله الحق، خلقهم بربوبيته، وقهرهم بملكه، واستعبدهم بإلوهيته فتأمل هذه الجلالة وهذه العظمة التي تضمنتها هذه الألفاظ الثلاثة على أبدع نظام ، وأحسن سياق. رب الناس ملك الناس إله الناس وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان وتضمنت معاني أسمائه الحسنى أما تضمنها لمعاني أسمائه الحسنى فإن ( الرب) هو القادر، الخالق، البارئ، المصور، الحي، القيوم، العليم، السميع، البصير، المحسن، المنعم، الجواد، المعطي، المانع، الضار، النافع، المقدم، المؤخر، الذي يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويسعد من يشاء، ويشقي ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنى. وأما(الملك ) فهو الآمر، الناهي، المعز، المذل، الذي يصرف أمور عباده كما يحب، ويقلبهم كما يشاء، وله من معنى الملك ما يستحقه من الأسماء الحسنى كالعزيز، الجبار، المتكبر، الحكم، العدل، الخافض، الرافع، المعز، المذل، العظيم، الجليل، الكبير، الحسيب، المجيد، الولي،  مالك الملك، المقسط، الجامع، إلى غير ذلك من الأسماء العائدة إلى الملك.[ الأنترنت – موقع هدى الإسلام- نافز ابو زر]

*ملوك الأرض نوعين :  1-الملوك المبعوثة من الله :

 طالوت عليه السلام " وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة : 247] سليمان عليه السلام : "وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ....[البقرة : 102] "

 داوود عليه السلام " فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ,,,,,[البقرة : 251]

يوسف عليه السلام " رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ....[يوسف : 101] مُلك آل ابراهيم "  فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا

2- ملوك ظلموا أنفسهم بالكفر:

الملك الذي حاج ابراهيم في ربه  "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ ....َ [البقرة : 258]

فرعون مصر :- "وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الزخرف : 51]  الملك الذي أشار له "الخضر" عليه السلام في رحلته مع النبي موسى يعلمه"أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً [الكهف : 79][ الأنترنت – موقع هدى الإسلام- نافز ابو زر]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :*الله جل جلاله هو المَلك الحق هو مَلِك العالمين :

 للملك الحق المتفرد بصفات الكمال : قدرات لايملكها سواه , لايمكن قياس الُملك بدونها ومنها ما ذُكر في القران صريحا :

#ملكية المُلك قال تعالى :{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران : 26]

#ملكية السموات والارض إضافة الى الولاية على من فيهما بدليل قوله سبحانه {.... لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [البقرة : 107] [آل عمران : 189][المائدة : 17]

#الملك بسلطاته المتفرده صاحب القدرة المطلقة على الثواب والحساب وتقديرهما بالعدل المطلق بدليل قوله { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى

 كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة : 40]

#الملك من يكون اليه مصير مُلكة في النهاية فلا يرثه ملك ولايسلبه أحد ملكه بدليل قول الله الملك    { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ ...ً [الفرقان : 26] " وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام : 73] [الحج : 56] [النور : 42] [الفرقان : 26]

#الله الملك الحق المطلق الملكية هو خالق ومحيي ومميت { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ....[الأعراف : 158] [التوبة : 116]

#والملك المالك للمطلق العام مالك للجزئيات والصغائر - المُخرج للميت من الحي كاخراج الزرع الاخضر من البذرة الجافة والمخرج الحي من الميت كاخراج الفراخ من البيوض ومع ذلك فهو من يدير امور معيشتها بدليل قوله {  قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ }[يونس : 31]

#الملك المطلق في ملكه لا يمكن أن يشاركه أحد في ملكه فلا أب ولاأم ولا امير ولااميره ولاوريث له ولا ولي {  وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً }[الإسراء : 111]

#الملك الحق ملك متعالى على عرش الكون لا على كرسي من خشب او ذهب # {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ...}[طه : 114]" [الفرقان : 2]

#الملك الحق المطلق هو رب يتصف بالوحدانية المطلقة هو الاله الواحد القهار { ....لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ... } [الزمر : 6] [الأنترنت – موقع هدى الإسلام- نافز ابو زر]

*{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}

   قال بن كثير : يخبرنا تعالى عن المجرمين أنهم في ضلال عن الحق { وسُعُر} مما هم فيه من الشكوك والاضطراب في الآراء، وهذا يشمل كل من اتصف بذلك من كافر ومبتدع من سائر الفرق، ثم قال تعالى: { يوم يسحبون في النار على وجوههم} أي كما كانوا في سعر وشك وتردد أورثهم ذلك النار، ويقال لهم تقريعاً وتوبيخاً { ذوقوا مس سقر} ، وقوله تعالى: { إنا كل شيء خلقناه بقدر} ، كقوله { وخلق كل شيء فقدره تقديراً} ، وكقوله تعالى { والذي قدّر فهدى} أي قدر قدراً وهدى الخلائق إليه، ولهذا يستدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة، على إثبات قدر اللّه السابق لخلقه، وهو علمه الأشياء قبل كونها، وكتابته لها قبل برئها، وردوا بهذه الآية وبما شاكلها على الفرقة القدرية الذين نبغوا في أواخر عصر الصحابة، روى أحمد، عن أبي هريرة قال: جاء مشركو قريش إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم يخاصمونه في القدر، فنزلت: { يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر} ""أخرجه مسلم وأحمد والترمذي"". وعن عطاء بن أبي رباح قال: أتيت ابن عباس وهو ينتزع من زمزم وقد ابتلت أسافل ثيابه فقلت له: قد تُكِلِّمَ في القدر، فقال: أو قد فعلوها؟ قلت: نعم، قال: فواللّه ما نزلت هذه الآية إلا فيهم: { ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر} أولئك أشرار هذه الأمة، فلا تعودوا مرضاهم ولا تصلوا على موتاهم، إن رأيت أحداً منهم فقأت عينيه بأصبعي هاتين ""أخرجه ابن أبي حاتم"". وعن عبد اللّه بن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (لكل أمة مجوس، ومجوس أمتي الذين يقولون لا قدر، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم) ""أخرجه الإمام أحمد"". وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس) ""رواه مسلم وأحمد عن ابن عمر مرفوعاً"". وفي الحديث الصحيح: (استعن باللّه ولا تعجز، فإن أصابك أمر فقل: قدر اللّه وما شاء فعل، ولا تقل لو أني فعلت لكان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان) وروى الإمام أحمد، عن الوليد بن عبادة قال: دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهد لي، فقال: أجلسوني، فلما أجلسوه، قال: يا بني إنك لن تطعم الإيمان ولن تبلغ حق حقيقة العلم باللّه، حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، قلت: يا أبتاه وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن يصيبك، وما أصابك لم يكن يخطئك، يا بني إني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (إن أول ما خلق اللّه القلم ثم قال له: اكتب، فجرى في تلك الساعة مما هو كائن إلى يوم القيامة) يا بني إن مت ولست على ذلك دخلت النار ""أخرجه أحمد والترمذي، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب"".

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :*الله جل جلاله هو المَلك الحق هو مَلِك العالمين :

   ثبت في صحيح مسلم، عن عبد اللّه بن عمرو قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إن اللّه كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) زاد ابن وهب: { وكان عرشه على الماء} ""أخرجه مسلم والترمذي"". وقوله تعالى: { وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر} وهذا إخبار عن نفوذ مشيئته في خلقه، كما أخبر بنفوذ قدره فيهم، فقال: { وما أمرنا إلا واحدة} أي  إنما  نأمر بالشيء مرة واحدة، لا نحتاج إلى تأكيد بثانية، فيكون ذلك موجوداً كلمح البصر لا يتأخر طرفة عين، وما أحسن ما قال بعض الشعراء: إذا ما أراد اللّه أمراً فإنما ** يقول له: كن - قولة - فيكون

وقوله تعالى: { ولقد أهلكنا أشياعكم} يعني أمثالكم وسلفكم من الأمم السابقة المكذبين بالرسل، { فهل من مدّكر} ؟ أي فهل من متعظ بما أخزى اللّه أولئك، وقدَّر لهم من العذاب، كما قال تعالى: { وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل} ، وقوله تعالى { وكل شيء فعلوه في الزبر} أي مكتوب عليهم في الكتب التي بأيدي الملائكة عليهم السلام، { وكل صغير وكبير} أي من أعمالهم { مستطر} أي مجموع عليهم ومسطّر في صحائفهم، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وقد روى الإمام أحمد، عن عائشة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من اللّه طالباً) ""أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة""، وقوله تعالى: { إن المتقين في جنات ونهر} أي بعكس ما الأشقياء فيه من الضلال والسعر، والسحب في النار على وجوههم، مع التوبيخ والتقريع والتهديد، وقوله تعالى: { في مقعد صدق} أي في دار كرامة اللّه ورضوانه، وفضله وامتنانه، وجوده وإحسانه { عند مليك مقتدر} أي عند الملك العظيم، الخالق للأشياء كلها ومقدرها، وهو مقتدر على ما يشاء مما يطلبون ويريدون، وقد روى الإمام أحمد، عن عبد اللّه بن عمرو يبلغ به النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (المقسطون عند اللّه على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا) ""أخرجه مسلم وأحمد والنسائي"". سورة الرحمن روى الترمذي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي اللّه عنه قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا فقال: (لقد قرأتها على الجن ليلة الجن، فكانوا أحسن مردوداً منكم، كنت كلما أتيت على قوله تعالى: { فبأي آلاء ربكما تكذبان} قالوا: لاشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد) ""أخرجه الترمذي ورواه الحافظ البزار وابن جرير بنحوه"".

قال الطبري : وَقَوْله : { فِي مَقْعَد صِدْق } يَقُول : فِي مَجْلِس حَقّ لَا لَغْو فِيهِ وَلَا تَأْثِيم { عِنْد مَلِيك مُقْتَدِر } يَقُول : عِنْد ذِي مُلْكٍ مُقْتَدِر عَلَى مَا يَشَاء , وَهُوَ اللَّه ذُو الْقُوَّة الْمَتِين , تَبَارَكَ وَتَعَالَى . آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ .وَقَوْله : { فِي مَقْعَد صِدْق } يَقُول : فِي مَجْلِس حَقّ لَا لَغْو فِيهِ وَلَا تَأْثِيم { عِنْد مَلِيك مُقْتَدِر } يَقُول : عِنْد ذِي مُلْكٍ مُقْتَدِر عَلَى مَا يَشَاء , وَهُوَ اللَّه ذُو الْقُوَّة الْمَتِين , تَبَارَكَ وَتَعَالَى . آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ .'

قال القرطبي : قوله تعالى { في مقعد صدق} أي مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة { عند مليك مقتدر} أي يقدر على ما يشاء. و { عند} ها هنا عندية القربة والزلفة والمكانة والرتبة والكرامة والمنزلة. قال الصادق : مدح الله المكان الصدق فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق. وقرأ عثمان البتي { في مقاعد صدق} بالجمع؛ والمقاعد مواضع قعود الناس في الأسواق وغيرها. قال عبدالله بن بريدة : إن أهل الجنة يدخلون كل يوم على الجبار تبارك وتعالى، فيقرءون القرآن على ربهم تبارك وتعالى، وقد جلس كل إنسان مجلسه الذي هو مجلسه، على منابر من الدر والياقوت والزبرجد والذهب والفضة بقدر أعمالهم، فلا تقر أعينهم بشيء قط كما تقر بذلك، ولم يسمعوا شيئا أعظم ولا أحسن منه، ثم ينصرفون إلى منازلهم، قريرة أعينهم إلى مثلها من الغد. وقال ثور بن يزيد عن خالد بن معدان : بلغنا أن الملائكة يأتون المؤمنين يوم القيامة فيقولون : يا أولياء الله انطلقوا؛ فيقولون : إلى أين؟ فيقولون : إلى الجنة؛ فيقول المؤمنون : إنكم تذهبون بنا إلى غير بغيتنا. فيقولون : فما بغيتكم؟ فيقولون : مقعد صدق عند مليك مقتدر. وقد روي هذا الخبر على الخصوص بهذا المعنى؛ ففي الخبر : أن طائفة من العقلاء بالله عز وجل تزفها الملائكة إلى الجنة والناس في الحساب، فيقولون للملائكة : إلى أين تحملوننا؟ فيقولون إلى الجنة. فيقولون : إنكم لتحملوننا إلى غير بغيتنا؛ فيقولون : وما بغيتكم؟ فيقولون : المقعد الصدق مع الحبيب كما أخبر { في مقعد صدق عند مليك مقتدر} .

[الأنترنت – موقع {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}55 القمر]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الأربعون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :

*معنى الاسم في حق الله :

الملك جل جلاله هو: "النافذُ الأمر في مُلكه؛ إذ ليس كل مالك يَنفُذ أمرُه أو تصرُّفه فيما يَملِكه، فالملك أعم من المالك، والله تعالى مالك المالكين كلهم، وإنما استفادوا التصرف في أملاكهم من جهته تعالى"[ - تفسير أسماء الله الحسنى؛ أبو إسحاق الزجاج.]

الملك جل جلاله هو: المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة"[- تفسير ابن كثير.]

الملك جل جلاله هو: الذي يَستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود، ويحتاج إليه كل موجود[ المقصد الأسنى؛ الغزالي.]

الملك جل جلاله هو: الذي يُمَلِّك مَن يشاء ما يشاء مِن ملكه تمليكًا مؤقتًا، ثم يسترده منه ملكُ الملوك في

الوقت الذي يشاء كيف يشاء. الملك جل جلاله هو: الذي لا ينازعه في ملكه منازع، ولا يعارضه فيه معارض، يتصرَّف في ملكه تصرُّف قادرٍ قاهر.الملك جل جلاله "هو: المتصرِّف في خلقه بما يشاء من الأمر والنهي، والعطاء والمنع، والقبض والبسط، والخفض والرفع، والإعزاز والإذلال، والإحياء والإماتة، والهداية والإضلال، لا مُعقب لحكمه ولا راد لقضائه[ - أسماء الله الحسنى؛ أبو عبدالله محمد لبيب.]

قال الزجاج : وقال أصحاب المعاني : الملك ، النافذ الأمر في ملكه إذ ليس كل مالك ينفذ أمره أو تصرفه فيما يملكه ، فالملك أعمُّ من المالك ، واللَّه تعالى مالك المالِكين كلِّهم ، وإنما استفادوا التصرف في أملاكهم من جهته تعالى

وقال الخطابي : الملك : هو التام الملك الجامع لأصناف المملوكات ، فأما المالك : فهو خاص الملك

وقال الليث : الملك هو اللَّه - تعالى وتقدس - ملك الملوك له الملك وهو مالك يوم الدين

وقال ابن جرير : الملك الذي لا ملك فوقه ولا شيء إلا تحت سلطانه

وقال ابن كثير : { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ } [ الحشر : 23 ] أي : المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة

قال ابن القيم رحمه اللَّه : الملك الحق هو الذي يكون له الأمر والنهي

 فيتصرَّف في خلقه بقوله وأمره ، وهذا هو الفرق بين الملك والمالك ؛ إذ المالك هو المتصرِّف بفعله ، والملك هو المتصرِّف بفعله وأمره ، والرب تعالى مالك الملك فهو المتصرِّف بفعله وأمره

صفات الملك جل جلاله:

1- انفراده تعالى بالملك :

فالله تعالى هو الملك وحده وما سواه مملوك؛ قال تعالى: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ [المؤمنون: 116]، فالمالك على الحقيقة هو الله جل جلاله، وقال تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء: 111]، فالملك الحقيقي لمن بدأ الخلق، وتفرَّد بالربوبية والتدبير، وهو الله الذي له الملك كله، وله الحكم كله، وإليه يُرجع الأمرُ كله، وقال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الملك: 1]، وقال تعالى: ﴿لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التغابن: 1]، وقال تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ﴾ [الناس: 1، 2]، فالله تعالى هو الملك والناس مملوكون، ولذلك فهم لا يَملِكون على الحقيقة، وفي الجمع الغفير والحشد الهائل الكبير - حشد الحجيج الذي يشبه حشد الحشر - تَسمع التلبية المباركة: "لبيك اللهم لبيك، لبَّيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك

 والملكَ، لا شريكَ لك".ولذلك إذا قيل: هل الإنسان يملك؟

كان الجواب: الإنسان لا يَملِك حقيقةً؛ لأن فقره وضَعفه ملازمٌ له؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر: 15]. فالإنسان أوله نُطفة، ثم عَلقة، ثم مُضغة، ثم بعد ذلك يولد عاريًا عاجزًا، يصرخ طالبًا أسباب الحياة، فأين ملكه في هذا الوقت؟ ثم هو عند الاحتضار لا تُغني عنه ممتلكاته كلها شيئًا، ولا تَمُدُّ في أجله ولو لحظةً، فأين ملكه إذًا؟! فملك الإنسان في الحقيقة عارية مُستردة؛ لأنه يولد صفر اليدين، ويخرج كذلك؛ قال الله: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيه﴾ [الحديد: 7].

فقِهتْ هذا المعنى العظيم أُمُّ سُليم رضي الله عنها لَمَّا مات ولدها، قالت: "يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قومًا أعاروا عاريتهم أهل بيتٍ، فطلبوا عاريتهم، ألَهم أن يَمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسبْ ولدك[- رواه مسلم.]

وسُئل أعرابي يملِك قطيعًا من الغنم: لمن هذا؟ فقال بلسان مَن يعرف أن المالك الحقيقي لكل شيءٍ في هذه الدنيا إنما هو الله: هو لله في يدي!

فهذا صدقُ إيمان ويقين بأن الملك هو الله، وهكذا المؤمن العارف بالله، يعلم أن بيته وسيارته ومتجره، ومصنعه وبستانه ومزرعته، كل ذلك ملك لله تعالى على الحقيقة، لكنه ملَّكك إياها ملكًا مؤقتًا، واستخلفك فيها لينظر كيف تعمل!

فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الدنيا حُلوة خَضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعلمون...)).

وانظر إلى مَن قيل عنهم: إنهم ملوك - لسَعة مُلكهم وعِظَم سلطانهم - كهارون الرشيد الذي كان ينظر إلى السحابة في عنان السماء، ويقول: أمطري حيث شئتِ، فسوف يأتيني خَراجك؛ يقول ذلك مِن سَعة ملكه!

"لَمَّا احْتُضِر أمر بحفر قبره، ثم حُمِل إليه، فاطَّلع فيه فبكى حتى رُحِم، ثم قال: يا مَن لا يزول ملكه، ارحَم مَن زال ملكه[ التبصرة؛ ابن الجوزي.]

دخل عليه ابن السماك فقال له هارون: عظني، فقال: يا أمير المؤمنين، أرأيتَ إن مُنِعت شربة ماء عند العطش، أكنتَ تفديها بنصف ملكك؟ قال: نعم، قال: أرأيت إن مُنِعت خروجها عند الحاجة أكنتَ تفديها بالشطر الآخر؟ قال: نعم، قال: ملكك لا يساوي شربة وبولة"[شأن الدعاء؛ الخطابي.]                        إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الواحدة والأربعون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*معنى الاسم في حق الله :

انظرْ إلى "آثار الفراعنة، وآثار الرومان واليونان وغيرهم، آثار تدل على أقوام سادوا ثم بادوا، ملكوا فترة مِن الزمن رقعة مِن الأرض، ثم أذن الله تعالى بزوالهم؛ ليتضح لنا أن الملك الحق له وحده، وأن البشر إنما يملكون طارئًا مؤقتًا؛ فإما أن يُزال عنهم، أو يزولون عنه"

[مع الله؛ سلمان العودة.]

ومَن جهِل هذه الحقيقة أو تعامى عنها، علِمها يقينًا يوم القيامة حين يُقررها الله أمام الخلائق قائلًا: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ [غافر: 16]، ثم يُجيب نفسه: ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غافر: 16].

ليس فقط لأنهم سمعوا الملك ينادي؛ بل لأنه ينزع منهم يوم القيامة كل ما يَملكونه، حتى جوارحهم يفقدون التحكم فيها، والسيطرة عليها، فتشهد عليهم وتحاجهم أمام الله؛ قال الله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: 4].

مع أنه تعالى مالك يوم الدنيا ومالك يوم الدين، ولكن هناك مَن يدَّعي في الدنيا أنه ملكٌ يأمر وينهى، ويمتلك الدور والقصور والذهب والفضة، أما يوم الدين فلا يَدَّعي أحد أنه يملك شيئًا؛ لأن الناس يُحشرون حُفاةً عُراةً غُرلًا بُهْمًا؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾ [الأنعام: 94]، وقال تعالى: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا﴾ [الفرقان: 26].

مع أنَّ الملك دائمًا وأبدًا للرحمن، لكن القلوب القاسية قلوب الغافلين لا تستيقظ إلا بعد فوات الأوان؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ((يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهنَّ بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرَضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟))[ رواه مسلم.]

وجاء حَبْرٌ مِن اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، إن الله يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع والأرَضين على إصبع، والجبال والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهنَّ ويقول: أنا الملك، أنا الله، ((فضحِك رسول الله تصديقًا لقول الحَبر، ثم قرأ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر: 67]))[- متفق عليه.]

2- ملكه تعالى لا ينقص بالعطاء:

بخلاف ملوك الدنيا، فإنهم إذا أعطوا انتقص ملكهم بالعطاء، أما الملك الحق سبحانه فخزائنه لا تغيض ولا تنفَد مهما أعطى منها وأنفَق؛ قال الله تعالى: "يا عبادي، لو أن أولكم وآخرَكم، وإنسكم وجنَّكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيتُ كلَّ إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي، إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر[رواه مسلم.]

وقال صلى الله عليه وسلم: ((يد الله ملأى لا يَغيضها نفقة، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض))[ متفق عليه.]

انظر كم مِن أناس أكلوا وشربوا، وتملَّكوا في الدنيا وكانوا وكانوا، كل ذلك مِن ملكه ورزقه سبحانه[ اسم الله الملك؛ محمد الدبيسي.]

3- انفراده تعالى بالعطاء والمنع والإيتاء والنَّزْع:

ولذلك كان هو الملك الحق؛ قال ابن القيم عليه رحمة الله: "إن حقيقة الملك إنما تتم بالعطاء والمنع، والإكرام والإهانة، والإثابة والعقوبة، والغضب والرضا، والتولية والعزل، وإعزاز مَن يليق به العز، وإذلال مَن يليق به الذل[ طريق الهجرين.]

قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [آل عمران: 26، 27].

4- لا يُسأل عما يفعل:

قال تعالى: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: 23]؛ لأن العادة أن يسأل الكبير الصغير عن فعله، ولا أكبر من الله، وأن يسأل الجليل الذليلَ عن فِعْله، ولا أجَل مِن الله، وأن يسأل الأعلى مقامًا الأدنى ولا أحد أعلى مِن الله[ هنيئًا لمن عرف ربه؛ خالد أبو شادي.]

قال الإمام النسَفي: "لأنه المالك على الحقيقة، ولو اعترض على السلطان بعضُ عبيده مع وجود التجانس، وجواز الخطأ عليه وعدم الملك الحقيقي لاسْتُقْبِح ذلك وعُدَّ سَفهًا، فمَن هو مالك الملوك ورب الأرباب، وفعله صواب كله، أَولى بألا يُعترَض عليه؟"[تفسير النسفي.]

5- أنه فعال في ملكه لما يريد، ولا يقع في ملكه إلا ما يريد:

ولا تحدث حركة في هذا الكون إلا بإذنه؛ روى البخاري في صحيحه مِن حديث أبي ذر، قال: دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فلما غربت الشمس، قال: ((يا أبا ذر، هل تدري أين ذهبت هذه؟))، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإنها تذهب تستأذن في السجود، فيؤذن لها، وكأنها قد قيل لها: ارجعي من حيث جئت، فتَطلُع من مغربها))، ثم قرأ: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [يس: 38]؛ فسبحانه القائل: ﴿وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 247]، وسبحانه القائل: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: 82].

وعندما كسر إبراهيم الأصنام التي تُعبَد مِن دون الله، أراد قومه أن يُحرِّقوه، فلما ألقَوْه في النار،ما بعث الله ريحًا لتطفئها ولا ماء لتُخمدها، ولا ملكًا ليُخرج إبراهيم، إنما تكلم بكلمة إلى النار، فخضعت لأمر الملك الجبار؛ قال تعالى:﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء: 69][المعاني الإيمانية في شرح أسماء الله الحسنى الربانية؛ وحيد بالي.]

فسبحانه: (كل يوم هو في شأن، ومِن شأنه أن يغفرَ ذنبًا ويُفرج كربًا، ويرفع أقوامًا ويخفض آخرين)[رواه البخاري مرفوعًا معلقًا.]

فسبحانه القائل: ((ولا تسبوا الدهر؛ فإني أنا الدهر، الأيام والليالي لي، أُجددها وأُبليها، وآتي بملوكٍ بعد ملوك"[رواه أحمد في المسند، وصحَّحه الأرناؤوط، وانظر السلسة الصحيحة، وصحيح الترغيب والترهيب.]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثانية والأربعون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :*حق الملك جل جلاله:

1- أن تعتقد أنه لا يملك أمر نفعِك أو ضرك إلا المَلِكُ:

فتَسير في حياتك هذه بوجه واحدٍ، لا تقول إلا الحق، ولا تعمل إلا الحق، ولا تَجبن في مواجهة مَن لا يملك مِن أمرك فضلًا عن أمر نفسه شيئًا ؛ قال تعالى :﴿ قُلْ لَاأَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَاجَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَايَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [يونس: 49].فكما أنه لا يملك إنهاء أجَلِك إلا الملك، فكذلك لا يَملك نفعَك أو ضرَّك إلا الملك؛ يقول تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا * قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا﴾ [الجن: 20، 21].

2- ألا تسال غيره ولا تطلب ممن سواه:

لأنه لا يملك على الحقيقة غيره ولا يُدبر الأمر سواه، فكل ما أردتَ وتمنيتَ قليلًا كان أو كثيرًا - مِن شفاءٍ أو صحةٍ، أو مالٍ أو ولدٍ أو زوجة، أو نجاحٍ في حياة عملية، أو زوجية، أو صلاحٍ في دين، أو غير ذلك - كل ذلك لا يَملِك خزائنه إلا الله.

فكيف تطلب ممن لا يملك شيئًا وتترك باب مَن يملك كل شيء؟!

وفي بعض الإسرائيليات - الموافقة - أن موسى قال: "يا رب، إنه لتَعرضُ لي الحاجة من الدنيا، فأستحيي أن أسألك، فقال: سَلْني حتى مِلح عجينك وعَلف حمارك[ جامع العلوم والحكم.]

دخَل هشام بن عبدالملك الكعبة، فإذا هو بسالم بن عبدالله بن عمر،

 فقال له: يا سالم، سلني حاجةً، فقال له: إني لأَستحيي من الله أن أسألَ في بيت الله غيرَ الله، فلما خرج في أثره، قال له: الآن قد خرجتَ، سلني حاجة، فقال له سالم: حوائج الدنيا أم حوائج الآخرة؟! قال: بل حوائج الدنيا! فقال له سالم: ما سألتها مَن يَملكها، فكيف أسأل مَن لا يَملكها؟![صفة الصفوة.]

3- استحقاقه وحده للعبادة:

لما كان الحق هو الخالق لكل شيء، والمالك لكل شيء، والمتصرف في كل شيء، فإنه وحده المستحق للعبادة دون سواه، والآلهة التي تُعبَد من دونه مخلوقة مملوكة مربوبة، لا تملك مِن دون الله شيئًا، وألوهيتها باطلة، وعبادتها ظلم وضلال[ أسماء الله الحسنى؛ عمر الأشقر.]

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: 17]، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: 13، 14]، وقال تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا﴾ [الفرقان: 3]، وقال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا﴾ [الإسراء: 56].فالذي يملك كشف الضر وحده، والذي يقدر على تحويل كل شيء وحده، والتحكم في كل شيء وحده، والهيمنة على كل شيء وحده - الملك جل جلاله الذي لا يستحق العبادة سواه.

4- الطاعة المطلَقة:

فإذا كان الملك الحقيقي الدائم الكامل لله تعالى وحده لا شريك له، فالطاعة المطلقة إنما تكون له وحده لا شريك له؛ لأن مَن سواه مِن ملوك الأرض إنما هم عبيدٌ له تحت إمرته؛ فلا بد مِن تقديم طاعة الملك على طاعة من سواه، وحكمه على حكم مَن سواه، فلا طاعة لأحد إلا في حدود طاعته، أما في معصيته فلا سمع ولا طاعة؛ قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].

5- أن تعتقد أنه ملك الملوك وملك الأملاك، فلا يتسمَّى بذلك غيره:

روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أَغيظُ رجلٍ على الله يوم القيامة وأخبثُه، رجلٌ كان يُسمى: ملك الأملاك، لا مَلِكَ إلا الله)).وفي رواية أحمد: ((اشتد غضب الله على مَن زعَم أنه: ملك

الأملاك، لا مَلِكَ إلا الله)).

ويلتحق بذلك ما في معناه؛ كأحكم الحاكمين، وسلطان السلاطين، وقاضي القضاة، وأمير الأمراء ونحو ذلك؛ لأن الملك جل جلاله هو الأحق بذلك، ولا شريك له في ذلك[ - انظر: فتح الباري، ج1.]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثالثة والأربعون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *حق المَلِك جل جلاله:

6- أن نتواضع له:

فإن مَن عرف أن الله هو الملك الحق، فلا بد أن يتواضع ولا يرفع نفسه فوق منزلة العبيد، حتى لو كان مِن الملوك؛ فإنه لا يعدو كونه عبدًا فقيرًا يقع تحت قهر الله وسلطانه[ المعاني الإيمانية شرح الأسماء الحسنى الربانية.]

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جلس جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى السماء، فإذا مَلَكٌ ينزل، فقال جبريل: إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خُلِق قبل الساعة، فلما نزل، قال: يا محمد، أرسلني إليك ربُّك، قال: أفملكًا نبيًّا يجعلك، أو عبدًا رسولًا؟ قال جبريل: تواضَع لربِّك يا محمد، قال: ((بل عبدًا رسولًا))[رواه أحمد وسنده صحيح.]

7- أن تعلم أن لكل ملكٍ حِمًى:

فمَن أراد لنفسه النجاة، فليتَّق عقوبة الملك باجتناب محارمه؛ فعن النعمان بن بشير قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات، لا يَعلمهنَّ كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه، ومَن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حِمى، ألا وإن حمى الله محارمه))[متفق عليه.]

فإذا كان الملوك يجمعون الأرض التي لهم، ويُحيطونها بحمى وسياج، فلا يدنو منها أحدٌ، فمن اقترب منها أو تجاوزها فقد عرَّض نفسه للعقوبة البالغة، فكيف تُتَجاوزُ حدودُ الملك ويُستهان بحقوقه؟!

8- اتقِ الله فيما تملِك:

إذا أردت النجاة بين يدي الله، فانظرْ لكل ما ملكته بنظرتين:

الأولى: أنه قد يُسلَبُ منك في أي لحظة، وغالب السلب إنما يكون على سبيل العقوبة، فوجب أن تكون على حذرٍ؛ قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ﴾ [الأنعام: 46].

الثانية: أن تصرُّفك فيما تملِك ابتلاءٌ وامتحان وفتنة؛ كما قال تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾ [المائدة: 48]، وقال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الكهف: 7].

وكلما زاد ملكك زادتْ فتنتك، فاَّتقِ الله فيما تملك؛ قال ابن مسعود: "ما أحد أصبح في الدنيا إلا وهو ضيفٌ وماله عارية، والضيف مُرتحل والعارية مردودة"[الزهد؛ الإمام أحمد.]

وما المالُ والأهلون إلا ودائعُ *** ولا بدَّ يومًا أن تُرَدَّ الودائعُ

9- أن تكون على يقين من أن كل ملك في هذه الدنيا زائلٌ:

أراد أحد الصالحين أن ينصح ملكًا، فكتب على كرسي الحكم: "لو دام لغيرك لَمَا وصل إليك"،فكل مَلِك في هذه الدنيا ينتهي ملكه بالموت أو بفقْد السيطرة عليه، لكن الله هو الملك الذي لا يُقهر: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص: 88].

لا شيءَ مما ترى تَبقى بشاشتُه *** يَبقى الإلهُ ويَفنى المالُ والولدُ

وأخيرًا:قد يُصبح الإنسان ملِكًا دون أن تكون له رعية يَحكمها إذا قهَر الإنسان شهوته، وتغلَّب على نفسه ووساوس شيطانه، وسيطر على هواه، وحكَم لسانه وعينيه وأُذنيه، فالملك على الحقيقة هو مَن ملَك نفسه وملَك نجاتها.

وكذلك مَن ملك ما يستغني به عن الخلق، وتعفَّف وقنَع بما رزقه الله - كان ملكًا؛ قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: 20].

ومعلوم أنهم لم يكونوا جميعًا ملوكًا، ولكن كان منهم ملوك! قال ابن عباس: كان الرجل من بني إسرائيل إذا كان له زوجة ودار وخادم، سُمِّي ملكًا[ أسماء الله الحسنى والتأدب معها والتخلق بها؛ أبو عبدالله محمد لبيب.]وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أصبح منكم معافًى في بدنه، آمنًا في سِربه، عنده قُوت يومه؛ فقد حِيزت له الدنيا بحذافيرها))[رواه الترمذي، وصحَّحه الألباني.[ الأنترنت – موقع الألوكة - د. شريف فوزي سلطان]

*المعنى الإصطلاحي لكلمة ملك‌ 

   إنّ الأصل الواحد في المادّة : هو التسلّط على شي‌ء بحيث يكون اختياره بيده ، وهذا التسلّط إمّا بالنسبة الى ذات الشي‌ء أصلا وفرعا ، كما في مالكيّة اللّٰه لخلقه. أو بالنسبة الى الذات اعتبارا ، كما في المملوك والمبيع. أو بالنسبة الى ما يستفاد منه ، كما في الاجارة والنكاح. وإمّا بالنسبة الى أمورهم ووظائفهم الاجتماعيّة ، كما في تسلّط الحاكم والسلطان. وإمّا تسلّط على النفس وهواه ، كما في النفوس المهذبة المرتاضة. وغيرها من أنحاء التسلّط.

وأمّا الملك والملائكة والملكوت : فمأخوذة من العبريّة والسريانيّة كأصل المادّة ، مضافا الى أنّ هذه الكلمات قد استعملت في اللغتين وفي العربيّة أيضا في حقيقة مفهوم المادّة ، وهو التسلّط.

فانّ الملكوت ذو زيادة من الملك مصدرا كالجبروت من الجبر والرحموت من الرحمة ، والرهبوت من الرهبة ، والعظموت من العظمة والركبوت‌ من الركب ، وتدلّ الزيادة على زيادة في المعنى وعظمة وامتداد وسعة في المفهوم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الرابعة والأربعون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *المعنى الإصطلاحي لكلمة ملك‌ 

والملائكة : جمع مليك كالخلائف أو جمع ملاك كالصبائح في صباح ، ويؤيّد هذا أنّ الملاك في العبريّة بمعنى الملك ، وأنّ بعضهم يذكرون أنّ مفرد الملائكة ملأك ، وهو قريب من الملاك. ولكنّ التحقيق أنّ هذه الكلمات إنّما أخذت من العبريّة.ثمّ إنّ مفاهيم القوّة والشدّة والصحّة والعزّة وأمثالها : إنّما هي من آثار التسلّط ومن لوازمه ، والأصل ما ذكرناه.

وأمّا حقيقة المالكيّة في الملائكة : فانّهم خلقوا ممّا وراء المادّة منزّهين عن آثار المادّة وحدودها ، فأوجب ذلك لهم صفاء وروحانيّة وخلوصا وتجرّدا ، ومن لوازم هذا المعنى القوّة والشدّة والقدرة في أنفسهم وذواتهم ، وهذا حقيقة المالكيّة فيهم ، فيتجلّى المالكيّة في وجودهم ، بخلاف الإنسان المحدود بحدود زمانيّة ومكانيّة ومادّيّة.

فظهر أنّ الملك والملائكة مأخوذة من مادّة الملك في العبريّة والسريانيّة والأراميّة والعربيّة ، والقول باشتقاقها من الألك ، كما في كتب اللغة :في غاية الوهن.

وكذلك تفسيرها بمفهوم الرسالة : فإنّ الملائكة غير مأخوذ في مفهومها معنى الرسالة ، كمفاهيم العبادة والخضوع والمعرفة والاطاعة والمأموريّة في بعض الأعمال وغيرها من خصائص مراتبهم.

وباقتضاء هذه الخصوصيّات الممتازة في خلقتهم ينسب اليهم امور :

*من خصائص الملائكة

1- جهة الصفاء والنزاهة والطهارة والخشوع : كما في قضيّة يوسف عليه السّلام-. {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ } [يوسف : 31] والكريم من فيه عزّة وتفوّق في نفسه من غير استعلاء بالنسبة الى الغير ، وهو في قبال الهوان.

2- انّهم ممّا وراء عالم المادّة وليسوا من جملة ما يعيش في الأرض :

كما في-. {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} [الأنعام : 8]. {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} [الإسراء : 95] وليس المراد السماء الدنيا المادّية المحسوسة ، فانّ من يعيش فيها فهو في محيط عالم المادّة ومحدود بحدودها ، ولو كان باختلافات يسيرة.

3- قدرتهم وقوّتهم الممتازة العالية ونفوذهم في الإنسان : كما في-. {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة : 11]. {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ } [آل عمران : 125]. {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [محمد : 27]

 4- كون بعضهم مستعدّين للرسالة وأن يكونوا وسائط بين اللّٰه عزّ وجلّ وبين خلقه بمقتضى خلقتهم الممتازة : كما في-. {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ} [آل عمران : 45]. {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [النحل : 2]. {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج : 75] وهذا يدلّ على أنّ فيهم استعداد الارتباط باللاهوت وبالناسوت ، والمراد من الناسوت : الّذين خرجوا عن ظلمة عالم الطبيعة ونوّروا قلوبهم بأنوار اليقين والمعرفة وكشفوا الحجب عن بصائر بواطنهم واستعدّوا بالارتباط بالملكوت.

5- فيهم استعداد أن يعيشوا في محيط اللاهوت وفي محضر من تجلّى أنوار عظمته وكبريائه : قال تعالى- {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [الزمر: 75].

{ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج : 4]. {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22]. {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة : 17] سبق أنّ العرش سرير العظمة والجلال والجمال للّٰه عزّ وجلّ ، والحمل لا بدّ وأن يكون حملا روحانيّا لاهوتيّا. وحمل العرش والتحفّف منه والعروج اليه تعالى والتصفّف عند مجي‌ء الربّ : آيات من مقامات الملائكة اللاهوتيّة-[ راجع العرش ].

6- إنّهم لا يعصون اللّٰه عزّ وجلّ : قال تعالى- {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم : 6] فانّ هؤلاء الملائكة مع كونهم في مقام الشدّة والغلظة في قبال الكافرين والمنافقين والمخالفين ،وكونهم في أنفسهم غلاظا شدادا : لا يعملون عملا خلاف ما أمر اللّٰه عزّ وجلّ.

7- إنّهم يوافقون اللّٰه تعالى في الدعاء واللعن : قال عزّ وجلّ :

{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [البقرة : 161]. {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ} [الأحزاب : 43]. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب : 56] فما يشاءون إلّا ما يشاء اللّٰه.

8- الكفر بالملائكة كفر باللّٰه وبرسله : قال تعالى- { وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } [النساء : 136]. {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ } [البقرة : 98]. {وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة : 285] فانّ الايمان باللّٰه عزّ وجلّ يلازم الايمان بأسمائه وصفاته ومظاهره ومجاليه ، والملائكة مظاهر صفاته تعالى وإنّهم فانون في قبال عظمته وجلاله وجماله ، ليس لهم على خلاف رضائه تعالى برنامج ، وهكذا الرسل والكتب النازلة من جانبه.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الخامسة والأربعون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *المعنى الإصطلاحي لكلمة ملك‌ 

والملائكة في هذه الجهة أقوى وأتمّ ، فانّ وجودهم وخلقتهم متكوّنة على هذه المظهريّة بالذات ، من دون حاجة الى الرياضة والسير ، وعلى هذا قدّمت على الرسل والكتب في هذه الآيات الكريمة.

9- الأنبياء المرسلون والأولياء المقرّبون مقدّمون من جهة المقام والقرب والمنزلة من اللّٰه عزّ وجلّ من الملائكة : وبهذا اللحاظ نزلت الآيات الكريمة-. {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة : 30]. {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ} [البقرة : 34]. {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب : 72] فانّ الملائكة كلّ نوع منهم مظهر خاصّ لصفة معيّنة من صفات اللّٰه تعالى وأسمائه ، منهم ساجدون ، ومنهم راكعون ، ومنهم قائمون ، ومنهم حاملون للعرش ، ومنهم ذاكرون ، ومنهم صافّون لا يتزايلون ، ومنهم مسبّحّون لا يسأمون ، ومنهم أمناء على وحيه وألسنة الى رسله ، ومنهم الحفظة لعباده ، ومنهم السدنة لأبواب جنانه- راجع الخطبة الأولى من النهج خلقة الملائكة.

فالإنسان فيه استعداد لأن يكون مظهرا لصفات مختلفة ، بل لجميع الصفات والأسماء الإلهيّة- كما ورد بأنّهم الصفات العليا والأسماء الحسنى.

وهذه المظهريّة التامّة الّتى أوجبت سجود الملائكة له باقتضاء ذاتيّ تكوينيّ ثابت ، ويدلّ عليها قوله تعالى - {جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة : 30] ... ، . {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ } [البقرة : 31] ... ، . {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة : 32]... ، . {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29] فالخلافة الواقعيّة الحقّة ، والتعلّم الحقّ بالعلم الحضوريّ ، والنفخ من روحه : تدلّ على تلك المظهريّة التامّة والقرب الروحانيّ الكامل.

10- وهذا التنوّع الخاص والخصوصيّات المخصوصة في الملائكة :

أوجب تمايز وظائفهم واختصاص كلّ نوع منهم بوظيفة معيّنة ، وهذا بخلاف الإنسان ، فيبعث رسولا ونبيّا الى كافّة الخلق وفي جميع الشئون والأمور ، من اعتقادات ومعارف ، ومن أخلاقيّات وما يرتبط بتزكية النفوس ، ومن أعمال ووظائف مختلفة.

فالنبيّ هو الأمين المطلق والسفير بين اللّٰه عزّ وجلّ وبين قاطبة الخلق في جميع الجهات.

فهذه عشر خصوصيّات فيما يرتبط بعوالم الملائكة.

*وأمّا المالكيّة والمملوكيّة : فقلنا إنّ لها مراتب :

الأوّل- مالكيّة مطلقة لذوات الأشياء إيجادا وإفناءا وإبقاءا ، وهذه المرتبة مختصّة باللّٰه خالق الأشياء ، فانّه تعالى خلق جميع الأشياء وقدّرها-. {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [آل عمران : 26]. {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفتح : 14]. {إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ} [التوبة : 116]. {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ} [المائدة : 120]. {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء : 111] فالتسلّط والمالكيّة الحقّة الأصيلة الثابتة للّٰه المتعال ، وهو يملك السموات والأرض وما فيهنّ ، يحيى ويميت ، ويخلق ويبقى ويفنى ، ولا شريك له.

فظهر أنّ الملك للّٰه عزّ وجلّ ، ولا مالك سواه ، وكلّ مالك لشي‌ء فانّما هو في المرتبة المتأخّرة وعلى نحو التجوّز وفي الظاهر- {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ } [آل عمران : 26]

 الثاني- مالكيّة وتسلّط ظاهريّ لأراضي وأهاليها قهرا أو بالعدل : وهذا يعبّر عنه بالملك والسلطان ، وهو إذا كان تسلّطه وحكومته باختيار من الناس وفي صلاحهم وفي برنامج عدل إلهىّ : فهو ظلّ اللّٰه في الأرض وخليفته فيها ، فيلزم اطاعة أوامره ، والرضا بحكمه ، كما في حكومة أولياء اللّٰه من الأنبياء والأوصياء-. {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} [البقرة : 251]. {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف : 101]. {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء : 54]. {إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ} [البقرة : 246، 247] وإذا كان ذلك التسلّط في برنامج الحياة الدنيا وطلب الرياسة وحبّ الشهوات ، وضبط الأموال والتعدّي الى العباد واضاعة حقوق المستضعفين وترويج الباطل وإضلال الناس : فهو حاكم ظالم ، نعوذ باللّٰه من شرّه المادّيّ والمعنويّ- قال تعالى-. {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل : 34]. {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} [الزخرف : 51، 52] وهؤلاء سلاطين الجور يحرّفون الناس عن دينهم ودنياهم ، وأكثر‌ الانحرافات والتمايلات المادّيّة نتيجة آرائهم وأعمالهم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السادسة والأربعون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

 *المعنى الإصطلاحي لكلمة ملك‌ 

الثالث- مالكيّة وتسلّط ظاهريّ بجعل إلهىّ وتحت مقرّرات صحيحة عادلة : كما في المعاملات والعقود المبحوث عنها في الكتب الفقهيّة.

الرابع- التملّك والتسلّط بالعمل والفعّاليّة : كما في الزراعة والصناعة والمجاهدة ، ومنها التملّك على الأسرى في المحاربة والجهاد مع المشركين والكفّار. قال تعالى {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون : 6]. {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ } [الروم : 28] فظهر أنّ الملك للّٰه المتعال ، فانّ اللّٰه هو الخالق المنشئ المكوّن المحيي المميت المدبّر ، ولا يملك أحد شيئا إلّا بإذنه ، إمّا بإذن عامّ كما في خلفائه وأوليائه المنصوبين المخصوصين ، أو بإذن خاصّ كما في الموارد الّتى أشير اليها من أسباب التمليك في الشريعة.

وأمّا التملّك والتسلّط بالقهر والجور والظلم والباطل ، أو على خلاف المقررّات والشرائط المعيّنة في الشريعة الالهيّة : فلا يفيد مالكيّة بل إنّها باقية على أصلها من مالكيّة اللّٰه عزّ وجلّ.

فالحكم فيها لأنبيائه وأوصيائه على ما هو الحقّ الواقع- {اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} [آل عمران : 26].

*وأمّا المالكيّة في عوالم الآخرة : فهي للّٰه المتعال على الإطلاق :

وتوضيح ذلك : أنّ عالم المادّة يحتاج إدامة الحياة فيه الى أسباب ووسائل ، فانّ الإنسان في عيشه محتاج الى مأكل ومشرب وملبس ومسكن وصحّة مزاج وانس واستراحة وعبوديّة ، وكلّ منها يتوقّف على تهيئة أسباب ووسائل ومقدّمات وعمل وفعّاليّة وصنعة وزراعة وحرفة وتحصيل علم وتعاون.

وهذه الأمور تتوقّف على المالكيّة ووجود القدرة والاختيار التامّ في ما تحت يده ونفوذه وعمله وتصرّفه. فيجعل للتملّك موازين ومقرّرات وقوانين وأحكام في‌ الشرائع.

والحاجة الى هذه الوسائل أقلّ في عوالم الحيوانات ولا سيّما في الطيور ، لعدم الحاجة فيها الى ملبس ومسكن مخصوص وكسب وتجارة وفلاحة وصنعة وتحصيل علم وتهيئة وسائل وأسباب ، كما أنّ الأشجار في الآكام المستعدّة لا حاجة لها إلى تحصيل شي‌ء.

وأمّا الحياة في عالم الآخرة غير المادّيّة : فلا حاجة هناك الى مسكن وملبس ومأكل ومشرب والى سائر الأسباب والوسائل الّتى يستفاد منها في إدامة الحياة المادّيّة ، فانّ هذه الاحتياجات انّما هي من جهة البدن المادّيّ ، وأمّا البدن اللطيف البرزخيّ فلا حاجة فيه الى هذه الوسائل المادّيّة من مأكل مادّىّ ومكان ولباس واكتساب معيشة وحرفة وصنعة وسائر اللوازم الظاهريّة.

فحينئذ ينتفي موضوع المالكيّة اللازمة في الحياة الدنيويّة ، من الأراضيّ والأموال وأثاث البيت وأسباب الاكتساب ، ولوازم العيش وغيرها. قال تعالى-. {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا } [الفرقان : 26]. {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16]. {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة : 3، 4] سبق أنّ الدين هو الخضوع والانقياد قبال برنامج أو مقررّات معيّنة ، وهذا اليوم منحصر بعالم ما وراء المادّة. وقلنا إنّ الملك الحقّ هو للّٰه عزّ وجلّ ، إذ هو الخالق البارئ المصوّر.

{ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 18، 19]. {فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا } [سبأ : 42] فإذا انتفى عالم المادّة ولوازمه وأسبابه ، وظهرت حقيقة الخضوع والانقياد في دائرة الحياة للّٰه المتعال : فيكون الحكم والسلطان له عزّ وجلّ ، ولا‌ يبقى لأحد سلطان ولا حكومة. فانّ الحكم إمّا بالجبر والقهر : فلا يوجد في عالم الآخرة. وإمّا بأسباب ظاهريّة مقررّة كما في عالم المادّة : فهي منتفية. والملك يومئذ للّٰه.

وأمّا أسماء الملك والمليك والمالك : فمن الأسماء الحسنى ، والنظر في الملك الى جهة الثبوت. وفي المليك الى الثبوت والاستمرار. وفي المالك الى جهة قيام الصفة به.

وهو المالك المطلق الحقّ الثابت له الملك لجميع الموجودات وللسموات والأرض وما فيهنّ ، وليس له شريك في الملك.

{الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون : 116]. {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر: 23]. {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة : 4]. {اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ } [آل عمران : 26]. {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 55] فعبّر بالملك : في موارد يكون النظر فيها الى مطلق المالكيّة الثابتة. وبالمالك : إذا كان النظر الى قيام المالكيّة به فقط. وبالمليك : إذا كان النظر الى الاستمرار ، كما في الآية بقرينة القعود والعنديّة.[الأنترنت – موقع المرجع الألكتروني للمعلوماتية- الكتاب أو المصدر : التحقيق في كلمات القران الكريم- المؤلف : الشيخ حسن المصطفوي]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السابعة والأربعون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :*معنى المليك

المعنى اللغوي : المَلِيكُ : : صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من ملَكَ : صاحب الملْك

والمليك : اسم من أسماء الله الحسنى ، ومعناه : الملك حقًّا ، ومُلك ما سواه مجاز

وروده في القرآن والسنة من صفات الله الذاتية الثابتة بالكتاب والسُّنَّة، و(الـمَلِك) و(الـمَليك) من أسمائه تعالى.

·الدليل من الكتاب:

1- قولـه تعالى: قُلْ اللهُمَّ مَالِكَ الـمُلْكِ[آل عمران: 26].

2- قولـه تعالى: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ[القمر: 55].

3- قولـه تعالى: هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إلَّا هُوَ الْـمَلِكُ[الحشر: 23].

·الدليل من السُّنَّة:

1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟))  .

2- حديث عوف بن مالك رضي الله عنه: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)

قال ابن منظور في (لسان العرب): (مُلك الله وملكوته: سلطانه وعظمته).

وقال الفيروز أبادي في (القاموس المحيط): (الملكوت: العزُّ والسلطان).

وقال الزَّجَّاجي: (فأما الملك؛ فتأويله: ذو الملك يوم الدين، ويوم الدين هو يوم الجزاء والحساب، فوصف الله نفسه جَلَّ وعَزَّ بأنه الملك يوم لا ملك سواه...).

*  أخنع اسم عند الله رجل تسمّى ملك الأملاك

عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : "إنّ أخنع اسم عند الله رجل تسمّى ملك الأملاك ، لا مالك إلا الله ".أخرجه البخاري في الصحيح "6206" ، ومسلم في الصحيح "2143".وفي رواية لمسلم : ".... لا ملك إلا الله " فنلاحظ التسوية في الرواية بين ملك ومالك ،فكلتاهما من صفات الله عز وجل.

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله :" قوله : "لا مالك إلا الله " أي لا مالك على الحقيقة الملك المطلق إلا الله تعالى. وأيضا لا ملك إلا الله عز وجل ، ولهذا جاءت آية الفاتحة بقراءتين:

(ملك يوم الدين) و ( مالك يوم الدين) ، لكي يجمع بين الملك وتمام السلطان ، فهو سبحانه ملك مالك ، ملك ذو سلطان وعظمة و قول نافذ ، ومالك متصرف مدبر لجميع مملكته". القول المفيد ج2| 837

وقال أيضا رحمه الله : " أسماء الله تنقسم إلى قسمين:

الأول: مالا يصح إلا لله ، فهذا لا يسمّى به غيره ، وإن سمّي وجب تغيييره ، مثل : الله ، الرّحمن ، رب العالمين ، وما أشبه ذلك.

الثاني: ما يصح أن يوصف به غير الله مثل : الرحيم ، السميع ، البصير ، فإن لوحظت الصفة منع من التسمي به ، وإن لم تلاحظ جاز التسمي به على أنه علم محض ". القول المفيد ج2| 844

قلت: فلو أن مخلوقا اشترك مع الله في الاسم فلا يعني هذا عدم

جواز التعبيد لهذا الاسم ، فكونوا يا رعاكم الله على تنبه من هذا.

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله :" وإما ما لا يختص بالله ، فإنه يسمّى به غير الله إذا لم يلاحظ معنى الصفة ، بل كان المقصود مجرد العَلمية فقط ،لأنه لا يكون مطابقا لاسم الله ، ولذلك

كان من الصحابة من اسمه " الحكم" ولم يغيره النبي صلى الله عليه و سلم ، لأنه لم يقصد إلا العَلمية وفي الصحابة من اسمه "حكيم" وأقره النبي صلى الله عليه و سلم". القول المفيد ج2| 848

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثامنة والأربعون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :

*تفسير قوله تعالى : {قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ}

قال تعالى : {قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ۖ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ}

جاء في التفسير الميسر : قل -أيها النبي متوجها إلى ربك بالدعاء-: يا مَن لك الملك كلُّه، أنت الذي تمنح الملك والمال والتمكين في الأرض مَن تشاء مِن خلقك، وتسلب الملك ممن تشاء، وتهب العزة في الدنيا والآخرة مَن تشاء، وتجعل الذلَّة على من تشاء، بيدك الخير، إنك -وحدك- على كل شيء قدير. وفي الآية إثبات لصفة اليد لله تعالى على ما يليق به سبحانه.

وقال السعدى : يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم { قل اللهم مالك الملك } أي: أنت الملك المالك لجميع الممالك، فصفة الملك المطلق لك، والمملكة كلها علويها وسفليها لك والتصريف والتدبير كله لك، ثم فصل بعض التصاريف التي انفرد الباري تعالى بها، فقال: { تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء } وفيه الإشارة إلى أن الله تعالى سينزع الملك من الأكاسرة والقياصرة ومن تبعهم ويؤتيه أمة محمد، وقد فعل ولله الحمد، فحصول الملك ونزعه تبع لمشيئة الله تعالى، ولا ينافي ذلك ما أجرى الله به سنته من الأسباب الكونية والدينية التي هي سبب بقاء الملك وحصوله وسبب زواله، فإنها كلها بمشيئة الله لا يوجد سبب يستقل بشيء، بل الأسباب كلها تابعة للقضاء والقدر، ومن الأسباب التي جعلها الله سببا لحصول الملك الإيمان والعمل الصالح، التي منها اجتماع المسلمين واتفاقهم، وإعدادهم الآلات التي يقدروا عليها والصبر وعدم التنازع، قال الله تعالى: { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم } الآية فأخبر أن الإيمان والعمل الصالح سبب للاستخلاف المذكور، وقال تعالى: { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم } الآية وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين } فأخبر أن ائتلاف قلوب المؤمنين وثباتهم وعدم تنازعهم سبب للنصر على الأعداء، وأنت إذا استقرأت الدول الإسلامية وجدت السبب الأعظم في زوال ملكها ترك الدين والتفرق الذي أطمع فيهم الأعداء وجعل بأسهم بينهم، ثم قال تعالى: { وتعز من تشاء } بطاعتك { وتذل من تشاء } بمعصيتك { إنك على كل شيء قدير } لا يمتنع عليك أمر من الأمور بل الأشياء كلها طوع مشيئتك وقدرتك

وجاء في الوسيط لطنطاوي : قال القرطبي: قال ابن عباس وأنس بن مالك: «لما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة، ووعد أمته ملك فارس والروم، قال المنافقون واليهود: هيهات هيهات! من أين لمحمد ملك فارس والروم وهم أعز وأمنع من ذلك، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم. فأنزل الله هذه الآية..

والأمر بقوله قُلِ للنبي صلّى الله عليه وسلّم ولكل من يتأتى له الخطاب من المؤمنين.

وكلمة اللَّهُمَّ يرى الخليل وسيبويه أن أصلها يا الله فلما استعملت دون حرف النداء الذي هو «يا» جعلوا هذه الميم المشددة التي في آخرها عوضا عن حرف النداء، وهذا التعويض من خصائص الاسم الجليل، كما اختص بجواز الجمع فيه بين «يا» و «أل» وبقطع همزته، ودخول تاء القسم عليه.

والمعنى. قل أيها المخاطب على سبيل التعظيم لربك، والشكر له، والتوكل عليه والضراعة إليه، قل: يا الله يا مالك الملك أنت وحدك صاحب السلطان المطلق في هذا الوجود، بحيث تتصرف فيه كيف تشاء، إيجادا وإعداما، وإحياء وإماتة، وتعذيبا وإثابة، من غير أن ينازعك في ذلك أى منازع.

فكأن في هذه الجملة الكريمة قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ دعاءين خاشعين:

أما الدعاء الأول فهو بلفظ الجلالة المعبر عنه بقوله اللَّهُمَّ أى يا الله، وفي هذا النداء كل معاني العبودية والتنزيه والتقديس والخضوع.

وأما الدعاء الثاني فهو المعبر عنه بقوله مالِكَ الْمُلْكِ أى يا مالك الملك، وفي هذا النداء كل معاني الإحساس بالربوبية، والضعف أمام قدرة الله وسلطانه.

فقوله مالِكَ منصوب بحرف النداء المحذوف. كما في قوله قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى يا فاطر السموات والأرض.

ثم فصل- سبحانه- بعض مظاهر خلقه التي تدل على أنه هو مالك الملك على الحقيقة فقال- تعالى- تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ.

أى أنت وحدك الذي تعطى الملك من تشاء إعطاءه من عبادك، وتنزعه ممن تشاء، نزعه منهم، فأنت المتصرف في شئون خلقك لا راد لقضائك ولا معقب لحكمك.

وعبر بالإيتاء الذي هو مجرد الإعطاء دون التمليك المؤذن بثبوت المالكية، للتنبيه على أن المالكية على الحقيقة إنما هي مختصة بالله رب العالمين، أما ما يعطيه لغيره من ملك فهو عارية مستردة، وهو شيء زائل لا يدوم.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة التاسعة والأربعون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*تفسير قوله تعالى : {قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ}

والتعبير عن إزالة الملك بقوله {وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ } يشعر بأنه- سبحانه- في قدرته أن يسلب هذا العطاء من أى مخلوق مهما بلغت سعة ملكه، ومهما اشتدت قوته، وذلك لأن لفظ النزع يدل على أن المنزوع منه الشيء كان متمسكا به، فسلبه الله منه بمقتضى قدرته وحكمته.

والمراد بالملك هنا السلطان، وقيل النبوة، وقيل غير ذلك.

قال الفخر الرازي: وقوله تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ محمول على جميع أنواع الملك فيدخل فيه ملك النبوة، وملك العقل، والصحة، والأخلاق الحسنة. وملك النفاذ والقدرة، وملك المحبة، وملك الأموال، وذلك لأن اللفظ عام فالتخصيص من غير دليل لا يجوز» .

ومفعول المشيئة في الجملتين محذوف أى: تؤتى الملك من تشاء إيتاءه وتنزعه ممن تشاء نزعه منه.

أما الأمر الثاني الذي يدل على أنه- سبحانه- هو مالك الملك على الحقيقة فهو قوله وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ.

العزة- كما يقول الراغب- حالة مانعة للإنسان من أن يغلب، من قولهم: أرض عزاز:

أى صلبة، وتعزز اللحم: اشتد وعز، كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه.. والعزيز الذي يقهر ولا يغلب.

وتذل، من الذل، وهو ما كان عن قهر، يقال: ذل يذل ذلا إذا قهر وغلب والعزة صفة نفسية يحس بها المؤمن الصادق في إيمانه، لأنه يشعر دائما بأنه عبد الله وحده وليس عبدا لأحد سواه، قال- تعالى- وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ فالمؤمنون الصادقون أعزاء ولو كانوا في المال والجاه فقراء. أما الكافرون فهم أذلاء، لأنهم خضعوا لغير الله الواحد القهار.

والمعنى: أنت يا الله يا ملك الملك، أنت وحدك الذي تؤتى الملك لمن تشاء أن تؤتيه له، وتنزعه ممن تريد نزعه منه، وأنت وحدك الذي تعز من تشاء إعزازه بالنصر والتوفيق، وتذل من تشاء إذلاله بالهزيمة والخذلان، ثم ختم- سبحانه- الآية بهذا التسليم المطلق من المؤمنين لذاته فقال- تعالى-: بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

أى أنت وحدك الذي تملك الخير كله، وتتصرف فيه حسب إرادتك ومشيئتك، لأنك على كل شيء قدير.

وأل في الخير للاستغراق الشامل، إذ كل خير فهو بيده- سبحانه- وقدرته، وتقديم الجار والمجرور بِيَدِكَ لإفادة الاختصاص، أى بيدك وحدك على الحقيقة لا بيد غيرك، وجملة «إنك على كل شيء قدير» تعليلية.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: «كيف قال بِيَدِكَ الْخَيْرُ فذكر الخير دون الشر قلت: لأن الكلام إنما وقع في الخير الذي يسوقه إلى المؤمنين وهو الذي أنكرته الكفرة فقال بيدك الخير، تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك، ولأن أفعال الله- تعالى- من نافع وضار صادر عن الحكمة والمصلحة فهو خير كله كإيتاء الملك ونزعه» .

البغوى : قوله تعالى ( قل اللهم مالك الملك ) قال قتادة ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال ابن عباس رضي الله عنهما وأنس بن مالك رضي الله عنه لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وعد أمته ملك فارس والروم قال المنافقون واليهود : هيهات هيهات من أين لمحمد صلى الله عليه وسلم ملك فارس والروم؟ وهم أعز وأمنع من ذلك ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم؟ فأنزل الله هذه الآية ( قل اللهم ) قيل : معناه يا الله فلما حذف حرف النداء زيد الميم في آخره ، وقال قوم : للميم فيه معنى ، ومعناها يا ألله أمنا بخير أي : اقصدنا ، حذف منه حرف النداء كقولهم : هلم إلينا ، كان أصله هل أم إلينا ، ثم كثرت في الكلام فحذفت الهمزة استخفافا وربما خففوا أيضا فقالوا : لاهم ، قوله ( مالك الملك ) [ يعني يا مالك الملك ] أي مالك العباد وما ملكوا ، وقيل يا مالك السماوات والأرض ، وقال الله تعالى في بعض الكتب : " أنا الله ملك الملوك ، ومالك الملوك ، وقلوب الملوك ونواصيهم بيدي فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة وإن عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسب الملوك ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم " .

قوله تعالى : ( تؤتي الملك من تشاء ) قال مجاهد وسعيد بن جبير : يعني ملك النبوة وقال الكلبي : تؤتي الملك من تشاء محمدا وأصحابه ( وتنزع الملك ممن تشاء ) أبي جهل وصناديد قريش وقيل : تؤتي الملك من تشاء : العرب وتنزع الملك ممن تشاء : فارس والروم ، وقال السدي تؤتي الملك من تشاء ، آتى الله الأنبياء عليهم السلام وأمر العباد بطاعتهم ( وتنزع الملك ممن تشاء ) نزعه من الجبارين وأمر العباد بخلافهم ، وقيل تؤتي من تشاء : آدم وولده وتنزع الملك ممن تشاء إبليس وجنوده

وقوله تعالى : ( وتعز من تشاء وتذل من تشاء ) قال عطاء تعز من تشاء : المهاجرين والأنصار وتذل من تشاء : فارس والروم ، وقيل تعز من تشاء محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى دخلوا مكة في عشرة آلاف ظاهرين عليها ، وتذل من تشاء : أبا جهل وأصحابه حتى حزت رءوسهم وألقوا في القليب ، وقيل تعز من تشاء بالإيمان والهداية ، وتذل من تشاء بالكفر والضلالة ، وقيل تعز من تشاء بالطاعة وتذل من تشاء بالمعصية ، وقيل تعز من تشاء بالنصر وتذل من تشاء بالقهر ، وقيل تعز من تشاء بالغنى وتذل من تشاء بالفقر ، وقيل تعز من تشاء بالقناعة والرضى وتذل من تشاء بالحرص والطمع ( بيدك الخير ) أي بيدك الخير والشر فاكتفى بذكر أحدهما قال تعالى : " سرابيل تقيكم الحر " ( 81 - النحل ) أي الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما ( إنك على كل شيء قدير ) .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الخمسون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*تفسير قوله تعالى : {قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ}

وقال ابن كثير : يقول تعالى : ( قل ) يا محمد ، معظما لربك ومتوكلا عليه ، وشاكرا له ومفوضا إليه : ( اللهم مالك الملك ) أي : لك الملك كله ( تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء ) أي : أنت المعطي ، وأنت المانع ، وأنت الذي ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن .

وفي هذه الآية تنبيه وإرشاد إلى شكر نعمة الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة ، لأن الله حول النبوة من بني إسرائيل إلى النبي العربي القرشي المكي الأمي خاتم الأنبياء على الإطلاق ، ورسول الله إلى جميع الثقلين الإنس والجن ، الذي جمع الله فيه محاسن من كان قبله ، وخصه بخصائص لم يعطها نبيا من الأنبياء ولا رسولا من الرسل ، في العلم بالله وشريعته وإطلاعه على الغيوب الماضية والآتية ، وكشفه عن حقائق الآخرة ونشر أمته في الآفاق ، في مشارق الأرض ومغاربها ، وإظهار دينه وشرعه على سائر الأديان والشرائع ، فصلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ، ما تعاقب الليل والنهار . ولهذا قال تعالى : ( قل اللهم مالك الملك  تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ] ) أي : أنت المتصرف في خلقك ، الفعال لما تريد ، كما رد تبارك وتعالى على من يتحكم عليه في أمره ، حيث قال : ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) [ الزخرف : 31 ] .

قال الله تعالى ردا عليهم : ( أهم يقسمون رحمة ربك [ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ] ) الآية [ الزخرف : 32 ] أي : نحن نتصرف في خلقنا كما نريد ، بلا ممانع ولا مدافع ، ولنا الحكمة والحجة في ذلك ، وهكذا نعطي النبوة لمن نريد ، كما قال تعالى : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) [ الأنعام : 124 ] وقال تعالى : ( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض [ وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ] ) [ الإسراء : 21 ] وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة " إسحاق بن أحمد " من تاريخه عن المأمون الخليفة : أنه رأى في قصر ببلاد الروم مكتوبا بالحميرية ، فعرب له ، فإذا هو : باسم الله ما اختلف الليل والنهار ، ولا دارت نجوم السماء في الفلك إلا بنقل النعيم عن ملك

قد زال سلطانه إلى ملك وملك ذي العرش دائم أبدا ليس بفان ولا بمشترك

وقال ابن عاشور : قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

   والمالك هو المختصّ بالتصرّف في شيء بجميع ما يتصرّف في أمثاله مما يُقصد له من ذواتها ، ومنافعها ، وثمراتها ، بما يشاء فقد يكون ذلك بالانفراد ، وهو الأكثر ، وقد يكون بمشاركةٍ : واسعةٍ ، أو ضيّقة .

والمُلك بضم الميم وسكون اللام نوع من المِلك بكسر الميم فالملك بالكسر جنسٌ والمُلك بالضم نوعٌ منه وهو أعلى أنواعه ، ومعناه التصرّف في جماعة عظيمة ، أو أمة عديدة تصرُّف التدبير للشؤون ، وإقامةِ الحقوق ، ورعاية المصالح ، ودفع العدوان عنها ، وتوجيهها إلى ما فيه خيرها ، بالرغبة والرهبة . وانظر قوله تعالى : { قالوا أنّى يكون له المُلك علينا } في سورة البقرة ( 247 ) وقد تقدم شيء من هذا عند قوله تعالى : { مالك يوم الدين } [ الفاتحة : 4 ] ، فمعنى مالك الملك أنّه المتصرّف في نوع الملك ( بالضم ) بما يشاء ، بأن يراد بالمُلك هذا النوع . والتعريف في المُلك الأول لاستغراق الجنس : أي كل ملك هو في الدنيا . ولما كان المُلك ماهية من المواهي ، كان معنى كون الله مالك المُلك أنّه المالك لتصريف المُلك ، أي لإعطائه ، وتوزيعه ، وتوسيعه ، وتضييقه ، فهو على تقدير مضاف في المعنى .

والتعريف في المُلك الثاني والثالث للجنس ، دون استغراق أي طائفة وحصّة من جنس المُلْك ، والتعويل في الفرق بين مقدار الجنس على القرائن .

ولذلك بينت صفة مالك الملك بقوله : { تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء } [ آل عمران : 26 ] فإنّ إيتاءه ونزعه مقول عليه بالتشكيك : إيجاباً ، وسلباً ، وكثرة وقلّة .

والنزع : حقيقة إزالة الجِرم من مكانه : كنزع الثوب ، ونزع الماء من البئر ، ويستعار لإزالة الصفات والمعاني كما قال تعالى : { ونزعنا ما في صدورهم من غلّ } [ الأعراف : 43 ] بتشبيه المعنى المتمكّن بالذات المتّصلة بالمكان ، وتشبيه إزالته بالنزع ، ومنه قوله هنا : { تنزع الملك } أي تزيل وصف الملك ممّن تشاء .

وقوله : { بيدك الخير } تمثيل للتصرّف في الأمر؛ لأنّ المتصرّف يكون أقوى تصرّفه بوضع شيء بيده ، ولو كان لا يوضع في اليد ،

وكان الخير مقتضى بالذات أصالة والشرّ مقتضى بالعَرَض قال الجلال الدواني في شرح ديباجة هياكل النور :«وخُص الخير هنا لأنّ المقام مقام ترجّي المسلمين الخيرمن الله ، وقد علم أنّ خيرهم شرّ لضدّهم كما قيل: ... مصائب قوم عند يوم فوائدُ

أي «الخير مقتضَى الذات والشرّ مقتضي بالعرض وصادر بالتَبع لِمَا أنّ بعض ما يتضمن خيرات كثيرة هو مستلزم لشرّ قليل ، فلو تركت تلك الخيرات الكثيرة لذلك الشرّ القليل ، لصار تركها شرّاً كثيراً ، فلما صدر ذلك الخير لزمه حصول ذلك الشرّ» .

[ الانترنت – موقع {قل اللهم مالك الملك  تؤتي الملك من تشاء ...}

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الواحدة والخمسون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :

*سبب نزول الآية : {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ}

 

    قال ابن عباس وأنس بن مالك: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ووعد أمته ملك فـارس والروم، قالت المنافقون واليهود: هيهات هيهات، من أين لمحمد ملك فارس والروم هم أعزّ وأمنع من ذلك، ألم يكفِ محمدًا مكـة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم؟! فأنـزل الله تعالى هذه الآية.

وعن قتادة قـال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فـارس والروم في أمتـه، فأنـزل الله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ الآية.

وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، حدثني أبي عن أبيه قال: خطّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخندق يوم الأحزاب، ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعًا، قال عمرو بن عوف: كنت أنا وسلمان وحُذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعًا، فحفرنا حتى إذا كنا تحت ذي ناب، أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقت علينا، فقلنا: يا سلمان ارق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر هذه الصخرة، فإما أن نعدل عنها، وإما أن يأمرنا فيها بأمره، فإنا لا نحب أن نجاوز خطه.

قال: فرقي سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية، فقال: يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقّت علينا حتى ما يحيك فيها قليل ولا كثير، فمرنا فيها بأمر، فإنا لا نحب أن نجاوز خطك، قال: فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سلمان الخندق والتسعة على شفة الخندق، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول من سلمان فضربها ضربة صدعها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، يعني المدينة، حتى كأن مصباحًا في جوف بيت مظلم.

وكبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح، وكبَّر المسلمون، ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية فكسرها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابيتها حتى كأن مصباحًا في جوف بيت مظلم، وكبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح، وكبَّر المسلمون، ثم ضـربها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبـرق منها بـرق أضاء ما بين لابيتهـا، حتى كأن مصباحًا في جوف بيت مظلم، وكبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبَّر المسلمون، وأخذ يد سلمان ورقي، فقـال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد رأيت شيئًا ما رأيت مثله قط، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القوم فقال: "رأيتم ما يقول سلمان؟"، قالوا: نعم يـا رسول الله، قـال: "ضربتُ ضربتي الأولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب.

وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم، أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب. وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا"، فاستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحفر، فقال المنافقون: ألا تعجبون يمنِّيكم ويعدكم الباطل، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفَرَق، ولا تستطيعون أن تبرزوا؟ قال: فنـزل القرآن: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا  [الأحزاب: 12]. وأنـزل الله تعالى في هذه القصة قوله: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ الآية [الأنترنت – موقع من سورة ال عمران ايه 26/ 28 - أسباب النـزول]  

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثانية والخمسون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان : (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء )

        دعاء لقضاء الدَّين ثم تفسير الفاتحة

 عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ :

ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد دَيْنًا لأدَّاه الله عنك ؟ قُل يا معاذ : اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ، وتَنْزِع الملك ممن تشاء ، وتُعِزّ مَن تشاء ، وتُذِلّ من تشاء ، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير . رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، تُعطيهما من تشاء ، وتمنع منهما من تشاء ، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك . [قال المنذري : رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد وقال الألباني : حَسَن ]

وروى الإمام أحمد والترمذي عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ : إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي . قَالَ : أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَات عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِير دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ ؟ قَالَ : قُلْ : اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ . [وصححه الحاكم ، وقال الألباني : حسن الإسناد . والله تعالى أعلم{الأنترنت – موقع منتدى الإرشادوالفتاوي الشرعية - المجيب الشيخ/ عبد الرحمن السحيم ]

* تفسير سورة الفاتحة:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}

 وفي هذه الآية ثلاثة مباحث: المبحث الأوّل: بيان معاني الكلمات.

-( مالك ) صفة لـ( الله عزّ وجلّ)، وقرئ ( ملك ) ومعناها ذو الملك، والمُلك هو: السّلطان والعظمة.

-و( يوم الدّين ) هو من أسماء يوم القيامة.

-و( الدّين ) يطلق ويراد منه معانٍ عدّة:

- يطلق على الملّة والنّحلة، وهو معروف، كقوله تعالى:{إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ}.

- ويطلق على الطّاعة والخضوع، تقول: " دانت لهم العرب والعجم "، ومنه قول الشّاعر:

( من القوم الرّسول الله منهم     لهم دانت رقاب بنـي معدّ )

ويمكن أن يعود الأوّل للثّاني، لأنّ الملّة هي الّتي تطيع الله بها.

- منها العادة، تقول العرب: هذا دينه وديدنه.

- والحُكم، ومنه قوله تعالى:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [يوسف: من الآية76].

- والورع، كقولك: فلان صاحب دين صلب. وشواهد ذلك يطول ذكرها.

ومن معانيه الّتي تفسّر بها الآية:

- الجزاء، كما في المثل ( كَمَا تَدِينُ تُدَانُ ) [واشتهر لدى النّاس أنّه حديث، وليس كذلك].

- الحساب، ومنه قوله تعالى:{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} [النور: من الآية25]، وقوله تعالى:{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} [الماعون:1]، وقوله تعالى حكاية عن أهل الشّرك:{أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافّات:53]، أي: محاسبون.

وقد يقول قائل: أليس الجزاء والحساب شيئا واحدا ؟

فالجواب: أنّ الحساب يراد منه الجزاء غالبا، ولكن قد يطلق الدّين ويراد منه الحساب فقط، كما جاء في تفسير قوله تعالى-على قول-:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التّوبة: من الآية36]، قالوا: ذلك الحساب القيّم إشارة إلى أنّ حساب الأيّام بالأشهر القمريّة هو الحساب القيّم الّذي جعله الله مواقيت للنّاس والحجّ.

فمعنى ( الدّين ) في الآية: الجزاء والحساب.

أخرج الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه وناس من الصّحابة رضي الله عنهم في قوله تعالى:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قال: هو يوم الحساب، ويوم الجزاء، وقال البخاري في " تفسير الفاتحة ": " وَالدِّينُ الْجَزَاءُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ:{بِالدِّينِ}: بِالْحِسَابِ، {مَدِينِينَ} مُحَاسَبِينَ.

ومنه اتّصافه عزّ وجلّ بوصف ( الديّان )، وهل هو من أسمائه ؟ سنراه إن شاء الله تعالى ؟

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثالثة والخمسون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

* تفسير سورة الفاتحة( مالك يوم الدين )

المبحث الثّاني: أيّهما أبلغ المالك أو الملك ؟

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة: ( مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) بغير ألف، وقرأ عاصم والكسائيّ ويعقوب: ( مَالِكِ ) بألف، وفي أيّهما أبلغ مذهبان:

- اختار قوم كأبي العبّاس المبرّد قراءة:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} لأنّه بتأويل الفعل، كقولك: مالك الدّراهم، ومالك الثّوب، ومالك يوم الدّين: يملك إقامة يوم الدّين وتدبيره والحكم فيه.

ولأنّ الله وصف نفسه قائلا:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْك} [آل عمران: من الآية26]، فهو يملك كلّ ملك وصاحبه.]

- واختار قوم ( ملك ) لأمرين:

1) أنّه سبحانه تسمّى بالملك ولم يتسمّ بـ( المالك ).

قال تعالى:{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [طـه: من الآية114]، وقال:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر: من الآية23]، وفي الصّحيحين أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ ؟)).

2) ولأنّ الملك يملك المالك، وليس العكس. والصّواب أن يقال: إنّ في الجمع بين القراءتين فائدةً عظيمةً:

وهو أنّ مُلكه جلّ وعلا مُلك حقيقيّ؛ لأنّ من الخلق من يكون مَلِكاً، ولكن ليس بمالك، يسمّى ملكاً اسماً، وقد يُحال بينه وبين سلطانه، وليس له من التّدبير شيء؛ ومن النّاس من يكون مالكاً ولا يكون ملكاً: كعامّة الناس. ولكن الله تعالى عزّ وجلّ مالكٌ وملكٌ، فلا يكون في ملكه إلاّ ما يريد، ولا يريد إلاّ ما يُحمد عليه، ولذلك كثرت النّصوص في الكتاب والسنّة الإخبار عن الله بأنّ {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التغابن: من الآية1].

المبحث الرّابع: لماذا خصّ الله تعالى ملكه بأنّه يوم الدّين ؟ مع أنّه ملك ومالك كلّ شيء في كلّ زمان ومكان ؟

من فوائد الآية: إثبات البعث والجزاء لقوله تعالى:{مالك يوم الدّين}، أمّا سبب تخصيصه الملك بيوم الدّين، فذلك لأسباب:

- الأوّل: لظهور ملكوته، وملكه، وسلطانه ذلك اليوم، فالله تعالى ينادي:{لمن الملك اليوم} [غافر: 16] فلا يجيب أحد؛ فيقول تعالى:{لله الواحد القهار} [غافر: 16]؛ أمّا في الدّنيا فقد ظهر ملوك ينازعون الله ملكه،كفرعون والنّمروذ وأمثالهم في كلّ مصر وعصر. قال تعالى:{وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} [الأنعام: من الآية73]، وقال:{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} [الحج: من الآية56]، {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً} [الفرقان:26].

- الثاني: في ذلك اليوم لا يدّعي أحد شيئا، حتّى حقّ الكلام لا يملكه، قال تعالى:{يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود:105]، وقال:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً} [النبأ:38].

ولتمام ملكه سبحانه فإنّه لا يملك يومئذ أحد حقّ الشّفاعة، حتّى يأذن سبحانه، قال تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: من الآية255].

- الثّالث: ولحثّ الإنسان على أن يعمل لذلك اليوم الذي يُدان فيه العاملون.

[الأنترنت – موقع نبراس الحق – عبد الحليم توميات]

*الفرق بين مُلك الله ومُلك غيره

أولاً : خواص ملك الله

خواص ملك الله لا يمكن أن تعد أو أن تحصى من عبد ضعيف مثلي أو أي خلق من مخلوقات الله ولكن نذكر منها القليل

مُلك الله عظيم جداً لا يمكن أن يعده أو يحصيه أحد

مُلك الله لا يمكن ان يزول

مُلك الله لا يمكن ان ينقص مهما أعطى أو يعتريه عيب

مُلك الله لا يمكن أن ينازعه فيه أحد

مُلك الله حقيقي

ثانياً : خواص ملك ملوك الدنيا

من خواص ملك ملوك الدنيا

مُلك ملوك الدنيا قليل جدا يمكن أن يعد ويمكن أن يحصى بسهوله

مُلك ملوك الدنيا يزول وإن لم يزل صاحبه يموت

مُلك ملوك الدنيا ينقص بقدر مايعطي وينفق كما أنه ليس بكامل فتجد فيه الطيب وتجد فيه السيى

مُلك ملوك الدنيا يمكن أن ينازعه فيه أحد

مُلك ملوك الدنيا صوري مؤقت يعود لله في نهايه الأمر وفي يوم البعث تجد ملوك الدنيا حفاه عراة [الأنترنت – موقع نهر الحب]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الرابعة والخمسون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :*

التعرف على صفات الملك الذي يملكك

لابد أن تعرف صفات الملك الذي يملكك ، ولابد أنه كامل الصفات .

ولابد وأن يسيطر ذلك على مشاعرك .. وهذا هو الإيمان .

لذلك هناك فرق بين العلم واليقين .

لما تأخذ العلم ثم يخرج من قلبك فهذه معلومات .

أما اليقين يحدث لما يتمكن العلم من القلب ويسيطر عليه .

فمثلًا كل الناس يقرأون سورة الناس لكن معظمهم خائفون متوترون ..لماذا ؟ لأنهم لا يعلمون من هو الملِك ملِك الناس .

*العلم عن الله ترجمة للحياة

فتعلّم يتعلم منك ولدك .. فإذا علِم الطفل أن الرزق من الله تعلق قلبه بالله فلما يسأل لا يسأل أحدًا غير الله .

المؤمن كالجمل الأليف أينما سيَّره الناس سار معهم .

وهذا تشبيه لأقدار الله عزوجل على قلب المؤمن ، فالذي يعلم أن ربه حكيم فهو مع أفعال الله هادئ مطمئن سعيد يُحسن الظن بربه يناجيه ليل نهار يسأله أن يُثبته ويعلم أن الله لا يأتي منه إلا كل خير

لما تكن في أزمة ويتخلى عنك صديقك أو زوجك فلا تقول

انصدمت فيك لأنك من البداية أنت المخطئ لما تعلقت وتعشمت ببشر ناقص .

عدم العلم عن الله عزوجل يجعل القلب قلق مكتئب متوتر يصاب صاحبه بالهلاك لسوء ظنه بربه . يقول تعالى (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين)

وما علاقتي باسم الله عزوجل الملِك ؟

لما أكون عبدًا أو أَمَة فلابد وأن يكون لي ملِك .

يوميًا نُكرر سورة الناس دبر كل صلاة وفي الأذكار الصباح والمساء وقبل النوم .. ولما يتكرر شيئ فاعلم أنه ولابد وأن يكون وراءه غاية ولابد وأن توفها .

فكل ما ملَّكك الله عزوجل هو مِلك لله الملِك .

أرأيتم ماذا أنفق منذ أن خلق الخلق ولم ينقص ذلك من مُلكه شيئًا .

سورة الناس ذُكر فيها (الرب ، الملِك ، الإله) وذلك ليسيطر على مشاعرك أنك لما تستغيث وتستجير لا يكن ذلك إلا بالرب الملِك الإله الذي تألهه القلوب وتحبه.

فلما يأتيك الأمر (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) إذن العلم عن الله وتعلّم التوحيد فرض عليك .(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)[سورة الطلاق 12]

*من المواضع التي ورد فيها اسم الله عزوجل الملِك :

{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }[سورة الحشر 23]

فالقدوس هو المتقدس بكل صفات الكمال ومُنزَّه عن كل صفات النقص .. وهذا معنى سبحان الله .. أما المخلوق له الضعف والنقص إلا إذا أعطاه مليكه .

وملِك يعني قادر ، جبار ، له السلطان المطلق ، رحيم ، قهار ، محسن ، سلام من العجز والبخل والظلم وأي عيب ، هو كامل في كل صفاته وأسمائه سبحانه ، مؤمن يؤَمّن عباده المؤمنين في الدنيا والآخرة ويخلق السكينه والطمأنينة في قلوب عباده الموحدين ويصدق عباده ما وعدهم .. ورغم ذلك كثير منا لا يتوسلون لله عزوجل باسمه المؤمن .

وهناك علاقة قوية بين اسم الله الملِك واسمه المؤمن ، فهو الذي وحده يملك الأمن فلابد وأن تفزع قلوبنا للملك ثم نأخذ بالأسباب ولن يحدث إلا ما قدّره الله عزوجل .

سبحانه يبتلينا بالمخاوف لنفزع إليه فيؤمننا بلذة القرب منه .

سبحانه شهد لنفسه وشهد لرسله بالرسالة والمعجزات في قوله تعالى (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ).

فهو الملِك الذي يملك قلبك ومشاعرك ونفسك وفكرك .. فلماذا تقلق؟

تقلق من المستقبل لو لم أتزوج ماذا سيفعل بي إخوتي ؟ لو أصابني المرض ماذا سأفعل ؟ لو زوجي مات ماذا سأفعل ؟ القلق ليس ظاهرة طبيعية كما يقال بل هو سوء الظن بالله عزوجل

[الأنترنت –موقع رجيم - شرح أسماء الله عز وجل المَلِك المليك المالك]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الخامسة والخمسون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :*علاقة  العبد بمن  يملكه

ورد اسم الملك في خمسة مواضع.

أي الذي يوصَف أنه ملك سيرجع كون وصفه هذا إلى ثلاث أمور:

1.   أمر يتصل بصفاته أنه ملك.

2.   وأمر يتصل بمن يملكهم.

3.   و علاقة الملك بمن يملكهم.                                                                        إذن مَن كان وصفه ملكًا يتضمّن أنه سبحانه وتعالى له كمال القوة, له كمال العزة, له كمال العلم المحيط, له كمال الحكمة الواسعة, مشيئته نافذة, وكامل التصرّف، كامل الرأفة والرحمة، فهذا كله من أن تقول ملك إلا يقع في قلبك وصف الله بهذه الصفات, ثم استشهد بالآيات

 كل هذه الآيات إشارة إلى أنّ المَلك الذي له المُلك يملك كل شيء ولا إله غيره, ولا مالك غيره، ومِن وصفه أنه ذو رحمة, ذو علم, ذو حكمة، ذو القوة..

نأتي الآن إلى وصف من يملك: فكما أنه ملك إذن هو كامل الصفات، والخلق ما حالهم؟

فبما أنك عبد، إذن ما علاقتك بمن يملكك؟ أنت مضطر إلى أن تقف عند بابه في كل الشؤون، كل الإشكال هنا أن العبد ينسى أنه عبدا، أو يشعر أنه عبد لكن لا يصف مالكه بصفات الكمال، فترى أنه يثق بالناس الذين يملكون أكثر من ثقته بالملك على الحقيقة ؛ أي أنهم لا يستطيعون أن يعطوك شيء مما أعطاك الله إيّاه، حالك الفقر، الحاجة، الاضطرار، والذي تملكه ما وصفه؟ أنت في الأصل لا تملك، بل ملكك الله تعالى ابتلاءً. هذا وصف الله أن له ملك السماوات

 والأرض (وما بينهما) أي كل شيء.[الأنترنت – موقع زاد الطريق - الاستاذة : أناهيد السميري]

*الملك المطلق والملك المقيد

كل ملك من ملوك الدنيا ملك مخلوق ملكه مقيد محدود بأمر مالك الملك ..

فالملك الحق هو الذي انشأ الملك واقامه بقدرته وارادته .

( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب  )

– وصرف امور الكون بمن فيه وما فيه على قاعدة:

– الحكمة..الرحمة..والعدل..والحق

فمن خالفهم من ملوك الدنيا قصمه الله..

فالملك عزوجل له الغلبة وعلو القهر على من نازعه أو خالفه في شىء من الملك.

– هو وحده هو الذي له الأمر والنهي في ملكه..وهو وحده الذي يتصرف في خلقه بأمره وفعله علي مقتضي هؤلاء الأربع:

الحكمة  والرحمة  والعدل  والحق…

ليس لأحد عليه فضل في قيام ملكه أو رعايته.. قال تعالي :

“قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ” سبأ

فالآية وان كانت نزلت تخاطب مشركى مكة الا ان القاعدة

في القرآن ليست بخصوص السبب ولكن بعموم اللفظ..

فالآية تنفي عن آلهتهم أي تأثير في الكون نبغي الملك التام وذلك لإنعدام ربوبيتهم فهم لا يخلقون في الكون شيئا ولايدبرون فيه أمرا..ونفت ايضا وجود الظهير والمعين- حاشا لله – أن يكون معه غيره .

وتدبير ملكه.. ثم نفي عنهم آخرما يتعلقون به وهي الشفاعة من غير إذن …ذلك لأنهم جعلوا معبوداتهم وسطاء عند الله فقالوا: “مانعبدهم الا ليقربونا الي الله زلفي” الزمر

أما معبوداتهم اليوم.. لأهوائهم..وقوانينهم ..وحكامهم ولعاداتهم ولأعرافهم التى تخالف شرع الله..

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السادسة والخمسون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :* دلالة إسم الملك علي ذات الله

“تبارك الذي بيده الملك وهو علي كل شئ قدير”

والبركة- كما هو معلوم – هي الخير والنماء وبقاؤه وزيادته..فتبارك الذى وهب ملكه البركة في كل أمر بقدرته عزوجل..“الذي له ملك السماوات والارض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك”

والولد دليل حاجة ابيه له ليخلفه في ملكه والله هو الباقى “كل من عليها فان”واحدٌ احدٌ فردٌ صمدٌ لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد.” ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير.”

ما كانوا عليه من عباده صالحيهم وآبائهم الاولين..سذاجة في الكفر والشرك ..اما اليوم فقد اصبحت المعبودات  الدعاة علي ابواب جهنم ..ورموز كفر… وقوانين ومناهج تخالف شرع الله وما أمرَ بهِ .

فإسم الملك الحق سبحانه دال على الحياة والقيومية والعلو والأحدية والسيادة والصمدية والعلم والمشيئة والقدرة والسمع والبصر والقوة والعظمة.. وقاعدةُ :الحكمةِ والرحمةِ والعدلِ.. فهو سبحانه وتعالي الملك الحق “فتعالي الله الملك الحق” “ذلك بأن الله هو الحق وأنه علي كل شئ قدير”

“ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ”

” فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم” المؤمنون

وقد جمعت هذه الآية بين ربوبية الله عزوجل لهذا العالم وكونه الإله الواحد المطاع ولا طاعة لغيره إلا بإذنه .” يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ”النور .

والوعيد لكل أهل الباطل والنفاق واشاعة الفاحشة في مجتمع المسلمين…

فاسم الله (الملك) دال علي صفة من صفات الذات .. ولذلك اقترن بما هو دال علي الملك بصفة اخري من صفات الذات..قال تعالي “الرحمن علي العرش استوي”

(الحمد لله ) ..كلمتان يقدر عليهما كل انسان وهذا من فضل الله …الجاهل والمتعلم … الصغير والكبير … الكل يقولهما معترفا لله بنعمه واحسانه وربوبيته وفقره إليه وإن ناصيته بيده فهو سبحانه  المحمود في الزمان كله  وفي المكان كله

وقبل ان نكون وبعد ان نكون منزه سبحانه  وتعالي عن الكمالات البشرية  فهو وحده الملك الحق…قال عز وجل:(يسبح لله ما في السموات وما في الارض له الملك وله الحمد وهوعلي كل شيء قدير )

فالمُلكُ والحمد في حق الله متلازمان . فكما سبق  القول ان البركة

 تعني الخير و السخاء و نفعه

و بقاؤه وزيادته …وهذا ما يستدعي الحمد … حمد الشكر وحمد العبوديه  وحمد الثناء والمدح … ولذلك قال عز وجل :( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـوتِ وَالاَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّام ثمّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثَاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَات بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالاَْمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَلَمِينَ) ربكم :  الخالق والعرش لا يكون إلا للملك ؛ له الامر والحكم لان له الخلق ( فتبارك الله رب العالمين)  ولا تقال إلا له 

الملك والشكر : ولعل الملك الحق يهب بعض عباده فى الدنيا بالملك لحكمه (الابتلاء) …

ابتلاء الرعيه  وابتلاء من ولاه عليهم فيكون الشكر علي الملك مقتضى الايمان والصلاح وتنفيذ امر الله

وها هو ذا ملك لم يسبقه مثله ولم يلحقه مثله ( رب هب لي ملكا  لا ينبغي لاحد بعدى ) فاستجاب له ربه ؛ فحَكَمَ الانس والجن والطير والحشرات ،وسخر له الريح تجرى بامره .

{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ. }

وعندما جاءه رسل الملك قال: ” قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر ام أكفر “ومن شكر فانما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غنى كريم”ملك غير مسبوق وغير ملحوق اقترن بالجد والشكر فكان خيرا للعباد والبلاد.

– بينما ملك اقترن بالطغيان والكفر فكان الشر كل الشر للطاغية والرعية..

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السابعة والخمسون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان :* *أشهر طغاة التاريخ..

قال الله عزوجل لنبيه موسي” اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى(26 )

وكانت الخاتمة..” وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ”

ثم يتوعد الله كل الطغاة من بعده .

– لستم خيرا من ذلك الطاغية .

– وليس لكم عند الله مكانة او حظوة .

-وليس جمعكم وعنادكم مهما كان بناصركم .

قال الله عزوجل “اكفاركم خير من اولئكم ام لكم براءة في الزبر” “ام يقولون نحن جميع منتصر”

فكان حكم الله الذي لا مرد له“سيهزم الجمع ويولون الدبر”في الدنيا والاخرة“بل الساعة موعدهم والساعة ادهي وامر”

مالك الملك القائم علي العدل والرحمة لا يرضيه لمن وهبه ملكا في الدنيا إلا أن يكون كما اراد الله عزوجل .{رب الناس ملك الناس اله الناس} نري أن صفة (الملك) جاءت وسطا بين صفتي الربوبية والالوهية .

فالرب هو المربى لجميع عباده بالتدبير والإحسان بالنعم بغير طلب منهم الخالق البارئ المصور يحيي ويميت خلقهم في أحسن تقويم فيمنحهم إرادات وإمكانات ،وسخر لهم الأرض يمشون في مناكبها وسخر لهم الأنعام أرسل الرسل وأنزل الكتب لهدايتهم

“وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها” نواصيهم بيده قلوبهم بين اصبعين ماشاء كان ومالم يشأ لم يكن محبته واجبة ومحبة غيره لاتكون الابأمره” .

ثم قال  ( ملك الناس ) و بعدها …( إله الناس ) فهو الإله المعبود بحق .لا يعبد سواه و لا يلتجأ إلا اليه طاعته واجبه و طاعه غيره لا تكون الا بأمره .” إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون }  [الأنترنت – موقع قراءة فى أسماء الله الحسنى ( الملك )][الأنترنت – موقع المقصد الأسنى للغزالي]

*المَلِك والمَالِك والمَلِيك (دراسة تصريفية)

   إنَّ المتأمِّل في أسماء الله الحسنى، يَجِد فيها مِن الجمال والجلال والكمال ما يَأخذ بفِكْره؛ لِيَسْبَح في بِحار جَلالِها، ويُسبِّح بكمال موصوفها، وقد منَّ الله عليَّ في رسالتي "أسماء الله الحسنى دراسة تصريفيَّة" بكليَّة اللُّغة العربية جامعة الأزهر

  أمَّا اسم الله "الملك"، فقد ورد قرآنًا وسُنَّة؛ قال الله تعالى: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 116]، وقال: ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [الجمعة: 1]، ورَوى البخاريُّ من حديث أبي هريرةَ- رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقولُ: ((يَقْبِضُ الله الأرضَ، ويَطْوي السَّمواتِ بيمينِه، ثُمَّ يقول: أنَا المَلِكُ، أَيْنَ ملوكُ الأرض؟))، وروى مسلمٌ من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((يَنْزِل الله إلى السماء الدُّنيا كلَّ ليلة حين يَمضي ثلثُ اللَّيلِ الأوَّلُ، فيقول: أَنَا المَلِكُ، أَنَا المَلِك، مَنْ ذَا الذي يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له؟ من ذا الذي يَسْأَلُنِي فأُعطيَه؟ من ذا الذي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ له؟ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر))

ويَشهد القرآن والسُّنة لاسم الله المليك:

وردَ اسم الله "الْمَلِيك" في موضعٍ واحد من القرآن الكريم بصيغة "فَعِيل" الاسميَّة، عَلَمًا على الذات الإلهيَّة؛ قال تعالى: ﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 55].

وعند الترمذيِّ من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال أبو بكرٍ - رضي الله عنه -: يا رسول الله، مُرني بشيءٍ أقوله إذا أصبحتُ وإذا أمسيت؟ قال: ((قل: اللَّهم عالِمَ الغيب والشهادة، فاطِرَ السَّماوات والأرض، ربَّ كلِّ شيء ومَلِيكَه، أشهد أنْ لا إله إلاَّ أنت، أعوذ بك من شرِّ نفسي، ومن شرِّ الشيطان وشرَكِه))، قال: ((قُله إذا أصبحتَ، وإذا أمسيت، وإذا أخذتَ مضجعك)).

أمَّا اسم الله المالك، وإن كان وردَ قرآنًا، لكن اللَّفظ جاء مضافًا، والإضافة تقييد، فكأنَّه خرج مخرجَ الصِّفة؛ ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4].

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثامنة والخمسون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*المَلِك والمَالِك والمَلِيك (دراسة تصريفية)

أما السُّنة المطهرة، فقد ورد فيها الاسمُ صريحًا؛ روى مسلمٌ في "صحيحه" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ أخنعَ اسمٍ عندَ الله رجلٌ تسمَّى مَلِك الأملاك، لا مالك إلاَّ الله - عزَّ وجلَّ))

فالمَلِك بزِنَةِ "فَعِل" صيغةُ مُبالَغةٍ في "مالك" اسم فاعل من مصدر الثلاثيِّ المجرَّد مَلَكَ؛ فهو مالِك، ومعناه: المتصرِّفُ بالأمر والنَّهيِ في الجمهور، وذلك يختصُّ بسياسة الناطقين، ولهذا يُقال: مَلِك الناس، ولا يقال: مَلِك الأشياء

وهو أعمُّ من "مالكٍ" وأبلَغُ في إفادة المعنى؛ إذْ ليس كلُّ مالك يَنْفذ أمرُه وتصرُّفه فيما يملكه، فالمَلِك أعمُّ من المالك، قال ابن القيِّم: "... إذِ المَلِك الحقُّ هو الذي يكون له الأمر والنَّهي، فيتصرَّف في خلقه بقوله وأمره, وهذا هو الفرق بين المَلِك والمالك؛ إذِ المالك هو المتصرِّف بفعله، والمَلِك هو المتصرف بفعله وأمره، والربُّ - تعالى - مالكُ الملك؛ فهو المتصرِّف بفعله وأمرِه"

وأُشبِعت الكسرة فيه، فصارت ياءً؛ فقيل: "مَلِيك" بزنة "فَعِيل" من صِيَغ المبالغة؛ فهو أكثَرُ مبالغةً، وأقوى في تأكيد الصِّفة لله - عزَّ وجلَّ - وستأتي دراسة المليك والمالك - إن شاء الله تعالى - كلٌّ في موضعه.

و"المَالِك والمَلِك والمَلِيك" جميعها أسماءٌ ثابتة لله - تعالى - بصِيَغِها "فَاعِل، وفَعِل، وفَعِيل" في النُّصوص الصحيحة؛ و"المَلِك والمَلِيك" ثابتان قرآنًا وسُنَّة، أما "المَالِك" فثبوته من خلال السُّنة أوضح وأظهَر؛ لِوُرود اللفظ به مقيَّدًا في القرآن الكريم.

 [2] هو حافظ الصَّحابة عبدالرحمن بن صخرٍ الدَّوسي، وهذا أشهر ما قيل في اسمه، واسم أبيه، وقيل: هو عبدالله بن عمرٍو، وسماه هكذا الواقديُّ، وقد اختُلِف في اسمه واسم أبيه اختلافًا كثيرًا، واشتهر بِكُنيته، توُفِّي سنة سبع وخمسين للهجرة؛ انظر: "الأسامي والكنى"؛ لأحمد بن حنبل ص73، و"الإصابة في تمييز الصحابة" ج4/ ص199، 316.

[ الأنترنت – موقع الألوكة ] - الملك والمالك والمليك من أسماء الله د. عادل محمود آل سدين مكي

"أسماء الله الحسنى دراسة تصريفية" - ملخص رسالة ماجستير بجامعة الأزهر]

*الملك - المالك – المليك

. إنه اسم الله "الملك"، الذي بيده مقاليد كل شيء، وعنده مفاتيح كل شيء، وإليه يرجع أمر كل شيء.

وقد ورد في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لفظ "الملك" اسما لله - سبحانه -، كما في قوله - تعالى -: ﴿ فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 116]. وكما في الدعاء الذي كان يفتتح به النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته، وهو دعاءٌ كله اعتراف بمُلك الله، وأن كل شيء في الوجود إليه راجع. فعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: "وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ صَلاَتِي، وَنُسُكِي، وَمَحْيَايَ، وَمَمَاتِيَ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ، لاَ يَهْدِى لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ. لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ" مسلم.

والله - تعالى - يَنزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يمضي الثلث الأول ويقول: "أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ. مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ. فَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضيءَ الْفَجْرُ" متفق عليه.

وورد بصيغة اسم الفاعل: "مالك"، كما في قراءة: "مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ". وقوله - تعالى -: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ﴾. وكما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ مَالِكَ إِلاَّ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -" مسلم.

وورد بصيغة "مليك"، كما في قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾. وكما في الدعاء الذي علم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - أن يقوله في الصباح والمساء. قال: "قُل: اللَّهُمَّ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ. أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ". قَالَ: "قُلْهُ إِذَا أَصْبَحْتَ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ، وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ" صحيح سنن الترمذي.

والمَلِك: مبالغة في المالك، وهو أعم منه، فليس كل مالك متصرفا في ما يملكه. قال الغزالي - رحمه الله -: "الملك: هو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود، ويحتاج إليه كل موجود". والمليك أكثر مبالغة في تأكيد المُلك لله - تعالى -، فهو ملك، ومالك، وصاحب الملك في الدنيا، والملكوت في الآخرة. "اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ".

والمَلِك هو صاحب المُلك، المتصرف فيما يملك تصرفا مطلقا من جميع الوجوه كما يشاء ويُقَدِّر. قال - تعالى -: ﴿ وَلِلهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.

وكونه - تعالى - مَلِكا ومالكا ليوم الدين، لأنه المتصرف وحده فيه لا ينازعه أحد، قطعا لذريعة الجبابرة المكابرين، الذين نازعوا الله ملكه في الدنيا حتى ادعوا ما ليس لهم، كنمرود الذي ادعى الألوهية فقال: "أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ". وكفرعون الذي قال: "أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي". ولذلك ينادي ربنا - عز وجل - في الخلائق يوم القيامة: ﴿ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ﴾ [غافر: 16]، ينادي ويقول: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟"، فيجيب نفسه أو تجيبه الخلائق: "لِلهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ".

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَطْوِي اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - السَّمَوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ ثُمَّ يَطْوِي الأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟" متفق عليه.

أَتَى عَلَى الْكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدَّ لَهُ ♦♦♦ حَتَّى قَضَوْا فَكَأنّ الْقَوْمَ مَا كَانُوا

ومن تصرفه - سبحانه - في ملكه يوم الدين، أنه يبدل الكون أرضَه وسماءَه بقدرته وإرادته، لا ينازعه في ذلك أحد. قال - تعالى -: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [إبراهيم: 48]، لا يملكون من أمرهم شيئا، يحشرون - كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - -:"مُشَاةً، حُفَاةً، عُرَاةً، غُرْلاً (غير مختونين)" متفق عليه، حتى إذا سألت عائشة - رضي الله عنها - قائلة: "النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ قَالَ لها - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَائِشَةُ، الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ" متفق عليه.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة التاسعة والخمسون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان : يتجلى تعبد الله باسمه "الملك" في عدة أمور، منها:

1- الاعتراف بأن ملك الله مطلق، إيجادا، وتصرفا، ومصيرا، وأن ملك المخلوقين نسبي، مآله إلى الزوال. "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ". قال إبراهيم بن أدهم لمن أراد معصية الله: "أيليق بك أن تعصي الله وأنت تسكن في أرضه، وتأكل من رزقه، وتعلم بدنو أجلك، وأنك لا تستطيع أن تفر من زبانية جهنم؟".

2- تعبيد الأسامي باسم الله الملك. وقد ذكر أهل العلم أن أفضل الأسماء: عبد الله، وعبد الرحمن، ثم عبد الملك، وعبد العزيز.

3- وما دام الله - عز وجل - هو المالك الحقيقي، فلا تعلق للنفس إلا به، ولا هَفْوَ للقلب إلا إليه. لا تعلق بالمال، ولا تعلق بالجاه، ولا تعلق بالنسب، ولا تعلق بالسلطان والأمجاد، فهذه توشك أن تصير معبودات من دون الله. قال - تعالى -: ﴿ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [المائدة: 76].

كن مع الله ترى الله معك *****واترك الكل وحاذر طمعك

وإذا أعطاك، مَن يمنعه؟  ******ثم من يعطي إذا ما منعك؟

4- دعاء الله وتمجيده باسمه "الملك". فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أصبح قال: "أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلهِ"، وإذا أمسى قال: "أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلهِ" رواه مسلم. وأمرنا أن نقول بعد كل صلاة مكتوبة: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" متفق عليه، وأن نكرر هذا الدعاء عشر مرات بعد صلاة الفجر قبل أن نتكلم - كما حسنه في ص. الترغيب، وأن من قاله في يوم مائة مرة، "كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ" متفق عليه.

5- الغِنى الحقيقي ليس عن كثرة العَرَض، مع الطمع فيما عند الناس، والتشوف إلى المخلوقين، بل الغنى أن تطمع فيمن خزائنه لا تفنى، ومن عطاياه لا تنقضي. فقد سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، دُلَّني عَلى عَمَلٍ إذا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللهُ وأحَبَّنِيَ النَّاسُ. فقال له: "ازهَدْ فِي الدُّنيا يُحِبَّكَ اللهُ، وازهَدْ فيمَا في عند النَّاسِ يُحبَّكَ النَّاسُ" صحيح سنن ابن ماجة. وسئل الحسن البصري - رحمه الله -: بمَ نلت هذا المقام؟ قال: "باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي".

وقد أشار بعض المفسرين إلى أن المقصود بالمُلك في قول يوسف - عليه السلام -: "رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ"،مُلكُ النفس، والسيطرةُ على الشهوات، حيث قال عند فورة الشهوة: ﴿ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّيَ أَحْسَنَ مَثْوَاي ﴾  [يوسف: 23].

ولما حضرت هارونَ الرشيدَ الوفاةُ، قال لمن حوله: أروني قبري الذي سأدفن فيه، فحملوه إليه، فلما رآه، بكى بكاء شديدا، وقال:

 "يا مَن لا يزولُ ملكه، ارحَم من قَد زالَ مُلكه".

اجعل لربك كلَّ عزك يستقرُّ ويثبتُ ***فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميتُ

[ الأنترنت – موقع الألوكة - شرح أسماء: الملك المالك المليك - د. محمد ويلالي]

*حقيقة الألوهية الواحدة القوامة على الكون والناس

{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 26، 27]

    نداء خاشع . . في تركيبه اللفظي إيقاع الدعاء . وفي ظلاله المعنوية روح الابتهال . وفي التفاتاته إلى كتاب الكون المفتوح استجاشة للمشاعر في رفق وإيناس . وفي جمعه بين تدبير الله وتصريفه لأمور الناس ولأمور الكون إشارة إلى الحقيقة الكبيرة:حقيقة الألوهية الواحدة القوامة على الكون والناس ; وحقيقة أن شأن الإنسان ليس إلا طرفا من شأن الكون الكبير الذي يصرفه الله ; وأن الدينونة لله وحده هي شأن الكون كله كما هي شأن الناس ; وأن الانحراف عن هذه القاعدة شذوذ وسفه وانحراف

{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ}

إنها الحقيقة الناشئة من حقيقة الألوهية الواحدة . . إله واحد فهو المالك الاوحد . . هو (مالك الملك) بلا شريك . . ثم هو من جانبه يُملك من يشاء ما يشاء من ملكه . يملكه إياه تمليك العارية يستردها صاحبها ممن يشاء عندما يشاء . فليس لأحد ملكية أصيلة يتصرف فيها على هواه . إنما هي ملكية معارة له خاضعة لشروط المُملك الأصلي وتعليماته ; فإذا تصرف المستعير فيها تصرفا مخالفا لشرط المالك وقع هذا التصرف باطلا . وتحتم على المؤمنين رده في الدنيا . أما في الآخرة فهو محاسب على باطله ومخالفته لشرط المملك صاحب الملك الأصيل ..

وكذلك هو يعز من يشاء ويذل من يشاء بلا معقب على حكمه ,

 وبلا مجير عليه , وبلا راد لقضائه , فهو صاحب الأمر كله بما أنه

 سبحانه هو الله وما يجوز أن يتولى هذا الاختصاص أحد من دون الله

وفي قوامة الله هذه الخير كل الخير . فهو يتولاها سبحانه بالقسط والعدل . يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء بالقسط والعدل . ويعز من يشاء ويذل من يشاء بالقسط والعدل . فهو الخير الحقيقي في جميع الحالات ; وهي المشيئة المطلقة والقدرة المطلقة على تحقيق هذا الخير في كل حال: (بيدك الخير). . (إنك على كل شيء قدير).

وهذه القوامة على شؤون البشر , وهذا التدبير لأمرهم بالخير , ليس إلا طرفا من القوامة الكبرى على شؤون الكون والحياة على الإطلاق [الأنترنت – موقع الإيمان أولا]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الستون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان : *وقفات مع المفسرين عند قوله تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ..)

قال الشيخ السعدي في تفسيره :

يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم { قل اللهم مالك الملك } أي: أنت الملك المالك

 لجميع الممالك، فصفة الملك المطلق لك، والمملكة كلها علويها وسفليها

 لك والتصريف والتدبير كله لك، ثم فصل بعض التصاريف التي انفرد الباري تعالى بها، فقال: { تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء } وفيه الإشارة إلى أن الله تعالى سينزع الملك من الأكاسرة والقياصرة ومن تبعهم ويؤتيه أمة محمد، وقد فعل ولله الحمد، فحصول الملك ونزعه تبع لمشيئة الله تعالى، ولا ينافي ذلك ما أجرى الله به سنته من الأسباب الكونية والدينية التي هي سبب بقاء الملك وحصوله وسبب زواله، فإنها كلها بمشيئة الله لا يوجد سبب يستقل بشيء، بل الأسباب كلها تابعة للقضاء والقدر، ومن الأسباب التي جعلها الله سببا لحصول الملك الإيمان والعمل الصالح، التي منها اجتماع المسلمين واتفاقهم، وإعدادهم الآلات التي يقدروا عليها والصبر وعدم التنازع، قال الله تعالى: { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم } الآية فأخبر أن الإيمان والعمل الصالح سبب للاستخلاف المذكور، وقال تعالى: { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم } الآية وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين } فأخبر أن ائتلاف قلوب المؤمنين وثباتهم وعدم تنازعهم سبب للنصر على الأعداء، وأنت إذا استقرأت الدول الإسلامية وجدت السبب الأعظم في زوال ملكها ترك الدين والتفرق الذي أطمع فيهم الأعداء وجعل بأسهم بينهم، ثم قال تعالى: { وتعز من تشاء } بطاعتك { وتذل من تشاء } بمعصيتك { إنك على كل شيء قدير } لا يمتنع عليك أمر من الأمور بل الأشياء كلها طوع مشيئتك وقدرتك

قال الإمام ابن كثير في تفسيره : قول تبارك وتعالى: {قُلِ} يا محمد معظماً لربك وشاكراً له ومفوضاً إليه ومتوكلاً عليه {اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} أي لك الملك كله {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} أي أنت المعطي، وأنت المانع، وأنت الذي ما شئت كان، وما لم تشأ لم يكن وفي هذه الآية تنبيه وإرشاد إلى شكر نعمة الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة، لأن الله تعالى حول النبوة من بني إسرائيل إلى النبي العربي القرشي الأمي المكي، خاتم الأنبياء على الإطلاق، ورسول الله إلى جميع الثقلين: الإنس والجن، الذي جمع الله فيه محاسن من كان قبله، وخصه بخصائص لم يعطها نبياً من الأنبياء، ولا رسولاً من الرسل في العلم با لله وشريعته، واطلاعه على الغيوب الماضية والآتية، وكشفه له عن حقائق الآخرة، ونشر أمته في الآفاق في مشارق الأرض ومغاربها، وإظهار دينه وشرعه على سائر الأديان والشرائع، فصلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين ما تعاقب الليل والنهار. ولهذا قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} الآية، أي أنت المتصرف في خلقك، الفعال لما تريد، كما رد تعالى على من يحكم عليه في أمره حيث قال {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} ، قال الله رداً عليهم {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} الآية، أي نحن نتصرف فيما خلقنا كما نريد بلا ممانع ولا مدافع، ولنا الحكمة البالغة، والحجة التامة في ذلك، وهكذا يعطي النبوة لمن يريد، كما قال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} وقال تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} الآية، وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة إسحاق بن أحمد من تاريخه، عن المأمون الخليفة، أنه رأى في قصر ببلاد الروم مكتوباً بالحميرية، فعرب له، فإذا هو بسم الله ما اختلف الليل والنهار، ولا دارت نجوم السماء في الفلك إلا بنقل النعيم عن ملك قد زال سلطانه إلى ملك. ومُلْكُ ذي العرش دائم أبداً ليس بفان ولا بمشترك. وقوله تعالى: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَار} أي تأخذ من طول هذا فتزيده في قصر هذا، فيعتدلان، ثم تأخذ من هذا في هذا فيتفاوتان، ثم يعتدلان، وهكذا في فصول السنة ربيعاً وصيفاً وخريفاً وشتاء، وقوله تعالى: {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} أي تخرج الزرع من الحب، والحب من الزرع، والنخلة من النواة، والنواة من النخلة، والمؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، والدجاجة من البيضة، والبيضة من الدجاجة، وما جرى هذا المجرى من جميع الأشياء {وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي تعطي من شئت من المال ما لا يعد ولا يقدر على إحصائه، وتقتر على آخرين لما لك في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة والعدل قال الطبراني: حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، حدثنا جعفر بن جسْر بن فرقد، حدثنا أبي عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في هذه الآية من آل عمران {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

وفي التفسير الميسر :قل -أيها النبي متوجها إلى ربك بالدعاء-: يا مَن لك الملك كلُّه، أنت الذي تمنح الملك والمال والتمكين في الأرض مَن تشاء مِن خلقك، وتسلب الملك ممن تشاء، وتهب العزة في الدنيا والآخرة مَن تشاء، وتجعل الذلَّة على من تشاء، بيدك الخير، إنك -وحدك- على كل شيء قدير. وفي الآية إثبات لصفة اليد لله تعالى على ما يليق به سبحانه.

ومن دلائل قدرته أنه يُدخل الليل في النهار، ويدخل النهار في الليل، فيطول هذا ويقصر ذاك، ويخرج الحي من الميت الذي لا حياة فيه، كإخراج الزرع من الحب، والمؤمن من الكافر، ويخرج الميت من الحي كإخراج البيض من الدجاج، ويرزق من يشاء مَن خلقه بغير حساب.

[الأنترنت – موقع ملتقى أهل الحديث - أبو البراء القصيمي ]

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الواحدة والستون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان : *العلاقة بين الملِك والمُلك:

الملِك القادر على التصرف إذاً هو من أسماء الذات، وهو من أسماء الأفعال، فيمكن أن يكون من أسماء الذات ومعناه: القدرة على التصرف، ويمكن أن يكون من أسماء الأفعال ومعناه المتصرف.

حديث قدسي:(أنا ملك الملوك، ومالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فإن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإنِ العبادُ عصوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالسخط والنقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، وادعوا لهم بالصلاح، فإنّ صلاحهم بصلاحكم))

   الله: ملك بل مالك الملوك ومعنى هذا أن أي شيء يُملَّك مالكه الله سبحانه وتعالى، وقال بعض العلماء: الملك هو الذي يحكم ولا يملك، والمالك هو الذي يملك ولا يحكم، والله سبحانه وتعالى مالك وملك.

أحياناً يملك الإنسان الشيء ولا ينتفع به وليس من حقه أن يتصرف فيه، وأحياناً ينتفع فيه ويتصرف فيه ولا يملكه، وأحياناً يملك الشيء وينتفع به ويتصرف فيه وليس المصير له، مثال بيت يملكه ملكاً حراً شرعياً يسكنه، فإن صدر قرار استملاك يصبح مصيره ليس له، إذاً إذا قلنا إن الله سبحانه وتعالى هو مالك الملك: يملك الشيء ويتصرف به ومصيره إليه، فتكون أعلى درجات الملكية هي ملكية الله سبحانه وتعالى.

سئل أعرابي يملك قطيعاً من الغنم، لمن هذه ؟ قال: لله في يدي، فالمؤمن الصادق: بيته ومتجره، سيارته، خبرته، مكانته، شهاداته، يراها بملك الله عز وجل. مثال: أعلى طبيب في اختصاصه، إذا تجمدت خثرة في دماغه، يفقد ذاكرته فمصيره إلى مستشفى المجانين، إذاً مَن مالك الملك ؟ الله سبحانه وتعالى.

هذه العين التي ترى بها، من مالكها ؟ الله سبحانه وتعالى، هذه الأذن، هذا اللسان، هذه الحركة، هذه القوة، أيْ مِن لوازم الأيمان: أن ترى أن كل شيء بحوزتك هو ملك لله عز وجل سمح لك أن تتصرف به. لمن هذا القطيع يا فلان ؟ لله في يدي، وبيتك لله في يدك، ومتجرك لله في يدك، وسمعتك ومؤلفاتك وعقلك وذكاؤك لله في يدك.

الآن إذا قلنا: فلان ملك، نقصد بها حقيقةً أم مجازاً، العلماء قالوا: لا يمكن أن يملك حقيقةً إلا الله، وأيُّ وصف للملكية لغير الله فهو وصف مجازي وعلى سبيل المجاز فقط، لأن الملك هو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود، فهل من ملك يستغني في ذاته عن كل موجود ؟ ألا يشرب، ألا يستنشق الهواء، ألا يأكل، ألا يشعر بحاجة إلى النوم، ألا يخاف، ألا يحزن، ألا يتمنى أن يكون له أعوان كثر، إذاً أي إنسان مفتقر في وجوده وفي صفاته إلى إنسان آخر، لا يمكن أن يكون ملكاً حقيقياً، الملك الحقيقي هو الله عز وجل، وإذا سمينا فلاناً ملكاً فهو من باب المجاز.

   الملك الحقيقي الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود ويحتاجه كل موجود، بل لا يستغني عنه شيء في شيء لا في ذاته ولا في صفاته، فهو ملك في ذاته، في وجوده، في صفاته، مستغنياً عن كل شيء، بحاجة إليه كل شيء، هذا هو الوصف الدقيق للملك ولا ينطبق إلا على الله عز وجل، إذاً الملك الحقيقي هو الله، وكل من يصف نفسه أنه ملك أو مالك هذه الدار أو مالك هذه الدكان أو مالك هذه التجارة أو صاحب هذه الشركة هذا من باب المجاز، أعرف حجمك الحقيقي رحم الله عبداً عرف حده فوقف عنده.

الله سبحانه وتعالى: مالك مُمَلِّك، الشخص الذي لا يستطيع أن يملكك فليس ملكاً، فمن لوازم هذا الاسم أن الله مالك مملك، والدليل قال تعالى:﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)﴾(سورة آل عمران)

والمَلِك الحقيقي الذي يملك هواه ولا يملكهُ هواه، والذي أُعتِق من أَسْرِ نفسه وليس ملكاً لنفسه، قال تعالى:﴿رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)﴾ (سورة يوسف)

هذه الآية دقيقة جداً: سيدنا يوسف يصف بأنَّ الله قد آتاه الملك: أيُّ مُلْكٍ آتاه ! لعلكم ظننتم أنه كان أميناً على خزائن الأرض، أغلب علماء التفسير قالوا: لا، بل آتاه الملك الحقيقي فهذا الملك الذي يؤتيه الله لمن يشاء ملك زائل، وليس فضيلة يفتخر بها، فما هو الملك الحقيقي ؟ هو أنه ملك نفسه، لمجرد أن قال: معاذ الله حينما دعته امرأة ذات منصب وجمال، حينما قالت هيت لك قال معاذ الله، قال علماء التفسير: هذا هو الملك الحقيقي، الملك الذي لا يزول، الملك الذي تسعد به إلى الأبد، أن تملك نفسك ولا تملكك، أن ينقاد لك هواك ولا تنقاد له، إذا انقاد لك هواك وسيطرت عليه فأنت ملك، إذا سيطرت على نفسك فأنت ملك، إذا ملكت زمام نفسك فأنت ملك، إذا سيطرت على شهواتك فأنت ملك، إذا قدت نفسك إلى طريق الخير والسعادة فأنت ملك أما إذا قادتك نفسك إلى الضلال والشهوات والمعاصي والآثام أنت مملوك، إذا قادك عقلك أنت ملك، إذا قادك هواك فأنت مملوك، وشتان بين أن تكون ملكاً وبين أن تكون مملوكاً.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثانية والستون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان : * المَلِك الحقيقي :

الملك الحقيقي أن تملك نفسك لا أن تملكك، أن ينقاد لك هواك لا أن تنقاد له، أن تسيطر على شهواتك، أن تكون مع الحق حيث كان الحق، أن تكون وقَّافاً عند كتاب الله، أن تعترف بالحق الذي لغيرك عليك وإن كان مراً، هذه هي البطولة الحقيقية، هذا ما اتجه إليه معظم المفسرين في قوله تعالى:

﴿رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)﴾

بعضهم قال: المَلِكُ: الذي ملك قلوب العابدين فأقلقها، الحقيقة أن الإنسان منذ أن عرف الله عز وجل، أو منذ أن بدأ في معرفة الله، دخل في دوَّامة الحب، أصبح مشغولاً، أصبح عظيماً بعد أن كان تافهاً، يعني أن المؤمن قلق لا ينزاح عنه قلقه حتى يلقى الله عز وجل، هل اللهُ راض عني ؟ هل عملي وفق ما يرضي الله ؟ هل الله يحبني ؟ هل في عملي إخلاص ؟ هل في عملي زيغ ؟ هل هناك ما أرجوه غير الله عز وجل ؟ومَلَكَ قلوبَ العارفين فأحرقها، المَلِكُ مَنْ إذا شاءَ مَلَّك ومن إذا شاء أهلك:﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾(سورة البروج) إذا أعطى أدهش، وإذا حاسب فتّش، اللهُ سبحانه وتعالى. المَلِكُ من إذا شاء ملّك وإن شاء أهلك، الملك الحق من لا ينازعه معارض، لا خصومات لا معارضون لا مُشَوشون منتقدون، ولا يمانعه ناقد فهو في تقديره منفرد، وبتدبيرهُ متوحِّد، ليس لأمره مرد ولا لحكمه رد، والمَلِكُ من دار بحكمه الفلك.

ذكر الله تعالى في آية واحدة خمسة بنود للملكية، قال تعالى:﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)﴾ (سورة آل عمران)

العلماء فسروا المُلْك أنه ملك الآخرة كما فسَّروه ملك الدنيا، فإذا كنت مؤمناً، مستقيماً، صادقاً مخلصاً، لك عمل طيب فأنت ملك، ولكن مِن ملوك الدار الآخرة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ؟ والإمام علي يقول: ” الغنى والفقر بعد العرض على الله”وقال:﴿ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ ﴾ ولكن من تشاء ؟ إذا قال الله عز وجل:﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

ما معنى يهدي من يشاء ؟ يعني من شاء الهداية هداه الله.” ويضل من يشاء ” من شاء الضلالة أضله الله، فالهداية والضلالة أصلهما هداية جزائية أو ضلال جزائي مبني على هداية أو ضلال اختياري، قال تعالى:﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)﴾(سورة الصف) ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاء﴾ تؤتي الهداية من شاءها، وتنزع الملك ممن تشاء: رفض الدين، رفض رحمة رب العالمين، رفض وعده العظيم، أراد الدنيا، أراد شهواتها، ينصرف الإنسان إلى الملاهي، إلى شهواته، إلى دور اللهو، إلى معاصيه، إلى انحرافاته.

بالمناسبة مُلْك الدنيا: يؤتيه الله لمن يحب ولمن لا يحب، وأما مُلك

 الآخرة فلا يأتيه إلا لمن يحب.

المعنى الثاني: ملك الدنيا، الله سبحانه وتعالى يقول:﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (سورة الأنعام: من الآية 165)

مَن مَلَّكَكَ هذا البيت ؟ الله سبحانه وتعالى، لمن كان هذا البيت ؟ لفلان، كيف باعه ؟ ضاقت به الأمور فباعه، من الذي جعلك خليفة له في هذا البيت ؟ الله سبحانه وتعالى، هذا العمل من ولاّك إِياه ؟ الله سبحانه وتعالى، لماذا عُزِل فلان ؟ بحكمة الله وتقديره، إذاً المعنى الآخر: تؤتي الملك مَنْ تشاء، المعنى الدنيوي، الله سبحانه وتعالى يقول:﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ الأرض ﴾ ما الحكمة ؟ لماذا أعطى فلاناً ومنع فلاناً ؟ ومَلَّكَ فلاناً ونزع من فلان ؟لماذا رفع فلاناً وخفض فلاناً ؟ الجواب:﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾يمتحنك بالغنى وبالفقر، بالصحة وبالمرض، بالقوة وبالضعف، قال فإذا كان هذا العبد متمرداً فما الجواب، قال:﴿ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ ﴾قال فإذا كان طائعاً فما الجواب ؟﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (82)﴾(سورة طه: الآية 82)

إذاً: جعلكم خلائف الأرض، ووزع الحظوظ توزيع ابتلاء وسوف تُوَزَّعُ في الآخرة توزيع جزاء إذاً هومالك الملك: إِما أن يُمَلِّكك ملك الآخرة أو ملك الدنيا أو ملك الآخرة والدنيا: ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا  وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل﴿ وتعز من تشاء وتذل من تشاء ﴾ دخلنا في باب العز والذل، هنالك شيء دقيق جداً: إذا أعزك الله سخر لك أعداءك، وإذا أراد الله أن يذل عبداً ما، أذله أقرب الناس إليه.﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ﴾   اجعل لربك كل  عزك يستقرَّ ويثبُت **** فإذا اعتززت بمن  يموت فإن عزك ميّت

إذاً من لوازم أن الله مَلِك أنه هو الذي يعز وهو الذي يذل، فكن مع العزيز :

    أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا ***  فإنا منحنا بالرضا من أحبنا

   ولذ بحمانا واحتمي بجنابنـا   ****   لنحميك مما فيه أشرار خلقنا

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثالثة والستون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان : * المَلِك الحقيقي :

﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾ إذاً فالذلُّ خير، ونزع المُلكِ خير، ولكن يسمى شراً من وجهة نظر الإنسان. ﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ﴾ تصريف الكون، تسيير الكون، الأرض تدور حول الشمس بمدار اهليلجي بيضوي، مَن يجعلها على مسارها تماماً؟ هل في الكون كله قوة تستطيع أن تجعلها على مسارها لو خرجت ؟ إنها إن خرجت انتهت وجذبتها كواكب أخرى !! ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً(41)﴾(سورة فاطر

يمسكها على مسارها، إذا خرج القطار عن سِكَّته، طفل رضيع أو نملة صغيرة أو ذبابة حقيرة هل بإمكانها أن تعيده إلى السكة ؟﴿وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ﴾

مَن جعل الأرض تسير في الثانية 30 كم ؟ مَن جعلها تدور في الساعة 1600 كم ؟ مَن جعلها بهذا الحجم ومن جعل بعدها عن الشمس بهذه المسافة ؟ هذا من اسم الله: الملك. ﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (سورة آل عمران: الآية 27)

ظاهرة النبات، ظاهرة توالد الإنسان، تكاثر الحيوان، تكاثر النبات. ﴿ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾بذرة الزيتون تبدو لك قطعة من الخشب كامن فيها شجرة بقوة هذه البذور، هذه أنماط الحياة، دورة الحياة، الشجرة يابسة في الشتاء كأنها خشب يأتيها الربيع فإذا هي خضراء.

مرة طلب سيدنا عمر من سيدنا عمرو بن العاص أن يصف له مصر وكان بليغاً، قال: يا أمير المؤمنين مصر طولها شهر، وعرضها عشر، يعني طولها مسيرة شهر وعرضها مسيرة عشرة أيام، يخط وسطها نهر ميمون الغَدَوات مبارك الرَّوْحات، يا أمير المؤمنين بينما هي عنبرة سوداء – ترابها أسود اللون لخصوبته – إذا هي درَّة بيضاء – طواف النيل – إذا هي زبرجدة خضراء، فتبارك الله الفعال لما يشاء، وصف مصر في الشتاء وفي فيضان النيل وفي الربيع والصيف، وصف طولها ووصف عرضها.

إذاً مِن معاني الملك أنه يقلب الليل والنهار، ويخرج الحيَّ من الميت ويخرج الميت من الحي، ومن معاني أنه يخرج الميت من الحي والحي من الميت: أن الكافر قد يلد مؤمناً وأن المؤمن قد يلد كافراً:

﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)﴾(سورة هود: الآيتان: 45- 46 ) آخر بند في المُلْكية:﴿ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

قد يرزق الإنسان الضعيف، وقد يفقر القوي الذكي، لذلك التجار يقولون ليس عند الله تاجر ذكي، ومن دعاء المؤمنين على الكافرين ” اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم ” فالكافرُ يدبر فإذا هو يدمر نفسه. ولا ينفع ذا الجد منك الجد.

هناك سؤال: هل يملك العبد بالتمليك، لو أنّ إنساناً ملَّكَك شيئاً هل تملكه، كيف نناقش هذه الفكرة ؟ مالك هذه الدار، هذه المركبة، تملَّكَ بالمكنيك كاملَ أربعٍ وعشرين قيراطاً، هذا كلام نقوله نحن، وليس هناك غلط كبير في هذا الكلام، العلماء قالوا بالحرف الواحد: الأصح أن الإنسان لا يملك ! لماذا ؟ لأن استقلاله بالتصرف في الغير فرع من كونه مستقلاً في نفسه، فإذا كان العبد لا استقلال له في نفسه وذاته البتة، فكيف يكون مستقلاً في تصرفه بالغير. ولهذا قال ربنا عز وجل مُعلماً رسولاً ومن بعده عباده: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)﴾(سورة الأعراف)

إذا كان النبي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، أفيملك النفع والضر للآخرين ؟ الجواب لا. مِن باب أولى، إذا كنتُ عاجزاً عن هداية ابني ! فهل بإمكاني أن أهدي ابنك ؟ مستحيل! فلذلك فالكلام القطعي والثابت أن الله سبحانه وتعالى هو المَلِك الحقيقي وأن الإنسان إذا ملك فملكيَّةُ مجازية .

هناك موضوع دقيق بعض الشيء، وقبل الوصول إليه، يقول تعالى:﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)﴾(سورة النحل)

إذا كان العبد مملوكاً لا يقدر على شيء، فهل يكون مالكاً ؟ أَيْ متصرفاً في ملك الآخرين، هذا مستحيل ! لكن ما بال الآية الكريمة تقول:﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)﴾(سورة الروم ) فتبصَّر يا أخي المؤمن، الأمر دائماً بيد الله فكيف نفسر قوله تعالى﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)﴾(سورة الانفطار) الآن، الأمر لله وفي آية أخرى:﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ﴾وفي آية أخرى: ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)﴾(سورة الأنعام)

وفي آية أخرى:﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70)﴾(سورة القصص)

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الرابعة والستون في موضوع ( مالك الملك ) وستكون بعنوان : * المَلِك الحقيقي :

  في الدنيا لمن الحكم ؟ أليس الحكم لله ؟ بلى، مثال آخر:﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾(سورة هود) وكما يقول الله تعالى:﴿صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ (سورة الشورى)

بيدِ مَنْ كانت إذاً ؟ هنا العلماء وقفوا وقفة رائعة قالوا: الحقيقة أَنَّ الأمر بيد الله من قبل ومن بعد والحقيقة أن الحكم لله دائماً والحقيقة أنه إليه يرجع الأمر كله دائماً. لكنِ الكفار الغافلون الشاردون الضعاف يرون أنَّ الأمر بيد زيد أو عبيد في الدنيا والحكم بيد فلان والأمر بيد فلان أما إذا كان يوم الدين كل الخلائق قاطبة ترى أن الأمر بيد الله وأَن الحكم لله وأنه إلى الله تصير الأمور، فالبطولة أَنْ ترى هذا الشيء في الوقت المناسب.

إذاً حتى الكفار والشاردون وحتى أعتى الكفرة سوف يرون أن الأمر بيد الله وأَنَّ الحكم لله وأَنَّه إليه يرجع الأَمر كله. ولكنهم في الدنيا  لايرون الله عز وجل، يرون أولياء من دونه. يرون مراكز قوى في الحياة هم يعبدونها من دون الله. ويوم القيامة يرون الحقيقة.

إذاً القضية قضية وقت فقط، إما أن ترى الحق في الوقت المناسب قبل أن يفاجئك الموت أو لابد أن تراه يوم القيامة فيكون حسرة   أية حسرة    إذاً البطولة لا أن تنتظر إلى أن ترى مع الآخرين الحقائق، البطولة أن ترى الحقيقة في الوقت المناسب كي تستفيد منها.

هناك شيء آخر: لماذا لا يكون العبد مالكاً مطلقاً ؟ قيل: لأنه لا يستغني عن كل شيء: فلو فرضنا أنّ ملكِاً عظيماً يستغني عن كل أفراد رعيته، فهل يستغني عن الهواء أو عن الماء أو عن الطعام أو عن الزواج؟ لذلك حين طلب هارون الرشيد الخليفة العباسي الذي ترامت أطراف دولته إلى أقاصي الدنيا. كأس ماء قال له وزيره وكان ذكياً يا أمير المؤمنين بكم تشتري هذا الكأس لو منع عنك، قال: بنصف ملكي، قال: فإذا منع إخراجه، قال: بنصف ملكي الآخر، قال إذاً ملكك لايساوي كأس ماء.

في بعض متاحف القاهرة ملك من فراعنة مصر الكبار اسمه توت عنخ آمون كشفت مقبرته بأكملها، كما دفن معه طبعاً من الذهب والحلي والأغراض مالا سبيل لوصفه، ولكن وقفت عند نقطة واحدة: أن هذا الملك مات شاباً في الثامنة عشرة من عمره، حيث إِنّ التابوت قصير جداً والجثة قصيرة جداً، قلت وقتها سبحان الله ! مهما كان الإنسان مالكاً ولديه من الثروات ما لديه تبقى الحياة بيد الله عز وجل، فمصر كلها كانت بيده، مقدرات مصر كلها بيده، ومع ذلك توفاه الله في الثامنة عشرة من عمره، فالمقبرة عامرة بالذهب وبشتى أنواع الحلي وبشيء تحار به العيون ومع ذلك مات في سن مبكرة فما أغنى مالُه ولا رَدَّ الموت ملكه. إنه مُلك، ولكنّه عارية.

قال بعض الأمراء لبعض الصالحين وقد التقيا يوماً سلني حاجتك ؟ فقال له الصالح: إليَّ تقول! قال الأمير: نعم، قال الصالح: لي عبدان هما سيداك. قال الأمير: ومن هما ؟ قال الصالح: الحرص والأمل؛ الحرص على الدنيا والأمل المديد هما عبدان عندي وهما سيداك، فقد غلبتهما وغلباك، وملكتهما وملكاك. فالإنسان يكون ملكاً إذا سيطر على شهواته.

بعض الصالحين قال: كنت أمر بعسفان فوقع بصري على امرأة جميلة، فمال إليها قلبي فاستعنت بالله واتقيت ومررت، فلما نمت تلك الليلة رأيت يوسف عليه السلام في المنام فقلت له: أأنت يوسف ؟ قال: نعم، فقلت الحمد لله الذي عصمك من امرأة العزيز، فقال لي: والحمد لله الذي عصمك من العسفانية، هذا هو الملك الحقيقي عندما تطيع الله عز وجل.

سيدنا يوسف لما مر بالقصر كان عبداً في القصر ثم صار ملكاً، جارية تعرفه عبداً ورأته في موكب الملك، فقالت سبحان الذي جعل العبيد ملوكاً بطاعته وسبحان الذي جعل الملوك عبيداً بمعصيته، فالحقيقة هي: مَن تحقق مِن ملك سيده كأنه ملك كل ملك سيده.

حُكي عن شفيق البلخي أنه قال: كان ابتداء توبتي أن رأيت غلاماً في سنة قحطٍ يمزح زهواً والناس تعلوهم كآبة، فقلت له: يا هذا ما هذا المرح ؟ ألا تستحي ؟ أما ترى ما فيه الناس من المحن ؟ فقال لا يحق لي أن أحزن ولسيدي قرية مملوكة أدخر فيها كل ما أحتاج، فقلت في نفسي: إن هذا العبد لمخلوق ولا يستوحش لأن لسيده قرية مملوكة، فكيف يصح أن أستوحش أنا وسيدي مالك الملوك فانتبهت وتبت – الغلام لقنه درساً في التوبة – إذاً بعضهم يقول دبِّر أو لا تدبر، فالمدبر هو الله سبحانه:

كـن عـن همومـك معرضـا  وكـل الأمـور إلى القضا **وابشر بخير عاجـــــــل  تنسى به ما قد مضـــى

فلرب أمر مسخـــــــط  لك في عواقبه رضـــى***ولربمـــا ضاق المضيــق  ولربما اتسع الفضــــا

الله يفعل ما يشـــــــاء  فلا تكن معترضـــــا****الله عودك الجميـــــــل  فقس على ما قد مضــى

ولرُبّ نازلةٍ يضيق  بها الفتى ذرعاً *****نزلت وعند الله  منها المخرجُ

ضاقت فلما  استحكمت حلقاتها ******فُرجت وكنت  أظنها لا تُفرجُ

   إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الخامسة والستون في موضوع ( مالك الملك ) وهي آخر حلقة في هذا الموضوع وستكون بعنوان : أدب الإيمان مع الملك

من آداب الإيمان بأن الله هو الملك، أن يكون العبد بما في يَدَيِ الله

 أوثق منه مما في يديه إذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يديِ الله أوثق منك مما في يديك، إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، إذا أردت أن تكون أكرم الناس منزلةً فاتق الله.

     الحاتم الأصم كان صائماً يوماً فلما أمسى قُدِّم إليه فطوره فجاء سائل فدفع ذلك الفطور إليه فَحُمِلَ إليه في الوقت ذاته طبق عليه كل ألوان الأطعمة فأَتاه سائل آخر فدفع إليه كل ذلك، ففتح بصره فإذا دنانير في الوقت نفسه بين يديه، فلم يتمالك أن صاح:  الغوث من الخَلفِ. وكان في جيرانه من يسمى ” خلفاً ” فتسارع الناس إليه وقالوا يا أخي ِلمَ تُؤذى الشيخ وما زالوا به حتى جاءوا به إلى الشيخ وقالوا هذا خَلَف جاءك معتذراً، فقال إني لم أعْنيِهِ إطلاقاً إنما عجزت عن شكر الله عز وجل على ما يعاملني به من الخلف فكلما أنفقت شيئاً أعطاني الله خيراً منه.

   أحد الصحابة وهو عبد الرحمن بن عوف قالت عنه السيدة عائشة: أخشى أَن يدخل الجنة عبد الرحمن زحفاً لكثرة ماله، فقال هذا الصحابي الجليل والله لأَدخلنَّها خبباً ( ركضاً ) وما عليّ إذا كنت أُنفق مائة في الصباح فيؤتيني الله ألفاً في المساء.

قال من عرف أَنَّ الملك هو الله وحده: آنَفُ أن أتذلّلُ لمخلوق ؛ فإذا عرفتَ ما في إلاّ الله ملك أنفت أن تتذلل لمخلوق، وقال بعضهم: أيجمل بالحرِّ أن يتذلل للعبيد وهو يجد ِمن مولاه ما يريد، أُطلبْ تعط، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، أيليق بك وقد عرفت أنَّ الله هو الملك ولا ملك سواه أن تتذلل لسواه، مَنْ عرف الله لم يحتج إلى عَوْنِ المخلوقين وفتنتهم وبذا تستغني عن الناس، والاستئناس بالناس من علامات الإفلاس.

بشر الحافي رأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم فقلت: يا أمير المؤمنين عظني فقال لي: ” ما أحسن عطف الأغنياء على الفقراء طلباً للثواب وأحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بالله”، وإذا وثقت بالله عز وجل الله لا يخيبك، من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه.

قيل لبعض الشيوخ أوصني، فقال: كن ملكاً في الدنيا تكن ملكاً في الآخرة، فقال وكيف أفعل ذلك ؟ قال: ازهد في الدنيا تكن ملكاً في الدنيا، استغن عن الرجل تكن نظيره واحتج إليه تكن أسيره، أحسن إليه تكن أميره

سئل حسن البصري: بمَ نلت هذا المقام، قال: باستغنائي عن دنيا الناس وحاجتهم إلى علمي.

قال سفيان بن عيينة: بينما أنا أطوف بالبيت إذ رأيت رجلاً وقع في قلبي أنه من عباد الله الصالحين، فدنوت منه فقلت: هل تقول شيئاً ينفعني الله به، فلم يرد عليّ جواباً، ومضى في طوافه فلما فرغ صلى خلف المقام ركعتين، ثم دخل الحجر فجلس فجلست إليه، فقلت يا سيدي هل تقول لي شيئاً ينفعني الله به، فقال هل تدري ماذا قال الله عز وجلُ: أنا الحي الذي لا أموت هلمّوا إليّ أطيعوني أجعلكم أحياء لا تموتون.﴿ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾

الإنسان أول ليلة في قبره يقول الله عز وجل له:(( عبدي رجعوا وتركوك وفي التراب دفنوك ولو بقوا معك ما نفعوك ولم يبقَ لك إلا أنا وأنا الحي الذي لا يموت ))

قال ألم تسمع ربك يقول:((أنا الحي الذي لا أموت فإن أطعتموني جعلتكم أحياء لا تموتون في جنة عرضها السماوات والأرض، أنا الملك الذي لا أزول هلموا أطيعوني أجعلكم ملوكاً لا تزولون :ملوك الدار الآخرة أنا الملك الذي إذا أردت شيئاً قلت له كن فيكون، هلموا أطيعوني أجعلكم كذلك أي كلما دعوتموني أجبكم، كلما سألتموني أعطيتكم أنا عند ظنكم:” ولئن سألني أحدكم لأعطينه ولئن دعاني لأجيبنه))هذه بعض التعريفات والآداب والحدود في شأن اسم الله الملك [الأنترنت – موقع مايوز]

الخاتمة : الحمد لله على نعمه وآلآئه وفضله وإحسانه ، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وقد إنتهيت من هذا البحث المهم والذي هو بعنوان ( الملك ،المالك ، المليك ، مالك الملك ) الذي بلغ ملكه منتهاه ، الذي عنده خزائن كل شيء ، إنما يقول للشيء كن فيكون ،الذي يؤتي الملك من يشاء وينزعه عمن يشاء ،ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهوعلى كل شيء قدير....

إن المُلك الحقيقي لله وحده لا يشركه فيه أحد، وكل من ملك شيئًا من الدنيا فإنما هو بتمليك الله له، ولا يمتلك أحدٌ شيئًا إلا من بعد إذنه ، فالله تبارك وتعالى هو المالك لخزائن السماوات والأرض ، بيده الخير، يرزق من يشاء، وهو المالك للموت والحياة والنشور والنفع والضر، وإليه يرجع الأمر كله .

  إن الله ليس كمثله شيء في ملكه، فملك الخلق سببي وملك الله ذاتي، فإن الخلق لا يكونون ملوكًا إلا بأسباب الملك، فالمَلِك لا بد له من مملكة يملكها أو ناس يحكمهم، ولا بد له كذلك من أعوانٍ على ملكه ، ولا بد له من بطانة تحميه ، ووزراء يُشاورهم ، وجنود ينفِّذون أمره على الرعية ، فملوك الخلق يحتاجون إلى ملكهم ،      أمَّا اللَّه عزَّ وجل فإن ملكه ذاتي لا يحتاج سماوات ولا أرضًا ولا عرضًا ولا شيئًا أبدًا ، فهو المَلِك قبل الخلق ، وهو الملك بعد الخلق ، وهو الملك بدون الخلق ، وكذلك ليس لله وزير ولا نظير ولا بطانة ، حتى جنود الله فإنهم لا يحمونه ولا يملكون له نفعًا ولا ضرًا ، إنما هو الذي بيده النفع والضر وحده وبيده الملك وحده ، والخلق كلهم لله وبالله ويحتاجون إلى الله ولا يحتاج هو إلى أحدٍ منهم .

  الله سبحانه هو الملك ؛ قلوب العباد ونواصيهم بيده ، فإذا استشعر العبد ذلك ، لم يُرَاءِ ولم يداهن ولم يخَفْ ؛ لأن قلوب العباد بيد الله ، هو الذي يملكها وهو الذي  يضع  لعبده  الحب  أو البغض أو الشفقة أو القسوة ، ولن يملك العبد من قلبه شيئًا ليعطي الآخرين إلا إذا سخره الله .

وقد بذلت قصارى جهدي فيه ، واستفدت كثيرا منه ، ووثقت كل معلومة فيه ، وهو أشبه مايكون بالتفسير الموضوعي ، إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله من كل خطأ وذنب . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

 

 

 

 

 

 

مالك الملك

 

 

{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}

 

جمع وتأليف

الدكتور / مسفر بن سعيد دماس الغامدي